أولًا: مقدمة، اسم المشكلة ومكانها في العلم

(١) اسم المشكلة

يصعب إيجاد عنوان دقيق لهذا الفصل مثل باقي الفصول، بالرغم من وجود الاسم القديم للمشكلة، الحسن والقبح أو العقل والنقل. فالحسن والقبح العقليان عنوان من المعتزلة وأحد أصولهم الخمسة، وليس أصلًا عامًّا من أصول الدين تجتمع عليه كل الفِرَق وإن كانت المسألة معروضة عليهم، إمَّا من الاعتزال أو من طريقة التعامل مع النص، حرفيًّا أم مجازًا؛ لذلك يكون اسمها أيضًا العقل والنقل أو العقل والسمع أو العقل والوحي. ويتضح من هذا العنوان أيضًا أنه مفروض من الاعتزال على بنية العلم، بدليل أولوية لفظ العقل على اللفظ الثاني النقل أو السمع أو الوحي. وهي مشكلة المنهج ليس فقط في علم أصول الدين بل في باقي العلوم دون أن تكون إحدى قواعد علم العقائد. ومع ذلك تشمل هذه المشكلة المنهجية عدة موضوعات أشبه بالعقائد، ولكنها أقل إلهية وأكثر إنسانية، أخف إيمانية وأقوى عقلانية، مثل الصلاح والأصلح واللطف والغائية دون أن تظهر هذه الموضوعات كعناوين في المسألة. كان يمكن تسميتها إذن «الإنسان العاقل»، لما كان باب العدل كله هو الإنسان المتعين وظهر الإنسان الحر في خلق الأفعال أوَّلًا وها هو الإنسان العاقل يظهر ثانيًا كشق ثانٍ للإنسان المتعين. فلا حرية بلا عقل، ولا تقوم الحرية إلا على العقل القادر على الإدراك والتمييز بين صفات الأفعال. ولما كانت الغائية من أهم موضوعاتها كان يمكن تسميتها «العقل المصلحي»، لما كان موضوع الصلاح والإصلاح في مقابل موضوع اللطف من أهم عناصرها. بل إن هذا العنوان قد يعيد الوحدة الباطنية في الأصل وفي الموضوع بين علمي الأصول، علم أصول الدين وعلم أصول الفقه، اللذين يقومان معًا على المصلحة؛ فالمصلحة ليست فقط أساس الشرع ومصدره، بل هي أيضًا أساس العقيدة وغايتها. ونظرًا لأن الموضوع ألصق بعلم أصول الفقه، فقد تُرك في مكانه الطبيعي القديم. ولما كانت الغاية من أهم عناصرها كذلك فيمكن تسميته لذلك «العقل الغائي». ولما كانت المصلحة غاية، فإنه يتضمن موضوع المصلحة، وهو يؤكد على وحدانية العقل دون طرف آخر مقابل له في النص وبالتالي فإنه يضع «الإنسان العاقل» كما وضع خلق الأفعال الإنسان الحر؛ ومِنْ ثَمَّ يكون عنصرا التعين في الإنسان؛ الحرية والعقل. وسبق الحرية للعقل ناتج من أن تعين الإنسان من كمال، وخروج الإنسان المتعين من الإنسان الكامل إنما هو فعل الحرية الأوَّل. ثم يأتي بعد ذلك العقل كي يجعلها حرية عاقلة وليست مجرد هوى أو تعبير عن إرادة ونزوع. الحرية والعقل إذن جانبان لأصل واحد هو العدل، كما أن الذات والصفات مظهران لأصل واحد هو التوحيد. تثبت الحرية أوَّلًا قبل العقل لأن الحرية موضوع ممارسة، ثم يأتي العقل بعد ذلك لتوجيهها وجهة عاقلة. الحرية تجربة وجدانية والعقل اكتساب من داخل الممارسة، فتصبح الحرية عاقلة؛ ومِنْ ثَمَّ ثار سؤال: هل الموضوع كله جزء من التوحيد أم جزء من العدل؟ فالأفعال بين الأصلين شمول إرادة الله وقدرته وبزوغ الفعل الإنساني من خلاله مثل شمول الوحي وعمومه ثم بزوغ العقل الإنساني من خلاله.

(٢) هل هي جزء من التوحيد؟

يدخل الموضوع أحيانًا كجزء من التوحيد في الأفعال بعد الذات والصفات، وليس كمسألة مستقلة في نفي الغرض والعلة.١ وفي العقائد المتأخرة تختفي مسألة العقل من التوحيد باختفاء العقل كليةً من حياتنا المعاصرة، وكأن التوحيد يعقل نفسه وليس في حاجة إلى إنسان أو إلى أمة تعقله.٢ كما تختفي مسألة العقل والنقل كليةً أمام التوحيد والنبوة والسمعيات.٣ فقد أصبح التوحيد كله نظرية في الواجب والممكن والمستحيل، ودخلت مسألة العقل كجزء منها.٤ والعجيب أنه حتى في بعض حركات الإصلاح الحديثة لم تبرز مسألة العقل والنقل. لم يوضع العقل موضع الصدارة، ولم تحدَّد وظيفته.٥ وفي البعض الآخر ينقسم الموضوع قسمين، فيدخل الأصلح في أفعال الله والحسن والقبح في أفعال العباد.٦

(٣) هل هي جزء من العدل؟

وقد تكون المسألة تطبيقًا أو نتيجة لمسألة خلق الأفعال، وهو المظهر الأوَّل للعدل.٧ وبالتالي يظهر الموضوع في باب العدل. فخلق الأفعال والحسن والقبح واجهتان لشيء واحد. وحرية الإرادة والعقل الغائي مظهران للعدل، وأحيانًا يوضع الحسن والقبح كمقدمة لخلق الأفعال، فالنظر أساس العمل، والعقل شرط الحرية، وأحيانًا أخرى يوضع كنتيجة له في سياق البرهان عليها. يكون الأساس هو خلق الأفعال، ولكن الشائع والأغلب أن يكون الحسن نتيجة لخلق الأفعال وليس مقدمة له، ونتيجة طبيعية للحرية وليس شرطًا لها. الحرية تجربة بديهية وجدانية لا تحتاج إلى إثبات أو دليل. وإنكار الحسن والقبح إنكار للحرية. الحرية مقدمة والحسن والقبح نتيجة، ولا يمكن التسليم بالمقدمات وإنكار النتائج. وقد يتضخَّم أصل العدل حتى يضم السمعيات، النبوات والمعاد والأسماء والأحكام بالإضافة إلى خلق الأفعال. ويصبح علم أصول الدين قائمًا على أصلين: التوحيد أي الذات والصفات ثم العدل، ويشمل ثلاثة أرباع العلم.٨ وقد يتضخَّم أصل العدل فيصبح شاملًا لكل شيء.٩ ويبدو التعديل والتجوير بعد الإرادة ويدخل معها خلق القرآن والمخلوق والتوليد والتكليف والنظر والمعارف واللطف والأصلح واستحقاق الذم والتوبة والنبوات والمعجزات وإعجاز القرآن والشرعيات قبل أن ينتهي الكل بالإمامة؛ لذلك يشمل لفظ العدل تجاوزًا عند المعتزلة الأصول الخمسة كلها، فهي كلها علوم العدل وكأن أصل التوحيد ذاته قائم على العدل. أصل العدل هو الشامل لكل شيء وكأن العقائد كلها عقائد العدل، والحضارة كلها حضارة العدل وإن لم يكن المجتمع كله مجتمع العدل.١٠
والعدل هو إلحاق النفع بالغير لا بالنفس. العدل تحقيق علاقة بين طرفين؛ طرف عادل وطرف معدول به أو علاقة تساوٍ في العدل بين الطرفين، ولكن من هما الطرفان؟ الإنسان الكامل والإنسان المتعين؟ الذات المشخص والوعي بالذات؟ هل العدل صفة لأفعال الذات المشخص وصلتها بالإنسان؟ ولماذا لا تكون صفة العدل وصفًا لأفعال الإنسان في علاقاته بالآخرين؟ محال على الله أن ينفع ذاته أو يمنع الضرر عن نفسه. العدل إذن بالنسبة إلى الإنسان وليس بالنسبة لله. العمل مجاز في الله وحقيقة في الإنسان.١١ وهو مبدأ عامٌّ بدليل وجوده كاسم فعل «عدل» وليس مشخصًا في اسم فاعل «عادل». والعدل لا يتغيَّر في الله أو في الإنسان؛ فالفعل لا يكون عدلًا من الله ظلمًا من الإنسان أو ظلمًا من الله عدلًا من الإنسان، فالعدل صفة في الأفعال، أفعال الإنسان باعتباره موجودًا في العالم وذلك إحالة للحسن والقبح إلى موضوع الحرية من جديد. العدل هو التسوية بين العباد، فالإنسان طرف مساوٍ للإنسان، لا طرف أعلى ولا طرف أقل. العدل وضع طبيعي للأشياء في حين أن الظلم وضع غير طبيعي، وضع مؤقت يتغيَّر إلى وضع العدل كوضع طبيعي، ولكن هذا التغير لا يحدث إلا بفعل الإنسان أي بإرادته الحرة، والعودة إلى المقدمة الأصلية التي يرتكز عليها العدل، وهي الحرية.

(٤) هل هي أصلٌ مستقلٌّ؟

تعتبر مسألة السمع والعقل إحدى الأصول الكبار التي تختلف عليها الفِرَق مثل التوحيد والعدل والوعد والوعيد أو الإمامة.١٢ والحقيقة أن مسألة السمع والعقل ليست موضوعًا مستقلًّا يظهر في مصنفات علم الكلام كما يظهر التوحيد، بل هي منهج وليست موضوعًا، منهج يتخلَّل الموضوعات كلها دون أن يفرد له باب خاص، أو على الأقل هي أقرب إلى المنهج منها إلى الموضوع الذي يحدِّد وسائل المعرفة ومصادرها وميادينها … إلخ.١٣ فالأدلة نوعان: سمعية وعقلية. ولإثبات شيء لا بد من الاعتماد على هذين النوعين من الأدلة، ولنفيه لا بدَّ من تفنيد الأدلة النقلية أوَّلًا، ثم العقلية ثانيًا. مسألة العقل والنقل إذن مسألة منهجية خالصة، ومنها جاءت تسمية مشكلة «العقل والنقل» من أجل حل التعارض بين الدليل العقلي القاطع والدليل النصي المتواتر، وتكون أفضل نظرية في التفسير منها في الحسن والقبح العقليين.١٤ فإن اختلفت الأسماء فإنها تدل على مسألة واحدة وهي الصلة بين العقل الإنساني والوحي أو إن شئنا تضع من جديد مشكلة المعرفة، الصلة بين المعرفة عن طريق الوحي والمعرفة عن طريق العقل تدخل في جميع مسائل علم أصول الدين، في نظرية العلم في مسألة النظر والمعارف، والمسائل التي عرفتها المؤلَّفات المتأخرة في نظرية العلم والبحث عن المعرفة الضرورية وبداهات العقول والأخبار المتواترة، والصلة بين الدليل النقلي الفعلي والدليل العقلي القطعي.١٥ كما تظهر في المقدمات النظرية في نظرية التكليف ضمن واجبات المكلَّف وأساسها في المعرفة أو النظر والاستدلال. وتدخل في التوحيد في تأويل الصفات عقلًا وفي الاعتماد في خلق الأفعال على الأدلة النقلية أو الأدلة العقلية، النقل أساس العقل أو العقل أساس النقل، بل إن القرآن نفسه يدخل في باب العقل.١٦
بل إن السمعيات أيضًا مرتبطة بموضوع العقل والنقل، فالنبوة ووجوبها، والمعاد ومعناه، والإيمان والعمل والإمامة كلها، هل تثبت نصًّا أو إجماعًا أو عقلًا؟ بل ويمتد موضوع العقل والنقل خارج علم الكلام؛ إذ يستعمل النص في نقد النصوص في «تاريخ الأديان». إذا كان الموضوع نصرانيًّا استعملت نصوص الإنجيل، وإذا كان يهوديًّا استعملت نصوص التوراة.١٧ كما تتدخَّل كثيرٌ من مسائل السمع خاصةً فيما يتعلَّق باللغة من مباحث الأصول، هل اللغة توقيف أم اصطلاح، وكذلك في الأدلة الشرعية الأربع التي تبدأ بالنص، القرآن والسنة، وتنتهي بالعقل في الإجماع والقياس. وظهر الموضوع في علوم الحكمة في الصلة بين العقل والوحي أو بين الفلسفة والدين، كما ظهر في علوم التصوف في التعارض بين علوم العقل وعلوم الذوق، ويمكن أن يقال إن التراث كله نظرية في العقل أو نظرية في التأويل، أي صلة العقل بالنقل؛ لأنه عرض لمسائل الوحي عرضًا عقليًّا خالصًا حتى يبدو الوحي وكأنه نابع من طبيعة العقل وحده ومبادئه العامة وقوانينه الكلية، ويبدو ذلك حتى في الأسلوب «فإن اعترض معترضٌ وقال …»، «فإن قال قائل»، «فإن قيل»، «فإن قال الخصم»، «فإن اعترض أو قال»، وكأن المعارض العقلي مفروض مبدئيًّا، ومهمة عالم الكلام الرد عليه حتى يمكن العثور على بنية الموضوع واتساق العقل؛ ونظرًا لأن العقل والنقل هما منهجان عامان للتراث كله، لم يدخل عند القدماء ضمن موضوعات العقل الغائي.١٨
١  هذا هو موقف الأشاعرة بوجه عام. عبَّر عنه الغزالي بقوله: «في أفعال الله وجملة أفعاله جائزة لا يوصف شيء منها بالوجوب.» (الاقتصاد، ص٨٣)؛ وهو موقف الرازي أيضًا (المحصل، ص١٤٧–١٥٠)؛ والآمدي «في نفي الغرض والمقصود من أفعال واجب الوجود» (الغاية، ص٢٢٤–٢٤٥)؛ والبيضاوي (الطوالع، ص١٩٥–١٩٨)؛ والظواهري (التحقيق، ص١٤١-١٥٢). ويقول الظواهري: «الحسن والقبح، هذا المبحث له ارتباط بالكلام على الأفعال. أمَّا ارتباطه بفعل الله فلعدم اتصاف فعل الله بالقبح. أمَّا بالنسبة إلى فعل نفسه فلاتفاق العقلاء على أن الفعل الصادر فيه لا يتَّصف بالقبح لكونه نقصًا، والنقص عليه تعالى محال. وأمَّا بالنسبة إلى أفعال العباد فلأنه مالك الأمر على الإطلاق يفعل ما يشاء ويختار، لا لعلة ولا لصفة ولا غاية لفعله. وأمَّا أفعال العباد فهي التي تتصف بالحسن والقبح بالنظر لتعلقها بهم.» (التحقيق، ص٢٢١–٢٤٢)؛ وهو موقف الخياط (الانتصار، ص١٧-١٨، ص٢٣–٢٥)؛ والقاضي عبد الجبار (المحيط، ص٢٣٢–٢٦٣).
٢  هذا هو موقف السنوسي في أم البراهين مثلًا وشروحها.
٣  هذا هو موقف الدردير في العقيدة التوحيدية وشرح العقباوي وحاشيته وأيضًا موقف ولد عدنان في جامع الزبد.
٤  هذا هو موقف اللقاني في جوهرة التوحيد، وشرح الباجوري في تحفة المريد، ص٥-٦، ص١٠–١٣.
٥  هذا هو الحال في «كتاب التوحيد» لمحمد بن عبد الوهاب.
٦  هذا هو موقف محمد عبده في (رسالة التوحيد، ص٥٣–٥٩، ص٦٦–٨٢).
٧  فكلامهم في هذا الباب والجميع مبني على كون العبد فاعلًا والاختيار والقول بحسن الأفعال ووجوبها. وإذا تهدَّمت تلك القواعد سقطَت جميع استدلالاتهم. الشرح، ص٢٤٩؛ الكلام في العدل. باب في جملة ما يدور عليه. كل ما يتعلق بباب العدل لا يخرج عن الأبواب التي عدَّها وهي أربعة أبواب، فإمَّا أن يكون كلامًا في الأفعال وإمَّا أن يكون كلامًا في أحكام الأفعال، وإمَّا أن يكون كلامًا فيما يُعبد الله به من العبادات وما يتصل بذلك، وإمَّا أن يكون كلامًا فيما يُضاف إلى الله وما لا يُضاف إليه، وربما دخل بعض ذلك في بعض، وربما يعد فيه لاتصالِه بالأفعال ما ليس هو المقصود بباب العدل، (المحيط، ص٢٢٨). وأمَّا الأصل الثاني من الأصول الخمسة وهو الكلام في العدل وهو كلام يرجع إلى أفعال القديم وما يجوز عليه وما لا يجوز (الشرح، ص٣٠١)؛ الكلام في التعديل والتجوير: هذا الباب هو أصل ضلالة المعتزلة (الفصل، ج٣، ص٧٢). وهذا هو موقف القاضي عبد الجبار في شرح الأصول (الشرح، ص٣٠١–٣٢٣)؛ «فإن قالوا: هذا بناء على أن الواحد مِنَّا مخير في تصرفاته ونحن لا نسلم ذلك فإن مذهبنا أنه مجبر في هذه الأفعال وأنها مخلوقة فيه، قلنا: إنَّا لم نبنِ الدلالة على مذهبكم الفاسد وإنما بنيناه على الدلالة. وبعد فإنَّا لا نتكلم في هذه المسألة مع من ينازع في أصل تلك المسألة؛ لأن هذه المسألة من فروعات تلك المسألة، ولا يحسن أن نتكلم في فرع من الفروع ولما نقرر أصله.» (الشرح، ص٣٠٣-٣٠٤). استدل الأشاعرة على أن الحسن والقبح لا يثبتان بالعقل بأن العبد مجبور في أفعاله لأن أفعاله مخلوقة لله فحصول فعله عنه اضطراري. وكل ما حصوله اضطراري فلا سبيل إلى الحكم بتحسينه أو تقبيحه عقلًا، فإن الصادر عن الشيء لا يُقال إنه حسن أو قبيح إلا لو كان صادرًا عنه باختياره (حاشية محمد عبده، ص١٨٠). وهو أيضًا موقف بعض الأشاعرة مثل الرازي في «المعالم» وتخصيص المسألتين الثامنة والتاسعة للحسن والقبح في باب القدر، (معالم، ص٨٣–٨٨)؛ وهو موقف النسفي في (العقائد، ص١٠٣).
٨  هذا هو موقف القاضي عبد الجبار في «الشرح»؛ إذ يتحدَّث عن تنزيه الله عن فعل القبائح والكسب والاستطاعة وعدم إرادته للمعاصي، وأطفال المشركين والآلام والعوض والاستحقاق والتكليف، بل ويشمل الحديث الألطاف والنعم والقرآن والنبوات والمعجزات والتفسير؛ وهو موقف المعتزلة بوجه عام (الشرح، ص٢٩٩–٣٠٨).
٩  المغني، ج٦. الإرادة، التعديل والتجوير. (٧) خلق القرآن. (٨) المخلوق. (٩) التوليد، التكليف. (١٢) النظر والمعارف. (١٣) اللطف (١٤) الأصلح واستحقاق الذم والتوبة. (١٥) التنبؤات والمعجزات. (١٦) إعجاز القرآن. (١٧) الشرعيات.
١٠  يجعل القاضي عبد الجبار العقائد كلها على أصل العدل (المحيط، ص٢٢٩-٢٣٠)؛ وكذلك ابن حزم وكان الفقهاء مثل المعتزلة بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف في الجبر والاختيار يقولون: (١) الكلام في الأفعال فيتبع نفينا لكونه فاعلًا قبيحًا كونه قادرًا عليه وإتيانهم فاعلًا له ونفيهم كونه قادرًا عليه. (٢) أحكام الأفعال فكله لا يخرج عن إثباتنا للحكم في فعل من الأفعال ونفيهم ذلك الحكم أو نفيهم لحكم من الأحكام في بعض الأفعال وإثباتنا له فعلى ذلك نحن نثبت الآلام حسنة، واعتقدوها قبيحة وتثبت وجه حسنها العوض والاعتبار، ويعتقدون أن حسنها لكونها من خلقه تعالى فقط. ونثبت التكليف حسنًا ويعتقد معتقدٌ قبحه وإن علم من حال المكلف أنه لا يقبله. ويقول المخالف بل هو قبيح، ونقول إنه يحسن اختراع من المعلوم أنه يثوب، ويعتقده غيرنا أنه قبيح، ونقول يحسن بنفيه من المعلوم أنه يثوب، ويعتقده غيرنا أنه قبيح، ونقول يحسن بنفيه أنه يكفر، ويقول الخصم بل ذلك قبيح، ونقول يحسن البعثة والبرهمي يقول بقبحها، وبالعكس من ذلك تكليف ما لا يُطاق فإنَّا نعتقد قبحه ويعتقد معتقد أنه حسن، ونقول بقبح تعذيب من لم يذنب من الأطفال وغيرهم ويقول القوم بحسنه. ونقول بقبح إرادة القبيح وقالوا بحسنها. ونقول بقبح الألم إذا عرى من نفع وقال القوم بحسنه. ومن أحكام أفعال الوجوب نحن نعتقد في كثير من الأشياء الوجوب وينفيه المخالف كقولنا في الإقرار واللطف والإثابة والتعويض وبعثه الرسل وفيه خلاف من أقوام. وقد يُعتقد في شيء أنه واجب وننفي وجوبه وهو كالأصلح عند من يقول بذلك، ويعتقد آخرون وجوب البعثة على كل حال وألَّا يخلو الزمان من حجة وإمام وذلك عندنا جائز وليس هو من باب الواجب في كل حال. ولا يتم ذلك إلا ببيان وجوه الأفعال فيكون معدودًا في هذا الباب. (٣) ما يعبد الله به من الأفعال الشرعية والعقلية وذلك يشتمل على أبواب منها حسن التعبُّد بالشرائع، ومنها ما يجوز التعبُّد به وما لا يجوز، ومنها الطريق إلى معرفة المبعوث ومعرفة صفاته، ويدخل تحت ذلك كله ما يفعل بالنبوات وما يعلم بالشرع دون العقل، وبالعقل دون الشرع وفيه أيضًا بيان من صفة التكليف والشروط الراجعة إلى المكلِّف والمكلَّف. (٤) (أ) ما يُضاف إليه تعالى وجوبًا، ليس وجوب الفعل الذي هو حكم من أحكامه وإنما ما لا تصح إضافته إلا إليه بألَّا يدخل جنسه تحت مقدور العباد فلا يمكن إضافته إلا إلى الله. (ب) ما يُضاف إليه على وجهٍ يحسن دون وجه يقبح، ويدخل في هذا كثيرٌ من الفصول المتقدمة، الكلام في التعديل والتجوير (الفصل، ج٣، ص٧٢). وتحيرت المعتزلة القائلون بالأصلح وبإبطال المحاباة في وجه العدل في ١٦ بابًا (١) العدل في إدامة العذاب. (٢) العدل في إيلام الحيوان. (٣) العدل في تبليغ من في المعلوم أنه يكفر. (٤) العدل في المخلوق. (٥) العدل في إعطاء الاستطاعة. (٦) العدل في الإرادة. (٧) العدل في البدل. (٨) العدل في الأمر. (٩) العدل في عذاب الأطفال. (١٠) العدل في استحقاق العذاب. (١١) العدل في المعرفة. (١٢) العدل في إخلاف أحوال المخلوقين. (١٣) العدل في اللطف. (١٤) العدل في الأصلح (١٥) العدل في نسخ الشرائع. (١٦) العدل في النبوة (الفصل، ج٣، ص١٠٣-١٠٤).
١١  في بيان وصف الفعل بأنه عدل وحكمة. اعلم أن الذي يختص بهذه الصفة من الأفعال كل فعل فعَلَه لينتفعَ المفعول به على وجه يحسن أو يضره به وأمَّا ما يفعله الفاعل منَّا بنفسه لمنفعة أو دفع مضرة فإنه لا يوصف بذلك (التعديل والتجوير، ص٤٨). جميع ما يفعله سبحانه عدل لأنه يفعله إمَّا لمنفعة أو لمضرة، جميع أفعاله عدل وحكمة. فأمَّا وصفه تعالى بأنه عدل فمجاز أقيم مقام وصفه بأنه عادِل. وأمَّا قولنا عن أكثر الأصول الخمسة أنها علوم العدل فإنَّا نقصد به غير ما تقدَّم ذكره وهو العلم بتنزيه الله عن كل قبيح على اختلافه وأن أفعاله لا تكون إلا حكمةً وصوابًا (التعديل والتجوير، ص٤٨-٤٩، ص٥١)؛ ويُقال في المؤمن الذي يستحق الثواب بأنه عدل ويُراد بذلك أنه مستحق للمدح (التعديل والتجوير، ص٤٩)؛ العدل في اللغة بمعنى المثل أو العدول، وهو مصدر أقيم مقام الاسم. والله عدل بمعنى العادل أو ذو العدل ولولا ورود الشرع بتسميته عدلًا ما جاز إطلاق المصادر في أسمائه. واختلف في المعنى؛ هو ما للفاعل أن يفعله، ولكن حتى المعصية؟ هي عدل من الله وكسب من الإنسان أو عدل من أفعالنا ما وافق أمر الله وظلم ما وافق نهيه. وعند الكعبي العدل هو التسوية بين العباد فيما يرتاحون إليه من إزاحة العلل والتوفيق والهداية ويلزمه ألَّا يكون الإنسان عادلًا (الأصول، ص١٣١-١٣٢)؛ والظلم لغة وضع الشيء في غير موضعه. واختلفوا في الظالم: (أ) حقيقة من قام به الظلم. (ب) فاعل الظلم «القدرية» (الأصول، ص١٣٢-١٣٣)؛ باب الكلام في تقدير أعمال العباد والاستطاعة والتجوير (الإبانة، ص٤٩)؛ باب الكلام في التعديل والتجوير (الإبانة، ص١١٥–١٢٢)؛ باب القول في التعديل والتجوير (الإرشاد، ص٢٥٧–٢٨٦)؛ الكلام في التعديل والتجوير (الفصل، ص٧٢–١٠٤)؛ وتظهر في بعض كتب الحجاج بعض مسائل العدل مثل كلام النظام في المصلحة، قوله في العدل والمناقشة في العدل وقول الإسكافي في قدرة الله على الظلم (الانتصار، ص٢٣–٢٥، ص٤٢–٤٥، ص٤٨–٥٠، ص٩٠).
١٢  القاعدة الرابعة: السمع والعقل والرسالة والأمانة، وهي تشتمل على مسائل التحسين والتقبيح والصلاح والأصلح واللطف والعصمة في النبوة وشرائط الإمامة نصًّا عند جماعة وإجماعًا عند جماعة وكيفية انتقالها على مذهب من قال بالنص وكيفية إثباتها على مذهب من قال بالإجماع والخلاف فيها بين الشيعة والخوارج والمعتزلة والكرامية والأشعرية (الملل، ج١، ص١٢).
١٣  أعلمتم من جهة السمع أو من جهة العقل؟ فإن قالوا من جهة العقل، غلطوا وأخطئوا فإن هذا لا يُعرف من جهة العقل لأنه خبرٌ عما كان في القديم. وإن قالوا من جهة السمع والنقل قيل: فكيف يكون قولُكم صحيحًا وقول غيركم خطأ؟ (التنبيه، ص٢٨)؛ فلا يعارض إلا دليل قطعي قولًا أو عقلًا (شرح الفقه، ص٦٢).
١٤  هذا هو موقف حسين الجسر إذ يقول: الباب الثالث، في رد شبه عن نصوص شرعية تعتمد في الاعتقاد أو التوفيق بينهما وبين ما يثبت بالدليل العقلي القاطع مما ينافي المعاني الظاهرة لتلك النصوص (الحصون، ص٩٩).
١٥  وقد سبق بوضوح بيان هذا الاستدلال: «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّى نَبْعَثَ رسولًا»، في مبحث النظر ومعرفة الله، (التحقيق، ص١٤٣).
١٦  فصل في القرآن وذكر الخلاف فيه. ووجه اتصاله بباب العدل هو أن القرآن من أفعال الله يصحُّ أن يقع على وجه فيقبح وعلى وجه آخر فيحسن. وباب العدل كلام في أفعاله، وما يجوز أن يفعله وما لا يجوز، وأيضًا فإنه من نعم الله، فإليه يرجع الحلال والحرام، وبه تُعرف الشرائع والأحكام (الشرح، ص٥٢٧)؛ فالقرآن مطابق للصلاح (الشرح، ص٥٤٥).
١٧  استعمل الباقلاني لإثبات نبوة المسيح ونفي ألوهيته نصوص الإنجيل (التمهيد، ص٩٤–٩٦).
١٨  يشمل موضوع الحسن والقبح عدة موضوعات:
  • (١)

    تعريف الحسن والقبح، هل هو داخل في الكون كشرٍّ أو في البدن كضرر ونفع أم أنه بداهة ووجدان؟ (المحصل، ص١٤٠–١٥٠؛ الدر، ص١٤٨–١٥٠؛ الملل، ج١، ص١٢؛ الطوالع، ص١٨٩–١٩٨؛ المواقف، ص٥١٥–٥٣٩).

  • (٢)

    هل هما صفتان موضوعيتان للأفعال أم خارجيتان من الشرع وإرادة الله؟ (الجوهرة، ص١١-١٢).

  • (٣)

    الواجبات العقلية (المحصل، ص١٤٠–١٥٠؛ المسائل، ص٣٧٣–٣٧٨؛ لمع الأدلة، ص١٠٨؛ النظامية، ص٣٠–٤٠؛ الاقتصاد، ص٨٣-٨٤؛ الأصول، ص١٣٠–١٥٢؛ النهاية، ص٣٧٠–٣٩٦؛ المحيط، ص٢٢٩-٢٣٠؛ المعالم، ص٧٢–٩٠).

  • (٤)

    تنزيه الله عن فعل القبيح (الكفاية، ص٦٥–٦٨؛ الحصون، ص٢٩–٣٢؛ المسائل، ص٣٧٣–٣٧٨؛ الشرح، ص٢٩٩–٣٠٨؛ المحيط، ص٢٢٩-٢٣٠؛ الطوالع، ص١٨٩–١٩٨؛ المواقف، ص٥١٥–٥٣٩؛ التحقيق، ص١٤٩–١٥٢).

  • (٥)

    الصلاح والأصلح (الكفاية، ص٦٥–٦٨؛ الحصون، ص٢٩–٣٢؛ الإرشاد، ص٢٨٧–٣٠١؛ الفصل، ج٣، ص١٢٠–١٣٦؛ الخريدة، ص٤٢–٤٤؛ الجوهرة، ص١١-١٢).

  • (٦)

    العلة والغائية (المحصل، ص١٤٠–١٥٠؛ الدر، ص١٤٨–١٥٠؛ المسائل، ص٣٧٣–٣٧٨؛ الإرشاد، ص٢٠٥؛ النهاية، ص١٦٤–٣٩٧؛ الفصل، ج٣، ص١٠٣-١٠٤؛ الغاية، ص٢٢٤–٢٤٥؛ الطوالع، ص١٨٩–١٩٨؛ المواقف، ص٥١٥–٥٣٩؛ الوسيلة، ص٣٥–٤٤).

  • (٧)

    الآلام والعوض (للإنسان وللبهائم) (المحصل، ص١٤٠–١٥٠؛ الحصون، ص٢٩–٣٢؛ المسائل، ص٣٧٣–٣٧٨؛ الشرح، ص٥٩٩–٦٠٨؛ المحيط، ص٢٢٩-٢٣٠؛ الفصل، ج٣، ص١٠٣-١٠٤؛ الطوالع، ص١٨٩–١٩٨؛ الجوهرة، ص١١-١٢).

  • (٨)

    اللطف، ومعه التوفيق والخِذْلان والهداية والضلال والطبع والختم والعصمة وهي مرتبطة بخلق الأفعال في أفعال الشعور الداخلية (الحصون، ص٢٩–٣٢؛ الفصل، ج٣، ص١٢٠–١٣٦؛ الاقتصاد، ص٨٣-٨٤؛ الأصول، ص١٣٠–١٥٢؛ النهاية، ص٣٩٧–٤١٦؛ الشرح، ص٥٩٩–٦٠٨؛ المحيط، ص٢٢٩؛ الملل، ج4، ص١٢؛ الفصل ج٣، ص١٠٣-١٠٤؛ الكفاية، ص٦٥–٦٩).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤