القهوة

صحوت يا ابني من النوم؟ أعمل لك شاي؟ قهوة؟ القهوة المرَّة إيَّاها؟ آه يا ربي! يا ما نفسي تجرَّبها بالسكر، ولو ملعقة واحدة، تقوِّي دمك وتمسك أعصابك، طيب جرَّب مرة واحدة، طيب أنا نفسي العجوزة المهدمة لو شربتها عند أحد أو مع الضيوف قلت لهم يضعوا فيها ملعقتين ثلاثة، لازم الواحد يرحم قلبه، بلاش؟ طيب، على كيفك، أنت الجاني على نفسك، وعلى رأي المثل: عقلك في راسك اعرف خلاصك، طيب وحياة الحبيب النبي لو أعطوني مُلك قارون ما أشربها من غير سكر، إنما أنتم يا شبان تقتلوا أنفسكم، شبان؟ أنا قلت شبان؟ طيب والله ثلاثة أبوك الله يرحمه كان شكله أصغر منك، صحة وعافية ولا سبع الغابة، أبو زيد لكن اسم على مسمَّى، إن راح أو جاء الناس تقول شوفوا أبو زيد الهلالي! حتى وهو يطالع في الروح، نفسه شديد، عينيه عينين صقر، صدره طالع نازل ولا القفص الحديد، ولو شاف ساعتها عزرائيل كان هجم عليه وداس على رقبته لغاية ما طلَّع روحه، لكن الزمن تغيَّر، والدنيا أصبحت غير الدنيا، القهوة أهيه! أصبها لك؟ لأ؟ طيب يا ابني، أنت حر، أف! الدنيا حر هنا، أفتح لك الشباك يدخل نسمة هواء؟ لا؟ طيب باب البلكونة؟ لا؟ على راحتك، أنت ومزاجك، خلي العرق يصب عليك وبعدها تبرد وترقد في السرير وتقول يا ليتني سمعت كلامها، أصب لك القهوة بعد ما تطفئ السيجارة؟ قُطعت السجاير وسنينها ويوم ما اخترعوها، كان يوم أسود من الفحم، إيديكم بقيت فحم، صدركم فحم، أسنانكم فحم، يا ريت يا ابني تبطلها، أو حتى تقلل منها، أسكت؟ يعني كلامي دائمًا ثقيل على قلبك؟ قسمتي ونصيبي، طيب يا ابني، أروح أنا؟ أرجع على حجرتي؟ لا يلزمك شيء طيب، طيب، الله يعينك يا حبيبي، لا تسهر أكثر من اللازم، ولا تنسَ اللمبة قبل ما تنام، نسيت أسألك المغرب وجب يا ترى؟ لأ؟ نصف ساعة عليه؟ طيب أقعد معاك أسلِّيك؟ تلاقي نفسك زهقت من قعدتك لوحدك، هه! الكنبة كانت فكرتها عظيمة، الواحد يقدر يريح جنبه ويركن رأسه على كيفه، أفتح الشباك؟ حاجة بسيطة. النسمة يا ابني تغير جو الدخان، يا سلام يا أولاد، أول ما الواحد يقعد يظهر عليه تعب الدنيا كلها، نسيت أحكي لك، يعني لا سألتني ولا حاجة، وتلاقيك ولا على بالك، كانت ليلة لها العجب، نعم، نعم، ليلة أول البارحة، أما فرح ولا كل الأفراح، حاجة تشرح القلب صحيح، ناس ولا الباشوات في زمانهم، صحيح الأصل له عمل، البيت يشف ويرف، منور من بعيد ولا قصر من الجنة، والميكروفون ينادي على التائهين، أعرف أنك تكره الميكروفونات، لكن الرقص والمغنى يا ابني لازم ياخد حقه، والصوان على السطوح، العين ما تعرف له آخر، والمعازيم، ستات ورجال، شيء ما يحصره العد، تقول موج البحر! تقول رمل وبدروه على الأرض! صحيح الناس كثرت يا ابني، شيء ما له وصف، وكلهم ياكلوا الشوكولاتة ويشربوا الشربات ويتعشوا ويضحكوا ويتكلموا في نفس واحد، شيء يفرح القلب صحيح، تقول لأ؟ طول عمرك تكره الزحمة، لكن يا ابني الناس لبعضها، وبني آدم منا خلقه ربنا لأجل يعيش مع البني آدمين، هي الدنيا من غير الحبايب تساوي التراب؟ القصد، أول ما سميرة هانم لمحتني جرت عليَّ، أهلًا وسهلًا بالست أم سامي، يا ألف وثلاثمائة مرحبًا، بالحضن يا حبيبتي. ناس من أصل صحيح، ناس أكابر يفهموا في الذوق والإنسانية، وراسها وألف سيف لازم أسلِّم على العروسة، هه؟ قلت حاجة؟ لا؟ طبعًا، كانت قاعدة على الكوشة، وجهها ولا القمر، بدر ومنوَّر يا حبيبي، عمري ما عيني شافت حلاوتها ولا جمالها، رحت سلمت عليها، طبعًا، أخذتها بالحضن؟ لا والنبي، هي التي أخذتني بالحضن، ملت عليها بستها من الخدين، سألتني عنك، فيها الخير، قالت: يا ليت كان سامي معك، نزلت الدمعة فرت من عيني، سقطت على فستانها، قالت لي: الله؟ سامي جرى له حاجة؟ قلت لها: يا بنتي، سامي بخير والحمد لله، يسلِّم عليك، كذبت عليها وقلت لها عندك شغل، لولا الشغل كنت حضرت معي، وسلمت على عريسها طبعًا، شاب طيب وابن حلال، أمه داعية له قبل ما تموت، بخته من السما، مال وجمال وأخلاق، والواحد يطلب أكثر من هذا؟ وهو شاب مسكين يتيم لا أم ولا أب ولا وراءه ولا قدامه، لكن البخت والنصيب، قلت في نفسي لو كنت يا سامي في مكانه! لو كنت سمعت كلامي يا حبيبي! كانت لك وأنت لها، لائقين لبعض، حتى الطول واحد والجسم واحد، وكلنا أهل بعض، سميرة هانم على كل حال قريبتنا، وزوجها الله يرحمه كان صاحب والدك، ألف رحمة تنزل عليه، وعلى كل حال ولا كانوا طلبوا منَّا مهر ولا حاجة، الشبكة كنا دبَّرناها من أي طريق، ناس تعرف ظروفنا وتعذر حالتنا، وكلنا أهالي بعض يا حبيبي، بذمتك يا سامي، فتحية كنا بها عيب؟ بنت مؤدبة وأميرة وتحبك، أي والله تحبك، لا، لا تصدق! قلت لك والله سألتني عليك، حتى وهي على الكوشة وعريسها على شمالها سألتني عليك، بنت مؤدبة وبنت ناس وتحبك، أبعد أنا عن سيرة الحب؟ تهز رأسك؟ لولا عندك كان قلبي استراح، كان بقي لك بيت وواحدة تنتظرك وتسأل عليك، وتأخذ بالها من عيالك، في أي وقت تلاقي الأكلة حاضرة والهدمة نظيفة والبيت فيه نفس، ترجع بالليل تلاقي لمبتك مسروجة وفرشتك دافئة ولقمتك جاهزة، يعني لا ترد عليَّ، ساكت والذي في دماغك في دماغك، طيب قول كلمة واحدة، أبعد عن سيرة الزواج؟ علبة السجائر؟ يا ابني أنت شربت كثير، وصدرك بقى مثل الطاحونة، طول الليل يزيَّق، يعني الواحد يدخَّل في صدره نار؟ حرام عليك يا شيخ، طيب أبعد الدخان عن ناحيتي، يووه! والنبي ولا مدخنة الطاحونة، والأصابع، ولا الفحم المحروق، آه يا ناري لو كان أبوك شافها، كان عرف صحيح شغله معاك، تضحك؟ طول عمرك عنيد، دماغك حجر، ولا أحد يأخذ منك حق ولا باطل، نرجع للفرح، لأ؟ طيب وآخرتها معك؟ تقضي عمرك على هذا الحال؟ طول النهار قاعد قعدتك، ولا تمثال الفرعوني في زمانه، لا كلمة ولا همسة، عينيك في السقف، يا ترى شايف إيه هناك؟ ساكت ولا تتكلم ولا تكلِّم أحد، الكتاب في يدك أو الجرنال، الله يقطع سيرة الكتب والجرانيل، كوم فوق كوم، على الأرض، فوق المكتب، في الدولاب، جنب الحيطان، كتب كتب يعني أخذت منها حاجة غير ضياع العمر والصحة والكتابة ليل ونهار؟ الله يلعن المدارس وأصحابها، كان ما لنا وما لها، كنا عشنا في الأرياف، على الأقل تشم هواء نظيف وتسرح الغيط وتأكل زبدة ولحم، وتفرح وتتزوج ويصبح لك عيال وذرية. أبعد عن سيرة الزواج، أنا عارفة، الجرح هو هو في قلبك، الله يلعن التي كانت السبب، لو كنت أعرفها أو أراها قدامي، طبعًا، كنت قطعتها بأسناني، يعني كنت شحاذ وهي بنت السلطان، كلهم بنات حوَّا يا ابني، والبنات مالئة الدنيا، بس اطلب أو اتكلِّم، والله أخطبها لك، حتى لو كانت بنت السلطان، ولا قعدتك وحدك يا ابني، لا تكلم أحدًا ولا أحد يكلمك، يعني يعجبك تصبح مثل عمك سليمان، نعم جارنا عم سليمان، عجوز ومكسَّر وغلبان زمانه، يا ليتك تشوفه وهو طالع على السلِّم، البواب يسنده سلِّمة سلِّمة، لغاية ما يلفظ النفس، يأخذه من يده لغاية ما يدخل باب الشقة، وهدومه يخلعها له، لا واحدة تسليه ولا ابن يؤنسه، والعجوز الخادمة تسرقه عيني عينك، يوم الخميس ضرب الجرس فتحت له، قال لي وهو يصرخ تصوَّري يا ست أم سامي، تصوَّري، بعد العشرة الطويلة، الولية العجوز تسرقني، تغلِّي عليَّ كل حاجة، حتى علبة الكبريت تغليها عليَّ، هل فيه أحد يصدق أن ثمنها ستة مليم؟ يا عالم! يا هوه! الرحمة ضاعت، الناس ذمتها خربت، بصيت في الساعة؟ تقول المغرب وجب، طيب يا ابني، أنا قايمة أصلي، ربنا قادر يستجيب دعوتي، قادر ينوَّر قلبك ويهدي لك سكتك، قلت حاجة يا ابني؟ لأ؟ يعني كلامي كله في الهوا، يعني لا حس ولا خبر، طيب قم من مطرحك ساعة زمن، مشِّي رجليك، نزل عينيك من السقف، حكمك يا ربي! أنت حكمت علينا، أمرك يا حبيبي، هه؟ أنا بابكي، لا يا ابني، أبدًا أبدًا. ولا حاجة، دمعة وفرَّت من عيني، خلاص راحت لحالها، كان نفسي قبل ما أموت ألاقيك في وسط عيالك، أنت نسيت؟ يوم من الأيام ينتهي الأجل على كل حال، تحضر من الشغل تلاقيني، على السرير، أو يمكن على الأرض، طالع منِّي السر الإلهي. أبعد عن سيرة الموت؟ طيب يا حبيبي، أنا ماشية، قبل ما المغرب يفوت، لكن لو كنت تسمع كلامي، حتى ربنا وصَّى على الوالدين، قال في حكم كتابه وبالوالدين إحسانًا، هيه! يا أم هاشم، نفسك معنا يا بنت الحبيب، تقول أعمل لك فنجال قهوة؟ طيب أعمل فنجال حلبة أو حتى ينسون؟ لأ؟ يعني لازم القهوة تكون مُرَّة؟ هي الدنيا يا ابني ناقصة مرارة؟ طيب جرب معاها ملعقتين سكر، ولو ملعقة واحدة، لا؟ دائمًا لا؟ طيب قل كلمة واحدة، كلمة تجبر بها خاطري، أسكت أنا؟ طيب سكت، آخذ الصينية معي، أنت بتبكي؟ لأ؟ لكن الدمعة نازلة على خدك، ولا شيء؟ آخ يا ربي! لو كنت أعرف السبب! لو كنت تفتح لي صدرك، طيب طيب، أنا ماشية، خلاص سكت، مصيري في يوم أمشي من الدنيا كلها، هه؟ القهوة؟ حاضر يا ابني، مسافة ما الكنكة تسخن، بس لو كنت تشربها بسكر.

عبد الغفار مكاوي

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤