الدرس الرابع عشر

سوق الأوراق المالية

(مستوى متقدم)

ستتعلم في هذا الدرس

  • تعريف «سوق الأوراق المالية».

  • الفرق بين ديون الشركات و«حقوق الملكية».

  • الأهمية الاجتماعية للمضاربة في البورصة.

(١) سوق الأوراق المالية

كثيرًا ما يشير الأفراد في أحاديثهم اليومية إلى «السوق» ويسأل بعضهم بعضًا هل السوق «مرتفعة أم منخفضة»، وهم بذلك لا يقصدون اقتصاد السوق كله، وإنما يقصدون سوق الأوراق المالية. و«سوق الأوراق المالية» هي سوق محددة يتبادل فيها الباعة والمشترون حصصًا من «أسهم الشركات»، وهي أجزاء من ملكية الشركات تكون قابلة للتحويل قانونًا. على سبيل المثال: إذا كان أحد الأشخاص يمتلك ٥٠ سهمًا من أسهم شركة «أكمي» وكان إجمالي الأسهم المتداولة ١٠٠٠ سهم، فإن هذا الشخص يملك ٥٪ من شركة «أكمي» نفسها. فهذا الشخص بالإضافة للمساهمين الآخرين في هذه الشركة — الذين تتفاوت حصة أسهم كل منهم — لهم حقوق في أصولها وفي الدخل الذي تحققه.

تتم عمليات بيع وشراء الأسهم في «البورصة»، مثل بورصة نيويورك (ومقرها ١١ شارع وول ستريت، نيويورك) أو بورصة لندن. ولعلك شاهدت بالفعل متداولين منفعلين يصيحون أثناء تحرك أسعار الأسهم على شاشة عرض كبرى. ومع ظهور الإنترنت أصبح من السهل كثيرًا لشخص عادي أن يشتري الأسهم ويبيعها (عبر «شركات الوساطة المالية») دون الحاجة إلى الذهاب بنفسه إلى البورصة.

عندما يشير الأفراد إلى سعر سهم معين، فإنهم عادة يقصدون السعر الذي تم عنده آخر تداول. وفي حالات عديدة لا علاقة لها بسوق الأسهم، يثبت البائع السعر وينتظر وقتًا طويلًا ليرى مقدار ما سيبيعه قبل تعديل السعر. على سبيل المثال: إذا أراد زوجان بيع منزل، فسيحددان سعرًا وينتظران في الأغلب شهرًا على الأقل قبل التفكير في خفض السعر. قد يغير متجر البقالة أسعار البيض والحليب على نحو أكثر تكرارًا، لكن حتى في هذه الحالة لا يرى المشتري أن أسعار هذه السلع تتغير بين ساعة وأخرى. الوضع مختلف في سوق الأسهم حيث تنتقل ملكية مليارات الأسهم من شخص لآخر كل يوم، وحيث تتذبذب الأسعار كثيرًا لتتغير بين لحظة وأخرى متأثرة بمعلومة جديدة تصل إلى السوق.

(٢) لماذا تُصدر الأسهم؟ (الدين مقابل حقوق الملكية)

رأينا في الدرس الثاني عشر أن أصحاب الأعمال يلجئون في بعض الأحيان لاقتراض الأموال من الآخرين بغرض تسريع نمو أنشطتهم. وعندما يكون النشاط التجاري «منشأة فردية»، فقد يلجأ المالك عندما يريد تمويلًا خارجيًّا إلى الاقتراض من الأصدقاء والأقارب بناءً على اتفاقات غير رسمية وعلى ثقتهم في شخصه.

بيد أن هناك بديلًا آخر وهو «جمع رأس المال» عن طريق بيع «حقوق ملكية» النشاط التجاري. وفي هذه الحالة، يمكن للمالك (أو للمُلاك) «طرح الأسهم أمام الجمهور» عن طريق «تأسيس شركة» وبيع أسهم للآخرين عن طريق «طرح عام أولي». وإذا كانت الشركة قائمة بالفعل، يمكن جمع المزيد من رأس المال عن طريق بيع أسهم إضافية (ومن ثم تخفيض حقوق الملكية للمساهمين الأصليين).

وهناك العديد من الأسباب التنظيمية والقانونية والضريبية التي تميز تأسيس الشركات عن غيرها من أشكال النشاط التجاري. وسيقتصر هدفنا في هذا الدرس على فهم الفرق الأساسي بين جمع إحدى الشركات أموالًا جديدة عن طريق «إصدار ديون» أو «إصدار أسهم»، ويُطلق على الثانية أيضًا إصدار «حقوق ملكية»، لأنها تمنح حق ملكية في الشركة.

لمزيد من التوضيح، سنفترض أن أوضاع شركة «أكمي» جيدة وأنها بحاجة لجمع ١٠٠ مليون دولار بغرض التوسع في عملياتها. يمكن القيام بذلك عن طريق بيع سندات جديدة للمقرضين مع وعد بمنحهم فائدة سنوية قدرها ٥٪ على سبيل المثال، وسداد أصل القرض في غضون عشر سنوات. وبهذه الطريقة ستتمكن أكمي من الحصول سريعًا على المائة مليون دولار التي تحتاجها، وعندها سيتعين عليها سداد ١٠ دفعات سنوية بقيمة ٥ ملايين دولار قبل سداد المائة مليون دولار واسترجاع السندات. (إذا لم تكن «أكمي» ترغب في سداد المائة مليون دولار في هذا الوقت، فيمكنها بالطبع «تجديد الدين» بإصدار سندات جديدة؛ مثل «إعادة تمويل قرض» لمالك بيت.)

لجوء «أكمي» إلى تجميع المال عن طريق إصدار دين جديد له إيجابياته وسلبياته. إذا سارت الأمور وفق الخطة الموضوعة، فإن المائة مليون دولار الجديدة (التي ستُنفق في إنشاء مصنع جديد وفي الإعلانات وفي توظيف مديرين ذوي خبرة … إلخ) سترفع عائدات «أكمي» بما يزيد عن ٥ ملايين دولار سنويًّا بمعنى أن القرض «سيسدد نفسه». وهكذا فإن الزيادة في عائدات «أكمي» ستكون أكبر من المطلوب لسداد مدفوعات الفائدة، بحيث يصبح ملاك «أكمي» (أي المساهمين) أكثر ثراءً على المدى الطويل بسبب القرار الذي اتخذوه بإصدار الدين. وسواء تبين أن هذا القرار كان جيدًا أو ممتازًا، ستظل «أكمي» ملزمة بدفع أقساط فائدة ثابتة نسبتها ٥٪ من الأموال المقترضة.

أما عن سلبيات هذا القرض، فإن «أكمي» ملتزمة بأن تدفع لدائنيها (حاملي السندات) سواء أكانت عملية التوسع مربحة أم لا. إذا لم تساعد المائة مليون دولار شركة «أكمي» في تحقيق ربح إضافي لا يقل عن ٥ ملايين دولار سنويًّا (في المتوسط)، فسيزداد ملاكها فقرًا نتيجة قرارهم الخاطئ. ولو كانت توقعاتهم بشأن مستقبل شركتهم صحيحة، لما لجئوا إلى اقتراض أموال بمعدل فائدة ٥٪ سنويًّا، لكن ما إن يصدرون السندات حتى يصبحوا مقيدين بالالتزامات التعاقدية. سيتعين عليهم عندها سداد أقساط فائدة سنوية بقيمة ٥ ملايين دولار سنويًّا بصرف النظر عن وضع الشركة المالي.١
وبدلًا من إصدار دين جديد، يمكن لشركة «أكمي» أن تبيع أسهمًا جديدة. سنفترض أن «أكمي» لديها مليونا سهم متداول يملكها أفراد عديدون في المجتمع. إذا أصدرت «أكمي» مليونَي سهم جديد بسعر ٥٠ دولارًا للسهم، فستتمكن من جمع المائة مليون دولار التي تحتاجها من أجل التوسع في نشاطها. لكن بما أن إجمالي عدد الأسهم سيرتفع بذلك إلى ٤ ملايين سهم، فستُخفَّض حقوق الملكية النسبية للمساهمين الأصليين. على سبيل المثال: إذا كان بيل جونسون يمتلك ٢٠٠٠٠٠ سهم، فذلك يعني أنه كان يمتلك في البداية ١٠٪ من «أكمي»، لكن بعد إصدار الأسهم الجديدة لن تمثل مائتا الألف سهم (٤/٢٠٠٠٠٠ مليون) سوى ٥٪ من «أكمي».٢

عند توسيع دائرة الملكية في شركة «أكمي» نفسها، فإن إصدار الأسهم الجديدة لا يلزم الشركة بسداد سلسلة ثابتة من المدفوعات (مثلما يحدث في حالة السندات). سيشارك المساهمون الجدد في الانتعاش الذي سيحدث إذا سارت الأمور وفق الخطط الموضوعة وحققت الشركة زيادة في الإيرادات، لكنهم من ناحية أخرى سيتكبدون خسائر نسبية إذا ساء أداء الشركة في السنوات اللاحقة. ونظرًا لأن المساهمين «أصحاب حقوق متبقية»، فإن أسهمهم تخول لهم ملكية جزئية في أصول «أكمي» ولكن بعد سداد حقوق الدائنين الآخرين. فمن الإيرادات التي تحققها الشركة في أحد الأعوام، سيتعين على مسئولي «أكمي» أولًا سداد مدفوعات الفائدة لحاملي السندات قبل إرسال «حصة الأرباح» إلى المساهمين.

لدى الاقتصاديين والمحللين الماليين الآخرين عدة نظريات وقواعد تجريبية مختلفة لتفسير التوازن الأمثل بين مديونية وحقوق ملكية إحدى الشركات. ويكفينا هنا أن تفهم أن إصدار دين جديد (على عكس حقوق الملكية) يزيد العائدات المحتملة للمساهمين الحاليين، لكنه ينطوي على الكثير من المخاطرة. وعلى النقيض، إذا أصدر المساهمون الحاليون المزيد من الأسهم، ووزعوا ملكيتها على عدد أكبر من الأفراد، فستقل فرصتهم في تحقيق عائدات أكبر، لكنهم في الوقت نفسه سيتشاركون مرارة الخسارة مع عدد أكبر من الأفراد.

تشير «الرافعة المالية» لإحدى الشركات إلى حجم الدين مقارنة بحقوق الملكية. وكلما زادت الرافعة المالية للشركة زاد احتمال حصول الملاك على عائدات أكبر، وزاد معه أيضًا احتمال مواجهة «الإفلاس». وفي عالم المال تختلف الشركات بعضها عن بعض في نسبة الرافعة المالية. بعض المستثمرين يشترون الأسهم في (أو يقرضون المال ﻟ) شركات تتبنى سياسات حذرة ونسبة الرفع المالي بها منخفضة، في حين أن هناك آخرين أكثر جرأة يفضلون الاستثمار في شركات أعباء مديونيتها مرتفعة لكنها تتبنى خطة عمل موثوقة.

(٣) الأهمية الاجتماعية للمضاربة في البورصة

من وجهة نظر المستثمرين الأفراد، تعد أسهم الشركات أحد السبل لاستثمار مدخراتهم. فبدلًا من الاحتفاظ بالنقود في المنزل أو إقراضها لأحد البنوك، يمكن للمستثمر أن يشتري حصصًا من الأسهم في شركة واحدة أو عدة شركات. وهو بذلك يأمل في أن تزداد القيمة السوقية لاستثماراته بمرور الوقت، إما بسبب مدفوعات أرباح الأسهم التي سيحصل عليها بصفة منتظمة أو بسبب ارتفاع القيمة السوقية لهذه الأسهم، أو كليهما معًا. وكثير من الأفراد يستثمرون جزءًا على الأقل من مدخراتهم في أسهم الشركات، لأنها تقدم نسبة عائد أعلى من السندات.٣
الواقع أنه لا يوجد حد فاصل وواضح بين مستثمري الأسهم ومضاربي البورصة. «المضارب» يشتري سهمًا ما ليس بسبب احتمال نمو الشركة على المدى الطويل، وإنما لأنه يتوقع زيادة سعر السهم في المستقبل القريب. فالمضارب لا يسعى للاستثمار في الشركات الناجحة، بل يبحث عن أسهم مسعرة بأقل من قيمتها ليحقق ربحًا سريعًا.٤ ومن وجهة نظر الكثيرين، يعد الاستثمار في الأسهم أمرًا جديرًا بالتقدير، بل ملمحًا أساسيًّا من ملامح الاقتصاد، بينما تعد المضاربة في الأسهم عملًا ضارًّا وغير أخلاقي.

وهذا الاستهجان الشائع للمضاربة يعجز عن تقدير المساهمة الحقيقية لهذا النشاط. رأينا في الدرس الثالث عشر أن صاحب المشروع الناجح يشتري موارد بسعر منخفض، ويحولها إلى سلع وخدمات نهائية يبيعها بسعر أعلى. وكلما زادت الأرباح التي يجنيها صاحب المشروع، زادت بالضرورة الفجوة أو الفرق بين أسعار الموارد والسلع الاستهلاكية. وهكذا يقوم صاحب المشروع بدور اجتماعي حيوي يتمثل في توجيه الموارد النادرة نحو تلك الأنشطة التي يمكن من خلالها تحقيق أقصى قيمة سوقية.

ومضارب البورصة ليس سوى واحد من أصحاب المشروعات؛ فشعاره في النهاية هو «اشترِ بسعر منخفض، وبِع بسعر أعلى.» والمضارب الفطن هو ذلك الذي يميز الأسهم المسعرة بأقل من قيمتها الحقيقية قبل أن يلاحظ الآخرون، ويستفيد من ذلك عندما يبدأ هؤلاء في رؤية الأمور من منظوره. لنفترض — على سبيل المثال — أن سعر سهم «أكمي» ٤٠ دولارًا، لكن المضارب سام يعتقد أن هذا السعر منخفض للغاية، وأنه سيرتفع إلى ٤٥ دولارًا بحلول نهاية الأسبوع مع صدور تقرير جديد. (سيحمل التقرير أخبارًا جيدة تدفع الكثير من المستثمرين إلى مراجعة توقعاتهم بشأن أرباح «أكمي» في المستقبل. وتَغيُّر هذه التوقعات سيدفع المستثمرين إلى عرض سعر مرتفع للسهم الآن، لأن هذه الأسهم ستخول لصاحبها حقًّا في الحصول على نصيب من أرباح «أكمي» المستقبلية.) وبناءً على ما توقعه سام، فإنه يشتري ١٠٠٠٠ سهم من أسهم «أكمي». إذا صدق توقع سام وتسبب التقرير في رفع سعر السهم إلى ٤٥ دولارًا، يمكنه حينئذ بيع أسهمه وتحقيق مكسب قدره ٥٠٠٠٠ دولار من هذه العملية. بالطبع لو أخطأ سام في توقعاته وانخفض سعر السهم إلى ٣٥ دولارًا، لتكبد خسارة قدرها ٥٠٠٠٠ دولار إذا باع أسهمه في نهاية الأسبوع.

كثير من المراقبين يشبِّهون المضاربة في البورصة بالمقامرة، لكن هناك فرقًا جوهريًّا بينهما؛ فعندما يراهن شخص ما بمبلغ ١٠٠٠ دولار على اللون الأحمر في عجلة الروليت، فذلك الفعل لا يؤثر على حركة العجلة؛ على الأقل في صالات القمار التي تراعي النزاهة! لكن عندما يشتري سام المضارب ١٠٠٠٠ سهم في «أكمي» لأنه يظن أن سعر السهم منخفض للغاية عند ٤٠ دولارًا، فهذا الفعل ربما يدفع أسعار أسهم «أكمي» نحو الارتفاع. فالطلب على أسهم «أكمي» سيزداد فجأة، بينما المعروض لم يتغير، ومن ثم سيرتفع سعر السهم (حال ثبات جميع العوامل الأخرى). وهكذا، نلاحظ أن المضاربين عندما يتوقعون زيادة سعر سهم ما في المستقبل، فإن محاولتهم الاستفادة من توقعهم هذا تتسبب في ارتفاع قيمة السهم.

من ناحية أخرى، إذا اعتقد المضاربون أن سهمًا ما مسعر بأعلى من قيمته، فإن ما يقومون به بناءً على ذلك سيدفع سعر السهم نحو الانخفاض. سنفترض أن أحد مساهمي «أكمي» يظن أن سعر السهم عند ٤٠ دولارًا فيه مغالاة، فربما يبيع ١٠٠٠٠ سهم، ثم يعاود شراءها مجددًا عندما ينخفض السعر إلى ٣٨ دولارًا. في النهاية سيظل لديه نفس عدد الأسهم في «أكمي»، لكنه سيكون قد حقق مكسبًا إضافيًّا قدره ٢٠٠٠٠ دولار بسبب الخطوة التي أقدم عليها.٥ وفي هذه الحالة أيضًا، نلاحظ أن الجهود التي بذلها المضارب بغرض تحقيق ربح شخصي قد أدت في نهاية المطاف إلى تحرك سعر السهم في الاتجاه الصحيح، لأن بيعه الأسهم عند سعر ٤٠ دولارًا سيدفع سعر السهم نحو الانخفاض (حال ثبات جميع العوامل الأخرى).

لنلخص ما سبق: مضاربو البورصة الناجحون يستطيعون تمييز الأسهم المسعرة بأسعار أقل من قيمتها. ومع أن دافعهم على ما يبدو تحقيق ربح مالي شخصي، فإن أنشطتهم تكون مفيدة على الصعيد الاجتماعي لعدة أسباب: السبب الأول والأكثر وضوحًا هو أن المضاربين — إذا كانوا ناجحين — يحدون بالفعل من تذبذب أسعار الأسهم. فما يقومون به من أفعال يرفع الأسعار عندما تكون منخفضة للغاية ويدفعها إلى الانخفاض عندما تكون مرتفعة للغاية. يحول المضاربون دون حَيْد أسعار الأسهم بعيدًا عن الاتجاه الذي يفترض أن تسير فيه، ومن ثم فإنهم يحدّون من التغير اليومي في أسعار الأسهم. ووجود المضاربين يجعل سوق الأوراق المالية أكثر نظامًا وأمانًا للمستثمرين العاديين الذين لن يحملوا همَّ انخفاض سعر سهم ما بنسبة ٣٠٪ إثر إعلان مفاجئ؛ فعادة يكون المضاربون قد تشمموا الأخبار قبل أسابيع، وعدَّلوا الأسعار بالفعل.

الواقع أنه من المهم تسعير الأسهم تسعيرًا دقيقًا، لأنها تمثل شيئًا حقيقيًّا؛ فهي حقوق ملكية جزئية في الشركات التي تمتلك بدورها أصولًا مادية نادرة وتنتج سلعًا وخدمات لعملائها. تذكر أن السعر السوقي المرتفع نسبيًّا للذهب يعطي إشارة لأصحاب الأعمال بضرورة قصر استخدامه على الأشياء المهمة للغاية التي يكون المستهلك على استعداد للحصول عليها بسعر مرتفع». وبالمثل، تحتاج أي شركة ناجحة إلى أن يكون سعرها السوقي (أي سعر السهم مضروبًا في إجمالي عدد الأسهم) مرتفعًا للغاية، لضمان وصولها إلى أيدي ملاك جادين يتخذون قرارات صائبة ستؤثر في مصير الشركة.

دعنا نضرب مثالًا بسيطًا؛ لو أن أسهم شركة «مايكروسوفت» انخفضت فجأة لسبب ما بحيث أصبح بإمكان أي مستثمر أن يشتري بدولار واحد فقط مليون سهم، فمعنى ذلك أنه يمكن لشخص واحد أن يشتري الشركة بالكامل لو دفع في المقابل ٩٠٠٠ دولار. وبذلك سيصبح مصير مئات الملايين من مستخدمي الكمبيوتر تحت رحمة أي شخص لديه ٩٠٠٠ دولار وفكرة عن «طريقة أفضل لإدارة مايكروسوفت». الواقع أن القيمة السوقية لشركة «مايكروسوفت» (حتى كتابة هذه السطور) تقدر بمئات المليارات من الدولارات. ربما يرتكب مساهموها الرئيسيون أخطاء فادحة عندما يكوِّنون مجلس إدارة للبت في مسائل أخرى، لكن سعر السهم المرتفع سيضمن أن يتحمل الأشخاص الذين يتخذون هذه القرارات المسئولية المنوطة بهم بمنتهى الجدية.٦

أخيرًا تذكَّر ما تعلمناه في الجزء السابق؛ فمن بين السبل التي تلجأ إليها الشركات لجمع أموال جديدة طرح المزيد من الأسهم. ومن خلال ضبط أسعار الأسهم، يساهم المضاربون في توزيع تدفق المدخرات الجديدة بين الشركات، بحيث تحظى الشركات التي يُتوقع لها مستقبل مشرق بأعلى الأسعار لأسهمها، ومن ثم تحصل على مزيد من الأموال لتمويل أنشطتها التوسعية.

خلاصة الدرس

  • تجمع سوق الأوراق المالية — بكيانها المادي (البورصة) والمعنوي على شبكات الإنترنت — ما بين بائعي ومشتري أسهم الشركات. وتحدد سوق الأوراق المالية طبيعة الأفراد الذين يمثلون المالكين الفعليين للشركات الذين من ثم سيكونون مسئولين عن كيفية إدارة هذه الشركات.

  • عندما تصدر إحدى الشركات دينًا، فإنها تبيع سندات من أجل اقتراض الأموال من المقرضين، وعندها تصبح الشركة مدينة بمدفوعات فائدة تعاقدية إلى جانب أصل القرض بصرف النظر عن نجاحها أو إخفاقها. في المقابل، عندما تصدر إحدى الشركات حقوقًا ملكية، فإنها تبيع أسهمًا بغرض جمع الأموال من المستثمرين. وحينئذٍ يحق لهؤلاء المستثمرين الحصول على حصتهم من أرباح الشركة التي ترتبط بنجاح الشركة (أو إخفاقها).

  • يحاول المضاربون في البورصة الشراء بسعر منخفض والبيع بسعر أعلى (أو البيع بسعر مرتفع والشراء بسعر أقل). والمضاربون الناجحون يساهمون في ضبط أسعار الأسهم غير المقدرة بقيمتها الحقيقية، لأن ما يقومون به من أفعال يدفع أسعار الأسهم المسعرة بأقل من قيمتها للارتفاع، ويدفع أسعار الأسهم المسعرة بأكثر من قيمتها للانخفاض.

مصطلحات جديدة

  • سوق الأوراق المالية: نوع خاص من الأسواق يتداول فيه البائعون والمشترون حصصًا من أسهم الشركات.
  • أسهم شركة: حقوق ملكية جزئية في الشركة. إذا كان إجمالي أسهم الشركة ١٠٠٠٠٠ سهم، فإن الشخص الذي يشتري ٥٠٠٠ سهم يمتلك ٥٪ من الشركة نفسها.
  • البورصة: أماكن محددة يجري فيها تداول الأسهم. من أشهر الأمثلة: بورصة نيويورك الواقعة في شارع وول ستريت.
  • شركات الوساطة المالية: شركات تساعد الأفراد في شراء الأسهم وبيعها. يعمل الوسيط المالي نيابة عن العميل، وينفذ أوامره فيما يتعلق بشراء الأسهم وبيعها.
  • منشأة فردية: شركة يملكها شخص واحد.
  • جمع رأس المال: عملية الحصول على أموال لشركة تسعى للنمو عن طريق بيع جزء من ملكيتها لمستثمرين خارجيين.
  • طرح الأسهم أمام الجمهور: السماح للأفراد العاديين بشراء حصص من الأسهم في إحدى الشركات، على عكس ما يحدث عند قصر الملكية على أفراد يحددهم مالكو الشركة.
  • تأسيس شركة: تحول نشاط تجاري إلى شركة، بحيث تكون ملكيتها موزعة بحصص من الأسهم.
  • طرح عام أولي: بيع الأسهم بمزاد علني للعامة عندما تقرر إحدى الشركات طرح هذه الأسهم.
  • إصدار دين: جمع أموال عن طريق بيع السندات للمقرضين.
  • إصدار أسهم/إصدار حقوق ملكية: جمع الأموال عن طريق بيع حصص أسهم للمستثمرين.
  • تجديد الدين: سداد مستحقات مجموعة من حاملي السندات القديمة عن طريق إصدار سندات جديدة.
  • إعادة تمويل (قرض عقاري): يحدث عندما يحصل صاحب منزل على قرض عقاري جديد من البنك (ربما بنسبة فائدة أقل أو بأقساط شهرية أقل) ويستخدمه لسداد القرض العقاري الحالي.
  • سندات قابلة للاسترداد: سندات يحق لمُصدرها (المقترض) السداد قبل الموعد المحدد.
  • أصحاب الحقوق المتبقية: يشير إلى المساهمين الذين لا يحق لهم الحصول على حصة من أرباح الشركة إلا بعد سداد مستحقات الدائنين الآخرين أولًا.
  • حصة ربح: توزيع حصة من صافي أرباح الشركة على المساهمين.
  • الرفع المالي: زيادة العائدات المحتملة من أحد الاستثمارات عن طريق الاستعانة بأموال مقترضة.
  • إفلاس: يحدث عندما تكون التزامات إحدى الشركات أكبر من أصولها.
  • مضارب: شخص يشتري أحد الأصول (مثل سهم شركة) ظنًّا منه أن سعره سيرتفع، أو يبيع أحد الأصول ظنًّا منه أن سعره سينخفض.
  • مخاطرة نسبة الفائدة: المخاطرة التي يواجهها حاملو السندات لأن زيادة نسب الفائدة ستقلل القيمة السوقية لسنداتهم.
  • بيع على المكشوف: صفقة يقترض فيها أحد الأشخاص أصلًا (كحصة في الأسهم مثلًا) من مالك حالي ليبيعها بالسعر الحالي. ويتعين على هذا الشخص في النهاية أن يشتري هذا الأصل مجددًا ليعيده إلى مالكه الأصلي.

أسئلة الدرس

(١) إذا كان جيم يملك ٢٠٠ سهم في إحدى الشركات، فهل يمكننا حساب نسبة ما يملكه جيم من هذه الشركة؟
(٢) ما الخياران الأساسيان المطروحان أمام إحدى الشركات لجمع أموال جديدة؟
(٣) من يحصل على حقه في أرباح الشركة أولًا؛ حاملو السندات أم حاملو الأسهم؟
(٤) إذا كانت نسبة الرفع المالي في شركة مرتفعة للغاية، فهل يُتوقع أن تجتذب أسهمها المستثمرين الحذرين أم المغامرين؟
(٥) كيف يحد المضاربون الناجحون من تذبذب أسعار الأسهم؟

هوامش

(١) سنغض الطرف هنا عن احتمال أن تكون سندات «أكمي» «سندات قابلة للاسترداد»، بمعنى أن يكون للشركة الحق في أن تسدد المائة مليون دولار قبل مرور العشر سنوات، ومن ثم تتخلص من التزامها بدفع فائدة بقيمة ٥٪ طوال الفترة بأكملها.
(٢) لاحظ أن القيمة السوقية لحصة بيل قد تزداد نتيجة لهذه العملية بالرغم من انخفاض حصته في «أكمي». صحيح أن أصول «أكمي» ستقسَّم الآن إلى ٤ ملايين جزء بدلًا من مليونين، ولذا يُتوقع انخفاض السعر السوقي لكل سهم. لكن من ناحية أخرى، أدى إصدار أسهم جديدة إلى جلب ١٠٠ مليون دولار ينوي مسئولو «أكمي» استخدامها في زيادة إنتاجية الشركة. ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى رفع سعر السهم، ومن ثم القيمة السوقية لأسهم بيل البالغ عددها ٢٠٠٠٠ سهم. الوقت وحده هو من سيحدد هل كان قرار «أكمي» صائبًا أم لا، لكن ما يهمنا هنا هو أن المصالح المالية للمساهمين الحاليين لن تتضرر بالضرورة كلما أصدرت الشركة أسهمًا جديدة. للأسف كثيرًا ما تعطي التقارير الاقتصادية الصحفية هذا الانطباع عندما تصدر إحدى الشركات أسهمًا جديدة.
(٣) لا شك أن نسبة المخاطرة في حالة الأسهم أكبر منها في حالة السندات. فالسعر السوقي للسهم يمكن أن يكون شديد التذبذب، بينما عائد السند ثابت بموجب عقد، وهذا يعني أن المستثمر (المقرض) لا يواجه إلا خطر تخلف الشركة المصدرة للسندات عن الدفع. (يواجه مستثمرو السندات أيضًا «مخاطرة نسبة الفائدة»، وتتضمن احتمال أن تتغير نسب الفائدة وتؤثر على السعر السوقي الحالي للسندات التي بحوزتهم. لكن ما دام المستثمر يمتلك سندًا حتى أجل استحقاق محدد، فسيظل يحصل على مدفوعات نقدية ثابتة ما لم يتخلف مُصدر السند عن السداد.)
(٤) الفرق هنا غير واضح أيضًا. قد يظن أحد الأشخاص أن سهمًا بعينه مسعر بأقل من القيمة لأن الشركة لديها «أصول مالية» قوية، ومن المرجح أن تحقق أرباحًا كبيرة في المستقبل. مثل هذا الشخص يمكن أن يصنَّف على أنه مضارب إذا اشترى السهم، ليس لأنه أراد المشاركة في الحصول على دفعات من أرباح الأسهم لفترة طويلة، ولكن لأنه توقع أن المستثمرين الآخرين سرعان ما سينظرون إلى الأمور من منظوره هو، ويزايدون على سعر السهم.
(٥) حتى المضاربون الذين لا يمتلكون أسهمًا في «أكمي» من الأساس يمكنهم الاستفادة من إدراك أن هناك مغالاة في تقييم سعر السهم. يمكنهم اللجوء إلى «البيع على المكشوف»، وفيه يقترضون الأسهم من الملاك الحاليين، ويبيعونها مقابل سعر السوق الحالي البالغ ٤٠ دولارًا للسهم، ثم يعيدون شراء الأسهم مرة أخرى بسعر منخفض ويعيدونها إلى ملاكها الأصليين.
(٦) حتى المستثمرون الأثرياء سيمتلكون على الأرجح حصة صغيرة نسبيًّا في شركة «مايكروسوفت» لو أنهم لم يكونوا على اطلاع كاف بصناعة الكمبيوتر. فبدلًا من امتلاك حصة كبيرة في الشركة (والاضطرار إلى التصويت على القرارات المهمة التي تؤثر في تطور البرمجيات وغير ذلك)، من المرجح أن يوزع هؤلاء المستثمرون مدخراتهم بين أسهم عدد كبير من الشركات الأخرى، وأن ينصاعوا للقرارات التي يتخذها ذوو الخبرة الحقيقية في كل شركة من هذه الشركات.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤