فلما كانت الليلة ١٠٩

قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير توجَّهَ بابنة الملك وسار، ولم يَزَلْ يطوي المراحل والقفار، ويجدُّ السير في الليل والنهار، حتى بقي بينه وبين بلاده ثلاثة أيام، ثم أرسل إلى الملك سليمان شاه مَن يخبره بقدوم العروسة، فأسرع الرسول بالسير حتى وصل إلى الملك وأخبره بقدوم العروسة؛ ففرح الملك سليمان شاه وخلع على الرسول، وأمر عساكره أن يخرجوا في موكب عظيم إلى ملاقاة العروسة ومَن معها بالتكريم، وأن يكونوا في أحسن البهجات، وأن ينشروا على رءوسهم الرايات؛ فامتثلوا أمره، ونادى منادٍ في المدينة أنه لا تبقى بنت مخدرة، ولا حرَّة موقَّرة، ولا عجوز مكسَّرة، إلا وتخرج إلى لقاء العروسة؛ فخرجوا جميعًا إلى لقائها، وسعى كبراؤهم في خدمتها، واتفقوا على أن يتوجَّهوا بها في الليل إلى قصر الملك، واتفق أرباب الدولة على أن يزيِّنوا الطريق، وأن يقفوا حتى تمرَّ بهم العروسة، والخدام قدامها، والجواري بين يديها، وعليها الخلعة التي أعطاها لها أبوها. فلما أقبلت أحاط بها العسكر ذات اليمين وذات الشمال، ولم تَزَل المحفة سائرة بها إلى أن قربت من القصر، ولم يبقَ أحد إلا وقد خرج ليتفرَّج عليها، وصارت الطبول ضاربة، والرماح لاعبة، والبوقات صائحة، وروائح الطيب فائحة، والرايات خافقة، والخيل متسابقة، حتى وصلوا إلى باب القصر، وتقدَّمت الغلمان بالمحفة إلى باب القصر، فأضاء المكان ببهجتها، وأشرقت جهاته بحلي زينتها.

فلما أقبَلَ الليل فتح الخدام أبواب السرادق، ووقفوا وهم محتاطون بالباب، ثم جاءت العروسة وهي بين الجواري كالقمر بين النجوم، أو الدرة الفريدة بين اللؤلؤ المنظوم، ثم دخلت المقصورة وقد نصبوا لها سريرًا من المرمر، مرصَّعًا بالدر والجوهر، فجلست عليه، ودخل عليها الملك، وأوقع الله محبتها في قلبه، فأزال بكارتها، وزال ما كان عنده من القلق والقهر، وأقام عندها نحو شهر، فعلقت منه من أول ليلة، وبعد تمام الشهر خرج وجلس على سرير مملكته، وعدل في رعيته إلى أن وفت أشهرها، وفي آخِر ليلة من الشهر التاسع جاءها المخاض عند السَّحَر، فجلست على كرسي الطلق وهوَّنَ الله عليها الولادة، فوضعت غلامًا ذكرًا تلوح عليه علامات السعادة، فلما سمع الملك بالولد فرح فرحًا جليلًا، وأعطى المبشِّر مالًا جزيلًا، ومن فرحته توجَّهَ إلى الغلام، وقبَّلَه بين عينَيْه، وتعجَّبَ من جماله الباهر، وتحقَّقَ فيه قول الشاعر:

اللهُ أَهْدَى لِلرِّئَاسَةِ كَوْكَبَا
فَالدَّهْرُ بِالْأَبْطَالِ مَا يَوْمًا نَبَا
هَشَّتْ لِمَطْلَعِهِ الْأَسِنَّةُ وَالْأَسِرَّ
ةُ وَالْمَحَافِلُ وَالْجَحَافِلُ وَالظُّبَى
لَا تُرْكِبُوهُ عَلَى النُّهُودِ فَإِنَّهُ
لَيَرَى ظُهُورَ الْخَيْلِ أَوْطَأَ مَرْكِبَا
وَلْتَفْطِمُوهُ عَنِ الرِّضَاعِ فَإِنَّهُ
لَيَرَى دَمَ الْأَعْدَاءِ أَحْلَى مَشْرَبَا

ثم إن الدايات أخذن ذلك المولود، وقطعن سرَّته وكحَّلْنَ مقلته، ثم سمَّوه تاج الملوك خاران، وارتضع ثدي الدلال، وتربَّى في حجر الإقبال، ولا زالت الأيام تجري والأعوام تمضي، حتى صار له من العمر سبع سنين، فعند ذلك أحضر الملك سليمان شاه العلماءَ والحكماء، وأمرهم أن يعلِّموا ولدَه الخطَّ والحكمة والأدب، فمكثوا على ذلك مدة سنين حتى تعلَّمَ ما يحتاج إليه الأمر، فلمَّا عرف جميع ما طلبه الملك، أحضره من عند الفقهاء والمعلِّمين، وأحضر له أستاذًا يعلِّمه الفروسية، فلم يَزَلْ يعلِّمه حتى صار له من العمر أربع عشرة سنة، وكان إذا خرج إلى بعض أشغاله يفتتن به كل مَن رآه. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤