الفصل السابع

كيف تعلمت الفرنسيَّة!

كان أول عهد الفتى بدرس اللغة الفرنسية أن حدَّثه بعض صديقه من الأزهريين بأن مدرسة مسائية أنشئت في مكان قريب من الأزهر، تدرس فيها هذه اللغة لمن يريد أن يتعلمها من المجاورين.

وكان للشيخ عبد العزيز جاويش رحمه الله يدٌ في إنشاء هذه المدرسة لم يحققها الفتى تحقيقًا واضحًا، ولكنه ذهب إلى المدرسة فيمن ذهب إليها من الطلاب، وسمع الدرس الأول من دروسها، ألقاه كهل مصري كان يحسن أن يلوِيَ لسانه في النطق بالحروف، وكان الفتى يبهره هذا النطق، ولكنه لم يفهم من هذا الدرس شيئًا، فقد كان الأستاذ يرسم الحروف على اللوحة وينطق بها، ويأخذ الطلاب بأن ينطقوا بهذه الحروف كما سمعوها منه، وبأن ينظروا إليها مرسومة، وينقلوها فيما أمامهم من الأوراق، وظل الفتى واجمًا لا يرى الحروف ولا يرسمها، ولم يسأله الأستاذ أن ينطق بها، وإنما كان يسأل مَن عن يمينه ومَن عن شماله، ويمرُّ به هو بدون أن يلوي عليه.

وضاق الفتى بذلك أشد الضيق، ولكنه لم يستطع أن يقول شيئًا، ثم تفرق الطلاب وهَمَّ الفتى أن ينصرف، ولكنَّ يدًا توضع على كتفه وصوتًا يطلب منه الانتظار، وإذا هو الأستاذ قد استوقف الفتى، حتى إذا خلا إليه قال له: ليس لك أَرَبٌ في حضور هذه الدروس، ولكني أرى فيك حِرصًا على تعلُّم هذه اللغة وأحبُّ أن أعينك على ما تريد، فالْقَني إن شئت في قهوة كوبري قصر النيل نتحدث في هذا الموضوع.

وضرب له موعدًا لهذا اللقاء، ولم يكادا يلتقيان حتى تعارفا، وإذا بينهما صلة قديمة، فقد كان أبو هذا الأستاذ قاضيًا شرعيًّا في المدينة التي نشأ فيها الفتى، وعليه قرأ الفتى ألفية ابن مالك، كان يختلف إليه في المحكمة ضحى كل يوم، ويقرأ عليه بابًا من أبواب الألفية، وقد اتصلت المودة بين الأستاذ الكهل وتلميذه الفتى. ولكن دروس هذا الأستاذ لم تُغْنِ عن التلميذ شيئًا، فقد كان يحب كُتَّابًا وشعراء من الفرنسيين، فإذا خلا إلى الفتى قرأ عليه من آثار هؤلاء الكتاب والشعراء وترجم له بعض ما يقرأ، فيزيد شوق الفتى إلى العلم بلغة هؤلاء الكتَّاب والشعراء لروعة ما كان ينقل إليه من آثارهم، وقد سمع الفتى من أستاذه أسماء كانت تسحره وتبهره وتملك عليه أمره كله، سمع اسم لامارتين وألفريد دي موسيه وألفريد دي فينِّي وشاتوبريان؛ فكان موقع هذه الأسماء غريبًا، وكان ما يُنقل إليه من كلامهم أشدَّ غرابةً من أسمائهم يُبعد الفتى عن الأدب العربي وعن الشعر القديم خاصة، ويدفعه إلى عالم آخر مجهول لا يحقق الفتى منه شيئًا، ولكنه يهيم بالاضطراب فيه كل الهيام، وقد اضطر آخر الأمر إلى أن يبحث عن معلم يُلقِّنه أوليات هذه اللغة تلقينًا منظمًا منتجًا، وما زال يبحث عنه حتى دُلَّ عليه.

فأقبل على دروسه كل يوم من الساعة الثانية إلى منتصف الخامسة، واستبقى مع ذلك مودَّة أستاذه ذاك، فكان يلقى أستاذه النظامي كل يوم في موعده المحدد، فيتعلم منه الأوليات، ويلقى أستاذه الآخر مرتين في الأسبوع إذا أقبل الليل ليسمع منه نثرًا وشعرًا ينقل إليه بعض معانيهما.

وكان الأستاذ النظامي رجلًا غريب الأطوار حقًّا، كان شيخًا قد نَيَّفَ على السبعين وقد حطمته السنون، وكان ألبانيًّا، وكان قذرًا تنبو عنه العيون، وكان مُعدمًا لا يجد ما يقوته، وكان يصيب غداءه مع الفتى كل يوم ثم لا يأخذ منه أجرًا لدروسه. وكان سريع التعب لا يكاد يتحدث إلى الفتى دقائق حتى يُدركه الإعياء فيغفى لحظة ثم يفيق ليأخذ فيما كان فيه، ثم يعود إلى الإغفاء، ثم يعود بعد ذلك إلى الإفاقة.

وكذلك كان الفتى يختطف دروسه اختطافًا بين يقظة الأستاذ ونومه، وربما أحس الأستاذ شدة الحر إذا أقبل الصيف وأراد أن يتبرد، فوقف الدرس، وذهب إلى الحمام، فصب على نفسه من ماء الدش ما شاء الله أن يصب، ثم عاد إلى تلميذه وقد أحدث شيئًا من نشاطٍ، ولكنه لا يكاد يمضي في درسه حتى تأخذه سِنَته تلك، فيضطر التلميذ إلى الانتظار به حتى يفيق.

على أن هذا الأستاذ لم يلبث أن ضاق به أخو الفتى أشدَّ الضيق؛ كان يأتى إذا دنت الساعة الثانية وينصرف إذا انتصفت الساعة الخامسة، ويترك في البيت من قذارته آثارًا غلاظًا، بعضها حيٌّ يُؤذي، وبعضها ميت يمضُّ، حتى شكا الخادم وضاق أخو الفتى بما كان يرى، وبما كان يسمع، وصرف الأستاذ صرفًا رقيقًا.

والتمس صاحبنا لنفسه أستاذًا آخر، وجعل ينتقل بين معلم ومعلم، ويجد في هذا التنقل مشقة أي مشقة، ومتاعًا أي متاع. تأتى المشقة من أجر الدروس الذي لم يكن له بدٌّ من أن يؤديه إلى معلميه، ويأتى المتاع من اختلاف هؤلاء المعلمين، وتباين أطوارهم وخصائصهم حين كانوا يتحدثون إليه، ويُلقُون علمهم عليه، حتى لقي الفتى ذات يوم في الجامعة فتًى كان قد ظفر بالشهادة الثانوية وتعلم في مدرسة الفرير، فكان متقنًا للفرنسية. ولم يكد يتحدث إليه حتى ذكر صباه كله، فقد كان هذا الفتى ابن ملاحظ الطريق الزراعية في مدينته، وكان يختلف مع أخته إلى الكتاب الذي حفظ الفتى فيه القرآن. فقد لقي الفتى إذن رفيق صباه، ويسَّر له تعلم اللغة الفرنسية في غير مشقة ولا عناء، وأي شيء أيسر من أن يتعلم الفرنسية لا يدفع على تعلمها أجرًا وإنما يعلم رفيقه بعض قواعد النحو والصرف!

وبفضل هذا الرفيق محمود سليمان رحمه الله خطا الفتى في درس الفرنسية خطواتٍ بعيدةً، علَّمه رفيقه كما تعلَّم هو في المدرسة. قرأ معه الكتب الأولى، وما زال يتدرج به من كتاب إلى كتاب حتى رأى نفسه ذات يوم يقرأ مع رفيقه قصة كانديد لفولتير، يتعثر في فهمها تعثرًا شديدًا متصلًا، ولكنه يفهم منها شيئًا، ورأى الفتى نفسه يختلف إلى دروس الأدب الفرنسي فتفوته أشياء ويصيب أشياء، والأستاذ يعطف عليه ويرفق به، ورفيقه يعينه على فهم ما يفوته؛ وإذا هو يتقدم في الدرس تقدُّمًا حسنًا، ويشعر أن أمر اللغة الفرنسية قد أصبح يسيرًا، فليس له بدٌّ من أن يحسنها، وهو قادر على أن يحسنها إن مضت أموره على ما يحب.

ومنذ ذلك الوقت أصبحت الجامعة بالقياس إليه وسيلة بعد أن كانت غاية، فقد ألقى الشيخ عبد العزيز جاويش في رُوعه فكرة السفر إلى أوروبا، وإلى فرنسا خاصة، فما له لا يفكر في هذا السفر؟ وما يمنعه أن يبتغي إليه الوسيلة؟ والغريب أن هذه الفكرة مازجت نفسه، وأصبحت جزءًا من حياته، وجعل ينظر إليها لا على أنها حلم يداعبه نائمًا أو يقظان، بل على أنها حقيقة يجب أن تكون. وأغرب من هذا أن الفتى جعل يتحدث بسفره إلى أوروبا كما يتحدث الإنسان عن أمر قد صحَّت عزيمته عليه، وقد تهيأت له أسبابه. وكان يتحدث إلى إخوته وإلى أخواته إذا أقبل الصيف بسفره إلى أوروبا قريبًا، وكان يغيظ أخواته بأنه سيقيم في أوروبا أعوامًا، ثم يعود منها وقد اختار لنفسه زوجًا فرنسية متعلِّمة مثقفة تحيا حياة راقية ممتازة، ليست جاهلة مثلهن، ولا غافلة مثلهن، ولا غارقة في الحياة الخشنة الغليظة مثلهن، وكان أخواته يتضاحكن حين يسمعن منه هذا الحديث وربما أضحكن به أمَّ الفتى وأباه.

وكان الفتى يقول لهن: «اضحكن اليوم فسترين غدًا!»

وفي ذات يوم قرأ صاحبنا في الصحف إعلانًا من الجامعة تطلب فيه إلى الشباب أن يستبقوا إلى بعثتين من بعثاتها في فرنسا، إحداهما لدرس التاريخ، والأخرى لدرس الجغرافيا، ولم يكد يفرغ من قراءة هذا الإعلان حتى استقر في نفسه أنه صاحب إحدى هاتين البعثتين، وأنه سيعبر البحر إلى باريس لدرس التاريخ في السوربون، وإذا هو يكتب إلى رئيس الجامعة الأمير أحمد فؤاد هذا الكتاب:

دولتلو أفندم رئيس الجامعة المصرية

أرفع إلى دولتكم وإلى مجلس إدارة الجامعة، أني قرأت في الصحف إعلان الجامعة، أنها سترسل طالبين إلى أوروبا لدرس التاريخ وتقويم البلدان، وأنا شديد الحرص على أن أكون أحد هذين الطالبين، وعلى أن توجِّهني الجامعة إلى فرنسا لدرس التاريخ، واعتقادي أن الجامعة إنما تجعل مقياسها في اختيار الطلبة الكفاءة الحقيقية، وعلى ذلك أتشرف بأن أؤكد لدولتكم ولمجلس الإدارة أن الجامعة قد جعلتني — فيما أعتقد — كفئًا لخدمتها بما علمتني من علم نافع، وما أدَّبتني به من أدب مفيد.

وأنا على يقين أن الجامعة ستستفيد مني كثيرًا إن قبلتني خادمًا لها، وهي لن تجني مني إلا ثمر غرسها الطيب في مصر وفي أوروبا.

نعم، إن الشروط التي تشترطها الجامعة في طلبة الإرساليات ينقصني بعضها، فإني لم أحصل على الشهادة الثانوية، كما أنني مكفوف البصر. ولكني أعتقد أن نقصان هذين الشرطين لا يضرني شيئًا، فأما الشرط الأول: فلا يضرُّني نقصانه؛ لأن ما سمعته في الجامعة من العلم، وما أدَّيته فيها من الامتحان، وما أحرزته من الدرجات العظمى في جميع العلوم التي امتحنت فيها، وهي علوم الجامعة كلها إلا الآداب الأجنبية، وما تشرَّفت به في إثر ذلك من رضا مجلس الإدارة عني، وثناء الأساتذة غائبهم وحاضرهم على كل ذلك، يقوم مقام الشهادة الثانوية، ويزيد عليها من غير شكٍّ ولا ريب، ولا سيما أني شارع في تعلُّم الفرنسية حتى إني لأفهم بها غير قليل، وقد أتممت منها مقدارًا يمكنني من دخول الجامعة في فرنسا بعد أشهر أقضيها هناك. ويضاف إلى ذلك أني أتممت في الجامعة درس تاريخ الشرق القديم، ونلت فيه الدرجة العظمى، ودرس تاريخ الإسلام، ونلت فيه أعظم درجة نالها طالب في الجامعة، ليس بيني وبين النهاية إلَّا درجة واحدة. وأتممت درس اللغات القديمة السامية، ونلت فيها الدرجة العظمى أيضًا، وتلك مزية لم تجتمع لأحد من الطلبة المصريين في مصر، ولست أريد أن أتمدَّح بهذا، وإنما أريد أن أتحدث بفضل الجامعة عليَّ، وأن هذا الفضل يجعلني أكثر الناس كفاءة لدرس التاريخ وخدمة الجامعة فيه.

أما الشرط الثاني: وهو فقدان البصر فليس يمنعني أن أسمع دروس الأساتذة ولا أن أؤديها، أي ليس يمنعني أن أكون طالبًا وأستاذًا، وإذا كان قضاء الله قد قضى عليَّ هذه البلية فقد عوَّضنى منها خيرًا، وأنا أجلُّ المجلس عن أن يتخذ بليَّة كهذه عقبة تحول بيني وبين ما أريد من الخير لنفسي وللجامعة.

حقًّا إن الجامعة إذا قبلت هذا الطلب فستضطر إلى أن تزيد في نفقتي ما يمكنني من الاستعانة بمن يكون معي في فرنسا، ولعمري لئن فعلت ذلك، فليس بضائرٍ لها، بل هو يدل على كرم نفس وعلى تضحية في معونة من يحتاج إلى الإعانة والتعضيد. على أني مستعد لأن تسترد الجامعة مني بعد عودتي من أوروبا ما أنفقته عليَّ زيادة على النفقات العادية تأخذه من مرتبي أقساطًا، وما أظن الجامعة تكره أن تتفضل عليَّ بهذا القرض الجميل.

لذلك كله أرفع إلى دولتكم وإلى مجلس الإدارة هذا الطلب راجيًا أن تتفضلوا بقبوله، ولكم الشكر الجميل والثناء المحمود.

طه حسين
طالب بالجامعة المصرية
وعُرض هذا الكتاب على مجلس الجامعة فلم يلقَ منه إلا الرفض؛ لأن صاحبه لا يحمل الشهادة الثانوية، بحكم آفته التي امتحن بها، ولأن إرساله إلى أوروبا سيكلف الجامعة نفقات إضافية تعين الفتى على أن يكون له رفيق يُعينه على الاختلاف إلى الجامعة وقراءة ما يحتاج إلى قراءته من الكتب، ولكن هذا الرفض لم يفلَّ عزم الفتى ولم يثبط همته، وإذا هو يكتب إلى رئيس الجامعة هذا الكتاب الجديد:

دولتلو أفندم رئيس الجامعة المصرية

أرفعُ إلى دولتكم وإلى مجلس الإدارة أني كنت قد طلبت إلى الجامعة الإذن لي في أن أكون من إرساليتها في أوروبا، ورفض المجلس هذا الطلب في جلسته الأخيرة لأنه يخالف قانون الإرسالية، وإني لأعلم حق العلم قبل أن أرفع طلبي ذلك إلى دولتكم وإلى المجلس أنه يخالف القانون، ولكني طلبت الاستثناء ورغبت فيه لما بيَّنت في ذلك الطلب من رغبتي في العلم وحرصي على خدمة الجامعة، ولما اكتسبت بفضل الجامعة عليَّ من المزايا التي تؤهلني لبلوغ هذه المنزلة؛ ولست أنكر على المجلس رفضه لهذا الطلب فإنه لم ينفذ إلا القانون، وما كان تنفيذ القانون بالأمر الذي يُنكَر أو يُعاب، غير أني أعيد هذا الطلب إلى المجلس راغبًا في أن يعيد النظر فيه، فإنه لم يرفض ذلك الطلب بالماضي إلا لأمرين مجتمعين أو كلٍّ منهما على حدة:
  • الأول: أني لا أحمل الشهادة الثانوية لأني مكفوف البصر، ولكن المجلس أجلُّ عندي من أن يحسب لهذا الأمر حسابًا، فإنه لا يمنعني أن أكون طالبًا وأستاذًا، بدليل أن المجلس نفسه يقبلني طالبًا منتسبًا في الجامعة؛ أسمع دروسها، وأجوز امتحاناتها، وأنال شهادتها، وإذا كانت الطبيعة قد حالت بيني وبين كثير من نعيم الحياة، فما ينبغي أن تكون الجامعة عونًا للطبيعة على حرماني لذَّة الانتفاع بالعلم والنفع به، مع أنها تعلم أني على ذلك أقدر ما أكون.
  • الثاني: احتياج الجامعة إذا أرسلتني إلى أن تنفق عليَّ أكثر من نفقتها العادية على طلابها في أوروبا، وأنا أعترف بأن للجامعة الحقَّ في تقدير هذا المانع المالي ومراعاته، وأن لها ألا تشتري خدمتي بهذا الثمن الغالي؛ لأني لا أستحقَّه، ولأنها لا تجده.

ولذلك أتشرف بأن أرفع إلى المجلس من جديد أني لا أطلب من النفقات إلَّا المقدار الذي يطلبه غيري من الطلاب، وعليَّ أن أقوم بما أحتاج إليه مما يزيد على هذا المقدار، فلعلَّ ذلك كله يشرفني بقبول المجلس طلبي هذا مقدرًا حرصي على طلب العلم في غير مصر مع ما أحتمله في سبيل ذلك من الآلام والعناء، فإن هذا أدعى إلى قبول الطلب وتقريره مع الشكر الجميل والثناء الجزيل.

٥ مارس سنة ١٩١٣
طه حسين

وكأن المجلس قد ضاق بهذا الكتاب الجديد، فرفضه كما رفض الكتاب الأول، وسبَّب الرفض بأن الفتى لا يعرف اللغة الفرنسية حقَّ معرفتها.

وأراد المجلس أن يهوِّن هذا الرفض على الفتى، فصاغه في صيغة التأجيل حتى يُحسن هذه اللغة مطمئنًّا إلى أنه لن يجد إلى إحسانها سبيلًا، تحول بينه وبين ذلك آفته تلك، ويعينها على ذلك فقر الفتى وإصفار يده من المال، فلم يزدد الفتى إلا عزيمة وتصميمًا، وكتب إلى رئيس الجامعة بعد شهور هذا الكتاب الثالث:

صاحب السعادة رئيس الجامعة المصرية

أعود الآن فأرفع إلى سعادتكم وإلى مجلس إدارة الجامعة رغبتي في السفر إلى أوروبا لدرس العلوم الفلسفية أو التاريخية موفَدًا من قِبَلِ الجامعة، بعد أن رفضت هذا الطلب في السنة الماضية؛ فقرر مجلس الإدارة تأجيل سفري إلى هذه السنة ريثَمَا أقوى في اللغة الفرنسية، وإذا كنت قد وصلت من هذه اللغة إلى مقدارٍ لا بأس به، وسأتقدَّم في هذه السنة لامتحان شهادة العالمية في قسم الآداب، فأنا أرجو أن يتفضَّل مجلس الإدارة فيوفي لي وعده الكريم مع الشكر والثناء.

١٩ يناير سنة ١٩١٤
طه حسين

واضطر مجلس الجامعة إلى نوعٍ من التحدي؛ فقرَّر النظر في إيفاد الفتى إلى أوروبا إذا ظفر بشهادة العالمية (الدكتوراه).

ولم يكن أحبَّ إليه من هذا التحدي، فأقبل على العناية بالدرس وإعداد الرسالة للامتحان، وتَقَدَّمَ لهذا الامتحان وظفِرَ بإجازة الدكتوراه، ولهذا كله حديث يطول.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤