الفصل السابع

يو ٢٣٥

عنصر اليورانيوم – معادنه واستخراجه

أهم المعادن التي يستخرج منها عنصر اليورانيوم هو معدن اليورانيت، ويوجد من هذا المعدن نوع يعرف باسم بيتش بلند،١ ومعنى كلمة Pitch القار أو (الزفت)؛ وذلك لأن لون هذا النوع من المعدن أسود لامع يشبه القار. واليورانيت معدن معقد التركيب الكيميائي يحتوي على يورانات اليورانيل والرصاص، كما يحتوي عادة على الثوريوم والزيركينيوم، وكذلك اللاثانوم والأستريوم، ويوجد بين ثناياه غازات الأزوت والهيليوم والأرجون بنسب متفاوتة تصل إلى ٢٫٦٪، وربما يحتوي المعدن على عناصر أخرى، ويوجد اليورانيت أو البيتش بلند في أحجار البيجمانيت والجرانيت وفي بعض العروق التي تحتوي على معادن القصدير والنحاس والرصاص والفضة، حيث ترسَّب هذا المعدن في العصور الجيولوجية الماضية من محاليل فلذية، ومن أهم المناجم التي يستخرج منها اليورانيوم مناجم تشينكولوبوي في الكنغو البلجيكية بالقرب من مناجم النحاس في كامبوف.
ويوجد اليورانيت مختلطًا في هذه المناجم بمعادن يورانيوم متأكسدة وذات ألوان زاهية تستلفت النظر، منها الأوتونيت وهو أصفر فاقع اللون، وكذلك الكوريت (نسبة إلى مدام كوري) ويضرب لونه إلى الحمرة أو الصفرة القاتمة، ومن المسلَّم به جيولوجيًّا أن هذه المناجم تتصل نشأتها بمناجم النحاس الكبيرة في كاتانجا بالكنغو البلجيكية، وأنها تكونت معها في وقت جيولوجي واحد من محاليل مجماتية٢ متصاعدة تحمل مواد منصهرة من مواد القشرة الأرضية، وقبل سنة ١٩٣٨ كانت خامات اليورانيوم التي يحصل عليها من الكنغو البلجيكية ترسل إلى «أولنْ» في بلجيكا لتحليلها وتنقيتها وتحتوي هذه الخامات على نحو ٤٠٪ من أوكسيد اليورانيوم، كما تحتوي أيضًا على عنصر الراديوم، وقد كانت بلجيكا تحتكر عنصر اليورانيوم تقريبًا إلى سنة ١٩٣٠ عندما اكتشفت مناجم جديدة في منطقة بحيرة الدب الأكبر في الجزء الشمالي الغربي من كندا، وتقع هذه المناجم داخل الدائرة القطبية الشمالية، وقد كان الكشف عن هذه المناجم عملًا من الأعمال العظيمة في تاريخ التعدين يرجع الفضل فيه إلى علماء الجيولوجيا والمهندسين في كندا، وبالكشف عنها انخفض ثمن الراديوم بمقدار ٦٢٪، وتوجد الرواسب المعدنية في مناجم بحيرة الدب الأكبر بين صخور متحولة وراسبية عند مناطق اتصالها بأحجار الجرانيت المتدخلة فيها، ويوجد مع البيتش بلند فضة خالصة، كما يوجد أيضًا أرسينور النيكل والكوبالت الذي تكوَّن من محاليل معدنية حارة تدفقت في العصور الجيولوجية الماضية بين الصخور النارية، وتحتوي الخامات على نسبة عالية من اليورانيوم، وتركز هذه الخامات، ثم ترسل بالطائرات الى أقرب محطة سكة حديدية، ومن هنالك ترسل إلى (بورت هوب) في أونتاريو من أعمال كندا لتنقيتها واستخلاص اليورانيوم والراديوم منها، وقبل استغلال مناجم الكنغو البلجيكية عام ١٩٢٣ كان معظم اليورانيوم والراديوم في العالم يستخرجان من معدن الكارنوتيت في مناجم منطقة «كلورادو» و«أونا» بالولايات المتحدة، والكارنوتيت معدن أصفر اللون ويحتوي على عنصر الفاناديوم ويوجد على شكل كتل مسحوقة في الصخور الرملية اليوراسية، ولا تزال كميات كبيرة من اليورانيوم تستخرج من معدن الكارنوتيت من هذه المناجم، أما كمية الراديوم المستخرج منها فقد تضاءلت كثيرًا.
ومن أشهر مناجم اليورانيوم مناجم (يواخيمستال)٣ في تشيكوسلوفاكيا، ولا تزال هذه المناجم تنتج كميات صغيرة من معادن اليورانيوم والراديوم مستخرجة من عروق صخرية تحتوي على الكوبالت والنيكل والفضة، فمعدن البيتش بلند الذي استخدمته مدام كوري وزوجها في تجاربهما المشهورة عام ١٨٩٨ واستخرجت منه عنصر الراديوم لأول مرة، هذا المعدن كان مستخرجًا من مناجم (يواخيمستال)، وقد استخرجت كميات صغيرة من اليورانيوم والراديوم من مناجم القصدير في (كورنوول) في إنجلترا، كما أن البرتغال تنتج كميات صغيرة من البيتش بلند والأوتونيت.

إنتاج العالم من اليورانيوم

كانت خامات الكارنوتيت المستخرجة من الولايات المتحدة هي المصدر الرئيسي لليورانيوم قبل سنة ١٩٢٣، ثم اكتشفت مناجم الكنغو البلجيكية الغنية بمعدن اليورانيت فازداد إنتاجها حتى فاق إنتاج الولايات المتحدة، فلما اكتشفت مناجم بحيرة الدب الأكبر في كندا صارت كندا أول الدول المنتجة لليورانيوم في العالم، وفي عام ١٩٣٨ أنتجت كندا ٣٦٠ ألف كيلو جرام من أملاح اليورانيوم، كما أنتجت أيضًا ٧٥ جرامًا من الراديوم، وفي نفس السنة أنتجت الولايات المتحدة نحو ٢٤ ألف كيلو جرام من اليورانيوم ومعها نحو ٨ جرامات من الراديوم، أما إنتاج الكنغو البلجيكية من اليورانيوم فلم تنشر عنه أرقام إحصائية، ولكنه يقدر إلى أول الحرب بنحو ثلثي إنتاج كندا.

هل يوجد اليورانيوم في مصر؟

إن العمل الذي قام به علماء الجيولوجيا والمهندسون في كندا والذي أدى إلى العثور على مناجم بحيرة الدب الأكبر الغنية بعنصر اليورانيوم، إن هذا العمل لأكبر حافز لنا على البحث عن هذا العنصر في صحارينا المصرية بعد أن صارت له هذه الأهمية الكبرى في حياة الأمم، وقد سبقت الإشارة إلى أن اليورانيت أو البيش بلند يوجد في صخور الجرانيت وفي بعض العروق المعدنية التي تحمل القصدير والنحاس والرصاص، وأنه تكوَّن في العصور الجيولوجية من محاليل مجماتية، ومن الثابت أن القصدير والنحاس والرصاص موجودون في الصحراء المصرية، كما أن من الثابت أيضًا أن طريقة تكوُّن معادنِ بعضِها حدثت بالقرب من الصخور الجرانيتية المجماتية، فخامات القصدير مثلًا التي عثر عليها في عام ١٩٣٤ في منطقة جبل مويلح قد تكوَّنت في الغالب من حجر الجرانيت بفعل غازات وأبخرة بطريقة مشابهة لتكون اليورانيت، وإنني أبدي هذه الآراء بكل تحفظ تاركًا الرأي الأخير لعلمائنا الجيولوجيين ومهندسينا، وإذا كانت خامات اليورانيوم تُنقل بالطائرات في كندا فليس هناك ما يمنع من استخدام نفس الطريقة في مصر إذا عُثر على هذا العنصر الحيوي في مناطق منعزلة أو صعبة المواصلات.

أصناف اليورانيوم

سبقت الإشارة إلى أن العنصر الواحد قد تكون له أصناف متعددة تتفاوت في أوزان ذراتها مع اتحادها في عددها الذري؛ أي في عدد وحدات الكهرباء التي تحملها النواة، والعدد الذري لليورانيوم هو ٩٢، وإذن فنواة اليورانيوم تحمل ٩٢ وحدة من وحدات الكهرباء الموجبة ويحيط بها ٩٢ إلكترونًا، ولكن ما وزنها؟

إن وزنها إلى حد ما نعلم إما أن يكون ٢٣٤ أو ٢٣٥ أو ٢٣٨، وهذه إذن هي أوزان أصناف اليورانيوم الثلاثة المعروفة، ويمكن الرمز على هذه الأصناف بالرموز «يو ٢٣٤» و«يو ٢٣٥» و«يو ٢٣٨» على الترتيب، ويكون معنى «يو ٢٣٤» صنف اليورانيوم الذي وزن ذرته ٢٣٤، ومعنى «يو ٢٣٥» صنف اليورانيوم الذي وزن ذرته ٢٣٥، ومعنى «يو ٢٣٨» صنف اليورانيوم الذي وزن ذرته ٢٣٨، وتمتزج هذه الأصناف بالنسب المبينة فيما يأتي:

يو ٢٣٤ بنسبة ٠٫٠٠٦٪

يو ٢٣٥ بنسبة ٠٫٧١٪

يو ٢٣٨ بنسبة ٩٩٫٢٨٪

ومن ذلك يتضح أن الصنف الأخير يتغلب على الصنفين الآخرين تغلبًا كبيرًا، وأن الصنف «يو ٢٣٥» يوجد بنسبة سبعة في الألف تقريبًا، فكل كيلو جرام من اليورانيوم يحتوي على ٧٫١ جرام من «يو ٢٣٥».

أصناف اليورانيوم وتحولات النواة

سبق القول بأن نواة اليورانيوم إذا أُطلقت عليها نيوترونات انفلقت فلقتين، والسؤال الذي يخطر بالبال هو: ما الذي يحدث لكل صنف من أصناف اليورانيوم؟ وهل تتأثر كلها بدرجة واحدة؟ ثم إن النيوترونات التي استخدمها هاهن واشتراسمان كانت نيوترونات بطيئة أو نيوترونات حرارية كما تسمى، فما هو تأثير بطء النيوترونات وسرعتها في عملية الانقسام؟ لقد كانت سنة ١٩٤٠ هي السنة الفاصلة في الإجابة عن هذا السؤال؛ إذ نُشرت أبحاث لكل من نير٤ وبوث٥ وكنجدون٦ وغيرهم في أمريكا دلت كلها على أن الصنف «يو ٢٣٥» هو الذي تنفلق ذراته بفعل النيوترونات البطيئة، فقد فصل هؤلاء الباحثون أصناف اليورانيوم بوساطة مطياف الكتلة، وشاهدوا أثر النيوترونات في كل منها على حدة، فالصنف «يو ٢٣٥» إذن هو المادة السحرية التي يمكن أن تحل بها سلسلة من التحولات بفعل النيوترونات البطيئة فتفتح لنا خزائن الطاقة في باطن المادة، وقد وجد الباحثون أن الصنف «يو ٢٣٤» لا يكاد يتأثر بالنيوترونات، كما وجدوا أن الصنف «يو ٢٣٨» وهو الصنف المتغلب في العنصر يتأثر بفعل النيوترونات السريعة.

فلق النواة بطرق أخرى

وقد نجح بعض الباحثين في فلق النواة بطرق أخرى غير إطلاق النيوترونات عليها؛ منهم جانت٧ الذي استخدم ديبلونات، وكذلك «فيرمي» الذي استخدم جسيمات ألفا، إلا أنه حتى عام ١٩٤٣ لم تكن هذه الأبحاث قد نشأ عنها احتمال إطلاق الطاقة من عقالها.

سرعة النيوترونات وبطؤها

ومن الصعوبات التي قامت في سبيل الحصول على الطاقة الذرية بإطلاق النيوترونات على اليورانيوم أن النيوترونات الصادرة عن فلقتي النواة هي نيوترونات سريعة وليست نيوترونات بطيئة أو حرارية كالتي استخدمها هاهن واشتراسمان في تجاربهما، وقد اقترح أدلر٨ إضافة عنصر الكادميوم إلى اليورانيوم لانقباض سرعة النيوترونات وتقريبها من السرعات الحرارية.

فصل الصنف «يو ٢٣٥»

لما كان الصنف «يو ٢٣٥» هو العامل الأساسي في عملية استخراج الطاقة الذرية، لذلك كان من المهم تركيز هذا الصنف، أو إذا أمكن تحضيره بصورة نقية، وهو موجود — كما سبق القول — بنسبة ٧٫١ في الألف في اليورانيوم العادي، وعملية فصله أو عزله تكتنفها صعوبات جمة، وخاصة بسبب ارتفاع الوزن الذري لليورانيوم، وبذلك لا يكون الفرق النسبي في الوزن بين «يو ٢٣٥» و«يو ٢٣٨» إلا نحو ١٫٣٪.

هوامش

(١) Pitchblende.
(٢) magmatic.
(٣) Joachimsthal.
(٤) A. O. Nier.
(٥) T. T. Bwoth.
(٦) K. H. Kingdou.
(٧) D. H. I. Gont.
(٨) Adler.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤