الفصل الأول

الملعب الأول

(ديوان بباب مدخل، وما بين الجهتين مفروش من أعظم المفروشات، ومنظوم بكراسي جميلة وسفرة في وسطه في بيت الخواجة إبراهيم.)

المنظر الأول

(كارولينا وحسانين)
كارولينا (وهي تنظِّف الكراسي ولم تشعر دخول حسانين، فتقول) : شوجل كتير في البيت دا، لكن كواجة يكول النهار دا يجي واخد كدام جديد.
حسانين (ينظر كارولينا ويقول في سرِّه) : ما شا الله، يا دهوتي على جمال دي البنت، دا إيه دا! شيء يجنن، يارب تكون عشقتني زي ما عشقتها. يخي إنت مجنون يا واد؟ بالله رايحه تعشق فيك إيه وانتا مُسخة؟ يعني لو كان ربنا خلقني سنيور ببرنوطة من اللي يبقوا زي البلاصي على الراس كان يجرى إيه في الدنيا؟ كنت أقول لها: سنيورة، بونو بونو. وهي ترد عليَّ بحسَّها الجميل وتقول لي: كرسي كرسي. يا محلا دي الكلمة. هُس، أهي رايحة تبُص لنا. يا سلام، دول عيون دول ولا إيه؟ الله أكبر.
كارولينا (تلتفت وتقول) : هيا إنتي الكدام الجديدة؟
حسانين : هو أنا يا روحي.
كارولينا : عاوز تروخي فين؟
حسانين : أروح؟ أروح إزاي وأفوتك؟ ليه؟ أنا أكلت بعقلي حلاوة؟ أنا باقول لك يا روحي، يعني روحي اللي في بطني. فهمتي؟
كارولينا : أنا روخي؟ أنا موش تروخي؛ أنا في شُجل هنا.
حسانين : دي تلطميس ما تعرف الجمعة من الخميس.
كارولينا : إنتي اسمه كميس؟
حسانين : يا غرامي هوا أنا عبد؟ أنا اسمي حسانين ياختي.
كارولينا : ها خسانين دا اسم كويس كتير.
حسانين : يا فرحتي، أديني عجبتها.
كارولينا : إنتي كنتي في بيوت قبلا من هنا؟
حسانين (في نفسه) : دي بتقول إيه؟ (إلى كارولينا) ما تفسَّري، بيوض يعني إيه؟
كارولينا : إنتي موش عارف أنا أكلم إيه؟ أنا كلمت إنت كنت في بيت ناس تاني؟
حسانين : أُمال إيه؟ كنت في بيوت كتير.
كارولينا : طيب ودلوقتي إنتا يعوز إيه من أنا؟
حسانين : أعوز إيه؟ أعوز أشاهدك.
كارولينا : روحي اكنسي أوضة بتاع سفرة.
حسانين : ما عجبهاش الكلام، ما يجيش منه يا ولد (ثم يخرج).

المنظر الثاني

(كارولينا فقط)
كارولينا (في نفسها) : الكدامة دي مجنون، إذا كان هو فيه راس هوا يعملوا هنا جنيهات زي أنا، معلوم، أنا في واخد سنة في سكندرية دي. أنا جيت موش كمسة فضة في جيبو أنا، ودلوكت أنا فيه. فيه من جنيهات صفرات إنجليزي. أنا عملتو دول موش بخاجات بطالات، لا، أنا بنت طيب. أنا يمشي دوجري. هنا في البيت دي الكواجات اللي يجو كل ليلة يلعبوا وركات، واللي يكسبوا يدي شويا فرنكات للكماريرا، وكمان في الكواجة يوسف، هو يخب الست الصجيرة ويديني مكتوبات على شانها، وهيا كمان تديني مكتوبات على شان هوا، والمكتوبات دول موش بلاش دول بفلوس. والله مسكين الخواجة يوسف، هو عاوز يتجوز الست الزجيرة، والكواجة الكبير موش تكول لا، بس المدام — كُبَّة تشيلو — موش عاوز يسمع الكلام دي. هيا عايز واخد فرنساوي، باشا كبير. والله هي مجنون. هُس الكواجة يجي.

المنظر الثالث

(الخواجة إبراهيم والمذكورة)
إبراهيم (إلى كارولينا) : صباح الخير يا بنتي.
كارولينا : يزيد صباخك يا سيدي.
إبراهيم : الست صحيت من النوم؟
كارولينا : لع يا سيدي الوكت بدري. إنتي عاوز أنا أكوِّم هيَّا؟
إبراهيم : معلوم، الوقت راح صرنا الظهر. روحي صحِّيها وقولي لها إني أريد أكلمها.
كارولينا : طيب يا سيدي. حاضر يا كواجة (تخرج).

المنظر الرابع

(إبراهيم فقط)
إبراهيم (يجلس على كرسي يتنهَّد يقول) : ياما الإنسان يتأسف لمَّا يتفكر في أحوال الدنيا. أهو أنا كنت رجل على قدر حالي، تاجر صغير، ألحس سنِّي وأبات مهنِّي. رزق يوم بيوم والنصيب على الله. وكنت مبسوط أربعة وعشرين قيراط. وفي وقتها زوجتي كانت ما تنظرشي إلَّا لأشغال بيتها. لا تحب الخروج ولا الدخول زي النسوان الآخرين. وكانت مهنِّياني. أما تعالى لدلوقتِ اللي ربنا فتح علينا بأبواب الفرج وصرت غني وتاجر عظيم وشهير، احتاطت بي جميع الهموم، والسبب في ذلك تكون مراتي؛ لأنها صارت تقلِّد المدامات إيَّاهم، وكل صيفيَّة ما يصحِّش إلَّا تروح باريز تتنطَّط وتتعاجِب كأنَّها ستِّ صغيرة. وإذا قُلت لها: السنة دي ما أقدرش أروح معاكي لكثرة الأشغال فتوجِد لها ألف من يروح معها، فألتزِم أروح معها وإلا أشوف وأسمع ما أكره وأصير من عايلة التيوس. آه يا سُوء بختي، ربنا يلطُف. وأما عيشتي أنا مثل الزفت وأحسن. من صباحات ربنا أنزل على البنك. وبينما أكون أنا في مجادلات ومنازعات مع تجار وسماسرة وما أشبه ذلك، وحضرة الستِّ تستقبل زيارة جُملة جِدعان نماردة، لا لهم شغلة ولا مشغلة إلا بيت يشيلهم وبيت يحُطُّهُم. يضحكوا على واحدة، ويسلبوا عقل التانية، وأحيانًا يتقاتلوا على الستِّ من دول من غير ما يعلم بشيء المسكين زوجها. وفي الحال الناس تحكي في حقه وفي سيرتها، وتكبَّر العبارة ولو كان أصولها حاجة هزيان. وأما بعد الظهر الست في لزوم تخرج تشم هوا بعربية لوحدها؛ لأني إذا أردت أروح معها تكركب لي الدنيا وتقول بأعلا حسها: الموضة مهياش كدا؛ الست لازم تخرج لوحدها؛ لأن إذا خرجت مع زوجها يقولوا عليها الستات الآخرين: دي مالهاش كفاليير يتبعها على حصان! يخي الله يلعن الكفاليير والحصان والفُسحة وساعة ما صرنا أغنيا. أنا والله أحسد الرجالة اللي نسوانهم ما يعرفوش الموضة والآلافرنكه.

المنظر الخامس

(الست مريم والمذكورين)
مريم (تدخل من الباب الشمال وتقول) : يعني يحل من الله إنك تصحِّينا بدري كدا؟ يعني تكسب من الأذيَّة دي كتير؟ معناها لطيف جنابك؟
إبراهيم : نعم يا ستي؟ بتقولي إيه؟ بقا الوقت بدري ونحن صرنا تقريبًا الظهر؟ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. مقبول يا ستي.
مريم : ما تقولش ستي؛ اتعلم لك كلمتين فرنساوي على آخر الزمن وقول مادام. فهمت؟
إبراهيم : طيِّب يا مدام، بقا أنا بدي أخبَّر جنابك يا مدام إن الحوايج الذي وصيتيني عليهم في باريز أهُم جاءوا بالسلامة.
مريم : بعد إيه يا موسيو؟ معالهش بقا ما عندكش أخبار غير دي؟
إبراهيم : لا يا ستي، لا يا مدام.
مريم : الحمد لله لإني ظنيت إن عندك جواب من الواد يوسف وبدك توريهوني. أنا باستعجِب إزاي تجاسر ويطلب يتزوج عديلة؟! والله إنه ما يختشي لأنه قطعة واد كاتب لا هناك ولا هنا، وقال بدُّه يناسب تُجار عظام زيِّنا، آدي اللي بدُّه يضرب راسه بالقباقيب العالية. وإنت يا مسيو ماتعرفش مقام نفسك؟ إنت كفاليير مجيريه؛ يعني بقيت أمير، إنتا حماية قنصل فرانسا، بقيت أفرنكي، عندك ملايين فرنكات، يعني بقيت باشة البانكييرات، وتريد توطِّي نفسك وتاخد لبنتك واد كاتب يقرِف؟ إخص!
إبراهيم : يقرف؟ أيوا تعرفي منين إنه يقرف وإنتي ما شفتِهش إلا مرة واحدة ودقيقتين بس؟
مريم : يعني إنتا اللي شوفته غير المرَّة دُكها؟
إبراهيم : لا، لكن أنا بعرفه؛ لأن سمعت كل الناس بتمدح فيه وتشكره، وغير دا عديلة تحبُّه زي عينيها.
مريم : تحبُّه؟ دا إنتا بيبان لك كدة، دلوقتِ تشوف لمَّا أوريها الجوابات اللي وصلتني الصبحيَّة.
إبراهيم : جوابات إيه يا مدام؟
مريم : دا موش شغلك.
إبراهيم (يتنهد) : معلوم، ما هو أنا قاعد هنا زي قواره.
مريم : معالهش، النوبة دي رايحة أرحم عليك وأقولك السيرة إيه.
إبراهيم : يبقا فضل منك يا مدام.
مريم : إنتا فاكر الكونت لسانتور اللي تعارفنا به في باريز؟
إبراهيم : فاكره، الراجل الاختيار إيَّاه.
مريم : اختيار أمَّا لطيف.
إبراهيم : أيوا، دا كان دايما ما يفارقكيش مطرح ما تروحي. (في سرِّه) الله يلعنه، دا كان عجوز وناقص.
مريم : تعرفش ابنه؟
إبراهيم : لا؛ لأنه كان بوقتها في بيلاد الإنجليز، وإنتي كمان ما شفتِهش.
مريم : صحيح لكن أبوه قال لي إنه شاب ظريف.
إبراهيم : طيب إيش دخل الشاب دا في الجوابات اللي بتحكي عنهم؟
مريم : أعرف إن الكفاليير فيكتور — لأن اسمه كدة — بقاله كام يوم هنا.
إبراهيم : الحمد لله بسلامته.
مريم : وليلة إمبارح شافنا في التياترو، ونظرنا نظرة وقعت في قلبه ألف حسرة.
إبراهيم : إزاي؟ الشاب عشقك إنتي؟ (في نفسه) دا يبقا أعما على الكلام دا.
مريم : لا موش أنا، دي عديلة اللي عجبته قوي.
إبراهيم : على كل حال طيب، ولمَّا عجبته؟
مريم : بعت لي الصبح جوابين، جواب من أبوه بيوصِّيني عليه، وجواب منه طالب القُرب منا في عديلة. تقول إيه في النسب دا؟ دي قرابة تشرَّف؛ لأن أبوه كونه يعني تقريبًا في درجة باشا، وهو بالضرورة يحصل درجة بيك، موش زي يوسف بتاعك اللي ما يسواش نُص.
إبراهيم : طيِّب وريني الجوابات أقراهم.
مريم : رح تفهم منهم إيه؟ دول بالفرنساوي. يا لله قوم ادخل أوضتك والبس زي الناس اللي خلقها ربنا، وما تنساش تحُط نيشانك على صدرك على شان ما يشوف إننا أُمَرَه زيُّه، موش ناس كُلشي انكان.
إبراهيم : طيب يا مدام، سمعًا وطاعة.

(يخرجوا الاثنين كل واحد من باب.)

المنظر السادس

(عديلة لوحدها)
عديلة (تدخل من الباب الوسطاني وتقول) : آه، ماليش بخت، ربنا رزقني بأم قلبها زي الحجر، ما ينفعش معها لا بكا ولا دموع؛ لمَّا وقعت في عرضها بإنها تسمح أتجوز يوسف اللي أحبه، نطِّت زي الغراب وقالت لي: يوسف دا إيه؟ يقولوا عليه مين في العظمات؟ ما تستحيش تحبِّي واد مش من مقامك؟ قومي اتهندزي ويالله بنا على التياترو. فأنا التزمت أطاوعها، لكن ربنا يعلم بقلبي. مسكين يا يوسف، يا ترى قدر إيه انقهرت لمَّا سمعت إن ما فيش عشم في محبِّتنا؟ لكن ما تخافش، والله القلب ما يعشق غيرك، أنا أفوت الدنيا على شانك. من صبر نال (تغني):
صبري فرغ يا جميل
حُبك تلف حالي
… … إلخ

المنظر السابع

(كارولينا والمذكورة)
كارولينا (تدخل وفي يدها جواب) : مدموازيل، الكواجة يوسف إديت أنا واخدة مكتوب على شان إنتا.
عديلة : هاتيه هنا.
كارولينا : كُدي يا ستي (تعطيها الجواب).
عديلة (تقرؤه سرًّا وبعد ذلك تقول) : يا روحي، قدر إيه بيحبني، هو ميِّت في هوايا. (تقرأ باقي الجواب في سرها وتقول) والله إن شورته جميلة، إذا صحَّت تبقا عناية من الله. وأما إذا لحظوا الجماعة! يخي الله لا يقدَّر، ربنا يستر.
كارولينا : المسيو والمدام يجي هنا.
عديلة (تخبِّي الجواب في عِبها) : طيب روحي ما تكلميش حد.
كارولينا : موش تكافي يا ستي (تخرج).

المنظر الثامن

(إبراهيم ومريم والمذكورة)
إبراهيم (إلى عديلة) : صباح الخير يا بنتي.
عديلة : يسعد صباحك يا بابا.
مريم (إلى إبراهيم) : نقَّطنا بسكاتك.
إبراهيم (في نفسه) : هنا الضربة والكتمة.
مريم (إلى عديلة) : بون جور مافيليه.
عديلة (إلى مريم) : بون جور ما مير.
إبراهيم (في نفسه) : يعني ما يصحِّش إلا تتكلم فرنساوي! إحنا اللي تايه منا نص العربي.
مريم (تعطي عديلة الجوابين) : اقري دول يا عيوني وشوفي أي عريس نقيت لك. لا شك إنه يعجبك؛ دا شاب لطيف ظريف جميل عاقل وفصيح.
إبراهيم (في نفسه) : اللي هيا ما شافتوش وبتشكر فيه قدر كدا، إشحال بقا لما تشوفو؟ دي تبقا تقول عليه فريد عصره.
مريم (إلى عديلة) : فهمتي؟ هوا ابن ناس وصدره مليان نيشانات.
عديلة (تاخد الجوابات وتقراهم سرًّا، وبعد ذلك تقول) : حاجة بهجة والله، طيب كتر خيرك يا ماما. أنا دايمًا أقول كدا، إن ماما ما تحب لي إلَّا الخير. إيش من كتابه دا لولي ما هوش خط. وأي كلام رقيق ما شا الله. دا أنا كمان شُفت المسيو دا إمبارح في التياترو.
مريم (إلى إبراهيم) : شُفت يا عبيط، كلامي في محله والا لاء؟ فين محبتها في يوسف؟
إبراهيم (إلى مريم) : يلعن جد اللي فاهم من العبارة دي شيء، إزاي إمبارح كانت مسلوبة في حُب يوسف، وقالت لي إنها ما تاخدش حد غيره واليوم تنساه؟! (في نفسه) شيء ما يدخلش العقل، لازم يكون هناك داعي أو ملعوب، يخي طيب أنا بإذن الله أعرف أفُك عُقدة الفن دا.
مريم (إلى عديلة) : يالله يا بنتي يا مدموازيل، روحي الشامبر بتاعك واتهندزي؛ لأن الكفاليير فيكتور جاي دلوقتِ.
عديلة : حاضر يا ماما (تخرج فرحانة).

المنظر التاسع

(المذكورين ما عدا عديلة)
إبراهيم (إلى مريم) : من أين تعرفي إنه جاي دلوقتِ؟
مريم : دا موش شغلك إنت بس قول أيوا.
إبراهيم : وإذا كان عجبني أقول لا مثلًا؟
مريم : بردك تقول أيوا. فهمت؟ ولا تشوف حالك؟
إبراهيم : طيب يا مدام، بس ما تزعليش.

المنظر العاشر

(حسانين والمذكورين)
حسانين (إلى إبراهيم) : يا سيدي.
مريم (إلى حسانين) : كلِّمني أنا يا شيخ.
إبراهيم (إلى حسانين) : أيوا كلمها هيَّا؛ لأن أنا (في نفسه) أنا ماليش حساب. الموت أحسن من العيشة دي.
حسانين (إلى مريم) : بقا يا ستي.
مريم (إلى حسانين) : هنا مافيش ستي.
حسانين : إزاي بقى لا سيدي ولا ستي؟ أكلم مين أُمال! أكلم الحيطان؟
مريم (إلى حسانين) : إخرس يا قليل الحيا ولَّا قول يا مدام.
حسانين : طيب وريني مادام دي فين وأنا أقول لها.
مريم : أنا المادام.
حسانين : على عيني وراسي بقا يا ستي يا مدام.
مريم : مادام بس من غير كلمة ستي يا غشيم. اطلع برَّا وابعت لي الكماريرا لأن باين عليك ما خدمتِش خواجات إفرنك زيِّنا.
حسانين : لا يا ستي، لا يا مدام، لكن أتعلم.
مريم : طيب دلوقتِ عاوز تقول لي إيه؟
حسانين : إن في واحد خواجة برا طالِب الدخول.
مريم : قول له يتفضل، وابقا دُق الجرس لما يكون الغدا حاضر.
حسانين : طيب يا مدام.

المنظر الحادي عشر

(المذكورين ما عدا حسانين)
مريم : إحنا لازمنا خدَّام فرنساوي يعرف طرايق الناس الأُمره. وصِّي لنا على واحد بكرة لأن الخدَّامين العرب دول حمير. تيران الله في برسيمه.
إبراهيم : أمرِك.
مريم : الكفاليير فيكتور أهو داخل، يالله تلحلح وقوم استقبله.
إبراهيم : حاضر.

المنظر الثاني عشر

(الكفاليير فيكتور والمذكورين)
فيكتور (بأظرف الملبوسات، بعيون قزاز على منخاره، وقطعة دقن طويلة تحت شفته، وبرنيطة طويلة سودة في يده، ويدخل من باب الدخول ويقول) : إيتيل برمي؟
إبراهيم : اتفضل يا سيدي.
مريم : أنتريه مسيو لي شفالييه.
فيكتور : مرسي مدام (يأخذ يد مريم ويقبلها ويسلم على إبراهيم).
مريم (إلى فيكتور) : برنيه بلاس سيل فوبليه.

(جميعهم يجلسون.)

إبراهيم (إلى فيكتور) : حضرتك تعرف عربي؟
مريم (إلى فيكتور) : فو بارليه لراب؟
فيكتور (إلى مريم) : وي مادام. (إلى إبراهيم) أبقا يا سيدي سافيه، أنا علمتو في باريز كراية وكتابة عربي، وبعد ذلك روختو في شام سوا سوا عسكر فرنساوي، وكذلك اتعلمتو تكلمو كاليل.
إبراهيم (إلى فيكتور) : حضرتك بتتكلم قوي طيب.
فيكتور (إلى إبراهيم) : كدا كدا أنا أفهمو كل إنتا تكول لي.
إبراهيم (إلى فيكتور) : ما شا الله. وتعرف ألسُن غير الفرنساوي والعربي؟
مريم (إلى إبراهيم بصوتٍ خفي) : معلوم، أُمال زيَّك إنتا اللي ماتعرفش غير لسانك؟
فيكتور : أنا أعرفو أتكلمو لسانات كتير: فرنساوي، تلياني، إنكليزي، نمساوي، مسكوفي، إسبانيولي، رومي، تركي، فارسي.
إبراهيم (في نفسه) : يا خسارة إني ماعدتهمش، دول يجولهم دستة وزيادة. يعني لو قال إنه يعرف تمانين لسان مين كان يكدِّبه فينا؟
مريم (إلى فيكتور) : وفين اتعلمت كل الألسُن دي؟
فيكتور : أنا كنتو إنبسادور في فرانسا وإنجلترة وأوستريا وروسيا وإسبانيا وإسطنبول وأتينا وجهات. وكمان كنتو مع العساكر الفرنساوي جنيرال في شام. وكذلك اتعلمتو دي كله.
إبراهيم (في نفسه) : أدي اللي يقول عليها لهجة فرنساوية. (إلى مريم) إنبسادور يعني إيه وجنيرال يعني إيه؟ في عرضك فهِّميني.
مريم (إلى إبراهيم) : يعني الشي وساري عسكر. والله دي هتيكة وجُرسة إنك ماتعرفش فرنساوي.
إبراهيم (إلى مريم) : والعمل؟ رايح أقوم أتعلم دلوقتِ؟ يبقا صدق من قال بعد ما شاب ودُّوه الكُتَّاب!
مريم (إلى فيكتور) : بقا حضرتك كنت إنبسادور وجنيرال؟
فيكتور (إلى مريم) : وي مادام.
مريم (في نفسها) : الحمد لك يارب اللي رزقتنا بنسابة زي دي. أبقا حماة واحد بيك ابن باشا تقريبًا، موش حماة واد كاتب.
إبراهيم (إلى فيكتور) : وكيف بتعجبك إسكندرية؟
فيكتور : تريه جولي.
إبراهيم : أنا ما أعرفش الخواجة تريه جولي فين. هو صاحبك؟
مريم (إلى إبراهيم بصوتٍ خفي) : إن ما سكتِّش أنا أطق.
إبراهيم (إلى مريم) : هُب، ما بقِتش افتح فمي.
مريم (إلى فيكتور) : الكفاليير جوزي كان يعرف لسانات افرنكي كتير.
إبراهيم (في نفسه) : آدي الكدب اللي ما ينبعش.
فيكتور (إلى مريم) : وهو إزاي نسيتهم؟
مريم : جات له سخونيَّة حامية أقوى من النوشه.
إبراهيم (في نفسه) : الله لا يقدَّر. فالك في اسنانك.
مريم (إلى فيكتور) : ورمته في الفرش زيادة عن شهرين. ولمَّا طاب ما فضلش معاه إلَّا العربي.
فيكتور : هاه، دي الخرارة بتاع السكونة مسكتها في راسه.
مريم (إلى فيكتور) : وي مسيو لي شفالييه.
إبراهيم (في نفسه) : دول كمان شوية يقولوا عليَّ بقيت مجنون!
مريم (إلى فيكتور) : أنا قريت جواباتك، وقريتهم للكفاليير إبراهيم جوزي وللمدموازيل عديلة بنتي. وبغاية حظي أقدر أقول لك إن طلبك مقبول. (إلى إبراهيم) موش كدا يا كفاليير؟
إبراهيم : أيوا، أيوا، أيوا. (في نفسه) ملزوم أقول أيوا؛ لأن إذا قُلت لأ يمكن يطلع معها تسمَّعني كلام فارغ قُدَّام الراجل الغريب.
فيكتور (إلى مريم) : مرسِي مادام. أنا عجبني مدموازيل كتير كتير. وكمان الكونت لسانتور ابويا كبله أنا سافر من باريز يكول: إذا كان مادام تدِّي لإنتا مدموازيل أنا موش أقول لا.
مريم : بقا حضرة الكونت راضي؟
فيكتور : وي مادام.
مريم : إنكان لأمر كدا، اليوم بعد الظهر حضرتك والكفاليير جوزي تروحوا قنصلاتو فرانسا لأن إحنا موش رعايا، وتعملوا اللازم للجواز.
إبراهيم (في نفسه) : والله لمَّا كُنَّا رعايا كنا مبسوطين أكتر؛ لأن حكومة أفندينا حكومة عدل وإنصاف.
فيكتور : تري بيين، تري بيين. لكن أنا في شُجل في مصر أنا لازم روح بُكرة الصبح ويفضل هناك اتنين جُمعة وبعدين أنا يرجع هنا.
مريم : طيب في غيابك نحضَّر اللازم للفرح. كدا تاني يوم وصولك نعمل الفرح.
إبراهيم : أيوا، أيوا، أيوا.

المنظر الثالث عشر

(عديلة (مُزيَّنة بأفخر الملبوسات)، والمذكورين)
مريم (إلى فيكتور) : أهي مدموازيل جات. (إلى عديلة) ادخلي يا حبيبتي.
فيكتور (إلى مريم) : شارمان، شارمان (يقوم).
عديلة (إلى فيكتور) : بون جور مسيو.
فيكتور (إلى عديلة) : بون جور مدموازيل (يقدم لها كرسي وجميعهم يجلسون).
إبراهيم (في نفسه) : دا إيه دا؟ دي البنت بتبُص له وبتضحك له كأنها معرفة قديمة؛ دي شالت بُرقُع الحيا.
مريم (إلى عديلة بصوتٍ خفي) : إزاي الحال؟
عديلة (إلى مريم بصوتٍ خفي) : ما بقاش أعظم من كدا.
فيكتور (إلى مريم) : مين يشوف المدموازيل ومش يحب هيا؟ هيا كتير كويسة، كتير جولي.
عديلة (إلى فيكتور) : دا بس من لُطفك.
إبراهيم (في نفسه) : ولا بتحمرِّش لما بتقول الكلام دا. مسكين يا يوسف والله اتنسيت.
مريم (إلى فيكتور) : دول كل جدعان إسكندرية ميِّتين في هوا بنتي.
إبراهيم (في نفسه) : كلام زي الزفت وطالع.
فيكتور (إلى مريم) : مادام، أنا لازم يروح اللوكاندة دلوكتِ؛ الساعة اتناشر.
مريم (إلى فيكتور) : لا ما يصحِّش، اقعد اتغدا هنا عندنا، وكدا بعد الضهر تروح القونصلاتو مع الكفاليير إبراهيم.
فيكتور : كتَّر كيرك أنا موش يكدر، واحد نوبة تاني؛ واحد نوبة تاني أنا آكل هنا.
عديلة (إلى فيكتور) : من فضلك شرَّفنا اليوم.
إبراهيم : أيوا، أيوا، أيوا.
فيكتور : مِرسي مدموازيل، مرسي مادام، مرسي مسيو لي شفاليه.

المنظر الرابع عشر

(حسانين والمذكورين)
حسانين (يدخل وبيده جرس، ويقف ورا مريم ويدق من فوق راسها بالجرس ويقول) : الغدا حاضر يا ستي مادام.
مريم (إلى حسانين) : إنتا مجنون؟ أنا قُلت لك دُق الجرس برَّا موش هنا. يالله اخرج (الجميع يضحكوا، فقط مريم تزعل للغاية).
حسانين : طيب يا ستي مادام، ما بقيتش أدق الجرس إلا في أوضة السفرة.

المنظر الخامس عشر

(المذكورين ما عدا حسانين)
مريم (إلى إبراهيم) : تعجبك الهتيكة دي؟ إنت جرَّستنا بخُدامك العرب، والله إذا كان ما تجيبش بكرة خدام فرنساوي أبقا أنا أعرف شُغلي.
عديلة (إلى إبراهيم) : الحق مع أمي.
إبراهيم : أيوا، العيب دايمًا عليَّ أنا.
مريم (إلى فيكتور) : اتفضل للغدا.
فيكتور (يقوم ويُعطي دراعه لمريم ويقول) : مادام.
مريم (إلى فيكتور) : مِرسِي (يخرجوا الاتنين).
إبراهيم (يمسك عديلة من يدها ويقربها إليه ويقول) : فهِّميني العبارة إيه؟ إنتي إمبارح كُنتي ميِّتة في هوا يوسف، وإزاي اليوم نسيتيه مرة واحدة؟!
عديلة (توشوش إبراهيم في أذنه، وبعد ذلك تقول بصوت عالي) : فهمت؟
إبراهيم : الله الله، ما بقاش ألطف من كدا شيء.
عديلة : هُس ولا كلمة، يالله ناكُل.

(يخرجوا.)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤