أشياء عن الحبشة
- (١) اللغة الأتيوبية القديمة: وهي لا تستعمل الآن إلا في الكتابة الأدبية.
- (٢) اللغة التجرانية: وهي لغة الإريتريا وشمال الحبشة، وهي المستعملة الآن.
- (٣) اللغة الأمهرية: وهي اللغة الرسمية، نسبة إلى أمهرا.
هذا وحروف الهجاء الحبشية مأخوذة من لهجات العرب القديمة، مثل الصابئية والحميرية.
ومن عادات الأحباش أن يُجرى ختان الطفل الذكر في يومه السابع أيام الأربعاء والجمعة، والأنثى يُجرى ختانها بعد ذلك. وإذا كانت الأم مريضة ينبغي أن يكون طفلها من دون ختان حتى شفائها، وينصر الطفل الذكر في اليوم الأربعين وتنصر الطفلة في اليوم الثمانين، ولا تدفن المرأة في أماكن الرجال، ولا يجوز للرجل أن يشرب البيرة قبل زوجته إذا كانت حاملًا؛ لأنها تتألم باشتياقها للشراب. وعندما يغيب أحد الآباء عن بلده يختار صديقًا له لحراسة بيته والإشراف على أولاده، ويوسط الخطيب أصدقاءه لدى والد الفتاة ليقبل الزواج، ومعظم الآباء يقاسمون بناتهم نصف مهورهن، وتقام أعراس بها مزامير وتُنحر الذبائح.
أما المرأة فمشهورة بالجمال وخاصة جمال العينين وبالجاذبية، ولها أنف دقيق وشفتان غليظتان مستديرتان وقامة هيفاء، وطالما كانت بيوت كبار المصريين والحجازيين والأتراك والأعيان مُزدانة بالجواري الحبشيات، وطالما تزوجوا منهنَّ. والمرأة الحبشية مثال الشجاعة والإقدام والتضحية، وهي تشترك في الحرب مع الرجال، وهي وافرة الذكاء بسيطة الهندام والأناقة. وفي أديس أبابا جمعية اسمها جمعية نساء أتيوبيا الوطنية، وقد قامت بمظاهرة وحملت لوحة جاء فيها باللغة الأمهرية: «أيها الشبان، انهضوا ولا تخافوا، ودافعوا عن وطنكم، دافعوا إننا سنموت معكم». هذا ولا تتزوَّج المرأة الحبشية إلا بإذن أبيها، وإلا كانت ملعونة، وهي تُشجِّع بجاذبيتها الشبان على خطوبتها، وأحيانًا تهرب مع عشيقها، وهي تشرب البيرة، وقد يتَّخذ الرجل الحبشي عشيقة له لمدة سنة — وهي زوجية مؤقتة، وعلى المرأة الحبشية أن تطيع زوجها.
هذا والبغاء في الحبشة منتشرٌ والطلاق كثير، وأكثر بغايا السودان من الحبشيات المهاجرات، وتكثر بينهنَّ الأمراض التناسلية في صورة مُخيفة مُحزنة.
والحبشة متقسمة ولايات وممالك صغيرة وقبائل متنازعة، وقلما تهدأ الحالة الداخلية في الحبشة؛ فهناك حروب بين ملوك الحبشة أو بين بعضهم وبين إمبراطورها.
وقد نادى «ساهالاسيلاسي» — ملك شواه وإيفات والجالا في سنة ١٨١٣ — بنفسه ملكًا على ملوك الحبشة، وجعل المُلك بطريق التوارث في أسرته.
و«ساهالاسيلاسي» الذي وُلِدَ في سنة ١٧٩٥، وعُيِّن ملكًا سنة ١٨١٣، ومات سنة ١٨٤٧؛ وُلِدَ له ستة أولاد، كان منهم «هيلاملاكوت» الذي وُلِدَ سنة ١٨٢٥ ومات سنة ١٨٨٥، وخلفه ابنه منليك الثاني الذي وُلِدَ سنة ١٨٤٤ وصار ملكًا لشوا سنة ١٨٦٦، وإمبراطورًا سنة ١٨٨٩، ومات سنة ١٩١٣، وتزوَّج الإمبراطورة تاتو سنة ١٨٨٣ ولم يُرْزَق منها ذكورًا. وقد كان من بناته ثواراجا التي تزوَّجت الرأس ميكائيل، ورُزقت بولد اسمه ليج ياسو سنة ١٨٩٦، وعُيِّن إمبراطورًا سنة ١٩١٣ خلفًا للإمبراطور منليك إلى سنة ١٩١٦، ثم قامت ضده فتنة لأن الأحباش المسيحيين اتهموه بأنه يُمالئ مسلمي الحبشة ويُقرِّبهم ويُؤْثرهم، وبأنه اعترف بخلافة سلطان تركيا وحالفه وحالف الألمان وأغضب الحلفاء. وقد أعلن مطران الحبشة حرمانه، وهرب ياسو ولكنه لم يذعن لقرار المطران، وجمع جيشًا وآزره الرأس ميكاييل حاكم ولاية جايا. وقد خلفته الإمبراطورة زوديتو ابنة منليك الثاني التي وُلِدَت سنة ١٨٧٦ وتُوِّجت سنة ١٩١٦، وقد قامت بينها وبين أتباع ياسو والرأس ميكاييل مذبحة عنيفة في ساجال في أكتوبر سنة ١٩١٩ وأسرت الرأس ميكاييل وهرب ياسو ثم مات وتُوِّجت زوديتو رسميًّا سنة ١٩١٧.
أما إمبراطور الحبشة الحالي فهو هيلاسلاسي، كان أصله الرأس تفري وُلِدَ سنة ١٨٨١ وهو ابن الرأس ماكونن بن وزيروتانا أحد أبناء الملك ساهالاسيلاسي. وقد عُيِّن الرأس تفري وصيًّا للعرش مع الإمبراطورة زوديتو التي ماتت سنة ١٩٣٠، ثم تُوِّج الرأس تفري إمبراطورًا سنة ١٩٣٠ باسم الإمبراطور هيلاسلاسي، وقد تزوَّج سنة ١٩١٢ من الأميرة وازيرومنن، وولدت له سنة ١٩١٢ ماميتى التي ماتت طفلة، ثم أصفاواصين سنة ١٩١٦، وهو ولي العهد الرسمي، ولكنَّ أباه الإمبراطور غاضب عليه، وورك وُلِدت سنة ١٩١٨، ويشي أمابت وُلدت سنة ١٩٢٠، وماكونن وُلِدَ سنة ١٩٢٣، وهو محبوب من أبيه، وقد سماه والده «دوق هرر». ومن الإشاعات التي لم نقف على صحتها أن «زوديتو» ماتت مسمومة ليخلو الجو للإمبراطور هيلاسلاسي.
أما الأمة الحبشية فهي أمة جندية جميع أفرادها على استعداد للقتال وهو حرفتهم وسجيتهم. وقد أنشأ الإمبراطور هيلاسلاسي جيشًا باسم الحرس الإمبراطوري، قام بتدريبه ضباط سويسريون وبلجيكيون وسويديون، وبه وحدات من البيادة والسواري والطبجية، وله بنادق عصرية ومُجهَّز بمدافع كبيرة وصائدات للطائرات، وتدربه الآن بعثة عسكرية بريطانية.
هذا ولكل رأس من رءوس الحبشة «حكامها» حرس أو جيش لا يقل مجموع أعداده عن ربع مليون، وجيش غير نظامي لا يقل عدده عن نصف مليون، ولدى إمبراطور الحبشة طائرات وذخائر.
ثم إنه لم يكن للإمبراطورية الحبشية نظام مخصوص للجندية كنظام القرعة العسكرية المصرية أو كنظام التطوع لدى الدول الغربية، بل تطلب الجنود من الولايات بحسب سعة الولاية وضيقها. أما الجيش العامل في حفظ الأمن في وقت السلم فهو ٢٠٠ ألف جندي. أما في وقت الحرب فتصبح الجندية فرض عين على كل رجل يستطيع حمل السلاح، والأحباش أكثر الناس شغفًا بالحروب وأسرعهم قبولًا لويلاتها، هكذا كانت الحبشة في غارتها على مملكة سنار وفي حربها الحملة المصرية التي كان يقودها السردار محمد راتب باشا بأمر إسماعيل، وكذا في واقعة القلابات وواقعة عدوة في سنة ١٨٩٥م، وفي حرب الحبشة في عامي ١٩٣٥ و١٩٣٦، وفي استرداد بلادها بين ١٩٤٢ و١٩٤٣. أما القيادة العامة فللإمبراطور نفسه. والذي يراجع تاريخ الحبشة قلَّ أن يرى إمبراطورًا مات حتف أنفه كما حدث للإمبراطور ياهنس الرابع أي «يوحنا» الذي قتله أنصار المهدية وخلافه من أسلافه.
أما ولايات الحبشة فهي ثلاث عشرة ولاية، لكل منها ملك يُلقَّب بالرأس، وهو حاكم الولايات القائم بشئونها الإدارية والسياسية تحت إشراف الإمبراطور أو النجاشي، وهناك ألقاب أخرى وهي دجاح ودجاز جماج وفيتواري وقيفا زماج وغير ذلك من الألقاب. وتتألف من تلك الممالك الصغيرة إمبراطورية ذات شأن عظيم، ويُلقَّب الإمبراطور هناك بالنجاشي وهو لقب كلقب بطليموس عند دولة البطالسة، وقيصر عند الروس، وشاه عند العجم، وباي تونس عند التونسيين، وخديوي عند ولاة مصر سابقًا. وللحبشة لقب ثانٍ وهو منليك إلا أنه يقصر على الملوك من سلالة نبي الله سليمان — عليه السلام — لأنه تزوَّج بلقيسَ ملكة سبأ، ولما رُزِقَ منها بولد قال لها: «مني إليك» فمُزجت الجملتان فصارت «منليك»، وجاء في رحلة الدكتور محمد نيازي الذي كان طبيبًا لأحد الآلايات المصرية في سنة ١٢٨٢ﻫ بالسودان أنه قال: سمعت أحد الأطباء الإفرنج يقول إنه قرأ في بعض المؤلفات القديمة أن ذلك المولود الذي هو منليك الأول بن سليمان كانت بلقيس تخاف عليه من قومها، فبعثته إلى مدينة سوبا ليُربَّى بها، وسُمِّيت المدينة سبأ ثم حُرِّف الاسم إلى سوبا لتقادم الزمان، وقد تبوَّأ عرش الحبشة كثير من الملوك، فلا حاجة إلى بيان أسمائهم وزمن كل ولاية منهم؛ تجنبًا للتطويل.
أما القضاء فسائر على طريقة كافلة للحقوق المدنية والاجتماعية نوعًا ما، وما كان للحبشة نواميس شرعية ولا قوانين وضعية فيما يختص بالمعاملات القضائية، بل كان القضاء يسير مع العرف إلى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، وهناك أقام أحد رجال الدين المسيحي «أسعد عسال القبطي» ووضع للحبشة قانونًا نسَّقه تنسيقًا بديعًا، قسَّمه قسمين: الأول منهما يختص بالكنيسة، والثاني في المعاملات، وكان مرجعه فيه كتاب التنبيه لأبي إسحاق الشيرازي في فقه السادة الشافعية، وقد أطلق على هذا القانون اسم «فتانفوس»، وقد صدَّق جلالة الإمبراطور على المعاملة به في جميع أنحاء الأقاليم الحبشية. أما المسئولون عن تنفيذه في القرى فهم أكبر سكانها سنًّا وأكثرهم حنكة، وفي العواصم الرءوس، ماعدا «أديس أبابا» التي يُباشر القضاء فيها جلالة الإمبراطور بنفسه وهو يجلس في ساحة مكشوفة، ثم تُرفع على رأسه مظلة كبرى «شمسية» كملوك الفور وواداي، ويجلس على يمين الإمبراطور ١٢ رجلًا، وعن شماله ١٢ رجلًا من أعيان المملكة الذين يشترط أن يكون فيهم رئيس الكهنة بردائه الكهنوتي، ويحمل القانونَ المسمَّى «فتانفوس» كاهنٌ آخر، ثم يأتي بالمتقاضين فيقفون صفًّا أمام الإمبراطور على بعد ٣٠ مترًا منه، ثم يُؤذن لهم في عرض ظلامتهم على هيئة القضاء، فيُنادي المظلوم بأعلى صوته قائلًا: «جاتهوه جاتهوه»؛ أي يا حضرة الإمبراطور، يكررها سبع مرات، وذلك بين دائرة من جنود الحرس المدجَّجين بالسلاح، والناس في سكون شامل لهيبته.
ومن المألوف في الحبشة نظام التحكيم، وكثيرًا ما يلجأ المتخاصمان إلى رجل محترم في الطريق، يحتكمان إليه وينزلان عند حكمه.
ومما يُذكر أن إيطاليا كانت تطمع في غزو الحبشة منذ زمن بعيد.
بدأت إيطاليا استعمالها الأفريقي بإنشاء شركة إيطالية اشترت ثغرًا صغيرًا يُدعى «عصب» سنة ١٨٦٩ من شيخها، وكانت من أملاك الباب العالي التركي، فاحتجَّ على هذا البيع وعدَّه باطلًا؛ لصدوره من غير مالك، ولكن الشركة الإيطالية «شركة روباتينو» نزلت عن «عصب» إلى الحكومة الإيطالية التي أرسلت بعض التجار الإيطاليين للإقامة بها، على رأسهم «الكونت أنتونيلي» الذي عقد مع إمبراطور الحبشة منليك الثاني معاهدة صداقة، واحتلت إيطاليا ثغر مصوع وجزرًا غيرها، وألِفتْ مستعمرة إريتريا، منتهزة فرصة الثورة المهدية في السودان، وضعف مصر، وسعي كل من إنجلترا وفرنسا لتقسيم أفريقية الوسطى والشرقية، وواصلت إيطاليا احتلال بلاد في الحبشة، وطلب الإمبراطور منليك إلى الجنرال (جيته) إخلاء البلاد وضم منليك (هرر) إلى أملاكه. ووقعت حرب بين الرأس ألولا وهزم الجيش الإيطالي في يناير سنة ١٨٨٧ على مقربة من روجالي، فأرسلت الحكومة الإيطالية في أواخر سنة ١٨٨٧ جيشًا عدده (٢٥) ألفًا، نصفه من الإيطاليين ونصفه من الأهلين، واحتلَّ الجيش «صاتى».
وقد حدث في أثناء ذلك أن الملك يوحنا انتقض على الإمبراطور منليك وحارب جنود المهدي عند (القلابات) وقُتل في مارس سنة ١٨٨٨، وانهزمت جنوده بعد انتصارها في حياته.
وقد عقدت إيطاليا مع (منليك) معاهدة أوتشيالي، وبناء عليها قَبِلَ الإمبراطور أن تكونَ حكومة إيطاليا وسيطًا بين الحبشة والدول الأجنبية في جميع المسائل.
يجوز للإمبراطور أن يتخذ وساطة حكومة جلالة ملك إيطاليا سبيلًا إلى تسوية جميع المسائل المتعلقة بالدول الأجنبية.
وبينما تقول النسخة الحبشية: «يجوز»، كانت النسخة الإيطالية تقول: «يوافق إمبراطور الحبشة إلخ»، وقد وقَّع منليك النسخة الحبشية ولم يُوقِّع على النسخة الإيطالية، وفي ١٢ فبراير سنة ١٨٩٣ أبلغ منليك الثاني الدول بأنه غير مرتبط بالمعاهدة الإيطالية التي نشرتها إيطاليا وفسَّرتها على أنها جعلت الحبشة تحت حمايتها. غضبت إيطاليا من الحبشة، وزحفت جنودها بقيادة الجنرال باراتيري، فاحتلت كسلا من بلاد السودان سنة ١٨٩٤، ثم تقدَّمت إلى الحدود الحبشيَّة، فانتصرت الجنود الإيطالية على جيش الرأس مانجاشا في سنة ١٨٩٥، واحتلَّت أديجران وميكالي وأمبا ألاجي، ولكن منليك تقدم بجيشه ومعه الرأس ماكونن، فهزم الجيش الإيطالي شر هزيمة، وقتل منه الألوف وغنم ذخائره، وانتحر القائد الإيطالي الماجور توسلي، وانسحب الإيطاليون.
وطلب منليك أن تدفع إيطاليا له فورًا ٢٥ مليون ريال حبشي حتى يقبل وقْفَ الحرب وعقْدَ الصلح الذي عرَضَه القائد العام للجيوش الإيطالية في أفريقية وهو الجنرال باراتيري؛ ولكن إيطاليا رفضت الصلح على هذه الشروط فاستعدَّ الجيش الإيطالي للحرب، وقسَّم نفسه أربعة أقسام، أحدَقَتْ بها الجيوشُ الحبشية وهزمتها، وأعاد باراتيري تنظيم الجيش الإيطالي، وهجم على (عدوة) التي وقعت فيها الموقعة المشهورة وقتل الجنرال أريمندي والجنرال دامبراميدا، وأسر الجنرال البريتوني، وأصيب الجنرال أنلينا بجرح خطير، وغنِمت الحبشة ٧٢ مدفعًا وذخائر وأعلامًا إيطالية و٧٠٠٠ أسير، وقُتل وجُرح ١٠٠٠ إيطالي.
وهرب باراتيري وواصل منليك زحفه ودخل إريتريا واستولى على حصن كبير «أدي أوجري»، وحاصر الجنرال برسنتاري وحَمَلَهُ على التسليم في مايو سنة ١٨٩٦.
وعيَّنت الحكومة الإيطالية الجنرال بالديسيرا، وأراد أن يتقدم بجيش عدده ٣٠٠٠٠ ألف جندي، ولكنه وجد الهزيمة محققة، وأشار على حكومته بالصلح، فذهب وفد إيطاليا في ٢٦ أكتوبر سنة ١٨٩٦ إلى أديس أبابا وهناك عُقدت معاهدة بين إيطاليا والحبشة اعترفت فيها إيطاليا باستقلال الحبشة استقلالًا تامًّا.
هذا وقد تسلَّم منليك غرامة قدرها ٧٠٠٠٠٠ جنيه إنجليزي، وأطلق سراح الأسرى الإيطاليين، وكان عقد المعاهدة في أديس أبابا في ٢٦ أكتوبر سنة ١٨٩٦، وعُقدت بعدها معاهدات واتفاقات أخرى في صدد تحديد التُّخوم بين الحبشة وإريتريا.
هذا وفي الحبشة جاليات أجنبية من جميع الجنسيات، ومنها جاليات عربية ولبنانية وسورية ويونانية وأرمنية، وأكثر أفرادها تجار، ومنهم من جَمَعَ ثروة كبيرة.
وفي الحبشة بعثات تبشيرية لمختلف الأديان، ولا سيما البروتستانتية الأمريكية. وبعثات تجارية لمختلف الدول. وقد عَقَدت البعثة الإنجليزية — التي كان يرأسها السير رنل رود — معاهدة صداقة مع الحبشة في ١٥ مايو سنة ١٨٩٧. وللبعثات مدارس ومستشفيات وملاجئ.
ورأس الدجاز «تاساما» بعثة أوربية في عضويتها مسيو فايفز ومسيو بوتو السويسري ومسيو أوتوموتوف الروسي، واجتازت الحبشة إلى نهر النيل عند مصب نهر السوباط في يونيه سنة ١٨٩٨، وبعد أيام وصل إليه الماجور مارشان الذي صار جنرالًا فرنسيًّا وهو صاحب مسألة فاشودة.
وقد عيَّنت الدول ممثلين لها في العاصمة الحبشية، فكان السير هارنجتن قنصلًا جنرالًا لإنجلترا فوزيرًا مفوضًا، وعيّنَ الآن آخر في محله.
وعَقَدت بعثة أمريكية سنة ١٩٠٣ معاهدة تجارية بين الولايات المتحدة والحبشة، وعَقَدت بعثة ألمانية سنة ١٩٠٥ معاهدة تجارية مع الحبشة، وعُيِّنَ وزير مفوض ألماني لدى إمبراطور الحبشة منذ عشرين سنة.
وقد وضعت إنجلترا وفرنسا وإيطاليا اتفاقًا في ديسمبر سنة ١٩٠٦ جاء فيه: «إن مصالح هذه الدول الثلاث تقضي بالمحافظة على سلامة أملاك أتيوبيا». وقضت المادة الأولى من الاتفاق على التعاون بينهم في المحافظة على كِيان أتيوبيا من الجهة السياسة وسلامة أراضيها، ونصَّت على أنه إذا وقعت طوارئ تُخِلُّ بالكيان السياسي للحبشة فإن هذه الدول تتفق على صيانة مصالحها الخاصة، وقد تم الاتفاق في شهر يوليه سنة ١٩٠٦، وأُبْلِغَ في الحال إلى النجاشي، وقد ردَّ الإمبراطور منليك على تبليغ الدول بأنه يشكر لها نياتها الطيبة ويَشْتَرِطُ أنه لا يكون من شأن هذه الاتفاقية الحد من حقوق سيادته، ثم عَيَّن في شهر يونيه سنة ١٩٠٨ حفيده لوج ياسو وليًّا لعهده. وقد تقرر في الاتفاقية المذكورة أن تكون السكك الحديدية في الحبشة دولية، وليس في الحبشة سوى سكة حديدية واحدة بين أديس أبابا وميناء جيبوتي الواقع في الصومال الفرنسي ولا تسير القطارات إلا نهارًا، وتقف عند إحدى المحطات ليلًا، ويستغرق مسيرها بين جيبوتي وأديس أبابا ستة أيام.