الفصل العاشر

الهند الأولية الهندوسية

كان حكم آزوكا يقوم على عنصرين: أولهما تقوية الحكومة المركزية ودعم الإمبراطورية وهو ما ورِثه آزوكا نفسه عن سلفه. أما ثانيهما فهو التبشير بالدعوة البوذية التي كان مؤمنًا بها، والتي واجهت ردَّ الفعل بعد وفاته؛ إذ تغلبت عليها البرهمية، حين أسس پوشباميترا أسرة السونجا فقد كان يضطهد البوذية في غير هوادة، ومنذ عجزت پاتا ليبوترا عاصمة الإمبراطورية ومحور الحكومة المركزية عن النهوض بمهام الحكم في أجزاء الإمبراطورية واجهت الهند عهدًا من الفوضى. صحيح أن پاتا ليبوترا قد لبثت حول ثلاثة قرون محتفظة بصبغتها كعاصمة، غير أنها كانت عاصمة منطقة غير كبيرة بل مساحة تنبسط أو تنقبض تبعًا للظروف، وكان يحكمها في بداية الأمر أبناء الأسرة المورية ثم خلفهم السونجا، وقد انقسمت في خلال هذه المدة دويلات وإمارات ينازع بعضها بعضًا على السيادة، ومن هذا أن الدرافيدية جهرت بأنها مستقلة والأندراس أنشأت مملكة امتدت من خليج البنغال إلى غربي جاتس وشمالي نهر الناربادا. «راجع الجزء الأول من تاريخ الهند — طبعة كامبردج».

كذلك أصبحت الهند هدفًا للغزاة من النواحي التي يسهل الدخول منها كالناحية الشمالية الغربية. أما من ناحية الهميلايا وما وراءها — أي التبت والمحيط — فقد كانتا سدًّا أمام الغزاة إلى أن نشطت الملاحة الأوربية ونهض المغامرون والرحالة من حول رأس الرجاء الصالح.

الدرافيديا

كان للدرافيديا حضارة ولغة وثقافة لبثت إلى اليوم في جنوبي الهند، وكان لها أثر في الثقافة الآرية ذاتها، وقد ظهرت الملكية في أثناء قيام الإمبراطورية المورية، وكان يعاون الملك الدرافيدي خمسة جمعيات عظيمة أو مجالس هي: (١) الوزراء، و(٢) القسيس، و(٣) القواد، و(٤) الأمناء «الوكلاء»، و(٥) الجواسيس أو «الشرطة السرية». وكان أعلى الطبقات الاجتماعية في شعب التاميل هم الحكماء ثم الملَّاك، يتلوهم الرعاة وصيادو الحيوان والصناع والجنود. أما صيادو السمك والكنَّاسون فكانوا آخر الطبقات.

وكان بعض ولايات دارفيدا منذ أمد بعيد من عهد آثروكا يتَّجر مع مصر واليونان في الزنجبيل والفلفل والقرفة والأحجار النفيسة والبهار وقشرة السلحفاء. كذلك زادت العلاقات بين أوربا والهند حين كانت الدولة الرومانية في أَوْجِ مجدها فتدفقت على الهند معادن الذهب والفضة والنقود النحاسية (راجع: الهند القديمة، تأليف رابوسون ص٩ و٢٩ و٦٦، وتاريخ الهند، طبعة كامبردج، الجزء الأول، الفصل ٢٤).

وقد أدى قيام العلاقات التجارية بين الدولة الرومانية وبين الهند إلى ظهور النقود الرومانية في الهند، منها قطعة ذهبية وُجدت في جنوب الهند سَكَّها الإمبراطور قلاديوس ٤١–٥٤ ميلادية؛ تخليدًا لغزو الرومان للبلاد البريطانية.

هذا ويقول «تاريخ بلني» في الفصل السادس: إن الأندراسيين أو التلوجوس الذين اكتسبوا استقلالهم بعد وفاة آزوكا قد بلغ عدد مدنهم المحصنة ١٤، وفرسانهم ٢٠٠٠، وفيلتهم ١٠٠٠، ومشاتهم مائة ألف، وأن أرضهم قد امتدت في القرن الثاني ق.م إلى أوجايانا «أوجين» التي كانت ولا تزال إلى اليوم أحد الأماكن الهندوسية السبعة، ثم امتدت بعد زوال الأسرة السونجية إلى فيديسا.

كذلك بعد أن استقلت كالينجا زادت قوة، وأصبح للملك خارافيلا في عاصمة ملكه ٣٥٠ ألف نسمة حول ١٥٠ق.م. وقد غزا شمال الهند المرة بعد المرة إلى أن هزم الملك الجالس في باتاليبوترا ذاتها.

وقد انتهى حكم السونجيين حول ٧٢ق.م. ومما يُذكر أنهم قبل أن يصبحوا ملوكًا كانوا الملتزمين لإقطاعيات الأباطرة الموريين وأن السونجيين كانوا أداة في أيدي البرهميين.

تغلبت على الهند الحكومات، وقامت بين أمرائها وملوكها الحروب، وتدخل الأجانب المجاورون في الشمال الغربي أو في الشمال من ناحية الصين، وقد برز الكوشيون في تاكسيلا حول ٧٩ب.م. وقد حلَّ محل ملِكها كوشانا وهو القائد الظافر فيماكارفيزيس الملك العظيم، ملك الملوك وابن الآلهة — ملكٌ آخر يُدعى كانيشكا ثالث ملوكهم، ويبدو أن سيادة الكوشيين قد امتدت إلى مملكة الهندوس السفلى في ٨٩ ميلادية، وقد ظهر اسم «ساكا» في عهد كانيشا في ٧٨ ميلادية، وقد حكم الساكيون والباهلفاس ممالكهما جنوبي الهندوس تحت السيادة الكوشانية، وسرعان ما أصبح الساكيون هندوسيين واتخذوا لأنفسهم أسماءً هندية.

أما اتصال القوة الكوشانية بالصين في ٩٠م فلم يؤثر في سائر الهند. على حين أنه حين أيد الملك كانيشا البوذية، صارت الإمبراطورية حلقة الاتصال بين الهند وبين الصين؛ مما كان من أثره انتشار البوذية في الصين والشرق الأقصى، وظهور ألف باء والثقافة الهنديتين ولغات الهند في التركستان الصينية، وكذلك ظهر مذهب جندارة في الفن في عهد الساكيين في الشمال؛ مما أدى إلى اتساع ألوان الحفر في الفن البوذي في الشرق، هذا وقد أقام «كانيشا» ديرًا في عاصمة «بوراشابورا» «بيشاوارا» التي بقيت إلى القرنين التاسع والعاشر مركزًا للتعاليم البوذية، وبعد أن جلس كانيشا على العرش بين ٢٥ أو ٣٠ سنة خلفه هوفيسكا الذي أبقى صلة بلاده بالإمبراطورية الكوشانية في الهند وبالممالك الصينية في كاشجا ويارقند وكوتان، كما أنه كان بوذيًّا أنشأ ديرًا في ماثورا، ثم خلفه فازوديفا الذي يبدو أنه كان ينزع إلى ديانة الأمة التي غلبت بلاده وقد كان عهده طويلًا.

على أن الإمبراطورية قد تقوضت دعائمها في نهاية حكم فازوديفا في ٢٢٦. ثم إن الملوك الكوشانيين لبثوا يحكمون في كابل إلى أن جاء غزو الهون في القرن الخامس، فمنذ يومئذ انقسم الشمال الغربي ممالك مستقلة. هذا وهناك اختلاف بين المؤرخين في تحديد تواريخ قيام الإمبراطوريات وعهود الملوك، كما يبدو من مراجعة كتابَي تاريخ الهند الأول وتاريخ الهند طبعة أكسفورد الذي راجعه س. م. إدواردس، وقد ساد الظلام الحالك تاريخ الهند بعدئذ، إلى أن بدأ القرن الرابع الميلادي بتأسيس الإمبراطورية الهندية العظيمة في باتاليبوترا، على إثر جلوس «شاندرا جويتا موريا» على عرش ماجاده حين قتل سيده وقضى على أسرته. ذلك أن شاندرا جويتا قد أسس في ٣١٨ أو ٣٢٠ أسرة جويتا بمعونة قرينته، فقد سك النقود باسمه واسم الملكة واسم عشيرتها ليكشهافي التي استولت على باتاليبوترا بعد السونجيين. وقد وسَّع شاندراجويتا ملكه في وادي الجنج إلى التقائه نهر جومنا؛ أي تيرهوت وبيهار وأوده، وقد خَلَفَه بعد ست سنوات ابنُه سامودرا جويتا الذي زاد مساحة ملكه، فشمل المملكة التي بين جومنا وأنهار شامبال في الغرب والهوجلي في الشرق وسفح هيمالايا وخط نهر ناربادا إلى الشمال والجنوب، وقد أَكرهَ على الاعتراف بسيادته أحدَ عشرَ ملكًا في الجنوب وتسعةً في الشمال ورؤساء قبائل الغابات وحكام ممالك الحدود ورؤساء جمهورياتها. ويبدو مما كتبه ف. ا. سميث في تاريخ الهند الأول ص٢٤٨ و٢٥٠ أن سامودرا جويتا قد تولى الحكم في ٣٢٦م، وأتمَّ غزواته الكبرى في ٣٤٠. على أنه لم يحاول أن يضم ما غزاه من ممالك الجنوب إلى إمبراطوريته، إذ عاد من طريق غربي الدكن ولم يصل حكمه إلى البنجاب، وقد استمرت الإمبراطورية التي أنشأها خمسة قرون، وقد دُوِّنت معاركه الحربية في أحد أعمدة آزوكا الباقية الآن في قلعة الله آباد.

وبعد الحروب التي خاضها أخذ يرعى الأدب والفن فقد كان هو شاعرًا. ويبدو أن سيطرة جويتا وعهد هارشا، كانا العصر الذهبي للأدب الهندوسي. ولئن كان ف. أ. سميث في كتابه «تاريخ الهند الأول ص٢٥٤» يقول: إن هذا الإمبراطور قد مات حول ٢٥٤، إلا أن هذا غير محقق. وقد خَلَفَه ابنه الذي اتَّخذ اسم شاندرا جويتا الثاني وأضاف إليه «فيكرامايتيا»؛ أي ابن القوة، وقد وسَّع الإمبراطورية في كل مكان عدا الجنوب، وقد دُوِّنت معاركه على العمود الحديدي في دلهي وهو يدل على إجادة صَهْرِ الحديد وعدم صدئه ووضوح كتابته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤