مطاردة في سوهو!

استعَد «لتل ماك» للانصراف وتبعه «عثمان» من بعيدٍ … سار في شوارع «سوهو» المضاءة حتى وصل إلى ميدانٍ صغير، توقَّف قليلًا ينظر حوله … ثم اجتاز الميدان إلى بيتٍ صغير مُكوَّن من طابقَين فقَط … ومرةً أخرى أخذ يتلفَّت حوله … ثم أخرج مفتاحًا من جيبه وفتح الباب ودخل …

اجتاز «عثمان» الميدان، واتجه إلى البيت، ولاحظ أن أنوار الطابق الأرضي قد أُضيئت فعرف أن «لتل ماك» يسكن في هذا الدور …

كانت الستائر مُسدَلة، وأخرج «عثمان» من جيبه أدواتِه الدقيقة التي لا تغادره، واستطاع بهدوءٍ وبدون إحداث أي صوتٍ أن يفتح إحدى النوافذ الخلفية، ثم تسلَّل إلى الداخل … وقف في ظلام الغرفة مُرهف السمع … ولم يكن هناك أي صوتٍ … ثم سمع فجأةً صوت سيارة تتوقف أمام المنزل … وبعد لحظاتٍ سمع خطواتِ «لتل ماك» تتجه إلى الباب وتفتحه … واقترب من الباب … وشاهد شابًّا نحيلًا يضع نظاراتٍ طبيَّة ينفذ إلى الداخل وهو يحمل حقيبةً ثقيلة لا يكاد يقوى على حملها …

قال «لتل ماك»: لقد أفهمتُ «كروز» أنك لم تصل بعدُ من «أمريكا» … وعندنا موعد معه غدًا لبحث الموضوع!

الشاب: إنني أُريد الانتهاء من هذه المسألة بأسرعِ ما يمكن!

لتل ماك: لا تخشَ شيئًا، إننا نُريد أن نُثير شهية «كروز» حتى نحصل على ثمن أفضل!

الشاب: ولكن يا «لتل ماك»، إن ما سمعتُه عن «كروز» يبعث على الرعدة في الأوصال … أنه رجلٌ لا يعرف الرحمة!

لتل ماك: اسمع يا «كلارك» إنني أخشى «كروز» كما تخشاه، ولكن هذه صفقة العمر … ويجب أن تَحصُل على ثمنٍ عادل!

الشاب: إنهم في «أمريكا» يبحثون عنِّي … البوليس … ورجال العصابة، وهنا في «لندن» يبحث عني «كروز» … معنى ذلك أنني مُطارد في كل مكان!

لتل ماك: لا تخشَ شيئًا، لقد أعددتُ لك جوازَ سفرٍ مُزوَّرًا تستطيع أن تذهب به إلى أي مكان في العالم!

كلارك: إنني أريد أن يتمَّ ذلك بأسرع ما يمكن!

لتل ماك: إن «كروز» سيشتري الجهاز بمليون جنيهٍ إسترليني، وهو مبلغ يكفينا لنعيش سعداء في إحدى دول أمريكا الجنوبية!

كلارك: وماذا تنتظر؟

لتل ماك: نستطيع أن نحصل على مبلغٍ أكبر من جماعة «ماكجراير»، لقد اتصلوا بي عندما علموا بعودتي إلى لندن … وعرضوا أن نشترك معهم بالجهاز وخبرتك مقابل أن نحصل على خمسين في المائة من العمليات التي ستقوم بها … إنهم في أمريكا قد ضحكوا علينا فلم نأخذ منهم سوى الفُتات … وكان لا بد أن نهرب بالجهاز!

كلارك: لقد جُن جنونهم بعد سفرك، وظللتُ مختبئًا ثلاثةَ أسابيعَ مُتصلة في الكوخ الخشبي حتى حضرت!

لتل ماك: على كل حالٍ إننا في موضعٍ أفضل الآن؛ فالجهاز معنا، ولا أحد يستطيع تشغيله إلا أنت … اتركني أفاوض حتى نحصل على أفضل الشروط!

بينما كان هذا الحوار يدور بينهم وكان «عثمان» على بُعد ثلاثة أمتار فقط، وكان يستمع في اهتمامٍ شديد … فها هو قد عثَر بسرعة على أدلةٍ كثيرة عما حدث … وبدا واضحًا أن هذا الشاب النحيل «كلارك» هو مفتاح العملية كلها …

لقد كانت ضربة حظٍّ حقًّا أن يقابلوا «كورشو» ويتتبَّعوا أثَر «لتل ماك» إلى هذا المكان …

كان «عثمان» يفكِّر فيما ينبغي عملُه … عندما دقَّ جرس الباب فأسقَط الصمتَ الذي كان يسود المكان، وقفز «لتل ماك» وقد أخرج مسدَّسه إلى الباب … بينما حمل «كلارك» حقيبته الثقيلة ودخل إلى إحدى الغرف. اتخذ «عثمان» قراره بالوقوف في مكانٍ خلف أحد الدواليب الكبيرة؛ ليرى ما يحدُث … كان يريد أن يجمع أكبر كميةٍ من المعلومات …

دخل «كروز» كالعاصفة ومعه ثلاثة رجال، وبدا «لتل ماك» كالفأر المذعور … ولم يكن أمام «عثمان» وقتٌ يُضيعه … قفز من مكانه على أطراف أصابعه، وعَبَر الدهليز الطويل بينما صوت الحوار الغاضب يصل إليه من «كروز» و«لتل ماك» …

فتح «عثمان» باب الغرفة التي دخلَها «كلارك» ووجده واقفًا لا يدري ماذا يفعل … خطف منه الحقيبة دون كلمةٍ واحدة ثم قال له بصوتٍ آمر: اتبعني وإلا فسيقتلك «كروز».

فتح «عثمان» النافذة وقفز إلى الظلام، وساعد الشاب النحيل على القفز ثم أسرعا كي يختفيا في الشارع المجاور … وبعد لحظاتٍ سارا في اتجاه شارع «سوهو» الرئيسي لعلَّه يحصل على تاكسي في هذه الساعة المتأخرة … أو يجد الشياطين. وكان حُسن الحظ يُحالفه في تلك الليلة؛ فقد ظَهرتْ إحدى السيارتَين من طراز «فورد اسكوت» تسير متمهلةً في الشارع … وكان يقودها «أحمد» وحده …

لم يكن «عثمان» في حاجةٍ لأن يُشير إلى «أحمد» فقد لمحَه الأخير على الفور، وأسرع بالسيارة إلى جواره، وسرعان ما قفز «عثمان» و«كلارك» إلى السيارة.

في نفس الوقت الذي ظَهرتْ فيه سيارةٌ أخرى مسرعة، فشاهد ركَّابها ما حدث … واتجهوا بكل قوتهم إلى ناحية سيارة «أحمد»، وكان واضحًا أنها سيارة «كروز» ورجاله … وقد استخدم «أحمد» كل براعته؛ ليستدير بالسيارة الصغيرة، ويغامر بالسير في الاتجاه المضاد، واستطاع بذلك كسب بعض الوقت، بينما انحرفَت السيارة المرسيدس التي كانت تُطاردهم لتقوم بنفس المناورة …

كان «أحمد» يعرف جيدًا أن السيارة الكبيرة سوف تلحق بهم سريعًا إذا ساروا في الشوارع المُتسعة … ولهذا اختار الحواري الضيقة والشوارع المظلمة حيث تستطيع السيارة الصغيرة أن تقوم بمناوراتٍ لا تقوم بها السيارة الكبيرة.

وهكذا انطلق مسرعًا في أول حارة قابلَتْه في هذا الحي القديم «سوهو»، المشهور بحواريه وطرقاته الضيقة.

وأخذ «أحمد» يلُفُّ ويدور والسيارة الكبيرة تتبعه حتى وصل إلى قُرب نهر «التايمز»، واجتاز جسرًا صغيرًا ثم انحرف يمينًا، وأطفأ أنوار سيارته ودخل إلى جراج صغير وربض في الظلام …

سمعوا صوت السيارة الكبيرة، وهي تتجاوزهم مسرعةً في اتجاه الطريق الرئيسي المجاور للنهر … وشاهد «أحمد» سيارة من طراز «أوستن» تقف بجواره، فنزل حيث وجد بها مفاتيحها، وأشار ﻟ «عثمان» وكلارك فنزلا من السيارة «الفورد» وركبا بجواره …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤