الفصل الرابع
(حجرة مكتب في «عش الزوجية» لا بأس برياشها، وقد جلس «فكري» إلى مكتبه تحت
ضوء «الأباجور» الأخضر، في مطلع الليل، يعتصر ذهنه فوق الورق المتناثر حوله وتحت قدميه،
وخلفه
باب مفتوح يؤدي إلى حجرة داخلية، يأتي منها نور شاحب ويتصاعد من جوفها صوت زوجته درية
الثائر الغاضب
المتواصل الصاخب.)
درية
(من الداخل)
:
ارحموني يا ناس! ارحمني أيها الزوج، عاوني، ساعدني، أنا مت، انتهيت، تحطمت، أعصابي، أعصابي
…
فكري
(وهو منكب على ورقه)
:
أف! هذا البطل!
درية
(من الداخل)
:
لكل شيء آخِر، لم أعد أحتمل، لا أستطيع المقاومة، لا أستطيع.
فكري
(يبحث في ورقه)
:
كيف أختم الفصل الثالث؟ البطل أرسل إلى البطلة خطاب غرام …
درية
(تظهر منهوكة القوى)
:
ألا تسمع ما أقول؟
فكري
(وهو غارق في ورقه)
:
ماذا تقولين؟
درية
:
طبعًا لم تسمع شيئًا كما هي العادة، غارق في هذا الورق، أرجوك، أرجوك، التفت إليَّ لحظة،
ارفع رأسك قليلًا، انظر إليَّ، انظر إليَّ …
فكري
(بدون أن يرفع رأسه)
:
أنظر إليك؟ لماذا؟
درية
(في شيء من التوسل)
:
لترى وجهي، لأني سأموت.
فكري
(شارد الفكر)
:
متى؟
درية
:
متى؟! إنك لا تعقل الآن ما تقول؟
فكري
:
ماذا قلت؟
درية
:
لا تشرد، أرجوك، أصغِ إلى كلامي، ثق بأني سأموت حتمًا إذا استمر الحال هكذا ليلةً أخرى،
إني لم أنم، لم يغمض لي جفن منذ أسبوعين كاملين، التيفوئيد كما تعلم يحتاج إلى تمريض
دقيق، وطفلنا الآن في مرحلة الخطر، وقواي لم تعد تحتمل السهر عليه بمفردي، لقد وعد الطبيب
بأن يرسل إلينا الليلة ممرضةً تعاونني، ولكنها لم تحضر حتى الآن، أرأيت كربي؟ أرأيت بلوتي؟
إنها لم تحر، لم تحضر.
فكري
:
لم تحضر؟
درية
:
نعم، كما ترى، لم تحضر حتى هذه اللحظة.
فكري
:
من هي؟
درية
:
الممرضة.
فكري
:
أي ممرضة؟
درية
:
أأنت معي بعقلك؟ يا لكارثتي بمثلك! فيمَ تفكر الآن إذن؟
فكري
(بغير انتباه)
:
في الفصل الثالث.
درية
:
الفصل الثالث! (ترتمي على المقعد) آه، آه، على بختي الأسود!
فكري
(وهو ينظر إليها وهي ترتمي على المقعد)
:
فكرة، فكرة نيرة، نعم، هكذا يجب أن يختم الفصل، انهضي ثم ارتمي مرةً أخرى، مع شيء قليل
من الدموع، إذا أمكن، لينزل الستار على منظرٍ مؤثر.
درية
:
منظر مؤثر؟!
فكري
:
ألا ترين ذلك؟
درية
:
أرى حقًّا أني تزوجت برجل مجنون! هذا ذنبي! هذا اختياري!
فكري
:
ناقشيني، لك الحق أن تناقشيني إذا كنت تخالفينني في الرأي، هل عندك اقتراح بموقف آخر
يصلح لنزول الستار؟
درية
:
أهذا وقت مناسب، أحدثك فيه عن نزول الستار على قصتك؟! أنسيت لماذا جئت إليك الآن؟
فكري
:
لماذا؟
درية
:
لأحدثك عن نزول مصيبة على رأسي أنا وحدي!
فكري
:
مصيبة! شيء جميل، حدثيني عنها بتأنٍّ، وتفصيل، وهدوء، ووضوح، من يدرىٍ؟ ربما هبط علينا
منها …
درية
(ثائرة)
:
هبط عليك منها ماذا؟ أهذا كل ما يهمك الأمر؟ تنقض عليَّ أنا المصائب والمتاعب والهموم،
فتبادر أنت، لا إلى حملها عني، بل إلى نقلها ووضعها في هذا الورق، هذا الورق الذي أكرهه،
وأمقته وأود لو أمزقه وأحرقه، أحرقه!
فكري
:
تحرقين فني؟!
درية
:
فلتسمه أنت فنك ولكني أسميه عبثك، إنك تعبث بآلام الغير، وأنت تصنع منها هكذا مادة قصص
ومسرحيات، أنت رجل لا قلب له، أنت تعيش على مصائب الناس!
فكري
:
أنا وحدي؟! والطبيب، والمحامي، والحانوتي والمربي، كل أصحاب المهن الشريفة! حتى السياسي
وتاجر الأسلحة ومخترع القنابل الذرية والصاروخية؟ كل هؤلاء جميعًا يستغلون نكبات الناس!
درية
:
ولكنك أنت وحدك من بين هؤلاء جميعًا، الذي تستغل نكباتك ونكبات أقرب الناس إليك.
فكري
:
أوليس هذا … أوليس هذا سر شقائنا بهذه المهنة؟! إننا نعطي الفن كل شيء كما ترين.
درية
:
نعم، كل شيء حتى ذاكرتك، فإنك تنسى أحيانًا أهلك وأطفالك، وحتى انتباهك، فإنك تشرد بذهنك
عنا وعن نفسك.
فكري
:
كل شيء فينا هو ملك مباح لهذا الفن الملعون، إننا عندما نعطي الناس عملًا فنيًّا لا نعطيهم
فقط عصارة ذهننا، بل مشاعرنا وتجاربنا ودموعنا وضحكاتنا، وكل شخصيتنا وكل ذرة من حياتنا!
درية
:
وكل هذا مقابل كم من الجنيهات؟ ماذا تعطيني أنت في أول كل شهر لأنفق على بيتك وعيالك؟!
فكري
:
دعينا الآن من الحديث في المادة.
درية
:
وفيم تريد الآن أن أحادثك؟
فكري
:
في ختام الفصل الثالث. إذا سمحت، أرجوك أن تعاونيني قليلًا، يجب أن أعرفك أولًا بصفات
بطل الرواية، إنه كريم جدًّا، ونبيل جدًّا، ويحب البطلة إلى درجة الهيام!
درية
:
وما صناعة هذا البطل الهمام؟
فكري
:
غني جدًّا.
درية
:
غني جدًّا، وكريم جدًّا، هل تستطيع أن تسأله أن يقرضنا الآن خمسين جنيهًا؟
فكري
:
من هو؟
درية
:
بطلك هذا.
فكري
:
أأنت مجنونة؟! إنه بطل وهمي، من خلق قريحتي، من صنع خيالي.
درية
:
نعم هذا كل ما يفلح فيه خيالك! يستطيع أن يخلق شخصًا غنيًّا جدًّا، ولا يستطيع أن يخلق
خمسين جنيهًا ضروريةً لنا جدًّا!
فكري
:
عدنا إلى الكلام في النقود؟!
درية
:
لأن بها وحدها مع الأسف الشديد نحصل على «الكلورومايستين» الذي وصفه الطبيب لابنك!
فكري
:
ماذا؟ مايستين؟!
درية
:
«كلورومايستين»، أحدث دواء للتيفوئيد، يا سيدي المؤلف الغارق مع أبطاله في وديان العشق
وتباريح الهوى!
فكري
:
أتعنفينني؟ ماذا تريدين مني أن أفعل؟ هذه صناعتي، لا بد لي أن أعيش مع أبطالي أولًا،
كي أستطيع بعدئذٍ أن أجعلكم تعيشون.
درية
:
أعرف ذلك، مع الأسف!
فكري
:
نعم، يجب أن تعرفي أن أبطالي هم الذين يكفلون لنا الرزق، ويفتحون لنا البيت، أنا خالقهم،
ولكنهم هم الذين يرزقونني!
درية
(سخرية خفية)
:
بلغ شكر الأسرة لهؤلاء السادة الأبطال.
(جرس الباب يرن.)
فكري
:
الباب!
درية
(في لهفة)
:
الممرضة!
فكري
:
جاءنا الفرج، سيكون في مقدورك الليلة أن تنامي قليلًا بهدوء، وأن أكتب أنا قليلًا بهدوء.
درية
:
لا تنسَ أن الممرضة تتقاضى في الليلة الواحدة، على الأقل، جنيهين!
(يدخل الخادم وفي يده بطاقة.)
فكري
:
ألا بد لها أن تقدم بطاقتها؟!
درية
(للخادم)
:
أدخلها، أدخلها.
الخادم
:
دا واحد أفندي، واحد بك.
فكري
:
بك؟! أرني البطاقة (يتناولها من الخادم ويقرؤها ويصيح) يا للطامة الكبرى! «جلال» مدير
الفرقة، المسرح، جاء يطلب الرواية!
درية
:
في هذه الساعة؟
فكري
:
موعدي معه كان البارحة، وقد طلبني اليوم مرارًا بالتليفون فغيرت صوتي وأنكرت وجودي، ما
العمل؟
درية
:
ما العمل في الممرضة التي لم تأت، آه يا إلهي! سأسهر الليلة أيضًا، أعصابي تحطمت، أعصابي،
أعصابي.
(تخرج من الباب الذي جاءت منه وتغلقه خلفها.)
فكري
(للخادم)
:
أدخله، وأمرنا إلى الله!
(يخرج الخادم من الباب الآخر الذي جاء منه، ويتجه المؤلف إلى أوراقه
المبعثرة يجمعها ويرتبها، إلى أن يظهر جلال.)
جلال
:
لا مؤاخذة إذا أزعجتك، لقد طلبتك في التليفون أكثر من عشرين مرة، فكان يرد عليَّ صوت
كنعيق الغراب، يقول غير موجود، وقد انتهى الممثلون من تدريبات الفصل الثاني منذ أمس ووقفوا
مكتوفي الأيدي، وإعلانات الرواية على الحيطان، ولا بد من الفصل الثالث الآن بأي طريقة،
أين الفصل الثالث؟ أعطني الفصل الثالث.
فكري
:
لحظة واحدة!
جلال
(بشيء من العنف)
:
أعطني الفصل الثالث من فضلك، بدون مناقشة.
فكري
:
حلمك، الصبر طيب.
جلال
:
صبرنا كثيرًا، والعمل معطل، تعالَ انظر من هذه النافذة!
(يقوده من يده إلى نافذة الحجرة.)
فكري
:
أنظرُ ماذا؟
جلال
(وهو يفتح النافذة)
:
تحت في الشارع، ماذا ترى؟
فكري
(وهو يطل)
:
لا أرى شيئًا من هذا الطابق الرابع!
جلال
:
ألا ترى شيئًا في الشارع؟
فكري
:
أرى الأسفلت.
جلال
:
وفوق الأسفلت أمام باب العمارة، ألا ترى سيارة «تاكسي»؟ وبجانبها ملقن؟!
فكري
:
ملقن؟!
جلال
:
«عبد التواب الملقن»، جئت به معي، وأوصيته أن يقف تحت النافذة وأفهمته أني صاعد إليك
لأفعل أحد أمرين، إما أن ألقي إليه بالفصل الثالث، فيسرع به إلى المسرح بالسيارة، حيث
ينسخ حالًا ويعد للتدريب، وإما أن … أن …
فكري
:
وإما أن …؟!
جلال
:
وإما أن ألقي إليه من هذه النافذة بالمؤلف نفسه!
فكري
:
يا مغيث!
جلال
:
وثق بأني أفعلها، انظر إلى عضلاتي، إنك تعلم أني كنت فيما مضى من هواة الرياضة وحمل الأثقال!
فكري
(وهو ينظر إلى عضلاته)
:
تفعلها، آه، ليتني لم أكن فيما مضى من هواة الأدب وحملة القلم!
جلال
:
والآن، ناولني الفصل الثالث بالذوق بدون إضاعة وقت، وبدون ضوضاء!
فكري
:
الفصل الثالث كله؟
جلال
:
أولم تتمه بعد؟
فكري
:
الذنب ليس ذنبي، وأقسم لك.
جلال
:
ذنب من إذن؟
فكري
:
الوحي.
جلال
:
أي وحي؟ نحن لا نعرف غيرك، نحن لم نتفق مع الوحي، نحن قد اتفقنا معك أنت.
فكري
:
الآن تقول ذلك يا جلال؟! هذا صحيح، أنا الذي أمضيت العقد، ولكنه هو في الحقيقة الذي يقوم
بأكثر العمل، أنا أتحمل مسئولية التأخير. وهو يجيء ويذهب تبعًا لمزاجه، غير مقيد كما
تعلم بمواعيد.
جلال
:
ومتى جاءك آخر مرة؟
فكري
:
هذا المساء منذ ساعتين.
جلال
:
ولماذا ذهب، قبل أن يتم عمله؟!
فكري
:
هرب!
جلال
:
ولماذا هرب؟!
فكري
:
لأنه لا يستطيع أن يمكث إلا في جو هادئ.
جلال
(يلتفت حوله متسمعًا)
:
وهل هناك جو أهدأ من جو هذا البيت؟! إني لا أسمع صوتًا، ولا حركة، ولا أرى عندك ما يزعج
الخاطر أو يشغل البال! عش للوحي مثاليًّا كما تنبأت لك منذ سنتين، تمامًا، تمامًا.
فكري
(في سخرية خفية)
:
أتظن ذلك؟!
جلال
:
إني متأكد، ما الذي يمكن أن يشغلك هنا عن القصة؟!
فكري
(كالمخاطب نفسه)
:
يشغلني … «المايستين»!
جلال
:
ماذا؟ «الميزانسين»؟ لا يا سيدي، لا تشغل نفسك أنت بالميزانسين، هذا من شأن المخرج!
فكري
:
لست أتكلم عن «الميزانسين» بل عن «المايستين»، «الكلورومايستين»، دواء «التيفوئيد»!
جلال
:
ما هذا الخلط؟! التيفوئيد ما دخله هنا؟ أهذا موجود في القصة؟!
فكري
:
لا، بل موجود في حياتي الخاصة.
جلال
:
لست أفهم.
فكري
:
أيهمك أن تفهم أم يهمك أن أسلم إليك الفصل؟
جلال
:
أن تسلم إليَّ الفصل.
فكري
:
لتلقي به من النافذة إلى الملقن؟
جلال
:
أو ألقي إلى الشارع بالمؤلف!
فكري
:
ولماذا لا تلقي إلى المؤلف بالمحفظة؟!
جلال
:
أي محفظة؟
فكري
:
محفظتك، محفظة نقودك، ثق أنها لو ظهرت الآن من جيبك، لظهر الوحي في الحال من الباب!
جلال
:
وما العلاقة بين الوحي والنقود؟ ألم تقل دائمًا إن وحيك لا يريد غير جو الهدوء؟!
فكري
:
الآن في هذا البيت، الهدوء لا ينسج جوه بغير النقود!
جلال
:
ألم تقبض مائة جنيه على الحساب؟
فكري
:
إن الهدوء قد ارتفع ثمنه في هذه الأيام!
جلال
(وهو يخرج من جيبه المحفظة)
:
لو ناولتك الآن عشرة جنيهات هل تناولني الفصل؟
فكري
:
كم معك في المحفظة؟
جلال
:
شيء على قدر الضرورة.
فكري
:
ضرورتي أنا بالطبع، أنا أدرى بها منك، تسمح؟ (يخطف المحفظة.)
جلال
:
محفظتي، محفظتي.
فكري
:
لا تصرخ هكذا، اهدأ، اهدأ، وإلا يهرب الوحي، لقد ظهر، إنه على عتبة الباب، على العتبة!
جلال
(يلتفت)
:
ظهر؟ أين هو؟
فكري
(وهو يفرغ محتويات المحفظة على المكتب)
:
منظرك نفَّره، ولكن منظر النقود قد يجذبه!
جلال
:
ماذا تصنع؟ أوراقي الخصوصية …
فكري
:
سأفرز كل شيء أمامك، وأعطي كل ذي حق حقه، (يوزع) هذه ورقة نقدية للوحي، وهذه ورقة خصوصية
لك، هذه ورقة مالية للوحي، وهذه ورقة خصوصية لك، هذا له، وهذا لك، هذا كله لك، وهذا كله
له.
جلال
(صائحًا)
:
وحيك جردني من نقودي، هذا الوحي قاطع طريق!
فكري
(وهو يعد النقود ويضعها في جيبه)
:
مبلغ ثلاثين جنيهًا لا غير، بها قد نشتري بعض الهدوء، لا كله، في هذا العش المثالي!
جلال
(وهو يتسلم محفظته فارغةً من المال)
:
اترك لي على الأقل أجرة التاكسي.
فكري
:
إليك عشرة قروش!
جلال
:
عشرة قروش فقط، وهو في خدمتي منذ أكثر من نصف ساعة؟!
فكري
:
هاك خمسين قرشًا، لأثبت لك أني رجل كريم!
جلال
(وهو يتناول المبلغ الصغير)
:
لعل حضرة الوحي الآن مسرور مني، راضٍ عني، مستعد لتسليم الفصل الأخير في الحال.
فكري
(وهو يجمع ورقه المتناثر)
:
مستعد، ها هي ذي أوراق الفصل كاملة، ما عدا ورقة واحدة، فيها الختام، أتمها الليلة.
جلال
:
أعطني ما تم، أسرع أنا به الآن إلى النسخ، على أن تعدني بشرفك، أن تحضر بختام الفصل إلى
المسرح في صباح الغد!
فكري
:
أعدك بشرفك!
جلال
:
بشرفك أنت.
فكري
(شارد الفكر وهو يراجع أرقام الورق)
:
بشرفك أنت.
جلال
:
أأنت معي؟ افطن إلي.
فكري
:
انتظر، ورقة أخرى ناقصة، من الآخر.
جلال
:
أي ورقة؟
فكري
(يبحث حوله)
:
لا بد أنها دشتت، فيها خطاب البطل الذي أرسله إلى البطلة، خطاب غرامي، ملتهب ولكنه لا
يقع في يد البطلة بل يقع في يد … في يد من؟
جلال
(يناول مدير الفرقة الأوراق)
:
خذ، حتى أبحث لك عن هذا الخطاب، ما من شك في أنه هنا، تائه بين أوراق أخرى في هذا المكتب
أو ربما سقط بين الصحف القديمة والمجلات، انتظر لحظة، انتظر … (يريد البحث في أكوام الصحف
في أحد الأركان.)
جلال
:
لا أستطيع الانتظار، وقتي ضيق، سأذهب أنا الآن بهذا الذي تم من الفصل، ليسهروا على نسخه
الليلة، وأحضر أنت الورقة التائهة في صباح الغد مع ختام القصة، ليلتك سعيدة! (يهم بالخروج
مسرعًا.)
فكري
(يترك الأكوام التي كان يبحث فيها)
:
دعني إذن أرافقك إلى الباب، وآتي لك بالمصعد، إن الخادم قد أوى فيما يظهر إلى حجرته بالسطح
ولم يفكر في أن يحضر إليك فنجانًا من القهوة.
(يخرجان، ويسمع في سكون الليل صوت فتح باب الشقة الخارجي، ويسود الصمت في
الحجرة لحظة، ثم يفتح الباب الذي أغلقته «درية» برفق، وتطل هي منه برأسها، فحينما تجد
الحجرة
خاليةً تتقدم، فتتعثر قدمها بمجلة، فتنحني لتناولها، فتسقط منها ورقة، فتأخذها
وتقرؤها.)
درية
(تقرأ على مهلٍ بصوت خافت)
:
«حبيبتي، غرامي، حياتي، أكتب إليك هذا الخطاب بالدم، بدمي الذي استنزفته من شرياني، ذلك
أن حبك قد جرح فيه، وامتزج به، وأن لونه الأحمر هو لون النار التي تلسعني، كلما مر طيفك
الجميل بخاطري، أنفاسي الآن معلقة على كلمة تخرج من شفتيك، اذكري هذه الكلمة بمجرد وصول
خطابي إليك، وإلا فاعلمي أنك قتلت رجلًا، لا ذنب له سوى أنه عبدك وأحبك حتى الموت!»
(فكري يدخل ويتجه مسرعًا إلى مكتبه.)
فكري
:
إلى العمل أيها الوحي، لقد هدأ الجو!
درية
(تقدم إليه الخطاب)
:
تفضل!
فكري
:
ما هذا؟
درية
:
أليس هذا خطك؟ خطك الشريف!
فكري
(ينظر في الورقة)
:
الخطاب! خطاب البطل، كيف وصل إليك أنت؟!
درية
:
وقع في يدي بالمصادفة!
فكري
:
مفروض فيه ألا يقع في يد البطلة ولا تعلم به!
درية
:
أي بطلة؟
فكري
:
بطلة الرواية طبعًا!
درية
:
ومفروض أيضًا ألا يقع في يد زوجتك؟!
فكري
:
وما دخل زوجتي في القصة؟!
درية
:
حقًّا، ليس لها دخل في قصتك ولا في شئون أبطالك، ولكن لها مع ذلك أن تعجب وأن تتساءل
وكيف استطاع زوجها أن يكتب مثل هذا الخطاب بدمه، وأن يملأه بهذا الغرام الحار إلى امرأة
أخرى؟!
فكري
:
امرأة أخرى؟!
درية
:
ما هي تلك الكلمة التي تتعلق بها أنفاسك، وتريد أن تخرج من بين شفتيها؟!
فكري
:
شفتي من يا سيدتي العزيزة؟ إنك تتكلمين كما لو كان الخطاب موجهًا إلى امرأة موجودة، حية،
حقيقية من لحم ودم!
درية
:
ومن يدريني أنها ليست كذلك؟!
فكري
:
اللهم عفوك! أتشكين في أنها امرأة وهمية، خيالية، من بنات أفكاري؟!
درية
:
أوتستطيع امرأة وهمية أن تلهمك هذا الكلام الجميل، بينما أنا المرأة الحقيقية ما تظفر
منك قط يومًا بخطاب واحد فيه عبارة من هذه العبارات البديعة، أو عاطفة من هذه العواطف
الملتهبة؟!
فكري
:
هذا كلام للشغل، للتأليف، لزوم التأليف، مجرد كلام.
درية
:
ولماذا تضن عليَّ بمثل هذا الكلام في خطاباتك؟! تسافر فلا أتلقى منك غير رسائل تكتب على
عجل، بأسلوب عادي مبتذل، لا بالدم ولا بالحبر، بل بالقلم الرصاص!
فكري
:
أوكنت تريدين أن أكتب لك بالدم، وأفتح شريانًا مع كل خطاب؟!
درية
:
وهل أنا أقل شأنًا عندك من البطلة الوهمية التي تكتب لها بدمك؟!
فكري
:
بدمي أنا أو بدم البطل؟! إنه البطل الذي يقول ذلك في الرواية، وقد يكون كاذبًا، ما من
أحد سيجري تحليلًا كيميائيًّا، ليعرف هل كتب بدم أحمر أو بحبر أحمر؟!
درية
(تتنهد)
:
إني سيئة الحظ! إني ألعن اليوم الذي تزوجتك فيه، كنت قبل أن أعرفك، أقرأ وأشاهد كل ما
تكتب، وأقول ما أسعد تلك التي ستتزوجه! إنه سيخاطبها كل يوم بتلك الكلمات الرقيقة الرائعة
التي يسحر بها العقول فيما يؤلف وينشر، ولكن واأسفاه! ما إن تزوجتك وعشت معك تحت سقف
واحد، حتى وجدتك فردًا عاديًّا مثل كل الناس، لا أسمع منه غير الكلام الفارغ!
فكري
:
أوكنت تريدين مني أن أخاطبك كل يوم بلغة الكتب والقصص والروايات؟!
درية
:
ولم لا؟! أتبخل بذلك علينا؟!
فكري
:
ليست مسألة بخل ولكنها …
درية
:
ولكنها طباعك، هكذا، لا تريد أن تعطيني غير الجانب الذي لا يطاق منك ولا يحتمل، هذا الشرود
الطويل عندما تفكر في مشروع قصة وهذا الحديث الهامس مع نفسك، كأنما هنالك شيطان يأخذك
مني ويوسوس لك، كم من مرة كدت أصرخ خوفًا، وأنا أرى شفتيك تهتزان بكلام غير مسموع، وعينيك
تشعان بنظرات زائغة، ويديك تتحركان بإشارات حائرة، ثم تنهض فجأةً إلى مكتبك، فتنكب على
ورقك وتغرق فيه، فلا ينبهك إلى الوجود طلق المدافع ولا صوت الرعود.
فكري
:
صوتك أنت هو الذي ينبهني في أكثر الأحيان!
درية
:
أشكرك، ومع ذلك فأنا التي أبذل كل جهدي لأحمل عنك المتاعب، وأوفر لك خلو البال، وأنشر
حولك جوًّا من الهدوء.
فكري
:
الهدوء الذي يسبق العواصف!
درية
:
يا لك من جَحود، كَنود، ناكر للجميل! هذا كل جزائي منك، هذا هو نوع الكلام الذي تخصني
به وتتحفني، بينما كلامك العذب تضعه في الورق، وتعطيه لمن يدفع فيه نقودًا.
فكري
(كمن تذكر)
:
على ذكر النقود، خذي … (يخرج من جيبه الثلاثين جنيهًا يدفعها إليها.)
درية
(تعدها)
:
ثلاثين؟! قلت لك أريد خمسين!
فكري
:
هذا كل ما وجدته في جيب الرجل! ولو كان في استطاعتي أن أجرده من ملابسه لفعلت.
درية
(وهي تعد النقود من جديد)
:
ثلاثين فقط، وماذا أصنع بهذه الثلاثين؟!
فكري
:
ألا تكفي الآن لأشتري بها نصف ساعة هدوء؟! إني أشتري الهدوء بالنقود في هذا العش يا ناس!
هذا العش الذي اتفقنا على أنك ستفرشينه بالهدوء! أنسيت؟ أين أعصابك التي قلت إنها ستوضع
في ثلاجة، فلا يصدر عنك صياح ولا شخط ولا تبرم ولا حيرة ولا غيرة ولا ضيق ولا ضجر؟ أكل
هذا تبخر؟ نصف ساعة هدوء أدفع فيها ثلاثين جنيهًا فتطلبين خمسين؟ ضجتك أغلى من أكبر مطربة!
نصف ساعة هدوء فقط لا لمزاجي والله ولا لراحتي بل لكي أختم بها الفصل!
درية
(مشغولة عن كلامه بفحص ورقة مالية ثم تطوي النقود أخيرًا وتنصرف بها)
:
اختم، اختم فصلك، وعلى الله أن يختم ليلتي على خير! (تدخل الحجرة التي كانت قد خرجت منها،
وتغلق بابها خلفها.)
فكري
(وهو يمسك بالقلم)
:
أف! أين أنت أيها الوحي! تعال ولا تخف، ها قد صرنا وحدنا، والهدوء شامل! (يغرق في الورق.)
(جرس الباب يرن.)
درية
(تفتح باب الحجرة وتظهر)
:
الباب!
فكري
(يضع القلم ويتنهد)
:
آه، لا مؤاخذة أيها الوحي!
درية
:
من يكون الطارق؟ قد يكون لك أنت أيضًا، قم وافتح!
فكري
:
أنا؟!
درية
:
طبعًا، من غيرك، الخادم قد نام!
فكري
(ينهض)
:
سمعًا وطاعة!
(يخرج «فكري» من الباب المؤدي إلى الردهة، وتتبعه «درية» وتقف على العتبة
تتسمع لتعرف من الطارق، ولا تمضي لحظة حتى يرتفع في الردهة صوت «فكري» يقول: «تفضلي،
تفضلي».)
درية
(بلهفة)
:
من؟ من؟ الممرضة؟
(يظهر «فكري» وخلفه الممرضة.)
فكري
:
نعم، أخيرًا!
درية
(للممرضة)
:
لماذا أبطأت علينا كل هذا الإبطاء؟!
الممرضة
:
أرجو المعذرة، كان عليَّ أن أمر على عدة منازل أعطي بعض الحقن، ولم أفرغ من هذا العمل
إلا الساعة.
درية
(وهي تفحصها بعينيها)
:
كدت أيأس من حضورك الليلة، وأنا على وشك انهيار القوى، وتحطم الأعصاب من السهر المستمر!
الممرضة
:
استريحي من الآن واتركي لي الأمر، أين حجرة المريض؟
درية
:
اتبعيني.
(تقودها إلى الحجرة التي خرجت منها منذ قليل، وتغلق خلفها الباب!)
فكري
(يعود وحده إلى مكتبه ويحمل قلمه)
:
تفضل يا حضرة الوحي، ها نحن وحدنا، وعاد الهدوء.
(باب الحجرة يفتح، وتظهر الزوجة وحدها وتقترب من زوجها.)
درية
:
أصغِ إليَّ لحظة.
فكري
(يرمي القلم من يده على المكتب)
:
اللهم الصبر! اللهم الصبر!
درية
(بصوت منخفض)
:
ألم تلاحظ شيئًا على هذه الممرضة؟
فكري
:
لا.
درية
:
وتسمي نفسك كاتبًا ومؤلفًا؟ أي إنسان على قدر بسيط من قوة الملاحظة يرى أن هذه المرأة
…
فكري
:
آه، نعم، قبيحة جدًّا.
درية
:
لست أقصد ذلك.
فكري
:
ماذا تقصدين إذن؟ أنها حسناء؟ لا يا عزيزتي، أنا لم ألاحظ ذلك مطلقًا، وأقسم لك.
درية
:
ليس هذا هو المقصود!
فكري
:
أنت حرة في ذوقك، وأنا حر في ذوقي، هي في نظري قبيحة، ولا تحاولي استدراجي لأقول غير
ذلك، فتنقلبي عليَّ وتكون ليلتنا أسود من «الهباب»!
درية
:
بطنها، بطنها ألم تنظر إلى بطنها؟
فكري
:
أنا نظرت إلى بطنها؟ اتقي الله، ما هذه التهمة؟ بطنها؟
درية
:
نعم، كان يجب أن تلاحظ أنها حامل، حامل في الشهر الأخير، بل على وشك الوضع، وربما جاءها
المخاض الليلة.
فكري
:
ما هذا الكلام؟
درية
:
إني أتكلم عن تجربة، إنني متأكدة مما أقول، هذا بطن امرأة على وشك الوضع!
فكري
:
وما قولها هي؟
درية
:
سألتها باختصار فقالت إن ولادتها لن تكون قبل أسبوعين، ولكني واثقة بأنها مخطئة في الحساب!
فكري
:
شيء غريب، هل تعرفين أنت خيرًا منها؟ لماذا لا تكونين أنت المخطئة في نظرك؟!
درية
:
لا، بل هي المخطئة.
فكري
:
هي المخطئة أو أنت المخطئة، هذا شيء خارج عن اختصاصي!
(يريد أن يعود إلى قلمه وورقه.)
درية
:
بالعكس، هذا شيء يجب أن تبت فيه بسرعة!
فكري
(يضع القلم)
:
أنا؟!
درية
:
نعم، أنت، بسرعة.
فكري
:
وما هو المطلوب مني في هذا الموضوع؟!
درية
:
ناقشها معي، لتتأكد.
(تتركه وتسرع إلى الحجرة لتأتي بالممرضة.)
فكري
:
آه، أيها الفن اشهد، أيها الوحي اشهد، ولكن فيما بيننا في السر وفي صمت، وإلا هدم علينا
جميعًا البيت!
درية
(وهي تقود الممرضة)
:
أنا وزوجي نخشى أن تكوني متعبة وغير قادرة على القيام الليلة بالسهر والتمريض!
الممرضة
:
لا خوف عليَّ، إني في صحة جيدة!
درية
:
وجهك شاحب!
الممرضة
:
لعل هذا من أثر العمل طول النهار ولكني أستطيع السهر على المريض، كونا مطمئنَّين!
درية
:
ألم تشعري بعلامات اقتراب الوضع؟!
الممرضة
:
لا.
درية
:
أما شعرت بخبط ولو قليلًا في الظهر؟
الممرضة
:
لا.
درية
(لفكري)
:
ما رأيك أنت؟
فكري
:
رأيي!
درية
:
تكلم! ناقش، المسألة ليست بسيطة!
فكري
(للممرضة)
:
ألم تحسي أنك في حاجة إلى العزلة والانفراد؟
الممرضة
:
لا.
فكري
:
أما أحسست برغبة ولو ضئيلة في الانفراد؟
درية
:
لا.
فكري
:
أما أحسست برغبة ولو ضئيلة في الانطلاق بخيالك في أجواء الفضاء؟!
درية
:
ما هذا الهراء؟! أتظنها ستضع قصة؟! إنها ستضع طفلًا!
فكري
(صائحًا)
:
ماذا أقول يا ناس؟! وهل هذا موضوع أستشار أنا فيه؟!
درية
:
صدقت، أنا المذنبة، ألتمس عندك الرأي في شيء ما، (للممرضة) هلمي بنا إلى حجرة الطفل المريض!
الممرضة
(متغيرة الوجه فجأةً)
:
أتسمحين؟ أين؟ أين؟ أين «التواليت» الحمام، الحمام …
درية
(فزعة)
:
ماذا بك؟
الممرضة
:
الحمام، الحمام …
درية
(تسندها)
:
ماذا بك؟ المخاض؟ أليس كذلك؟
الممرضة
:
أظن ذلك!
درية
:
تظنين ذلك؟ الآن؟! ستضعين هنا، ستلدين هنا!
الممرضة
:
نعم، افرشوا لي هنا، في هذه الحجرة!
درية
(صائحة)
:
نفرش لك هنا؟! ما شاء الله، جئنا بك لتعينيني، فإذا بي أنا التي سأعينك، لا، يا ستي،
مستحيل، أعصابي لن تتحمل أبدًا سأجن ولا شك، لن أستطيع أن أسهر على تمريض ابني وتوليد
الممرضة! (الممرضة تنهار على مقعد) أغثني يا زوجي! أتشاهد وتتفرج؟ تحرك، أسرع إليَّ،
ساعدني!
فكري
(ينهض ويبادر إليها)
:
أوامرك، أنا موجود، طلباتك، ماذا أصنع؟
درية
:
انقل هذه الممرضة إلى المستشفى، إلى الإسعاف، إلى قصر العيني، لا ينبغي بأي حال أن تلد
هنا، لا يوجد هنا أحد يعنى بها العناية اللازمة أسرع بها، حالًا، انقلها.
فكري
:
أنقلها، وكيف أنقلها؟
درية
:
احملها، وانزل بها في المصعد وأيقظ البواب يحضر لك «تاكسي» واذهب بها إلى أقرب مستشفًى.
فكري
(ينظر إلى حجم الممرضة)
:
أحملها؟! أوتظنين أني كنت من هواة حمل الأثقال؟!
درية
:
الموقف لا يحتمل التردد، أسرع بنقلها قبل أن يقع المحظور!
فكري
:
هلمي، حمليني!
درية
(تقيم الممرضة)
:
انهضي قليلًا على قدميك.
الممرضة
(تتمالك قليلًا)
:
أين؟ إلى أين؟
درية
:
إلى المستشفى، إنه قريب من هنا، لا بد أن تلدي في المستشفى، هنا مستحيل! تمالكي نفسك،
واتكئي على ذراع زوجي، وهو يذهب بك حالًا إلى أقرب مستشفى!
(الممرضة تنهض وتتكئ على ذراع المؤلف.)
درية
(وهي تشيع المؤلف والممرضة)
:
الله ينتعك بالسلامة!
فكري
(لزوجته)
:
متشكر!
درية
:
إني أدعو لها هي، لا لك!
(يخرج «فكري» والممرضة، بينما الزوجة تتبعهما بالنظر على العتبة، ويسمع
فتح باب الشقة الخارجي، وإغلاقه، وعندئذٍ تعود الزوجة وتتجه إلى التليفون فوق المكتب
وتدير
القرص.)
درية
(في التليفون)
:
آلو، الدكتور؟ إني آسفة لإزعاجك في هذه الساعة، لا، الموضوع خاص بالممرضة التي أرسلتها
إلينا، لا بد من أنك لم ترها منذ زمن، لماذا؟ لأنها جاءتنا الليلة وهي حامل، وكادت تضع
في منزلنا، لولا إسراعنا بنقلها إلى المستشفى، حادث غريب؟ أليس كذلك؟ خصوصًا أني محطمة
القوى من السهر، وفي حاجة إلى ممرضة تعينني، نعم سوء حظ، ترسل إلينا ممرضة أخرى؟ متى؟
غدًا على الأكثر! متشكرة جدًّا، ليلتك …
(جرس الباب يرن رنينًا متصلًا، فتلقي الزوجة السماعة وتسرع مهرولةً لتفتح،
ولا يمضي قليل حتى يسمع ضجيج في الردهة، وبكاء مولود حديث عهد بالولادة.)
فكري
(صائحًا من الخارج)
:
المعونة، المعونة، ولدت، الممرضة … ولدت في المصعد.
درية
(صائحةً من الخارج)
:
ولدت؟ احملها، أدخلها!
فكري
(من الخارج)
:
ساعديني خذي مني المولود، خلصيني من الوالدة!
درية
(من الخارج)
:
ما هذا؟ كيف حدث ذلك هكذا؟
فكري
(من الخارج)
:
في المصعد، ارتمت الممرضة فجأةً، وانحنيت أنهضها فإذا بها تطلق وما شعرت إلا والمولود
في حجري، والخلاص في بطنها، (صائحًا) يا زوجتي تحركي، ساعديني، تتفرجين عليَّ، شدي الخلاص،
خلصيني.
درية
(من الخارج)
:
أخلصك لأقع أنا؟ كل ما حسبته لقيته!
(جرس التليفون يدق على المكتب، فيدخل المؤلف يمسح يديه من الدم بمنديله،
وقد تبعثرت ثيابه، ويسرع إلى التليفون.)
فكري
(ممسكًا بالسماعة)
:
آلو، من حضرتك؟ الوحي؟ أين أنت؟ أين ذهبت؟ في المسرح؟! آه، مدير الفرقة! جلال؟ ماذا تريد؟
تطمئن على وضع ختام الفصل؟ لا يا سيدي لم أضع شيئًا حتى الآن، شخص آخر هو الذي وضع!
(يلقي السماعة.)
(ستار)