عودة وغفران

(تخفتُ الموسيقى وتظل ملازمة للمشهد.)

ناعسة : حيَّاك الله يا حارث، فأنت نِعمَ الزوج.
حارث : بل حيَّاكِ أنتِ يا ناعسة، فلقد والله جعلتِ حياتي متعةً.
ناعسة : لقد مهَّد الحب للزواج.
حارث : وامتدَّ الحب بعد الزواج يا ناعسة.
ناعسة : طالما خشيتُ والله أن يكون الزواج بيننا هو نهاية حبنا، ولكن حيَّاكَ الله يا حارث، فقد بقيتَ على حُبكَ الذي كان.
حارث : وبقيتِ أنتِ على حُبكِ ناعسة.
ناعسة : فظلَلْنا وكأننا ما نزال هناك نلهو بضياء القمر، وهو يُلقي إلينا بخيوطه، فإذا هي حولنا مضاءة نمُد إليها أيدينا نُحاوِل أن نُمسِكها فتَنضَم أصابعنا على النور، فإذا هي فضاء. كُنَّا نرى ضوء القمر ولا نطيق أن نُمسِكه، كُنَّا نرى فيه حبنا الذي تجسَّم يكاد يتجسَّد أمام أعيننا، ثم نحن لا نعرف من أين ينبُت.
حارث : هناك على الرملات الحبيبة، على سفوح الكثبان، كُنَّا حُبًّا. لم تكن أجسامنا وأنفاسنا ولعبنا وجدنا إلا حُبًّا، كُنَّا الحب، أحسَّه الناس معنًى وتَجسَّد فينا كلَينا حُبًّا.
ناعسة : فإذا أجسامنا تكاد تشِفُّ فتذوب في ضياء القمر، فتصبح ضياءً مع الضياء، أو نسيمًا مع النسيم.
حارث : ما أحلى الأمسيات!
ناعسة : وما أحلى الذكريات!
حارث : رعاكِ الله ناعسة، ذكرتِ الخير عني، ولم تذكري فقرًا شقيتِ به في حياتكِ إلى جواري.
ناعسة : حذارِ يا حارث، أن تعود إلى هذا الحديث، إنما الفقر هو الحاجة. أمَّا ونحن نستُر بقليل مالنا حياء وجوهنا، أمَّا ونحن لا نطلب من أحد شيئًا فنحن والحمد لله في وافرٍ من الغنى.
حارث : لكِ الله يا ناعسة، وأين منكِ هذا الغنى؟ أحسِبتِني غبيًّا؟
ناعسة : الغنى يا حارث في أننا نجد قُوت يومنا، ونجد الملبس الذي يستُرنا.
حارث : أي قوتٍ وأي ملبسٍ؟ وأنت الفتاةُ في ربيع الحياة، وأنا الشاب في نضرة الشباب، إنما نريد الأكل الوفير ولا نُصيب إلا القليل، ونريد الملبس الفاخر فلا ننال إلا الحقير. إنه البؤس يا ناعسة.
ناعسة : بل هو النعيم، وما أخشى والله إلَّا قلبكَ هذا وعدم رضاك، وتبرُّمكَ بحياتنا، وهي أهنأ ما تكون.
حارث : إنما الهناءة في الغنى يا ناعسة.
ناعسة : بل في الحب يا حارث.
حارث : لا يفارقُ ضوءُ القمرِ خيالكِ.
ناعسة : ولا يفارق ضوء الدينارِ خيالكَ.
حارث : الدينار حقيقةٌ.
ناعسة : والقمر حقيقة.
حارث : الدينار حقيقة في الأرض، ونحن في الأرض.
ناعسة : والقمر حقيقة في السماء، ونحن إلى السماء.
حارث : خيال.
ناعسة : لأني أخشى عليك الحقيقة.
حارث : تهربين منها.
ناعسة : بل أتجاهلها ما دام علمي بها لا يفيد.
حارث : أمَّا أنا فأعرفها، وأُحسُّها وألمسُها وأثورُ عليها وأسعى إلى تغييرها. لا بد من الغنى.
ناعسة : أمَا يكفيك الستر مع الحب؟
حارث : بل لا بد من الغنى.

(موسيقى تنتهي بطرق على الباب.)

نائلة : من يطرق الباب؟
حارث : أنا.
نائلة (وهي تفتح الباب) : ومن أنت؟
حارث : حارث.
نائلة : وما تريد يا حارث؟
حارث : أُحسن كل عملٍ ولا أجد عملًا، وقيل إنكم تطلبون رجلًا يقوم على أعمالكم في الزراعة.
نائلة : ومن أنبأك؟
حارث : صديقي هشام الحضرمي.
نائلة : فانتظر حتى أدعو أخي.
حارث : إني منتظرٌ.

(جملة موسيقية.)

أسامة : ادخل يا حارث.
حارث : السلام عليك يا سيدي ورحمة الله.
أسامة : أبلغَتْني أختي أنك تريدُ أن تعمل لنا.
حارث : إي والله.
أسامة : وهل عملتَ قبل اليوم في مثل هذا؟

(موسيقى.)

حارث : شكرًا يا هشام.
هشام : خيرًا يا حارث.
حارث : لقد قَبِل سيدي أسامة أن أعمل له، وسيُجزِل لي المكافأة، وقد طلب إليَّ أن أذهب الساعة إلى ضياعه.
هشام : هنيئًا يا حارث، هنيئًا لك.
حارث : فبِربكَ هلا قصدتِ إلى زوجتي ناعسة وأنبأتَها أني قد عملتُ؟
هشام : أفعل يا حارث.
حارث : وقل لها …

(موسيقى.)

هشام : فهنيئًا لكِ يا ناعسة.
ناعسة (في صوت لا يبين فيه الفرح) : شكر الله لكَ يا هشام.
هشام : ولقد أنبأني أنه سيتأخر عنكِ يومَين أو ثلاثة أيام.
ناعسة : وأين يعمل؟
هشام : عند أسامة بن يعقوب.
ناعسة : ذلك الغني الواسع الغِنى؟
هشام : نعم.
ناعسة : ولكن لأسامة ضياعٌ كثيرةٌ، وأموالٌ ضخمةٌ، أيستطيع الحارث أن يقوم بهذا العمل جميعه؟
هشام : يستطيع لا شك.
ناعسة : وأين بيت أسامة؟
هشام : بجانب دكَّاني.
ناعسة : ولكن ألم يستطع الحارث أن يأتي إليَّ ليُنبئني هو؟
هشام : لقد طلب إليَّ أن أفعل هذا عنه لأن أسامة صَحِبَه إلى الضياع من فَوره.
ناعسة : شكرًا هشام.
هشام : لا شكر بيننا يا ناعسة، أنت تعرفين مكانكِ منِّي.
ناعسة (في جد) : شكرًا هشام.

(موسيقى تنتهي بطرقٍ على الباب.)

أسامة : من يطرق الباب؟
ناعسة : أنا.
أسامة (وهو يفتح الباب في دهشةٍ وإعجابٍ وترحيبٍ) : مرحبًا، أيًّا تكونين ومهما تكوني.
ناعسة (في جد) : إنني زوجة الحارث.
أسامة : زوجة مَن؟
ناعسة : زوجة الحارث.
أسامة : أي حارثٍ سعيد هذا الذي أنتِ زوجتُه؟
ناعسة : الحارث بن زياد الذي يعمل لكم.
أسامة : هذا الحارث؟ أنتِ بكل جمالكِ هذا زوجة الحارث الذي يعمل عندنا؟
ناعسة (في صرامة) : ويُشرِّفني يا سيدي أن أكون زوجته.
أسامة (في سخرية) : ويُشرِّفكِ أن تكوني؟
ناعسة (في صرامة) : سمعتُ يا سيدي أنكَ غني، وحسبتُ أن المال يُهذِّب النفوس.
أسامة (في جدٍّ) : سيدتي، إنه مهما تكون النفوس مهذبةً، فإنها لا تطيق أن ترى هذا الجمال الآسر ولا تُعرِب عن إعجابها.
ناعسة : إنك فارغٌ أيها السيد، تحسب أن تسخر من الناس، ولستُ بمن تقبل أن يسخر منها، أو من زوجها أحدٌ مهما يكن هذا الأحد أنت.
أسامة (في جدٍّ) : أنا لم أسخر منكِ، أو من زوجكِ أيتها السيدة، ولكنني أعجب أن يتزوَّج هذا الجمال كله (في سخرية) حارث، مجرد حارث.
ناعسة : إن الحارث يا سيدي رجلٌ لا يعرض لنساء الآخرين، ولا يسخر من فقر الرجال، ولا يُزهي بماله كما تُزهي أنتَ. لقد وهب الله لك المال ليمتحنكَ به، فويلٌ لك يا سيدي، فما رأيتُ رجلًا أساء استعمال ماله كما تفعل.
أسامة : وماذا فعلتُ؟
ناعسة : جعلتَ منه زهوًا، وكان عليك أن تجعل منه أخلاقًا ومروءةً. وجعلتَ من الفقر سخريةً، وكان عليكَ أن تجعل الفقر مجالًا لإظهار كرمكَ.
أسامة : لو شئتِ والله وهبتُ لك من المال فوق ما تُطيقين حمله.
ناعسة : خسئتَ. لستُ بذاك.
أسامة : إليَّ هذا الكلام؟
ناعسة : فلمن إن لم يكن لك؟
نائلة : خيرًا. مَن تلك التي تُحادِثها فتُطيل الحديث؟
ناعسة : إنه أنا يا سيدتي.
نائلة : ومن أنتِ يا أختُ؟
ناعسة : أنا زوجة الحارث الذي يعمل لكم، جئتُ أسأل عنه، فقد أنبأني أنه سيغيب يومَين فغاب أسبوعًا. قصدتُ إلى صديقه هشام أسأله عنه فلم أجده، فجئتُ إليكم فلقِيَني هذا الرجل.
نائلة : أمَا تَعرفين هذا الرجل؟
ناعسة : يقول إنه أسامة وما أظنه أسامة.
نائلة : ولِمَ؟
ناعسة : فيه من خُلق العبيد، وما فيه من خُلق الأحرار.
نائلة : لكَ الله أسامة، لقد أسأتَ إلى ضيفة، فعذرًا يا أخت. اذهبي أنتِ إلى منزلكِ وسأُرسل أنا إلى الحارث. لا عليكِ يا أخت، لا عليكِ!
ناعسة : شكر الله لك يا سيدتي، شكر الله لك.

(موسيقى.)

الحارث : بُشراكِ ناعسة. أصبتُ الغنى الوافر والحظ السعيد، هاكِ، هاكِ بعضَ مالي، بُشراكِ ناعسة.
ناعسة : بل لا بشرى، فإنك تتركني الأيام الطوال، والبيتُ وحيد، وأخشى أن يدخل لصٌّ يسرق المال، أو يسرق …
الحارث : أو يسرق ماذا؟
ناعسة : أثاث المنزل.
الحارث : لا عليكِ، فنحن في موسم المحصول، فإذا انتهى الموسم فسأكونُ إلى جواركِ ليلَ نهارَ.
ناعسة : أخشى أن يطول موسم المحصول إلى آخر العمر يا حارث.
الحارث : ما هذا القول يا ناعسة؟
ناعسة : أخاف يا حارث.
الحارث : لا عليكِ ناعسة، لا عليكِ. أتركك بخيرٍ.

(موسيقى فيها شيءٌ من الحزن تنتهي بطرق على الباب ويُفتَح الباب.)

صوت : السلام عليكم (يبين من الصوت كأنه يحمل حملًا كبيرًا).
ناعسة : وعليكَ السلام، ماذا تريد؟
الصوت (وهو لا يزال مجهدًا بحمله) : أليس هذا بيت الحارث بن يزيد؟
ناعسة : إنه بيته، فماذا تريد؟
الصوت : أمَا ترين أنفاسي المتلاحقة؟ هلا تركتِني أُنزل حملي ثم سألتِ ما أردتِ أن تسألي؟
ناعسة : بل والله لن تُنزِل شيئًا حتى أعرف من أنت وماذا تحمل؟
الصوت : أمَّا أنا فخادم لن يفيدك اسمي في شيء، وإن أردتِ أن تعرفي فهو رفيق، وأنا خادم سيدي أسامة بن يعقوب.
ناعسة : فوالله لن تُنزل حملك هذا، ووالله لن تدخل هذا البيت، أنت حمَّالٌ. امضِ أيها الحمَّال، امضِ.
رفيق : بل انتظري ألتقط أنفاسي وأُحادثك، أنتِ لا تعرفين ما أحمل. إنه الحرير والدمقس، والشفائف واللفائف، والمخرمات و…
ناعسة : امضِ يا حامل الإثم، امضِ، لا أراني الله وجهك، امضِ.

(صوت بابٍ يُصفق ويعقبه بكاء من ناعسة يتخلَّله طرق على الباب مستمرٌّ مدة، ثم ينقطع الطرق ويستمر بكاء ناعسة الذي ينتهي ببكاءٍ من أسامة.)

أسامة : أُحبها، أُحبها.
رفيق : لا عليكَ يا سيدي، هوِّن عليك.
أسامة : أُحبها يا رفيق، أُحبها.
رفيق : أَشهَد يا سيدي، وقد خدمتُكَ السنين الطوال، أن واحدةً ممن عَرفْت لم تكن على مثل هذه العفة أبدًا.
أسامة : ولكني يا رفيق أُحبها أكثر ممن عرفتهنَّ جميعًا. ماذا أفعل يا رفيق، أمَا من فكرة؟
رفيق : لا يا سيدي. ليس إلى المرأة الشريفة طريقٌ غير الزواج يا سيدي.
أسامة (فرحًا) : الزواج، هو الزواج، أُريد الزواج بها.
رفيق (في سخرية) : إن المرأة لا تتزوج من رجلَين.
أسامة : أعرفُ ذلك أيها المتذاكي.
رفيق : تعرفه طبعًا، ولكنك تقولُ أنت تريد الزواج بها.
أسامة : نعم (هامسًا) نريد أن نجعل زوجها يُطلِّقها.
رفيق (مردِّدًا في همس) : زوجها يُطلِّقها؟!
أسامة : أجل. ألا تعرف وسيلة؟
رفيق : والله يا مولاي، والله يا مولاي، هناك وسيلة.

(موسيقى.)

الحارث : هيه رفيق، أمَا تدري لماذا أرسل إليَّ سيدي أسامة؟
رفيق : اخفض صوتك.
الحارث (هامسًا) : ماذا؟
رفيق : إن أسامة لا يعرف أنك عُدتَ.
الحارث : ماذا؟
رفيق : اتبَعْني نذهب إلى مكانٍ أمين.

(جملة موسيقية.)

الحارث : ماذا بك رفيق؟
رفيق : إن الأمر خطيرٌ يا حارث. لقد كشفتُ أمرًا عجيبًا.
الحارث : ماذا كشفتَ؟ ألا قل يا أخي، فقد أضجرتَني همسًا.
رفيق : سيدي نائلة.
الحارث : ما لها؟ أهي مريضةٌ، ما لها؟
رفيق : مريضةٌ بداءٍ عجيبٍ، مريضةٌ بحبك.
الحارث : أجُننتَ؟ أتُحبني؟
رفيق : حُب يقيمها الليل الطويل شاردة الذهن، والنهار الطويل، ذاهلة الخاطر.
الحارث : أجُننتَ؟!
رفيق : بل الأدهى من ذلك أن أخاها قد عرف الأمر جميعه.
الحارث : عرف ماذا؟
رفيق : عرف حبَّها لك، وأوشكَ أن يقتلها، ولكني هدَّأتُ مُضطربَه.
الحارث : ويلي، فهل آن لي إذن أن أترك العمل الآن؟
رفيق : يا لكَ من أبله! لقد ظللتُ به أناقشه حتى قَبِل أن تخطُب إليه أخته فيُزوِّجكَ لها.
الحارث : من؟ أنا؟ أجُننتَ؟ أنا أتزوج هذا الغنى الواسع؟! أنا؟ أنا الفقير أنا؟!
رفيق : نعم أنتَ. والعجيبة أن أخاها قَبِل ذلك، فقد هدَّدَته إن لم تتزوج منك أن تقتل نفسها ويكون أمرها فضيحة بين الناس.
الحارث : هل جُننتَ يا رفيق؟
رفيق : وقد أرسلتُ إليك دون أن يعرف سيدي أسامة، ولم يَبقَ الآن إلا أن تتقدَّم من سيدي أسامة تطلب إليه أن يُزوِّجكَ أخته، وحذارِ أن تُخبره بما قلتُه لكَ الآن، حذارِ أن تُخبره.

(موسيقى.)

الحارث (متردِّدًا) : سيدي.
أسامة : ماذا يا حارث؟
الحارث : أمنيةٌ يا سيدي طالما داعبَت خيالي، وطالما ردَدتُها عن تفكيري، ولكنها تستبد بي كل يوم، فلا أُطيق منها فرارًا.
أسامة : ما هي يا حارث؟ قل، فلقد والله عرفتُ فيكَ الفتى المخلص في عمله الأمين في واجبه.
الحارث : يا سيدي، أنا أعرف مكانكَ منِّي، ومكاني منك. وأعرف يا سيدي أنكَ أغنيتَني بعد فقرٍ، وأكرمتني بعد هوانٍ، فإن أُقدم إليكَ أطلب منك أمرًا، فما هو إلا أملٌ يدعوني إلى التعلُّق به فضل سبقٍ، ومكرمة سلفَت، ويد أسبغَت.
أسامة : لقد أطلتَ حارث، وما أحسبُ مطلبك إلا جليلًا.
الحارث : وإنه الجليل، سيدي أطلب إليك أن تُزوجني أختك سيدتي نائلة.
أسامة : يا أخي، إنما أنت خاطبٌ، والخاطب لا يحتاج إلى هذه المقدمة الطويلة، فإنما بخطبتكَ تُعلن حسن رأيك فيَّ وفي أختي.
الحارث : خشيتُ يا سيدي أن تحسب أنما أخطبها لغناها، وأنني أتعلَّق بالغنى وحده.
أسامة : وهَبْ أنك كذلك. اسمع يا حارث، إنني لا أُعارض في هذا الزواج، ولكنَّني لا بد لي أن أسأل أختي.
الحارث : ألا تُعارض أنت يا سيدي؟ ألا تعارض؟
أسامة : إذا رَضِيَت هي بك، فلماذا أُعارض أنا؟
الحارث (وفي دهشة) : إذن فقد صدق …
أسامة (مقاطعًا في سرعة) : من ذلك الذي صدق؟
الحارث : ظنِّي. صدق ظني يا مولاي.
أسامة : إذا كان الغد، فتعالَ تَعرِف الجواب.

(موسيقى.)

الحارث : سيدي.
أسامة : هنيئًا يا حارث.
الحارث : أحقًّا يا سيد، يا صهري!
أسامة : إلا إن لها شرطًا واحدًا.
الحارث : فلتقُله يا سيدي.
أسامة : ألم تحدسْه يا حارث؟ ألم تعرف ما هو؟
الحارث (مترددًا) : لا، لا لم أحدسْه.
أسامة : إن أختي نائلة فتاة في ربيع العمر، ولا تُحب أن تتزوج من رجلٍ له زوجة في بيته.
الحارث (في تردُّدٍ) : وماذا تريد أختك يا سيدي؟ هه، ماذا تريد؟
أسامة : طلِّق زوجتكَ تقبلْكَ نائلةُ زوجًا.
الحارث : أُطلِّق زوجتي؟!
أسامة : تتزوَّج من نائلة.
الحارث (مندفعًا) : فزوجتي … (يسكُت).
أسامة : إذن فأنت لا تحب نائلة.
الحارث (في ألمٍ وحزنٍ) : فزوجتي ناعسة منذ اليوم طالق.
أسامة : فاكتب الطلاق، ولا يشغلك مؤخَّر الصداق، فهي هدية عُرسكَ (ضاحكًا ضحكة) هديَّتي في زواجكَ من أختي نائلة.

(ضحكة كبيرة.)

(موسيقى.)

أسامة : إنني أخطبكِ إلى نفسي يا ناعسة.
ناعسة : مالي إلى الزواج رغبةٌ يا سيدي.
أسامة : أي عيبٍ ترينه فيَّ يا ناعسة؟
ناعسة : أنا لا أراك يا سيدي. أنت دائمًا مختبئ وراء أموالك، إنك شيءٌ تجعل أموالك أهم شيءٍ فيك، ولو جعلتَ إنسانيتك أهم شيءٍ فيك لكنتَ خيرًا من ذلك.
أسامة : أنا لا أفهم عنكِ شيئًا.
ناعسة : ذلك أن الذهب معدنٌ صلب جامد بارد، وهو يا سيدي يُغلِّف قلبك وعقلك، ولو أنك يا سيدي أزحتَه عن فهمكَ وشعوركَ وعشتَ حياتكَ ومالُكَ في يمينك سلاح للفقير لا سلاحٌ عليه، وقوةٌ للضعيف لا قوةٌ للشر، لو أنكَ فعلتَ ذلك لأحسستَ متعة الحياة، بل أحسستَ متعة الغنى الذي تتمتَّع به.
أسامة : إنني أُحِسُّ متعة الغنى يا ناعسة.
ناعسة : هيهات. ليست متعة الغنى في المرأة المشتراة، ولا الكأس الناعمة، لا ولا في القصور والحرير وهذا الفراغ. إن متعة المال تُحسها — إن كنتَ تُحس — في دمعة المسكين الذي تدفع عنه الذلَّة، وفي شكر المحتاج الذي رفعتَ عنه حاجته، وفي إعزاز كريمٍ ذل أو غنيٍّ افتقر، أو خيِّر أَثِم.
أسامة : إني أخطبكِ إلى نفسي يا ناعسة، فما هذا الحديث؟
ناعسة : سيدي، أنا لا أتزوَّج جمادًا، وأنت جمادٌ.
أسامة : أنا جمادٌ؟
ناعسة : وهل الذهب إلا جماد؟
هشام (من الخارج ويصاحب صوته طرق على الباب) : افتحي يا ناعسة.
ناعسة (وهي تفتح الباب) : مرحبًا هشام.
هشام : من؟ سيدي أسامة، أأنت هنا؟
أسامة : مرحبًا هشام.
هشام : ناعسة، جئتُ أخطبكِ لنفسي.
ناعسة : وإني قبلتُ يا هشام.
هشام : فمتى الزواج؟
ناعسة : متى تريد؟
هشام : غدًا.
ناعسة : غدًا.

(موسيقى.)

الحارث : أنجز حرٌّ ما وعَد يا سيدي أسامة. لقد ماطلتَني الشهور الطوال، وفرضتَ عليَّ أن أنتظر حتى توفِّي امرأتي عِدَّتها، وفرضتَ عليَّ ألا أعود من الضياع أبدًا، وألزمتَني مكاني القاصي هناك ثلاثة أشهر، فأنجز حُرٌّ ما وعد يا سيدي.
أسامة : أي حُر، وأي وعد؟
الحارث : أن أتزوج من أختك نائلة.
أسامة : من أختي؟ أختي أنا؟ هل جننت؟
الحارث : سيدي!
أسامة : أنتَ منذ اليوم مفصول عن عملك، لا مكان لك هنا أيها المجنون.

(موسيقى.)

الحارث : سلام يا هشام.
هشام : مرحبًا يا حارث، مرت شهورٌ طويلة لم أرَكَ؟
الحارث : أوتُحب أن تراني يا هشام؟
هشام : ولِمَ لا؟
الحارث : نعم، ولِمَ لا؟ إنني يا هشام قد صرتُ إلى ضيقٍ من المال، وكنتُ قد تركتُ عند زوجتي (ويستدرك بعدها ويميل صوته إلى البكاء) زوجتك ناعسة بعض المال، فهلا طَلبتَه لي منها.
هشام : بل اذهب أنتَ إليها واطلبه.
الحارث : أتقصد أن أذهب أنا حقًّا يا هشام؟
هشام : ولِمَ لا؟ إنك أخي منذ الطفولة الأولى، ولا تزال أخي. اذهب حارث إليها واطلب مالك بارك الله لك فيه، اذهب أخي.

(موسيقى تصاحب المشهد.)

الحارث : سلامًا يا ناعسة.
ناعسة (في بعض جفاءٍ) : سلامًا يا حارث.
الحارث : تركتُ عندكِ بعض المال.
ناعسة (في سخريةٍ ناعمة) : لا تزال تجري وراء المال يا حارث؟
الحارث : بل زهدتُه يشهد الله.
ناعسة : بل ها أنت ذا تغيب الشهور ولا تعود حين تعود إلا لتُطالبَ بمالك.
الحارث : كان لا بد لي أن أخلُق للمجيء عذرًا ناعسة، ناعسةُ رفقًا.
ناعسة : فهل رفقتَ بي أنت، وأنتَ تطلِّقني؟
الحارث : إن أكن أخطأتُ ففي هواكِ فسحة من العفو.
ناعسة : إنما الهوى خيال.
الحارث : بل حقيقة.
ناعسة : إنما الهوى خيال.
الحارث : بل حقيقة.
ناعسة : بل الدينار هو الحقيقة.
الحارث : إنه الهوى يا ناعسة فرفقًا. إنه الهوى (يبكي).
ناعسة (في صوتٍ باكٍ) : أتبكي شيئًا أنتَ من فعَلْتَه؟ لن يفيدنا البكاء شيئًا يا حارث، لن يفيدنا في شيء.
الحارث (باكيًا) : حسبي الله ونعم الوكيل.
هشام : ابكِ يا حارث، وابكِ أيضًا ولا تنقطع عن البكاء، لعلكَ تغسل عن نفسك ألمها.
الحارث : هشام.
هشام : ابكِ فقد تجنَّيتَ. وما أصدق دمعة الجاني!
الحارث : رحماكَ هشام.
هشام : فوالله ما رحمكَ إلا هشام.
الحارث : أحقًّا هشام؟
هشام : أنت طالقٌ يا ناعسة، أنت طالق طلاقًا بائنًا، تزوجتها من أجل أخي وأحسستُ حبها لكَ، فجعلتُ من زواجي بها أخوةً طاهرة، فأنتِ منذ اليوم طالق، فاصفحي عن حارث.
ناعسة : رعاكَ الله يا هشام، وأنا صافحة، عفوتُ يا حارث، فما طريقك منذ اليوم؟ أهو القمر أم الدينار؟
الحارث (في فرح) : إلى القمر يا ناعسة، طريقًا إلى القمر.
ناعسة : إلى السماء يا حارث، طريقًا إلى السماء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤