الفصل السادس

زَائِرَانِ

إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ قَدْ مَرَّ سَرِيعًا، فَإِنَّ الصَّيْفَ قَدْ مَرَّ أَسْرَعَ. وَالْآنَ شِتَاءٌ آخَرُ كَانَ فِي طَرِيقِهِ لِلِانْقِضَاءِ. وَلَا تَزَالُ هايدي سَعِيدَةً كَمَا كَانَتْ يَوْمَ وُصُولِهَا. هِيَ الْآنَ فِي الثَّامِنَةِ مِنْ عُمْرِهَا. تَعَلَّمَتِ الْكَثِيرَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُفِيدَةِ مِنْ جَدِّهَا، فَأَصْبَحَتْ تَعْرِفُ كَيْفَ تَعْتَنِي بِالْمَعْزِ جَيِّدًا مِثْلُهَا مِثْلُ أَيِّ شَخْصٍ، وَلَكِنَّ الْأَطْفَالَ فِي سِنِّهَا مِنَ الْمُفْتَرَضِ أَنْ يَكُونُوا فِي الْمَدْرَسَةِ. كَانَ نَاظِرُ الْمَدْرَسَةِ مِنْ بَلْدَةِ دورفلي قَدْ كَتَبَ بِالْفِعْلِ لِجَدِّهَا عَنْ هَذَا الْأَمْرِ مَرَّتَيْنِ. وَأَرْسَلَ الْعَجُوزُ رَدًّا فِي كُلِّ مَرَّةٍ يُفِيدُ بِأَنَّهُ لَنْ يُلْحِقَ هايدي بِالْمَدْرَسَةِ. وَفِي النِّهَايَةِ صَعِدَ الْقَسُّ الْجَبَلَ لِيَتَحَدَّثَ مَعَ الْجَدِّ عَنِ اخْتِيَارِهِ.

قَالَ الْقَسُّ: «كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الطِّفْلَةُ فِي الْمَدْرَسَةِ مُنْذُ عَامٍ مَضَى. إِنَّهَا لَيْسَتْ شَاةً وَلَا عُصْفُورَةً، إِنَّهَا طِفْلَةٌ. لَقَدْ حَانَ الْوَقْتُ لِكَيْ تَبْدَأَ دُرُوسَهَا. يَجِبُ أَنْ تَذْهَبَ الشِّتَاءَ الْقَادِمَ.»

زَمْجَرَ جَدُّ هايدي: «حَقًّا! هَلْ تُرِيدُ فِعْلًا أَنْ أُرْسِلَ طِفْلَةً صَغِيرَةً كَهَذِهِ لِأَمْيَالٍ أَسْفَلَ الْجَبَلِ وَسْطَ الْعَوَاصِفِ وَالثُّلُوجِ؟ هَلْ يَنْبَغِي أَنْ أَتْرُكَهَا تَعُودُ فِي اللَّيْلِ فِي الرِّيَاحِ الْعَاصِفَةِ؟ حَتَّى أَنَا يُمْكِنُ أَنْ أَكُونَ مُعَرَّضًا لِخَطَرِ أَنْ تَعْصِفَ بِيَ الرِّيحُ وَأُدْفَنَ فِي الثَّلْجِ!»

قَالَ الْقَسُّ بِلَهْجَةٍ وُدِّيَّةٍ: «أَنْتَ مُحِقٌّ فِعْلًا يَا جَارِي. أَتَّفِقُ مَعَكَ أنَّهُ سَيَكُونُ مُسْتَحِيلًا إِرْسَالُهَا إِلَى الْمَدْرَسَةِ مِنْ هُنَا. وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ تُفَكِّرَ فِي الطِّفْلَةِ. لَقَدْ حَانَ الْوَقْتُ لِكَيْ تَنْزِلَ مِنْ عَلَى قِمَّةِ الْجَبَلِ وَتَعِيشَ مَعَ غَيْرِكَ مِنَ النَّاسِ. إِنَّ الْعَيْشَ فِي الْأَعْلَى هُنَا خَطِيرٌ جِدًّا. لَنْ تَنْجُوَ هايدي إِذَا حَدَثَ لَكَ أَيُّ شَيْءٍ فِي شُهُورِ الشِّتَاءِ!»

– «دَعْنِي أُؤَكِّدْ لَكَ يَا سَيِّدِي أَنِّي أَعْتَنِي بِالطِّفْلَةِ جَيِّدًا. إِنَّهَا تَبْقَى دَافِئَةً هُنَا. مِدْفَأَتِي لَا تَنْطَفِئُ أَبَدًا. أَمَّا عَنْ ذَهَابِي لِلْعَيْشِ فِي الْبَلْدَةِ، فَالنَّاسُ هُنَاكَ تَكْرَهُنِي، وَأَنَا أَكْرَهُهُمْ. مِنَ الْأَفْضَلِ أَنْ نَبْقَى بَعِيدًا بَعْضِنَا عَنِ الْبَعْضِ.»

اعْتَرَضَ الْقَسُّ قَائِلًا: «لَا، لَيْسَ هَذَا هُوَ الْخِيَارُ الْأَفْضَلُ أَمَامَكَ. النَّاسُ هُنَاكَ لَا يَكْرَهُونَكَ مِثْلَمَا تَعْتَقِدُ. أَنْتَ بِحَاجَةٍ إِلَى أَنْ تَتَصَالَحَ مَعَ اللهِ وَتَنْتَقِلَ لِلْعَيْشِ مَعَنَا فِي سَفْحِ الْجَبَلِ. سَتَرَى كَيْفَ يُمْكِنُكَ أَنْ تَكُونَ سَعِيدًا.»

وَقَفَ الْقَسُّ وَرَفَعَ يَدَهُ قَائِلًا: «أَنَا مُتَأَكِّدٌ أَنَّكَ سَتَتَّخِذُ الْقَرَارَ السَّلِيمَ. أَعْلَمُ أنَّهُ فِي الْعَامِ الْقَادِمِ سَنَكُونُ جِيرَانًا مَرَّةً أُخْرَى. أَعْطِنِي يَدَكَ وَعِدْنِي بِذَلِكَ.»

أَعْطَى الْجَدُّ يَدَهُ لِلْقَسِّ وَأَجَابَ بِهُدُوءٍ: «أَعْلَمُ أَنَّكَ فَقَطْ تُفَكِّرُ فِي مَصْلَحَةِ الْبِنْتِ، وَلَكِنَّنِي أُخْبِرُكَ الْآنَ أَنَّنِي لَنْ أُرْسِلَهَا إِلَى الْمَدْرَسَةِ وَلَنْ أَنْتَقِلَ إِلَى سَفْحِ الْجَبَلِ لِلْعَيْشِ وَسْطَ النَّاسِ.»

قَالَ الْقَسُّ: «إِذَنْ أَتَمَنَّى أَنْ يُسَاعِدَكَ الرَّبُّ!» وَاسْتَدَارَ بِحُزْنٍ وَتَرَكَ الْكُوخَ وَنَزَلَ إِلَى أَسْفَلِ الْجَبَلِ.

تَرَكَتْ زِيَارَةُ الْقَسِّ الْجَدَّ فِي مِزَاجٍ نَكِدٍ. وَعِنْدَمَا سَأَلَتْهُ هايدي عَنِ الذَّهَابِ لِزِيَارَةِ الْجَدَّةِ، قَالَ لَهَا: «لَيْسَ الْيَوْمَ.» ثُمَّ لَمْ يَتَحَدَّثْ لِبَقِيَّةِ الْيَوْمِ. فِي الصَّبَاحِ التَّالِي عِنْدَمَا سَأَلَتْ هايدي عَنِ الْجَدَّةِ مُجَدَّدًا، أَجَابَ: «سَنَرَى.» وَلَكِنْ حَتَّى قَبْلَ أَنْ يُزِيلُوا أَطْبَاقَ الْغَدَاءِ مِنْ عَلَى الطَّاوِلَةِ، وَصَلَ زَائِرٌ آخَرُ. هَذِهِ الْمَرَّةَ كَانَتِ الْخَالَةَ ديتا.

نَظَرَ الْجَدُّ إِلَى مَلَابِسِهَا الْفَاخِرَةِ دُونَ أَنْ يَنْبِسَ بِبِنْتِ شَفَةٍ. يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْهَمَ مِنْ تَعْبِيرَاتِ وَجْهِهَا أَنَّهَا فُوجِئَتْ بِمَظْهَرِ هايدي الْجَيِّدِ. كَانَتْ سَعِيدَةً وَتَتَلَقَّى رِعَايَةً جَيِّدَةً حَتَّى إِنَّ ديتا بِالْكَادِ تَعَرَّفَتْ عَلَيْهَا. لَقَدْ كَانَ تَرْكُ الطِّفْلَةِ مَعَ جَدِّهَا دَائِمًا يُقْلِقُ ديتا إِلَى حَدٍّ مَا؛ لِذَا كَانَتْ سَعِيدَةً أَنْ تَأْتِيَ لِلرَّجُلِ الْعَجُوزِ بِأَخْبَارِهَا الرَّائِعَةِ.

كَانَ ثَمَّةَ قَرِيبٌ غَنِيٌّ لِلْعَائِلَةِ الَّتِي تَعْمَلُ عِنْدَهَا لَدَيْهِ طِفْلَةٌ وَحِيدَةٌ. كَانَتِ الْفَتَاةُ فِي سِنِّ هايدي تَقْرِيبًا وَيَتَوَجَّبُ عَلَيْهَا اسْتَخْدَامُ كُرْسِيٍّ مُتَحَرِّكٍ لِلْحَرَكَةِ. وَكَانَتْ تَقْضِي مُعْظَمَ وَقْتِهَا وَحِيدَةً وَتَحْتَاجُ إِلَى شَخْصٍ مَا لِيَلْعَبَ مَعَهَا. تَحَدَّثَتْ ديتا إِلَى مُدَبِّرَةِ الْمَنْزِلِ عَنْ هايدي، وَوَافَقَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى اسْتِضَافَةِ الْفَتَاةِ الصَّغِيرَةِ. يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا رَائِعًا بِالنِّسْبَةِ لِهايدي! فَهِيَ سَتَعِيشُ فِي مَنْزِلٍ فَاخِرٍ وَسَيُكوُن لَدَيْهَا دَائِمًا مَنْ تَلْعَبُ مَعَهُ.

قَالَتْ ديتا: «وَمَنْ يَعْلَمُ، إِذَا حَدَثَ أَيُّ شَيْءٍ لِلْفَتَاةِ الصَّغِيرَةِ، يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ هايدي مَحْظُوظَةً و…»

سَأَلَ الرَّجُلُ الْعَجُوزُ الزَّائِرَةَ: «هَلِ انْتَهَيْتِ مِمَّا جِئْتِ لِتَقُولِيهِ؟»

صَرَخَتْ ديتا وَلَوَّحَتْ بِيَدَيْهَا فِي الْهَوَاءِ: «أُفٍّ! أَيُّ شَخْصٍ آخَرَ سَيَكُونُ سَعِيدًا بِالْأَخْبَارِ الَّتِي جَلَبْتُهَا لَكَ!»

– «إِذَنْ يُمْكِنُكِ أَخْذُ أَخْبَارِكِ لِأَيِّ شَخْصٍ آخَرَ. لَا أُرِيدُ سَمَاعَهَا.»

قَفَزَتْ ديتا مِنْ مَقْعَدِهَا كَالصَّارُوخِ قَائِلَةً: «إِذَا كُنْتَ تَعْتَقِدُ أنَّهُ يُمْكِنُكَ إِبْقَاءُ ابْنَةِ أُخْتِي هُنَا فِي الْأَعْلَى دُونَ إِرْسَالِهَا إِلَى الْكَنِيسَةِ أَوِ الْمَدْرَسَةِ، فَأَنْتَ مُخْطِئٌ! أَنَا مَسْئُولَةٌ عَنْهَا! وَلَنْ أَسْتَسْلِمَ!»

صَرَخَ الْجَدُّ: «تَوَقَّفِي! ارْحَلِي فَوْرًا وَلَا تَدَعِينِي أَرَى وَجْهَكِ هُنَا مُجَدَّدًا أَبَدًا!» وَمَعَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ تَرَكَ الْكُوخَ.

صَرَخَتْ هايدي: «لَقَدْ أَغْضَبْتِ جَدِّي!» وَنَظَرَتْ لِديتا بِغَضَبٍ.

قَالَتِ الْمَرْأَةُ: «سَيَكُونُ بِخَيْرٍ. تَعَالَيِ الْآنَ، أَرِينِي أَيْنَ مَلَابِسُكِ.»

قَالَتْ هايدي: «لَنْ أَذْهَبَ مَعَكِ.»

قَالَتْ ديتا فِي دَهْشَةٍ: «هُرَاءٌ! أَنْتَ لَا تَفْهَمِينَ أَيَّ شَيْءٍ مِثْلُكِ مِثْلُ الرَّجُلِ الْعَجُوزِ. سَتَحْصُلِينَ عَلَى أَشْيَاءَ لَمْ تَحْلُمِي بِهَا قَطُّ.» ذَهَبَتْ إِلَى الْخِزَانَةِ وَأَخْرَجَتْ مُتَعَلَّقَاتِ هايدي. ثُمَّ لَفَّتْهَا فِي حُزْمَةٍ وَأَعْطَتِ الْفَتَاةَ قُبَّعَةً: «تَعَالَيْ مَعِيَ الْآنَ. هَذِهِ الْقُبَّعَةُ رَثَّةٌ، وَلَكِنَّهَا سَتُؤَدِّي الْغَرَضَ الْآنَ. فَلْنَذْهَبْ.»

كَرَّرَتْ هايدي: «لَنْ أَذْهَبَ مَعَكِ.»

أَجَابَتْ ديتا: «لَا تَكُونِي غَبِيَّةً. عَلَى الْأَغْلَبِ لَقَدْ تَعَلَّمْتِ أَنْ تَكُونِي عَنِيدَةً مِنْ تِلْك الْمَعْزِ. اسْتَمِعِي لِي. لَقَدْ رَأَيْتِ كَمْ كَانَ جَدُّكِ غَاضِبًا. إِنَّهُ لَا يَرْغَبُ فِي رُؤْيَتِنَا مُجَدَّدًا أَبَدًا. إِنَّهُ يُرِيدُكِ أَنْ تَرْحَلِي مَعِي. لَا يَنْبَغِي أَنْ تُغْضِبِيهِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِك. بِالْإِضَافَةِ إِلَى أَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي سَآخُذُكِ إِلَيْهِ رَائِعٌ جِدًّا. وَإِذَا لَمْ تُحِبِّي الْمَكَانَ هُنَاكَ، فَسَأُعِيدُكِ إِلَى هُنَا. سَيَكُونُ جَدُّكِ فِي مِزَاجٍ جَيِّدٍ فِي ذَلِك الْوَقْتِ.»

سَأَلَتْ هايدي: «هَلْ يُمْكِنُنَا الذَّهَابُ وَالْعَوْدَةُ اللَّيْلَةَ؟»

سَأَلَتْ ديتا: «عَمَّ تَتَحَدَّثِينَ؟ لَقَدْ أَخْبَرْتُكِ أَنَّنِي سَأُعِيدُكِ عِنْدَمَا تُرِيدِينَ. سَنَسِيرُ بِقَدْرِ مَا نَسْتَطِيعُ الْيَوْمَ. ثُمَّ نَسْتَقِلُّ الْقِطَارَ غَدًا. وَسَيُعِيدُكِ الْقِطَارُ مُجَدَّدًا عِنْدَمَا تُرِيدِينَ، بِسُرْعَةِ الرِّيَاحِ.»

كَانَتْ ديتا الْآنَ تَضَعُ صُرَّةَ مَلَابِسِ هايدي تَحْتَ ذِرَاعِهَا وَتُمْسِكُ الطِّفْلَةَ مِنْ يَدِهَا. وَسَارَتَا إِلَى أَسْفَلِ الْجَبَلِ مَعًا.

سَمِعَتْ هايدي صَوْتَ بيتر قَبْلَ أَنْ تَرَى الصَّبِيَّ. صَاحَ بِهَا: «إِلَى أَيْنَ أَنْتِ ذَاهِبَةٌ؟» بَدَأَ يَقْلَقُ عِنْدَمَا رَأَى الطِّفْلَةَ تَتَشَبَّثُ بِيَدِ الْمَرْأَةِ.

– «أَنَا ذَاهِبَةٌ فِي زِيَارَةٍ إِلَى فرانكفورت فَقَطْ. وَسَأَعُودُ.» أَبْطَأَتِ الْفَتَاةُ الصَّغِيرَةُ عِنْدَمَا رَأَتْ كُوخَ الْجَدَّةِ.

قَالَتْ هايدي وَهِيَ تَنْظُرُ لِأَعْلَى لِلْمَرْأَةِ الَّتِي بِجَانِبِهَا: «أُوه، يَجِبُ أَنْ أَرْكُضَ لِأُخْبِرَ الْجَدَّةَ. سَتَكُونُ فِي انْتِظَارِي.»

– «لَا، لَا يُمْكِنُكِ التَّوَقُّفُ مِنْ أَجْلِ أَحَدٍ. عِنْدَمَا تَعُودِينَ يُمْكِنُكِ أَنْ تُحْضِرِي لَهَا هَدِيَّةً.»

كَانَتْ هايدي مُمَزَّقَةً مَا بَيْنَ السَّيْرِ لِأَسْفَلِ الْجَبَلِ وَبَيْنَ الرَّكْضِ إِلَى الْكُوخِ. تَوَقَّفَتْ عِنْدَمَا سَمِعَتْ نِدَاءَ الْجَدَّةِ وَفَكَّرَتْ فِي زِيَارَتِهَا لِدَقِيقَةٍ فَقَطْ. وَلَكِنَّ ديتا جَذَبَتْ يَدَهَا بِقُوَّةٍ حَتَّى إِنَّ الِاخْتِيَارَ كَانَ قَدِ اتُّخِذَ لَهَا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤