الفصل الثالث

درس في البحث العلمي وأخلاقياته

وأكتُم علمي عن ذوي الجهل طاقتي
ولا أنثرُ الدُّرَ الثمينَ على الغنمْ
فمن منح الجُهَّال علمًا أضاعه
ومن منع المُستوجبين فقد ظلمْ
الإمام الشافعي

وصلتني رسالة من الأستاذ رزكار عقراوي المنسق العام لمؤسسة الحوار المتمدن، يطلب مشاركتي في موضوع تقييمي حول «الحوار المتمدن إلى أين؟» بمناسبة الذكرى الثامنة لتأسيسه. وللصدفة البحتة فإن الرسالة وصلتني وأنا عازم على الامتناع عن النشر في هذا الموقع. حيث أنشر حاليًّا بصحيفة وزارة الثقافة المصرية (القاهرة) وصحيفة الأهالي المصرية، وموقع شفاف الشرق الأوسط، وموقع دروب، إضافة إلى الحوار المتمدن، وعنهم يتم النقل إلى مواقع أخرى عديدة.

لعل أهم ما يأخذه البعض على موقع الحوار المتمدن أنه ينشر لمبتدئين إلى جوار كتَّاب ناضجين إلى جانب قامات كبار، خالطًا حابلها بنابلها، لكن هذا عندي شأن لا أعترض عليه، لأنه يمنح المبتدئ الثقة ليسعى للاستفادة من زملائه الكبار فيكبر، ويضيف لنا مزيدًا من الثراء، إضافة لكونه يطلع جيل الشيوخ على جديد الشباب، فأنا ضد تصنيف الكتَّاب، لكني أيضًا ضد التطاول على القامات الكبيرة؛ لأن ذلك ليس من أدب الكتابة ولا من شيم الأسرة العلمانية. وهذا أيضًا لا يعني النقد الموضوعي الذي يتناول الموضوع وليس ضمير الكاتب وشخصه وسريرته؛ فالأول مطلوب بالضرورة العلمية، والثاني مرفوض بالضرورة القيمية. فقد ساءني بشدة ما تعرضت له سيدتي أنا شخصيًّا الدكتورة وفاء سلطان من تجريح وتهجم تجاوز حدود الموضوعية. والغريب أن من هاجموها استثمروا وقفتي المرحلية لظروف المعركة الدقيقة وحساباتها داخل مصر، وأقول للسيدة وفاء جائزتك يا سيدتي تشرفني وتسعدني وعلى رأسي من فوق، ورؤيتك تتحدثين تبهرني بشجاعتها ومنطقها، لا أعرف ما هي الجائزة، لكني بانتظارها لأعرضها بمكتبي حبًّا وكرامة، إن شرط العلمانية هو السماح بالنقد الموضوعي دون حدود ولا سقوف حمراء؛ لذلك أفهم أن تكون مسلمًا أو مسيحيًّا وأن تكون أيضًا علمانيًّا؛ أي أنك لا تفرض دينك على غيرك، وتقبل نقد دينك لأنه لا دليل على صدقه؛ لذلك لا نصدقه إنما نؤمن به والفارق عظيم في آليات الموقفين، فكل دين يزعم المؤمنون به أنه الصدق المطلق، وهو ما يعني عدم «الصدق بالمرة»، لتناقض الأديان تناقضًا تامًّا والمصدر واحد إذا سلمنا بالإيمان. نعم أفهم أن يكون العلماني يؤمن بدين لحاجته النفسية إليه لسد فجوات مقلقة لديه، فلكلٍّ ظروفه القاهرة أحيانًا، لكني لا أفهم أن يطرب مسيحي علماني لنقد الإسلام وينزعج بشدة من نقد الدين المسيحي، أو أن يطرب مسلم علماني لنقد اليهودية والمسيحية، ويشن الحملات على من ينتقد الإسلام، أو أن ينتقد أحدهم الإسلام لما فيه من خرافات كالجن والعفاريت، وهو نفسه من يحكي لنا أن القس فلان يُخرج الجن والعفاريت من الملبوسين، ويشرح ذلك ويستفيض في التدليل عليه، أو من يبيِّن نقائص الإسلام في قنواته الفضائية، ليدعونا إلى دينه هو بحسبانه الدين السليم والكامل؟!

إن من يزعم العلمانية وينزعج من نقد دينه هو منافق يرتد عند أول ناصية ويبيعنا جميعًا عند أول موقف، مقابل اكتمال راحته النفسية وهدوء باله، وحل مشاكله النفسية في عالمه الوهمي.

ساءني أيضًا أن يتم نشر ردود إسلامية تهاجمني في شخصي كما في كتابات منشورة بالحوار المتمدن، بينما كل المواقع الإسلامية ترفض نشر أي مقال أو أي تعليق ولو موضوعي ومحترم لأي علماني. كما ساءنى أيضًا استثمار ما أتعرض له من محن لإصراري على البقاء في مصر ولأني اخترت دور التغيير من الداخل؛ ومن ثَم تتغير مواقفي أحيانًا بدرجة أو بأخرى حسب طبيعة الضغوط ونوع المعركة، فأمارس أحيانًا التقية المشهورة لديهم لأتقي شرهم، وأحيانًا آخذ خطوة إلى الخلف لآخذ بعدها خطوتين إلى الأمام، لكن كلها خارج موضوعات بحثي التي أوجهها لقارئ، هي معارك قانونية أحيانًا ودبلوماسية أحيانًا وبدون قوانين حاكمة أحيانًا، فلكل خصم استخدام ما بين يديه من أدوات ووسائل للانتصار على خصمه، وتحتاج أحيانًا لأوراق غير أوراق البحث العلمي، لكني لم أتنازل يومًا عن خياراتي المعلنة والواضحة للبصير والأعمى، وهو ما أدى ببعض كتَّاب الحوار المتمدن للدعوة لوقف حملة الموقع لتأييدي، بعد أن اعترفت للنبي بأنه سيد الخلق وقلت الشهادتين في التلفزيون المصري، كما لو أن حملة التأييد كانت قد أضافت إليَّ شيئًا يرفع من معاناتي، وكما لو كان أحدهم ساهم في شراء مراجعي وأوراقي، أو دفع الأجور للمحامين ورسوم القضايا، ولا يكفوننا شرهم بسكوتهم عنَّا، وهم في نعيم بلاد الأجانب حيث الرفاه والأمان بعيدًا عن مشاكل الوطن وكوارثه المتتالية، بل ويُقرِّعونني ويطلبون رفع الدعم عني (أي دعم بالضبط؟!) لتصريحاتي الإيمانية الإسلامية، أو كما لو كنت ضد الأديان لكونها أديانًا فقط، وليس لكونها معطلًا ومعوقًا للتقدم والحداثة، وكما لو كان الناقدون لديهم ترف خسارة شخص مثلي لا يستطيعون استطاعته ولا يقدمون ولو يسيرًا مما يقدمه، هم أنفسهم المداحون حين تسمح الظروف لي بالصول والجول وتحقيق الانتصارات للطرف العلماني، فهم مشجعو مباريات، إن انتصر فريقه رفعه على الأعناق وكتب «مدد يا سيد يا قمني»، وإن تراجع فريقه (ولو لأسباب تكنيكية ومرحلية من أجل الهدف الاستراتيجي) انهالوا عليه تقريعًا ولومًا وتأنيبًا وتأثيمًا، المسألة عندهم تسجيل أهداف، وهؤلاء لا يصح أن يكونوا كتَّابًا بل هم من غوغاء العوام.

مرة أخرى لا بد من السماح بالنقد الموضوعي الهادئ والرصين، وأن يتناسب حجم الناقد مع حجم المنقود من حيث درجة إحاطته بالموضوع وبالمنهج؛ فالنقد هو نافذة النور وبوابة المستقبل وضمانة للسلامة المنهجية؛ لأنه يساعدنا على تصويب أخطائنا، ومثلي مثل زملائي أتعرض للنقد أحيانًا وأتركه دون تعليق، وأحيانًا يستدعي النقد الرد والجدل، وهناك نقد آخذ بما جاء فيه وأشير إليه في كتاباتي التالية بعد التصويب مستفيدًا من هذا النقد، أما البذاءات والنقد المؤدلج فهو مما لا يلتفت إليه الكاتب الحقيقي.

تعالوا أحيطكم علمًا بمثلبة حقيقية للحوار المتمدن، بحادثة كارثية ومقرفة معًا، هي السبب في قراري الانقطاع عنه، خاصة أني لا أتقاضى منه ولا من غيره من مواقع أجرًا، رغم أن كتاباتي هي مصدر عيشي المتواضع أقدمه عن حب ورغبة مصروفًا عليه من وقتي وقوت عيالي، لشراء دفاتري وأقلامي ومصادري ومراجعي، وهي شأن هائل يثقل الكواهل، أقدمه كله قربانًا على مائدة العلمانية من أجل وطن عزيز يعيش فيه مواطن كريم.

لاحظت أن أحد كتَّاب الحوار المتمدن من المثابرين على الكتابة قد تخصص في كتاباتي، وقد سبقه إلى هذا التخصص كثيرون، أتذكر منهم الشيخ الدكتور عبد الله كامل (شقيق الشيخ صالح كامل) الذي كرس لأعمالي كتابًا من ستمائة صفحة لإثبات كفري ومروقي، نشرته دار التراث الإسلامي بالقاهرة منذ سنوات، ومنهم الأستاذ منصور أبو شافعي وهو بدوره ذو مرجعية إسلامية سلفية، لكنه أقل تشددًا من زميله الدكتور كامل وأفضل منه أدبًا، وأكثر اهتمامًا بالمنهج وتكنيك العمل، وفي كلا الحالتين لم أنشغل بالرد لأنه سيعني التفرغ للرد على كتب بكتب، فلماذا كل هذا الهم؟ كتبي في السوق، وكتبهم في الأسواق، وللقارئ الاختيار والحكم. هناك بعدُ اثنان آخران لكن من لون آخر، أولهما هو صاحب كتاب «الحياة السرية لمحمد»، الذي ترجمه عن كتابي «الإسلاميات» كله تقريبًا ووضع اسمه عليه (البروفيسور: أ. أحمد) وهو أستاذ أنثروبولوجيا يعمل بأمريكا، أما الثاني فهو المثابر المتخصص في كتاباتي بنافذة الحوار المتمدن، فقد تخصص في سرقة كتاباتي بمصادرها ومراجعها، وما يقف وراءها من سنين عمر طويل، عشتها بحثًا وتنقيبًا وراء النصوص في أمهاتها، وابتداع الفكرة الجديدة، بعد رصد الذين تناولوا الموضوع قبلي، وإلى أين انتهوا، ومن أين سأبدأ أنا، ثم وضع الخطة لكل موضوع بما يناسب المنهج المختار للبحث أكان اجتماعيًّا أم رياضيًّا أم تاريخيًّا، وبما يؤدي إلى أفضل النتائج المطلوبة، بعد حشد المؤيدات العقلية والبرهانية والنصية المصدرية، ناهيك عن تصنيف المادة العلمية بعد جمعها حسب ترتيب الموضوع ليصل إلى هدفه، وتوزيعها على محاوره حسب الخطة الموضوعة، ومعها الأفكار الأساسية وراء كل سطر وصفحة، الرجل سرق عمري كله بشديد البساطة.

الغريب أنه شديد البجاحة فقد بدأ بسرقة ما سبق لي نشره بالحوار المتمدن ذاته، أحيانًا ينقل بالنص، وأحيانًا ببعض التصرف الساذج، ثم انتقل لكتابي «حروب دولة الرسول»، وهو كتاب ضخم تم نشره عدة مرات، وآخر مرة نُشر ضمن مُجلد وفيه أربعة أقسام هي «الإسلاميات»، وهو موجود على مواقع كثيرة بالمجان لشديد الأسف. والكتاب من القطع الكبير ويقع في ٦١٠ صفحات. وأخذ صاحبنا بنشر سلسلة بعنوان «المعارك المحمدية الكبرى» حتى أنجز الجزء الأول من كتابي حروب دولة الرسول على حلقات طوال بالحوار المتمدن.

قمت بإبلاغ إدارة الحوار المتمدن برسالة شخصية، فطلبوا منى كتابة ذلك في مقال بالأدلة، وكان ردي أني أفضل عدم فضح زميل علماني، فذلك يعطي الفرصة للطرف المعادي لنا جميعًا، متصورًا أنه زميل حقًّا! ولأن الرجل نقل كل شيء، الفكرة والمنهج المختار، بل أخذ الخطة ذاتها، والمراجع المختارة لهذه الخطة، وهي الموجودة في الحاشية بكتابي، ونسب كل شيء لنفسه بجسارة نادرة المثال، فكأنى سأكتب كتابًا جديدًا، الرجل أنجز نصف كتابي على حلقات طوال، وللرد أحتاج إلى كتاب هائل يحوي مساحة كتابي الأصلي مقارنًا مع كتابي الثاني الذي نشره صاحبنا على الحوار المتمدن ومساحة أخرى ناقدة بكتاب ثالث، وهو شأن سيكون السخف بعينه.

المهم أحلت إدارة الحوار المتمدن على كتابي «الإسلاميات» وضمنه «حروب دولة الرسول» للمقارنة، وأحطتهم علمًا أنه أنجز الجزء الأول من الكتاب بانتهاء عرضه لغزوة بدر، التي لم يعرضها هذا العرض وفق هذه الخطة بهذه المراجع ذاتها دون غيرها من مراجع أحد من العالمين بهذا المنهج وتلك الاستنتاجات سوى سيد القمني وحده، وأن عليهم أن يترقبوا بدء نشره للجزء الثاني من كتابي الذى يبدأ بغزوة أحد قريبًا. كل ما طلبته من الإدارة هو التدقيق بين كتابي وبين ما نشره وإعلامه بذلك ليتوقف، وربما ليعتذر عن إساءته إلى كل العلمانيين بما فعل، وكان توقفه فقط يكفيني وينتهي الأمر، فكتابي في الأسواق، وكان أول نشر له في نهاية الثمانينيات في القرن الماضي، وللقارئ عين فاحصة وسيكتشف السارق والمسروق.

وإن لم يكتشف لا يستحق أن يكون قارئًا أهتم به.

هذه ليست أول مرة يتم فيها سرقة كتاباتي من العلمانيين، فلديَّ أسماء كبيرة أحتفظ بها دون إفصاح إلا حين يكون مطلوبًا الإعلان والكلام المباح، قامت بالفعل المُخزي ذاته، لكني كنت لا أنزعج لأن السارق استطاع أن يوصل الكلام إلى مساحةً أوسع تلفزيونيًّا أو صحفيًّا؛ لأنه يملك مساحة نشر أوسع وأفضل لموقعه في صحيفة كبيرة أو صاحب برنامج ناجح، وله أيضًا قراءة الذين سيصل إليهم كلامي، المهم أن تصل الفكرة إلى الناس، كنت أنزعج فقط إذا أساء السارق للمادة المسروقة بتدخل أخرق أو غبي أو أحمق، يحرِّفها عن أهدافها ويؤدي ذلك لعكس المراد، وعادة ما كان يفعل ذلك من هم أقل علمًا ومعرفة، فتشعر أنهم كائنات طفيلية تصيب الموضوع ذاته بفيروس العطب والسخافة. ومن لون هذه السرقات المزعجة تأتي سرقات صاحبنا المتتالية، التي كان يتدخل فيها بغباء في بطن غباء غارق في يمِّ غباء، أي في ظلمات ثلاث، فيدمر بجهالته وحمقه جهدًا بذل فيه صاحبه عمره كله.

أمسى واضحًا لديَّ أن بلاغي للحوار المتمدن قد وصله، بما أشار إليه بداية موضوعه الجديد «المعارك المحمدية الكبرى، الجزء الثاني: غزوة أحد»، لكن الغريب أنه تابع المثابرة ليجعل موضوعه هذا بداية لنشر الجزء الثاني من كتابي «حروب دولة الرسول».

يقول «شاكر الشيخ سلامة» في بداية موضوعه هذا والمنشور في الحوار المتمدن بتاريخ ٥/ ١٢/  ٢٠٠٩م: «وكما أشرنا في بداية الجزء الأول — بدر الكبرى — اعتمدنا في البعض من هذه الدراسة على البعض مما اعتمده القمني في بحثه في معارك محمد وجيشه، ولكن بنظرة مادية لها تختلف عما ذهب إليه القمني في بحثه، وبخلاف التردد والتخوف الذي عُرف عن القمني.» صدقت المرحومة والدتي عندما كانت تقول: «تكلم العاهرة تلهيك، واللي فيها تجيبه فيك.»

إذن شاكر سلامة يقول إن التشابه ناتج عن اعتماده مصادر ومراجع اعتمدها القمني؛ لأنه سيعمل بنظرة مادية (لا تفهم ماذا يعني هنا بالضبط بنظرة مادية؟! ربما يعني بها الشجاعة لأنه يقارنها بخوفي وترددي؟ على كل حال الله أعلم!)

إن العودة إلى كل ما كتب الأستاذ سلامة مسروقًا من كتبي سيكون ضياعًا لوقت وهدرًا لساعات ثمينة لمثلي، يكفي القارئ أن يقرأ كتابي ويقرأ ما نشره الحرامي تحت عنوان «المعارك المحمدية الكبرى». وسأكتفي منعًا لهدر الوقت بأصغر موضوعاته، هذا الذي بين يدينا، والذي يبدأ به نشر الجزء الثاني من كتابي مع معركة أُحد، وبموضوع آخر بعنوان «الأسلمة والإرهاب ٢» المنشور في الحوار المتمدن بتاريخ ٧ / ٦ / ٢٠٠٩م، كعينات عشوائية للمناقشة، وللتيقن من صدق اتهامنا له بالسرقة الفاجرة بجريمة متكاملة الأركان. وقبل المناقشة نحدد بعض المعاني والأساليب المنهجية في البحث العلمي، لنفهم كيف سرق، وكيف دمر بغبائه المقزز ولزاجته المنفرة عملي كله.

(١) بالنسبة إلى المصادر والمراجع

للمصادر الإسلامية خاصة ما تعلق بالسِّير والأخبار والتآريخ سمات تميزها، فقد صُنفت من الأصل زمنيًّا، بحيث تغطي الفصول الأحداث سنة بسنة، ارتجاعًا إلى ما قبل الهجرة أو تقدمًا في أحداث ما بعد الهجرة، كما نفعل في تاريخ الحضارات قبل الميلاد وبعد الميلاد فيكون السرد: أحداث سنة كذا هجرية تليها أحداث سنة كذا هجرية … إلخ. وهي في الجملة كتب موسوعية تقع في مجلدات وتحوي المجلدات أجزاء، ورغم الكثرة الهائلة لهذه المدونات الإسلامية؛ فإنها تكرر الأحداث نفسها للمواضيع نفسها بلا كلال ولا ملل، لكن الباحث المدقق سيجد اختلافات في كلمة أو عبارة أو إضافة كامنة في التفاصيل يمكن بجمعها إلى جوار بعضها أن تضيء الحادثة المشهورة عند الجميع، وغير المعلوم عنها هذه التفاصيل، التي تفاجئ القارئ العادي والمتخصص معًا، وتشهد للباحث بجودة السعي والتنقيب وحسن فطنته.

ونظرًا لتكرار طباعة هذه المصادر في دول إسلامية مختلفة، فإن ما يترتب على ذلك دومًا هو اختلاف أرقام الأجزاء والصفحات في الكتاب الواحد بين بلد إسلامي وآخر، بل داخل البلد الواحد كمصر، ستجد طبعة دار المعارف لتاريخ الطبري يختلف ورود الموضوع في صفحاتها عن ورود الموضوع ذاته في صفحات الطبعة الأقدم من نشر دار البابي الحلبي بما يصل أحيانا إلى عشرات الصفحات، وتختلف عن طبعة «المكتبة العلمية» ببيروت، فتجد موضوعًا بطبعة دار المعارف المصرية ص٢٠ من الجزء الأول مثلًا من ابن كثير «البداية والنهاية»، موجودة في طبعة بيروت ص١١ من الجزء الأول، ناهيك عن الطبعات الشعبية التي بدأتها مصر بدار الشعب في الستينيات من القرن الماضي، على هيئة تشبه المجلات الكبيرة تيسيرًا لسعر الكتاب مقسطًا على حلقات، تختلف فيها أرقام الصفحات بالكلية عن مثيلها الذي أصدرته دور إسلامية حديثة في البلد نفسه؛ لذلك يكون مستحيلًا أن تجتمع مراجع ومصادر تم جمعها منذ حوالي ثلاثين عامًا وما توافر حينذاك من طبعات، وهو مختلف عما أضيف منذئذ إلى اليوم من كم هائل إلى المكتبة العربية من المصادر الإسلامية ذاتها بطبعات متتالية، وإن هذا الجمع قد تم وفق الخطة الموضوعة الخاصة بالباحث وحده لتحقيق أهداف ترصدها الخطة وتسعى إليها، هذا مصدر قديم وهذا مصدر حديث وهو الكتاب نفسه باختلاف زمني وباختلاف الناشرين، وهذا مصدر لبناني وذاك مصدر سعودي الطباعة، لذلك يصبح مستحيلًا على أي باحث أن يزعم أنه رجع إلى المراجع ذاتها في الطبعات ذاتها التي جمعها باحث آخر والتي لا تجتمع إلا لواحد، هو من جمعها في الأجزاء نفسها وفق أرقام الصفحات نفسها والطبعات نفسها. لا شك أن المراجع والمصادر متاحة للجميع، لكن من يعتمد طبعة سورية ستختلف بين يديه الصفحات والأجزاء عما في الطبعة الأردنية للمصدر ذاته، ولأن جمع الباحث لهذه الكتب أثناء البحث يعتمد الصدفة البحتة، حسب الموجود أمامه في المكتبة من كتب لها دور نشر مختلفة، فقد يأخذ الباحث طبقات ابن سعد طبعة مصرية، ويأخذ الطبري طبعة لبنانية، ويأخذ النسفي طبعة من دار الشعب المصرية، ويأخذ سيرة ابن هشام بطبعة سعودية حسبما توافر أمامه، فإن لم يرد عند صاحبنا السارق سوى هذه المصادر في الترتيب ذاته والصفحات ذاتها والطبعات ذاتها التي كانت تتوافر منذ ثلاثين عامًا؛ فإنه يكون سارقًا فاجرًا لا محالة.

(٢) أسلوب جمع المادة العلمية

يعتمد جمع المادة العلمية على خطة البحث وخطواتها وأهدافها، إضافة إلى المنهج المستخدم فيها، فمنهج الاستدلال الرياضي يبدأ بفرض الفروض لحل المشكلة الماثلة أمام الباحث، ومن ثَم يأخذ بجمع المادة العلمية المتعلقة بهذه المشكلة بالذات من مصادرها ومراجعها لتشكل له مادة خامًا يدعم بها فروضه، ويستخدمها أيضًا كقرائن وبراهين على وجهة نظره التي يريد أن يصل إليها في البرهان، وهو عادة المنهج الذي أستخدمه كأسلوب عرض للمادة المجموعة وإعادة ترتيب عناصرها حسب الأهداف المرصودة، ثم أعمد إلى المنهج المادي التاريخي (المشهور بالماركسي) الذي أستخدمه كأسلوب عمل وفحص لمكونات النص وعلاقته بزمنه وبيئته واقتصاده وشكله المجتمعي ونطاقه السياسي … إلخ، ثم أعمد إلى تفسير النصوص لتنطق بالمخفي وراءها من أحداث حدثت في واقع الأرض، وبعد حشد المادة يتم تصنيفها وترتيبها ليلحق كل منها بالأبواب المرصودة في خطة البحث. ومثل هذه الطريقة اختيار خاص تمامًا، فلم يحدث أن جمع باحث في الإسلاميات بين المنهج المادي التاريخي (الذي يتضمن بالضرورة التطورية الدارونية) وبين المنهج الرياضي في آن واحد، مع حشد المادة التي تتناسب والمنهجين معًا ناهيك عن تصنيفها وتبويبها لتتلاءم مع الخطة والمنهجين، لتصبح إبداعًا متفردًا بذاته لا يستطيع زاعم أن يزعمه. فلا يوجد في المكتبة الإسلامية بطولها وعرضها كتابات توافرت فيها هذه الشروط والخصائص سوى كتابات سيد القمني وحده، باختياراته التي تختلف عما هو معتاد من اعتماد منهج واحد في البحث العلمي، والانتماء إلى مدرسة بعينها. هو خلق جديد لم يكن له وجود سابق، ولا تعرفه المكتبة العربية، فإن كرره أحد؛ فإنه سيكون باليقين القاطع مرتكبًا لجريمة السرقة في فعل فاضح علني، وبهذا تكون جريمته لونًا من ألوان الاغتصاب الفكري وهو من الجرائم الكبرى المنكرات، فأن تسرق دولارات أو دنانير أمر، أما أن تسرق فكر وروح إنسان فهو الجريمة في أبشع معانيها.

(٣) أسلوب استخدام المادة العلمية

عند الاستعانة بالمادة الموجودة في المكتبة التراثية الإسلامية، يمكن للباحث البارع أن يستكمل الرواية نفسها من أكثر من مصدر، فيأخذ الرواية نفسها من ابن هشام وابن حبيب والحلبي مثلًا، ليثبت أولًا لقارئه المتخصِّص أنه لم تفته المصادر الأخرى للرواية، أما الباحث الأذكى فهو الذي يقع على تفاصيل متناثرة غير مكررة بين الروايات مما يجعلها غير معلومة لعامة الباحثين، فتشكل كشفًا برهانيًّا يدعم به رؤيته، ولكن لهذه العلمية شروط وضعها لنا علماء منهج البحث العلمي، يجب الالتزام بها بصرامة لا تقبل احتمالًا.

فعند إيراد نص يستشهد به الباحث يجب أن يضعه كما هو في المصدر دون أي تدخل من جانبه حتى لو كان به أخطاء طباعية، وأن يضعه داخل علامات تنصيص، ليفرق القارئ بين كلام الباحث وكلام النص المدمج في متن عمل الباحث.

ولكن للباحث هنا حقوقه إزاء تعامله مع النص، فلو كان النص مطوَّلًا، وهو المعهود في المكتبة الإسلامية، وفيه إضافات عن شئون أخرى تخرج عن مراد الباحث، فله أن يقفز على هذه الإضافات، شرط أن يضع مكانها نقاطًا أفقية هكذا «…» ليفهم القارئ أن الباحث قد أسقط هنا عمدًا جزءًا من النص ليرجع إليه إن شاء، لكن بشرط ألا يكون منتقيًا لما يوافق هواه مهملًا ما يخالف هذا الهوى، بمعنى ألا يقتطع من السياق ما قد يناقض هدف النص الأصلي، كما في القول لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وإهمال وَأَنْتُمْ سُكَارَى.

وعلى الباحث أن يرصد في حاشية بحثه المعلومات الكاملة للمصدر الذي استقى منه النص، وهي على الترتيب الصارم كالآتي: اسم المؤلف، اسم المحقق إذا كان للكتاب محقق، اسم دار النشر التي نشرت الكتاب، تاريخ نشر الكتاب ويسمى تاريخ الطبعة لاحتمال طباعته عدة مرات في دار النشر نفسها فتختلف الصفحات بين طبعات الكتاب، اسم البلد الناشر: بيروت، القاهرة، لاهور … إلخ، رقم المجلد إذا كان هناك أكثر من مجلد، رقم الجزء إذا كان ثمة أكثر من جزء، رقم الصفحة، وفي حال تكرر المرجع ذاته بالبحث تتم الإشارة إليه موجزه كالآتي: «سبق ذكره، صفحات كذا.» وغير هذا الترتيب خطأ منهجي يؤاخذ عليه الباحث المحترم.

(٤) حقوق الباحث إزاء المصادر

للباحث الحق في اختصار سرد مطول لو زاد النص المُراد اقتباسه على واحدة، وأن يكتبه بأسلوبه ملخصًا، شرط ألا يهمل أسسه وأعمدته وأهدافه أو أي عنصر هام أصيل بالنص، وفي هذه الحال لا يضع علامات تنصيص، وعندما يشير في الحاشية إلى المصدر يبدأ بقوله: انظر كتاب كذا لفلان؛ أي سيتغير ترتيب الحاشية ونبدأ بعنوان الكتاب لا باسم المؤلف، ليفهم القارئ من عدم التنصيص ومن عبارة «انظر» أن الكلام ليس نصيًّا إنما أورده الباحث بتصرف.

وأحيانًا يحتاج النص إلى شرح وتوضيح داخل متنه؛ لذلك يجب أن يكون التوضيح سريعًا في كلمة أو كلمتين أو جملة قصيرة، وفي هذه الحال يضع كلامه بين أقواس هكذا: () أو بعلامات الجملة الاعتراضية هكذا — — وأن يضيف كلمة: الباحث، أو: المؤلف، لنهاية جملته بعد القاطع؛ ليميز كلامه المدمج بمتن النص، عن بقية النص.

ولأن الشيخ سلامة طفيلي حشري وعيهور في الوقت نفسه؛ فإنه لا يعلم بكل هذا؛ لأنه لا هو باحث ولا هو كاتب ولا هم يحزنون، هو واحد عابر سبيل ممن استهوتهم العلمانية وقيمها في الحقوق والحريات، كاستهواء الخمر ونشوتها أو استهواء الرقص والانفلات الخلقي الجرمي، متصورًا أن العلمانية هي إباحة تامة لكل القيم، رغم تكراره عبارات الفخامة والإحاطة، كقوله المتكرر: سبق وأن تمكنا، وكما قلنا في بحثنا السابق، مستندين إلى أهم المصادر والمراجع المعروفة لنا، سنقدم هنا الأدلة والبراهين من أمهات الكتب الإسلامية … إلخ … إلخ! صاحبنا لا يعرف معنى النقاط الأفقية، ولا وظيفتها، ولا إلى ماذا تشير، ولا يعرف سبب علامات التنصيص ولا وظيفتها، فيخلط كلامي الشخصي بكلام النص المصدري ويسوقه إلينا راجعًا إلى المصادر في حاشيتي بكتابي صفحات وأجزاء، وما كنت أسقطه من نصوص هو لعدم حاجتي إليه في بحثي، وأضع بدلًا منه نقاطا أفقية تأتي عنده كذلك في المواضع ذاتها، إنه يهمل ما أهمله سيد القمني بالكلمة والحرف وعدد الأسطر، ولم يخطئ الرجل ولو مرة واحدة في النقل الأمين والسرقة بفعل علني فاضح، ويصادف أن تجتمع عنده مصادري التي جمعتها عشوائيًّا حسبما توافر أمامي منذ ثلاثين عامًا من طبعات مختلفة البلدان، فهذه لبنانية وأخرى تونسية وثالثة مصرية ورابعة سعودية وخامسة باكستانية وسادسة عتيقة (مصرية فقط) كطبقات ابن سعد الصادرة عن دار الشعب في مصر، ودار الريان، ولا تتوافر لغيرنا لكون الأولى مدعومة من الحكومة المصرية، والثانية مدعومة من بيوت الأموال الإسلامية، ومع ذلك تجد عنده المصادر نفسها والأجزاء نفسها والصفحات نفسها.

القبض على اللص متلبسًا

في الموضوع الأخير الذي ينعى فيه اللص الخائب والرقيع على سيد القمني خوفه وتردده بدلًا من شكره على موقفه النبيل وعدم رغبته في فضحه، وليستمر في فجره بسرد وقائع غزوة أحد، ويستشهد بالنص بأقواس لا بعلامات تنصيص فهو لا يعلم وظيفة أي منهما، يقول: «لما أصيبت (صوابها أُصيب) يوم بدر من كفار قريش أصحاب القُليب، ورجع فلهم إلى مكة … مشى … رجال من قريش ممن أصيب آبائهم وأبناؤهم. (لاحظ الأخطاء القاعدية النحوية التي لا يرتكبها تلميذ مرحلة أولى، إنه ينقل نقلًا ومع ذلك يخطئ) وإخوانهم من قريش، فقالوا: يا معشر قريش، إن محمدًا قد وتركم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه، لعلنا ندرك منه ثأرًا، ففعلوها فاجتمعت قريش لحرب رسول الله حين فعل ذلك أبو سفيان وأصحاب العير بأحابيشها، ومن تابعها من بني كنانة وأهل تهامة وخرجوا بالظعن — أي النساء — التماس الحفيظة، وألا يفروا» (ابن كثير، البداية والنهاية، ج٤، ص١١ و١٢). وحتى يدقق القارئ أضيف له ما ورد عندي في الحاشية من معلومات النشر كي لا يذهب لطبعة أخرى مختلفة. الناشر دار الكتب العلمية، وبلد النشر بيروت، الطبعة الرابعة الصادرة سنة ١٩٨٨م، ص١١و ١٢.

الفواصل بالنقاط في كلام السيد الحرامي عددها ثلاثة فواصل، الفاصل الأول أهملت فيه «ورجع أبو سفيان بعيره» ووضعت بدلًا منها هذه النقاط لأني سبق وحكيت عن موضوع أبي سفيان، فقمت بإسقاطها ووضعت النقاط محلها، والفاصل الثاني أهملت فيه ما ورد عند ابن كثير: «عبد الله ابن أبي ربيعة وعكرمة ابن أبي جهل وصفوان بن أمية»، وهو ما فعله الحرامي بدوره، والفاصل الثالث، أهمل سطورًا طويلة عددها ستة عشر سطرًا حتى «وخرجوا معهم بالظعن — النساء — التماس الحفيظة وألا يفروا»، وهي السطور ذاتها التي أهملها الشيخ سلامة حرفًا حرفًا وكلمة كلمة، وكلمة النساء هنا ليست في نص ابن كثير إنما تعبير شارح من عندي؛ لذلك وضعتها بين شرطتين داخل نص ابن كثير ككلمة اعتراضية من الباحث شارحة لمعنى الظعن، وهو ما أخذه صاحبنا محتسبًا إياه من كلام ابن كثير.

تعالوا ننتقل نقلة أخرى داخل الموضوع ذاته وما كتبه حول اغتيال المسلمين لسيد النضير «كعب بن الأشرف» ويروي الرواية التي أخذتها عن ابن كثير، ويهمل ما أهملته نفسه بالتدقيق المبين، لنقرأ معًا النص الذي يزعم أنه أخذه عن ابن كثير بينما هو لا يعلم شكل كتاب ابن كثير يقينًا. يقول الشيخ سلامة نصًّا: «حين قال كعب: أترون أن محمدًا قتل هؤلاء؟ … فهؤلاء أشراف العرب وملوك الأرض! والله لئن كان محمد قد أصاب هؤلاء القوم، لبطن الأرض خير من ظاهرها» (ابن كثير، ج٤، ص٨). ولو رجعنا إلى النص الأصلي بكتاب ابن كثير ص٨ لن نجد هذا الكلام بالمرة، فهناك حكاية أخرى، إنما سنجده ص٧ نهاية الفقرة الأولى وسنجده غير ذلك بالمرة؛ فالنص هو: «وقال محمد بن إسحاق كان من حديث كعب بن الأشرف وكان رجلًا من طيء أحد بني نبهان، وأمه من بني نضير، إنه لما بلغه الخبر عن مقتل أهل بدر حين قدم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة، قال: والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها.»

فمن أين أتى الحرامي بهذا الكلام؟ أتى به من كتابي حروب دولة الرسول الجزء الثاني ص٢٤٠، وقد أخذته عن السهيلي في شرح وتفسير السيرة النبوية لابن هشام في كتابه «الروض الأنف»، طبعة دار المعرفة، بيروت، عام ١٩٧٨م، المجلد الثالث، ص١٣٩ و١٤٠، فكيف نسبها الشيخ سلامة لابن كثير؟ لأنه أخطأ النظر في حاشية كتابي فسجل الهامش الثاني بدلًا من الأول كمصدر وقال إنه: «ابن كثير البداية والنهاية، ج٤، ص٨»، بينما هو في الروض الأنف للسهيلي. حتى علامات التعجب والاستفهام التي وضعتها في سياق هذا النص أو غيره، وضعها في المكان ذاته، ولم تكن في أصل النص لا عند السهيلي ولا ابن كثير ولا ابن أي أحد! هي عند ابن القمني فقط.

ويستكمل نقلًا عن السهيلي، وهو لا يعرف قطعًا من هو السهيلي، ليقول: «إن رسول الله قال: اللهم اكفني ابن الأشرف، فقال له محمد بن مسلمة: أنا يا رسول الله أقتله، فقام محمد بن مسلمة منقلبًا إلى أهله، فلقي سلكان بن سلامة … فقال له محمد بن مسلمة إن رسول الله قد أمرني بقتل ابن الأشرف، وأنت نديمه في الجاهلية ولن يأمن غيرك فأخرجه إليَّ لأقتله .. فخرج سلكان .. إلخ».

وبالرجوع إلى السهيلي (سبقت الإشارة لمعلومات النشر) مج٣ ص٢٠٠ في الجزء الثالث ستجدها كلها قصيدة شعرية لا علاقة لها بالموضوع من قريب أو بعيد، ويضيف مصدرًا إضافيا موجودًا في حواشي كتابي ص٢٤١ هو «البيهقي ج٣، ص١٩١، ١٩٢» وهو المصدر السليم، أما المصدر الذي أشار إليه عند السهيلي فخطأ مطبعي ورد عندي على السطر ذاته الوارد عند البيهقي، فنقله عني كما هو، أما المسافات المنقوطة فمكانها في النص خمسة أسطر أهملتها فأهملها بدوره في الصفحات ١٨٩ و١٩٠ بالتحديد من كتاب البيهقي: دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، توثيق د. عبد المعطي قلعجي، نشر دار الريان للتراث، القاهرة، الطبعة الأولى، سنة ١٩٨٨م.

وروى أربعة أبيات من الشعر للصحابي كعب بن مالك شماتة بمقتل كعب بن الأشرف، كنت قد انتقيتها من السهيلي من بين الأبيات التي قيلت في هذه المناسبة، ومن قصيدة من بين ٧ قصائد من المطولات، واخترت القصيدة المذكورة ص٢٤٤ من الجزء الثالث وعدد أبياتها عشرون بيتًا، واخترت من العشرين بيتًا ما يناسب خطتي وأهدافي وحسي الفني الشعري وما يناسب ذوقي. أبيات أربعة ترتيبها في القصيدة من البيت الحادي عشر إلى الرابع عشر، وهي الأبيات ذاتها التي استشهد بها صاحبنا دون بقية القصيدة وكل القصائد الأخرى، الرجل يعرف حتى مزاجي الشعري وما يرضي ذائقتي منه.

يتابع الأستاذ المقدام المادي وينقل عني قول البيهقي: «وكان كعب يُكنى أبو نائلة، فقالت امرأته: لا تنزل يا أبا نائلة إنه قاتلك، فقال ما كان أخي يأتيني إلا بخير، ولو يدعى الفتى لطعنه لأجاب … وأدخل سلطان يده في رأس كعب … إلخ.» محل النقاط الأفقية كنت أهملت خمسة أسطر لألتزم خطتي، ففعل الشيخ سلامة الفعل ذاته.

يتابع: «فلم يزالوا يتخللونه بأسيافهم حتى طعنه أحدهم في بطنه بالسيف خرج منها مصرانه، وخلصوا إليه فضربوه بأسيافهم … فقتل الله عز وجل ابن الأشرف.» ومكان هذه النقاط كنت قد أهملت ستة أسطر لا تشغل خطتي، واستبعدها بدوره كاملة من أول كلمة لآخر كلمة، وبدأ كلامه من حيث بدأت وانتهى إلى حيث انتهيت.

لنذهب إلى موضوع آخر من مطولات الشيخ سلامة هو «الأسلمة والإرهاب ٢»، بنظرة سريعة فقد طال الموضوع على القارئ، يحكي لنا — من كتابي طبعًا — حكاية غزوة قينقاع وأسرهم وعزم النبي على قتلهم، ولكن ليتدخل حليفهم في زمن الجاهلية عبد الله بن أُبي ابن سلول الأنصاري، ليمنع عنهم القتل، يقول: «فقام مخاطبًا محمد: يا محمد أحسن في مواليي، فلم يرد عليه النبي، فقام يكرر، ومرة أخرى يعرض عنه النبي، فيأخذ الغضب بعبد الله حتى يدخل يده في جيب درع الرسول يمسكه من لحمه الشريف وهو يقول: يا محمد أحسن في مواليي — كتبها كل مرة موالي خطأ وربما هو لا يعلم معناها — حتى غضب النبي غضبًا شديدًا، ورؤي لوجهه ظلل وهو يقول لعبد الله: ويحك، أرسلني، أرسلني، بينما ابن سلول لا زال ممسكًا به ويقول: لا والله لا أرسلك حتى تحسن في مواليي، أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود من الناس، وتحصدهم في غداة واحدة؟ إني والله امرؤ أخشى الدوائر! وهنا قال له النبي: هم لك» (الطبري، ج٢، ص٤٨٠).

ولأن الرجل لا يعرف معنى علامات التنصيص، لم يلحظ أني لم أضع على هذا الكلام هذه العلامات؛ وهو ما يعني أني سأرويها على طريقتي، فظنها نص كلام الطبري وأوردها منسوبة إليه نصًّا، بينما هي نص كلام القمني في كتابه «حروب دولة الرسول»، وليست نص كلام الطبري في كتابه «تاريخ الأمم والملوك»، طبعة دار الكتب العلمية بيروت، المجلد الثاني، ص٤٩، حيث يقول: «رجع الحديث إلى ابن إسحاق عن عاصم بن قتادة، قال: فحاصرهم رسول الله حتى نزلوا على حكمه، فقام إليه عبد الله بن أُبي ابن سلول حين مكنه الله منهم، فقال: يا محمد أحسن في مواليي — وكانوا حلفاء الخزرج — فأبطأ عليه النبي ، قال: فأدخل يده في جيب رسول الله فقال رسول الله : أرسلني، وغضب رسول الله حتى رأوا في وجهه ظلالًا — يعني تلونًا — ثم قال: ويحك أرسلني، قال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن في مواليي، أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني من الأسود والأحمر تحصدهم في غداة واحدة، وإني والله لا آمن وأخشى الدوائر، فقال رسول الله : هم لك.»

وسيلحظ القارئ هنا أن مرجعي بكتابي كان نعم الطبري، لكنه كان طبعة قديمة تركتها بقريتي بعد نزوحي للقاهرة وهي المعتمدة بكتابي «حروب دولة الرسول»؛ لذلك اشتريت طبعة جديدة، لكن صاحبنا وللغرابة الشديدة علم بالطبعة القديمة مثلي تمامًا، والتي جاء فيها الموضوع بالجزء الثاني، ولكن ليس كما ذكر ص٤٨٠ لأن هكذا يصل اختلاف الصفحات عن طبعة الطبري اللبنانية التي اشتريتها حديثًا بالمجلد الثاني ص٤٩ بحوالي ٤٣١ صفحة، وهو فارق هائل لا يمكن حدوثه، والسر فيه خطأ مطبعي ورد عندي في حاشيتي عن طبعة دار المعارف القديمة للطبري، فقد جاء رقم الصفحة في الحاشية بزيادة صفر، فبدلًا من ص٤٨ طبعها الطابع ٤٨٠، ويكون الفارق في الأصل بين الطبعتين المصرية واللبنانية صفحة واحدة. ولأن صاحبنا لا يعرف كوعه من بوعه، نقلها كما هي ص٤٨٠، بينما العارف بكتب التراث الإسلامي يستطيع بمجرد التخمين أن يقول لك إن هذه الحادثة بأي باب وربما بأي فصل، وبأي جزء، وما أعلمه فقط بالخبرة، أن ص٤٨٠ بالطبري لا بد أن تكون زمن الفتوحات الكبرى، لكن صاحبنا ينقل أحداثًا حدثت زمن النبوة إلى أحداث زمن الفتوحات الكبرى بغلطة مطبعية حدثت في كتابي أنا بالذات، والمصادر بنصوصها بريئة من هذا الخطأ.

يحكي لنا في الموضوع ذاته عن عملية اغتيال أبي رافع سلام بن الحقيق فيقول عن السرية الإسلامية التي خرج أصحابها لتنفيذ المهمة: «فخرج من الخزرج من بني سلمة خمسة نفر: عبد الله بن عتيك، مسعود بن سنان، عبد الله بن أنيس، أبو قتادة الحارث بن ربعي وخزاعي بن أسود حليف لهم … حتى إذا قدموا خيبر أتوا دار ابن أبي الحقيق ليلًا … ثم يروي راويهم … فلما دخلنا عليه أغلقنا عليه وعلينا الغرفة، فابتدرناه وهو على فراشه بأسيافنا، فوالله ما يدلنا عليه في سواد الليل إلا بياضه، كأنه قبطية ملقاة … وتحامل عليه عبد الله بن أنيس بسيفه فأدخله في بطنه حتى أنفذه. وهو يقول: قطني قطني … إلخ (ابن كثير، مج٤، ص١٣٩–١٤٢)»

بالطبع لا يمكن أن يشكل هذا المقطع أربع صفحات كاملة ص١٣٩–١٤٢ من ابن كثير في طبعته اللبنانية الدُّبل؛ أي أنها في الحجم ضعف الكتاب الجاير العادي مرتين، أي تساوي ثماني صفحات في طبعة مصر. المهم أن نقف مع النقاط الأفقية، والتي أهملت أنا فيها قول ابن كثير طبعة دار الكتب العلمية بيروت ص١٤٠: «ونهاهم (أي النبي) أن يقتلوا وليدًا أو امرأةً»؛ وذلك لأني كتبت في كتابي نقلًا عن المصادر الإسلامية ذاتها أن جيش المسلمين قتل الأولاد في قريظة والنساء في أكثر من موقعة كوقعة زيد بفراره، واعتبرت العبارة تزيدًا من ابن كثير؛ لذلك أهملته وهو ما جاء عنده مهملًا بدوره. أما محل النقاط الثاني فقد أهملت تفاصيل لا تشغل القارئ، ونصها: «فلم يدعوا بيتًا فى الدار حتى أغلقوه على أهله، قال: وكان في علية له إليها عجلة، قال فأسندوا إليها حتى قاموا على بابه فاستأذنوا فخرجت إليهم امرأته فقالت: من أنتم؟ قالوا: أناس من العرب نلتمس الميرة، قالت ذا صاحبكم فادخلوا عليه، فلما دخلنا أغلقنا عليه وعلينا الحجرة.» هذا نص الكلام الذي أهملته، وهو بالتمام والكمال بالحرف ما أهمله الشيخ سلامة رجل العلمانية المقدام.

وقوله: «كأنه قطنة ملقاة» علامة على البياض نقلها عني خطأ؛ لأنها بكتابي: «كأنه قبطية ملقاة»، والقبطية هي صناعة مصرية منسوبة لأقباطها ويسميها العامة قفطانًا، وكانت نسيجًا فاخرًا من الكتان تمكن المصريون القدماء من تحويله إلى حرير أبيض لامع كالنسيج المعروف اليوم بالساتان.

الطريف أني عندما انتقلت من راوٍ إلى آخر داخل النص ذاته قلت هكذا: «… ثم يروي راويهم»، لكن صاحبنا يأخذها كما لو كانت ضمن نص ابن كثير! وينص على أن ابن كثير قد قال: «… ثم يروي راويهم …» وهو ما لم يقله لا ابن كثير ولا ابن قليل، قائله هو سيد القمني.

ومحل النقاط الأخيرة بعد قوله: «كأنه قطنة ملقاة» أهملت نص ابن كثير: «فلما صاحت بنا امرأته جعل الرجل يرفع عليها سيفه ثم يذكر نهي رسول الله فيكف يده ولولا ذلك لفرغنا منها بليل» (ص١٤٠، ج٤)، وهو النص ذاته الذي أهمله صاحبنا بدوره.

يحكي الشيخ سلامة قصة اغتيال أبي عفك عمرو بن عوف، ذلك الشيخ الذي تخطى بعمره القرن من الزمن، فقد خانته قواه ولم يعد قادرًا على مسك دمعة نزلت من عينه، وهو يرى رجلًا مسلمًا آخر يذبح أمام مسجد محمد النبي، وهو الحارث بن سويد بن الصامت، الذي أمر محمد النبي عويمر بن ساعدة بذبحه أمام المسجد بسبب قتله المسلم المجذر بن زياد في فوضى هزيمة أحد انتقامًا لقتله لأبيه في الجاهلية، والحارث هو ابن سويد بن الصامت الذي عُرف بين القبائل العربية بالرشد والحكمة والعقل السديد، وأنه ابن صاحب صحيفة لقمان التي وافق عليها الوحي، فلم يستطع أبو عفك أن يمسك دمعه، فانهمرت الدمعات من عينيه وأرسل نواحه بشعر حزين ينحب ويبكي الحارث ابن صحيفة لقمان، وشيخ بمواصفات ابن عفك (صحها: أبي عفك) حين يرسل نواحه وبكاءه يكون له صدى وأثر نفسي مؤلم في نفوس القبائل العربانية، الذين يقدسون المسنين ويكنون لهم عظيم الاحترام وأقدسه؛ مما أوجع قلوب الناس، وكان شعره باكيًا حزينًا، أورد البعض منه السهيلي نقلًا عن ابن هشام المعتمد على سيرة ابن إسحاق … يذكر خمسة أبيات من الشعر ومرة أخرى نغض عن الأخطاء النحوية الكارثية لنعود إلى السهيلي ص٢٤٤ مج٤ كما قال: فلا نجد من كل هذا سوى الآتي: «سرية سالم بن عمير لقتل أبي عفك: قال ابن إسحاق: وغزوة سالم بن عمير لقتل أبي عفك أحد بني عمرو بن عوف ثم من بني عبيدة، وكان قد نجم نفاقه، حين قتل الله الحارث بن سويد بن صامت، فقال: ويذكر الأبيات.»

فمن أين لصاحبنا برواية طويلة عريضة يحتسبها نصًّا وينسبها إلى السهيلي؟ الحق أقول لكم إن الرجل لأول مرة يبذل جهدًا؛ لأن الكلام كلام سيد القمني ويرتبط بسياق سابق بكتابي يتحدث عن صحيفة لقمان وصاحبها، ولكنه اجتهد في محاولة استبدال عدة ألفاظ بألفاظ أخرى مرادفة للمعنى، فشوه جماليات نص كلامي الذي ورد بكتابي حروب دولة الرسول ج٢ ص٢٩٦ حيث يقول سيد القمني: ثم انطلق سيف الإسلام داخل يثرب، يعمل لإسكات أي لون من ألوان الاستهانة بالدولة، وهي الاستهانة والمعارضة التي يمكن أن تشكل كارثة لدولة عسكرية في زمن حرب. وهو ما نقرؤه في قصة اغتيال أبي عفك عمرو بن عوف، ذلك الشيخ الذي تخطى بعمره من الزمان قرنًا، فلم تبقَ لديه قوى تمكنه من إمساك دمعه، واستمرار تجلده، وهو يرى مسلمًا آخر هو الحارث بن سويد بن الصامت وهو يُذبح بباب المسجد النبوي، وهو ابن سويد بن الصامت الذي عرف بين العرب بالحكمة، وبأنه صاحب صحيفة لقمان التي وافق عليها الوحي القرآني، فانهمر دمع أبي عفك مرسلًا شعره نحيبًا باكيًا الحارث بن صاحب صحيفة لقمان، ورجل في عمر أبي عفك إن أرسل نواحه في الفيافي بين العربان، الذين يقدسون المسنين ويعبدون الأسلاف ويحنون الهامة للمعمَّرين، لا يتركها إلا بقلوب كليمة موجوعة جزعة، وهو الشعر الباكي الذي جاءنا خبر منه في رواية ابن إسحاق «هنا فتحت علامات التنصيص لأذكر النص». «وعن غزوة سالم بن عمير لقتل أبي عفك أحد بني عمرو بن عوف ثم بني بن عبيدة، وكان قد نجم نفاقه حين قتل رسول الله الحارث بن سويد بن الصامت». «هنا أغلقت علامات التنصيص لأستطرد في كلامي». وإشارة ابن إسحاق إلى نفاق الرجل تشير إلى أنه كان حتى قوله ذلك الشعر مسلمًا، وما نافق إلا بتلك البكائية التي يقول في طرف منها «الأبيات الأربعة»، (ص٢٩١، ٢٩٢، كتاب الإسلاميات حروب دولة الرسول).

خلط الرجل حديثي خارج علامات التنصيص بحديث السهيلي عن ابن إسحاق داخل علامات التنصيص لأنه لا يعرف وظيفتها وتصورها جميعًا نصًّا واحدًا ورد عند السهيلي بشكله هذا.

لو أخذت أُعدِّد لما فرغت؛ فالرجل نقل كل كلامي ونسبه لنفسه بشديد البساطة والغباء معًا، أختم هنا بفقرة أخيرة يحكيها من كتابي المذكور عن أحداث غزوة قريظة، فيقول: «وكاد ينجو من المقتلة رجل من أشراف قريظة، لولا رغبته هو في الموت ذبحًا، هو أبو عبد الرحمن بن الزبير بن باطا القرظي، وكان يوم وقعة بُعاث قد منَّ على ثابت بن قيس وخلَّى سبيله، فلما أصبح ثابت مسلمًا رأى أن يرد الدين إلى أبي عبد الرحمن، فذهب بحكايته القديمة ودينه بالحياة يرويها للنبي ويطلب حياة أبي عبد الرحمن، فمنحه إياها، وذهب ثابت يبشر أبا عبد الرحمن بالحياة، ليدور بينهما الحوار التالي:

أبو عبد الرحمن : أي ثابت، ما فعل الذي كان وجهه مرآة صينية تتراءي فيها عذارى الحي كعب بن أسد؟
ثابت : قُتل.
أبو عبد الرحمن : فما فعل سيد الحاضر والبادي حيُّ بن أخطب؟
ثابت : قُتل.
أبو عبد الرحمن : فماذا فعل مقدمتنا إذا شددنا وحاميتنا إذا كررنا عزال بن السمول؟
ثابت : قُتل.
أبو عبد الرحمن : فما فعل المجلسان (يعني كعب بن قريظة وابن عمرو بن قريظة)؟
ثابت : ذهبا، قُتلا.
أبو عبد الرحمن : فإني أسألك بيدي عندك يا ثابت، ألا ألحقني بالقوم، فوالله ما في العيش بعد هؤلاء من خير، فما أنا بصابر لله قبله ولو نضح، حتى ألقى الأحبة. وهنا أخذه ثابت من يده وأوقفه في طابور المذبحة ليأخذ دوره، فضربت عنقه.» (الطبري، ج٢، ص٥٨٩ و٥٩٠).

وإليكم الصفحة ١٠٢ من الجزء الثالث طبعة دار الكتب العلمية ببيروت، ستجدون رواية فيها العناصر نفسها، لكني بكتابي صنعتها على طريقتي وصنعت الحوار والديالوغ المسرحي ووضعت الشخوص المتحاورة بين ثابت وصديقه اليهودي القرظي أبي عبد الرحمن، فلا يوجد حوار كهذا في كتبنا التراثية السردية ولا غير التراثية.

أما المدخل التقديمي لهذا النص فكله صنعتي وحدي وختامه صنعتي وحدي، ولن تجدها لا عند الطبري ولا غير الطبري، ستجدها عند سيد القمني فقط، ثم من بعده عند الشيخ سلامة.

إن كل ما شغل الشيخ سلامة هو أن يجمع أكبر حشد ممكن من الأدلة الوثائقية لتأكيد أن النبي محمد كان مجرد أفَّاق، وأنه شيخ منسر وقتَّال قتلا، وزير نساء، فقط! لذلك لم ينشغل — وربما لم يفهم — القراءة التاريخية المجتمعية السياسية الاقتصادية التي هي الموضوع والأساس في العمل كله، وبدلًا من أن يذهب إلى المكتبات يجهد نفسه ليجمع ما يريد من مادة، فتح كتابي وجلس أمامه ينقل وينسخ وينشر، وينعى على سيد القمني تردده وخوفه، فإذا كانت تلك أغراض صاحبنا فما أغباه هدفًا وما أتعسه مسعى وما أسخفه موقفًا، انشغل فقط بحشد أخطاء محمد، بينما أي إنسان سواء أكان نبيًّا أم ملكًا إنسانًا عاديًّا، له من الأخطاء ما لو جلسنا نرصدها لناءت بها الكتب، أو كما لو كانت مهمة العلماني هي سب الأنبياء والتنقص منهم دون مؤهلات أخرى. إن هذا الاختيار كمن يختار أن يسرق أو يسير في الشارع عاريًا متصورًا أنه هكذا قد أصبح علمانيًّا! لذلك فإن البحث عن المفروض والتدليل على المعلوم هو عمل عبثي، مكان صاحبه الطبيعي بين فاقدي العقل والفهم والتمييز، بين الغنم.

(٤-١) سادتي إدارة الحوار المتمدن

بغض النظر عن القيمة الفكرية لكاتب من الكتاب حتى نحترمه أو نقدره أو نتطاول عليه، فإني قد أعلمتكم بالخلل، وتسترت على الرجل وطلبت منكم التستر معي عليه ليتوقف عن عبثه، ورغم ذلك سمحتم له أن يستمر، بل وأن يسبق موضوعه الجديد بالتطاول على شخصي المتواضع، وهو آخر موضوع نقله حديثًا بعد الشكوى التي وافيتكم بها (لاحظت خلال الأيام الماضية أن الرجل وصل في غزوة أحد إلى الحلقة الثامنة أو التاسعة نقلًا عن كتابي)؛ أي نشرتم له رغم شديد وضاعته وإساءته إلى كل الفريق العلماني بعبثه الصبياني، رغم شرحي لكم ذلك، بدلًا من الحمد والثناء على رجل مسروق علنًا وفضَّل الستر على السارق.

لهذا لا أرى أن الحوار المتمدن بموقفه هذا وسماحه بذلك أهلًا لكتاباتي، التي تتساوى عنده مع كائن من هذا النوع الحشري الطفيلي والإجرامي الذي يتغذى بفكر الآخرين ويغتصب بنات أفكارهم علنًا، ويتم السماح له بذلك.

(٤-٢) سادتي قرَّاء الحوار المتمدن

لكم عظيم احترامي وإجلالي وإصراري على أني مجرد نفر متواضع بدون رتب بينكم، وأنتم أهلي وناسي وتعرفون أين تجدون كتاباتي.

شكرًا سيدي الحرامي، شكرًا سادتي (إدارة الحوار المتمدن) المشاركين للحرامي الوضيع في جريمته، وشكرًا قرَّائي لصبركم على هذا الموضوع المثير للأسف والحزن والقرف معًا.

تم فصل شاكر الشيخ سلامة من الحوار المتمدن واستمر القمني يكتب لهم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤