خاتمة

وبعد، فأين نحن من هذا كله؟ لطالما ناديت ونادى غيري بأن العناية بأمر العلم قد صارت ضرورة من ضرورات الحياة في كل أمة، فهل يصل دوي القنابل الذرية إلى آذاننا فيزيل ما بها من وقر؟ وهل يصل بريقها إلى أعيننا فيزيل ما عليها من غشاوة؟! أم على قلوب أقفالها؟

وهل يظن ساستنا حقًّا أنهم يستطيعون أن يصلوا إلى شيء ونحن عُزَّل من العلم وأسلحته؟! لقد أخبرنا رئيس الولايات المتحدة أنهم أنفقوا ألفي مليون دولار في الأبحاث العلمية التي تفيد الحرب معتمدين على معونة العلماء، فبكم مليونًا — بل كم ألفًا — خصصنا في ميزانيتنا للبحوث العلمية؟

إن خير وسيلة لاتقاء العدوان أن تكون قادرًا على رده بمثله، وينطبق ذلك على الأسلحة العلمية أكثر من انطباقه على أي شيء آخر، فالإيطاليون قد استخدموا الغازات السامة ضد الأحباش؛ لأن الأحباش لم يكونوا يملكون استخدامها ضدهم، ولم يتجاسر الألمان في استخدام الغازات السامة ضد الإنجليز؛ لأن الإنجليز يستطيعون أن يكيلوا لهم الصاع بمثله، فالمقدرة العلمية والفنية قد صارتا كل شيء، ولو أن الألمان توصلوا إلى صنع القنبلة الذرية قبل الحلفاء لتغيرت نتيجة الحرب.

ولندع الحديث عن الحرب جانبًا، أليست أمامنا مشكلات السلم؟ لقد ذكرت في كتابي هذا أن الطاقة الميكانيكية مقياس لحضارة الأمة، وأن كل فرد من أفراد أوروبا وأمريكا تسخَّر له ألفا وحدة من وحدات الطاقة الميكانيكية، فكأنها الخيول المطهمة تروح وتغدو في خدمته، فكم وحدة من وحدات الطاقة الميكانيكية تسخَّر للفرد في مصر يا ترى؟!

إنها لا تعد بالألوف ولا بالمئات، بل ولا بالعشرات، وإذا أتم مشروع الكهرباء من خزان أسوان فإن ما يخص الفرد منه لا يعدو ١٢٠ وحدة من وحدات الطاقة، ولا إخالنا نملك الآن عُشر هذا المقدار، فمن أين يأتي الغذاء والكساء والدواء لهذه الملايين من البطون الجائعة والأجسام العارية العليلة؟!

أم إنها ألفاظ نتشدق بها ونقول بألسنتنا ما ليس في قلوبنا؟!

وهذه الثروة المعدنية المبعثرة في صحارينا، متى ننظر إليها ونعنى بتحصيلها؟!

أم يصدق علينا قول الشاعر:

كالعيس في البيداء يقتلها الظما
والماء فوق ظهورها محمول

وإن رقة حالتنا المادية لتهون إلى جانب تجزُّئنا المعنوي، فالعلماء الذين قاموا بتسخير الطاقة الذرية لخدمة بلادهم إنما فعلوا ذلك بباعث من الإيمان، الإيمان بحق وطنهم عليهم وحق هذا الوطن في أن يحيا وأن يحتفظ بمُثُلِهِ الروحية والاجتماعية، ونحن قوم لوطننا حق قديم علينا لعله أقدم الحقوق جميعًا، ولنا ثقافة تليدة يحق لنا أن نفتخر بها، أفلم يأنِ لها أن تفخر هي بنا؟

وهذه الطاقة الذرية الهائلة المروعة ماذا يكون نصيبنا منها؟َ!

لقد دللتُ في الفصل السابع من هذا الكتاب على احتمال وجود اليورانيوم في الصحاري المصرية، فماذا نحن فاعلون؟!

لعل كثرة النفقات وغيرها من الأعذار الواهية تستحي من الناس — إن لم تستحِ من الله — وقد صار الكيلو جرام الواحد يعدل ألفي طن من الوقود.

إن الشعب المصري والحكومة المصرية والبرلمان المصري يجب أن يضعوا هذه الأمور في المرتبة الأولى من مراتب عنايتهم ورعايتهم، فهل هم فاعلون؟!

أرجو … وأرجو ألا يطول بي الرجاء!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤