الفصل الرابع

فِي الْخَارِجِ مَعَ الْمَعْزِ

اسْتَيْقَظَتْ هايدي فِي الْيَوْمِ التَّالِي بِابْتِسَامَةٍ عَلَى وَجْهِهَا. كَانَتْ تَشْعُرُ بِسَعَادَةٍ بَالِغَةٍ فِي بَيْتِهَا الْجَدِيدِ. تَذَكَّرَتْ كُلَّ الْأَشْيَاءِ الَّتِي رَأَتْهَا فِي الْيَوْمِ السَّابِقِ وَكَانَتْ مُتَحَمِّسَةً جِدًّا لِرُؤْيَتِهَا الْيَوْمَ مُجَدَّدًا. قَفَزَتْ مِنَ الْفِرَاشِ بِسُرْعَةٍ وَرَكَضَتْ إِلَى الْخَارِجِ بِسَعَادَةٍ لِسَمَاعِهَا صَوْتَ بيتر. بَيْنَمَا اغْتَسَلَتْ هايدي وَهَنْدَمَتْ نَفْسَهَا، جَهَّزَ لَهَا الْجَدُّ وَجْبَةً طَيِّبَةً. وَفِي خِلَالِ دَقَائِقَ كَانَتْ فِي الْخَارِجِ فِي حِضْنِ الْجَبَلِ مَعَ الْمَعْزِ.

قَالَ بيتر لِهايدي بِصَوْتٍ عَالٍ: «تَعَالَيْ هُنَا. لَقَدْ أَعْطَانِي جَدُّكِ أَوَامِرَ بِمُرَاقَبَتِكِ!»

أَطَاعَتْ هايدي مَا قَالَهُ الصَّبِيُّ وَتَبِعَتْهُ حَتَّى أَبْطَأَ السَّيْرَ لِيُرِيحَ الْمَعْزَ. تَفَقَّدَ بيتر قَطِيعَهُ ثُمَّ نَامَ عَلَى الْأَرْضِ الدَّافِئَةِ. وَجَلَسَتْ هايدي بِجَانِبِهِ. فَجْأَةً سَمِعَتْ صَرْخَةً مُدَوِّيَةً تَتَعَالَى مِنْ فَوْقِهَا. رَفَعَتْ هايدي عَيْنَيْهَا وَرَأَتْ طَائِرًا. كَانَ أَكْبَرَ مِنْ أَيِّ طَائِرٍ رَأَتْهُ مِنْ قَبْلُ. كَانَ يَفْرِدُ جَنَاحَيْهِ الْكَبِيرَيْنِ وَيَدُورُ فِي حَلَقَاتٍ وَاسِعَةٍ.

«بيتر، بيتر، اسْتَيْقِظْ! انْظُرْ إِلَى الطَّائِرِ الْكَبِيرِ! انْظُرْ! انْظُرْ!» صَاحَتْ هايدي.

اسْتَيْقَظَ بيتر وَرَاقَبَا الطَّائِرَ مَعًا حَتَّى اخْتَفَى وَرَاءَ قِمَّةٍ مِنْ قِمَمِ الْجَبَلِ.

سَأَلَتْ هايدي: «إِلَى أَيْنَ ذَهَبَ؟»

قَالَ بيتر: «إِلَى عُشِّهِ.»

أَجَابَتْ هايدي بِفَرَحٍ: «هَيَّا نَذْهَبُ لِرُؤْيَتِهِ!»

قَالَ بيتر بِحَزْمٍ: «لَا! حَتَّى الْمَعْزُ لَا يُمْكِنُهَا التَّسَلُّقُ إِلَى هَذَا الِارْتِفَاعِ. ابْقَيْ هُنَا بَيْنَمَا أَذْهَبُ أَنَا لِإِحْضَارِ الْغَدَاءِ.»

قَطَّبَتْ هايدي جَبِينَهَا، وَلَكِنْ لِثَانِيَةٍ فَقَطْ. كَانَتِ الْمَعْزُ تَلْعَبُ حَوْلَهَا وَأَرَادَتْ أَنْ تَنْضَمَّ إِلَيْهَا.

قَالَتْ لِبيتر وَهُوَ يَضَعُ الْخُبْزَ وَالْجُبْنَ أَمَامَهَا: «أَخْبِرْنِي بِأَسْمَائِهَا.»

– «ذُو الْقُرُونِ الْكَبِيرَةِ هُوَ تورك. دَائِمًا يُرِيدُ نَطْحَ غَيْرِهِ مِنَ الْمَعْزِ. لِذَلِك تَجْرِي مُعْظَمُهَا عِنْدَمَا تَرَاهُ قَادِمًا. الْوَحِيدَةُ الَّتِي تَبْقَى هِيَ جرينفينش. إِنَّهَا الْمَاعِزَةُ الصَّغِيرَةُ هُنَاكَ. إِنَّهَا شُجَاعَةٌ جِدًّا وَسَرِيعَةٌ حَتَّى إِنَّ تورك غَالِبًا لَا يَرَاهَا وَهِيَ قَادِمَةٌ.»

هَبَّ بيتر فَجْأَةً وَاقِفًا عَلَى قَدَمَيْهِ وَرَكَضَ خَلْفَ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمَعْزِ. تَبِعَتْهُ هايدي بِأَسْرَعِ مَا يُمْكِنُهَا. انْدَفَعَا وَسْطَ الْقَطِيعِ مُتَوَجِّهَيْنِ نَحْوَ جَانِبِ الْجَبَلِ.

فِي الْوَقْتِ الَّذِي وَصَلَ فِيهِ بيتر إِلَى جَانِبِ الْجَبَلِ، كَانَتْ جرينفينش تَقْفِزُ فِي اتِّجَاهِ الْمُنْحَدَرِ الصَّخْرِيِّ. أَلْقَى بيتر بِنَفْسِهِ وَأَمْسَكَ أَحَدَ رِجْلَيْهَا الْخَلْفِيَّتَيْنِ. فُوجِئَتِ الْمَاعِزَةُ وَبَدَأَتْ تَثْغُو بِغَضَبٍ. وَحَاوَلَتْ أَنْ تَتَحَرَّرَ وَتَتَمَلَّصَ مِنْ يَدِهِ مَرَّاتٍ عَدِيدَةً حَتَّى إِنَّ بيتر اضْطُرَّ لِمُنَادَاةِ هايدي لِلْمُسَاعَدَةِ.

رَكَضَتْ هايدي مُتَّجِهَةً لِأَعْلَى عَلَى الْفَوْرِ. رَأَتِ الْخَطَرَ الْمُحْدِقَ بِكُلٍّ مِنْ بيتر وَالْمَاعِزَةِ، فَجَمَعَتْ بِسُرْعَةٍ بَعْضًا مِنْ أَوْرَاقِ الشَّجَرِ حُلْوِ الرَّائِحَةِ، وَوَضَعَتْهَا أَمَامَ أَنْفِ جرينفينش وَقَالَتْ: «تَعَالَيْ يَا جرينفينش! يَجِبُ أَلَّا تَكُونِي مُشَاغِبَةً! انْظُرِي يُمْكِنُ أَنْ تَسْقُطِي فَتُكْسَرَ سَاقُكِ.»

اسْتَدَارَتِ الْمَاعِزَةُ الصَّغِيرَةُ وَبَدَأَتْ تَأْكُلُ الْأَوْرَاقَ مِنْ يَدِ هايدي. فِي هَذِهِ الْأَثْنَاءِ وَقَفَ بيتر وَأَمْسَكَ بِجرينفينش مِنَ الطَّوْقِ حَوْلَ رَقَبَتِهَا. أَمْسَكَتْ هايدي بِالْجَانِبِ الْآخَرِ بِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ. وَقَادَا مَعًا الشَّاةَ الشَّارِدَةَ عَائِدَيْنِ إِلَى حَيْثُ كَانَ بَقِيَّةُ الْقَطِيعِ يَأْكُلُ بِسَلَامٍ.

الْآنَ وَقَدْ عَادُوا إِلَى الْأَمَانِ، لَمْ يُضَيِّعْ بيتر أَيَّ وَقْتٍ فِي تَوْبِيخِ الْمَاعِزَةِ. فَرَفَعَ عَصَاهُ وَهُوَ يَصِيحُ، عَازِمًا عَلَى إِعْطَائِهَا ضَرْبَةً قَوِيَّةً كَعِقَابٍ لَهَا. فَصَرَخَتْ هايدي: «لَا لَا، يَا بيتر. يَجِبُ أَلَّا تَضْرِبَهَا، انْظُرْ كَمْ هِيَ مَذْعُورَةٌ!»

زَمْجَرَ بيتر: «إِنَّهَا بِحَاجَةٍ لِذَلِك.» وَرَفَعَ عَصَاهُ مُجَدَّدًا. وَضَعَتْ هايدي نَفْسَهَا سَرِيعًا بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْمَاعِزَةِ، قَائِلَةً: «لَيْسَ لَدَيْكَ الْحَقُّ لِلَمْسِهَا. سَتُؤْذِيهَا. اتْرُكْهَا وَشَأْنَهَا!»

نَظَرَ بيتر بِدَهْشَةٍ إِلَى الْفَتَاةِ الصَّغِيرَةِ. فَكَّرَ كَمْ هِيَ طَيِّبَةٌ. أَعْطَتْهُ هايدي مُعْظَمَ غَدَائِهَا الْيَوْمَ، فَقَطْ لِأَنَّهَا اعْتَقَدَتْ أَنَّهُ يَبْدُو جَائِعًا. لَمْ يَقُمْ أَيُّ شَخْصٍ بِشَيْءٍ لَطِيفٍ كَهَذَا مِنْ أَجْلِهِ قَطُّ. وَالْآنَ تُرِيدُ إِعْفَاءَ هَذَا الْحَيَوَانِ غَيْرِ الْمُطِيعِ. أَنْزَلَ بيتر الْعَصَا.

وَقَالَ: «سَأَتْرُكُهَا تَذْهَبُ إِنْ أَعْطَيْتِنِي الْمَزِيدَ مِنْ جُبْنِكِ غَدًا.» كَانَ لَا يَزَالُ عَابِسًا بِسَبَبِ الْفَزَعِ الَّذِي سَبَّبَتْهُ الْمَاعِزَةُ لَهُ.

رَدَّتْ هايدي: «سَتَأْخُذُهُ كُلَّهُ، غَدًا وَكُلَّ يَوْمٍ. لَا أُرِيدُهُ. وَسَأُعْطِيكَ خُبْزًا أَيْضًا، قِطْعَةً كَبِيرَةً كَالَّتِي أَخَذْتَهَا الْيَوْمَ. وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ تَعِدَنِي بِأَنَّكَ لَنْ تَضْرِبَ جرينفينش أَوْ أَيًّا مِنَ الْمَعْزِ الْأُخْرَى أَبَدًا.»

قَالَ بيتر: «حَسَنٌ، اتَّفَقْنَا.» وَبَدَا أَنَّ الْفَتَى كَانَ يَعْتَزِمُ بِحَقٍّ الِالْتِزَامَ بِكَلِمَتِهِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤