الفصل الثالث

المنظر الأول

(الأميرة نفريت على ضفاف النيل تشكو إليه وتنتحر بأن تلقي نفسها فيه)

ويحي لقد أودَتْ بيَ الأنانيَهْ
عِشتُ فما أحبَبْتُ إلا ذاتيَهْ
ولا افتكرتُ بسوَى لذَّاتيَهْ
حتى قَذفتُ وطني في الهاويَهْ
أَلنيل. ألنيلُ بجنبي ها هيَهْ
أمواجُه تَهتِفُ بي مناديَهْ

•••

يا نيلُ يا قوام كلِّ شيِّ
ومانحَ الحياةِ كلَّ حيِّ
هَيِّ اغسِل الذنبَ العظيم هَيِّ

ثم تلقي نفسها

المنظر الثاني

في منفيس

(جماعة من المصريين والمصريات يتحادثون ويتذاكرون بغي قمبيز وجنوده وبعض ما أصاب الناس من المصائب من جراء الفتح الفارسي — في ساحة من ساحات منفيس)

أحد الرجال (لزميل له) :
تعال يا (باطا)
قل ليَ بالله
كيف ترى الحُكمَا
كيف ترَى الظُّلما
باطا :
أصِخْ أصِخْ يا دادْ
اسمع وكن عوني
قمبيز في الظلم
بأَلف فرعون

(ثم لهجار):

وأنت يا هجارْ
ماذا تقولينا
هجار :
آمونُ ذو المَنِّ
يُبقِي الفراعينا
الفُرسُ في مِصرَ
طغيَانُهم قد زادْ
هُمْ صلبوا التمساحْ
على ضِفاف الوادْ
وكلَّفوا العصفورْ
يمشي مع الصيَّاد

(تقبل امرأة مصرية عجوز)

فيقول أحدهم :
وهذه دوبارهْ
آخر :
الشيخةُ الثَّرثَارَهْ
الأول :
هلمِّي يا دوبارا
هاتِي اذكري الأخبارَا
دوباره :
لا تسئلوني ما الخبر
مِصرُ ترى اليومَ العِبَرْ
لكن صَهٍ حذارِ
لا يدرينَّ دارِي
عارضَني الساعةَ في طريقي
فتًى مليحُ الحسنِ والبريقِ
يسألها سائل :
مِن الجنود؟
لا! من القوَّادِ
عالي المكان
ظاهِرُ الميلاد
آخر :
وما أتى ما فعلا؟
العجوز :
عانَقني وقبَّلا
الأوَّل :
وأينَ؟ فوق فمك الدُّريِّ
آخر :
أو مِن على جبينِك البدريِّ
آخر :
أو فوق خدٍّ مثلِ روثِ البغلِ
الأول :
أو فوق ذقنٍ مثلِ كعبِ النَّعلِ
العجوز :
أهذه نجدتُكُم يا فتيَهْ
أهكذا تُحمَى بمصرَ النِّسوَهْ
يا أسفَا على القرونِ الخاليَهْ
يا أسفا على النفوسِ العاليَهْ

(وتنصرف مغضبة مهرولة)

أحدهم (ويرى شخصًا مقبلًا) :
هذا أها، من أينَ جئْتَ؟
ثاني :
كيف أنتَ يا أها؟
أها :
من ضيعتي
الأول :
وكيف هي؟
أها :
قد لَقِيَتْ ما ساءَها
إوَزِّي كلُّه طاحَ
وبَطِّي كلُّه طارا
وأختي خَطِفت مِني
وزوجي جُلِّلتْ عارا
الجماعة :
إذن لقد آن أن نثُور
نَطْرُد قمبيزَ والجنودا
الغابُ في شِقوةٍ وبُؤسٍ
فما الذي يُمسِك الأسودا
أحد الجماعة :
خذوا حِذركم أقبل الطاغِيَهْ
مع الوزراء وفي الحاشِيَهْ
وذا السيْفُ في يدِ جَلَّادِه
يُسَلُّ على الأَرْؤُس العاليَهْ
آخر :
تلك مصائبٌ وقَدْ
صُبَّتْ على هذا البلَدْ
امضُوا بِنَا امضوا بِنَا
لَا يسمَعَنَّنَا أحَدْ

(ينصرف المصريون ويدخل قمبيز في وزرائه وقوَّاده ثم يقبل جنود يسوقون أسرى من النوب …)

قمبيز :
ماذَا يَسُوقُ الجنودُ
مَنِ الوجوهُ السودُ؟
هذي عفاريتُ
وزير :
لا. بل
مولاي هذي قرودُ
قمبيز :
لكنَّهم حيثُ دارتْ
رَحَى القتال أُسودُ
بلَوْتُهم في القتالِ
لما حَوَتْنَا الحدودُ
قائد :
النوبُ جُندُ بِسَامَا
قائد آخر :
بل هم أشَدُّ جنوده
وأثبتُ الجيشِ يومَ الـ
ـقتالِ تحتَ بنودِه
قمبيز :
يا جُنْدُ حلُّوا عن الأسرى وثاقَهُمُ
خَلُّوا عن السُّودُ قد أعتقتُ أقراني
ويا بني النُوبِ مُلْكي لن يضيقَ بكم
من شاءَ فليبقَ في مُلْكي وسلطاني
والجيشُ داركُمُ إن كان يُعْجِبُكُمْ
أن تَلْحَقوا بمُشاتِي أو بفرْساني
الأسرى النوب :
يا بنِي النوب هَلُمَّ
رقصةَ الحربِ لكسرَى
سيِّدُ الأَرضِ عَفَا عـ
ـنَّا فما نحنُ بأسرَى

(ثم يفك وثاقهم فيرقصون رقصة الحرب وينشدون):

النُّوبُ جيلْ،
حُرٌّ أصيلْ،
يقضِي الديونْ
نحنُ الأسودْ،
حُمْر الجلودْ،
حُمْر العيونْ
لنا لِبَدْ،
من الزَّرَدْ،
هي الحصونْ
نغشَى القتالْ،
ولا نُبَالْ،
طعمَ المنونْ
نحن شعوبٌ وشِيعْ
وراءَ أسوانَ نَقَع
عروشُنا من الجريدْ
تيجانُنَا من الوَدَعْ
نحن قبيلَ الشُّلُكِ
في العنجريبِ نَتَّكِي
والصيدَ نَهْوَى والقَنَص
ونَطَّلِي بالوَدَكِ
للحربِ نمشِي الهرولَهْ
نبعثُ فيها الجلجلَهْ
ممزوجةً بالولولَهْ

(وبعد الفروغ من الرقص يقبل عليهم قمبيز ويقول):

قمبيز :
زِه يا جُنودْ
زِه يا أسودْ

(كبير النوب لخازن الملك):

زِه زِه
هاتِ النقودْ

(يدفع الخازن إليهم مالًا فيأخذونه وينصرفون)

(يتراءى فرسان ثلاثة):

قمبيز :
مَن الغُبار؟
وزير :
رُسُلُ
قمبيز :
ماذا إلينا حَمَلُوا
قائد :
وها همُو ترَجَّلُوا

(يقف الفرسان بحضرة الملك)

قمبيز :
ماذا وراء الرُّسُلِ؟
أحدهم :
الدعوات للملك
قمبيز :
ماذا لديكم ما الخبَرْ؟
أحدهم :
حوادثٌ ذاتُ خطَرْ
قمبيز :
حوادثُ؟ قل أخا الهيجا تكلَّم
الرسول :
بسامَتِيكُ يا مولايَ خانَا
الوزير الأكبر :
بَسامتيك خان؟
الرسول :
أجل أميري
قمبيز :
وكيف؟ وما أتـى؟
الرسول :
نقَضَ الأمانَا
قمبيز :
وما بُرهانُكم
الرسول :
كُتُبٌ ورُسْل
يُثيرُ بها القُرَى آنًا فآنَا
قمبيز :
وهل وجدتْ دعايتُه سميعًا
وهل حلَّتْ من الوادي مكانا
الرسول :
أجابت دعوةَ المخلوعِ مُدنٌ
ومدنٌ ما جعلنَ لذاكَ شانَا
قمبيز :
وأين فرعونُ ابْسَمَا
الرسول :
في منف يغدو ويروح
حُرٌّ كما شئتَ له
بين القصور والصُّروح
من معبدٍ لمعبدٍ
ومن ضريح لضريح
وحولَه كُهَّانُ منـ
ـفيس يُجرُّونَ المُسوح
وكلُّهم مُشيرُه
الوزير الأكبر :
بئسَ المُشيرُ والنَّصوحْ
آخر :
من لم يكن كاهنًا في مِصرَ أو ملِكًا
ولا تراه لهذا أو لِذَا تَبَعَا
فلا تقيسَنَّ في هذي البلاد به
إلا المواشيَ والأحجارَ والسِّلَعَا
قمبيز :
وزرائي ودَهَاقِينِي انظروا
انظروا ذلك فرعون «ابْسَمَا»
الوزير الأكبر :
يدفعُ القوَّادُ والجندُ بهِ
وهو في القيدِ يَجُرُّ الأدْهَمَا
قائد :
كادَ فرعونُ من استكباره
أنْفُهُ يدفَعُ في أنف السما

(فرعون يقف بين يدي قمبيز في عظمة وإباء واستكبار)

قمبيز :
بسامتيك
فرعون :
قمبيز
قمبيز :
أتدعو باسمه المَلْكا
فرعون :
غدًا تَفقِدُكَ الفُرْسُ
ويخْلُو عرشُها منكا
ومُلْكٌ قد مضى عنِّي
سيمضي في غدٍ عنكا

(قمبيز يدخل في الغضب شيئًا فشيئًا):

قمبيز :
وهذا الفتح يا فرعو
ن؟
فرعون :
عدوان وإجرامُ
أما عندَك يا قمبيـ
ـزُ للنكبةِ إكرام
قمبيز :
عفوتُ عنكَ أمس يـ
ـا ابْسَامَا فلم تَرْعَ الوفَا
فرعون :
يا عجبَا يا عجبَا
عبدٌ عن الربِّ عفَا
قمبيز (هائجًا) :
خذُوه بالخناجِر
سُلُّوا لسانَ الفاجِر
فرعون (في عظمة وصبر وثبات) :
هاتوا سيوفَ الفُرس هاتُوا القَنا
هاتوا المُدَى هاتوا حبَالَ الحديد
لا تَحْسَبُوني بشرًا بائدًا
فرعونُ حيٌّ خالدٌ لا يبيدْ
قمبيز :
إذن خذوه بعيدَا
صُبُّوا عليه الحديدَا

(يأخذه الجند ويخرجون به)

(يدنو وزير شيخ من قمبيز ويقول له):

القائد :
مولايَ تلك غضبةُ المقهورِ
ونزوةُ الضرغامةِ المأسورِ
مولايَ بالنارِ بقُدس النورِ
اغفر لهذا الصارِم المكسور
فإنه ضحيةُ الأمور
قمبيز (صائحًا بالجند وهم ذاهبون بفرعون بسما) :
إذن رُدُّوا الأسيرَ إليَّ رُدُّوا
فإنَّا ما انتهينا منه بعدُ

(يرجع الجند بفرعون ويقفونه أمام قمبيز)

قمبيز :
تعال فرعون ابْسَما
تعالَ مني ناحيَهْ
لقد عفوتُ مرةً
وقد تكونُ الثانيَهْ
فرعون :
لا مرحبًا أمسِ ولا الـ
ـيومَ بعفوِ الطاغيَهْ
قمبيز :
تأمل هلْ لبست اليومَ ذلًّا
وكنتَ تجرُّ أمسِ الذيلَ تِيها
فرعون :
كذا الدنيا تُغَيِّرُ يا ابنَ كسرَى
فخفْها إنها لا خيرَ فيها
وهبك قهرتني أقهرتَ مصرًا
قمبيز :
أجلْ ووضعت سيفي في بنيها
وبعدَ غدٍ أطوِّقها بنارٍ
تطوفُ على البلادِ وما يليها
وتجعل من هياكِلِهَا رمادًا
وتُنزلُ في الأزقةِ مُتْرَفِيها
وتدعَكُ في ترابِ الذل أنفًا
يطولُ على النجومِ ويزدريها
فرعون :
رويدَكَ يابنَ كسرَى قف تمَهَّلْ
فعادةُ مصرَ تقهرُ قاهريها
قمبيز :
رويدَك أنت يا فرعونُ إني
إذا حطَّمتُ مصرَ فمن يَقيها
أليستْ فارسٌ والأرضُ تحتي
وأمري في الجَنوبِ وفي الشَّمالِ
وقد غَطَّتْ فضاءَ الأرضِ خيلي
وهبَّتْ في السهولِ وفي الجبالِ
فرعون :
شمختَ بخيلك يا فارسيُّ
فماذا صنعتَ بخيلِ القدرْ
تأمَّل مكاني وما حلَّ بي
ألم تتَّعِظ بي ألم تزدجرْ
قمبيز :
ما أنت يا مخدوع
فرعون :
فرعونُ ابْسَما
قمبيز :
بل أنت مأسورٌ عليك قيودُ
وغدًا ينوبُ عن القصورِ ورحْبِها
سجنٌ يضيقُ ومنزلٌ مسدودُ
وتُدَسُّ في الأجداثِ غيرَ محنَّطٍ
يلهو بهيكلِك البِلى والدُّودُ
فرعون :
قمبيز
قمبيز :
فرعون ابْسَما صلِّ ابتهل
واهتف لعلَّ العجل عنك يذودُ
أُنظر إلى أينَ انحططتَ
فرعون :
كذبتَ لَمْ
ينحطَّ للشرفِ الرفيعِ عمودُ
إن الجواهرَ في الترابِ جواهرٌ
والأُسْدُ في قفص الحديد أسودُ
قمبيز :
سنرى هلمُّوا يا جنودُ أسيرَكم
عودُوا به من حيثُ جئتُم عودوا

(قمبيز مستمرًّا):

وأينَ نفريتُ ابنةُ الكذَّابِ
قد آن أن ينالها عقابِي
الوزير الأكبر :
نفريتُ من مخافة الحسابِ
ألقت بنفسها إلى العُبابِ وذهبت
قمبيز (ويضحك ضحكة جنونية) :
لكن بلا إيابِ

(تحضر نتيتاس وتقول):

نتيتاس :
قمبيزُ؟
قمبيز :
نتيتَاسُ؟
نتيتاس :
أجَلْ
قمبيز :
وما أتَى بِكْ؟
نتيتاس :
أتيتُ أنقذُ قومي
وموطني من عذَابِكْ
قمبيز :
والزوجُ يا نتتاسُ؟
نتيتاس :
وأنقِذُ الزوجَ أيضَا
قمبيز (ساخرًا) :
ومِمَّ؟
نتيتاس :
من شدةِ البلاء
وغضبِ الأرض والسماءِ
قمبيز (في غضب) :
إِذهبي يا بنتَ فرعونَ اذهبي
اعزُبي يا حيَّةَ النيل اعزُبي
فانيس :
تأخري سيدتي
لا تعرِضي لغضَبه
قمبيز :
فانيسُ أنت ها هنا
فانيس :
مولايَ لِي لم ينتبه
نتيتاس (متهكمة) :
مولاكَ كم تخدعُهُ
مولاكَ كم تسخَرُ به
قمبيز (إلى قواده) :
أحقٌّ هوَ بيَ يهزا

(ثم إلى فانيس):

أحقٌّ أنت بي تَسْخَرْ
وفي الأحلام تبدو لي
وهذا الوجه لي يظهرْ
وقد يصفرُّ كالليمو
نِ أو يحمَرُّ كالبنجر

(ويهجم عليه بالخنجر)

فانيس :
أميري سيِّدي ملْكِي
قمبيز (ويطعنه بالخنجر) :
أغثْهُ أيها الخنْجَرْ

(ضجة في صفوف المصريين)

أحدهم :
قد هَلك الواشي
آخر :
قد هلك الخائنْ
كافاه قمبيز
شرَّ المكافاةِ
فانيس (بعد أن يضربه قمبيز بالخنجر) :
آهِ من الخنجرِ ما أحرَّهُ
آهِ من الحِمام ما أمرَّهُ

(لقمبيز):

قمبيزُ شلَّتْ يمينُكْ
ولا أفاقَ جُنونُك

(لنفسه):

ويحي أرى عيني تَغيمُ وساعتي
تدنو وأشعرُ بانقطاعِ فؤادي
الذنبُ لِي أنا قد خرجتُ لفارسٍ
ومنحتُ مجنونًا هناك وِدادي
فانيسُ أنت نشأت جُنديًّا فمُتْ
كالجند والْقَ مصارعَ القُوَّادِ
سِيَّانِ حينَ تُحطُّ في جوف الثرى
موتُ الفِراش وموتةُ الجلادِ
يا نفسُ لم أحملْ عليك دَنِيَّةً
لاقِي المَنِيَّةَ بالضمير الهادي
يونانُ تغفرُ لي وآلهتي بها
سَهِرَتْ عيونُهم على أولَادِي
قد خُنتُ مِصرَ وخُنتُ ساداتي بها
لكنني ما خنتُ قط بلادي
أصوات (من جانب المصريين) :
فانيسُ لا علم لَهُ بما جَرَى
قد قتلوا أولَاده وما درى

(تظهر الجند يدفعون فتى فيقول قمبيز)

قمبيز :
وهذا الفتى مَنْ ولِمْ سُقتموه
إليَّ
جندي :
فتًى في النَّواحي يَرُودْ
قمبيز :
وما كان يأتي؟
الجندي :
يُثيرُ البلاد
ويُغرِي القُرَى باغتيالِ الجُنودْ
قمبيز :
تنحَّوْا به فاقطعوا رأسَه
عساهُ لأمثالِهَا لا يعودْ
نتيتاس (تسمع وهي متراجعة ضجة فتنظر فيستوقفها المنظر فتقول) :
ماذا رأيتُ وماذا
سمعُت؟ مَن يدفعونا
مَن ذا إلى النار ساقوا
مَن أوْرَدُوه الأتونا
تاسُو؟ أجلْ هو تاسُو
أتوْا به المجنونا
قَسَا الجنودُ عليه
والجُنْدُ لا يرحمونَا

•••

ما بالُه عرف الوفاء
وكيف ثابَ إلى الرَّشاد
ربِّي. أأشفَعُ فيه؟ لا
لا كيف أمنَعُهُ الجهادْ
لا. لن تحولَ شفاعتي
بين الضَّحيةِ والبلادْ

•••

هذه ميتةُ عِزٍّ
إِمضِ تاسُو بسلامِ
قد صفحنا لك عن ذا
ك التَّجنِّي والأثامِ
لا تمُت بالكاسِ والطَّا
سِ ولكن بالحُسَامِ
سرَّني أنك تقضِي
للحِمَى حقَّ الذِّمامِ

•••

وشفاني أنك الذَّا
ئدُ عن مِصرَ المحامِي
زُلْ لتبقى كودادي
مُتْ لتحيا كَغَرَامي

(ثم تتراجع وتقول):

والان إلى طيبةٍ والصعيدْ
لحشر الدُّعاةِ وحشْد الجُنود
وقهْرِ العدوِّ وإرغامِه
وقَذْفِ المُغيرِ وراء الحدودْ

(وتخرج)

(يستجمع تاسو ويقول، وكأنما سمع ما قالت نتيتاس):

عفت نتتاس فيا مرحبا
بك اليوم يا موت من زائرِ
قمبيز (إلى وزرائه) :
ما الرأي يا وزرائي
فإنني لستُ أدري
ماذا بأبْناءِ مِصرٍ
من اختيالٍ وكِبْرِ
قائد :
نحن بنو الشيطان
وهم بنو الإنسان
ثان :
والناسُ من طينِ السِّكَكِ
وهم سُلالةُ المَلَكْ
قمبيز :
أبيٌّ لعمريَ فرعونُ مِصر
ويُشبهُه قومُه في إباه
سأَدْعَكُ في الترْب آنَافَهُم
وأُلْصِقُ بالأرضِ تلك الجِبَاهْ
قائد :
سيِّدي لا تُبد رِفقًا
وامض في الأعناق دَقَّا
ثان :
واهدِمِ الأبْرَاجَ هَدْمًا
واحرق الأجْرَانَ حَرْقَا
ثالث :
ودَعِ الواديَ قاعًا
واحلق الشَّطَّيْنِ حَلْقَا
قائد رابع (عالي السن) :
سيدي بل تَتَرَفَّق
فهو بالقادر أليَق
قمبيز (يضحك ضحكة جنونية) :
خُذُوا يا قادةَ الفُرسِ
أخاكُم إنَّه جُنَّا
قائد :
أميري خَرَف الشيخ
فلُمْه أوْ لُمِ السِّنَّا
قمبيز (يغمد خنجره في القائد الشيخ ويقول) :
خُذْ طعنةً فيها الشِّفا
تَصرفُ عنكَ الخرَفَا
القائد (وهو يتلقى الطعنة) :
يا ويحَه قد عادَه الجُنون
بل أنا حين هجتُه المجنون
قمبيز :
وآبيسُ معبودُهم أين هُو؟
قائد :
هو العجلُ
ثان :
وهو الذي أَلَّهُوا
وزير :
ثَوَى العجلُ في حُجراتِ الجلالِ
قائد :
وقَد نَعَّمُوه وقد رَفَّهُوا
الثاني :
وليس إلهًا ولكنَّما
على الشَّعب كهَّانُه موَّهُوا
أحد القائدين (لزميل له) :
هُمْ يعبُدونَ العجلَ يا أزْدشِر
أزدشر :
يا لك من أحمَق ثَرْثَارِ
ونحن؟
الأول :
ألنَّارُ إلهٌ لنا
أزدشر :
ما الفرقُ بين العجل والنَّار
الأول :
أفيلسوفٌ أنتَ؟
أزدشر :
بل ملحدٌ
الأول :
أنت؟ إذن عِشْ وامضِ بالعارِ
ما كانت النارُ بمحتاجةٍ
إلى قليل الدِّينِ كَفَّارِ
قمبيز :
وأين هو العجل؟
قائد :
في قُبَّةٍ
تليق لكسرى وآبائِه
قمبيز (مغضبًا مشيرًا) :
أمسِكُوا الكلبَ خذُوه، أدِّبُوه
ما أبِي العجلُ، بل العجلُ أبوه
القائد :
الويل لي جُنَّ
صديق له في أذنه :
ما جُنَّ إلَّاكَا
فأنتَ ساوَيْتَ
بالعجلِ مولاكا
آخر له :
أهكذا يا أحمقُ السلوكُ
أهكذا يُخاطَبُ الملوكُ

(يؤتى بالعجل، فيثور لرؤيته جنون قمبيز)

قمبيز :
والآن ماذا رأيتُمْ
وما الذي تُفتُونا
وما الذي نحنُ بالعجـ
ـلِ يا تُرَى صانعونا
قائد :
يَصُبُّ كسرَى عليه
من البلاءِ فُنُونا
آخر :
عَلِّقْهُ بين الأرض والسماءِ
واتركهُ للغِرْبان والحِداءِ
آخر :
إِدْفِنْه في الأرضِ حيًّا
وهِلْ عليه التُّرابَا
الأول :
إِذبحْه ذَبْحَ الخَرُوفِ
الثاني :
أُخنُقْهُ خَنقَ الدَّجَاجَة
آخر (يتهكم) :
إِصلِبه فوقَ عمودِ
من هيكلِ المعبودِ
وزير :
إحرقْهُ يا مولايَ بالنارِ
قمبيز :
إخْسَأْ فهذا أعظَم العارِ
ماذا يقولُ الناسُ عنَّا غدًا
ألقوْا إلى النيرانِ بالفارِ
قد دنَّسُوها وهي معبودُهم
من جُثَّةِ العجلِ بأقذارِ

(ويظهر الغضب على قمبيز فيقول له قائل منهم):

قائد :
مولايَ ما ذاك فارٌ
بل ألفُ فارٍ وفارِ
آخر :
يا سيِّد الأرضِ أبشِرْ
رأيُ الوزيرِ أصابَا
غدًا يقولونَ بمَنْفيسِ
تغدت النارُ بآبِيسِ
قمبيز (مقتنعًا ومقهقهًا) :
أجل غدًا يُقالُ في الأخبارِ
العِجْلُ قد باتَ طعامَ النَّارِ

(ثم يقبل على آبيس ويخاطبه):

إلهَ النيل لِمْ تَغْضَبُ
لِمْ تَكْسرُ جَفْنَيْكَا
تأمَّلْ شَبَحَ الموتِ
ألمْ يبدُ لعينيْكَا
وهذا خنجري الماضِي
فخُذه بينَ قرنيْكَا

(ويطعنه ثم يتراجع خطوات ويقول):

إلهي ما تَرَى عينِي
خيالاتٌ وأشباحُ
وقتْلَى قد غدوْا حولِي
وقتلَى غيرُهم راحُوا
وجَرْحَى جذَبوا ثَوْبي
وجَرْحَى غيرُهم صاحُوا
هذي عواقبُ بغْيٍ
هذا القصاصُ المُتَاح
لا بُدَّ من عدلِ يوم
يرتَدُّ فيه السلاحُ
قائد :
وَيح لقمبيزٍ
آخر :
ويحَ له جُنَّا
الأول :
مَن يُقتلُ اليومَ
مَن الشَّقِي مِنَّا
قمبيز (مستمرًّا) :
هذا أخي يصيحُ بي
وتلك أختي تَنْتَحِبْ
وآخرٌ يسألُني
أينَ دَمِي؟ أينَ؟ أجِبْ
قائد آخر :
هذا ضميرُه صَحَا
هذا ضميرُه انتَبَهْ
حتى رأى آثامَه
ولم يكُن لها أبَهْ
آخر لنفسه :
ثارَ به ضميرُه

(ثم لزميل له همسًا):

وما الضميرُ حيدَرُ؟
حيدر (للزميل) :
سريرةٌ تندَمُ أحـ
ـيانًا وحينًا تزجُرُ
ويرجعُ الناسُ لها
إلا امرؤٌ لا يشعُرُ
الأول (رستم لحيدر) :
وأينَ منزلُ الضمير؟
حيدر :
موضعٌ من الجَسَدْ
أُنظرْ. هنا يا رستُمُ الـ
ـقلبُ وها هنا الكبِدْ

(ويشير إلى أعلى الصدر وأسفله وإلى ما بينهما (المعدة))

(ثم مستمرًّا):

وها هنا الضميرُ بيـ
ـن القلب والكِبْدِ قَعَدْ
رستم :
هنا الدَّجاجُ والحمـ
ـمامُ ها هنا بلا عَدَدْ
حيدر :
والبَطُّ أيضًا والإوَ
زُّ والحمارُ والوتَدْ
وكلُّ ما تَسرِقُ أو
تخطَفُ من هذا البلد
رستم :
حيدَرُ هل يُجْتَرَعُ الضـ
ـميرُ أو هل يُزْدَرَدْ
وهل له حوصلةٌ
وهل له رِجلٌ ويَدْ
حيدر :
يا أخي إنَّ الضميرَ الـ
ـنَّفْسُ أو بيتُ الشُّعُورْ
وهو فيلٌ في صدورٍ
وهو فأرٌ في صدورْ
وجبالٌ من حديدٍ
أو حِبالٌ من حريرْ
وسعيدُ الناسِ من لم
يَشْكُ من وخْزِ الضميرْ
قمبيز (يقوم هائجًا وكأنما يفرُّ من شبح شقيقه الذي قتله) :
ماذا بيَا؟ ماذا بيَا؟
هذا شقيقي بُرديا
هذا شقيقي برديا
وخنجري في صدرِه
جئتَ أخي تجزِي أخا
كَ عن قبيح غدره

(ثم يزداد هياجًا ويفر من شبح أخته التي قتلها):

أتوسةُ أختي ألا تصفحين
أتوسةُ زوجي ألا تغفرين

(ثم ينظر يمينًا ويسارًا وهو كالمجنون ويقول):

آهٍ لِيَهْ آهٍ لِيَهْ
ما هذه الزَّبانيَهْ
كَتِيبَةٌ بموضع
وعسكرٌ في ناحيَهْ
وأَرْؤُسٌ بوَهْدةٍ
وأرجلٌ برابِيَهْ
كلٌّ يصيحُ رُدَّ رو
حي رُدَّ لي دمائيَهْ
قمبيز (مع الأشباح) :
ويلي من الماضي ومن أشباحه
هذي خيالاتُ الزمانِ الخالي
عجبُ العجائبِ ويحَ لي ماذا أرى
شبحٌ. أجَلْ شَبحٌ وطَيفُ خيال

•••

شبحٌ كالمَلَكِ الوا
قي لِعينَيَّ يلوحْ
شبحٌ كالزنبقِ النا
عِمِ يَغْدو ويروحْ
ظَهرَ الحسنُ عليه
وسرى الطيبُ يفوحْ

•••

تمثالُ نتيتاسَ حول مذاهبي
أحبِبْ بنيتيتاسَ والتمثالِ
ما بالُه ألقى عليَّ سكينةً
وأراحَ وِجداني وأنعمَ بالي
زوجاه نيتيتاسُ ملْكَةَ فارسٍ
ما لِي حُرمْتُ حنانَ قلبِكِ ما لِي
يا ليتني لم أسمع الواشي ولم
أخرج حِيالَكِ من قديم ضَلالي
قد ساءَ حالِي في غيابِكِ فارجعِي
هيهاتَ بعدَكِ من يرقُّ لحالي
أاراك عندي والأمورُ رخيَّةٌ
وأراكِ عند شدائِد الأهوال
بالله يا طيفَ الحبيبةِ قلْ لها
خلَّفتُ قمبيزًا بأسوأ حال
صِفني لها تعِسًا كما شاهدتنِي
قد عادني صَرعِي وجَدَّ خَبالي
يا بنتَ مِصرَ ويا يتيمةَ تاجِها
عودي فِداؤكِ دُولتي ورجالي

(ثم مستمرًّا):

طابَ وِردُ الحِماِم يا نفسُ هَيَّا
خنجري خنجري إليَّ إليَّا

(ويطعن نفسه بالخنجر ويقع)

جماعة من الفرس :
يا فُرسُ يا قومَ كسرى
النَّازلينَ السَّحابا
كسرى مضى للنارِ
شُقُّوا عليه الثيابا
وحَطِّمُوا في ثَراهُ
سيوفَكُم والحِرابا

(كبراء الفرس يتشاقون الثياب)

أحدهم للآخر :
هات ثيابَكْ
خُذ ثيابِي
تعالَ خُذ قميصِي
وأعْطِنِي قميصَكْ

(يمزق كلاهما قميص الآخر)

مصري من الحاضرين (لآخر همسًا) :
أُنظر أخي الفُرسَ وما نابَهُمْ
شَقُّوا على المجنون أثوابَهمْ
الكهان (لجماعة المصريين) :
يأيُّها المرْضَى اسجدُوا
على دماءِ «آبس»
ويا أصِحَّاء انْهَلُوا
من دَمِهِ المُقَدَّسِ
يا لشقَاءِ جَسَدٍ
في دمِهِ لم يُغْمَسِ

(المصريون يتشاقون الثياب)

فارسي إلى آخر :
أُنظرْ إلى أبناءِ مصـ
ـرَ فإنَّ أمرَهُمُ عُجابْ
أُنظرْ ألستَ تراهُمُ
شقُّوا على العجلِ الثيابْ
وزير فارسي (يخطب المصريين) :
أيُّها الكُهَّان من شَتَّى الرُّتَبْ
عَظُمَ الخَطْبُ فما تُغْنِي الخُطَبْ
إن كسرى تغفِرُ النارُ له
كان في مَصرَعِ آبِيس السَّبَبْ
أيُّها الشَّعبُ
مصري لرفاقه :
أميلوا إِسمعُوا
كيف يُنشِي المستبدُّونَ الخُطَبْ
الوزير (مستمرًّا) :
قد أتى قمبيزُ كسرَى ما أتَى
وهو مدفوعٌ بسلطانِ الغَضَبْ
مصري (لأخيه بصوت منخفض) :
ليتَه بالَ على نيرانِكم
بَوْلَةً تُطفِي لظَاهَا واللَّهَبْ
الخطيب الوزير :
نحن لا نُسألُ عن فَعْلَتِهِ
قد جنَى الرأسُ فما ذَنْبُ الذَّنَبْ
أيُّهَا الكُهَّانُ قد حَلَّ على
ربِّكم آبيسَ مقدورٌ غَلَبْ

(ثم ملتفتًا إلى الشعب قائلًا):

ما لي أرى من جانِبِ الشَّعْبِ
بوادِرَ الفِتنةِ والشغبِ
قائد فارسي :
ما أغْضَبَ الشَّاة من الجزَّارِ
حذَارِ حلمَ فارسٍ حَذارِ
لا تقِفُوا لسيْفِهَا والنَّارِ

(تتفرق الجماعة هنا وهناك ويقف جماعة من المصريين فيقول أحدهم)

أحدهم (لزميل له) :
ماذا جَرَى؟
زميله :
أما تَرَى؟
على الثَّرَى هذا الدَّمَا
آخر :
آبسْ عُقِرْ آبِسْ نُحِرْ
سَاءَ الخَبَرْ ما أَشْأَمَا
الثاني :
حَامِي الحِمَى ما اسْتَسْلَمَا
لكن سَمَا إلى السَّمَا
آخر :
لقد وهمتَ يا أخِي
أفِقْ ورَاجِعِ الرَّشَدْ
أبِيسُ فارق الوَتَدْ
وسارَ رحلَةَ الأبَدْ
الأول :
ألعمَى يا أخِي العمَى
اتركِ الأرضَ والدَّمَا
وتأمَّلْ معي السَّمَا
اتَّخَذَ الجَوَّ سُلَّمَا
هو هذا تَبَسَّمَا
وعلى الجَمْعِ سَلَّمَا
وإلى الخُلْدِ قد سَمَا
الثاني :
عجيبٌ شأن آبيس
لآبيسَ جناحانِ
وهذا الرِّيشُ من دُرٍّ
وياقُوتٍ ومَرجانِ
وهذا هو يَرعَاكَ
بعيْنيهِ ويَرْعَاني
آخر (لزميلين له) :
أنظر «أنِي» إسمع «فُتَا»
أبيسُ بالفُرس سَخَر
جَنَّنَ قمبيزَ ولم
يَزَلْ به حتى انتَحَرْ
شيوخ الكهان :
بُورِكْتَ يا آبيسْ
يا صاحبَ المجْدِ
يا موضِعَ التَّقديسْ
ومنزِلَ الحمْدِ
سِرُّكَ في منفيسْ
وأنتَ في الخُلْدِ
شباب الكهان :
أبيسُ سرْ للسماء
وانزل مع الخالدينْ
وخَلِّ تلكَ الدِّماء
تُحاسِب المعتدينْ
أنتَ سماءُ الجلال
حِمَى الديارِ الأمينْ
القَرْنُ كالشمسِ طالْ
وعَزَّ في العالَمِينْ
يا صورَةً من فُتَاحْ
ومن سناه المُبينْ
هذا شعاعُ الصباحْ
أم غُرَّةٌ في الجبينْ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤