أصحاب الفيل

(موسيقى عنيفة.)

الراوية : أرسل المثنى إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقول له:
صوت : إلينا أمير المؤمنين، لقد اجتمع الفرس وأمَّروا عليهم يزدجرد بن شهريار بن كسرى، وأخذوا يكتبون الجيوش لحرب العرب، وثار أهل العراق بنا نحن المسلمين، فاضطُررنا إلى الانسحاب حتى شارفنا التخوم من الجزيرة، إلينا أمير المؤمنين.
الراوية : وخرج هذا الرجل من عند عمر، وبيده كتاب إلى عمال الأمير في بلاد العرب جميعها يقول فيه:
الصوت : لا تدَعوا أحدًا له سلاح، أو فرس أو نجدة أو رأي إلا انتخبتموه، ثم وجهتموه إليَّ، والعجَل العجَل.
الراوية : إنه عمر يأمر، وإنهم عُمَّاله مَن يتلقَّون الأمر، فما هو إلا الطريق يقطعه الذاهب حتى ينفر القوم يُلبُّون عمر.
أصوات : لبيك أمير المؤمنين، لبيك.
الراوية : ويقول عمر: والله لأضربن ملوك العجم لملوك العرب.
أصوات : لبيك، لبيك.
الراوية : وخرج عمر بالناس حتى بلغ ماء صرار فعسكر به والناس لا يدرون إن كان عمر هو من سيقود الجيش أم أنه سيولي عليها من يراه، وعمر نفسه لا يقطع أمرًا بغير مشورة، فهو يسأل عامة الناس فيقول قائلهم:
صوت : سر، سر بنا معك.
الراوية : ولكن عمر يرجع إلى خاصة مشورته، فيقول عبد الرحمن بن عوف:
عبد الرحمن : أقم وابعث جندًا، فقد رأيتَ قضاء الله لكَ في جنودك قبل وبعد، فإنه أن يُهزم جيشك ليس كهزيمتك، وإنك إن تُقتل، أو تُهزم في أول الأمر خشيتُ ألَّا يكبِّر المسلمون، وألا يشهدوا ألا إله إلا الله أبدًا.
الراوية : فجمع عمر المسلمين وخطبهم وكان مما قال: «يحقُّ على المسلمين أن يكونوا، وأمرهم شورى بينهم، وإني إنما كنت كرجلٍ منكم حتى صرفَني ذوو الرأي منكم عن الخروج، فقد رأيتُ أن أُقيم وأن أبعث رجلًا.» ثم أخذ عمر يستشير القوم فيمن يُرسله، وبينما هم يتداولون الأسماء جاء خطاب إلى أمير المؤمنين من سعد بن أبي وقاص، فإذا أحد الجالسين يقول:
صوت : قد وجدتُ الرجل يا أمير المؤمنين. إنه الأسد في براثنه، أول من رمى بسهمٍ في سبيل الله، فداه النبي بأبيه وأمه فقال: «ارمِ سعدُ فداك أبي وأمي.» رجل يقول إن يومًا أتى عليه فكان ثلث الإسلام، فهو ثالث ثلاثةٍ أسلموا. إنه الرجل يا أمير المؤمنين. سعد بني وهيب، سعد بن أبي وقاص.
الراوية : وأجمع الناس أمرهم على سعد بن أبي وقاص، وأرسل إليه عمر بن الخطاب يستقدمه، فقدم، فقال له: «يا سعد، سعد بن وهيب، لا يغرنَّك من الله إن قيل خال الرسول وصاحبه، فإن الله عز وجل لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكنه يمحو السيئ بالحسن، وليس بين الله وبين أحد نسبٌ إلا بطاعته، فالناس شريفهم وضعيفهم في دين الله سواء، يتفاضلون بالعافية ويدركون ما عنده بالطاعة، فانظر الأمر الذي رأيتَ النبي يلزمه فالزمه، وعليك بالصبر.» ثم عقد له لواء الجيش. وانبعَث سعد إلى العراق أميرًا على جيشٍ من أكبر الجيوش التي عَرفَتها العرب.

(موسيقى عنيفة.)

صوت : أرى رجلًا يبدو على مبعدة ثم تحجبه عَنَّا الهضاب. أتراه يا أبا محجن؟
أبو محجن : نعم إني أراه.
الأول : ما أظنه إلا عينًا من الأعداء جاءت ترقبنا.
أبو محجن : أنتركه؟
الأول : بل لا بد لنا من إدراكه.
أبو محجن : يا أمير الجيش، أرى رجلًا يرقبنا، ويحرص على ألَّا نراه.
سعد : إني أراه منذ أمدٍ بعيدٍ.
الأول : أنسكُت عنه؟
سعد : لا بل اتركوه حتى تنتهي هذه البروج.
الأول : وما شأن هذه البروج يا ابن أبي وقاص؟
سعد : إنها بروج العجم بنَوها ليلقَوا منها أعداءهم، ولكنني أراها خاوية لا أحد فيها.
الأول : ومن أين عرفت أنها خاويةٌ؟
سعد : لو كان فيها أحدٌ ما أرسلوا إلينا هذا الرجل ليرقبنا.
أبو محجن : وماذا تُراه يريد؟
سعد : يريد أن يعرف عدَدنا وعُدَّتنا.
أبو محجن : أنتركه إذن؟
سعد : لعله من المفيد لنا أن يعرف العجم عددنا، فنحن ما نزال في انتظار المدد وسوف يتضاعف عددنا، فلنترك العدو يعتقد أننا قلةٌ حتى إذا باغتناه مجتمعين بأضعافِ ما انتظر من الجيوش انهارت منه القوة وسارع إلى الهزيمة.
الأول : فداك أبي وأمي يا سعد.
سعد : بعض هذا يا أخا العرب.
أبو محجن : ولكن أنترك هذا الرجل وشأنه حتى يبلغ مأمنه؟ ما ضرنا لو أتينا به ليدُلَّنا هو على عدَد جيشه وعُدَّته.
سعد : لقد أرسلتُ من يرقبهم يا أبا محجن، ولكن يجب ألا نترك هذا الرجل دون أن نعرض له وإلا أدرك أننا نخدعه.
أبو محجن : فأنا له أيها الأمير.
سعد : أنت يا أبا محجن. أخشى أن يخدعك بدنٍّ من الخمر، فتُفضي له بسر الجيش جميعًا.
أبو محجن (ضاحكًا) : أنا لا أشربها أيها الأمير.
سعد : أتُقسِم؟
أبو محجن : لا أشربها إلا في المساء.
سعد : أقسمتُ يا أبا محجن لو حُملت إليَّ مخمورًا في هذه الحرب لأقمتُ عليك الحد وقيَّدتُكَ فلا تُحارب.
أبو محجن : لن أُحمل إليك أيها الأمير، أأطارد هذا الرقيب؟
سعد : طارِدْه ولا تُمسِك به. اجعله يعتقد أنك تريد أن تأسِره ولكن لا تفعل، هلُم.

(صوت حوافر الخيل.)

أبو محجن : لقد ذهب إلى معسكره أيها الأمير، ولكن …
سعد : ولكن ماذا؟
أبو محجن : في طريقي إليكَ رأيتُ كوكبةً من الخيل قادمةً إلينا.
سعد : فأعدُّوا لها. أعرفتَ فيمَ قدومهم؟
أبو محجن : لا، ولكني لم أَرَ عليهم هيئة المحاربين.
سعد : هل انضم إليهم الرقيب الذي كنتَ تطارده؟
أبو محجن : لا، إنه لم يَرَهم، فقد طاردتُه من طريق وعُدتُ من طريقٍ آخر فرأيتهم.
سعد : فأكمنوا لهم حتى إذا ظهروا …

(موسيقى عنيفة وقعقعة سيوف.)

سعد : من أين أنتم؟
صوت : من الحِيرة؟
سعد : ومن هذه التي تحملونها؟
الصوت : إنها ابنة أميرٍ من أمراء الفرس في طريقها إلى صاحب الحِيرة.
سعد : أتعرف من نحن؟
الصوت : أعرف، ولكني لم أتوقَّع أن تُعسكِروا هنا.
سعد : ولِمَ؟
الصوت : إن الأنباء التي بلغَتْنا لم تقل إنكم ستمرون من هذا الطريق.
سعد : وكيف رأيت أنباءكم؟
الصوت : رأيتُ جنودنا صرعى، ورأيتُ أبطالنا أسرى، ورأيتُ الهول الآخذ والبلاء المقيم.

(صوت قهقهة تنتهي بصوت الراوية.)

الراوية : وتسامع الفرس بما كان من أَسْر الأميرة، ومن معها، ومن فِرار القوة التي كانت تحفُّ بها، فأُلقي الذعر إلى نفوسهم، وأرسل أميرهم يزدجرد يدعو إليه رستم أكبر قائدٍ عرفته الفرس حتى إذا مثل بين يدَيه.
يزدجرد : أرى العرب قد أرسلَت إلينا جيشًا لا قِبَل لنا به، وما أرى بين قُوَّادي من يُطيق حربهم إلا أنت.
رستم : بقيتَ يا مولاي، إنما الحرب تدبير وخديعة، وقد تجد من يُجيل السيف مثلما أجيل، ولكنك لن تجد من يرسم الخطة كما أرسمها.
يزدجرد : ولكنهم أسروا ابنة مرزبان الحيرة، وهم مقيمون بأبوابنا، لا نطيق حربهم، فإن لم تخرج إليهم أنت هُزمنا، وفي هزيمتنا فناء للدولة الفارسية، وانهيارٌ لصروح المجد التي أقامها الآباء والأجداد.
رستم : ولكني إن هُزمت أنا فقد الفارسيون ثقتهم بي، وأنت في حاجةٍ إلى هذه الثقة، وما يُفيدك يا مولاي أن أخرج إليهم فأُهزَم فيكون في هذه الهزيمة الفناء والدمار؟
يزدجرد : ومتى تخرج إن لم تخرج اليوم والدولة مُشرفة على الهلاك؟!
رستم : إن العرب سوف تُرسِل إليك الجيوش يتلو بعضها بعضًا، فلو أقمتُ هنا وهُزم جيشنا فسأظل هنا لأدبِّر للحرب التي تليها، أمَّا لو خرجتُ اليوم وهُزمت فهيهاتَ لي أن أقود جيشًا بعدها أبدًا، فإن أنتَ أرسلتَني يا مولاي فكأني بك تلقي بقوتنا جميعها دفعةً واحدة، وإنك لتُلقيها غير مضطر إلى ذلك.
يزدجرد : فماذا تريد أن تفعل؟
رستم : أريد أن أرسل الجيوش بإمرة غيري حتى إذا هُزموا كنتُ أنا من ورائهم أُهيئ لهم المدد وأرسم الخطط، وأنتظر العرب وأُماكرهم حتى أهزمهم.
يزدجرد : لا يا رستم، أنا لا أرى رأيك.
رستم : فمرني يا مولاي.
يزدجرد : اخرج يا رستم، ولكن أُريدُك أن تخرج مليئًا بالثقة، متحفزًا للنصر.
رستم : مولاي، إن رستم في ميدان القتال يُحارب عن تاريخه جميعًا وعن دولته وعن ملكه، وإن رجلًا هذا شأنه لا يمكن أن يضعُف.
يزدجرد : وحق النار المقدسة إنك الرجل يا رستم، إلى الحرب أيها القائد، في رعاية النار المقدسة.

(صوت جونج.)

سعد : في رعاية الله أيها الوفد الكريم.
الرسول : وبقيت في رعايته يا سيدي الأمير.
سعد : أعرفتَ إلى من توجِّه حديثك؟
الرسول : إلى يزدجرد.
سعد : وتجاهل قائد جيشه رستم كأنك لا تسمع عنه. ليكن حديثك إلى أميرهم. وأنتم أيها الأخوان دعُوا الحديث لنعمان بن المقرن والمغيرة بن شعبة والمعنى بن حارثة.

(جونج.)

الرسول : أين أميركم؟
صوت : وماذا تريدون منه؟
الرسول : نريد أن نلقاه.
الصوت : ومن تكونون؟
الرسول : وفدٌ من قِبَل سعد بن أبي وقاص أمير جيوش العرب.
الصوت : فأنتم تريدون القائد رستم؟
الرسول (ساخرًا) : القائد من؟!
الصوت : القائد رستم.
الرسول : إنَّا لا نعرف القائد. أنا أريد الأمير.
الصوت : ولكننا لا نسمح لكم بلقائه.
الرسول : إذن أعود طريقنا إلى جيشنا، وموعدنا غدًا.
الصوت : فانتظروا حتى أنظر في أمركم.
الرسول : بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا.
الصوت : تعالَ أيها الرسول.

(أصوات خطوات.)

يزدجرد : أي حظٍّ تعس رمى بكم إلى هذه البلاد؟
الرسول : إن الحظ التعس أيها الأمير، محيطٌ بكم إن أنتم لاقيتم العرب في طريقهم إلى المجد والخلود والنصر.
يزدجرد : أجب أيها الرجل، ما الذي جاء بكم؟ لعلكم قد غرَّتكم نفوسكم حين رأيتم تشاغُلنا عنكم.
الرسول : إن الله قد بعث فينا رسولًا يحمل إلينا نوره وهداه، وكنَّا مثلكم نعبد ما نصنع بأيدينا حتى أتاح الله لنا الهدى بعد الضلالة، والنور بعد الظلمات، فكفرنا بالأصنام، وعبَدنا الله مخلصين له الدين، وأنتم ما تزالون على ضلالتكم.
يزدجرد : وما شأنكم بنا؟
الرسول : إن رسالة الحق لا بد لها أن تبلغ العالم أجمع. إن الله من أرسلها، ونحن دعاة الحق، نبصركم الرشد من أمركم، ولا نفرض عليكم الإسلام، وإنما نفرض عليكم أن تُصغوا إلى دعوته، ثم شأنكم بعد هذا.
يزدجرد : وماذا تبغون مِنَّا؟
الرسول : إن أجبتم إلى ديننا ودخلتُم فيه خلَّفْنا فيكم كتاب الله وأقمناكم عليه على أن تحكموا بأحكامه ونرجع عنكم وشأنكم وبلادكم، وإن أبيتُم فالجزية، فإن أبيتُم فالحرب.
يزدجرد : أنا لا أعلم أمة كانت أشقى ولا أقل عددًا ولا أسوأ ذات بينٍ منكم، وقد كُنَّا نعتمد على القرى والضواحي لتُحاربكم وترُدَّكم على أعقابكم، وما كُنَّا لنغزوكم وما كُنَّا نظن بكم الخبل إلى درجة أن تقوموا أنتم على غزونا، فإن كان عددكم كثُر فلا يغرنكم كثرته، وإن كنتم جياعًا فرضْنا لكم قوتًا حتى تخصب أرضكم وكسوناكم وملَّكنا عليكم ملكًا يرفق بكم.
الرسول : إننا أيها الملك جياع، ولا نملك إلا سيوفنا وخيولنا، وخير ملبسًا ما تراه، ولكننا هنا في ملكك وأنت بين جندك وفوق إيوانك ندعوك، فاختر لنفسك طريقًا: الإسلام أو الجزية أو الحرب.
يزدجرد : لولا أن الرسل لا تُقتَل لقتلتُكم، ولا شيء لكم عندي، بل عندي لكم شيء، أنت أيها الحارس، ضع التراب على كتف أشرفهم، من أشرفكم؟
صوت (غير صوت الرسول) : أنا أشرفهم.
يزدجرد : ضعوا التراب على كتفه، واحمله إلى أميرك.
الصوت : والله لأحملنَّه إليه. اطمئن أيها التراب إنك عائدٌ إلى مقرِّك، وقريبًا ما تعود.

(موسيقى عنيفة.)

سعد : لقد حمَّلكَ مقاليد ملكه. هي الحرب إذن فالجهاد، الجهاد أيها العرب، الله يُناديكم.
أصوات : لبَّيْه.
سعد : إن الله هو الحق لا شريك له في الملك، وليس لقوله خلف، وقد قال عز ثناؤه: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ. إن هذا ميراثكم، وموعد ربكم، وقد جاءكم هذا الجمع، وأنتم وجوه العرب، وخيار كل قبيلة، وعز من ورائكم، فإن تزهدوا في الدنيا، وترغبوا في الآخرة جمع الله لكم الدنيا والآخرة.

(موسيقى.)

الراوية : إلا أن سعدًا أصابه مرضٌ عنيفٌ فهو قعيد فراشه لا يطيق الركوب، ولكن هيهات، فإن سعدًا لا يقبل هذا القعود، وإنما هو يشرف على الجند من شُرفته ويأمر، فيبلغ أمره إلى الجيوش. وقبل أن تبدأ المعركة حمل بعض الجنود أبا محجن الثقفي إلى سعد بن أبي وقاص، وكان أبو محجن مخمورًا لا يستقيم.
سعد : فعلتَها أبا محجن.
أبو محجن : ماذا فعلتُ يا مولاي؟
سعد : شربتَ الخمر، وآن لي أن أقيم عليك الحد، بل فاعل بك أكثر من هذا. إني لمحتجزك فلا تحارب، سأُقيِّدكَ فلا تدخل المعركة.
أبو محجن : بربك يا سيدي، افعل بي ما تريد، ضاعف الحد. افعل بي ما شئتَ ولكن لا تمنعني عن الحرب، حياتي هباء إن لم أحارب بربك يا سعد، بربك أيها الأمير.
سعد : لقد أقسمتُ وهيهات أن أحنث.
أبو محجن : بحق سابقتي في الجهاد، بحق جيوش سرنا فيها معًا إلى النصر، بحق الأيام الخوالي، الحرب حياتي، إنها أملي في الغفران، إنها رجائي في التوبة.
سعد : أقيموا عليه الحد، وقيِّدوه.
أبو محجن : وا سعداه!
سعد (في حزم) : قيِّدوه.
الراوية : وبدأت الحرب، وكانت الوطأة على العرب شديدةً، فقد أطلق الفرس الفِيَلة تتقدم جيوشهم، والعرب حائرون، فهم قد عُوِّدوا الحرب مع الرجال ولم يمارسوها مع الفيلة، الفيلة تسير فتفتك وتدوس، لا ترى السيف فتخشاه، ولا تُحس الحراب فتتَّقيها، إنما هي فيلة تسير فتقتل حيث تسير. وانتهى اليوم الأول والعرب لم تنهزم، ولكنها أيضًا لم تنتصر، حتى إذا كان الصباح جاء المدَد، واختفت الفيلة، فقد تحطَّمت توابيتها، وعكف عليها بعض القوم يُصلِحونها. ودارت المعركة بني رجال ورجال، أو هي بين إيمان وإلحاد، بين دعاة الله والحق، وبين عباد النار ووقودها، ولكن أبا محجن لا يحارب، فهو يرسل إلى زوجة سعد أحد عبدانها.
صوت : يسألُكِ أبا محجن أن تفكِّي قيده، لينبعث إلى المعركة، حتى إذا انتهت عاد إلى قيده. ويسألُكِ أن تُعيريه البلقاء فرس سيدي سعد.

(موسيقى.)

نفس الصوت : إنها ترفض ذلك يا أبا محجن.
أبو محجن :
كفى حزنًا أن ترتدي الخيل بالقنا
وأُتركَ مشدودًا عليَّ وثاقيا
إذا قمتُ عنَّاني الحديد وأُغلقَت
مصاريعُ دوني قد تُصمُّ المناديا
وقد كنتُ ذا مالٍ كثير وإخوة
فقد تركوني واحدًا لا أخا ليا
ولله عهدٌ لا أخيس بعهده
لئن فُرجَت ألا أزور الحوانيا
الراوية : فلما سمعَت زوج سعد شعره أرسلَت إليه عبدها يقول:
الصوت : لقد استخارت سيدتي الله ورضِيَت بعهدك، على أن تعود إلى القيد بعد المعركة.
الراوية : وانطلق أبو محجن إلى المعركة في يومها الثاني، وظلت المعركة دائرةً حتى أوغل الليل، والعرب تُذيق الفرس الأهوال، وتردُّ إليهم ترابهم الذي حملوه موتًا آخذًا، ولكن النصر لا يتمُّ، وإنما ما تزال بالفرس قوةٌ عنيفة أبقتها عليهم كثرتهم ووجود رستم على رأسهم. وينتهي اليوم الثاني ويعود أبو محجن إلى قيده وفيًّا بعهدٍ أخذه على نفسه لزوجة سعد وهو يسألها أن تفعل به في الغد مثلما فعلت اليوم، فتقبل. وفي اليوم الثالث للمعركة تعود الفيلة وترجع إلى ما كانت تفعله بالعرب، ولكن سعدًا يجد وسيلة.

(جونج.)

سعد : أريد بعض أَسْرانا من الفارسيين.
صوت : أمرك يا سيدي (صوت أقدام تنصرف).
سعد : أمَا ترى إلى هذه الفرس؟
صوت : نعم.
سعد : إنها البلقاء. وهذا الذي عليها، لولا أنني حبستُ أبا محجن لقلت إنه هو، راكبًا البلقاء.
الصوت : أراك محقًّا يا مولاي.
سعد : بربك إلا رقبتَ هذا الفرس، فهو يجول بين الفرس وكأنه الإعصار اللاهب، فإذا انطلق إلى خِضَم المعركة فهو الريح.
صوت (الذي ذهب لإحضار الأسرى) : الأسرى يا سيدي.
سعد : أخبرني أنت، كيف تقتلون الفيلة؟
الفارس : من مشافرها وعيونها.
سعد (صائحًا) : مُر بهم أن يضربوا الفيلة في عيونها، وفي مشافرها.
الراوية : وقُتلَت الفيلة، فقد استهدف العرب مقاتلها فقتلوا بعضها، وحلا لأحد الفيلة أن يُلقي بنفسه في النهر فتبعَتْه الفيلة الأخرى، وخلص العرب إلى الفرس لا تمنعهم الحيوانات، ورأى العرب في تخليصهم من الفيلة نصرًا من الله مؤزَّرًا. وكان النصر، واستولى العرب على القادسية وما هو بجديدٍ نصرهم، فقد شاء ربك أن يَهزِم أصحاب الفيل دائمًا سبحانه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤