الفصل التاسع عشر

الهند الحالية

كلمة «الهند» جاءت من «أندوس»؛ أي مملكة الهند، أما «هندستان» الواردة في خرائط أوربا فمعناها مملكة الهندوس الإنجليزية واللغات الهندية. ولقد انتشرت اللغة الإنجليزية وأصبحت لغة الكلام بين الهنود الناطقين باللغات الهندية المتعددة التي يبلغ عددها ٢٢٢. أما اللغات التي أصلها آري فذائعة في شمالي الهند، وعلى وجه الإجمال ينطق بها ثلثا شبه الجزيرة الهندية، وهذه اللغات يختلف بعضها عن بعض اختلاف الإنجليزية عن الألمانية أو الأسبانية، ومما يزيد اللغات الهندية تعددًا، تعدد الأديان والمعتقدات والمذاهب.

إن الهند أغنى مستعمرات بريطانيا وأكثرها سكانًا، وأعظمها أهمية وأجودها صناعة، إذ تسمى ألمع درة في التاج البريطاني، لها مساحة هائلة تقدر ﺑ ٥ ملايين كيلو متر مربع، ونفوسها نحو ٣٥٠ مليونًا معظمهم بوذيون وهندوس وبراهما، وهناك أكثر من ٧٠ مليون مسلم، وكلهم يعيشون على ضفاف نهر السند … أما الهندوس الذين يعيشون هناك فينقسمون إلى أربعة أقسام: (١) الكهان: وهم محترمون من جميع طبقات الهندوس، وهم الذين يصدرون الأوامر الدينية و(٢) طبقة التجار: وهم الذين يشتغلون بجميع تجارتهم و(٣) طبقة الأشراف: وهم مثل الكهان ومثل التجار تقريبًا و(٤) طبقة الأنجاس، وهذه الطبقة محتقرة ومكروهة من جميع الهندوس، والغريب عنهم أنه إذا وقع ظل أحد منهم على رجل آخر يذهب في تلك اللحظة مسرعًا إلى النهر لكي يزول منه أثر ظل ذلك الرجل.

الهند شبه جزيرة واقعة على خط مدار السرطان، وهي شديدة الحر في الجنوب ومعتدلة في الوسط والشمال … وتسقط بها الأمطار الهائلة طول السنة وخاصة في الصيف، ويهطل معظمها في الشمال، ولذلك تكونت هناك بقاع واسعة خصبة كثيرة الخيرات، فقد سقط مرة في الهند مطر لا يتصوره العقل، فهي أكثر بلاد في العالم تسقط فيها الأمطار بعد جزيرة جاوه، ولذلك فقد أنشئوا بيوتًا من رخام صُلب جدًّا وقايةً من هذا المطر المرعب.

الهند بلاد غنية بالمزروعات، فهناك تزرع أعظم الفواكه في العالم وأكبرها حجمًا، ويزرع القطن والشاي السيلاني الشهير والتوابل والقنب والأرز وأنواع الحبوب والفواكه … وفيها غابات عظيمة واسعة هائلة الكبر كغابات راجبور وغابات الأنهار … ومن هذه الغابات تستخرج الأخشاب الجيدة القوية، وللاقتصاد في وسائل نقلها يضعونها في النهر، فتسير بقوة الماء حتى تصل إلى المكان المعين، ولكن في تلك الغابات توجد أشد الحيوانات المفترسة، وأشرسها كالنمور والفيلة والأسود والأفاعي المتنوعة وأشدها الكوبرا، وأنواع القرود كالشمبانزي والغوريلا والنسناس وأنواع الببغاوات.

أما سطح الهند فهو: (١) سهول نهر السند، وهي من أخصب بقاع الأرض كما ذكرنا و(٢) هضبة الدكن وهي مكونة من جبال متوسطة الكبر وبقربها هضبات عديدة و(٣) جبال هملايا، وهذه الجبال أشهر جبال العالم في الارتفاع؛ إذ يبلغ ارتفاعها ٨٨٤٠ مترًا، وتسمى سقف العالم لشدة ارتفاعها. ويقول الهندوس الذين يقطنون هناك: إن هذا ليس جبلًا، بل هو إله الآلهة! ويتخلل هذه الجبال وديان عميقة جدًّا وهي مليئة كلها بأنواع الأفاعي والثعابين.

الهند شبه جزيرة مثلثة الشكل تقريبًا، فالساحل الشرقي منها يُدعى كرومندل والغربي ملبار، وأما مدن الهند فأهمها دلهي وهي العاصمة، وبومباي وهي أهم ميناء تجاري هناك؛ فنفوسها مليون نسمة، وكلكتا وتقع عند مصب نهر براهماتوترا، ومدينة بنارس وسملا وهي عاصمة الهند في الصيف لأنها مصيف جميل، ومدينة أحمد آباد والله آباد وحيدر آباد وكراجي وكيلات وهي عاصمة بلوخستان.

من الشركة إلى التاج

في ١٨٥٨ تلقت الحكومة البريطانية إدارة حكم الهند من شركة الهند الشرقية البريطانية، التي كانت إلى يومئذ تنهض — كما قدمنا — بعبء الحكم في الهند، وتألفت حكومة الهند على قاعدة الأتوقراطية، وأنشئ في لندن مجلس يعمل مع وزير الهند، وهو أحد أعضاء الوزارة البريطانية، وفي ١٩٤٥ أي في عهد وزارة العمال نُقلت شئون الهند إلى وزارة المستعمرات وعُيِّن وزير دولة يشرف عليها، والوزير في الحالتين أحد أعضاء الوزارة البريطانية، كما أُنشئ في الهند مجلس آخر يعاون الحاكم العام. وكان الموظفون البريطانيون المدنيون في حكومة الهند يعينون في بريطانيا ذاتها، طبقًا لامتحان مسابقة كان قد اقترحه «ماكولي» الذي كان عضوًا في مجلس الهند في كلكتا من ١٨٣٤ إلى ١٨٣٨. وكان أساس اختيار الموظفين البريطانيين للمناصب الهندية إلى شرط الكفاية والمؤهلات «إن العقل السليم في الجسم السليم»، ذلك لأن جو الهند قاسٍ جدًّا، لا يستطيعه إلا الأجسام القوية. وقد عمدت حكومة الهند إلى مناهضة الفساد، الذي اقترن بحكومة الشركة …

نظام الطوائف

يرجع أصل نظام الطوائف في الهند — كما أوضحنا قبلًا — إلى تجمع الناس، حين تحيط بهم أمواج الغزاة، كالخطوط التي يخلفها المد على الساحل حين ينحسر عنه. وللطوائف نوع من الجلال والقداسة، نذكر من هذا: طائفة القسس أو الكهنة، والطوائف العسكرية، والطوائف التجارية، وطوائف كل مهنة، وطوائف الرعاة، والبقر والسائقين، وحملة المحفات والهوادج. وبعد الطوائف العالية تجيء الطوائف السفلى، من ذلك طائفة الكولي التي يجب عدم تناول الماء من أيدي أفرادها، وطائفة الكناسين، وفي قاع الطوائف السفلى تجيء طائفة المنبوذين أو الأنجاس، ويبلغ عددهم ستين مليون نفس، وقد دان القليل منهم للإسلام والأديان الهندوسية وغيرها.

التمهيد لنظام الحكومة المسئولة

بدأت الخطوة الأولى للإصلاح الدستوري في الهند بتصريح ألقاه وزير الهند في مجلس العموم في ٢٠ أغسطس سنة ١٩١٧ جاء به: «إن سياسة حكومة جلالة الملك ترمي إلى زيادة إشراك الهنود في كل فروع الإدارة والتدرج في إنماء هيئات الحكومة الذاتية بقصد اضطراد التقدم في إيجاد حكومة مسئولة في الهند باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الإمبراطورية البريطانية».

وأعقب هذا تصريح للملك جورج الخامس في ديسمبر ١٩١٩ بمناسبة الموافقة على قانون الهند ١٩١٩. فقد جاء في هذا التصريح «أن القانون الذي أصبح نافذ المفعول يعهد بحصة محددة معينة في الحكم لممثلي الشعب المنتخبين ويرسم الطريق إلى حكومة مسئولة مسئولية كاملة».

وفي ٩ فبراير ١٩٢١ تلا دوق أوف كنوت في الاحتفال بافتتاح الجمعية التشريعية الجديدة في دلهي الجديدة، رسالة من الملك جورج الخامس من بين ما جاء بها … «منذ أعوام، وقد يكون منذ قرون، ووطنيو الهنود المخلصون يحلمون باستقلال أرض الوطن، وها أنتم اليوم تحصلون على أوليات الاستقلال في داخل الإمبراطورية وتحصلون على أوسع ميدان وأنسب فرصة للتقدم نحو الحرية التي تتمتع بها ممتلكاتنا المستقلة الأخرى». وكانت الخطوة التالية في ١٥ مارس ١٩٢١ فقد جاء في التعليمات المنقحة الصادرة من الملك للحاكم العام ما يأتي: «لأن إرادتنا ومن دواعي سرورنا، أن تثمر المشروعات ثمارها حتى تحصل الهند البريطانية على مكانها المناسب بين ممتلكاتها المستقلة».

وفي نوفمبر ١٩٢٧ تألفت لجنة الإصلاح الدستوري برياسة سير جون سيمون. وألقى لورد بير كنهد وزير الهند تصريحًا في مجلس اللوردات جاء به: «إذا ما وضعت اللجنة تقريرها انتهت مهمتها، ولكن منتقديها من الهنود يبقون ونحن ندعوهم ونرحب بهم ليأتوا ليجلسوا مع اللجنة المنتخبة في البرلمان ويقدموا الاقتراحات والاعتراضات التي يرونها على تقرير اللجنة».

مؤتمر المائدة المستديرة الأول

وفي ١٦ أكتوبر ١٩٢٩ أوصت اللجنة الدستورية بعقد مؤتمر المائدة بقصد الوصول إلى أكبر اتفاق ممكن عن المقترحات النهائية التي يكون من واجب حكومة جلالة الملك أن تقدمها فيما بعد للبرلمان. وفي ١٠ يونيه ١٩٣٠ قدمت اللجنة الدستورية القسم الأول من تقريرها إلى مجلس العموم وهو مؤلف من إحصاء عن تنفيذ نظام الحكومة وانتشار التعليم ونمو هيئات التمثيل النيابي في الهند البريطانية والمسائل الأخرى المتصلة بها. وفي ٢٤ يونيه ١٩٣٠ قدَّمت اللجنة القسم الثاني المشتمل على توصياتها وهي تتضمن منح الهند استقلالًا إقليميًّا ذاتيًّا تامًّا، ونقل حماية القانون وحفظ النظام إلى الحكومة المركزية، وجاء في التقرير: «يجب أن يكون دستور الهند الأخير اتحاديًّا؛ لأن في الدستور الاتحادي وحده، يمكن الجمع بين وحدات مختلفة في تكوينها ودستورها اختلافًا شاسعًا، كالولايات والإمارات مع احتفاظ كل وحدة باستقلالها الداخلي».

وفي ١٢ نوفمبر سنة ١٩٣٠ عقد مؤتمر المائدة المستديرة الأول، وأظهرُ ما امتاز به هذا الدور قبول الأمراء الهنود لمبدأ الحكومة الاتحادية.

وفي ١٩ سبتمبر ١٩٣١ ألقى رئيس الوزارة البريطانية تصريحًا جاء فيه:

إن رأي حكومة جلالة الملك أن تكون حكومة الهند مسئولة أمام المجالس التشريعية المركزية والإقليمية مع التحفظات التي تكون ضرورية في فترة الانتقال لضمان احترام التزامات معينة ولمقابلة ظروف أخرى خاصة، وأيضًا الضمانات التي تطلبها الأقليات لحماية حرياتها السياسية وحقوقها.

وفي سبتمبر ١٩٣١ عُقد مؤتمر المائدة المستديرة الثاني.

وفي أول ديسمبر ١٩٣١ ألقى رئيس الوزارة البريطانية تصريحًا أكد فيه ثقة حكومة جلالة الملك «في الاتحاد الهندي باعتباره الحل الوحيد للمشكلة الدستورية في الهند».

وفي ١٧ نوفمبر ١٩٣٢ عُقد مؤتمر المائدة المستديرة الثالث.

وفي أواخر شهر مارس ١٩٣٣ تمَّت موافقة مجلس النواب البريطاني على مقترحات الحكومة البريطانية التي أصدرت بها الكتاب الأبيض الذي يقرر بديلًا من الدستور الهندي الحالي دستورًا اتحاديًّا جديدًا يتناول الهند البريطانية والإمارات الهندية وإنشاء برلمان اتحادي يتألف من ممثلين للهند البريطانية وللإمارات، على أن تكون الهيئة التنفيذية مؤلفة من الحاكم العام ليمثل التاج البريطاني يعاونه ويشير عليه مجلس وزراء يكون مسئولًا أمام المجلس التشريعي «بقيود معينة».

وينشأ الاتحاد بإعلان ملكي بناء على التماس من مجلس البرلمان البريطاني. والبرلمان الاتحادي يؤلَّف من مجلسين لكل منهما حقوق معينة، ويكون مجلس النواب من ٣٧٥ عضوًا على الأكثر، منهم ١٢٥ يعينهم حُكَّام الإمارات المنضمة إلى الاتحاد، أما الباقون فينتخبون بالانتخاب المباشر في الهند البريطانية، ويتألف المجلس الأعلى أو مجلس الدولة من ٢٦٠ عضوًا يعين الأمراء منهم مائة ويُنتخب الباقون في الهند البريطانية بشروط معينة. ويتولى الحاكم العام مهام وظيفته باعتباره ممثلًا للتاج البريطاني ورئيسًا للهيئة التنفيذية بواسطة وزرائه، وهؤلاء يكونون مسئولين في تدبير شئون وزارتهم أمام البرلمان، وعلى الوزراء أن يتقدموا بالمشورة للحاكم العام الذي يجب عليه أن يتبع هذه المشورة إلا في أحوال معينة يجوز له أن يتصرف على مسئوليته على عكس ما ترمي إليه مشورة الوزير المختص. وللحاكم العام أن يتولى تدبير شئون معينة مستقلًّا فيها عن الوزارة. وللحاكم العام أن يُصدر قرارًا على عكس ما يقرره البرلمان، وأن يمنع البرلمان من الاستمرار في بحث موضوع معين، وأن يصدر أوامر تكون لها قوة القانون، وهكذا إذا اطمأن الحاكم العام إلى أن قانونًا بعينه سيلقى تأييد غالبية المجلس يقدمه له، وأما إذا خشي رفض الغالبية له يصدره هو مباشرة ويكون لأمره هذا قوة القانون. وتكون أقاليم مدراس وبمباي وبنغال والأقاليم المتحدة والبنجاب وبيهار والأقاليم المتوسطة وأسام وإقليم الحدود الشمالية الغربية والسند وأوريسا وحدات مستقلة استقلالًا ذاتيًّا يتولى شئون كل منها حاكم يمثل الملك ويعاونه ويشير عليه مجلس وزراء يكون مسئولًا أمام برلمان الأقاليم، ولمجلس الوزراء حق نصح الحاكم في كل شئون الإقليم فيما عدا المسائل التي يحدد الدستور أنها من اختصاص الحاكم يتولاها في حدود تقديره.

على أن الحاكم حر في الأخذ بمشورة وزرائه وله أن يهمل هذه المشورة، وفي هذه الحالة يتصرف على مسئوليته.

ولكل إقليم برلمان من مجلسين: جمعية تشريعية ومجلس أعلى، ويكون توزيع المقاعد وطريقة الانتخاب في كل إقليم من هذه الأقاليم الأحد عشر تبعًا لظروفه ووفاقًا لنظام خاص به يحدده المشروع، على أن يكون الاتحاد الهندي اتحادًا بين الأقاليم التي لها حاكم خاص وبين الإمارات التي يُبدي حكامها رغبتهم في الانضمام إلى الاتحاد، ويتم ذلك بقرار ضم رسمي ينزل به الحكام للتاج عن حقوقهم وسيادتهم في كل الشئون التي يكونون على استعداد لاعتبارها من شئون الاتحاد. وينشأ الاتحاد بإعلان من جانب جلالة الملك، ويرأس السلطة التنفيذية في الاتحاد الهندي بما في ذلك القيادة العليا للجيش والبحرية والطيران، الحاكم العام بالنيابة عن الملك، وتصدر كل الأعمال التنفيذية باسم الحاكم العام، كما أن الحاكم العام يشرف بنفسه على إدارات الدفاع والشئون الخارجية والمسائل الكنسية، ويتألف مجلس الوزراء من أشخاص يختارهم الحاكم العام ويبقون في وظائفهم ما داموا متمتعين بثقته، وعلى الحاكم العام أن يختار الوزراء من بين الأشخاص الذين يستطيعون اكتساب ثقة البرلمان. وللحاكم العام، متى أراد، أن يترأس اجتماعات الوزراء.

وتتألف الهيئة التشريعية في الاتحاد الهندي من الملك ممثلًا في شخص الحاكم العام ومن مجلسي البرلمان، وللحاكم العام حق دعوة البرلمان للاجتماع وحله. ويجب أن يجتمع البرلمان مرة على الأقل كل سنة، ولا يجوز أن يطول تعطيله لأكثر من اثني عشر شهرًا، ولا تكون القوانين واجبة التنفيذ إلا بعد أن يُصدِّق عليها الحاكم العام بعد موافقة المجلسين، ولا يُلغي أي قانون إلا بعد موافقتهما في مدى سنة.

تصديق الحاكم العام

وللحاكم العام، تمكينًا له من القيام بواجباته، أن يرسل لأي مجلسي البرلمان مشروع قانون يرفعه برسالة يطلب فيها من المجلس إجازة هذا المشروع في ميعاد يحدده، وأن يرسل لأي المجلسين رسالة في شأن مشروع قانون يكون مطروحًا عليه، يطلب فيها إتمام النظر في هذا القانون في أجَل يُعينه. وللحاكم العام فوق ذلك أن يسحب من أي المجلسين أي مشروع قانون يرى فيه مساسًا بسلطاته الخاصة أو يهدد السلم والنظام في الهند تهديدًا خطيرًا.

ولبرلمان الاتحاد الهندي حق التشريع لنظام وحسن إدارة الاتحاد أو أي جزء داخل فيه. وإذا ما اصطدم تشريع لبرلمان الاتحاد مع تشريع لبرلمان إقليم من الأقاليم التي لها حاكم يكون الأفضلية لتشريع برلمان الاتحاد وهو الذي يُنفذ.

وليس لبرلمان الاتحاد ولا لأي برلمان إقليمي أن يشرع للبريطانيين في الضرائب وحيازة الأملاك من أي نوع ومباشرة أي مهنة أو تجارة أو عمل أو وظيفة أو استخدام موظفين أو مندوبين أو في شئون الإقامة والعمل في دائرة حدود الاتحاد.

هذا ورأي أعضاء الجمعية التشريعية الهندية عند طرح هذا المشروع عليهم أنه لا يحقق مطالب البلاد فقرروا رفضه بِناءً على اقتراح تَقدَّم به السير عبد الرحيم أحد الزعماء وجاء به أن المجلس لا يستطيع أن يقبل هذا المشروع إلا أن تدخل عليه تعديلات يكون من شأنها توسيع اختصاص ممثلي الأمة وتحقيق مطالب البلاد. (راجع صفحة ٥٨٥ من الجزء الثاني من كتاب تجاربي مع الحقيقة).

أما في عام ١٩٣٨، فقد أبلغ رئيس المؤتمر بأن «المرحلة النهائية — أي لهدفنا — هو الانفصال من روابطنا بالإمبراطورية البريطانية، فمتى تم هذا ولم يبقَ هناك أي أثر للحكم البريطاني، فسنكون في موقف يخولنا تحديد علاقتنا المستقبلة ببريطانيا العظمى على أساس معاهدة تحالف، يعقدها الفريقان حُرَّيْن مختارين». (راجع برقية روتر في ١٩ فبراير ١٩٣٨، والنتائج غير الرسمية التي أسفرت عن أن في عضوية المؤتمر ٤٥١٠٠٣٨ في ١٩٣٨ و١٥٤٣٣٥١ في ١٩٤١ وأكثر من هذا العدد منذ يومئذ إلى اليوم).

الاستقلال التام والجلاء التام

وعلى هذا انتهت مطالب الوطنيين الهنود، أو حزب المؤتمر الهندي إلى طلب الاستقلال الصريح التام، والجهر بالانفصال عن الإمبراطورية البريطانية؛ أي الخروج من نظامها وعدم قبول الحكم الذاتي الداخلي أو نظام الدومينون — الأملاك المستقلة ككندا وأستراليا — ولقد وضح هذا منذ عقد مؤتمر أرميتزار في ١٩١٩، حين انتخب موتيلال نهرو، وهو من أنبل طراز الساسة الهنود، رئيسًا للمؤتمر، وإن كان غاندي قد لبث الروح الملهِمة والمحرِّكة للحزب الوطني الهندي؛ أي المؤتمر. ولقد كان موهانداس كارامشاندي غاندي — هذا الزعيم الملهم خالد الذكر حيًّا وبعد الموت — في الخمسين، حين أصبح بمثابة أكبر شخصية في الهند الحديثة.

المؤتمر الوطني والحكم الذاتي

منذ أواخر القرن الماضي، القرن التاسع عشر، بدت أمارات الديمقراطية والمطالبة بالحكم الذاتي واشتراك الهنود في حكم بلادهم وإحلالهم محل البريطانيين، وكان من أثر هذا تطبيق نظام جلادستون رئيس الوزارة البريطانية يومئذ (١٨٨٠–١٨٨٥) ذلك أن اللورد ريبون الحاكم العام للهند أخذ يُدخل النظام التمثيلي «النيابي» فيها منذ إنشاء المجالس البلدية، كما أنه ظهر بعض الهندوس المتعلمين الناطقين بالإنجليزية، مما أفضى إلى تأليف المؤتمر الوطني الهندي في ١٨٨٥ الذي كان يمثل فئة قليلة هم جماعة النابهين المثقفين الواقفين على أصول الحضارتين الهندية والغربية المتشبعين بالمبادئ الوطنية، وقد نمت المجالس البلدية الهندية إلى أن أصبحت اليوم تنهض بأعباء المصالح المحلية لعشر بلاد الهند البريطانية.

ثم إن اللورد مورلي أو أرجون مورلي قد عاون اللورد منيتو في سبيل إنشاء حكومة نيابية، كذلك تم تعيين عضوين هنديين؛ أحدهما هندوسي والثاني مسلم في مجلس الهند، وفي ١٩٠٩ صدر قانون خوَّل إدخال أعضاء منتخبين للمجلس الهندي التشريعي وإن كانوا أقلية فيه.

وفي الحرب العالمية الأولى ١٩١٤–١٩١٨ لبثت الهند خلال الحرب العالمية الأولى هادئة.

التعديلات التشريعية

وفي ١٩٣٥ صدر قانون الحكومة الهندية الجديد، وبُدئ في تطبيقه منذ أبريل ١٩٣٧، وطبقًا لهذا القانون، انتهى مجلس لندن، وفُصِلت بورما عن الهند، وأُنشئ اتحاد للهند كلها، للأمراء الهنود حق الاشتراك فيه، متى وافقوا عليه، من غير أن يكون لهذا الانضمام أي مساس بسلطتهم الداخلية. على أن إنشاء الاتحاد لن يتم إلا إذا انضم إليه نصف الإمارات، ومما يخوله هذا القانون، أن يكون للهند — شكلًا — نظام الدومنيون، فيكون لها حاكم عام كما في كندا، ومجلس مؤلف من ٢٥٢ تختارهم المجالس التشريعية الإقليمية، و٢١٥ عضوًا من الإمارات، وهناك مجلس أعلى يسمى مجلس الدولة، وللحاكم العام مجلس من الوزراء مسئول أمام الهيئة التشريعية، على أن للحاكم العام في الهند، دون الأملاك البريطانية المستقلة، أن يعمل بالتعاون مع وزير الهند في إصدار ما يراه الأول، كذلك بقي للبرلمان البريطاني الإشراف على شئون الهند من الناحية العامة، ويبدو أن هذا القانون أو الدستور لم يُنفَّذ كل ما ورد فيه، ذلك أن المؤتمر الوطني يعارض في اشتراك بلاد الأمراء ما دام حكمهم أتوقراطيًّا، وهم — من ناحيتهم — لم ينضموا إلى هذا الاتحاد، ثم إن الحكومة البريطانية قد استمسكت بأمر الدفاع عن الهند، وبالاستئثار بضبط الأمن، ولو أدى هذا إلى استخدام القوة، وعلى هذا لبثت فكرة إنشاء دستور ومؤتمر للهند كلها حبرًا على ورق.

صيام غاندي بعد مقاطعة الدستور الجديد

كذلك نهض غاندي فصام من أجل وطنه وأعلن عدم التعاون مع الحكومة والصوم شعاره في كل حركة.

لجنة سيمون

لم يسع الحكومة البريطانية حيال هذا إلا أن تُوفد إلى الهند لجنة يرأسها سير جون سيمون بين عامي ١٩٢٨–١٩٢٩ ثم أتبعتها بلجنة أخرى، قدمت تقريرًا عن الولايات والحكومات الهندية الوطنية، أما المؤتمر فقد طالب بالحكم الذاتي «السوارج». وفي ١٩٣٠ أقيم مؤتمر المائدة المستديرة في لندن وقد حضره الساسة البريطانيون والهنود ومنهم المهاتما غاندي. هذا وكلما استيقظ الهنود، وضحت مطالبهم فكانت في البداية محدودة الأغراض ثم تطورت إلى طلب الحكم الذاتي داخل نطاق الإمبراطورية، ثم تقدمت خطوة أوسع نحو السوارج وله في اللغة الهندية معانٍ مختلفة؛ منها الاستقلال، وهو ما أقره المؤتمر الهندي الذي يشبه، على نوع ما ومع الفوارق، الوفد المصري حين تألف برياسة سعد زغلول في أواخر ١٩١٨، والكتلة الوطنية في سوريا، والكتلة الدستورية في لبنان، واللجنة العليا في فلسطين. وكان «السوارج» عند غاندي في بداية الأمر يعني الحكم الذاتي داخل الإمبراطورية البريطانية متى كان هذا ميسورًا أو خارجًا عنها إذا ما قضت الضرورة بهذا الانفصال. وفي حرب ١٩١٤ لم تحدث أية ثورة أو تمرُّد بل بادر أمراء الهند إلى تعبئة رجالهم واشتراكهم في ميادين القتال في فرنسا ومصر والعراق والشرق العربي، وقد بلغ عدد الجنود الهنود ٢٠٠ ألف في تلك الحرب، ومليونين في الحرب العالمية الثانية (١٩٣٩–١٩٤٥)، وكان من أثر هذا الاشتراك أن دُعيت الهند إلى المؤتمر الإمبراطوري الذي عُقد في ١٩١٧ وأن صدر في ٢٠ أغسطس ١٩١٧ في مجلس العموم البريطاني إقرار «تصريح» جاء فيه: إن سياسة حكومة جلالة الملك ترمي إلى زيادة اشتراك الهنود في كل فرع من فروع الإدارة تمهيدًا للتدرج في تحقيق الحكم الذاتي في الهند. وفي ديسمبر ١٩١٧ أعرب المؤتمر الهندي عن ارتياحه وشكره لهذا الإقرار، وفي سنة ١٩١٩ صدر قانون يُنشئ هيئة تشريعية جديدة من مجلسين: أعلى حكومي والأدنى للهنود، وكذلك خولت الأقاليم سلطات أكبر، غير أن السيادة البريطانية في لندن تقف خلف هذا كله، ولقد قاطع المؤتمر الهندي هذا الدستور، وقامت الفتن والاضطرابات في الهند مما كان من أثره أن القائد البريطاني في أرمتزار في ١٩١٩ قد أطلق النار على جماعة غير مسلحين، فأصاب مقتلًا من ٣٧٩ وجرح أكثر من ألف …

وحين قامت الحرب العالمية الأولى (١٩١٤–١٩١٨) نهض الهنود أو قُلْ فريق من مفكريهم ومواطنيهم يُطالبون الحكومة البريطانية بإعلان الحكم الذاتي للهند — كما قدمنا — وذلك بالاستناد إلى اشتراك الهنود وتضحياتهم في سبيل الإمبراطورية في تلك الحرب، وإلى مبادئ ويلسون وحق كل أمة في أن تقرر مصيرها بنفسها، وإلى ما للهند والأمة الهندية من مكانة في عالم الأمم. غير أن الحكومة البريطانية — كما ذكرنا قبلًا — لم تُوافق على هذه المطالب. ثم إنه حين نشبت الحرب العالمية الثانية (١٩٣٩–١٩٤٥) أعلنت الحكومة البريطانية على لسان نائب الملك في الهند، أن بريطانيا العظمى — مع قدرها المعونة التي قدمتها الهند، ومع تأكيدها العهود التي سبق قطعها لتحقيق أماني الهند في الاستقلال الذاتي — ترى أن تُرجئ بحث التسوية النهائية إلى ما بعد انتهاء الحرب.

الإمارات الهندية

إلى جانب «هند» الإمبراطورية البريطانية، تقوم مئات الإمارات الهندية الخاضعة، في السياسة الخارجية على الأقل، للدولة البريطانية أو حكومة الهند، أما عدد سكان هذه الإمارات فهو سبعون مليونًا، أكبرها إمارة حيدرباد، التي مساحتها ٨٢٧٠٠ ميلًا وسكانها ١٤٥٠٠٠٠٠، أما أصغرها فيتألف كل منها من مساحات صغيرة؛ أي بضعة أميال مربعة. ويمكن القول إجمالًا بأن لهذه الإمارات نوعًا من الاستقلال الذاتي الداخلي كالبوليس والقوانين وفرض الضرائب وتحصيلها والميزانية وتعيين الموظفين، وأن أمراءها حكام بأمرهم، يُعِدُّ أكثرُهم إمارتَه ضيعةً أو إقطاعيةً له، وسكانَها عبيدًا أو في حكم العبيد، غير أنه يبدو أن هؤلاء قانعون بحالهم لأنهم ألِفوها منذ القرون الطويلة، ولأن الجهل هو الذي يسود نشأتهم ومجتمعهم، ولأنهم — إلى هذا — منقطعو الصلة بالعالم الخارجي، ومن أجل هذا كانت ثروة أمراء الهند، مما تعد أرقامه خيالية، ولبريطانيا — كما قدمنا — في هذه الإمارات نوع من الحماية أو الوصاية، يقوم في الغالب على المعاهدات المعقودة أو الكتب المتبادلة، ولعل أهم شروط هذه الاتفاقات؛ أن لا يكون للإمارات أية علاقات بالدول الأجنبية الأخرى، ولا أن تقوم بين بعض الإمارات وبعضها الآخر العلاقات الدبلوماسية، وأن يشرف البريطانيون على بعض المصالح العامة كالمواصلات والتلغراف، وأن يوجد «مقيم بريطاني» لدى بلاط الأمير، وعلى رأس الإمارات حيدرباد وبارودا وميسور وكشمير وراجبوتانا والبنجاب وغيرها، وهي تشمل سبعين مليونًا، وترتبط مباشرة بالتاج البريطاني، وهي بهذا الوضع بعيدة عن نفوذ الهند.

مقترحات السير ستافورد كريبس

في ١٩٤١ ذهب السير ستافورد كريبس أحد الوزراء العمال في الحكومة الائتلافية برياسة المستر تشرشل إلى الهند، موفودًا منها لإقناع الزعماء الوطنيين هناك بقبول المقترحات الجديدة التي عرضها. غير أنهم ومعهم غاندي استمسكوا بوجوب إعلان الاستقلال التام للهند وجلاء الجنود البريطانية عنها منذ يومئذ، وعدم إرجاء تحقيق ذلك إلى ما بعد الحرب، وقد أعقب هذا اعتقال الوطنيين ومرض غاندي.

وقد وُضعت هذه المقترحات على صورة بيان أو تصريح أُذيع يومئذ، والتصريح شطران، يختص أولهما بالكلام عن الدستور وطريقة وضعه والوعد بعقد معاهدة، أما الشطر الثاني فللكلام عن مسئولية الدفاع عن الهند إلى مراحل التنفيذ فيتناول طبقًا للتصريح ما يأتي:
  • (١)

    عند انتهاء الحرب تُجرى الانتخابات لمجالس النواب والهيئات التشريعية الإقليمية.

  • (٢)

    تنقسم المجالس والهيئات هيئة واحدة تتولى وضع الدستور طبقًا لنظام التمثيل النسبي؛ أي أن الولايات الهندية تُمثَّل بالنسبة لعدد سكانها.

  • (٣)

    تتفاوض هيئة الدستور في عقد معاهدة مع الحكومة البريطانية تتناول جميع المسائل التي تترتب على انتقال التبعة في إدارة البلاد من أيدي البريطانيين إلى أيدي الهنود، وسينص فيها طبقًا للتعهدات التي تعطيها الحكومة البريطانية على حماية الأقليات الطائفية والدينية.

    أما الأهداف التي ترمي إليها هذه الاقتراحات فهي إنشاء اتحاد هندي يتم برضاء الولايات الهندية على نسق نظام «الدومنيون» في أستراليا وكندا ونيوزيلندا ويكون داخلًا في نطاق الإمبراطورية البريطانية.

    أما الشطر الثاني فهو أنه لما كان من المعروف أن في الهند أديانًا متعددة وأقليات دينية أكبرها الطائفة الإسلامية التي تبلغ ٨٠ مليونًا فقد كفلت الاقتراحات البريطانية مصالح هذه الطوائف فجعلت من حق الولايات والإمارات الإسلامية إذا شاءت أن لا تنضم إلى الاتحاد، وفي هذه الحالة يكون لها دستورها ونظامها الذي ترتضيه.

  • (٤)

    حرصت الحكومة البريطانية على أن تتضمن المعاهدة التي تنظم استقلال الهند ما يكفل حماية الأقليات الدينية والطائفية.

  • (٥)

    وأخيرًا للاتحاد الهندي طبقًا لنظام الدومنيون الحق في الانفصال عن مجموعة الشعوب البريطانية إذا رأى أن ذلك في مصلحته.

هذا وقد أذاع السير ستافورد كريبس المقترحات البريطانية للاتحاد الهندي الجديد في أثناء اجتماعه بمندوبي الصحف بعنوان «مشروع المناقشات مع زعماء الهند» وقبل أن يتلو السير ستافورد نص المقترحات قال لمندوبي الصحف: إن من الصعب أن يتصور المرء مسألة أعظم خطورة من هذه المسألة التي سيتوقف عليها مستقبل شعب مؤلف من ٣٥٠ مليون نفس وسعادته وحريته. وفيما يلي نص هذه الاقتراحات:

إن النتائج التي وضعتها وزارة الحرب البريطانية في الصيغة التي ستأتي بعدُ هي النتائج التي حملها السير ستافورد كريبس معه لبحثها مع زعماء الهنود. أما مسألة هل تُنفذ هذه الاقتراحات فأمرها يتوقف على نتيجة المباحثات التي تدور الآن.

إن حكومة صاحب الجلالة بعد أن نظرت في الأفق الفكري الذي بدا في هذه البلاد «إنجلترا» وفي الهند من جراء مصير العهود التي قطعت فيما يتعلق بمستقبل الهند، قررت أن تضع في عبارات واضحة مقترحات لتحقيق الحكم الذاتي للهند في أقرب وقت ممكن، والغرض من هذه المقترحات هو إنشاء اتحاد هندي جديد يتألف منه «دومنيون» تشترك في الولاء للتاج البريطاني وتكون مساوية للممتلكات المستقلة في جميع الوجوه، ولا تكون في حال ما خاضعة في شئونها الداخلية أو الخارجية لغيرها، وعلى ذلك تعلن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي:
  • (أ)

    عند انتهاء الحرب ستتخذ التدابير اللازمة لإنشاء هيئة منتخبة بالصورة التي ستذكر فيما بعد، تكون مهمتها وضع دستور جديد للهند.

  • (ب)

    سينص بالصورة التي ستذكر فيما بعدُ على اشتراك الولايات الهندية في الهيئة التي ستتولى وضع الدستور.

  • (جـ)

    تتعهد حكومة صاحب الجلالة بأن تقبل وتنفذ في الحال الدستور، الذي سيوضع على شرط أولًا أن يكون لكل ولاية من ولايات الهند البريطانية التي لا تُبدي استعدادها لقبول الدستور الجديد حق الاحتفاظ بمركزها الدستوري الحالي، وسينص على الشروط التي تتخذ لقبولها الانضمام (إلى الدستور الجديد) إذا شاءت ذلك فيما بعد. أما الولايات التي لا تقبل الانضمام فإن الحكومة صاحبة الجلالة ستكون مستعدة لقبول دستور جديد يخول هذه الولايات نفس المركز السياسي الذي يمنح للاتحاد الهندي ويكون الوصول إليه بإجراء يماثل الإجراء المنصوص عليه هنا.

    توقع معاهدة تدور المفاوضات بشأنها بين حكومة صاحب الجلالة والهيئة التي يعهد إليها في وضع الدستور، وهذه المعاهدة تتناول جميع المسائل اللازمة التي تترتب على انتقال التبعة من أيدي البريطانيين إلى أيدي الهنود انتقالًا تامًّا، وسينص فيها طبقًا للتعهدات التي تعطيها حكومة صاحب الجلالة على حماية الأقليات الطائفية والدينية.

    ولكنها لن ترفض أي قيد على سلطة الاتحاد الهندي فيما يتعلق بما قرره في المستقبل بشأن علاقتها بالأعضاء الآخرين من مجموعة الأمم البريطانية، وسواء اختارت إحدى الولايات الهندية الانضمام إلى الدستور أو لم تختره، فإنه سيكون من الضروري المفاوضة في شأن تعديل الترتيبات المنصوص عليها في المعاهدة من حيث ما تتطلبه الحالة الجديدة.

  • (د)

    تؤلف الهيئة التي تتولى وضع الدستور على الوجه الآتي: إذ لم يوافق زعماء الرأي الهندي في الطوائف الرئيسية على شكل آخر قبل انتهاء الحرب وجب على جميع أعضاء مجالس النواب والهيئات التشريعية الإقليمية أن يشرعوا كهيئة انتخابية واحدة في انتخاب الهيئة التي تتولى وضع الدستور طبقًا لنظام التمثيل النسبي، وكل هذا على أثر إعلان نتيجة الانتخابات الإقليمية التي يجب أن تُجرى عند انتهاء الحرب، وهذه الهيئة الجديدة ستكون من حيث عددها نحو عشرة، عدد الهيئة الانتخابية، وستُدعى الولايات الهندية إلى تعيين ممثليها بالنسبة نفسها من حيث مجموع عدد سكانها كما حدث فيما يتعلق بممثلي الهند البريطانية، على أن يكون لهم السلطات نفسها التي يتمتع بها أعضاء الهند البريطانية.

ولا مناص لحكومة صاحب الجلالة في خلال هذه الفترة الخطيرة التي تواجه الهند الآن وإلى أن يُستطاع وضع الدستور الجديد من أن تتحمل مسئولية الدفاع عن الهند، وتحتفظ بالإشراف والتوجيه في شئون هذا الدفاع كجزء من المجهود الذي تبذله في الحرب العالمية. أما مهمة تنظيم وسائل الهند العسكرية والمادية والأدبية فيجب أن تكون من اختصاص الحكومة الهندية بالتعاون مع شعوب الهند.

إن حكومة صاحب الجلالة تريد وتدعو في الحال إلى اشتراك زعماء الطوائف الرئيسية في الشعب الهندي اشتراكًا فعالًا في مجالس بلادهم وفي مجموعة الأمم البريطانية وفي الأمم المتحدة، وهكذا يستطيعون بذل مساعدتهم الإنسانية الفعالة في القيام بالمهمة الجوهرية الخاصة بحرِّية الهند في المستقبل. وبعد أن انتهى السير ستافورد من تلاوة هذه المقترحات والإجابة عن الأسئلة التي وُجِّهت إليه قال: إن الدفاع عن الهند لن يكون في أيدي الهنود ولو أرادت ذلك جميع الأحزاب؛ لأن هذا يكون من أسوأ الأمور للدفاع عن الهند؛ إذ من شأنه أن يُخِلَّ بجميع أنظمة الدفاع، ومثل هذا الإخلال يجر وراءه الخراب.

وقال السير ستافورد بعبارة صريحة: إن المشروع جزءٌ لا يتجزأ، فإما أن يُقبل كله أو يرفض كله، ويستحيل أن يُحتفظ فقط بالجزء الذي يتعلق بالترتيبات العاجلة ويُترك الجزء الأخير من المشروع. وصرح السير ستافورد بأن سيكون للاتحاد الهندي مطلق الحرية في تقرير علاقاته المقبلة بأعضاء مجموعة الأمم البريطانية ومنها بريطانيا العظمى؛ أي سيكون حرًّا تمامًا في البقاء داخل مجموعة الأمم البريطانية أو السَّيْر بدونها.

مؤتمر سملا

دعا الفيلد مارشال اللورد ويفل الحاكم العام للهند في صيف ١٩٤٥، زعماء الهند الهندوسيين والمسلمين خاصة رجال المؤتمر وغاندي والسيد أبو الكلام أزاد رئيس المؤتمر الوطني وزعيم المسلمين المؤيدين للوحدة الهندية، والسيد محمد علي جنه رئيس الرابطة الإسلامية وزعيم المسلمين القائلين بانفصال ولايات المسلمين عن غيرها، إلى عقد مؤتمر في سملا.

وقد أخفق مؤتمر سملا، وتألفت حكومة العمال بأغلبية ساحقة في إنجلترا وفيها الوزير ستافورد كريبس، ودُعِي اللورد ويفل الحاكم العام للهند إلى إنجلترا منذ ٢٦ أغسطس إلى منتصف سبتمبر ١٩٤٥ لكي تنفذ مقترحات ستافورد كريبس وتسوي المسألة الهندية تسوية تامة، بعد أن كان ويفل معتزمًا في عهد حكومة تشرشل وضع تسوية وقتية. ولا يزال محمد علي جنه رئيس الرابطة الإسلامية الهندية يطالب «بالباكستان»؛ أي استقلال الولايات التي غالبيتها مسلمون عن الولايات الأخرى، وعاد الوطنيون يقترحون معاهدة كمعاهدة التحالف بين مصر وإنجلترا. ومهما يكن من شيء فالمسألة الهندية في سبيل التسوية السياسية، ونحن نرجو أن يتحقق للهند استقلالها ووحدتها.

تصريح السير ستافورد كريبس

هذا وقد أكد السير ستافورد كريبس في لندن في ٤ أغسطس ١٩٤٥ «أن شئون الهند لن تكون من اختصاص وزير واحد، ولكن ستتولاها لجنة للهند مؤلفة من بعض أعضاء الوزارة البريطانية، ويرأسها المستر أتلي رئيس الوزارة، فإن الحكومة البريطانية لا ترضى بأن يكون إخفاق مشروع ويفل للهند عائقًا يحول دون القيام بعمل جديد في المسألة الهندية، ولن تبذل جهود لحمل الهند على قبول تسوية مؤقتة، بل ستعمد في الحال إلى العمل على الوصول إلى تسوية دائمة، فلقد فات أوان التسويات المؤقتة، هذا وستُنقل شئون الهند إلى وزارة المستعمرات».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤