الفصل العاشر

وقد الوجد

في تلك الأثناء كنت وأحد أصحابي المسيو ريشار وعشيقتي ميراي وفتاة أخرى تُدعى المدموازيل روشل في حانة، وقد أخذ منا السرور، فخطر لي خاطر مفاجئ فاصطحبتهم إلى إيفون قبيل المساء، استقبلتنا إيفون مبهوتة ولم يسعها إلا أن تفتح لنا المقصف، جلسنا حول مائدة وطلبنا أشربة مختلفة، وسألنا فانتين أن تجلس معنا، فتمنعت في بدء الأمر فأرغمتها، فخافت إيفون أن مخالفتها لي تفضي إلى شرٍّ فغمزتها كأن توعز إليها أن تطاوع، وعند ذلك أرسلتُ الخادم لكي يشتري لي سيجارًا، واغتنمت فرصة غيابه وقلت لإيفون: كاس وسكي لفانتين.

فنهضت فانتين قائلة: «أنا آتي به» فأمسكتُ بيدها وأقعدتها قائلًا: «بل اقعدي ليس هذا شغلك الآن»، فقعدت مكرهة وفي الحال أحضرت إيفون كأسًا، فقلت لها: كأس فرموث لمدموازيل ميراي، فأتت بها، ثم قلت: كأس فرموث آخر للمدموازيل روشل، فأحضرتها ثم قلت: كأس كونياك للمسيو ريشار، فجلبتها، وحينئذٍ لم تتمالك دمعها فأسرعت إلى غرفتها؛ لكي تخفي حزنها الشديد الأليم، ولكني لم أمهلها دقيقة واحدة فصفقت لها فأتت، فقلت: كأس وسكي لي، فقدمتها وهي تجاهد في رد دمعها، عند ذلك أتى الخادم فخرجت إلى غرفتها، ولا ريب أنها أغرقت في البكاء هناك.

أما نحن فكنا نمزح تارة ونهزأ أخرى، وصدى لغطنا وقهقهتنا يتردد في غرف المنزل ويصدِّع آذان إيفون، ولما لعبت الخمور في رءوسنا صرنا نتلاثم ونتضامُّ، وشعرت أن فانتين كانت مرتعبة حينذاك وتحاول أن تفرَّ من بيننا، ولكني كنت قابضًا على كفها.

أرسلت الخادم ثانية إلى السوق لحاجة أخرى، وصفقت لإيفون فحضرت تلبي مطالبنا ورأتني أضم ميراي مرة، وأحاول عناق فانتين أخرى، عند ذلك انقطع وتر صبرها فقالت: «اللهم رحماك»، فتقطَّع قلبي لتنهدها العميق وشكواها الأليمة، ولكن خمرة الانتصار عليها شدَّدت نفسي فلم أرثِ لها.

بقينا على هذه الحال حتى الساعة السابعة وإيفون تتقلى على نار الأسى في مقلاة الغيرة، والصبر يغطي قِدر غيظها الفائر إلى أن وافى رهط من الشاربين والندامى فخرجنا.

وبعد بضعة أيام مثلنا الدور نفسه، فلم تشأ إيفون أن تحضره، بل هربت من المنزل إلى حيث لا ندري وتركت فانتين معنا، فكانت هذه المسكينة تبالغ في مداراتنا خيفة أن نعقد شجارًا، ونثير نقع القتال في البيت، على أننا لم نمكث طويلًا؛ لأن إيفون كانت غائبة.

انتبهت إلى أن هذه الزيارة تغيظ إيفون جدًّا، فعقدت النية على أن أعيدها حتى تذل لي وتلتمس مصالحتي، فبعد بضعة أيام زرناها ثالثة في الميعاد نفسه فقيل لي: إنها مريضة في سريرها فدخلت عليها من غير استئذان.

وا حرَّ قلباه، وجدتها منطرحة في سريرها شاحبة اللون، وقد غشى وجهها قتام الغم والأسى.

فما رأتني حتى تدفق الدمع من عينيها، فتقدمت إليها مسيطرًا على عواطفي معتصمًا بأنفتي وقلت بنزق: ما لكِ؟ ممَّ تشكين؟

فقالت بصوت خافت: هل أنت آت لكي تجهز عليَّ؟ إن كنت تبغي الانتقام فقد اهتديت إلى شر نقمة، وما فعلته كان فوق احتمالي، فإن شئت أن تعيد الكرة عليَّ فأمهلني ريثما أتقوى قليلًا؛ لكي أحتمل سهام انتقامك …

وعند ذلك تمادت بالبكاء، فلم أعد أفهم كلامها الأخير، فقلت لها: قد زهدت بي يا إيفون، فلماذا يغيظك أن أعبأ بسواك؟

– إنك حر فافعل ما تشاء، ولكن إذا كان في قلبك شفقة تتركني وشأني.

– إذن لا تزالين مصرة على مجافاتي.

– أرى ابتعادك عني خيرًا لك.

– حجة غير مقبولة يا إيفون، فقولي: إنكِ تقصينني من أمام وجهك؛ لأن قلبك نبذني، تقصينني لكيلا أكون عقبة في سبيل مَنْ استبدلته بي وفتحت له قلبك.

– إني متوقعة كل هذه السهام منك يا موريس، ولكنك سوف تتحقق أني أحببتك أكثر من نفسي حتى ضحيت بقلبي لك.

وعند ذلك استرسلت في البكاء حتى سحقت فؤادي، فقلت لها بعد هنيهة: ألا تزالين تحبينني يا إيفون؟

– موريس، لا تذكِ الوجد في قلبي حسبي ما أقاسي، إني أحبك مجانًا.

فلم أتمالك أن انحنيت فوقها انحناء المرضع على الرضيع، وقبلت ثغرها واستنشقت أنفاسها ومزجت دمعي بدمعها.

– ارحميني يا إيفون إن آثامي لكِ لا تغتفر، إني أعبدك، أجثو لدى سريرك ما دمت حيًّا.

– إذا كنت تحبني يا موريس تفعل ما أريد.

– أفعل ما تشائين إلا البعد عنك.

– إذن فلا تحبني وإلا فتطيعني مطلق الطاعة.

– لا أستطيع البعد عنكِ يا إيفون، فكيف تستطيعينه إذا كنتِ تحبينني؟

– أقاسي فيه مرَّ العذاب يا موريس، ولكني أجالد نفسي.

– لماذا تقاسين مرارة البعاد، وفي طوقنا أن نجتمع على الدوام؟ لقد حيرتني يا إيفون ما الداعي لهذه المكابرة؟

– قلت لك يا موريس غير مرَّة: إن صلتك بي ضارة بمستقبلك أنا لا أدوم لك، ولكن عاري يدوم لك إذا لازمتني، إني أحبك أكثر من نفسي؛ ولذلك أبتغي أن أقيك شر إثمي.

– هذا التعليل ضعيف جدًّا يا إيفون لا أقبله، فلا بد أن يكون هناك سبب آخر تموهين عليه بهذا السبب الباطل.

– وحياتك هذا هو السبب الحقيقي.

– لا أصدق أنكِ وأنتِ تنبذينني تحبينني، فإما أن تقبليني في منزلك كل يوم، وإلا فأتأكد أنكِ لا تحبينني.

– تنهدت عند ذلك وسكتت، فاستأنفت الكلام بعد هنيهة قائلًا: ماذا تقولين؟

– ماذا؟

– إني سأزورك كل يوم.

– إني أتعذب من بعادك يا موريس، ومع ذلك أراني مضطرة أن أتحمله.

– إذن لا تريدين أن تقبليني.

– أريد ولكني لا أقدر.

– لماذا؟

– لا أقدر، لا تسلني لماذا.

– إذن أنتِ مخادعة، حسبي ما لقيته من مجافاتك، وكفاني ما أغالط نفسي فيه، إني أثبت الدناءة على نفسي بهذه المغالطة، فها أنا أتركك.

وعند ذلك كنت قد نهضت، فخرجت غاضبًا لا ألوي، وبعد قليل تبعني رفاقي إذ عرفوا أني خرجت.

في خلال تلك الحوادث المؤلمة كانت خطيبتي قد يئست من استردادي إليها، بعد ما بذلت جهدها في الحرص على قلبي فلم تفلح، كنت أرثي لها لأنها كانت مغبونة معي، ولكن بلغ أمي وعمي حينذاك أنها ابنة بغيٍّ، وقد رباها خالها مانعًا أمها عنها؛ لكيلا تلتطخ بعارها ثم أنكرها عليها بعدئذ مدعيًا أنها ماتت، فكبر عليهما الأمر وأبيا أن تُزف إليَّ فحلا عقد خطبتنا.

قال الطبيب: فلم أتمالك أن قلت: «مسكينة هذه الفتاة، هل كانت سيئة السلوك يا مسيو كاسيه؟» فقال: «بل هي من أطهر الفتيات قلبًا، ألا تعرف المسيو جوزف ماتون؟» فقلت: «أعرفه»، قال: «هي ابنة أخته»، فقلت: «إني رأيت في منزله فتاة أليست ابنته؟» فقال: «بل هي ابنة أخته وتُدعى ماري مارتال بزعم أنها يتيمة الأبوين، وأن أباها يُكنى بمارتال»، فقلت: «ولماذا تعاقب بجريرة أمها إذا كانت طاهرة القلب؟» قال: لم أطاوع عمي وأمي في حل عقد الخطبة استنكافًا من الزواج بابنة بغي، ولا أدين الابنة بجريرة أمها جريًا على مذهبهما، وإنما تركت تلك الفتاة؛ لأني كنت أبتغي إطلاق حريتي من قيود الزوجية، إذ كنت مشغولًا بأمر إيفون ومنصرفًا عن كل أمر غير استرضائها.»

منذ بضعة أيام كنت وميراي صباحًا في مركبة في طريق الجزيرة، فنظرنا إيفون وفانتين معها في عربة، فهاجني الوجد والشوق إلى زيارتها ولم أدرِ لماذا، لعلي مللت عشرة ميراي فتذكرت ماضي إيفون، فاستيقظ غرامي الأول، ما صدقت أن حان المساء حتى ودعت ميراي، وذهبت إلى إيفون فاستقبلتني فانتين والدموع تنسكب من عينيها المدرارتين فقلت: «ما الخبر؟ فصفقت ولطمت خديها قائلة: إيفون، إيفون، في خطر الموت.

– ويلاه ماذا تقولين؟

– واندفعتُ إلى الأمام لكي أدخل إلى غرفتها، فأمسكتني بكلتا يديها قائلة: لا تدخل.

– لماذا؟

– أمر الطبيب أن تترك هادئة في سريرها؛ لأن أقل حركة تؤثر عليها وتعجل في أجلها.

– أنائمة هي الآن؟

– نعم.

فجذبت فانتين إلى قاعة الاستقبال، وجعلت أسألها: ماذا جرى لها؟

– أتعلم أننا رأيناك اليوم مع المدموازيل ميراي في طريق الجيزة؟

– نعم.

– فيما نحن راجعتان اعترى إيفون شبه نوبة عصبية، فضاق صدرها وكانت تتشنج، فارتعت لأمرها وأمرت الحوذي أن يعجل إلى البيت، وبالجهد أمكنها أن تصعد متوكئة عليَّ وعلى الخادم، وفي الحال استدعيت لها الدكتور بوشه أقرب الأطباء إلينا، ففحصها باهتمام ووصف لها العلاجات الوقتية المنعشة سألته عن أمرها، فقال: إنه علة قلبية فيخشى عليها من الانفعالات النفسانية، وأمر أن يخلو المكان من كل ضوضاء وحركة، وأن لا يدخل عليها أحد البتة.

– هل قال: إنها في خطر؟

– نعم، إني أخاف على حياة إيفون يا موريس، أطلب حياتها منك؛ لأنك أنت سبب غمها وكدرها.

– ماذا قالت عني؟

– لم تقل شيئًا، ولكنها كانت دائمًا تتنهد متحسرة، أنت سبب حسرتها، يستحيل أن تدرك كم غممتها وقهرتها فيما فعلته لنكايتها، ولو قدرت فاعليته لأشفقت أن تقدم عليه؛ لأنها لا تزال إلى الآن تحبك منتهى الحب.

– آه لا تفكريني بفظاظتي يا فانتين، لعل لي بعض العذر.

عند ذلك كان الحزن قد طمى في فؤادي، والغم تلبد على صدري، والدنيا اسودت في عيني، ومرت في مخيلتي تذكارات إيفون الماضية بأسرع من لمح البرق، وشعرت أن ما عملته لكيدها لا يقدم عليه همجي، فطوَّق الأسى قلبي وكاد يزهق روحي، فقلت لفانتين: والآن بماذا أكفر عن ذنوبي؟ أود أن أراها.

– الطبيب حتم عليَّ أن أتركها مستكنة وهي الآن نائمة.

– أبقى هنا إلى أن تصحو فأجثو عند قدميها.

– أخاف يا موريس أن تثير شجونها وتجدد انفعالها.

– لا، لا، أصغر لديها، أتذلل لها، أقبِّل قدميها، ولا أدعها إلا راضية.

وبعد هنيهة تفقدتها فانتين، وتأخرت عندها فتبعتها إلى باب المخدع فسمعتهما تتناقشان في أمر دخولي عليها، فدخلت غير مستأذن وفي الحال جثوت أمامها وقلت:

– إني نادم على كل آثامي الماضية فاغفري لي يا إيفون، أضحي بكل شيء لأجل سلامتك، فماذا تأمرين؟

فلم تتمالك أن بكت البكاء المرَّ، وفي هنيهة عاودتها النوبة فضاق نفسها، ورأيت أنها تكاد تختنق، فتقطع قلبي عليها فرقًا وجعلت فانتين تعالجها بالمنبهات، وتهمس في أذني قائلة: «ليتك لم تدخل، الأفضل أن تخرج»، فخرجت جازعًا وجلًا ألطم خدي تارة، وأعضُّ أصابعي أخرى، نادمًا على مقابلتي لها التي هاجت عواطفها في إبان ضعفها.

وبعد هنيهة عادت فانتين تقول: إنها انتعشت قليلًا واستكنت، فالأفضل أن تبتعد عنا بتاتًا ريثما تشفى إيفون الشفاء التام وحينئذ تسترضيها.

– كيف أطيق أن أغفلها في إبان مرضها؟

– إن كنت تحبها فاحترم إرادتها، وهي تريد أن تكون بعيدًا عنها، فإغفالك إياها الآن أفضل خدمة لها.

فأنعمت النظر في كلام فانتين وأنا مضطرب جدًّا، وقلق على صحة إيفون، ثم قلت والدموع تنهمل من عيني لقاء دموع فانتين: إني أخضع لكل حرف من أوامر إيفون، وأقدس كل ما يتجلى من إرادتها، أفعل الآن كل ما فيه فائدة لصحتها، لا آتي إلا متى شفيت تمامًا وأذنت لي بزيارتها.

خرجت من منزلها وأنا كالطفل إرادة، أمتثل لكل ما تأمر به فانتين، فلو قالت لي: إن سلامة إيفون موقوفة على نفيي إلى سيبيريا لنفيت نفسي مسرورًا، إلى الآن لم أزرها وإنما أرسل خادمي إلى منزلها كل يوم، فيعود إليَّ بأخبار صحتها، وأمس كنت شديد القلق عليها؛ لأني علمت أنها في خطر فذهبت إليك لكي أستعلمك الحقيقة.

•••

هذه حكايتي مع إيفون النادرة المثال في طيبة قلبها، درست هذه المرأة درسًا مدققًا، فانتهيت إلى هذه النتيجة:
ليس جسدنا إلا غلافًا منطويًا على حقيقة إنسانيتنا الحقيقة هي الروح.١
أفعال الروح هي نور حياتنا الإنسانية، وأفعال الجسد هي ظل حياتنا الحيوانية، إذا كانت حياتنا الحيوانية شفافة يسطع نور حياتنا الإنسانية، وإذا كانت كثيفة قاتمة ألقت ظلًّا حالكًا، «فالهيئة الظاهرة غشاء والإنسان الحقيقي مخبوء وراء ذلك الغشاء، فإذا شئنا أن ندرس الإنسان الحقيقي يجب أن ننعم النظر في داخليته.»٢

البصر لا يقدر أن يميز بين نور الروح وظل الجسد؛ لأن هذا التمييز من وظيفة البصيرة، الغلط الفاضح أن نحكم على الأشخاص بحسب مظاهرهم، من غير أن نحلل تلك المظاهر، ونرى بعين البصيرة ما هو ظل الحياة الحيوانية منها، وما هو نور الحياة الإنسانية، تنظر إلى الفتاة فتراها ملاكًا متجسدًا، ولكن انظر إلى حقيقتها فتعرف إن كانت ملاكًا هابطًا أو ملاكًا صاعدًا.

النساء أربع:
  • الأولى: امرأة محصنة فاضلة، حياتها الروحية ساطعة النور، وحياتها الحيوانية شفافة الغلاف لا تكاد تلقي ظلًّا، ففضائلها ظاهرة.
  • والثانية: امرأة محصنة ولكنها فاسدة حياتها الإنسانية ضئيلة النور، وحياتها الحيوانية شفافة الغلاف قليلًا، فيظهر نورها مكمدًا كنور الشمس في ساعة كسوفها، وهو اكمداد الفساد.
  • والثالثة: امرأة دنسة فاسدة حياتها الإنسانية قاتمة؛ لأن الفساد أطفأ نورها وحياتها الحيوانية غير شفافة لِمَا غشيها من سواد الدنس.
  • والرابعة: امرأة دنسة ولكنها غير فاسدة، حياتها الإنسانية ساطعة النور، وحياتها الحيوانية قاتمة لِمَا غشيها من الدنس، فتحجب ذلك النور، ولكن إذا أنعم المستبصر النظر فيها استشف من خلال حياتها الحيوانية الكثيفة شعاع الحياة الإنسانية الساطع، فهذه يمكن إصلاحها.

إيفون من الصنف الرابع.

أرى حياتها الروحية ساطعة نورًا؛ لأني توسمت فيها مبادئ وأخلاقًا ليست إلا في الذين أُشربوا إكسير الفضيلة مع لبن أمهاتهم، ولكن حياتها الحيوانية لم تكن شفافة؛ لأن الدنس غشيها فلم يرَ ذلك النور اللامع جيدًا، لا يراه إلا ذو البصيرة الحادَّة.

إيفون دنسة ولكنها غير فاسدة.

تحتاج إشعاع الحب الحقيقي؛ لكي يجلو عن حياتها الحيوانية ذلك الغشاء الذي ألقاه الدنس عليها، فيظهر نور حياتها الإنسانية.

التمست يد إيفون زوجة، فأبت حرصًا على شرفي زاعمة أن العالم بأسره يعدها ساقطة، فلا تليق لي ولكنها لو رضيت بي زوجًا لمحا حبي عارها، وظهر للملأ نور طهارة روحها، واضطر الناس أن ينسوا ماضيها ويجلُّوا حاضرها.

ألا تظن أن بين البغيات كثيرات مثل إيفون حياتهنَّ الإنسانية ساطعة النور، فلو أصاب حياتهنَّ الحيوانية المظلمة نور الحب الحقيقي لبدد ذلك الظلام، وسطع النور المحجوب.

قال الطبيب: وما انتهى موريس من قص حكايته الطويلة حتى خيم الظلام، وكانت الحمى قد أعادَت الكرَّة عليه من شدة تأثره، فاضطجع في سريره والدموع تفيض من مقلتيه، فودعته وعدت إلى منزلي وأنا أفكر في إيفون وغرابة أخلاقها، وأتعجب من مجافاتها لموريس.

١  عن هوغو.
٢  المصدر نفسه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤