مقدمة

الفلسفة الهندية في حوالي ٣٥ ألف كلمة؟! كثيرون قد يرَون هذا الأمر مستحيلًا، ومن المؤكَّد أن الأشخاص الذين قد يقتنعون ويحاولون تأليف مثل هذا العمل، لن يتناول اثنان منهم الموضوع بالطريقة نفسها. وقد شرحْتُ في الفصل الأول المنهج الذي اتَّبعتُه لتطويع هذه المادة المتنوعة لتناسب أغراض هذا الكتاب. وعلى أية حال، فالأهداف الأساسية من سلسلة «مقدمة قصيرة جدًّا» هي إعطاء نبذة، وتوجيه القارئ المهتم إلى موضوع أكبر وأكثر تعقيدًا مما يمكن للكتاب تغطيته على نحو شامل، وجعل مثل هذا الموضوع في متناول الشخص المبتدئ. كانت هذه هي الخطة التي سِرْتُ على هداها، وآمُلُ أن يثير هذا الكتاب تفكير القارئ أيضًا؛ أولًا من ناحية تقديم أساليب تفكير مختلفة جدًّا للعالم الذي نعيش فيه، وثانيًا من ناحية دفع المهتمين بالموضوع إلى مزيد من التحقيق فيه. ومن أجل هذا الهدف توجد قائمة بالكتب الإضافية المُوصَى بقراءتها في نهاية الكتاب.

عند تناولِ فكرٍ فلسفيٍّ بطريقة تمهيدية، وعند العمل بالاستعانة بنصوص مكتوبة بغير لغة المؤلِّف، يواجه المؤلف مشكلتين عمليَّتَين؛ ألا وهما الحاجة إلى استخدام مصطلحات تقنية مرتبطة بالموضوعات الفلسفية، وكذلك الطريقة المثلى لترجمة الكلمات المفتاحية والاقتباسات النصِّية. وقد حاولتُ استخدام المصطلحات التقنية في أضيق الحدود، لكني وضعتُ مربعات نصِّيَّة مفسِّرة لمعناها في الأجزاء التي يكون من المهم للغاية استخدام المصطلح فيها حين يتطلب الأمر تعريف المبتدئ به. وعلى أية حال، يجب أن نتذكر أن معرفةَ المصطلحات نفسهَا أقل أهمية من فهم ما تشير إليه.

وفيما يتعلق بالترجمة، ففي بعض الأحيان تكون الكلمة المفتاحية لا يمكن ترجمتها إلى اللغة المستهدَفة على نحوٍ واضحِ المعنى، وفي مثل هذه الحالات تركتُها بصيغتها الأصلية المكتوبة باللغة السنسكريتية أو الباليَّة. وأود أن أطلب من القارئ ألا ينزعج من غرابة تلك الكلمات؛ فمعظم المجالات المعرفية والعلوم — كما هو الحال في اللاتينية والإغريقية والأعمال التراثية الكبرى اللغوية أو الثقافية، والرياضيات والفيزياء، والتكنولوجيا المعاصرة وعلوم الكمبيوتر — تتطلب قبولَ وتعلُّمَ القليلِ من المصطلحات الأساسية التي قد تبدو غريبة في البداية. والكلمات غير المترجَمة قليلة العدد في هذا الكتاب، وفي كل حالة من حالات ورود هذه الكلمات أعتقد أن السياق الواضح المستخدمة فيه هذه الكلمات سوف يساعد القارئَ على فهمها.

وعندما يتطلَّب الأمر اقتباسَ مقتطفاتٍ طويلة من نصوص أولية تظهر مشكلة أكبر تتعلق بكيفية الترجمة الحرفية لهذه المقتطفات، والفكرة ليست فقط في أن الالتزام بالقواعد النحوية وطريقة صياغة النص الأصلي يؤدي في أغلب الأحيان إلى لغة صعبة ومتكلَّفة، ولا في أن كثيرًا من كلمات النص ببساطة ليس لها مرادف ذو معنًى في اللغة المترجَم إليها، بل أيضًا في أن الترجمة الحرفية تفشل في الغالب في إيصال المعنى المقصود. وبعد أخذ كل هذه الأمور بعين الاعتبار، وجدت أنه يُفضَّل نقل الفقرات الأصلية إلى اللغة المستهدَفة بأسلوب مفهوم كلما أمكن ذلك؛ ولهذا السبب حاولت استخدام أسلوب عادي معاصر، وحرصًا على وضوح المعنى لم أُحجِم في بعض الحالات عن إعادة الصياغة بدلًا من الترجمة على نحو رسمي للغاية. وفي العموم، كان هدفي هو توصيل النقاط المفاهيمية التي ينطوي عليها الجزء المقتطَف بأكبر قدر ممكن من الوضوح. ويمكن للقُرَّاء — إذا شاءوا — أن يستعينوا بترجمات أخرى منشورة لهذه النصوص؛ إما بغرض المقارنة، أو الاطلاع على معالجات بديلة للنص. وكل الترجمات أو المعالجات النصية الواردة في هذا الكتاب خاصة بي ما لم أذكر خلاف ذلك.

أود أن أتوجَّه بالشكر إلى جورج ميلر من مطبعة جامعة أكسفورد لتشجيعه لي على تأليف هذا الكتاب، ولتوجيهه اللطيف واقتراحاته. وأوجِّه الشكر أيضًا إلى تريسي ميلر على نصائحها التي لا تُقدر بثمن خلال عملية التحرير. وأتقدَّم بوافر الامتنان إلى كلية كينجز كوليدج في لندن لسماحها لي بأخذ إجازة لمدة سنة لتأليف هذا الكتاب في وقت كان فيه كل الأكاديميين تحت ضغط هائل لنَشْرِ قَدْرٍ ضخم من «الأبحاث الأولِيَّة».

وأتوجَّه بكثيرٍ من الشكر أيضًا إلى مورييل أندرسون، وسيسيليا ستور، وجاي واتسون؛ على وقتهم الثمين الذي قضوه في قراءة المسوَّدة الأصلية للكتاب والتعليق عليها، كما أنني أتحمل كامل المسئولية عن النسخة النهائية. إلى ريتشارد جومبريتش، الزميل والصديق: شكرًا لك على القدر الهائل من النصح والنقد والدعم، ليس فقط في سياق هذا المشروع وحده. وأدين أيضًا بالشكر لكلير بالمر التي طالما كانت آراؤها مقياسًا رائعًا لنجاح أعمالي، وتبادلتُ معها الأفكار والخواطر، وإليها أُهدي الفصل السابع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤