الملابسات النفسية في الصلات الجنسية

كان من أثر حاجة الطبيعة إلى النسل أن أصبح هذا غرضًا للصلة الجنسية، بل هما هدفان في ذاتَيهما، وهما ضروريان لحياة الفرد وتطوُّره ونموِّه الباطني. وقد ذكَرت أولف شرايين في مقدمة كتابها «المرأة والعمل»، أن للجنسية وصِلتها بين الرجل والمرأة أغراضًا ذوقية للجمال، وأخرى فكرية وروحية واضحة، مستقلَّة استقلالًا تامًّا عن غايتيها في التناسل والإبقاء على الجنس.

وقيل قديمًا: «إن معظم فنوننا وعلومنا كانت قد اكتُشفت من أجل الحب.» وممَّا ذكَره أستولد، وهو من علماء العصر الحديث، أن المُخترِعين والمُكتشِفين يُنتِجون في أغلب الأحيان أحسن أعمالهم ومؤلفاتهم وهم أسرى الحب. هذا ويقول بارملي: «إن العلاقة الجنسية كان لها أثرٌ خطير في كثير ممَّا أنتجه الإنسان.»

ويقول بعض المُعترِفين بكَونِ الحب المُتبادل ركنًا من أركان الزواج: «إن مثل هذا الحب إذا انتظم من البداية قد يصبح أمرًا بدهيًّا لا يحتاج إلى بحث.» وهم يعتقدون أنه ليس هناك فن للحب يتعلَّمه المرء أو يُعلِّمه؛ فالحب في نظرهم وليد الطبيعة. وهذه أبعد العقائد عن الحقيقة، وخصوصًا بالنسبة للرجل المُتمدين؛ فالإنسان يحتاج إلى تعلُّم كل ما يتصل بهذا الموضوع، حتى المبادئ الأولية للاتصال الجنسي. وقال السير جيمس باجت: «إن من صفات الإنسان المُتمدين البارزة جهله الصلة الجنسية وما إليها.» ولا حاجة إلى القول بأن المرء في حاجة إلى تعلُّم طريقة الاتصال الجنسي، وأن من لا يتعلَّمها يبقى جاهلًا لها. وقد كان الفلاسفة في الماضي يتناظرون في مثل هذا البحث، ويختلفون فيما بينهم. وممَّا قاله بلوتارك: «إن أبيكوروس كان يبحث مع تلاميذه الشئون الجنسية المختلفة كالوقت المُناسب للاتصال الجنسي، وكان هناك من يلوم هؤلاء الفلاسفة على اتجاهاتهم الفكرية هذه.»

والموضوع في ذاته أوسع كثيرًا من أن يكون مُقتصرًا على تعلُّم الحقائق البسيطة البدائية للصلة الجنسية. ولا شك أن فن الحب ينطوي على حقوقٍ ابتدائية تتعلَّق بالصحة الجنسية، ولكنه فن ينطوي أيضًا على نظام الناحية الجنسية للزواج بأجمعه؛ ولهذا كان فن الحب عظيمًا في خطورته في سلامة الفرد وسعادته، وفي ثبات الاتحادات الجنسية، وبصورةٍ غير مباشرة في سلامة الجنس البشري وسعادته، ما دام فن الحب في جوهره هو فن الحصول على الظروف الصحيحة المناسبة للتناسل. وكتب البروفسور آن كوب قبل نصف قرن يقول: «إنه لو فُهِم هذا الموضوع فهمًا صحيحًا، وأصبح في تفصيلاته المُتعلقة بالناحية العملية جزءًا من علمٍ اجتماعي مكتوب؛ فقد يُصيب مبدأ الزواج من واحدة نجاحًا أكبر كثيرًا ممَّا يُصيبه اليوم في أغلب حالات الحياة الفعلية.» وهذا صحيح ولا شك؛ إذ إن النجاح في الأغلبية الساحقة من حالات الزواج يعتمد قبل كل شيء على مدى المعرفة التي ينعم بها كلٌّ من الزوج الزوجة في فن الحب، وقد يدوم الزواج بين زوج وزوجته مدى الحياة ولو كان فن الحب مفقودًا، ويعود ذلك إما لسببٍ ديني أو لبلادة أو سُخْف، إلا أن هذا النوع من دوام الزواج أخذ يقلُّ شيوعًا بين الناس؛ ذلك أن الطلاق زاد انتشارًا، وأصبح أيسر بلوغًا في جميع البلدان المُتمدينة. وهو اتجاه من اتجاهات الحضارة، ونتيجة الإحساس بوجوب قيام الزواج على صلات وعلاقات سليمة حقيقية. وحين تصبح هذه الصلة غير حقيقية يجب وضع نهاية للزواج الظاهري. ومثل هذا الاتجاه لن نستطيع مُقاومته، ونُخطئ إذا نحن حاولنا مُقاومته.

وعلى الرغم من اضطرارنا إلى مُعاضدة الاتجاه نحو الطلاق، وإلى استمساكنا بأن الزواج الثابت الشرعي يحتاج إلى موافقة الزوجَين على الإبقاء عليه، من الصعب على أي إنسان أن يقول إن الطلاق أمرٌ مرغوب فيه؛ فالطلاق هو اعتراف بالخيبة، وفي حالات الطلاق يكون الزوجان قد اعتقدا في البداية بمُلاءمتهما كزوجَين، وفي النهاية يجدان أنهما لا يتبادلان الحب، أو لم يُوفَّقا في هذا الحب المُتبادل، وبعد هذا أخفقا في فن الحب الحيوي. وإذا أردنا مُكافحة الطلاق وجب علينا أن نزيد في استقرار الزواج وثباته، ولن يكون هذا مُمكنًا إلا بإنماء فن الحب؛ عماد الحياة الزوجية الرئيسي.

وبديهيٌّ أننا لسنا في حاجة إلى تأكيد هذا الرأي وإثباته. وقال الدكتور هوارد كالي: «إنه لا يعتقد أن للمُتعة المُتبادلة في الصلة الجنسية أية علاقة بالسعادة في الحياة.» وإن دل هذا على شيء فإنما يدلُّ على أن الرابطة الزوجية ليست لها أية علاقة خاصة بسعادة البشر. وهو رأي لم يجرؤ أكثر الناس تزهُّدًا وتنسُّكًا في القرون الوسطى على الإدلاء به. وكما قالت أيلين كي: «إن وحدة الحب والزواج مبدأٌ أساسي ترتكز عليه الفضيلة والأخلاق في العصر الحديث.» وكان فن الحب في الماضي يُعدُّ فن الفاسدين الساعين وراء الملذَّات، فن إخراج المرأة من بيتها، لا فن إبقائها فيه، ولم يكن فنًّا على الزوج إتقانه.

أما الاستسلام للنزعات الجنسية فكان يُعدُّ إذعانًا للضعف الإنساني، وانغماسًا وتساهلًا يقع بعد اتخاذ جميع التدابير وأوفر العناية. ومنذ أبعد العصور اتجه الناس إلى إنماء فن البكارة، ولم يكن في وُسْعهم المُوافقة على فن الحب. وكان الاتجاه الفكري فيما يتعلق بالصلات الجنسية يرتكز في ضبط الشهوات والطهارة والعفة، كما كان فن الحب يُعدُّ فنًّا مُريبًا يدلُّ على الاتجار بالفضيلة والعفة، بل فنًّا خليعًا فاجرًا، ثم أخذت الفكرة عن الحب التطور تدريجًا مع الزمن؛ أن أصبحت تعدُّ أكثر من غريزةٍ حيوانية أو واجبٍ مزعوم؛ إذ أصبحت تُعدُّ علاقةً إنسانيةً معقَّدة مهذَّبة تحتاج إلى إنماء. وإذا نظرنا إلى المبادئ والنُّظم المتَّبَعة في تعليم الشبان والشابات، ندر أن يوجد التدريب الضروري الذي يجعل الشاب مقبولًا لدى الفتاة والفتاة لدى الرجل في الصلاة الجنسية، وقلَّ من يُدرِك أن تبادُل الحب والاستعطاف واستجلاب الرضا ليس مجرد تمهيد للزواج، بل جزءٌ حيوي من العلاقات الزوجية إلى النهاية.

وقد يُدهِش القارئَ أن يعلَم أن سكان أزيمبالاند في أفريقيا الوسطى يُقِيمون حفلات ومراسيم خاصة للفتيات عند بلوغهنَّ سن البلوغ، يُعلِّمونهنَّ فيها أسرار العلاقات الجنسية، وطُرُق إرضاء الرجل، وواجباتها كزوجة، كما أنهم يجعلون منها سيدة بطُرُقهم الخاصة، وكل هذا وسط رقصات وأناشيد. هذا بالإضافة إلى أنهم يُسدُون لها النصائح التي يجدر بها اتباعها عند حملها أو وضعها، وما إلى ذلك من إرشادات تهمُّ المرأة. ويُنصَح للفتاة أن تكون مُخلِصة لزوجها، وألا تكره الحمل.

وبعد أن كان فن الحب لا يتعدَّى أوامر تنتهي عن القيام بهذا وذاك، أصبح الآن موضوعًا محترمًا. وقد أصبح أكثر المُرشِدين للآداب والأخلاق تعصُّبًا يعترفون بخطورة فن الحب في الحياة الزوجية، بل يؤكِّدونه أحيانًا.

ما هو السبب في انتشار الطلاق في المجتمع، وكذلك في كثرة البيوت التي يعيش فيها الأزواج والزوجات في جوٍّ قاتم من الكآبة والتعاسة؟ والجواب في أغلب الحالات هو جهل هؤلاء الأزواج والزوجات لفن الحب. ويذكُر القاضي بارتلت، رئيس محكمة رينو في نفادا، قصصًا كثيرةً مؤلِمة عن حالات الطلاق التي كان يفصل فيها، وهي تنمُّ عن إخفاق الزواج المؤسِف الذي أدَّى جهل الزوجَين لفن الحب إلى وقوع معظم حالاته. وفن الحب، كغيره من الفنون، طبيعي ولو جُزئيًّا، هو فن من صنع الطبيعة؛ إذن هو موضوعٌ طبيعي يجدر تعلُّمه وتمثيله. ولو تركنا الأطفال ذكورًا وإناثًا يلعبون، ألفيناهم يُمارسون الحب من الناحيتَين الجسدية والنفسية عن طريق الهزل أو الجد، إلا أنه تصرُّف يُنهَون عنه من قِبل الكبار إذا هم اكتشفوا أنه يُطبَّق من ناحيةٍ جسدية، أما من الناحية النفسية فينظرون إليه بالسخرية والضحك. ويُمارَس فن الحب، وخصوصًا في إنجلترا وأمريكا، بعد سن البلوغ بصورة مُغازلة ومُداعبة، وقد يقع هذا قبل سن البلوغ. وهو تصرفٌ طبيعي جدًّا في بدايته، ويمكننا ملاحظته في الحيوانات أيضًا، هو بداية الحب المُتبادل والاستعطاف واستجلاب الرضا. ويتجاوز هذا الاستعطاف أو الحب المُتبادل في ظروف المدنية الحديثة هذا الحد. وهذه الظروف تجعل الزواج صعبًا، هي ظروف تجعل الحب وما يتبعه من علاقات وارتباطات خطيرًا جدًّا للمُمارسة أو التجربة، وتجعل الاتصال الجنسي الفعلي خطرًا مشينًا، والحب المُتبادل أو استجلاب الرضا يتكيَّف حسب هذه الظروف. هذا والمُغازلة في بعض المدن لا تتجاوز أن تكون خطوةً تمهيدية للحب المُتبادل الطبيعي، وتتجاوزه في بعضها إلى الإرضاء الجنسي، وثمةَ الرقص الأوروبي، أي المُخاصرة بين الرجل والمرأة، فقد تُساعد على مقدمات الزواج وسعادته.

وقد قال نيويل إدسون، مستشار جمعية الصحة الاجتماعية في أمريكا، في كتابه عن الحب واستجلاب الرضا والزواج: «إن المُغازلة أو المُداعبة تُسبِّب هزة في المشاعر؛ هزة لا يجوز أن تقوم على الأنانية، وتُسهل المعرفة الودية الضرورية قبل تقرير انتخاب رفيق أو رفيقة الحياة.» ولا يجوز أيضًا أن تكون المُداعبة أو المُغازلة جزاءً أو ثمنًا لشيء يحصل عليه الرجل أو المرأة؛ إذ لا يطلب الثمنَ إلا الأناني. وإذا زادت المُداعبة على حدِّها أصبحت رخيصة، وذهبت قيمتها، وأنقصت من قيمة صاحبها، بل قد تُسبِّب ضياع الهيبة واحترام النفس. وقد تُثير المُغازلة الشعور والعواطف الخفية الكامنة في الشخص؛ عواطف إذا لم تُرضَ إرضاءً تامًّا ربما سبَّبت اضطرابًا نفسانيًّا. وقد تكون هذه الإثارة مُضرَّة بالرجل وبالمرأة من الناحية الجسدية إذا تمادى أحدهما في مُمارستها.

والمُغازلة في شكلها الطبيعي رغم قيامها على أُسسٍ مَتينة تُجيزها، ورغم اعتبارها وسيلة لاختبار الحبيب، ولاكتساب جزء ولو صغير من فن الحب، إلا أنها لا تُعدُّ المرء إعدادًا كاملًا للحب. وقد نُلاحظ هذا في الذين لا كفاية عندهم أو جدارة لفن الحب وهم كثيرون، حتى إن بعضهم يكون عاجزًا عن القيام بواجبات الحب الجسدية، ذلك في حالات كثيرة بين الرجال والنساء في البلاد التي تكون فيها المُغازلة مُنتشرة ورائجة.

وهذا الجهل لا في فن الحب وحده، بل في الحقائق المادية أو الجسدية في الحب الجنسي، مُنتشر بين النساء والرجال سواءً بسواء، إلا أنه جهل يختلف في مظاهره وشكله بين الرجل والمرأة؛ فالجهل الجنسي عند المرأة يتراوح بين السذاجة أو البراءة التامة، وبين الجهل بأن فن الحب ينطوي على صلاتٍ جسدية مَتينة، وبين الجهل بأنواع هذا الفن المختلفة.

وهكذا يكون الاستعداد بين الرجال والنساء لفن الحب في الزواج ناقصًا عند الأغلبية، ويجدر بنا أن نعلَم أن فن الحب لا يُتقَن إلا عن طريق الخبرة العملية، وهي خبرةٌ يصعب على الفتاة اكتسابها في نُظُمنا الاجتماعية الحاضرة دون أن تُوصَم سُمْعتها. وإنه لممَّا يؤسَف له أن تدخل المرأة عتبة الزوجية دون أن تكون مُعدَّة بما تحتاج إليه من معلومات، رغم اعتقادها بمعرفتها لفن الحب والزوجية، والمرأة أبطأ من الرجل في إدراك معنى الزواج إدراكًا جيدًا، وخبرة الرجل عند الزواج تكون أوسع من خبرة المرأة في أغلب الحالات.

وتحتاج المرأة إلى سنين عديدة كي تُتقِن فن الزوجية، وكي تُدرِك حاجاتها الجنسية تمام الإدراك، ولتُقدِّر مَقدرة زوجها على سدِّ هذه الحاجات، وكلما زِدنا الطلاق تقييدًا وتعقيدًا وصعوبات اضطررنا إلى إعداد المرأة والرجل إعدادًا صحيحًا للحياة الزوجية.

إن إفهام الزوجة واجباتها وامتيازاتها هو من واجب الزوج، كما أنه ليس من العدالة أن تُكرَه المرأة على الارتباط برباط الزوجية قبل إدراكها التام لمعنى الزوجية. وهناك أمور ليس من المعقول أن يُطلَب من الزوج شرحها لزوجته، منها شرح تأثير كثرة الاتصال الجنسي في الرجل بالنسبة للمرأة؛ فالزوجة لا تدري أن مُتعتها تكون أحيانًا على حساب صحة الزوج، فجهل المرأة لهذه الأمور مُتعلِّق بفن الحب، ولو كان الرجل مُلمًّا بهذه الأمور إلمامًا تامًّا لسهل الأمر، ولكن أغلب الرجال قبل الزواج إما أن تكون خبرتهم خاطئة عن طريق المُومِسات، أو أنهم يجهلون هذه الأمور، وفي الحالتَين قد يكون تصرُّف الزوج مع زوجته سببًا في استيائها منه؛ فهو إما أن يُعامِل زوجته الشريفة الطاهرة معاملة المُومِسات، أو أن يُبالغ في احترامها، وهنا تكون حياتهما مزيَّفة.

وكثيرًا ما يؤدِّي جهل الزوج إلى إلحاق الضرر الجسدي أو العِلل بزوجته، وكم من زوجاتٍ كرِهنَ الزواج من أول ليلة، بل كم منهنَّ من هربن من بيوت أزواجهنَّ على ألا يعُدنَ للحياة الزوجية، أو كم على الأقل للزوج ذاته! وكم من زوجة تحمل ذكرى مؤلِمة لأول ليلة من زواجها! ومن زوجة كان وقعُ ليلة زواجها عليها وقْعَ الصاعقة لجهلها الاتصال الجنسي! وكم من أمراضٍ جسدية وعقلية ونفسية يُسبِّبها الجهل بفن الحب! وكم من زوجَين اقترنا آمِلين في حياةٍ كلها هناء وسعادة، فانقلب هذا الهناء وهذه السعادة إلى بؤس وتعاسة. والنساء أكثر استعدادًا لاكتساب فن الحب وإتقانه من الرجال؛ إذ هو بالنسبة إليهن فنٌّ تخلقه الطبيعة، فهو موجود في دمهنَّ، ويُولَد معهن، وعواطف الحب الجنسي تظهر في الطفل من السنة الثالثة من عمره، والفتيات يبلُغنَ سن البلوغ قبل بلوغ الفِتيان، ويعدُّ الكثيرون سن البلوغ عند الفتيات سن الحب عندهنَّ. وعلى هذه الحقيقة يرتكز الحد الأدنى لسن الزواج عند النساء. ويبدو أن سنَّ السادسة عشرة هي السن المعقولة للسماح للفتيات بعدها بمُمارسة الاتصال الجنسي في المناطق المعتدلة المناخ، إلا أن هذا التحديد أمرٌ تقديري مطَّاط اصطناعي، ولا يُعدُّ قاعدةً ثابتة يُجرى عليها.

ولا يعني إلغاء الحد الأدنى لسن الزواج أن يكون مُشجِّعًا للرجال للاتصال بالفتيات الحديثات السن، والمفروض في الفتاة الكريمة الأصل المهذَّبة النفس أن تصون نفسها، وهناك قوانين تُعاقِب الرجل إذا أكره فتاة على قبول مثل هذا الاتصال.

وخبرة المرأة في فن الحب لا تُعوِّض عن جهل الرجل له؛ إذ ضروريٌّ أن يكون الرجل هو البادئ في بثِّ العواطف والشعور، وأن يكشف أسرار قلبها وما يُضمِره من عواطف وشعور. ومن العسير جدًّا على المرأة أن تُجازِف بإظهار حبها لرجل لم يكن هو البادئ خشية الاصطدام بالخيبة والصدود، وكثيرًا ما نرى أزواجًا يعدُّون أنفسهم سعداء بزوجاتهم، رغم أنهم يُخفين في قلوبهن شعورًا كامنًا بحرمانهنَّ من ملذَّات ومسرَّات لم يُجرِّبن قط طلبها من أزواجهن، وذلك ولو بإكراههنَّ على قبولها. وكم من طلاق يحدُث من وراء هذه الأسباب دون أن يعلَم الزوج السبب الحقيقي الذي أدَّى إلى ذلك. ويُعزى تصرُّف الرجال مثل هذا التصرف إلى النصائح التي تلقَّوها في صِغرهم على أن يكونوا أقوياء العزائم ظاهري الإرهاب، وألا يُفكِّروا في النساء مُطلَقًا، كما قيل لهم «إن الزواج هو الطريق السليم الوحيد للاقتراب من النساء.»

وفن الحب لا يقوم على قواعد وأحكام، ولا يمكن تعلُّمه تعلمًا صحيحًا من الكتب، بل هو نتيجة الوحي الشخصي والخبرة الشخصية، وإن كانت الكتب قد تُقدِّم بعض الإرشادات العامة. وفن الحب هو فن إرضاء النساء من الناحية الجنسية، وعلى الرجل أن يخلق في زوجته الرغبة في الحب والاتصال الجنسي. ومن عادة المرأة بالطبيعة والغريزة أن ترغب في جعل نفسها جذَّابة للرجل، وهي تُحاول إرضاءه بشتَّى الوسائل. وهذا مُشاهَد في الحيوان كالطيور.

وحين نتكلَّم عن فن الحب من العسير أن نفصل الناحية الروحية من الجسدية، وخطأٌ كبيرٌ أن نُحاول ذلك، وهناك عددٌ كبير من الرجال الجاهلين الأنانيين المُتوحِّشين لا يُجهِدون أنفسهم في دراسة الناحية النفسية أو الروحية للحب، والمرأة لا تتُوق إلا إلى الرجل الذي يتُوق إليها دائمًا، حتى ولو كانت أسيرة بين ذراعَيه. وإذا ما قالت المرأة للرجل: «أنت تريدني، ولكنك لا تستطيع مُلاطفتي وتدليلي، ولا تستطيع معرفة ما أريد.» معنى ذلك أن هذا الرجل قد خسر هذه المرأة؛ فالحب في الواقع فنٌّ دقيق لا يصلح له ولا يُتقِنه جميع الناس.١

وتنمو رغبة الرجل في الحصول على المرأة سريعًا، غير أن رغبة المرأة في الحصول على الرجل تنمو تدريجًا، وهناك من النساء من لا تشعر بمتعة الاتصال الجنسي إلا بعد الزواج بشهور أو سنين، أو بعد وضع عدد من الأطفال، وهي لن تشعر بهذا إلا مع رجل تُحبُّه حقًّا.

والاختلاف بين النساء من الناحية الجنسية أعظم منه بين الرجال، وليس فن الحب مجرد اتفاق شفوي بين رجل وامرأة، ومثل هذا الاتفاق لن تكون له قيمة تُذكَر، وهو ليس مجرد عرض وقبول بسيطَين. ومن المؤسِف حقًّا أن يتمَّ الاتفاق على مسألةٍ حيويةٍ خطيرة كالزواج يتقرَّر فيها مصير اثنين، دون البحث والدرس الهادئَين والتفكير المتَّزِن العميق فيما يتعلق بالمستقبل، وبخاصةٍ أن العلاقات الجنسية لا تُدرَس بالأرقام ولا بالقوانين الحسابية. وفي كثير من بلاد العالم تكون المرأة هي التي تختار زوجها، وحين تكون الناحية التجارية بارزة في الزواج يقوم الرجال أيضًا باختيار الزوجة. وليس في فن الحب ما يسع تصريحات واعترافات تنطوي على الرسميات؛ فالغريزة الجنسية تنفر من الطلبات الرسمية الجدية. إن طلبات الحب لا تُصاغ في كلمات، ولا تُلبَّى في عبارات، وإذا أريد دوام الحب فلا بد من التكهُّن الدقيق، وعلى الرجل أن يكون يقظًا لما تحتاج إليه المرأة من الناحية الجنسية، وعليه أن يبذل جهده في تأمين مسرَّتها وتمتُّعها وإشباع عواطفها، وعلى الرجل احترام المرأة، والمَثل الشائع يقول: «ولا تُرجم المرأة ولو بزهرة.» وليس على المرء أن يتبع السرعة في الحب وفي إثارة العواطف، وقد أكَّد الأطباء والكُتاب عن الاتصالات الجنسية وجوبَ إثارة تلذُّذ الأعضاء الجنسية. وإذا نجح الزوج بالدراسة الدقيقة في فهم عروسه الشابَّة، وأدرك سعادتها وأحلام شبابها؛ أحبَّته، وأصبح سيدها ومالكها حتى النهاية. وإذا أخفق في ذلك ضاعت جهوده في سبيل إرضائها عبثًا، وعندئذٍ يضعها في مصافِّ النساء الباردات غير المُكترِثات، ويعدُّها زوجته بحكم الواجب، وعلى أنها أم لأولاده، أما إرضاء حاجاته الجنسية فيبحث عنه عند غيرها من النساء. ومِثل الرجل في هذه الحال مثل الموسيقي الذي يُبدل قيثارته بغيرها؛ آمِلًا أن يعزف على الجديدة اللحن الذي خاب في عزفه على القديمة.

ففن الحب إذن موجود، والصلات الجنسية أبعد من أن تكون مجرد أعمال جسدية تُنفَّذ بقوة العضلات. إن الاتصال الجنسي ليس الحب، بل بدايته، وخصوصًا عند النساء، وليس بلوغ حد الكمال في الحب، وهو في الغالب نهاية الحب عند الرجل، وهو بدايته عند المرأة؛ هو عندها تجربة في الثقة والاطمئنان، ومقياس للمسرَّات في المستقبل، واشتباك للود المُقبِل؛ فالمرأة لا تُقدِّم جسدها وروحها إلى الحبيب في مرةٍ واحدة، أو في لحظةٍ واحدة، بل تدريجًا في بطء. إنها مُستعدة بطبيعتها للقيام بدورها في فن الحب، وقد يكون دور الرجل صعبًا، ولكنه مع ذلك بسيط بعض البساطة؛ فالمرأة تُحاول دائمًا التوفيق بين حشمتها ووقارها وبين رغباتها، فعَليها والحالة هذه أن تسير في طريق معقَّد غير مباشر أو صريح. وهكذا تجد المرأة نفسها مضطرَّة إلى الظهور في شخصية معقَّدة مُزدوجة فنية بطبيعتها.

وليس دور الرجل في فن الحب بسيطًا كما يُظنُّ؛ لأن الرجل رغم أنه لا يُطلب منه أن يكون ذا شخصية مُزدوجة، إلا أن عليه أن يكون على جانبٍ كبير من الفِراسة والتكهُّن. والرجل ليس مُعدًّا بطبيعته لهذه المهمة؛ إذ إن ميزته الجنسية ترتكز على القوة أكثر منها على الفِراسة والتكهُّن وبُعد النظر. إن واجب الرجل في الحياة هو السيطرة، وحب السيطرة هذا هو الذي يجذب المرأة نحو الرجل، وهي حقيقة إذا تمادى الرجل في الاعتماد عليها ضلَّ السبيل في فن الحب؛ فالعنف مُضرٌّ في كل فن، وفي فن الحب ترغب المرأة في أن تُجذَب إلى الحب لا أن تؤمَر بأن تُحبَّ، وهذا أمرٌ جوهري. صحيحٌ أن المرأة تُعجَب بقوة الرجل، بل إنها ترغب في أن تُكرَه على قبول بعض الأمور أو القيام بها بشرط أن تكون أمورًا تُحبها، ولكنها تُكرَه أن تؤمَر خارج هذا النطاق الضيق؛ فعلى الرجل إذن أن يتكهَّن ويتفرَّس، فيعرف الظرف المُناسب لاستخدام القوة في الحب في أمرٍ تتفق فيه إرادته مع إرادتها. وهنا يقع خطر تمادي الرجل في حب السيطرة؛ ذلك أن عدد الرجال والنساء الذين يخوضون بحر الحب الخِضم، ويصلون إلى البر سالمين، قليلٌ جدًّا.

والزواج هو نظامٌ اجتماعي عظيم، والتناسل هو غايته الاجتماعية العظيمة من الناحية الاجتماعية العامة، وهو الواجب الأول لهذا النظام، إلا أن الزواج والتناسل يقومان على الحياة الغزلية أو الغرامية، وإذا لم تكن هذه الحياة سليمةً صحيحة انهار الزواج عمليًّا إن لم يكن صوريًّا، وعندها يجري التناسل في ظروفٍ غير مُلائمة، أو لا يجري مُطلَقًا؛ إذن فهو حيوي جدًّا بالنسبة للمجتمع، على أن تقوم الحياة الغرامية على أُسسٍ صحيحة مَتينة حتى تعمَّ السعادة الأُسَر والمجتمع.

ومن واجب الزوج أن يُحقِّق إرضاء حاجات الزوجة الجنسية وإشباع غريزتها، وإلا أدَّى ذلك إما إلى مرضٍ عصبي أو ضعفٍ جسدي، بالإضافة إلى انهيار صَرْح الحياة الزوجية عندهما. وعلى الزوج أن يتجنَّب ترك الزوجة قبل أن يُطفئ غريزتها، بل عليه أن يُرضي رغبتها الرضا الكامل. ولا يخفى أن الاتصال الجنسي هو من أركان فن الحب.

١  الدنيا الجديدة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤