تصدير

أتى العلامة «إدورد كيرد» في أول كتابه المعروف عن فلسفة «كانت» بجملٍ نقلها عن «كانت» نفسه تمهيدًا للكلام فيه وفي فلسفته، لم نَرَ بُدًّا من أن ننقلها هنا تمهيدًا للكلام في موضوع الكتاب، قال:

يمكن أن نصف هذا العصر بأنه عصر النقد؛ النقد الذي اضطر كل شيء إلى الخضوع له. فالدين على عرش القداسة، والقانون على عرش العظمة، قد حاول كلاهما مرات أن يُفلتا من الخضوع لهذه الضرورة، غير أنهما بما يحاولان في هذا الشأن إنما يقيمان في الأذهان شكًّا في ما يعضدهما من الأسس والقواعد، كما أنهما يعدمان بهذا كل ما يحبو العقل غيرهما به من الأشياء التي أثبتت قدرتها على الثبات أمام البحث الحر.

وليس لنا أن نزيد حرفًا على ما كتب «كانت»، فإن هذه الأسطر القليلة العدد الكبيرة المعنى كافية عندي لأن تكون أكبر مبرر للنحو الذي أنحوه في هذا البحث.

غير أني أرى أن التعقيب على هذا ببحثٍ في حدود المعرفة وتقسيمها، والمبادئ التي أعتقد بصحتها في هذا الشأن أمر ضروري، أقل ما فيه من الفائدة أن يتريث بعده الناقدون في مذاهبهم. وأن يصد بعض الذين يحاولون الذهاب بحرية الرأي في مذاهب وَعِرَة عن غايات أعتقد بأن الوصول إليها خطر مكروه.

على أن «حدود المعرفة وتقسيمها» على مقتضى كفايات العقل الإنساني، إن كان بحثها ضرورة ألجأتنا إليها ظروف الأحوال، فلا أقلَّ من أن نصرح برأينا في أن هذه الضرورة سوف تزول عما قريب، وأن الباحثين سوف يُفسَح أمامهم مجال القول، من غير احتياجٍ إلى تمهيدٍ وإلى مقدمات، أعتقد أنها كثيرًا ما أثَّرت في لُبِّ الموضوعات تأثيرًا صرفها عن القصد، وذهبت بها في مذاهب أنحتها عن الغرض الأصلي الذي من أجله وضعت، والذي من أجله أعنت في سبيلها الكاتبون قواهم وعقولهم. وأظن أنني بلغت بهذه الكلمات غرضًا لم أجد إلى التعبير بغيرها عنه سبيلًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤