الفصل الخامس

بعض خواص الفنون الإسلامية

كراهية الفراغ

وتتجلى في ميل الفنانين المسلمين إلى تغطية المساحات، وهربهم من تركها بدون زينة أو زخرفة، فإن من أكثر ما يلفت النظر في العمائر والتحف الفنية الإسلامية ازدحام الزخرفة وكثرتها واتصالها حتى تغطي المساحة كلها أو جزءًا منها؛ ولذا كانت الفنون الإسلامية فنونًا زخرفية قبل كل شيء، وكانت فضلًا عن ذلك أعظم الفنون خصبًا في الزخرفة. ويعبر الغربيون عن هذه الظاهرة في الفنون الإسلامية بالاصطلاح اللاتيني Horor vacui أي الفزع من الفراغ.

الزخارف المسطحة

فالنتوء والبروز نادران في الرسوم الإسلامية؛ إذ انصرف الفنانون عن التجسيم إلى تغطية المساحات برسوم سطحية، ولكن التلوين والتذهيب خففا من وطأة هذا النقص.

البعد عن الطبيعة

لم يعمل الفنانون المسلمون على صدق تمثيل الطبيعة بقدر ما كانوا يرسمون الأشياء كما يصورها لهم خيالهم، فطغت على فنونهم الاصطلاحات والأوضاع المبتكرة. ولعل هذا البعد عن الطبيعة ناتج من أن الإسلام ورث التقاليد الفنية البيزنطية، بعد أن كانت بيزنطة نفسها — بتأثير المسيحية — سارت في الاتجاه الذي أتمه الإسلام بعدها، وهو البعد عن الدقة في تمثيل الطبيعة، والتخلص من تقاليد الفن الإغريقي في هذا الصدد، فالمعروف أن الفن البيزنطي فقد جزءًا كبيرًا مما كان في الفن الإغريقي من تمثيل الأشياء كما هي بدون غلو ولا تجميل، فلما جاء الفن الإسلامي سار في الطريق نفسه، وكان نفور المسلمين من تقليد الخالق أكبر مشجع على عدم الرجوع إلى الأساليب الفنية الإغريقية القديمة.

التكرار

فالمُشاهَد أن الموضوعات الزخرفية تتكرر على العمائر والتحف الإسلامية تكرارًا يلفت النظر، وإننا لنرى ذلك في الموضوعات التي يرسمها المصور الفارسي في المخطوطات، وفي الزخارف الهندسية التي تعم التحف الخشبية في العصر المملوكي، وفي زخارف الخزف الفارسي والتركي والفاطمي، وفي الزخارف التي تسود العمائر الإسبانية المغربية، وفي سائر التحف الإسلامية على الإطلاق. وحسبنا أن نذكر هنا بعض الرسوم التي اعتدنا رؤيتها في الفنون الإسلامية: الأرابسك – الرسوم الهندسية – الحيوانات المتواجهة أو المتدابرة وقد يكون بينها شجرة الخلد الفارسية (هوما) – الطيور ولا سيما الطاووس والأرنب وقد يكون في منقار الطائر فرع نباتي ينتهي برسم وريدة أو ورقة نباتية – إناء يخرج منه جذع يتفرع إلى اليمين واليسار – النسر وقد يكون له رأسان كالنسر الذي أصبح رنكًا أو شارة لسلاطين السلاجقة في القرن الثاني عشر، ثم اتخذه من بعدهم قياصرة الدولة الرومانية المقدسة في القرن الرابع عشر – السلطان على عرشه وإلى جانبه بعض أتباعه كما يُرى في الصور الفارسية وعلى الخزف ذي الألوان المتعددة من صناعة مدينة الري في إيران – بهرام جور على فرسه يرمي حمار الوحش بسهم واحد فيثبت قدمه بإحدى أذنيه – الأمير جالس القرفصاء وفي يده كأس … إلخ.

الرسم التوضيحي والصور الصغيرة

عُني المسلمون ولا سيما الفرس والهنود ثم الترك بتوضيح بعض الكتب الأدبية، وتزيين دواوين الشعر بالصور الصغيرة. وأقدم ما وصل إلينا من هذه الصور يرجع إلى نهاية القرن الثاني عشر، وأغلبه توضيح لحكايات كلية ودمنة، أو لحيل أبي زيد السروجي في مقامات الحريري، ثم تقدمت صناعة التصوير عند الفرس، وازدهرت المدرسة الفارسية التترية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، ثم المدرسة التيمورية في القرنين الرابع عشر والخامس عشر. وظهر في آخرها بهزاد سيد مصوري الفرس على الإطلاق. أما المدرسة الصفوية في القرنين السادس عشر والسابع عشر فقد نبغ من المصورين فيها سلطان محمد، وإليه تنسب صورة فيها دعابة وحركة وخفة روح، وهي صورة في مخطوط من ديوان حافظ، وتمثل منظر شراب تدار فيه الكئوس، فيشرب فيها بعض الحاضرين، ويرقص آخرون، ويتدحرج البعض على الأرض ويترنح من أسكرتهم الخمر، وينظر شيخ في مرآة في يده، بينما يُطرِب الجميعَ موسيقيون بينهم ثلاثة لهم وجوه تشبه وجوه القردة. وفي طرف الصورة حديقة تطل عليها شرفة وقف فيها رجل في يده حبل طويل يتدلى إلى الساقي، يُربط فيه إبريق من الخمر (شكل ٧-٢٠).

ثم جاء عصر الشاه عباس وخلفائه منذ أواخر القرن السادس عشر، وأقبل الفنانون الفرس على رسم الصور المستقلة؛ إذ إن ظهور التأثير الأوروبي في منتجاتهم صحبة خروجهم من ميدان المخطوطات وتصويرها وتهذيبها إلى تزيين الجدران، ونقش الصور الكبيرة.

وليس هنا مجال البحث في مزايا كل مدرسة من مدارس التصوير الفارسي، فحسبنا أن نلفت النظر إلى تلك الصورة، وأن نذكر أنها وحيدة في بابها، وأن في كثير منها من قوة التفكير، وحسن الإبداع، وجمال الألوان ما يشفع في تقاليدها الوضعية وخيالها الواسع، ولكن علينا إذ أردنا أن نتذوق بدائعها ألا نقارنها بما أنتجه مصورو الغرب ومَن نسج على منوالهم؛ لأن لكل طراز من هذين الطرازين مزاياه وعيوبه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤