الفصل الثاني عشر

ملوك القبط الوطنيون بعد طرد العجم

وبعد أن تحصَّل القبط على استقلالهم وطردوا العجم من بلادهم؛ قامت بالملك منهم عائلة جديدة تُدعى بالصاوية نِسبة إلى صالحجر. على أنَّ هذه العائلة لم تتعدد ملوكها بل كانت عبارة عن ملك واحد وهو الملك أمرطيس، الذي خاض عباب المصاعب، وتجشم الأهوال في تخليص البلاد من سلطة الأعجام، ومع أن مدة حكمه لم تكُن إلا سبع سنوات لكنه مع ذلك أصلح البلاد إصلاحًا لم يعهد له مثيل.

ثم ظهرت عائلة أخرى وطنية يقال لها الأشمونية نسبة إلى أشمون، ومن أشهر ملوكها الملك نفروطف الذي تحالف مع اليونان لمعاونته على الأعجام؛ لعلمه أنهم أعداء المصريين واليونانيين الأَلِدَّاء. وبعد موته أخلفه في الحكم الملك هورقور الذي اختط خُطَّة سلفه ومكن العلائق والرَّوابط الودية بين المصريين واليونانيين. فأرسلت له دولة اليونان جيشًا جَرَّارًا تحت قيادة خابرياس الأثيني وقايةً له وتحصينًا لبلاده. وفي عهده جاء العجم إلى بلاد القبط بقصد الاستيلاء عليها دفعة ثانية، ولما شاهدوها محصنة بالعساكر والدساكر ارتدُّوا راجعين على أعقابهم بخُفَّيْ حنين، وفي أيام حكم هذا الملك وفد أيضًا إلى البلاد القبطية أفلاطون الحكيم وغيره من حكماء اليونان لتلقن الحكمة والفلسفة من حكماء عين شمس ومنف وطيوه، وبعد وفاة هذا الملك الجليل قام بالمُلك ثلاثة ملوك آخرين من عائلته، ولكن لم يأتوا عملًا يُذكر فيُشكر أو يُنشر فيُفتخر به.

وبعد انقراض هذه العائلة وُجِدَتْ عائلة أخرى وطنية ثالثة قامت بأعباء الملك، أول ملوكها الملك نقطانب الأول الذي في أيامه كانت العجم تتهدد البلاد القبطية من وقت إلى آخر، وتَوَدُّ أن تستولي عليها عند سنوح الفرصة، فَلَمَّا توقع الملك نقطانب منهم ذلك جَنَّد الجنود وحشد العساكر؛ فقيض له الله النصر عليهم ثم قضى نحبه، فأخلفه الملك طاخوس الذي عند علَّمه بأنَّ العجم تقصد الاستيلاء على البلاد القبطية جمع جيشًا جرارًا، واستنجد بدولة اليونان؛ فبعثت إليه بجيش عظيم أيضًا تحت قيادة القائد أجزيلاس اليوناني الذي اقترح على الملك طاخوس أن لا يتوجه لمحاربة العجم إلا إذا أتوا هم أولًا لمحاربته، فلم يُذعِن لمقترحاته ولم يرضخ لمشورته، بل بادر إليهم بذاته، فلمَّا خرج عن حدود البلاد رَفَعَت عليه العساكر راية العصيان؛ فولى الأدبار وركن إلى الفرار وانحاز إلى جيش الأعجام. فتولى بعده نقطانب الثاني الذي عقد معاهدة مع أهل صيدا وصور؛ للاتقاء من شر الأعجام، فلما هجم على صور أرسل إليها الملك نقطانب فرقة عسكرية يونانية لنجدتها ومعاونتها، فهزم جيش العجم. فَلَمَّا رأى ملك الفرس ذلك اضطرمت في فؤاده نيران الغضب والغيظ، فقاد الجيش بنفسه وهجم على جيوش اليونانيين والمصريين دفعة واحدة؛ فانتصر عليهم نصرًا مبينًا، حتى تمكن من إبادتهم جميعًا؛ فوَلَّوْا من أمامه هاربين وقفلوا راجعين وهم مذعورين صاغرين، ثم اقتفى أثرهم حتى سلَّموا أنفسهم بأنفسهم وهم خاضعين خاشعين، أما الملك نقطانب الذي هو آخر ملوك الأقباط الوطنيين فلم يَسَعْهُ إلا أن جمع خزائن أمواله وفَرَّ هاربًا إلى بلاد النوبة حيثُ قضى نحبه بها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤