سابعًا: الصلاح والأصلح، الغائية والعلية

فإذا ما صعب تنزيه الله عن فعل القبائح عن طريق الذات والصفات، فإن كون الإنسان خالقًا لأفعاله لا يمنع من أن يكون الله خالقًا لكل شيء، كما أن نفي قدرة الله على الظلم بالرغم من جرأة التعبير لا يمنع من أن يكون الله قادرًا على كل شيء؛ فلم يبقَ إلا محاولة ذلك من جديد خارج الذات والصفات في الأفعال. فأفعال الله تتم طبقًا لما فيه صلاح العباد. ولم يدخر الله وسعًا في فعل الأصلح لهم. وكذلك طبقًا للغائية والعلية فكل أفعال الله غائية تهدف إلى غاية وغرض وليس فيها عبث أو تناقض، ومِنْ ثَمَّ فهي أفعالٌ معلَّلة بالعلل الغائية. وصلاح العباد وفعل ما هو أصلح غاية الأفعال الإلهية وعلتها كما هو واضح في الشريعة التي تقوم على جلب المصالح ودرء المفاسد. وهنا تتوقف الأفعال؛ فعل الصلاح والأصلح في مواجهة الذات والصفات، خلق الله لكل شيء وقدرته على كل شيء، ويقف العدل في مواجهة الظلم، ويقف صلاح العباد في مواجهة قدرة الذات، وكأن أصل العدل لا يجد إثباتًا له إلا في مواجهة أصل التوحيد ومستقلًّا عنه.١

(١) هل يمكن نفي الصلاح والأصلح؟

يمكن نفي الصلاح والأصلح عن طريق نفي الواجبات؛ فالله لا يجب عليه شيء من صلاح أو أصلح. هو عدل في أفعاله، بمعنى أنه متصرف في ملكه، يفعل ما يشاء، لا حاكم عليه، وإلا استوجب الذم بتركه، وإن تركه يكون ناقص الفضل وهو محال.٢ وهذا في الحقيقة إرجاع لأصل العدل إلى أصل التوحيد من جديد بعد أن انبثق منه، وعود للإنسان المتعيَّن داخل الإنسان الكامل، وبالتالي قضاء على الموضوع من الأساس؛ فالإنسان المتعين خالق أفعاله، وقادر على العقل والتمييز، لا يملكه أحد، ولا يملي أحد عليه إرادته. وقد بلغت ذروة هذا الرجوع إلى بطن التوحيد في إلغاء الخلق والتكليف، وهو أول الواجبات العقلية في القصة الرمزية للإخوة الثلاثة. توفى الأوَّل صبيًّا، وبالتالي فلا يُثاب ولا يُعاقَب، في حين بلغ الثاني والثالث، فآمن الثاني ودخل الجنة، وكفر الثالث ودخل النار. فإذا سأل الأوَّل لماذا لم يعش حتى يؤمن ويدخل الجنة في أعلى عليين؟ كان الرد أن الأصلح له أن يموت صغيرًا فلو عاش لكان قد كفر فعذب في النار! حينئذٍ يهب الثالث محتجًّا ومتسائلًا ولماذا لم يمت هو منذ الصغر؟ فقد كان الأصلح له أن يدخل الجنة ولو في رتبةٍ دنيا أفضل من أن يعذب في النار؟٣ فهذا عود من جديد إلى أصل التوحيد في سبق العلم الإلهي لما يحدث وتوجيهه ضد الحرية للقضاء عليها. ولكن إذا كان العقل والحرية هما السبب في فعل الأصلح، فالأصلح نتيجةٌ طبيعية لهما وليس ضدهما. تقوم هذه القضية إذن على خلط بين مستوى الصلاح ومستوى الحرية. فالإنسان يعمل في إطار العمر والقدرات الفعلية والعقلية. لا يتخلى عن حريته إذا ما كانت نتائج أفعاله ليست في صالحه. الحرية هي الأساس في صالح الإنسان. والقصة استدراك ورجوع إلى الوراء وافتراضٌ خالص يقوم على «لو»، أي إنها حجة افتراضية وليست واقعية. بالإضافة إلى أن «لو» قضاء على الفعل إلى اللافعل وإمساك عن التقدم إلى التأخير، وتفضيل لعدم الخلق والتكليف على الخلق والتكليف. وعلى هذا النحو قد يتعدى نفي الأصلح من الأفعال إلى الخلق كله، وبالتالي يكون الأصلح للعاصي ألا يخلق، ورفض الخلق هو كفر بنعمة الحياة أوَّلًا وتخلٍّ عن الرسالة ونكوص عن المسئولية قبل أن يكون عصيانًا في فعلٍ معين.٤ وقد يتعدى أيضًا إلى رفض التكليف وأن يكون الإنسان مخلوقًا جمادًا أو حيوانًا؛ وبالتالي ينكر الإنسان نعمة العقل وفضيلة الجهاد. وإنكار حرية الإنسان هو إنكارها للبشر. وأن الشك في صحة التكليف لعلم الله المسبق بكفر الكافر، وبالتالي لا يكون تكليفه صلاحًا له وإن كان أصلح للمؤمن، هو عود لضرب الله بالإنسان، دون استطاعة الإنسان أن يفلت منه، في حين أن أصل العدل هو إثبات للإنسان الحر العاقل من داخل الإنسان الكامل، القادر والعالم على الإطلاق؛ ومِنْ ثَمَّ كان الأصلح للإنسان إثبات الحرية وكونه مسئولًا عن أفعاله وأن ما يأتيه بحريته واختياره وليس بفعلٍ آخر أصلح له. وبالتالي تجب ثورة الفقراء والمعذبين على أوضاعهم التي ليس فيها صلاحهم لأن الأصلح لهم ممارسة الحرية والغضب وتغيير الوضع القائم إلى وضعٍ أفضل. الصلاح والأصلح إذن حقيقة إنسانية تحدث في الموقف الإنساني وليس افتراضًا خياليًّا يبدأ بأداة الشرط «لو» التي تمحو الخلق والحياة والعقل والتكليف والفعل. وإن جعل حقائق الحياة افتراضًا قضاء على البواعث وتسكين للأفعال. والأصلح ليس للفرد بل للجماعة، وإلا فلا معنى للتضحية والشهادة وإنكار الذات. وهو لا يتغير من فرد إلى فرد، ومن وقت إلى وقت بل الصلاح حقيقةٌ موضوعية، هو الصالح العام. قد يحتوي الصالح العام على خسارةٍ فردية ولكنها غير دالة بالنسبة إلى الصالح العام. ليس الصالح هو الأنفع بالنسبة إلى الشخص بل إلى النوع، والإنسان قادر على التمييز بين مستويات الصلاح والأصلح.٥ الأصلح هو الأنفع بوجهٍ عام، إذ يوصف الفعل بأنه نفع وسرور وصلاح وأصلح وليس مجرد لذة وألم أو نفع أو ضرر. هناك مراتب للصلاح والأصلح من حيث المستوى (للفرد أو للجماعة)، والشدة (اللذة والألم، النفع والضرر، الإصلاح والإفساد)، والزمن (الفناء والبقاء). ومن ناحيةٍ أخرى قد يقال إن التقيد بالأصلح يجعل أفعال الله متناهية في حين أن أفعاله لا متناهية؛ ومِنْ ثَمَّ يؤدي القول بالصلاح والأصلح إلى الجبر في أفعال الله. وإذا كان الله يفعل تفضُّلًا وكرمًا ولطفًا، فاللطف بهذا المعنى نفي للصلاح والأصلح.٦ والحقيقة أن الأصلح هنا بالنسبة إلى الإنسان وليس بالنسبة إلى الله. وهو صلاحٌ محدود في إطار الموقف الإنساني ولا يقلل من لا تناهي الصلاح بالنسبة إلى الله وقدرته عليه. ولو كان الصلاح رفع الموانع وإزاحة العلل لكان في ذلك قضاء على الحرية الإنسانية من جديد، إعطاء الصلاح بيد وسلب الحرية باليد الأخرى، خطوة إلى الأمام ثم خطوة إلى الخلف. وإذا كان الأصلح للناس عدم الحياة والابتداء من الآخرة مباشرة فإن ذلك إلغاء للدنيا ورفض للرسالة وترك لنعم الحياة والتحقق والعمل والإبداع والاستشهاد.
إن نفي الصلاح والأصلح هو هدم للعقل والقدرة على التمييز وإنكار لصفات الأشياء الموضوعية، وهو إنكار أيضًا للمصلحة وهي أساس الشرع، وهدم لمصالح الفرد والجماعة وما به حياة الأمة وقوام الدولة. وبالتالي يترك الفرد والأمة بلا عقلٍ مستقلٍّ قادر على التمييز وبلا إدراك للصالح العام، فيستسلم الجميع لإرادة الحاكم الفرد المطلق الذي يقرر بمحض إرادته ما هو الصلاح وهو بطبيعة الحال الأصلح له والأفسد للأمة. وقد ظهر ذلك في العقائد المتأخرة الموازية للنظم السياسية التي تقوم على سلطان الحاكم المطلق. وإذا كان خالق الأفعال المطلقة الشاملة للعدل خارجًا عن الوجوب انقضى العدل، فالعدل والوجوب واجهتان لشيءٍ واحد. إن هدم العقل والشرع هو هدم لكل قانون بما في ذلك قانون الاستحقاق وبالتالي يعيش الإنسان في عالم من الظلم أو من العبث ولا يجد أمامه إلا الاستسلام للحاكم المطلق، يفعل له ما يشاء؛ وينتهي الأمر كله عنده إلى الرضا بالأمر الواقع، فيرضى الفقير بفقره ويسرُّ الغني بغناه، ويتحول العدل الإنساني إلى ظلمٍ إلهي، ويعود العدل من جديد في بطن التوحيد.٧

(٢) إثبات الصلاح والأصلح

إن فعل الصلاح والأصلح ليس قانونًا صوريًّا أو فعلًا مطلقًا لإرادةٍ خارجية، بل قانونٌ ماديٌّ قائم على صلاح الإنسان والأصلح للأمة. ليس الإنسان هو الفرد الأوحد، بل الإنسان العام الذي لا يتغير بتغير الزمان والمكان. وليست مصالح الأمة هي الأمة الفريدة بل هم البشر في كل زمان ومكان. وهي حقيقةٌ إنسانية تقوم على العقل والطبيعة؛ لذلك قام الوحي على المصلحة، وأصبح أساس التشريع درء المفاسد وجلب المصالح. إن اختيار إنسان للأصلح ضرورةٌ مطلقة في النظر والعمل، في الوحي والتطبيق. المصلحة أساس الشرع، لا تعبر عن تكوين ذاتٍ مشخصة بقدر ما تعبر عن الحياة الإنسانية، لا تطبق على الله بل على الإنسان. والله بإنزاله الوحي يبغي مصلحة الإنسان كما يبغي مصلحته الخاصة. ولا يبغي الله مصلحة نفسه كما لا يبغي الإنسان مصلحة الله؛ فالمصلحة أساس علم الأصول بشقيه؛ علم أصول الدين وعلم أصول الفقه. الصلاح والأصلح هما إذن ضمن الواجبات العقلية مثل الخلق والتكليف وشكر المنعم، وأحد وسائل تنزيه الله عن فعل القبيح. وهي واجبات يتصوَّرها الإنسان في الطبيعة بصرف النظر عن الذوات المشخصة، الإنسان أم الله. وإذا ما قيل إنها واجبات على الله، فإن ذلك يكون قياسًا للغائب على الشاهد.٨ والشاهد هو التجربة الإنسانية أو تجارب الجماعة والتاريخ، وهي مصدر الحقيقة الإنسانية وحوامل المعاني. ولما كان فعل الأصلح مشاهدًا في هذا العالم كان فعله أيضًا في أي عالمٍ آخر. وأن قسمة الأحكام إلى واجب ومندوب لا تعني نقصًا في ضرورة الأصلح؛ فالمندوب لا يعني تمنيًّا وتفضُّلًا، بل هو الأصلح المختار الذي يكشف عن حرية الإنسان في اختيار الأصلح. فالصلاح متفاوت الدرجات والإنسان يختار أعلاها لنفسه؛ لذلك كان فعل الصلاح لا ينافي تكافؤ الفرص لأنه اختيارٌ إنساني. وإذا كان الله من خلال الوحي قد فعل الصلاح فإن الإنسان له حرية الاختيار في أن يزيده، وبالتالي يفعل الأصلح أو يقله فيفعل الأقل صلاحًا.٩ فإن قيل: إن كان الله يفعل الصلاح فهل يفعل الأصلح؟ وهل يمكن أن يفعل الصلاح وهو قادر على فعل الأصلح؟ وهل هو قادر على فعل الأصلح ولا يفعل إلا الصلاح؟ قيل إن كل هذه افتراضاتٌ وهميةٌ ناتجة عن افتراض تدخل إرادةٍ خارجية في الحياة الإنسانية. وإن من المشاهد في الحياة الإنسانية أن الإنسان لا يدخر وسعًا في فعل الصلاح والأصلح. وإذا اختار بين الأقل صلاحًا والأكثر صلاحًا فإنه يختار الأصلح. وإذا اختار الآن الأقل صلاحًا فقد يكون لصلاحٍ أعظم فيما بعدُ. إن اعتبار الأصلح للإنسان بعد الخلق والتكليف، كإنسانٍ حر عاقل واعتبار الأصل له نهاية وكلٌّ وغاية إنما تفضيل للواقع على الممكن، وإيثار للعمل على النظر. وما الفائدة من أصلح نظري غير محدد ولا يتحقق منه شيئًا؟١٠ فإذا ما كان هناك أصلحٌ نظري لا يستعمل فإنه يصبح لطفًا، وبالتالي يصبح السؤال: هل يقدر الله على خلق لطيفة لمن علم أنه لا يؤمن كي يؤمن؟ وهنا يقدم العقل للشعور صفتَين متعارضتَين، هما القدرة والعلم، حتى تكون فرصة أمام الشعور للتعبير عن عواطف الإجلال والتعظيم. فالإثبات تأكيد لسلطان القدرة على حساب العلم، مع أنه أيضًا صفةٌ مطلقة، ولكن يشفع لها أنها تتدخل لصالح الإنسان. والتدخل في حد ذاته حتى ولو كان لصالح الإنسان قضاء على استقلال الحرية الإنسانية وحل الشق الثاني من العدل، أي الحسن والقبح العقليَّين، على حساب الشق الأوَّل منه، وهو حرية الأفعال. وإذا ما ثبت الوضع القديم إن كان فيه ضرر على الإنسان فكيف يحدث ذلك والتأليه منبع الخير؟ أمَّا النفي فإنه تأكيد للحرية الإنسانية حتى ولو كانت في غير مصلحة الإنسان. فالفعل الحر المستقل نابع من إرادة الإنسان حتى ولو كان ضارًّا له. ويؤثر الإنسان فعلًا حرًّا ضارًّا على فعلٍ نافع من إرادةٍ خارجية تعمل لصالحه.١١ وماذا لو رفض العقلاء اللطف ما دام العقل لديهم قادرًا على الوصول إلى التكليف ومعرفة الصلاح والأصلح من العقل والسمع معًا؟ إن افتراض أن يكون الله قد ادَّخر لطفًا لمن علم أنه لا يؤمن حتى لا يؤمن تجويزٌ للظلم على الله، ونفي لحرية الإنسان واختياره، وقضاء على عقله واستقلاله. فأفعال الشعور الداخلية مثل الإيمان والكفر أفعالٌ حرةٌ قائمة على العقل والتمييز.١٢ فإن كان هناك أصلح وإن كانت لدى الله ألطافٌ أخرى لا نهاية لها يعطيها للبشر اختيارًا، فلماذا ادخرها الله ولم يعطها حتى يكون العالم أفضل العوالم الممكنة وتغليبًا للأصلح على الصلاح؟ ومتى يعطيها الله ومتى يهبها وطبقًا لأي مقياس ولأي مدًى؟ أليس في ذلك تدخل في الحرية الإنسانية التي أصبحت من قبلُ أحد مكتسبات العدل، والذي بدوره خرج من بطن التوحيد؟ وما الفائدة من لطفٍ غير مستعمل، مجرد إثبات حقٍّ نظري، إثباتًا للقدرة المطلقة؟ وقد تم ذلك من قبلُ في التوحيد، وفي العدل لا تحدث شيئًا. إن مصلحة الفرد والجماعة ليست نعمة أو إحسانًا أو تفضلًا أو لطفًا من أحد، بل نتيجة للجهد والمشقة والمعاناة. والأصل ضرورة موضوعية لا صلة لها بالعواطف المشخصة والانفعالات الذاتية والإكراميات شكرًا وثناءً، حمدًا وتبجيلًا. ولما كانت الشريعة تقوم على جلب المصالح ودرء المفاسد، فقد يأخذ السؤال صيغة الضرر ويكون: هل يقال إن الله يضر أم لا؟ فالإثبات يبقى إثبات القدرة المطلقة ونفي أية صفة من صفات العجز، وإلا كان هناك نقص في عواطف التأليه وبصرف النظر عن حقوق الإنسان وحياته أو ما ينتج عن إثبات هذه القدرة من طغيان ونفي للعدل وإثبات للطاغوت. وتكون الإجابة بالنفي دفاعًا عن حقوق الإنسان وإثبات حقه في دفع الأضرار عن نفسه ومقاومة الظلم.
ولا يؤدي القول بالأصلح إلى رفض الآلام والمشاق الناتجة عن الأفعال؛ لأن الإنسان يفضل أن يركن إلى الكسل والراحة وحياة الدعة والسكون والتعب والنصب والجهد والألم والجرح. كل ذلك لا يمثل نقضًا للصلاح والأصلح؛ فالذات تضع نفسها بالجهد وتثبت وجودها بالمقاومة. والغاية من بذل الجهد تحقيق الوجود الإنساني، والإنسان بلا جهدٍ حر يتحول إلى ظاهرةٍ طبيعيةٍ حتمية. وبالتالي إذا كان الله متفضِّلًا بالثواب فكيف يجوز الجهد؟ ليس في فعل الأصلح أي جهدٍ زائد أو كدر لا يتحمل، بل هو تأدية للدعوة وضرورة داخلية وأداء للرسالة. فعل الأصلح في حد ذاته فعلٌ إيجابي وليس له أي جزاءٍ آخر، إلا أنه في الحياة العملية كمال للإنسان.١٣ ولا يُقال أيضًا إن الأصلح ألا يُعاقَب الإنسان في أفعاله وأن يغفر له ويتوب، وبالتالي يتحول الأصلح إلى أن يكون دفاعًا عن مصالح الإنسان، ورغباته وأهوائه، وإلى هدم القانون إن لم يكن هناك مقياسٌ موضوعيٌّ عام للأصلح دون الوقوع في الفردية والنسبية والمصلحة الشخصية؛ وبالتالي يتخلَّى الإنسان عن نتائج أفعاله.١٤ الأصلح ليس بالرجوع إلى الوراء والتمني، بل هو التقدم إلى الأمام. الأصلح للإنسان أن يكون حرًّا وإلا كان ظاهرةً طبيعية. الأصلح للإنسان أن يرتبط مصيره بالحرية حتى يكون مسئولًا عنها محاسَبًا عليها. ليس الأصلح للإنسان رفض العقل والبلوغ وأن يعيش الإنسان مخلوقًا حيًّا دون أن يكون له عقلٌ بالغ فيعيش حيوانًا أعجمًا أو طفلًا أو مجنونًا أو معتوهًا. وكيف يكون هناك أصلح إذا ما اخترم الإنسان قبل العقل والبلوغ؟ إنما الصلاح يقع في حياة الإنسان الحر وليس فقط نتيجة هذا الجهد. ودون عقل لا يكون هناك استحقاق مدح أو ذم.١٥ وكيف يمكن شكر النعم كواجبٍ عقلي وعلى فعل الأصلح كواجبٍ حتمي إن لم يكن هناك فعل وإدراك؟١٦ ولا يقال إن الأصلح للإنسان ألَّا تأتيه الرسالة وألا يقوم الرسول بالتبليغ وأن يصرف الله إرادته عنها؛ فالتكليف واجبٌ إنساني. وجهد الإنسان الحر بالنسبة له عملية تتحقق لا تتحدد نتائجها إلا بعد بذل الجهد. الرسالة يقين النظر وباعث على العمل؛ وبالتالي لا تتم عملية التحقق إلا بها، وإلا فكيف يتحول إلى نظامٍ مثالي في العالم؟ ولا ضير في أن يتغير الوحي كشريعة طبقًا للصلاح والأصلح على ما هو معروف في الناسخ والمنسوخ حتى تتم عملية المقياس، قياس الشرع على أهلية الإنسان وقدرته. فالشرع موضوع لصالح الإنسان، متغير بتغير مصالحه وليس تعبيرًا عن ثبات الذات الإلهية وشمولها. ويمكن للعقل الإنساني أن يدرك الحكمة من هذا التغير ويدرك قانونه الثابت؛ وبالتالي يلحق بالعلم الإلهي الثابت وبإرادة الله المتصلة.١٧
وإذا كان الأصلح في الدين يمكن الاتفاق عليه والاعتراف به، فهل الأصلح في الدنيا كذلك؟ والحقيقة أن هذا السؤال إنما يقوم على تفرقة لا وجود لها، إلا افتراضًا، بين الدين والدنيا.١٨ فما هو مقياس هذه التفرقة؟ إن الوحي تنظيم لشئون الدين، والدنيا تحقيق لهذا التنظيم، والدين هو المثال والدنيا هو الواقع، والمثال يتحقق في الواقع والواقع تحقق للمثال. الأصلح إذن للدين هو الأصلح للدنيا، ولا يوجد صلاحان كل منهما على حدة. وإذا كان الأصلح للعباد فإن مصالح العباد في الدنيا وليس الدين إلا وسيلة لتحقيق هذه المصالح. إن الأصلح ضرورة في الدنيا والدين معًا، فالدين هو الدنيا والدنيا هي الدين. وإنَّ جعل الأصلح في الدين فقط دون الدنيا تناقض وتوهم فصل في شيءٍ واحد، وإن كان لا بد من التمييز فإن الأصلح في الدنيا أولى، فيها مصالح العباد مرتبطة بحرية الإنسان وعقله في حين أن الأصلح في الدين لا يمكن للإنسان إدراكه إلا بقياسه على الأصلح في الدنيا. الأصلح واقعةٌ داخلة في نطاق حياة الإنسان بفعل الحرية، لا يوقفها ولا يدفعها أحد، فالأصلح يتحقق من خلال الحرية وفي نطاقها؛ ومِنْ ثَمَّ كان الأصلح بعد الخلق والتكليف، ثم اكتشاف الإنسان لنفسه كفعلٍ حر وعقلٍ مستقل وقدرة على إدراك الآيات والبراهين وتجاوز العقبات في المواقف والتمييز بين المصالح والمفاسد، بين الغنى والفقر، بين الصحة والمرض، بين الحياة والموت، بين الحرية والقهر، بين الوحدة والتجزئة، بين الهوية والاغتراب. والأصلح ضرورةٌ عقلية، فالعقل والوجود صنوان، وحكم العقل هو حكم الوجود. والعقل هو شرط الحرية كما أن البلوغ شرط التكليف. الأصلح ضرورةٌ شرعية، إذ يقوم الشرع على جلب المصالح ودرء المفاسد، للفرد وللجماعة. والأصلح ضرورة كافية لا تحتاج إلى ضرورياتٍ لا متناهية، والضرورة الكافية هي سبب وجود العقل والشرع والطبيعة معًا. والأصلح ضرورة لحياة الإنسان وليس ضرورة لإثبات قدرةٍ مشخصة لا تخضع لأية ضرورةٍ أخرى من طبيعة العقل وواجب الحرية أو بناء الكون ذاته، وليس تشخيصًا للطبيعة إمَّا ذهابًا بإثباتها أو إيابًا بإنكارها. ليس الأصلح تفضُّلًا وكرمًا، بل هو ضرورةٌ وجودية في طبيعة الأشياء، كما أن الشرع ضرورةٌ كونية ولا مجال فيها للتفضل والكرم والإنعام والإحسان. والأصلح ضرورةٌ دنيويةٌ خالصة وليس أخروية؛ إذ إن الأخرويات كلها نقل من هذا العالم إلى عالمٍ آخر، إمَّا تعبيرًا عن أمل أو تعويضًا عن حرمان. وإن قيل إن المانع من فعل القبيح وعدم القدرة عليه هو رعاية الأصلح في الآخرة، فإنما يكون ذلك قياسًا للغائب على الشاهد وأدخل في موضوع المعاد، والذي لم يثبت بعدُ في العقليات طبقًا لبناء العلم.١٩

إن إثبات الأصلح يعني أن الله يفعل الخير دون الشر، أي إنه يرعى مصالح العباد ولا يضرهم، فهو من هذه الناحية تفاؤل وخير وبراءة وطهارة، في حين أن نفيه نظرةٌ شريرة إلى العالم وتصور لله على أنه شرير يفعل الشر ويضر بالناس؛ لذلك كان النفي أقرب إلى التنزيه. ولا يعني النفي أي نقص في عواطف التأليه، بل وضعًا لها على أساسٍ إنساني من أجل الإبقاء على مصالح الإنسان. ويتعدى الأمر أحيانًا إلى فرض الأصلح على عواطف التنزيه، فتحدد القدرة المطلقة بفعل الأصلح وهو ما عبر عنه الأصوليون من قيام الشرع على المصالح العامة دون تشخيص للقدرة، والحديث عن حكمة الشرع وليس عن شخص الشارع. وما دام الأصلح تعبيرًا عن موقف الإنسان وممارسته لحريته وعقله، فإنه يكون تعبيرًا عن قانونٍ عام مثل قانون الاستحقاق. والقانون ثابت من وجهة نظر الإنسان. ومن حق الإنسان أن يعيش في عالم يوجهه العقل ويحكمه القانون. أمَّا من وجهة نظر صاحب السلطة والتشريع فالقانون لديه تعبير عن إرادته، يمكنه أن يغيره ويبدِّله، بل ويوقفه في أي وقت شاء. ولما كُنَّا بشرًا ولسنا آلهة، نعبر عن وجهة نظر إنسانيةٍ خالصة، فالقانون بالنسبة لنا عام وثابت. وكل محاولة لتغييره أو تبديله أو تأويله أو إيقافه تكون ضد الإنسان ومصالحه. يخضع الإنسان للقانون العام الذي يعبر عن مصلحته لأنه قانونٌ عقلي، ولكنه لا يخضع لإرادة أو لسلطةٍ مطلقة وراء القانون يمكن التلاعب به خاصةً ونحن في جيل يتم وضع القانون فيه لحساب الحكام وتعبيرًا عن أهوائه ونزواته وليس إثباتًا للصالح العام.

والحقيقة أن الصلاح والأصلح تعبير عن ضرورة العقل والشرع معًا، وتعبيرٌ آخر عن ضرورة الحرية والطبيعة. ليس فيهما أي أثرٍ أجنبي من الخارج، من ثنوية أو غيرها. فالأصلح موضوعٌ أصيل. وهو أساس الشرع ومصدر التشريع وسبب الوحي.٢٠ وإن أكبر حجة ضد الخصم هي اتهامه بالعمالة الحضارية وبأنه منفصل عن تراثه وبأنه تابع لمؤثراتٍ أجنبية. وليس فيهما أي نقل من العلوم الأخرى مثل علوم الحكمة أو علوم التصوف، بل هما تعبير عن بنية علم الأصول بشقَّيه، علم أصول الدين وأصول الفقه، يعيدان إلى العلم وحدته بتوحيد علم النظر وعلم العمل؛ علم العقيدة وعلم الشريعة، الوحي والطبيعة على أساسٍ واحد، وهو مصالح الناس ورعاية البشر.٢١

إن ما يمكن أن يوجَّه إلى الصلاح والأصلح هو تبرير الشر في العالم، في الأفعال وفي الطبيعة، واعتبار هذا العالم أفضل العوالم الممكنة، وأن كل ما فيه خير وصلاح، وأن الواقع أفضل من الممكن، والحال أفضل من المآل، وأننا لو علمنا الغيب لاخترنا الواقع، وأن ليس في الإمكان أبدع مما كان. وقد يسبب ذلك نوعًا من الاستسلام للأمر الواقع والرضا بكل صنوف الضيم والظلم والهوان، وبالتالي تستحيل قضية التغير الاجتماعي كما يستحيل العمل السياسي الذي يقوم على تغيير الوضع القائم إلى وضعٍ أفضل. وينتهي التقدم، ويقضى على الرغبة في العمل وعلى بذل الجهد، وتنتهي المقاومة للظلم؛ فالأصلح للظالم أن يكون ظالمًا، وللمظلوم أن يكون مظلومًا، وللغني أن يكون غنيًّا، وللفقير أن يكون فقيرًا، وللقاهر أن يكون قاهرًا، وللمقهور أن يكون مقهورًا، وللمحتل أن يكون محتلًّا، وللذي يقع عليه الاحتلال أن يقبل الاحتلال. كما يصعب على الإنسان عقلًا وقلبًا أن يفهم أن الله لا يراعي الصلاح والأصلح، وفي الوقت نفسه يصعب عليه أن يقبل أن يكون ذلك واجبًا على الله، فالله لا يجب عليه شيء كحقٍّ نظري. والحقيقة أن كل هذه الاستدراكات على الصلاح والأصلح إنما تأتي من اعتباره ضد الحرية، وهي في واقع الأمر تعبير عنه. فقد ثبتت حرية الأفعال في أول شق لأصل العدل بعد انبثاقه عن التوحيد وخروج الإنسان المتعين من الإنسان الكامل. كما تقود العقليات كلها إلى السمعيات وآخرها النظر والعمل ثم الإمامة. فالغاية النهائية هي التغيير الاجتماعي. إن قبول الأمر الواقع كقضاء لا يمنع من الخروج عليه كقدر. كما أن اللفظ المزدوج الصلاح والأصلح يعطيان إمكانيةً لا نهائية للانتقال من أحدهما إلى الآخر. فلا صالح إلا وله أصلح. فإذا كان الوضع القائم هو الصلاح، فإن تغييره إلى وضعٍ أفضل هو الأصلح؛ ومِنْ ثَمَّ يكون التقدم المستمر ممكنًا إلى ما لا نهاية. أمَّا التعبير بلفظ الوجوب فهو مصطلحٌ إنسانيٌّ خالص يتحدَّد فيه الوجوب العقلي بالوجوب الطبيعي بالوجوب الأخلاقي. وانبثاق العقل من التوحيد يجعل الانتقال من الله إلى الإنسان ممكنًا؛ وبالتالي تتوقف لغة الذات والصفات على لغة الأفعال حيث تبرز مصالح الناس وتظهر حياة البشر؛ لذلك يظهر مع ألفاظ الصلاح والأصلح ألفاظٌ أخرى مثل الجود والجواد والبخل والبخيل والاقتصاد والمقتصد، مما يدل على أنها مصطلحاتٍ إنسانيةٍ خالصة.

والإصلاح في مقابل الإفساد لفظان في أصل الوحي؛ فالصلح والصلاح للإنسان لنفسه أو لذات البين. وهو إصلاح من الإنسان الحر وأفعال الشعور الداخلية كالإيمان والتقوى والتوبة. وإذا كان الإنسان يدعو الله للإصلاح، فإن الله يأمره به. ويظل الإصلاح فعلًا للإنسان أكثر منه فعلًا لله. بل يصبح «صالح» اسم علم لما يعطيه الفعل على الشخص من سمة الصلاح. كما يصبح الأنبياء من الصالحين والأعمال كلها من الصالحات. والإصلاح أيضًا للعلاقات بين الذوات (الزوجان) وفي الأرض. وهو فعل الإنسان أكثر من فعل الله. الله يعلم الإصلاح ولا يضيع أجر المصلحين، ولكن إصلاح الإنسان شرط، وفعل الله مشروط بفعل الإنسان.٢٢ أمَّا الفساد فإنه أيضًا فعلٌ إنساني ناتج عن التشتُّت والتبعثر واتِّباع الهوى دون العقل، وينشأ من أفعال الملوك والقبائل (الرهط) والناس. وهو أقرب إلى فعل الجماعة منه إلى فعل الفرد، وكأن الفساد وضعٌ اجتماعي في حين أن الفرد خيِّر بالفطرة. ويظهر الفساد في الأرض وفي البر والبحر وفي البلاد بفعل الناس. والله يعلم ولا يحب الفساد ولا المفسدين. ويرى المفسدون عاقبة الفساد طبقًا للأفعال ونتائج الأفعال، وينالون الجزاء طبقًا للاستحقاق. والفساد معنوي ومادي معًا، مثل تبديل الحق والاستعلاء والطغيان والكف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبخس الناس أشياءهم، وذبح الأبناء واستحياء النساء، وقتل النفس وهلك الحرث والنسل. وتفصيل الفساد للتنبيه عليه مثل ترك الإصلاح كقاعدةٍ عامة يتبعها الإنسان طبقًا للفطرة، فدرء المفاسد مُقدَّم على جلب المصالح كما هو الحال في الشق الثاني من علم الأصول.٢٣

(٣) هل يمكن نفي الغائية والعلية؟

ولما كان الصلاح والأصلح غاية في الأفعال وعلة لها، فقد ظهر موضوع الغائية والعلية كموضوعٍ أشملَ وأعم حتى استقل بذاته وأصبح أيضًا موضوعًا للجدل بين النفي والإثبات. كما أنه ارتبط بموضوع التكليف؛ لأن التكليف أيضًا تحقيق لغاية؛ غاية الإنسان ورسالته في التاريخ.٢٤ وقد ظهر الموضوع بحدَّة في العقائد المتأخرة، نفيًا للغائية، تنزيهًا لله عن الغرض، ومستغنيًّا عن كل ما سواه وافتقار كل ما عداه إليه.٢٥ فهل يمكن نفي الغائية؟
يقوم نفي الغائية على نفي الغائية والغرض عن الله. فإذا كان من معاني الواجب ما يلحق بتاركه الضرر وبفاعله النفع، فإن ذلك يستحيل على الله لانتفاء الأغراض المقصودة وإلا كان ناقصًا مستكملًا بالغاية، ومِنْ ثَمَّ لا يوجَب شيء على الله.٢٦ ولما كان غرض الفعل خارجًا عنه يحصل به وبتوسطه، فإن الله يفعل ابتداءً دون حاجة إلى توسط أو تحقيق غايةٍ خارجة عنه وإلا لتسلسلت الأفعال والغايات إلى ما لا نهاية.٢٧
والحقيقة أن نفي الغاية يقوم على خلط بين مستوى الله ومستوى الإنسان. فإذا كانت أفعال الله لا نهاية لها ولا غاية، فإن أفعال الإنسان لها غاية ونهاية. الغاية في الفعل الإنساني وفي رسالته في التاريخ وليست في ذات الله. لا يعني إثبات الغاية أو الغرض إذن أي تجويز لنقص على ذات الله، فإن المشار إليه هو الإنسان وليس الله. الله ينفع الإنسان وليس الإنسان هو الذي ينفع الله أو الله هو الذي ينفع ذاته. ليست الدوافع والأغراض مزعجات ولا تدل على النقص، وإلا كان ذلك إنكارًا للعالم الإنساني. فالإنسان مجموعة من البواعث والدوافع والغايات والمقاصد. لا يعني نقصان الغرض أي جهل أو فوات فرصة أو فشل على الله؛ فالموضوع كله أفعال الله بالنسبة إلى الإنسان وليست أفعال الله في ذاتها. إن للشرائع غرضًا. فقد أتت لمصالح العباد وإلا كانت أفعال الله عبثًا بلا قصد. ولما كان الوحي ممكن الوقوع وكانت الرسالة ممكنة التحقيق تكون أفعال الله كلها حكمةً وقصدًا. إن الغائية هي محور التفكير الأصولي والاعتزالي في إقامة الشرع على أساس المصلحة، إنكار العلية إذن إنكار لأساس الشرع والباعث على وجود الوحي. إنكار التعليل إنكار لأساس الشرع.٢٨ إن تنزيه الله عن الأغراض ليس تنزيهًا بل تجويز للعبث والتناقض والظلم والجور. ولما كانت الغائية هي الحياة، فإن نفيها يكون موتًا للإله وتناقضًا مع صفات العلم والقدرة والحياة. وإلا فلماذا يسمع ويتكلم ويبصر ويريد؟ وكيف تبطل العلة الغائية وهي أسمى العلل، أسمى من العلة الفاعلة والعلة المادية والعلة الصورية؟ بل إنها هي العلة الفاعلة الحقة. فالغاية هي الباعث والدافع على الحركة. هي المستقبل والهدف والمصير. وما الفائدة من إثبات غاية لا نعلمها؟ إن هذا إثبات للجهل الإنساني ونفي للعقل أحد مكتسبات العدل. إن وظيفة الغايات معرفتها أوَّلًا من أجل تحقيقها ثانيًا، المعرفة بالعقل والتحقيق بالحرية. وإذا كان علم أصول الدين معرفة، فإن علم أصول الفقه تحقيق؛ فغاية النظر العمل.٢٩ وإذا كان الغرض هو العلة الباعثة للفاعل على الفعل، فكيف يمكن نفيه؟ وكيف يكون الله منزَّهًا عن العبث وأفعاله ليس لها أغراض ومقاصد؟ لا يكفي تنزيه القدرة المشخصة عن العبث لضمان موضوعية القيمة والصفات الذاتية للأفعال.٣٠ ولا يمكن إثبات الحكمة دون الغائية، وإلا فماذا تعني الحكمة؟ إن كان الغرض من إنكار الغائية هو تنزيه الله، فإن تنزيه المؤلَّه عن الغرض والغاية يبطل الحكمة وينال من التنزيه الكامل. إن إنكار الغائية يؤدي إلى الفصل التام بين المؤله والعالم، ويجعل المؤله فعالًا لما يريد دون علة أو غاية أو باعث أو دافع، وهو ما يعادل الحرية المطلقة بلا باعث أو سبب، حرية العبث.

إن تنزيه الذات المشخص عن الشر لا يعني وقوع الشر في العالم ولا يجيب عن مصدر علته، بل لا يفعل أكثر من نسبة الشر إلى النفس والخير إلى الذات المشخص تضحية أو مسكنة أو نفاقًا أو غرورًا. والغاية ليست نقصًا يلصق بالإنسان وشرًّا ينزَّه الله منه.

وكما أن الغاية في أفعال الله وفي أفعال الإنسان فإنها تكون أيضًا في الطبيعة وفي التاريخ؛ فالطبيعة تسير نحو غاية، والتاريخ أيضًا يسير نحو غاية. لا تعني الغائية في الطبيعة حاجة طرف وكرم طرفٍ آخر؛ فالطبيعة مستقلة عن أطرافها. وإن تصور علاقة الطرفين المشخَّصَين على أنها علاقة احتياج وكرم تصورٌ قائم على استضعاف أو استذلال أو سؤال أو تملق. الحكمة في الطبيعة وليست في علم مشخص أو إرادةٍ مشخصة.٣١ ولا تعني الغائية أي نقص في الطبيعة بل كمالها؛ فالطبيعة متجهة نحو غاية هي كمالها. الغائية هي أساس الوجود في الإنسان وفي الطبيعة. واعتبار الطبيعة مجرد تعبير عن الجود والكرم من وجودٍ مطلقٍ مشخص هو إلغاء لوجود الطبيعة واستقلالها. كما أن إنكار الغائية من الأفعال والطبيعة وإرجاعها إلى فاعلٍ حكيم قضاء على موضوعية الأشياء ووجود العالم المستقل. إن الكون كله بالرغم من أنه حدث ابتداءً إلا أنه حدوثه كان لغاية وهدف، كما أن خلق العالم كان لغاية وغرض وليس من خارج الكون أو الخلق، بل من الداخل في طبيعة الكون والخلق.٣٢ ليس الغرض توسطًا لوقوع الفعل، بل هو الباعث والدافع. والله لا يحتاج إلى توسط وإن احتاج كان عاجزًا. ولا تتسلسل الأغراض إلى ما لا نهاية لأن الغاية تنتهي بالكمال والتحقق إلى نهاية الزمان؛ فالنهاية إعلان لتحقق الغاية والكمال؛ لذلك كانت الغائية أيضًا كامنة في التاريخ باعتباره تطورًا للإنسان والطبيعة والكون والخلق كله. الغائية في التاريخ كما أنها في الوحي، وتطور التاريخ نحو غاية مماثل لتطور الوحي حيث تظهر في النهاية نتائج الأفعال وآثارها. وإذا كانت الغاية قيمة فالله هو هذه القيمة ليس بشخصه بل بعلمه ومقصده ووحيه. الغائية في التاريخ هي العناية الإلهية على مستوى حركة التاريخ ومساره. ولا تتحقق هذه الغائية بقدرةٍ مشخصة أو إرادةٍ خارجية، كما لا تتحقق تحققًا آليًّا خارج قوانين التاريخ بل تتحقق بفعل الإنسان وطبقًا لقوانين التاريخ. وإذا لم تتحقق الغائية يكون الإنسان قد تخلى عن رسالته في الحياة، ويكون هو المسئول عن عدم تحققها، ولا تقع المسئولية على غياب الغائية وعدمها. ومع ذلك لو تخلى الإنسان عنها اندثر في التاريخ وانهارت الأمم وأتى إنسانٌ آخر ونهضت أممٌ أخرى لأداء الرسالة ولتحقيق الغائية حفاظًا على مصالح الناس والحياة الإنسانية وإبقاءً على الوجود ذاته.
ولما كانت الغائية هي أحد مظاهر العلية بدليل العلة الغائية، فلا يمكن نفي العلية أيضًا؛ إذ لا تعني العلة جواز الضرر والنفع في ذات الله، فالحديث كله إنسانيٌّ خالص على مستوى الإنسان، كما أن إرجاع العلة الغائية إلى حكمة الذات المشخص هروب من المشكلة، ومحاولة لمسك الوحي من الطرفين، إثبات الغائية وإثبات الذات المشخص في آنٍ واحد. ورفض الطرفين أو إثباتهما معًا تحصيل حاصل.٣٣ أمَّا الخوف على قِدَم العالم أو حدوث الله فتلك مسائلُ ميتافيزيقيةٌ خالصة وليس مكانها العلة والغاية بل دليل الحدوث.٣٤ وأفعال الله معللة بأغراض وإلا كانت عبثًا. ولا تعارض بين الحكمة والمصلحة؛ فالحكمة الضارة سفه. ليس التعليل نقصًا أو حطة أو حاجة ليتعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا. بل إن مبحث العلة والمعلول من المبادئ العامة في نظرية الوجود في علم أصول الدين، وهو أساس مباحث العلة في علم أصول الفقه.٣٥ إن رفض التعليل هو هدم للقوانين الإنسانية، وترك للعالم بلا إدراك وللوقائع بلا أساسٍ نظري. ويُشار إلى الفلسفة باعتبارها المسئولة عن نفي العلية؛ لأن واجب الوجود لا يفعل لعلة، في حين أن تصور الفلسفة للعالم تصورٌ حتميٌّ ضروري ويقوم على إثبات العلل الأربعة وفي مقدمتها العلة الغائية. نظام العالم نظامٌ عاقل ومعقول ولكن الخلاف مع علم أصول الدين في صدور العالم لا عن إرادةٍ كعلة بل عن طبيعةٍ كفيض.٣٦

(٤) إثبات الغائية والعلية

إذا دل الدليل على كون الله حكيمًا، فإن الحكمة تنفي العبث وتثبت الغائية. وليست الغائية في شخص الله، في حد ذاته أو صفاته بل في أفعاله، ليس في أصل التوحيد بل في أصل العدل.٣٧ ليس الغرض والغاية نقصًا أو عيبًا أو ضررًا أو منفعةً فحسب. فالغائية جوهر التاريخ والباعث على الحياة. الوحي له غاية وهو كمال الجنس البشري وإعلان استقلال العقل والإرادة. ليس القصد والغاية مظهرًا من مظاهر النقص والحاجة أو جلب المنافع ودرء المضار، فإشباع الحاجات ورعاية المصالح من أسس الشرع ومن أسباب الوحي.٣٨ ولا تعني الغاية الملذات والنعيم والسرور دون مشقة أو تعب أو آلام. فقد يكون في ذلك نفع نتيجة لبذل الجهد. هي ابتلاء وامتحان وتحقيق لقانون الاستحقاق. وكيف تكون النعم ابتداءً دون مشقة وآلام فتنتفي الحكمة من التكليف ويقضى على قانون الاستحقاق؟ ليس المهم هو البداية أو النهاية بل المسار والتجربة والتعلم عن طريق الخطأ والصواب. ولا تعني الغاية الشكر، فلا شكر على أداء الواجبات، والشكر الوحيد هو أداء الواجبات.٣٩
والغاية تستلزم التعليل، والتعليل قائم في الأحكام بل هو قلب علم أصول الفقه. والتعليل هو العلة الغائية لا العلة الفاعلة أو المادية أو الصورية.٤٠ وليست علة الخلق منفعة الإنسان ومنع الضرر عنه فقط، فتلك هي علة التشريع والباعث على الرسالة. إنما علة الخلق تحقيق الرسالة، وأداء الأمانة، والمشاركة في معرفة الله، وتحقيق غايته المتمثلة في مقاصد الوحي. فيتوحد قصد الوحي مع قصد الإنسان. فإذا كان الوحي قصدًا من الله إلى الإنسان كغائية فإن الإنسان بتحقيق هذا القصد يكمل الغائية ويحققها.٤١ وسواء كان التعليل مجازًا أم حقيقةً فهو قائم في الذهن الإنساني. والفكر الديني كله مجاز يقوم على قياس الغائب على الشاهد. الواجبات العقلية إذن أمورٌ ذهنية وليست في الخارج، أبنيةٌ عقلية تُعبِّر عن مقدار عواطف التنزيه. ليس هناك صواب أو خطأٌ نظري بل مقدار شدة عواطف التأليه وتراوحها بين الانفعال وبين اتحادها مع بنية العقل ذاته. الخلاف إذن ليس لفظيًّا فقط، بل في أبنية العقل وتعبيرها عن درجة التعظيم والإجلال.٤٢ الغائية والعلية موجودان في أصل الوحي. فالحكمة هي الكتاب والملك والموعظة الحسنة وفعل الخطاب. حكمة في النظر والعلم، في الوحي والدولة والنصيحة والقول. وصفة الحكيم ليست للذات وحدها مقرونة بالعزيز والعليم والخبير والعلي والحميد، بل صفة للوحي وللكتاب والقرآن والأمر، أي صفة للشرع كغائية في الإنسان والطبيعة والتاريخ.٤٣
١  مسألة الصلاح والأصلح مبينة على قاعدة الحسن والقبح في الأفعال. فالأشاعرة بنوا قولهم بعدم وجوب الصلاح والأصلح عليه تعالى وعدم حرمة تركه على قاعدتهم، وهي أن حسن الأفعال ووجوبها عبارة عن أمر الشارع بها والتكليف والإتيان بها … والمعتزلة بنوا قولهم بوجوب فعل الصلاح والأصلح على أصلهم من أن الأفعال ذاتها، بقطع النظر عن تعلق الأمر والنهي، منها ما هو قبيح وحسن (القول، ص٥٣).
٢  العدل على مذهب أهل السنة أن الله عدل في أفعاله، بمعنى أنه متصرف في ملكه، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. فالعدل وضع الشيء في موضعه، وهو المتصرف في الملك على مقتضى المشيئة، والظلم ضده؛ فلا يتصور منه جور في الحكم وظلم في التصرف (الملل، ج١، ص٦٣). في أنه تعالى لا يجب عليه شيء؛ إذ لا حكم عليه، ولأنه لو وجب عليه شيء فإن لم يستوجب الذم بتركه لم يتحقق الوجوب وإن استوجب كان ناقصًا لذاته مستكملًا بفعله وهو محال (الطوالع، ص١٩٦؛ المطالع، ص١٩٦)، غني لا يحتاج إلى شيء ولا حاكم عليه ولا يجب عليه شيء كاللطف والأصلح والعوض على الآلام (العضدية، ج٢، ص٢٠٥–٢١٧). لا يجب عليه شيء، وما أنعم به فهو فضل منه، وما عاقب به فهو عدل منه. ويجب على العبد ما يوجبه الله عليه. ولا يستفاد بمجرد العقول وجوب شيء بل جميع الأحكام المتعلقة بالتكليف متلقَّاة من قضية الشرع وبوجوب السمع. والدليل على أنه لا يجب على الله شيء أن مقدمة الواجب ما يستوجب اللوم بتركه والرب يتعالى عن التعرض لذلك (لمع الأدلة، ص١٠٨). ما هو الأصلح للعبد ليس بواجب على الله (النسفية، ص١١١). وإلا لما خلق الكافر الفقير المعذب في الدنيا والآخرة، ولما كان له منة على العباد واستحقاق الشكر (شرح التفتازاني، ص١١١-١١٢)؛ لأنه المالك على الإطلاق، فله التصرف في ملكه كيف يشاء حتى لو أنعم العاصي وعذَّب المطيع لم يلزم محال عقلًا (حاشية الكلنبوي، ص٨٨)، بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد؛ إذ له التصرف في ملكه كيف يشاء، فهم يُسألون عما يفعلون لأن فعلهم تصرف في ملك الغير (حاشية الخلخالي، ص١٨٧). ليس عليه واجب من فعل أو ترك لأن إن شاء فعل وإن شاء ترك (التحفة، ص١٣). القول بوجوب الصلاح والأصلح عليه تعالى قولٌ باطل ينكره أهل السنة الذين أصلحوا القول والعمل (القول، ص٥٢). قول المعتزلة باللزوم العقلي في هذه المواد، أعني اللطف والأصلح وغيرها فاسد (حاشية الكلنبوي، ص١٨٥-١٨٦). وقد أجمل الغزالي جملة الواجبات العقلية في سبعة ورفضها جميعًا بقوله: في أفعال الله، وجملة أفعاله جائزة، لا يوصف شيء منها بالوجوب سبعة أمور: (أ) لا يجوز لله أن يكلف عباده. (ب) يجوز أن يكلفهم ما لا يُطاق (وكلاهما ضد الواجبات العقلية). (ج) يجوز منه إيلام العباد بغير عوض وجناية (ضد التعويض عن الآلام بلا استحقاق). (د) لا يجب رعاية الأصلح لهم (ضد الصلاح والأصلح). (ﻫ) لا يجب عليه ثواب الطاعة وعقاب المعصية (ضد قانون الاستحقاق). (و) لا يجب على العبد شيء بالعقل بل بالشرع (ضد الحسن والقبح العقليين). (ز) لا يجب على الله بعثة الرسل وأنه لو بعث لم يكن قبيحًا ولا محالًا بل أمكن إظهار صدقهم بالمعجزة، بل ولا يجب عليه كذلك لطفًا (الاقتصاد، ص٨٣-٨٤). لا يجب على الله شيء بالعقل لا بالصلاح ولا الأصلح ولا اللطف، وكل ما يقتضيه العقل من الحكمة الموجبة فيقتضي مقتضاه من وجهٍ آخر، في إبطال القول بالصلاح والأصلح واللطف (النهاية، ص٣٩٧–٤١٦). لو كان الصلاح واجبًا عليه لما أنزل الضرر بالأطفال، لا يجب رعاية الأصلح لهم، لا يجب عليه رعاية الأصلح لعباده بل له أن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد (الاقتصاد، ص٨٣، ص٩٥). الغرض والصلاح ووجوب رعايته ممتنع في حق واجب الوجود … إذ يمتنع رعاية الأصلح نفيًا للطغيان … ويمتنع التكليف لدفع الكفران (الغاية، ص٢٤٣-٢٤٤). والله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، وما هو الأصلح للعبد فليس ذلك بواجب على الله (النسفية، ص٩٦–١١٢). لا يجب على الله شيء (النظامية، ص٤٧). الممكنات جائزة في حقه (الكفاية، ص٦٥–٦٨). جواز أن يفعل غير الصالح (الحصون، ص٢٩–٣٢). لا يجب عليه شيء كاللطف والأصلح والعوض والآلام (العضدية، ج١، ص١٨١–٢١٧). الأصلح في الدنيا غير واجب لأن الأصلح للكافر لا يخلق حتى يكون معذبًا في الدارين والأصلح أن يخلق عباده في الجنة وأن يُغنيهم بالمشتهيات الحسنة على القبيحة (الفصل، ص١٤٨). ويشارك في ذلك من المعتزلة القاضي عبد الجبار (الأصلح، ص١٠٣). وبعض المشبهة لم يُثبتوا رعاية الصلاح والأصلح واللطف عقلًا مثل المعتزلة (الملل، ج٢، ص٢١). وبالرغم من قول الكرامية بالحسن والقبح العقليَّين مثل المعتزلة ولكنها لم تثبت اللطف أو الصلاح والأصلح (الملل، ج٢، ص٢١). وقد قيل في ذلك شعرًا:
ومن يفعل فعل الصلاح وجبا
على الإله فقد أساء الأدبا
(الخريدة، ص٤٢–٤٤)
وقولهم إن الصلاح واجب
عليه زور ما عليه واجب
ألم يروا إيلامه الأطفالا
ومشبهها فحاذر المحالا
وجائز عليه خلق الشر
وأنه كالإسلام جهل وكفر
ودعوى الصلاح واجب والأصلح
باطلة عند الذين أصلحوا
(الوسيلة، ص٥٢)
٣  كما ترك واصل بن عطاء حلقة الحسن البصري بسبب مشكلة مرتكب الكبيرة، وبالتالي أصبح الاعتزال انشقاقًا عن أهل السنة، فإن هذه القصة الخيالية هي السبب في الانشقاق الثاني؛ انشقاق الأشاعرة من المعتزلة، وهي السبب الذي من أجله ترك الأشعري المعتزلة وهو في نقاشه مع أستاذه أبي علي الجبائي. وهي قصةٌ واردة في معظم المؤلفات الكلامية مع اختلافاتٍ صغيرة من ثلاثة أطفال أو ثلاثة إخوة. الطفل في رأي البعض (الدواني) لا يُثاب ولا يعاقب ويطالب بالثواب. وفي روايةٍ أخرى دخل الجنة ولكن في رتبةٍ دنيا (الاقتصاد، ص٩٥؛ الأصول، ص١٥١-١٥٢؛ الملل، ج١، ص١٣٨؛ شرح الفقه، ص٦٤؛ النهاية، ص٤٠٩-٤١٠؛ الغاية، ص٢٢٧-٢٢٨؛ القصة نفسها في التحفة، ص١٢؛ شرح الخريدة، ص٤٤). جرت بين الأشعري وأستاذه مناظرة في مسألة الصلاح والأصلح فتخاصما وانحاز الأشعري إلى طائفة الصفاتية (الملل، ج١، ص١٣٨؛ شرح الدواني، ص١٩١-١٩٢؛ المواقف، ص٣٢٩؛ الفصل، ج٣، ص١٢١–١٢٧).
٤  في جواز إماتة من علم الله عنه الإيمان لو لم يُمتْه. أجاز أصحابنا من الله إماتة من يعلم أنه لو أبقاه لآمن أو ازداد طاعة (الأصول، ص١٥١-١٥٢). وعند أهل السنة لو خلق الكفرة دون المؤمنين أو خلق المؤمنين دون الكفرة لجاز ولم يقدح ذلك في حكمته (الفِرَق، ص٢٢١). في بقاء حكمة الله لو لم يخلق الخلق أو لم يخلق غير الكفرة. قال الأصحاب إن الله حكيم في خلق كل خلق، ولو لم يخلق الخلق لم يخرج عن الحكمة، ولو خلق أضدادها لجاز. ولو خلق الكفرة دون المؤمنين أو خلق المؤمنين دون الكفرة جاز. ولو خلق الجمادات دون الأحياء والأحياء دون الجمادات جاز. وكانت كل هذه الوجوه منه صوابًا وعدلًا وحكمةً (الأصول، ص١٥٠؛ النهاية، ص٤٠٩؛ الأصلح، ص١٤٠–١٤٩). الأصلح للكافر الفقير المعذب في الدنيا والآخرة ألا يُخلَق (المواقف، ص٣٢٩). الأصلح له عدم خلقه ثم إماتته ثم سلب عقله قبل التكليف (حاشية الخلخالي، ص١١١-١١٢؛ حاشية الإسفراييني، ص١١١؛ حاشية التفتازاني، ص١١١-١١٢). وكان الأفضل للبشر إماتة إبليس وإماتة النبي (حاشية الكلنبوي، ص١٩١). الأصلح للكافر الفقير ألا يخلق (الطوالع، ص١٩٦). وحتى لا يكون معذبًا في الدارين (المطالع، ص١٩٦).
٥  إن كل صلاح تقدره بالعقل بالنسبة إلى شخص عارضه صلاح فوق ذلك أو فساد مثل ذلك بالنسبة إلى شخصٍ آخر (النهاية، ص٣٩٩-٤٠٠؛ الأصلح، ص٩٧–١٠٣؛ حاشية الكلنبوي، ص١٩٠-١٩١). مراد المعتزلة الأصلح بالنسبة إلى الشخص لا بالنسبة إلى الكل، ومراد الفلاسفة عكس ذلك في نظام العالم (القول، ص٥٣).
٦  هذا هو رأي بعض المعتزلة مثل القاضي عبد الجبار وبشر الذين لا يقولون بالصلاح والأصلح (التعديل والتجوير، ص٢٠٦؛ الأصلح، ص٥٦–٦٧). فعند بشر ليس على الله أن يفعل بعباده أصلح الأشياء بل ذلك محال لأن لا غاية ولا نهاية لما يقدر عليه من الصلاح، وإنما عليه أن يفعل بهم ما هو أصلح لهم في دينهم وأن يزيح عللهم فيما يحتاجون إليه لأداء ما كلفهم وما تيسر عليهم مع وجوب العمل بما أمرهم به، وقد فعل ذلك بهم وقطع منهم (مقالات، ج١، ص٢٨٧-٢٨٨). لا يجب عليه رعاية الأصلح وأنه لا غاية لما يقدر عليه من الصلاح فما من أصلح إلا وفوقه أصلح وإنما عليه أن يمكن العبد بالقدرة والاستطاعة ويترجح العلل بالدعوة والرسالة (الملل، ج١، ص٩٧-٩٨). ويلتقي بشر هنا مع الأشاعرة في رفض الأصلح (الغاية، ٢٢٨-٢٢٩؛ الفصل، ج٣، ص٢٢٤؛ النهاية، ص٣٩٨). لولا خلق العالم اختيارًا لم يجب عليه شيء من اللطف أي الأصلح ولا العقاب (حاشية الكلنبوي، ص١٩٧-١٩٨). وعند بشر لو خلق العقلاء ابتداءً في الجنة وتفضَّل عليهم بذلك لكان ذلك أصلح لهم (الفِرَق، ص١٥٦). ابتداء الخلق في الجنة كان أصلح لهم من ابتدائهم في الدنيا وإماتة من علم أنه يكفر خير له من تبقيته (الانتصار، ص٦٤-٦٥). لو علم الله من عبده أنه لو أبقاه لآمن كان إبقاؤه إياه أصلح له من أن يميته كافرًا (الفِرَق، ص١٥٦).
٧  يقول ابن حزم: «إن الله منع الأموال قومًا وأعطاها آخرين، وأمات قومًا من أوليائه وأحيا أعداءه» (الفصل، ج٣، ص١٢١).
٨  قالت المعتزلة طبقًا لمصنفات الأشاعرة في العلم بأنه تعالى يجب عليه فعل الصلاح بالعبد (الكفاية، ص٦٥–٦٨). وفي رأيهم أن المعتزلة قد حجروا على الله أفعاله وأوجبوا عليه رعاية الأصلح (الاقتصاد، ص٩٥). لما قال المعتزلة بالوجوب العقلي بمعنى استحقاق التارك الذم عند العقل لما في تركه من الإضلال بالحكمة جعلوا من فروع هذه المسألة وجوب الأصلح عليه (التحقيق، ص٢٤٦). وأوجبت المعتزلة أمورًا أن الله يفعل الأصلح لعباده في الدنيا (الطوالع، ص١٩٦). الرب يتقدس عن الانتفاع والتضرر؛ إذ لا معنى للنفع والضرر والآلام واللذة والرب متعالٍ عنهما (الإرشاد، ص٢٧١). وعند النظام: يقدر الله على فعل ما يعلم أن فيه صلاحًا لعباده، ولا يقدر على أن يفعل لعباده في الدنيا ما ليس فيه صلاحهم، هذا في تعلق قدرته بما يتعلق بأمور الدنيا (الملل، ج١، ص٨٠–٨٢). أحال النظام القدرة على الظلم (الفِرَق، ص١٣٢). وقال إن الله لا يقدر أن يفعل بعباده خلاف ما فيه صلاحهم (الفِرَق، ص١٣٣-١٣٤). واتفقوا على أن الحكيم لا يفعل إلا الصلاح والخير. ويجب من حيث الحكمة رعاية مصالح العباد (الملل، ج١، ص٦٧).
٩  (الإرشاد، ص٢٩١-٢٩٢). عند أبي الهذيل: إن فعل ما دونه من الصلاح من فعل الأصلح مع الأشياء فساد، وأن الله لو فعل ما هو دون وضع ما هو أصلح لكان جميعًا فسادًا. لا يُقال يقدر الله على فعل ما هو أصلح مما فعله لأنه لو قدر على ذلك كان فعل ما هو أصلح أولى، والله لا يدع فعل ما هو أصلح؛ لأنه أولى به ولأنه لم يخلق حاجة به إليهم، وإنما خلقهم لأن خلقه لهم حكمة وإنما أراد منفعتهم وليس ببخيل، ومِنْ ثَمَّ فلم يجز أن يدع ما هو أصلح ويفعل ما هو دون ذلك، غير أنه يقدر على دون ما صنع ومثله؛ لأنه غير عاجز ولو لم يوصف أنه قادر على ذلك لكان يوصف بالعجز. قال آخرون: ما يقدر عليه من الصلاح له كل وغاية، ولا شيء أصلح من فعل ويقدر على ما هو دونه. ولا يُقال يقدر على ما هو أصلح مما فعله ولا مثله؛ لأنه لو قدر على مثله لم يكن ما فعل أصلح الأمور. لو قدر على ما هو أصلح مما فعل فلم يفعل؛ كان قد بخل ولا يجوز أن يأمر الله العباد بغير ما أمرهم به (مقالات، ج٢، ص٢١٦؛ النهاية، ص٤٠٦-٤٠٧؛ الأصلح، ص٧٢–٨٦؛ الغاية، ص٢٣١-٢٣٢؛ الإرشاد، ص٢٨٩).
١٠  هل يوصف الباري بأنه قادر على أصلح مما فعل بعباده؟ قالت المعتزلة: إن أردتم أن الله يقدر على أمثال الذي هو أصلح مما فعله بعباده؛ فالله يقدر على أمثاله على ما لا غاية ولا نهاية. وإن أردتم يقدر على شيء أصلح من هذا قد ادخره عن عباده بحاجتهم إليه في إدراك ما كلفهم فإن أصلح الأشياء هو الغاية، ولا شيء يقوم وراء الغاية فيقدر عليه أو يعجز عنه لأن ما فعله بهم فهو غاية الصلاح. وأجابوا على نحو آخر: لا شيء فعله الله بعبده من الصلاح إلا وهو قادر على أصلح منه. ولا يجوز في حكمة الله أن يدخر منها شيئًا أصلح مما يفعله بهم لهم، وأن فعله بهم ليس في مقدوره ما هو أصلح لهم منه، وليس شيء فعله بهم من الصلاح إلا وهو قادر على مثله أو أمثاله، لا غاية لذلك ولا جميع له. وأنه قادر على ما فعله بهم من الصلاح وعلى ضده من الفساد (مقالات، ج١، ص٢٢٤). وقال آخرون: ما يقدر عليه من الاستصلاح له كل وجميع، ولا استصلاح إلى ما فعله أو يفعل. ولا يُقال يقدر على أصلح مما فعل ولا على مثله ولا على صلاح دون ما فعل؛ لأن الله لا يدع صلاحًا إلا فعله لأنه ليس ببخيل فيمنع نعمه ويدخر فضله، وأنه لا يموت العبد إلا ولم يبقَ له صلاح إلا فعله به (مقالات، ج٢، ص٢٢٧). وعند النظام والأسواري والجاحظ وصف الله بالقدرة على الظلم والكذب وترك الأصلح محال وإن كان يقدر على أفعال الأصلح والحسن على ما لا نهاية (التعديل والتجوير، ص١٢٧). لا يوصف الله بالقدرة على الظلم والكذب وعلى ترك الأصلح من الأفعال التي ما ليس بأصلح وقد يقدر على ترك ذلك إلى أمثال لا نهاية لها مما يقوم مقامه (مقالات، ج٢، ص٢٠٩). وعندهم لا يقدر أن يعمي بصيرًا أو يزمن صحيحًا أو يفقر غنيًّا. لا يقدر على أن يخلق حية أو عقربًا أو جسمًا إذا كان خلق غيره أصلح (الفِرَق، ص١٣٣-١٣٤). وعند النظام أن الله لا يفعل إلا الأصلح ولا يجوز عليه ترك ما يعلم أن فعله أصلح لخلقه من تركه أو حتى تأخيره. الله لا يقدر على أن يزيد في الخلق ذرة ولا ينقص منه ذرة لأنه علم أن أصلح الأمور كونه على ما هو عليه (الاقتصاد، ص١٧-١٨، ص٢٣–٢٥، ص١٢٩-١٣٠). أنكرت المعتزلة أن الله يضر أحدًا في الحقيقة (مقالات، ج٢، ص١٩٥-١٩٦). وأوجب الكعبي على الله فعل الأصلح في باب التكليف (الفِرَق، ص٨٢). وعند بشر الله لا يفعل إلا الأصلح. وعند النظام: الأصلح هو الذي حدث وأن الله لا يفعل إلا الأصلح (مقالات، ج٢، ص٢٢٣، ص٢٢٧). وعند عباد: الله لو كان يقدر ولا يفعل يكون جورًا (مقالات، ج٢، ص٢٢٣–٢٢٧). أمَّا الجبائي وابنه فعندهم أن الله لم يدخر عن عباده شيئًا علم أنه إذا فعل بهم أمرًا بالطاعة والتوبة من الصلاح والأصلح واللطف لأنه قادرٌ عالمٌ جوادٌ حكيم، لا يُعجِزه الإعطاء ولا ينقص من خزائنه ولا يزيد في ملكه الادخار، وليس هو الأصلح إلا لذلك. هو الأجود في العاقبة والأصوب في الأجل وإن كان ذلك مؤلمًا مكروهًا … ولا يُقال إنه تعالى يقدر على شيء هو أصلح مما فعله بعبده (الملل، ج١، ص١١٨). والأصلح عند البلخي واجب وهو لا يقول بوجوبه في جميع المواضيع بل يقول في المواضيع المتعلقة بإزاحة علل المكلفين (شرح المحصل، ص١١٨-١١٩). أوجبت المعتزلة أمورًا منها أن يفعل الأصلح لعباده في الدنيا (الطوالع، ص١٩٦). ويروي ابن الراوندي أن النظام كان يقول إن الله إذا علم أن فعل شيء أصلح من تركه استحال منه تركه والتخلف عنه. ويدافع الخيام عن ذلك لأن هذا ما توافق عليه الأمة إلا من أثبت لله القدرة على الظلم من المعتزلة. أمَّا المجبرة بأسرها والرافضة كلها والمرجئة ومن تكلم من النوابت فإنهم بأجمعهم يحيلون القدرة على الظلم (الاقتصاد، ص١٧-١٨)، وأنه لا يجوز من الله ترك ما يعلم أن فعله أصلح لخلقه من تركه؛ فلم يجوِّزوا عليه الترك (الانتصار، ص١٣–١٥؛ الأصلح، ص٣٣–٥٣).
١١  أصحاب الإثبات هم بشر بن المعتمر وجعفر بن حرب، فلديهم أن الله خير يفعل الخير (مقالات، ج٢، ص٢٢٣–٢٢٧؛ الفِرَق، ص١٥٦؛ الانتصار، ص٦٤-٦٥). وأصحاب النفي هو رأي جمهور المعتزلة إلا جماعة بشر (مقالات، ج٢، ص٢٢٣–٢٢٧). الأولون أصحاب اللطف والآخرون أصحاب الأصلح. ويصف أصحاب الأصلح أصحاب اللطف بأنهم مُحجِّرون لله مُجهِّلون له، ويصف أصحاب اللطف أصحاب الأصلح بأنهم مُعجِّزون لله مُشبِّهون له بخلقه (الفصل، ج٣، ص١٠٠)؛ لذلك انقسم المعتزلة قسمَين، الأوَّل يقول بأن الله قادر على أمثال ما فعل من الصلاح بلا نهاية، وقال الأقل منهم مثل عباد ومن وافقه: هذا باطل لأنه لا يجوز أن يترك الله شيئًا يقدر عليه من الصلاح من أجل فعله الصلاح. كان بشر يكفِّر من قال بالأصلح، والمعتزلة ترى أن بشرًا تاب عن القول باللطف ورجع إلى القول بالأصلح (الفصل، ج٣، ص١٢٠). اختلف المعتزلة في الأصلح؛ طائفة قالت بالصلاح في وجوب الرعاية، وطائفة أحالت القول بوجوبه بناءً على أن ما من صالح إلا وفوقه ما هو أصلح منه إلى غير نهاية (الغاية، ص٢٢٤-٢٢٥).
١٢  قالت المعتزلة حاشا ضرار بن عمر وحفص الفرد وبشر بن المعتمر ويسير من أتباعهم إنه ليس عند الله شيء أصلح مما أعطاه جميع الناس كافرهم ومؤمنهم، ولا عنده هدًى مما هدى به. الكافر والمؤمن قد استويا، وأنه ليس يقدر على شيء هو أصلح مما فعل بالكفار والمؤمنين (الفصل، ج٣، ص١٢٠). في حين ذهب ضرار وجعفر وبشر ومن أتباعهم إلى أن عند الله ألطافًا كثيرةً لا نهاية لها لو أعطاها الكفار لآمنوا إيمانًا اختياريًّا يستمتعون به الثواب بالجنة، وقد أشار أبو علي الجبائي وابنه أبو هاشم بذلك (الفصل، ج٣، ص١٢٠)؛ لذلك يردُّ الكرامية على قصة الإخوة الثلاثة بأنه لو خلق الله الخلق وكان من معلومه أنه لا يؤمن به أحد منهم لكان خلقه إياهم عبثًا. وإنما حسن منه خلق جميعهم لعلمه بإيمان بعضهم. فلا يجوز في حكمة الله اخترام الطفل الذي يعلم أنه إن أبقاه إلى زمان بلوغه آمن ولا اخترام الكافر الذي لو أبقاه إلى مدة آمن إلا أن يكون في اخترامه إياه قبل وقت إيمانه صلاح لغيره. ويلزمهم على هذا القول أن يكون الله إنما اخترم إبراهيم ابن النبي قبل بلوغه لأنه علم أنه لو أبقاه لم يؤمن. وفي هذا قدح منهم في كل من مات من ذراريِّ الأنبياء طفلًا (الفِرَق، ص٢٢١).
١٣  النهاية، ص٤٠٩؛ الأصلح، ص٧٠–٧٢؛ الإرشاد، ص٢٩٠-٢٩١.
١٤  مثلًا يكون الأصلح لإبليس إبقاؤه طول الزمان وإقداره على إضلال العباد مع أن يوجب مزيدًا من عذابه، ولا يخفى أن مرادهم بالأصلح بالنسبة إلى الكل من حيث الكل كما ذهب إليه الفلاسفة في نظام العالم (شرح الدواني، ص١٩٠-١٩١). ولذلك يكون الخلود لأهل النار صلاحًا لهم (النهاية، ص٤٠٧؛ الغاية، ص٢٤٢-٢٤٣؛ الأصلح، ص١٤٠، ص١٠٦–١١٠).
١٥  النهاية، ص٤٠٧-٤٠٨؛ الأصلح، ص٩٠–١٩٧.
١٦  النهاية، ص٤٠٧-٤٠٨؛ الأصلح، ص٨٦-٨٧، ص٦٧–٧٠.
١٧  يتهم الأشاعرة المعتزلة بأنهم يُجوِّزون الزيادة والنقصان في الشرع طبقًا للصلاح والأصلح. فعند الأشاعرة: كل ما ورد به الشرع من صلاة وزكاة وصوم وحج وغير ذلك فقد كان جائزًا ورود الشرع بالزيادة فيه وبالنقصان منه. وكذلك لو أباح الشرع ما حرمه وحرم ما أباحه كان جائزًا. وإنما خصَّ الله الشريعة بما استقرت عليه لأنه أراد ذلك، ولا مدخل في تقدير شيء منه للعقل. ثم يستأنف الأشاعرة: وزعم المدَّعون للأصلح من القدرية أن ما أوجبه الشرع لم يكن جائزًا سقوطه، وما أسقطه لم يكن جائزًا وجوبه ولا الزيادة ولا النقصان فيه. وأسرت هذه الطائفة إبطال فائدة مجيء الرسل وإن لم يصرحوا به خوفًا من الشناعة عند الإشاعة. ثم كيَّف وجه دلالة العقل على عدد الركعات وعلى السعي بين الصفا والمروة وتحميل العاقلة الدية دون القاتل، إلا أن يُراد به دلالة العقل على جواز ورود الشرع بذلك فلا ننكره! (الأصول، ص١٤٩-١٥٠).
١٨  عند معتزلة بغداد والبصرة يجب على الله فعل الأصلح في الدين وإنما الخلاف في فعل الأصلح في الدنيا (الإرشاد، ص٢٨٧–٢٩٠). فبينما أوجب معتزلة بغداد الأصلح في الدين والدنيا أوجب معتزلة البصرة الأصلح في الدين فقط (الفقه، ص١٢؛ شرح عبد السلام، ص١٠٢؛ الطوالع، ص١٩٦؛ حاشية الإسفراييني، ص١١؛ شرح الدواني، ص١٩٠، حاشية السيالكوتي، ص١٧٤-١٧٥). أراد الفريق الأوَّل الصلاح والأصلح في الحكمة والتدبير بينما أراد الفريق الثاني الأنفع (القول، ص٥٢-٥٣). قالت المعتزلة نحن على طريقَين في وجوب رعاية الصلاح والأصلح: (أ) شيوخ بغداد: الواجب في الحكمة لخلق العالم وخلق من يكون قابلًا للتكليف ثم استصلاح حاله بأقصى ما يقدر من إكمال العقل والإقدار على النظر والفعل وإظهار الآيات وإزاحة العلل وكل ما ينال العبد في الحال والمآل من البأساء والضراء والفقر والغنى والمرض والصحة والحياة والموت والثواب والعقاب فهو صلاح له. في تخليد أهل النار في النار صلاح لهم وأصلح. فإنهم لو خرجوا منهم لعادوا لما نهوا عنه وصاروا إلى أشرَّ من الأوَّل. (ب) شيوخ البصرة: ابتداء الخلق تفضل وإنعام من الله من غير إيجاب عليه، لكنه إذا خلق العقلاء وكلفهم وجب عليه إزاحة عللهم من كل وجه ورعاية الأصلح، والأصلح في حقهم بأتم وجه وأبلغ غاية (النهاية، ص٤٠٤-٤٠٥). والدليل على المذهبَين أن الصانع حكيم … فأصل الخلق والتكليف صلاح، والجزاء صلاح. وأبلغ ما يمكن في كل صلاح هو الأصلح وزيادات الدواعي والصوارف والبواعث والزواجر في الشرع وتقدير ألطافٍ بعضها خفي وبعضها جلي. فأفعال الله اليوم لا تخلو من صلاح وأصلح ولطف، وأفعال الله غدًا على سبيل الجزاء إمَّا ثواب أو عوض أو تفضُّل. فالصلاح ضد الفساد، وكل ما عرى عن الفساد يُسَمَّى صلاحًا وهو الفعل المتوجه إلى الخير من قوام العالم وبقاء النوع عاجلًا والمؤدي إلى السعادة السرمدية آجلًا. الأصلح هو إذن صلاحان وخيران وهو الفعل الذي علم الرب أن العبد يطيع عنده. وليس في مقدور الله لطف وفعل لو فعله لآمن الكفار ثم الثواب هو الجزاء على الأعمال الحسنة، والعوض هو البدل عن الغائب كالسلامة التي بدل الألم، والنعيم الذي هو في مقابل البلايا والرزايا والفتن. والتفضل هو اتصال منفعةٍ خاصة إلى الغير من غير استحقاق يستحق بذلك حمدًا وثناءً ومدحًا وتعظيمًا. ووصف بأنه محسن مجمل وإن لم يفعله لم يستوجب بذلك ملامًا ولا ذمًّا (النهاية، ص٤٠٥-٤٠٦)! عند معتزلة بغداد الخلق حتم على الله وواجب وجوب الحكمة، وإذا خلق الذين علم أنه مكلفهم فيجب إكمال عقولهم فهو عند هؤلاء الأصلح لهم (الإرشاد، ص٢٨٧). وعند النظام يقدر الله على ما فعل ما يعلم أن فيه صلاحًا لعباده ولا يقدر على أن يفعل لعباده في الدنيا ما ليس فيه صلاحهم، هذا في متعلِّق قدرته بأمور الدنيا (الملل، ج١، ص٨٠-٨١).
١٩  يرى النظام أنه في أمور الآخرة لا يوصف الباري بالقدرة على أن يزيد في عذاب أهل النار (الملل، ج١، ص٨٠–٨٢). لا يقدر أن ينقص من نعيم أهل الجنة ذرة لأن نعيمهم صلاح لهم والنقصان مما فيه الصلاح ظلم عنده ولا يقدر أن يزيد في عذاب النار ذرة ولا على أن ينقص من عذابهم شيئًا. إن الله لا يقدر أن يخرج أحدًا من أهل الجنة ولا يقدر أن يلقي في النار من ليس من أهل النار. ويروي ابن الراوندي أن النظام كان يقول إن تنعيم أهل الجنة أصلح لهم من الفناء والموت، فإذا قيل له: أيقدر الله الذي خلق أهل الجنة أن يميتهم وقد علم تنعمهم وإحياءهم أصلح لهم من الفناء والموت حتى يبقى وحده كما كان وحده؟ قال: هذا محال (الانتصار، ص١٧-١٨). وعند النظام والجاحظ وعلي الأسواري لا يقدر أن يزيد في عذاب أهل النار ذرة ولا أن يُخرج أحدًا من الجنة أو أن يُدخل أحدًا النار ممن ليس فيها. لو وقف الطفل على شفير جهنم لم يكن قادرًا على إلقائه فيها وقدر الطفل والزبانية على ذلك (الفِرَق، ص١٣٣-١٣٤). لا يجوز وصفه بالقدرة على إدخال أحد أهل النار الجنة ولا على إدخال أحد من أهل الجنة النار ولا على إخراج أحد من أهل النار منها وعلى إخراج أحد دخل الجنة عنها ولا على إماتة أحد من أهل الدارين وإن كان هو الذي أحياه ولا على الزيادة فيما يجازيهم به ولا على النقصان (نقلًا عن ابن الراوندي، الانتصار، ص٢٦-٢٧). أحالوا أن يوصف الباري بالقدرة على عذاب المؤمنين والأطفال وإلقائهم في جهنم (مقالات، ج٢، ص٢٠٩). وعند معتزلة بغداد خلود أهل النار في الأغلال والأنكال أصلح لهم من الخروج من النار، وكذلك الأصلح للفسقة في دار الدنيا أن يلعنهم الله ويحبط أعمالهم ويحبط ثواب أقربائهم إذا اخترموا قبل التوبة (الإرشاد، ص٢٨٧).
٢٠  يحيل البغدادي فكرة الأصلح وعدم القدرة على الجور عند النظام إلى مصدرٍ ثنوي؛ فالنور لا يستطيع أن يفعل إلا الخير، والظلمة لا تستطيع أن تفعل إلا الشر (الفِرَق، ص١٣١، ص١٣٤؛ الشرح، ص١٣٤).
٢١  يجعل بعض المتأخرين الصلاح والأصلح واردًا من الداخل، إمَّا من علوم الحكمة أو علوم التصوف. ذهب أرباب الكشف إلى ما ذهب إليه الفلاسفة ويؤيده ما نقل من الإمام الغزالي من أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان؛ إذ ليس في الجود بخل ولا في القدرة نقصان. ولا نعني أن قوله بالإيجاب الموجب لقدم العالم والجمع بين القِدَم والشريعة مشكلة (حاشية الكلنبوي، ص١٩٢). بينما حاول البعض الآخر إثبات الصلاح والأصلح بغية الإصلاح. فلا خلاف بين المثبت والنافي؛ فالمعتزلة قالوا بوجوب الصلاح والأصلح بمعنى وجوب صدور الفعل، والأشاعرة قالوا اختيارًا؛ فالخلاف في الحرية. آثر المعتزلة حرية الإنسان وجبر الله، وآثر الأشاعرة جبر الإنسان وحرية الله (القول، ص٣٥–٣٩، ص٥٥).
٢٢  ذكر لفظ صلح في القرآن ١٨٠ مرة بصيغٍ عديدة، منها ٣٠ مرة فعلًا، ١٥٠ مرة اسمًا، مما يدل على أنه ليس فقط فعلًا، بل هو اسم أي جوهر ووضع. والفعل للإنسان. فالذي يصلح هم الآباء أو ذوات البين أو المؤمن الثابت التقي العفو الذي يكفر عن سيئاته أو الزوجات أو الزوج أو مجموع المؤمنين أو الناس. وفي الصيغة الفعلية ذكر ٤ مرات لله، ولكن ٢٦ مرة للإنسان. أمَّا الاسم فله صياغاتٌ عديدة، أمَّا «صلح» (مرتان) أو «صالح» مفردًا، ٣٠ مرةً صالحون جمع مذكر، ٦٢ مرة الصالحات جمع مؤنث. وذكر صالح اسم علم ١١ مرة، والباقي وصف للعمل إلا مرةً واحدة لله (٦٦: ٤)، أمَّا جمع المذكر «الصالحون» فهم للبشر، وطليعتهم الأنبياء، وجمع المؤنث «الصالحات» كلها للأعمال. أمَّا الصيغة الثانية «إصلاح» فتظهر ١٢ مرة من مجموع ١٨٠ مرة، الأولى للإشارة إلى الإصلاح بين الزوجَين مرتَين: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا (٢: ٢٢٨)، إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا (٤: ٣٥)، وإصلاح حال الناس، اليتامى والفقراء مرتين: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ (٢: ٢٢٠)، إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ (٤: ١١٤)، والإصلاح في الأرض مرتين: وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا (٧: ٥٦)، وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ (٧: ٨٥)، الله يعلم المفسد من المصلح: وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ (٢: ٢٢٠)، ولا يضيع أجر الصالحين: إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (٧: ١٧٠)، ويظل الإصلاح فعلًا إنسانيًّا حرًّا يدركه العقل وقد تأباه المصالح والأهواء: قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (٢: ١١)، وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (٢٨: ١٩)، ويظل فعل الإصلاح الإنساني شرطًا وفعل الجزاء الإلهي مشروطًا: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (١١: ١١٧).
٢٣  ذكر لفظ «الفساد» ومشتقاته في القرآن ٥٠ مرةً؛ أي أقل من الإصلاح، وكأن الإصلاح أغلب على البشر من الإفساد؛ منها ١٨ مرة فعلًا، ٣٢ مرة اسمًا؛ مما يدل على أن الفساد أيضًا كالإصلاح ليس مجرد فعل بل هو اسم وجوهر ووضع. وفي الأفعال يظهر الفعل الإنساني في كل المرات باستثناء مرتين يظهر فعل الله فيهما عن طريق نفي تعدد الآلهة حتى لا يحدث الفساد: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا (٢١: ٢٢)، أو عن طريق فعل الناس أي حركة التاريخ وصراع المجتمعات وليس مباشرة: وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ (٢: ٢٥١)، ثم يظهر الفساد مباشرةً من الأفعال الإنسانية بتغليب الهوى على العقل، والغرض الخاص على الحق العام: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ (٢٣: ٧١)، وقد يحدث بفعل الملوك أي القيادة السياسية ونظم الحكم الملكية الفرعونية القهرية: قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا (٢٧: ٣٤)، وقد يأتي الفساد من القوم مثل إسرائيل: لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ (١٧: ٤)، أو الرهط: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (٢٧: ٤٨)، أو القوم: أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ (٧: ١٢٧)، أو الناس: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (٢: ١١)، وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِبَعْدَ إِصْلَاحِهَا (٧: ٥٦)، (٧: ٨٥)، فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ (٤٧: ٢٢)، وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ (٢: ٢٧)، (١٣: ٢٥)، زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (١٦: ٨٨)، الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (٢٦: ١٥٢)، وقد يأتي الفساد من الإنسان وحده: وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا (٢: ٢٠٥)، قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ (٢: ٣٠)، وحتى ذلك الفساد الفردي طارئ ونتيجة للتولي عن الحق وعدم إعمال العقل ولا يمنع من الخلق والتكليف. أمَّا لفظ الفساد كاسم فقد ورد ٣٢ مرة، منها ١١ مرة اسم مجرد الفساد، ٢١ مرة اسم شخص، مجرد مرة واحدة «المفسد»، وجمعًا ٢٠ مرة «المفسدون»؛ مما يدل على أن الفساد فعل بشر وليس شيئًا مجردًا، وأنه فعل جماعة وليس فعل فرد. يظهر الفساد في الأرض ١٦ مرة، فقتل النفس فساد في الأرض: مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا (٥: ٣٢)، وعدم الفعل والإحجام عنه فساد في الأرض: إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (٨: ٧٣)، وكذلك الامتناع عن النهي وعن المنكر: فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ (١١: ١١٦)، والاستعلاء: نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا (٢٨: ٨٣)، والكتل المتصارعة: إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ (١٨: ٩٤)، كما يظهر الفساد في البر والبحر وفي البلاد: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ (٣٠: ٤١)، الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (٨٩: ١١-١٢)، والامتناع عن الفساد أمرٌ إلهي: وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ (٢٨: ٧٧)، وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ(٢: ٦٠)، (٧: ٧٤)، (١١: ٨٥)، (٢٦: ١٨٣)، (٢٩: ٣٦)،وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (٧: ١٤٢)، والله لا يحب الفساد فكيف يكون مصدرًا له أو آمرًا به أو مسئولًا عنه: وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (٢: ٢٠٥)، ولا يحب المفسدين أي الفساد المتحقق في الأعمال من الأفراد والأقوام: وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٥: ٦٤)، إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٢٨: ٧٧)، إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (١٠: ٨١)، وتظهر عاقبة الفساد وفي حياة الإنسان والجماعات في الدنيا كنتائج الأفعال وطبقًا لقانون الاستحقاق كجزاء: وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٧: ٨٦)، فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٧: ١٠٣)، (٢٧: ١٤)، والإنسان قادر على التمييز بين الإصلاح والفساد والاختيار بينهما، فهو عاقل وحر. الله يعلم الفساد ولكنه لا يفعله: وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ (٢: ٢٢٠)، والفساد من أيدي الناس ولكنهم لا يتحملون المسئولية: أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (٢: ١٢)، ومظاهر الفساد المعنوي والمادي في عديد من الآيات مثل: لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ (٢: ٢٠٥)، مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ (٥: ٣٢)، إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ (٨: ٧٣)، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ (٤٠: ٢٦)، الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (٨٩: ١٢)، لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا (٢٨: ٨٣)، وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ (١١: ٨٥)، (٢٦: ١٨٣). يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ (٢٨: ٤).
٢٤  وتتميمًا لمباحث الحسن والقبح نذكر أن أفعاله تعالى لا تعلل بالأغراض (التحقيق، ص١٤٨). لا يجب عليه شيء ولا يقبح منه شيء (المواقف، ٣٣١). امتناع الغرض في أفعاله ووجوب رعاية الصلاح (حاشية الكلنبوي، ص١٨٥). وبالمعنى الثالث يمتنع وجوب الصلاح في الفعل لأنه يلزم من نفيه عدم العبث في حق الله أو الثواب على إيلام الحيوان والأصلح (الغاية، ص٢٢٩). وجوب التمكين مما كلف به العبد. وماذا يعني تكليف أبي جهل بالإيمان؟
٢٥  استغناؤه عن كل ما سواه يؤخذ منه تنزهُّه عن الأغراض في أفعاله وأحكام والإلزام إلى ما يحصل غرضه (السنوسية، ص٦). وقد قيل شعرًا:
كذا موجب له تنزُّهًا
عن النقائض كما تنزها
عن فعل أو حكم من الأغراض
إلى أنصاف الذات بالأعراض
(الوسيلة، ص٥١؛ القول، ص٥٢)
٢٦  هذا هو موقف الأشاعرة بوجهٍ عام. والحجة الأولى أن الله لا غرض لفعله، راعى الحكمة فيما خلق وأمر تفضلًا ورحمةً لا وجوبًا ولا حاكم سواه (العضدية، ج٢، ص١٨١–٢١٧). وأن التكليف إمَّا لا لغرض وهو عبث وأنه مجبر قبيح وإمَّا لغرض إمَّا عائد إلى الله وهو منزَّه عنه أو إلى العبد، إمَّا في الدنيا وأنه مشقة بلا حظ، وإمَّا في الآخرة وهو إمَّا إضراره وهو باطل إجماعًا … وأمَّا التكليف فنختار أنه لا لغرض أو لضر قوم ونفع آخرين كما هو الواقع أو ليس ذلك على سبيل الوجوب (المواقف، ص٣٢٩). عند أهل الإثبات (الأشاعرة) الله يقدر على كل شيء دون أن يكون لقدرته غاية ولا نهاية (مقالات، ج٢، ص٢٢٣–٢٢٧). في أن أفعال الله ليست معللة بالأغراض (المواقف، ص٣٣١-٣٣٢؛ الطوالع، ص١٨٩–١٩٨). لا يجوز أن يفعل الله شيئًا لغرض خلافًا للمعتزلة (الملل، ص١٤١–١٥٠). المشهور أن أفعاله ليست معللة بالأغراض (الدر، ص١٤٨–١٥٠). في إبطال الغرض والعلة في أفعال الله (النهاية، ص٣٩٧–٤١٦). المعتزلة قالوا بالوجوب العقلي بمعنى استحقاق التارك الذم عند العقل لما في تركه من الإخلال بالحكمة. جعلوا من فروع هذه المسألة وجوب الأصلح عليه. ونحن (الأشاعرة) لا نقول بالأصل ولا بالفرع؛ فهو المتصرف المطلق في ملكه، ولا نسلم أن شيئًا من أفعاله يجب عليه عيبًا يحل تركه بحكمة (التحقيق، ص٢٤٦). لو كان فعله تعالى لغرض لكان ناقصًا لذاته مستكملًا بتحصيل ذلك الغرض لأنه لا يصلح غرضًا للفاعل إلا ما هو أصلح له من عدمه وهو معنى الكمال (المواقف، ص٣٣١-٣٣٢). الدواعي المزعجات والخواطر والأغراض إنما تكون وتجوز على ذي الحاجة الذي يصح منه اجتلاب المنافع ودفع المضار، وذلك يجوز على من جازت عليه الآلام واللذات وميل الطبع والنفور، لا يجوز أن يفعل الله شيئًا لغرض، خلافًا للمعتزلة (التمهيد، ص٥٠–٥٢). مذهب أهل الحق أن الباري خلق العالم وأبدعه لا لغاية يستند الإبداع إليها، ولا لحكمة يتوقف الخلق عليها، بل كل ما أبدعه من خير وشر ونفع وخير لم يكن لغرض قاده إليه، ولا لمقصود أوجب الفعل عليه. بل الخلق وأن لا خلق له جائزان، وهما بالنسبة إليه سيان. ووافقهم على ذلك طوائف من الإلهيين وجهابذة الحكماء المتقدمين (الغاية، ص٢٢٤). ذهبت الأشاعرة إلى أن أفعاله لا تعلَّل بالأغراض للحجة نفسها (التحقيق، ص١٤٩؛ المحصل، ص١٤٩؛ الغاية، ص٢٤٠؛ النهاية، ص٣٩٩-٣٤٠؛ المسائل الخمسون، ص٣٧٧؛ الطوالع، ص١٩٦-١٩٧؛ حاشية الخلخالي، ص١٩٠؛ الدر، ص١٤٩-١٥٠).
٢٧  هذه هي الحجة الثانية عند الأشاعرة. إن غرض الفعل خارج عنه يحصل تبعًا للفعل وبتوسط؛ إذ هو تعالى فاعل لجميع الأشياء ابتداءً فلا يكون شيء من الكائنات إلا فعلًا له لا غرضًا لفعلٍ آخر لا يحصل إلا به ليصلح غرضنا لذلك الفعل، وليس جعل البعض غرضًا أولى من البعض، وأيضًا فلا بد من الانتهاء إلى ما هو الغرض، ولا يكون ذلك لغرضٍ آخر وإذا جاز ذلك بطل القول بوجوب الغرض (المواقف، ص٣٣٢؛ المسائل الخمسون، ص٣٧٧). تحصيل الأغراض ابتداءً في مقدر الله، فجعلها غايات ينافي الغرض (الطوالع، ص١٩٦).
٢٨  توجد هذه العلية طبقًا لمبحث الألفاظ عند الأصوليين في الآيات التي بها لام المآل والمصير والأمر والعاقبة مثل «لتجزى»، «ليجزي»، «ليكون»، «لتكونوا» (الغاية، ص٢٤١-٢٤٢). وقد درس علماء أصول الفقه حروف التعليل كلها مثل: اللام، حتى، كي، أن، وهو أساس مبحث القياس كله.
٢٩  يجوز أن يكون في كل فعل أو ترك حِكم ومصالح لا تهتدي إليها العقول؛ فإنه الحكيم الخبير، وكل هذا فعله باختياره فوجوب الفعل بالاختيار لا ينافي الاختيار (التحقيق، ص١٤٦؛ حاشية الخلخالي، ص١٧٨).
٣٠  التحقيق، ص١٤٩؛ المسائل الخمسون، ص٣٧٦.
٣١  عند أهل الحق (الأشاعرة) أن الحكيم من كانت أفعاله محكمة متقنة وإنما تكون محكمة إذا وقعت على حسب علمه وإذا حصلت حسب علمه لم تكن خبرًا، ولا وقعت بالاتفاق (النهاية، ص٤٠١-٤٠٢؛ الغاية، ص٢٣٣، ص٢٤٣–٢٤٥).
٣٢  انظر الفصل العاشر عن المعاد.
٣٣  هذه محاولة محمد عبده في رسالة التوحيد «فأفعال الله صادرة عن علمه وإرادته أي عن اختيار» (الرسالة، ص٥٣–٥٨).
٣٤  مسألة في أن القديم لم يفعل العالم لعلة. لا تجوز عليه العلل لأنها مقصودة على جر النافع ودفع الضار، والعلة إن كانت قديمة أوجبت قِدَم العالم وإن كانت محدثة توجب حدوث القديم. ولما كانت العلل تتسلسل إلى ما لا نهاية فإن ذلك يحيل وجود العالم (التمهيد، ص٥٠-٥١). إن فعل فعلًا لغرض إمَّا أن يكون قادرًا عليه من غير واسطة أو لم يكن، فإن كان الأوَّل كان ذلك التوصل عبثًا وإن كان الثاني كان عجزًا (المسائل، ص٣٧٧). في إبطال الغرض والعلة في أفعال الله. مذهب أهل الحق أن الله خلق العالم بما فيه من الجواهر والأغراض وأصناف الخلق والأنواع، لا لعلة حاصلة له على الفعل، سواء قدرت تلك العلة نافعة له أو غير نافعة؛ إذ ليس يقبل النفع والضر، أو قدرت تلك العلة للخلق؛ إذ ليس يبعثه على الفعل باعث، فلا غرض له في أفعاله ولا حاصل، بل علة كل شيء صنعه ولا علة لصنعه (النهاية، ص٣٩٧). رفض تعليل الأفعال. مسألة في علة الفعل الصادر عن الفاعل الحكيم (التمهيد، ص٥١-٥٢). في أنه سبحانه لا يجوز أن تكون أفعاله معللة بعلة أصلًا (المسائل، ص٣٧٧؛ الطوالع، ص١٩٧؛ المطالع، ص١٩٧).
٣٥  يتعالى ويتنزه عن الأغراض والضرر والانتفاع (الغاية، ص٢٥٤)؛ انظر الفصل الثالث: نظرية الوجود، ثانيًا: ميتافيزيقا الوجود أو الأمور العامة، الواجب. (٥) العلة والمعلول.
٣٦  قالت الفلاسفة: واجب الوجود لا يجوز أن يفعل لعلة (النهاية، ص٣٩٨-٣٩٩؛ حاشية الكلنبوي، ص١٩١؛ حاشية الجرجاني، ص١٩١؛ حاشية الخلخالي، ص١٩١).
٣٧  وهذا هو موقف المعتزلة؛ فالباري لا يخلو عن غرض وصلاح للخلق؛ فرعاية الصلاح في فعله واجبة نفيًا للعبث في الحكم عن الحكمة وإبطالًا للسفه في إبداعه وصنعته (الغاية، ص٢٢٤-٢٢٥). دل الدليل على كونه حكيمًا في أفعاله غير عابث في إبداعه، والعبث قبيح، والقبح لا يصدر من الحكم المطلق (الغاية، ص٢٣٠–٢٣٢). اتفقت المعتزلة على أن أفعاله وأحكامه معللة برعاية مصالح العباد؛ لأن ما لا غرض فيه عبث، وهو على الحكيم محال (الطوالع، ص١٩٧؛ المطالع، ص١٩٧). قالت المعتزلة: الحكيم لا يفعل إلا لحكمة وغرض، والفعل من غير غرض سفه وعبث، والحكيم من يفعل أحد أمرين: إمَّا أن ينتفع أو ينفع غيره. ولما تقدس الرب عن الانتفاع تعين أنه إنما يفعل لينتفع غيره؛ فلا تخلو أفعاله من صلاح (النهاية، ص٣٩٧-٣٩٨؛ شرح المحصل، ص١٤٩؛ الفصل، ج٣، ص٨٥). قالت المعتزلة: قام الدليل على أن الرب حكيم والحكيم من تكون أفعاله على أحكام وإتقان (النهاية، ص٤٠٠-٤٠١).
٣٨  عبر عن ذلك محمد إقبال أفضل تعبير؛ فالذاتية لديه تحيا من تخليق المقاصد وتوليد الآمال: «نحن أحياء بتخليق المقاصد، ونحن منيرون من شعاع الأمل» (ضرب الكليم، ص ح-ط).
٣٩  قالت المعتزلة: الغرض منها تعويض العبد على الثواب؛ فإن الثواب تعظيم، وهو بدون استحقاقٍ سابق قبيح (المواقف، ص٣٣٢). أوجب القدرية عليه الفعل ليعبدوه ويشكروه وأوجبوا عليه خلق الأحياء والجمادات فيها وأوجبوا عليه أن يكون أول من خلقه حيًّا يصح منه الاعتبار كما ذهبت إليه الكرامية. وإذا جاز كون الخلق مواتًا وأمواتًا بين النفختين في الصور جاز كونهم كذلك في ابتداء الخلق على الدوام. وعند أكثر القدرية كان واجبًا عليه خلق الأحياء والجمادات والمؤمنين والكفرة. وأوجب بعض الكرامية أن يكون أول خلق الله حيًّا. وقلنا: إذا جاز أن يكون الخلق كله أمواتًا بين النفختين في الصور جاز أن يكونوا كذلك في ابتداء الخلق على الدوام (الأصول، ص١٥٠-١٥١). كما تكون الغاية عند المعتزلة الشكر. والذي يوضح ذلك أن طاعات المكلفين تجب عند المعتزلة شكرًا لله على ما أولاه من آلائه. فإذا كانت الطاعات واجبة عوضًا عن النعم فيستحيل أن يستحقَّ مؤدي الواجبات ثوابًا. ولو جاز أن يستحق العبد على أداء الواجب عوضًا لجاز أن يستحق الرب على الثواب شكرًا وإن كان مستحقًّا (لمع الأدلة، ص١٠).
٤٠  قالوا إن العلة الغائية علةٌ فاعلية لفاعلية الفاعل (حاشية الكلنبوي، ص٢٠٥). الغرض والعلة الغائية متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار. وإذا لم يكونا سببًا للإقدام كانا فائدة وغاية؛ فالغاية أعم من العلة الغائية (حاشية الكلنبوي، ص٢٠٤). الغرض هو الأمر الباعث للفاعل على الفعل. فهو المحرك الأوَّل للفعل وبه يصير الفاعل فاعلًا؛ ولذلك فإن العلة الغائية علةٌ فاعلية كفاعلية الفاعل (شرح الدواني، ص٢٠٤–٢٠٩).
٤١  اختلفت المعتزلة في فعل خلق الله الخلق لعلة أم لا، وهي على أربعة فرق: (أ) أبو الهذيل: خلق الله الخلق لعلة، والعلة هي الخلق، والخلق هو الإرادة والقول. وإنما خلق الخلق لنفعهم ولا ذلك كان لا وجه لخلقهم؛ لأن من خلق ما لا ينتفع به ولا يزيل بخلقه عنه ضررًا ولا ينتفع به غيره ولا يضر به غيره فهو عابث. (ب) النظام: خلق الله الخلق لعلة تكون وهي المنفعة. والعلة هي الغرض في خلقه لهم وما أراد من منفعتهم، ولم يثبت علة معه لها كان مخلوقًا كما قال أبو الهذيل. (ج) معمر: خلق الله الخلق لعلة، والعلة لعلة، وليس للعلة غاية ولا كل. (د) عباد: خلق الله الخلق لا لعلة (مقالات، ج١، ص١٩٢).
٤٢  يرى الأشاعرة أن لام المآل وصيرورة الأمر والعاقبة غير لام التعليل. وأنكر البصريون لام العاقبة. وقال الزمخشري إنها لام العلة. ولكن التعليل مجاز لا حقيقة، وذهب أكثر الماتريدية إلى تعليل أفعاله تعالى بالأغراض؛ ذهب التفتازاني إلى تعليل بعض أفعاله (حاشية الكلنبوي، ص٢٠٨). الغرض والعلة والغاية بحسب الوجود الزمني وكون الشيء فائدة وغاية بحسب الوجود الخارجي (حاشية الكلنبوي، ص٢٠٤)! ولكن تحرير محل النزاع لا يدل على أن الخلاف بين الفريقَين حقيقي بل بالعكس فإن مبنى كلام المعتزلة على أن الأفعال في ذاتها بقطع النظر عن صدورها منه تعالى وعدمه قد علم ثبوت المصالح في بعضها دون بعض، وهذا لا يتنافى مع ما يقوله الأشاعرة والماتريدية من أن جميع أفعاله تشتمل على الحكم والمصالح فلا يفعل إلا ما علم فيه المصلحة والحكمة وإن خفي ذلك علينا. وعند الأشاعرة والماتريدية أفعاله لا يمكن أن يكون بعضها مصلحة دون بعض. الفرق بينهما أنهم راعوا الأدب وقالوا واجب له لا واجب عليه. أمَّا المعتزلة فالأفعال ذاتها في علمه مصلحة، وقالوا واجب له وعليه (القول، ص٥٤-٥٥).
٤٣  ذكر لفظ حكمة في القرآن ٢٠ مرة كاسم فعل، ولفظ حكيم ٨٧ مرة كصفة، ولفظ أحكم مرتَين كأفعل تفضيل. ولكن الأهم من ذلك هو لفظ عبث الذي ذكر مرتَين: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (٢٦: ١٢٨)، أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (٢٣: ١١٥). وهناك عديد من الأحاديث تدل على الغائية مثل ذلك الحديث الذي يذكره الصوفية ويعتمدون عليه: «كنت كنزًا مخفيًّا فأحببت أن أُعرف فخلقت الخلق فبه عرفوني.»
وقد قرنت الحكمة بالكتاب عشر مرات مثله: وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ (٣: ٤٨)، وبالملك مرة واحدة: وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ (٢: ٢٥١)، ومع الموعظة الحسنة مرةً واحدة: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ (١٦: ١٢٥)، ومع القول مرة واحدة: وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (٣٨: ٢٠)، وذكرت الحكمة بمفردها ٧ مرات مثل: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ (٢: ٢٦٩)، وقد قرنت صفة حكيم بصفة عزيز ٤٧ مرة، مثل: وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢: ٢٤٠)، وبصفة عليم ٣٨ مرة مثل: وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٤: ٢٦)، وبصفة خبير ٤ مرات: وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (٦: ٧٣)، وبصفة علي مرتين: إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤٢: ٥١)، وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤٣: ٤)، وبصفة حميد مرة: تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤١: ٤٢)، وبتوَّاب مرة: وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (٢٤: ١٠)، وبواسع مرة. وترد الصفة أيضًا للكتاب والقرآن والذكر والأمر: ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٣: ٥٨)، الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (١٠: ١)، الم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (٣١: ١-٢)، يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٣٦: ١-٢)، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤٤: ٤).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤