مصطفى السفطي

١٢٥٠–١٣٢٧ﻫ

الشيخ مصطفى السفطي ابن مصطفى الفاكهاني السفطي ابن علي السفطي ابن أحمد شلبي، نسبةً إلى سفط القطايا.

وُلِد بمصر القاهرة حوالَي سنة ١٢٥٠ﻫ، وأُرسل إلى المكتب في السابعة من سِنيه، ثم تنقَّل من مكتب لآخر حتى حفظ القرآن الكريم، واشتغل بتجويده في الأزهر، ثم شرع في طلب العلم على شيوخ عصره، فقرأ الكفراوي على أحد العلماء المبتدئين في التدريس، فكان يحفظ العبارات ولا يفقه لها معنًى، ولما أَعيا عليه أمرُه وتعذَّر عليه إعرابُ أمثلة من غير هذا الكتاب أعاد قراءته ولكنه لم يستفدْ شيئًا، وكان بجوار داره دارُ السيد أحمد البقلي أحد المدرسين بالمدارس، وله ولدٌ أراد أن يقرأ القرآن مع المترجَم، فشكا المترجَم له من تعسُّر النحو عليه، فأشار عليه بشراء متن الآجرومية وأمره أن يحفظَه، ثم شرع في إعرابه له على الطريقة الأزهرية فلم يستفد شيئًا أيضًا، وشكا من ذلك للشيخ محمد الدمنهوري فأمره بترك طلب النحو كليَّةً حتى ينسى ما علِق بذهنه منه، ففعل واقتصر على الفقه، فحضر ابن قاسم على الشيخ البيجوري، وكان يتفهَّمه بخلاف النحو، فمالت نفسُه إليه فحضره مرة ثانية على الشيخ فتوح البجيرمي، ثم مرة ثالثة على الشيخ عبد الرحمن القباني أحد تلاميذ الشيخ فتوح المذكور، وكان يُطالعه لإخوانه المبتدئين.

ثم قرأ الكتب المتداولة بالأزهر، ولم تفتُرْ نفسُه عن طلب النحو على ما لاقاه فيه من الصعوبة، فصار يتردَّد على الشيخ محمد الدمنهوري ومعه متنُ الآجرومية فقط، وصار الشيخ يقول له: اقرأ هذه الجملة ثم تفهَّم معناها بنفسك ولا تنظر لأقوال الشرح، فيفعل، فتارةً كان يُخطئ وتارةً يُصيب، وسهُل عليه فهمُ هذا العلم بهذه الطريقة، وكان أحد أصحابه مبتلًى بمثل ما ابتُلي به، وأخبره أن عند علي أفندي العروسي شرحًا للرملي على الآجرومية فاستعاراه منه وقرآه معًا فكانا يفهمان ما فيه فهمًا جيدًا.

ثم اجتمع المترجَم بإنسان كفيف البصر اسمه الشيخ علي الفيومي له باعٌ في العربية، فقرأ عليه مع صاحبه كتابَ الشيخ خالد والأزهرية والقَطر وابن عقيل، ثم أعاد المترجَم القطر على الشيخ الشبيني بالأزهر، وقرأ الخطيب على الشيخ علي الأشموني عم الشيخ محمد الأشموني الشهير، وقرأ التحرير والمنهج على الشيخ مصطفى المبلط، وهو آخرُ حضورِه في الفقه.

ثم قرأ علوم البلاغة بالأزهر، وقرأ العَروض مع إعادة البيان بالمطالعة مع بعض تلاميذ رفاعة «بك»؛ كقدري «باشا» وإبراهيم «بك» مرزوق.

وبعد ذلك انتُخب مدرِّسًا بالمدرسة التجهيزية سنة ١٢٩٠ﻫ في أول نظارة رياض «باشا» على المعارف، وكانوا إذ ذاك يقرءون بها الأنموذج للزمخشري في النحو، ثم كُلِّف بتأليف رسالة في الصرف ففعل، وقرأ للتلاميذ نحو ثلاث سنوات، ثم اتفق مع بعض المدرسين على تأليف رسائل في البلاغة والصرف بتوسُّع أبسط من الرسالة الأولى، وقرأ بها سنوات.

ثم أُمر بقراءة العَروض والقوافي في المدارس، فاستحسن رسالةَ أبي الجيش وأقرأها، ثم وضَع رسالةً في العروض والقوافي أتمَّ بها ما أراده أبو الجيش، ولكن وقع ما منعَه من تقديمها للمدارس، ثم كُلِّف بوضْع رسالة في علم الرسم، فوضع رسالته: «عنوان النجابة في قواعد الكتابة» وقُرئت بالمدارس.

ونُقِل بعد ذلك للمدرسة الابتدائية المسمَّاة «بالمبتديان»، وكان ذلك سنة ١٣٠٦ﻫ، فألَّف بها رسالة بالاشتراك مع غيره في المترادفات، ثم نُقل إلى المدرسة السَّنية الخاصة بتعليم البنات، فبقي بها سنتين ألَّف فيها رسالتَه «محاسن الأعمال»، ولما عُرضت على المجلس العالي بنظارة المعارف استحسنها أعضاؤه جدًّا، وقالوا: الأولى أن تكون بيد المعلمات لا بيد المتعلمات.

ثم أخذت قوَّتُه في الوهن، وبصرُه في الضعف، لكِبر السن، فعرض استقالته على النظارة، مبينًا السبب، فأُحيل على الكشف الطبي، ثم أُحيل على المعاش.

وله من التآليف غير ما تقدَّم: رسالة في الصرف اسمها: «قرة الطرف» أوسع من المتقدمة، وأخرى في النحو وهي: «منحة الوهاب في قواعد الإعراب» وهي نظم، ومن شعره:

الحمدُ لله لا فقر يضرُّ ولا
غنًى يغرُّ فلا حزنٌ ولا فرحُ
وليس لي مطمعٌ في الناس يُلجئني
للذمِّ والمدح إن ضنُّوا وإن سمحوا
وأسألُ اللهَ حاجاتي فيمنحني
من فضله فوق ما أهوى وأقترحُ

وله:

قد يسَّر اللهُ أسبابَ المعاش لنا
بالعقل، والرزق موقوفٌ على القَسَم
ليعلم العبدُ أن الله يرزق مَن
يشاءُ بالفضل لا بالسعي والهِمَم
فيطلب الرزقَ بالأسباب معتمدًا
على الذي أوجد الأشياء من عدَم
ولا يخاف ولا يرجو سواه ولا
يحيد عن منهج الأحكام والحِكَم

وكان رحمه الله طيِّبَ الخُلق، حسنَ المعاشرة، اعتكف في داره بعد فصْله من المدارس، وعكف على الاشتغال بالعبادة ومذاكرة العلم مع مَن يَسمُر معهم من إخوانه وأخلَّائه أو استقلالًا بنفسه، وكان في مبتدأ أمرِه مولعًا بالسماع، وتشبَّث بتعلُّم الموسيقى، فلازم الشيخ محمدًا شهاب الدين الشاعر المشهور، وكان متقنًا لها، فأخذها عنه وأتقنها، ولكثرة مطالعته لكُتُب الأدب صارت له ملَكةٌ أدبية ومعرفة بجيِّد الشعر ونقدِه.

ثم ما زال على هذه الحالة المحمودة حتى أرهقَه الكِبَر، وضعُف عن المشي، فلزِم دارَه، لا يخرج إلا لصلاة الجمعة في أقرب مسجد إليه، ومع ذلك فلا يبلغه إلا بمشقة زائدة، وتوفَّاه الله إلى رحمته في يوم الثلاثاء ٢١ رمضان سنة ١٣٢٧ﻫ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤