محمد عيَّاد الطنطاوي

١٢٢٧ﻫ–١٢٨٠ﻫ/١٨١٠م–١٨٦٢م

وقفتُ له على ترجمة بخط الأديب الأستاذ عبد المعطي السعد، قال: هو الشيخ محمد بن سعد، الملقب بعياد الطنطاوي، الشافعي، أحد أفراد الطبقة الأولى الآخذة عن شيخ الإسلام الشيخ إبراهيم الباجوري شيخ الجامع الأزهر المتوفى سنة ١٢٧٦ﻫ.

كان رحمه الله من أعيان علماء القرن الثالث عشر، راسخَ القَدم في العلوم العقلية والنقلية، آخذًا بحظٍّ وافر من الأدب، وله كثيرٌ من الشعر الحسن والنثر المستحسن، وكان المشتغلون بالأدب من علماء الأزهر في عهده قليلين يُعَدُّون على أصابع اليد؛ كشيخ الإسلام الشيخ حسن العطار شيخ الجامع الأزهر، والشيخ خليل الرجبي.

وقد وُلِد المترجم في طنطا سنة ١٨١٠م وتعلَّم في الجامع الأحمدي بها، ثم أتمَّ تعليمَه في الأزهر، وله رحمه الله مؤلفاتٌ كثيرة تنمُّ على غزارة مادة ودقَّة نظر، منها: في العقائد حاشية على الشرح المسمَّى «بالتحفة السَّنية في العقائد السُّنية» للعلَّامة الكبير برهان الدين أبي المعالي إبراهيم السقا على منظومة السيد محمد بليحة، يقول في آخرها:

وحيث طعمتَ من بليحة، وشربتَ من منهل السقا، فتفكَّه بها لأُنس نفسك علَّك أن ترقى.

ومنها: حاشية على رسالة شيخه العلَّامة الشيخ إبراهيم الباجوري، يقول فيها مادحًا ومقرظًا، كما وجدته مكتوبًا بخطِّه تحت طُرَّتها:

إنَّ علْمَ الكلام أفضلُ علْمٍ
فيه وصفُ الإله والرسل يُسرَد
فإلى هذه الرسالة يَمم
فهْي حازت لما عليك تأكَّد

ومنها: «شرح منظومة الشيخ السلموني»، التزم السجع في جميع جُمله، يقع في نحو كراسة، و«حاشية على شرح الشيخ خالد الأزهري» على متنه المسمَّى «بالأزهرية» في علم النحو، ضمَّنها تحقيقاتٍ جمَّة، و«حاشية على متن الزنجاني في الصرف المشهور بمتن العزي»، قال في أولها موريًا بالمتن المذكور:

الصَّرفُ زَينُ أهله
وهو لهم كالكنز
قالوا لِمَا تقرؤه
قلتُ لأجل «العز»

ومنها: «منظومة في البيان نظم فيها متن السمرقندية» وشرح على المنظومة المذكورة، في كراستين لطيفتين.

ومنها حاشية جليلة على كتاب «الكافي في علمي العَروض والقوافي».

وقُدِّر له رحمه الله الذهاب إلى روسيا، فذهب إليها، حوالي سنة ١٨٤٠م، وعمِل مدرسًا للغة العربية بمعهد اللغات الشرقية في بطرسبورج،١ وظلَّ يعمل هنالك نحو ربع قرن، إلى أن انتقل إلى رحمة الله سنة ١٨٦٢م، بعد أن تخرَّج على يدَيه عددٌ كبير من المستشرقين.

وكانت بينه وبين رفاعة الطهطاوي مراسلاتٌ أدبية، وكلاهما من خاصة تلاميذ الشيخ حسن العطار، وقال في إحدى رسائله إليه:

«أنا مشغول بكيفية معيشة الأوروبيين وانبساطهم وحُسن إدارتهم، خصوصًا ريفهم وبيوتهم المحدقة بالبساتين والأنهار، إلى غير ذلك مما شاهدته قبل بباريز، إذ بطرسبورج لا تنقص عنها بل تَفضُلها في أشياء كاتِّساع الطُرق. أما من جهة البرد فلم يضرني جدًّا، وإنما ألزمني ربْط منديل في العنق ولبْس فروة إذا خرجت، أما في البيت فالمداخن المثبتة معدَّة للإدفاء.»

ومن أهم مؤلفاته كتابٌ سمَّاه «أحسن النخب في معرفة لسان العرب»، وقد ضمَّنه جُمَلًا وألفاظًا ومكاتباتٍ وقصصًا وأغاني عامية مع ترجمتها إلى الفرنسية، وله مخطوطاتٌ عِدَّة موجودة في مكتبة كلية بطرسبورج.

وقد اصطحب معه إلى روسيا زوجتَه وابنه، وبقيَا بعده فيها إلى أن تُوفِّيَا ودُفنَا مثلَه بمدافن المسلمين في بطرسبورج.

ولم تؤثِّرْ إقامتُه الطويلة في روسيا في شيء من دينه أو عقيدته، كما يؤخذ من قوله في قطعة شعرية أرسلَها إلى أحد أصدقائه بمصر:

أنا بين قومٍ لا أَدينُ بدينهم
أبدًا ولا يتديَّنون بديني

•••

وقد وقفت على ترجمة أخرى للشيخ محمد الطنطاوي، في كتاب تلقيتُه من المستشرق الروسي أغناطيوس كراتشوفسكي عضو أكاديمية العلوم الروسية، كتَبه في ليننغراد في ٣٠ تشرين الثاني (أكتوبر) سنة ١٩٢٤م، وهذا نصُّ الكتاب:
جناب العالِم العلَّامة الفاضل والأستاذ المدقِّق الكامل.٢

قد تسلَّمتُ في هذه الأيام الجزءَ التاسع من مجلة المجمع العلمي العربي في دمشق، ورأيتُ فيه مقالةً عن الشيخ الطنطاوي جاد بها قلمُكم السيَّال وعِلمكم الواسع، وسُررتُ بها جِدَّ السرور لما نشرتم من ذكْر هذا الرجل الفاضل الذي خدَم الأدبَ العربي والروسي خدمةً تُذكَر وتُشكر، قد طال ما أعلل نفسي بكتابة ترجمة الشيخ، وقد تراكمتْ لديَّ المواد، ولكن لم تساعدني الظروفُ حتى الآن بجمْعها وترتيبها، أما المستقبل فآتٍ؛ ولذلك رأيتُ أن أكتبَ إليكم ببعض الملاحظات والاستدراكات على مقالتكم اللطيفة، وأقول:

من أهم المصادر في هذا الموضوع تاريخ الحياة للشيخ المكتوب بقلمه، وإن لم يُكتب منه إلا قطعةٌ صغيرة، وهي منشورة بأصلها العربي والترجمة الألمانية للعلَّامة Y. G. Ksscgarten في مجلة اسمها: Testochrisftder Dentocben Morginla rdcsehen Yesselle choft I, V, 482, 282.

«والمصدر الثاني لتاريخه لا يقلُّ أهمية عن الأول، وهو مخطوطاته العديدة الموجودة الآن في مكتب الكلية البتروغرادية، وهي لا تقلُّ عن مائة وخمسين نسخة يُوجد بينها كثيرٌ من تأليفات الشيخ كُتبت أغلبها بخطِّ يده، ومن مؤلفاته المذكورة في مقالتكم (ص٩–٣٨٨) يوجد في الكلية «حاشية على الأزهرية» كُتبت سنة ١٢٥٣ﻫ وهي بخط يده (عدد ٨٢٧)، و«نظم التعريف للزنجاني» كُتِب سنة ١٢٥٥ﻫ حسب النسخة الأصلية المؤرخة سنة ١٢٩٥ﻫ (عدد ٧٢٦)، وعددُ التأليفات غير المذكورة في مقالتكم ليس بقليل؛ ككتاب «منتهى الآراب في الجبر والميراث والحساب» كُتِب سنة ١٢٩٥ بيده (عدد ٨٢٠)، وكتاب «الحكايات المصرية العامية» بيده (عدد ٧٤٥)، ومسودات لتاريخ العرب، وترجمة الباب الأول من «كلستان السعدي» بيده (عدد ٨٣٨) وغيرها، وكثير من المخطوطات مع الحواشي والشروح للشيخ، يذكر فيها وقتَ قراءته لها أو نسخه. وفي هذا من الفوائد كثير.

والمصدر الثالث لتاريخ حياة الشيخ مشتَّت ومبعثر بين أيدي الناس والمكاتب، أعني مكاتبته مع أصدقائه وتلاميذه، ولم يَصِلْ إلى يدي منه غيرُ شيء قليل لا يُطفئ غليلًا.

وكان من تلاميذه المشهورين: Y, A, Mallin الفنلاندي أصلًا الذي ساح في جزيرة العرب وفي بلاد مصر وسورية سنين عديدة تحت اسم عبد المولى، وقد طُبعت بعضُ مكاتيب الشيخ إليه مترجمة إلى اللغة الأسوجية، ويوجد غيرُها في مكتبة الكلية في عاصمة فنلندا المسماة: Ilalsingfors، وقد أحرزت على النسختين منها:
«وما ذكره الأستاذ Ilnart من تاريخ موته (٣٩٠) من مقالتكم، فلا صحة له، وهو مأخوذ على علَّاته من كتاب تاريخ الآداب العربية للأستاذ Brockclinann الشهير، وأقربُ منه إلى الصواب ما رواه أمين فكري — مسندًا إلى الأستاذ غوتوالد — فإن الشيخ الطنطاوي تُوفي إلى رحمة ربه سنة ١٨٦١م في ٢٩ أكتوبر منها، كذلك لا صحةَ لِما ذكرتْه مجلة رعمسيس (ص٣٩١) وهو مأخوذ حرفيًّا من كتاب الأب لويس شيخو عن تاريخ الآداب العربية في القرن التاسع عشر (٥٩:٣) لأن الشيخ دُعي للتدريس في الكلية سنة ١٨٤٠م وليس سنة ١٨٥٨م، وكان هو المعلِّم الأول، وكان نفروتسكي معاونًا له وليس العكس، أما سفره إلى روسية فكان بدعوة من نظارة الخارجية لتدريس العربية في مدرسة الألسن الشرقية التابعة للنظارة المذكورة. أما وقت سفره فليس ببعيد مما استنبطتموه في مقالتكم (ص٣٩١)؛ لأنه دُعي إلى الروسية سنة ١٨٤٠م، وقَدِم إليها على ما يظهر في هذه السنة، ومما يؤيِّد ذلك نسخة «شرح سِقط الزَّنْد» الموجودة بين مخطوطاته (عدد ٨٣٧)، فإنه يذكر في ختامها أنه نسخها سنة ١٢٥٦ وهو في المحجر الصحي بالقسطنطينية.
وكذلك أصبتم في تعيين وظيفة الخواجة بكتي (ص٣٩٠) فإنه كان ترجمانًا (Agent consulaire) للقنصلية الروسية بالقاهرة.

هذا ما سنح لي تحريرُه في هذه الفرصة، والمرجو من جنابكم أن تغضُّوا الأنظار عن هفواتي، وتَقبلوا عذري على تقصيري؛ فإن العذر عند كِرام الناس مقبول.»

١  مدينة ليننجراد الآن.
٢  يقصد المغفور له العلَّامة المحقق أحمد تيمور باشا رحمه الله.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤