الفصل السابع عشر

يوم سقطت القنبلة على بيتي!

ولم يمهل صاحبنا نفسه بعد أن فرغ من امتحان الدكتوراه إلا أيامًا قليلة، ثم أقبل على درس أستاذ التاريخ ذاك كما تعوَّد أن يفعل منذ أقام في باريس، وكان على هذا الدرس حريصًا ولصاحبه محبًّا، بل كان إعجابه بصاحب هذا الدرس عظيمًا، فلما انتهى الأستاذ من درسه سعى إليه صاحبنا خزيان وَجِلًا، وأنبأه بأنه يودُّ لو أَذِنَ له في أن يهيئ بإشرافه رسالة في التاريخ القديم ينال بها دبلوم الدراسات العليا.

وقد قبل الأستاذ طلب تلميذه أحسن قبول، وضرب له موعدًا بعد درس الغد ليتحدث معه في موضوع هذه الرسالة، وانصرف الفتى راضيًا مشفقًا؛ راضيًا عن العمل مع هذا الأستاذ العظيم، مشفقًا من مشقة هذا العمل، فقد كان الأستاذ معروفًا — على حبه لتلاميذه — بالشدة عليهم وتكليفهم من الأعمال أشقها وأشدها عسرًا ومحاسبتهم بعد ذلك حسابًا لا رفق فيه.

ولقي الفتى أستاذه من الغد فقال له متضاحكًا: لقد وجدت لك موضوعًا قيمًا حقًّا؛ لأنه سيتيح لك من القراءة ما ستنعم به أحسن النعيم موقعًا في النفوس.

قال الفتى متشوقًا: وما ذاك؟!

قال الأستاذ: ستدرس القضايا التي أقيمت في روما على حكام الأقاليم الذين أهانوا جلال الشعب الروماني وغضُّوا من شرفه، كما صوَّرها المؤرخ العظيم تاسيت، وأؤكد لك أنك ستسعد بقراءة هذا المؤرخ كما لم تسعد قط بقراءة مؤرخ أو أديب.

ثم أحصى له طائفة من الكتب يجب أن يقرأها، وطائفة أخرى يجب أن يرجع إلى بعض فصولٍ فيها، ولم يستطع صاحبنا أن يناقش الأستاذ أو يجادله في هذا الموضوع العسير، وإنما سمع وأطاع، وانصرف قلقًا مستخذيًا.

ثم فكر حين خلا إلى نفسه في هذه الكتب التي ينبغي أن يقرأها أو يراجع فصولًا فيها، فرأى أنه لا يستطيع أن يستعيرها؛ لأن مثل هذه الكتب لا تعار من مكتبة الجامعة لكثرة حاجة الطلاب إليها، وليس له بدٌّ إذن من شرائها، وفي شرائها المعضلة الكبرى، فثمنها لا يقل عن المرتب الذي يتقاضاه أثناء شهرين كاملين!

وكتب إلى الجامعة يستعينها على شراء هذه الكتب، فأبت عليه، وكانت الجامعة شديدة البخل على طلابها، تكرهها ظروفها المالية على ذلك إكراهًا، فهي لم تكن تعينهم على ما يعرض لهم من المرض، ولا على ما يحتاجون إليه من الكتب. وإنما كانت تعطيهم مرتباتهم وأجور ما يحتاجون إليه من الدروس الخاصة إذا تبيَّنت أن ليس لهم من هذه الدروس بدٌّ، ثم تخلي بينهم وبين حياتهم يصنعون بها ما يريدون، أو تصنع هي بهم ما تريد. وعلى الطلاب مع ذلك أن يثبتوا جِدَّهم في الدرس وتقدمهم فيه، فإن ثبت لها تقصير أو قصور فليس بدٌّ للطالب من أن يعود إلى مصر ويوفر ما تنفقه الجامعة عليه من المال.

وقد راجع صاحبنا الجامعة في أمر هذه الكتب فأذنت له — بعد خطوب — في أن يشتريها وينتفع بها على أن تكون ملكًا للجامعة تردُّ إليها بعد عودته إلى مصر.

وكذلك أخذ يتهيَّأ لهذا الموضوع الخطير، وأي شيء أخطر بالقياس إلى مصري مثله لم يعرف اللاتينية إلا بأخرة، ولم يسمع في مصر إلا دروس الأزهر في علومه الموروثة ودروس الجامعة التي ليس بينها وبين تاريخ اليونان والرومان صلة — أيُّ شيء أخطر بالقياس إلى مصري مثله من العكوف على هذا المؤرخ الروماني العظيم العسير يقرؤه ويحصي ما فيه من أخبار هذه القضايا، ثم يفهم هذه القضايا من نواحيها القانونية الخالصة، ثم يعرضها بعد ذلك عرضًا واضحًا مستقيمًا؟! لقد أحس في نفسه شيئًا من الندم على أنه لم يختر لرسالته موضوعًا في التاريخ العربي الذي يحسنه، والذي لا يكلفه قراءة في اللاتينية ولا فيما يشبه اللاتينية، ولكنه قد ورَّط نفسه في هذا الموضوع، وليس له بدٌّ من أن ينفذ من مشكلاته، مهما يكلفه ذلك من جهد أو عناء.

وإنه لما بدأ في قراءته تلك العسيرة، إذا حدثٌ يحدث ذات ليلة فيقطع هذه القراءة فجأة، ويضطره إلى أن يترك باريس، ويفر بنفسه وبزوجه إلى جنوب فرنسا، طلبًا للأمن واجتنابًا للخطر، وكان ذلك حين انتصفت ليلة من ليالي فبراير أو كادت تنتصف، وكان كل شيء هادئًا من حول صاحبنا، وكان قد انصرف عن القراءة وأوى إلى مضجعه، وأخذ النوم يسعى إليه أو أخذ هو يسعى إلى النوم، ولكن النذير بالغارة الجوية يوقظ أهل البيت جميعًا، وصاحبنا شجاعٌ لا يحفل بالغارة ولا يريد أن يظهر أهل البيت منه على ذعر أو شيء يشبه الذعر، فهو يأبى أن ينهض من مضجعه ساخرًا من الغارة والمغيرين، وما أكثر ما سمع أهل باريس هذا النذير! وما أكثر ما اهتم له المهتمون، وسخر منه الساخرون، وانجلت غمرته عن باريس دون أن تلقى منه كيدًا! فما يمنع هذه الغارة أن تكون كغيرها من سابقاتها؟ وصاحبنا معتدٌّ بنفسه معتزٌ بشجاعته، يرى أهل البيت من حوله يتهيئون للهبوط من طابقهم السادس ليئووا إلى مخبئهم ذاك، وهو ثابتٌ في مضجعه لا يريم، ولكنه يسمع فجأة صوتًا مروِّعًا، وينظر فإذا هو يهبط مع الهابطين مسرعًا، لا يحفل بما يمكن أن يلقاه من عقبات، ولا يثوب إلى نفسه إلا بعد أن استقرَّ في مجلسه من المخبأ بين اللاجئين إليه من أهل الحي، وهو مستخذٍ في نفسه، ومستخذٍ من أهله، ولكن ماذا يصنع وقد كانت الغريزة أقوى من عقله وإرادته جميعًا؟

وتنجلي الغمرة، ويأوي الناس إلى مضاجعهم، فإذا أصبحوا رأوا شرًّا عظيمًا، فقد سقطت القنابل في الحي اللاتيني نفسه، ودمرت أبنية قريبة من الدار التي كان يسكنها صاحبنا، وهو يحس آثار هذا التدمير في طريقه مصبحًا إلى السوربون، ويسمع من أنبائه الشيء الكثير، ولم يخطر له أن في هذا الحادث ما يضطره إلى ترك باريس والهجرة إلى الجنوب، ولكن ظروف زوجه تفرض عليه ذلك بأمر الطبيب، فيهاجر معها إلى مونبلييه مقدرين أن يقيما فيها إلى أن يصل الطفل الذي كانا ينتظرانه، ثم يعودا بعد ذلك إلى باريس.

وهمَّ صاحبنا بعد أن استقر في مونبلييه أن يدرس الحقوق ويتخرج في القانون، يبدأ الدرس في فرنسا ويتمه في مصر بعد أن يعود إليها. ولكن إعداد رسالته تلك شغله عن ذلك، وما أكثر ما لام نفسه وشق عليها في اللوم بأنه لم يتم ما حاول من دراسة القانون! فقد ألمت به في حياته محن وخطوب.

وكان ينظر فيرى نفسه مسئولًا عن أسرة فيها صبيَّان بريئان لم يخاصما السلطان ولم يثيرا غضبه، وعن زوج بريئة غريبة لا شأن لها بما كان يحدث في مصر من الأحداث، ويرى نفسه مع ذلك اضطر إلى شيء يشبه العجز عن رعاية هذه الأسرة والقيام بحقها عليه في تلك الأيام. وكان يذكر رغبته في درس القانون، وكان يقدر أنه لو فعل لاستطاع أن يتجنب التبطل وأن يعصم هذه الأسرة مما كانت تتعرض له من البؤس والضيق، ولكن هذا حديث لم يأتِ وقته بعد.

أقبل الفتى إذن على درسه، وأقبل في الوقت نفسه على درس اللغة اليونانية، وشاركته زوجه في هذا الدرس، فكانت حياتهما في مونبلييه راضية حقًّا، فيها نعيم العقل بهذا الإمعان في الدرس والأخذ في كل يوم بسبب جديد من أسباب المعرفة. وفيها نعيم الأمل بانتظار هذا الطفل الذي كان يسعى إلى الحياة في أناة ورفق، وفيها نعيم الرضا بالقليل والقناعة بالرزق الذي مهما يكن مقترًا فيه فقد كان يقيم الأود ويعصم من الحاجة ويرضي الزوجين عن نفسهما؛ لأنهما يحسنان التدبير والاحتمال، وكان ربما تعرضا لبعض الهم حين يوشك الشهر أن ينقضي، ويوشك ما بين أيديهما من المال أن ينفد، فيثبتان لذلك في صرامة لا تعرف اللين وشدة لا تعرف الدعة حتى تنجلي عنهما الغمرة ويعود إليهما اليسير العسير مع أول الشهر، إن جاز أن يوصف اليسير بأنه عسير.

وكان الفتى قد أرسل نسخًا من رسالته عن ابن خلدون إلى صديق له في مصر بقيت له بعد أن أخذت السوربون خمسين ومئة نسخة، وأخذت الجامعة عشرين نسخة، وأهدى إلى بعض الرفاق والأصدقاء عددًا آخر من النسخ، وبقى له نحو مئة نسخة من هذه الرسالة، فأرسل إلى صديقه ذاك رحمه الله ليتصرف فيها كما يحب، ومضى على إرسال هذه النسخ وقت غير قصير حتى نسيها الفتى، ولكنه يتلقى ذات ضحى كتابًا من صديقه ذاك ومعه حوالة على أحد المصارف بمقدار من المال لا بأس به كاد يبلغ عشرين جنيهًا.

ما كان أسعد ذينك الزوجين بهذا الكتاب، وبما حمل إليهما من معونة، كانا في أشد الحاجة إليها! ولا سيما أنه قد قرب مقدم الطفل المنتظر، ولا بد من التهيؤ للقائه، ومن لقائه حين يقبل في إكرام له وعناية به وحفاوة تلائم ما كانا يجدان في مقدمه من السعادة. وكان ربما أدركهما حزن عميق يخفيه كل منهما على صاحبه رفقًا به وإشفاقًا عليه، فكانت هذه المعونة الطارئة منقذًا لهما من هذا العذاب.

وفي يوم من أيام شهر يونيو أقبلت أمينة مع الصبح، واختلط صياحها بغناء الطير المستيقظة، فكان لهذه الموسيقى الحلوة موقع أي موقع في قلب الزوجين أنساهما أو سلاهما عما وجدا في ليلتهما تلك من رَوْع وما تعرَّضا له من هول.

ولم تجد أمينة أبويها حزينين ولا مهتمين ولا مضيقًا عليهما في استقبال زائرهما العزيز؛ فقد أتاح لها ابن خلدون رحمه الله من السعة ما مكَّنهما من أن يلقيا ابنتهما كأحسن ما يكون اللقاء.

وانقضى الصيف ثقيلًا طويلًا يضطرب فيه الزوجان بين السَّعة في أول الشهر والضيق في آخره، ولكنهما يستعينان على السعة والضيق جميعًا بتنشيء أمينة من جهة، والجدِّ في إعداد الرسالة ودرس اليونانية من جهة أخرى، ولم يقبل شهر سبتمبر حتى عاد الزوجان ومعهما جوهرتهما إلى باريس.

وكان صاحبنا يقدر أنه سيفرغ الفراغ كله لرسالته إذا استقر في باريس، ليلقى أستاذه من أول العام الجامعي مستعدًّا للتحدث إليه بما قرأ وما فهم وما يريد أن يفعل، وليتلقى منه ما يمنحه من التوجيه والإرشاد.

ولكنه لا يكاد يبلغ باريس حتى يُصْرَف عن الرسالة صرْفًا عنيفًا، ويشغل عنها شغلًا متصلًا أكثر من شهرين؛ فهذا رفيق مصري من رفاقه في الدرس، وصديق من أصدقائه قبل البعثة وبعدها، قد ألمَّ به مرضٌ عصبيٌّ خطير، وليس له في باريس من يرعاه أو يهتم لشأنه. وقد انتقلت إدارة البعثة الجامعية من باريس إلى لندن فلم يكن بد للفتى من أن يُعنى بصديقه وزميله في الدرس، ويقوم منه مقام مدير البعثة. وهو يعرضه على الطبيب بعد الطبيب، ويكتب في شأنه إلى مدير البعثة مرة وإلى الجامعة في القاهرة مرة أخرى. وينفذ أمر الأطباء، فينقل صديقه من باريس إلى حيث يستطيع أن يعيش خارج المدينة في الهواء الطلق والحياة الهادئة التي لا عجيج فيها ولا ضجيج. وهو مضطر إلى أن يزوره بين حين وحين، وقد يدعوه فجأة صاحب الفندق الذي يقيم فيه المريض فيسرع إليه، ويسمع من أنباء صديقه ما يملأ قلبه لوعةً وحزنًا، ويثير أمامه من المشكلات ما لا يعرف إلى النفوذ منه طريقًا. وهو في أثناء هذا كله يتلقى الرسائل المتناقضة من الجامعة ومن مدير البعثات، ويتلقى المال القليل لينفق منه على المريض الذي كان يسرف في الإنفاق، ولم تكن حاجاته تنقضي، ويتلقى في الوقت نفسه من الجامعة مطالبته بتأدية الحساب الدقيق عما أنفق، ولا تنجلي عنه هذه الغمرة حتى يتلقى أمر الجامعة بإعادة الصديق المريض إلى القاهرة.

وفي أثناء هذا كله تضع الحرب أوزارها، وتعلن الهدنة، ويبتهج الفرنسيون ونزلاء فرنسا بمقدم السلم، ولا يكاد صاحبنا يمضي فيما عاد إليه من الدرس بعد تلك المحنة في صديقه الكريم عليه، الأثير عنده، حتى تأتي الأنباء من مصر فتصرفه مرة أخرى عن رسالته وإعدادها صرفًا عنيفًا، ولكنه لم يكن حزينًا ولا مروَّعًا، وإنما كان سعيدًا يملأ القلب غبطة والضمير رضًا والنفس ثقة وإعجابًا، فقد جاءت الأنباء بأن مصر تطلب استقلالها إلى المحتلين المنتصرين.

ثم جاءت الأنباء بأن مصر تلقى من المحتلين عنتًا أيَّ عنت وجحودًا أيَّ جحود، وبأن بعض المصريين قد أخرجوا عنوة من وطنهم، واتخذوا رهائن في مالطة، وبأن مصر قد غضبت لأبنائها وثارت بأعدائها.

فتقع هذه الأنباء كلها من قلب الفتى ومن قلوب زملائه الطلاب المصريين موقع الماء من ذي الغُلَّة الصادي. ليس الأوروبيون وحدهم إذن هم الذين يثورون غضبًا للكرامة الوطنية وطموحًا إلى استقلال الوطن، بل إن مصر الأفريقية تثور هي أيضًا كما ثار الإنجليز والفرنسيون والأمريكيون وأمم غربية أخرى.

ما أوسع الآمال التي ملأت قلوب أولئك الطلاب الغرباء! وما أعظم الكبرياء التي ملأت نفوسهم! وما أكثر ما أضاعوا من الوقت في أحاديث لا تنقضي عن هذا كله! وما أكثر ما أعرضوا عن الدروس ليفرغوا لحديث الثورة والثائرين!

وكان صاحبنا مؤثرًا للعزلة لا يلقى رفاقه المصريين إلا قليلًا، فقد كثر لقاؤه لهم وخوضه معهم في أحاديث الثورة والثائرين منذ جعلت الصحف الفرنسية تنشر أنباء مصر وما يجري فيها من الأحداث.

ولكنه على هذا كله لم يهمل الرسالة ولم يعرض عن درس أستاذه المشرف عليها، وإنما مضى في عمله حفيًّا به حريصًا على الجلد فيه، كأن أنباء مصر قد زادته إقدامًا على إقدامٍ وجدًّا على جدٍّ، وهي على كل حال قد شوقته أشد التشويق إلى أن يتم درسه ويعود إلى مصر ليشهد الأحداث عن كثب؛ ومن يدري لعله يستطيع أن يشارك في بعضها مما يتاح له أن يشارك فيه.

ولم ينسَ صاحبنا قط كيف كان يتلقى قارئته مع الصبح، فيغرق معها في قراءة الفقه المدني والفقه الجنائي والمدني الروماني في كتابي المؤرخ الألماني العظيم ممش. ولم يكن الفتى يصدق — بعد أن مضت على ذلك السنون — أنه قرأ هذه المجلدات الأحد عشر في وقت قصير على ما في قراءتها من العسر وكثرة ما في هذه المجلدات من التعليقات ومن النصوص اللاتينية.

وما أكثر ما كان يسمع للقارئة وقد حمل أمينة بين ذراعيه ليتيح لزوجه أن تفرغ لما كان ينبغي أن تفرغ له من شئون البيت!

وما أكثر ما كان يملي فصول هذه الرسالة وصبيته بين ذراعيه يمشي بها في غرفته الضيقة ممليًا وقارئته تسمع منه وتكتب عنه! وربما طلبت إليه أن يريح نفسه من الإملاء ويريحها من الكتابة دقائق، وأخذت منه الصبية فحملتها ومشت بها في الغرفة وغنَّت لها بعض ما يُغنَّي للأطفال، وأتاحت له بذلك أن يجلس ويستريح، وزوجه في أثناء هذا كله في مطبخها مقبلة على تهيئة الغداء أو العشاء.

وفي ذات يوم يقبل الرفاق فينبئونه بأن سعدًا رحمه الله وأصحابه سيصلون إلى باريس، وأنهم يتهيئون لاستقبالهم، ويطلبون إليه أن يشاركهم في ذلك فيعتذر؛ لأنه لا يحسن من هذه الأمور شيئًا.

ولكنه ينتظر حتى إذا استقر الوفد في باريس ذهب ذات ضحى إلى حيث كان أعضاؤه يقيمون، فلقي سعدًا رحمه الله بعد أن لقي رفاقه، وفيهم أستاذه الرفيق به العطوف عليه أحمد لطفي السيد.

وفيهم صديقه المشجع له الذي طالما شمله بالعناية والرعاية حين كان طالبًا في الجامعة، وكاتبًا في الجريدة، ثم شمله بالعناية والرعاية حين كان عضوًا في البعثة الجامعية بباريس، وهو عبد العزيز فهمي رحمه الله.

وفيهم غير هذين الصديقين الكريمين آخرون كان يعرفهم بأسمائهم، ثم اتصلت المودة بينه وبينهم بعد ذلك، كما اتصلت الخصومة أيضًا بينهم وبينه بعد ذلك.

لقي هؤلاء جميعًا ومعه زوجه، ثم أُذِن له في لقاء سعد، وكان لسعد عنده دَيْن منعه الحياء من أدائه، حين كان طالبًا في الجامعة وأتيح له أن يؤديه بعد أن كاد يتم دراسته في باريس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤