الفصل الثامن عشر

الْحَيَاةُ فِي مَنْزِلِ الْجَدِّ

فِي الْأَسَابِيعِ الثَّلَاثَةِ التَّالِيَةِ، كَانَتِ الْحَيَاةُ فَوْقَ الْجَبَلِ مُفْعَمَةً بِالْحَمَاسِ. تَشَارَكَتْ هايدي مَعَ كلارا كُلَّ شَيْءٍ.

قَالَتْ هايدي فِي صَبَاحِ أَحَدِ الْأَيَّامِ وَهُمَا تَسْتَلْقِيَانِ وَشُعَاعُ الشَّمْسِ الدَّافِئُ يَلْمِسُ أَيْدَيَهُمَا وَأَرْجُلَهُمَا: «الْآنَ تَرَيْنَ أَنَّ الْحَيَاةَ هُنَا بِالضَّبْطِ كَمَا وَصَفْتُهَا لَكُمْ. أَجَمْلُ شَيْءٍ فِي الْعَالَمِ أَنْ أَكُونَ هُنَا فِي الْأَعْلَى مَعَ جَدِّي.»

هَتَفَتْ كلارا بِسَعَادَةٍ: «أُوه يَا هايدي. لَوْ أَنِّي أَسْتَطِيعُ الْبَقَاءَ هُنَا فِي الْأَعْلَى مَعَكِ لِلْأَبَدِ!»

بَيْنَمَا تَلْعَبُ الْفَتَاتَانِ، قَامَ الْجَدُّ بِدَوْرِهِ لِلتَّأَكُّدِ مِنْ أَنَّ الزَّائِرَةَ تَتَلَقَّى عِنَايَةً جَيِّدَةً. بِمَا أَنَّهُ كَانَ أَفْضَلَ مَا لَدَيْهِمْ، أَعْطَاهَا فَقَطْ لَبَنَ الْبَجَعَةِ الصَّغِيرَةِ لِتَشْرَبَهُ. كما حَرَصَ عَلَى أَنْ تَحْصُلَ عَلَى الْكَثِيرِ مِنَ الطَّعَامِ وَالْهَوَاءِ النَّقِيِّ، كَمَا عَمِلَ عَلَى سَاقَيْهَا. كَانَ يَأْمُلُ أَنْ تَخْطُوَ يَوْمًا مَا.

سَأَلَ الْجَدُّ: «أَلَنْ تُحَاوِلَ الِابْنَةُ الصَّغِيرَةُ أَنْ تَقِفَ لِدَقِيقَةٍ أَوِ اثْنَتَيْنِ؟» قَامَتْ كلارا بِالْمُحَاوَلَةِ لِإِرْضَائِهِ، وَلَكِنَّهَا تَمَسَّكَتْ بِهِ حَالَمَا لَمَسَتْ قَدَمَاهَا الْأَرْضَ. قَالَتْ إِنَّ الْأَمْرَ يُؤْلِمُهَا كَثِيرًا.

كَانَتِ الْبَهْجَةُ وَرُوحُ الْمُغَامَرَةِ تَغْمُرَانِ الْفَتَاتَيْنِ كُلَّ صَبَاحٍ. وَلَمْ يَمُرَّ وَقْتٌ طَوِيلٌ حَتَّى تَوَسَّلَتْ هايدي لِلْجَدِّ لِكَيْ يَأْخُذَهُمَا إِلَى الْخَارِجِ مَعَ الْمَعْزِ. وَأَخِيرًا وَافَقَ الْجَدُّ. وَفِي صَبَاحٍ مُشْرِقٍ جَمِيلٍ دَفَعَ كُرْسِيَّ كلارا خَارِجَ الْكُوخِ. ثُمَّ دَخَلَ لِيُنَادِيَ الْفَتَاتَيْنِ وَيُخْبِرَهُمَا كَمْ هُوَ شُرُوقٌ جَمِيلٌ الَّذِي تُفَوِّتَانِهِ.

وَصَلَ بيتر فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ. لَمْ تَتَجَمَّعِ الْمَعْزُ حَوْلَهُ كَعَادَتِهَا. بَدَا وَكَأَنَّهَا أَصْبَحَتْ لَا تُحِبُّهُ فِي الْآوِنَةِ الْأَخِيرَةِ. لَقَدْ كَانَ غَاضِبًا وَأَنَانِيًّا مَعَهَا عَلَى مَدَارِ الْأَسَابِيعِ الْعَدِيدَةِ الْمَاضِيَةِ. وَلَمْ تَعْرِفِ الْمَعْزُ الْمِسْكِينَةُ أَنَّهَا لَيْسَتِ السَّبَبَ وَرَاءَ غَضَبِ بيتر، بَلْ كَانَتْ صَدِيقَةُ هايدي. فَبِسَبَبِ هَذِهِ الْفَتَاةِ الْمَشْلُولَةِ، امْتَنَعَتْ هايدي عَنِ الْخُرُوجِ مَعَ بيتر. لَقَدْ خَسِرَ صَدِيقَتَهُ. أَيَّامُهُ الْآنَ أَصْبَحَتْ طَوِيلَةً وَوَحِيدَةً، وَكَانَ كُلُّ ذَلِكَ خَطَأَ كلارا.

عِنْدَمَا رَأَى بيتر كُرْسِيَّهَا يَقْبَعُ هُنَاكَ، نَظَرَ إِلَيْهِ بِسُخْطٍ وَكَأَنَّهُ الْعَدُوُّ. ثُمَّ نَظَرَ حَوْلَهُ، لَكِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ صَوْتٌ فِي أَيِّ مَكَانٍ وَلَا أَحَدَ يَرَاهُ. قَفَزَ الصَّبِيُّ لِلْأَمَامِ كَحَيَوَانٍ مُتَوَحِّشٍ. أَمْسَكَ بِالْكُرْسِيِّ وَدَفَعَهُ بِغَضَبٍ فِي اتِّجَاهِ الْمُنْحَدَرِ، فَانْدَفَعَ الْكُرْسِيُّ بِسُرْعَةٍ لِلْأَمَامِ وَاخْتَفَى عَنِ الْأَنْظَارِ.

طَارَتْ قِطَعٌ مِنَ الْكُرْسِيِّ فِي كُلِّ اتِّجَاهٍ. وَشَعَرَ بيتر بِسَعَادَةٍ وَهُوَ يَرَاهُ يَتَحَطَّمُ حَتَّى إِنَّهُ صَفَّقَ بِيَدَيْهِ وَقَفَزَ فَوْقَ الشُّجَيْرَاتِ فِي طَرِيقِهِ إِلَى أَعْلَى التَّلَّةِ. لَمْ يَكْتَرِثْ أَنَّهُ رُبَّمَا يَقَعُ فِي الْمَتَاعِبِ بِسَبَبِ أَفْعَالِهِ. كُلُّ مَا كَانَ يَعْرِفُهُ أَنَّ صَدِيقَةَ هايدي لَنْ تَتَمَكَّنَ مِنَ التَّحَرُّكِ. وَسَيَكُونُ عَلَيْهَا الْآنَ الْعَوْدَةُ إِلَى مَنْزِلِهَا. وَعِنْدَ رَحِيلِ كلارا، سَتَكُونُ هايدي وَحِيدَةً وَبِالتَّأْكِيدِ سَتَخْرُجُ مَعَهُ مُجَدَّدًا.

وَلَكِنْ حَتَّى دُونَ الْكُرْسِيِّ، صَعِدَ الْجَدُّ وَالْفَتَاتَانِ لِأَعْلَى الْجَبَلِ؛ إِذْ حَمَلَ الْجَدُّ كلارا وَقَفَزَتْ هايدي بِجَانِبِهِمْ بِفَرَحٍ.

وَجَدَتِ الْمَجْمُوعَةُ بيتر فِي أَعْلَى الْجَبَلِ مَعَ بَقِيَّةِ الْمَعْزِ.

سَأَلَ الْجَدُّ: «لِمَاذَا لَمْ تَتَوَقَّفْ لِتَأْخُذَ مَعْزِي؟»

أَجَابَ بيتر: «لَقَدْ فَعَلْتُ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَحَدٌ.» غَضِبَ الْجَدُّ وَسَأَلَهُ عَنِ الْكُرْسِيِّ، وَلَكِنَّ بيتر قَالَ إِنَّهُ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا.

حَرَصَ الْجَدُّ عَلَى أَنْ تَجْلِسَ كلارا مُرْتَاحَةً عَلَى شَالٍ ثُمَّ غَادَرَ لِيَقُومَ بِبَعْضِ الْأَعْمَالِ فِي الْمَنْزِلِ. جَلَسَتْ هايدي وَكلارا وَسْطَ الْبِرْسِيمِ، تَسْتَمْتِعَانِ بِالطَّقْسِ وَالْجَمَالِ الْمُحِيطِ بِهِمَا.

مَرَّتْ بِضْعُ سَاعَاتٍ، وَبَدَأَتْ هايدي تُفَكِّرُ أَنَّهَا لَا يُمْكِنُهَا الْبَقَاءُ سَاكِنَةً لِلَحْظَةٍ أُخْرَى.

– «هَلْ سَتَعْتَقِدِينَ أَنِّي قَاسِيَةٌ يَا كلارا إِذَا تَرَكْتُكِ لِبِضْعِ دَقَائِقَ؟ أَوَدُّ أَنْ أَرَى كَيْفَ تَبْدُو الْأَزْهَارُ. أَوَدُّ أَنْ أَرْكُضَ لِهُنَاكَ وَأَعُودَ بِسُرْعَةٍ …»

ابْتَسَمَتْ لَهَا كلارا بِالْمُوَافَقَةِ وَرَكَضَتْ هايدي مُسْرِعَةً. كَانَ حَقْلُ الْأَزْهَارِ أَكْثَرَ جَمَالًا مِمَّا تَتَذَكَّرُ الْفَتَاةُ الصَّغِيرَةُ. اللَّوْنُ الْأَزْرَقُ الْغَامِقُ، وَرَائِحَةُ الْجَنَّةِ، كَانَ كُلُّ شَيْءٍ رَائِعًا جِدًّا لِدَرَجَةٍ شَعَرَتْ مَعَهَا أَنَّهُ مِنَ الْمُسْتَحِيلِ عَلَيْهَا أَلَّا تُشَارِكَهُ.

صَاحَتْ هايدي لِكلارا: «أُوه، يَجِبُ أَنْ تَأْتِي! سَأَحْمِلُكِ!»

تَنَهَّدَتِ الْفَتَاةُ الْأُخْرَى: «هايدي، فِيمَ تُفَكِّرِينَ؟ أَنْتِ أَصْغَرُ مِنِّي! لَوْ أَنِّي فَقَطْ أَسْتَطِيعُ السَّيْرَ!»

نَظَرَتْ هايدي حَوْلَهَا وَكَأَنَّهَا تَبْحَثُ عَنْ فِكْرَةٍ.

نَادَتْ: «بيتر! بيتر!»

جَاءَ الصَّبِيُّ خَائفًا مِنْ أَنْ تَكُونَ صَدِيقَتُهُ الصَّغِيرَةُ قَدِ اكْتَشَفَتْ أَمْرَ الْكُرْسِيِّ، وَافَقَ عَلَى أَنْ يُسَاعِدَهَا فِي فِكْرَتِهَا.

بَدَأَتْ هايدي: «بيتر، ضَعْ يَدَكَ فِي شَكْلِ حَلْقَةٍ. الْآنَ، كلارا أَدْخِلِي ذِرَاعَكِ فِي ذِرَاعِهِ.» اسْتَمَرَّتْ هايدي فِي إِعْطَائِهِمَا التَّوْجِيهَاتِ. وَأَخِيرًا بَدَأَتِ الْفَتَاةُ الصَّغِيرَةُ الَّتِي كَانَتْ عَادَةً مَا تَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيٍّ مُتَحَرِّكٍ تَمْشِي.

– «يُمْكِنُكِ السَّيْرُ الْآنَ يَا كلارا، يُمْكِنُكِ السَّيْرُ!»

كَانَتِ الْفَتَاتَانِ مُتَحَمِّسَتَيْنِ بِشِدَّةٍ حَتَّى إِنَّهُمَا اتَّفَقَتَا عَلَى التَّدَرُّبِ عَلَى السَّيْرِ كُلَّ يَوْمٍ. مَعَ كُلِّ يَوْمٍ كَانَ الْأَمْرُ يَزْدَادُ سُهُولَةً وَتَتَمَكَّنُ كلارا مِنَ الْمَشْيِ لِمَسَافَةٍ أَطْوَلَ. مَرَّ أُسْبُوعٌ آخَرُ وَأَخِيرًا جَاءَ الْيَوْمُ الَّذِي سَتَأْتِي فِيهِ الْجَدَّةُ لِأَعْلَى الْجَبَلِ مِنْ أَجْلِ زِيَارَةٍ ثَانِيَةٍ. وَكَانَ فِي انْتِظَارِ السَّيِّدَةِ الْعَجُوزِ مُفَاجَأَةٌ جَمِيلَةٌ. مِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّهَا سَتَكُونُ سَعِيدَةً جِدًّا عِنْدَمَا تَرَى كلارا تَمْشِي لِلْمَرَّةِ الْأُولَى. خَطَّطَتِ الْفَتَاتَانِ لِأَنْ تَجْلِسَا عَلَى الْمَقْعَدِ خَارِجَ الْكُوخِ. سَتَنْتَظِرَانِ الْجَدَّةَ لِتَكُونَ قَرِيبَةً بِمَا يَكْفِي لِتَسْتَطِيعَا رُؤْيَةَ وَجْهِهَا ثُمَّ تُرِيَانِهَا مُفَاجَأَتَهُمَا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤