أفكار إضافية

أستطيع أن أستمر في ذكر الأمثلة. بينما أعكف على كتابة هذا الجزء في مايو ٢٠٠٨، لا تزال وسائل الإعلام ترسِّخ صورة «علاج إعجازي» (أقتبس هنا) يصدِّق على فاعليته أحدُ المشاهير لعلاج عسر القراءة، وهو علاج ابتدعه مليونير وأحد رواد الأعمال في مجال الطلاء، على الرغم من الأدلة الواهية التي تدعم تأثيره، وعلى الرغم من تعرُّض العملاء الذين يستخدمونه لخطر فقدان أموالهم على أي حال؛ لأن الشركة المنتجة له يبدو أن شركة أخرى ستستحوذ عليها لتتولَّى إدارتها وتدفع ديونها؛ وتمتلئ صفحات الجرائد الآن بقصة مدهشة حول إصبع «عاد إلى النمو مجددًا» من خلال استخدام «غبار بيكسي» وهو اسم له وَقْع علمي خاص (أقتبس مرة أخرى)، على الرغم من وجود هذا الزعم منذ ثلاث سنوات الآن، دون أن ينشر في أي دورية أكاديمية، وأن أطراف الأصابع المقطوعة تعود مرة أخرى إلى النمو مجددًا من تلقاء نفسها على أي حال. ويجري الكشف عن المزيد من فضائح «البيانات الخفية» من خزائن أسرار شركة الدواء الكبرى شهريًّا، ولا يزال المحتالون وأصحاب الأطوار الغريبة يواصلون استعراض أنفسهم على شاشات التليفزيون مقتبسين دراسات خيالية وسط استحسان عام لها؛ وسيكون ثمة مخاوف صحية جديدة دومًا؛ إذ يجري ترويجها بشكل جيد جدًّا، وتجعل الصحفيين يشعرون أنهم على قيد الحياة.

بالنسبة إلى أي شخص يشعر أن أفكاره قد واجهت تحديًا من خلال هذا الكتاب، أو مَن تَسبَّب هذا الكتاب في إغضابه — أقصد الأشخاص المشار إليهم في الكتاب، فيما أفترض — سأقول الآتي: أنتَ تفوز. أنتَ تفوز حقًّا. آمُل أن تكون ثمة مساحة متاحة أمامك لإعادة النظر، لتغيير موقفك في ضوء ما قد يمثِّل معلومات جديدة (مثلما سأفعل في سعادة، إذا كان ثمة أيُّ فرصة لتحديث هذا الكتاب). لكنك لن تحتاج إلى ذلك؛ لأنك، مثلما نعرف، تمتلك سيطرة شبه شاملة، متمثلة في المساحات المخصصة لك في جميع الصحف والمجلات في بريطانيا، والتغطيات في الصفحات الرئيسية حول قصص المخاوف الصحية الخاصة بك. إنك تتصنَّع خُيَلاء مَن هم في خارج دائرة المطَّلِعين على الأمور، على نحو غريب، وأنت جالس على أريكة برامج التليفزيون النهارية. وتكتسب أفكارُك — على الرغم مما قد تكون عليه من زَيْف — معقوليةً سطحية هائلة، ويمكن التعبير عنها في سرعة بالغة، ويجري تكرارها على نحو لا نهائي، ويصدِّقها أشخاص كثيرون جدًّا بما يكفي لتحقيق معيشة رغدة للغاية وامتلاك تأثير ثقافي عظيم. أنتَ تفوز.

ليست المشكلة في القصص الفردية الدرامية قَدْر ما هي في تكرار القصص الصغيرة الغبية المملة اليومية. لن ينتهي هذا؛ ومِن ثَمَّ سأُسيء الآن استخدام موقعي لأخبرك، في إيجاز شديد، ما أعتقد بالضبط أنه خطأ، وبعض ما يمكن عمله لإصلاحه.

لا يجري تدريس عملية الحصول على الأدلة العلمية وتفسيرها في المدارس، كما لا يجري تدريس أساسيات الطب القائم على الأدلة، وعلم الأوبئة؛ على أن هذه الأشياء هي الموضوعات العلمية التي تشغل أذهان الناس أكثر من غيرها. ليست هذه الملاحظة تخرُّصًا عقيمًا. ستتذكَّر أن هذا الكتاب قد بدأ بالإشارة إلى عدم وجود أي قطعة معروضة حول الطب القائم على الأدلة في متحف لندن للعلوم.

يُظهِر استطلاعٌ للرأي امتدَّ طوال خمسة عقود حول التغطية العلمية في فترة ما بعد الحرب في المملكة المتحدة من قِبَل المؤسسة نفسها — وهذا الاستطلاع هو آخر معلومة أضيفها في هذا الكتاب — أن في خمسينيات القرن العشرين كانت التغطية الإعلامية تدور حول الأمور الهندسية والاختراعات، لكن بحلول التسعينيات كان كل شيء قد تغيَّر. فالتغطية العلمية تميل حاليًّا إلى استقاء مادتها من عالَم الطب، وتدور القصص التي تُورِدها حول ما سوف يتسبَّب في قتلك وما سينقذ حياتك. ربما يُعتبر هذا نوعًا من النرجسية، أو الخوف، لكن علم الصحة مسألة مهمة للناس، وفي الوقت الذي نحتاج إليه أشد الحاجة، يجري تشويه قدرتنا على التفكير في الموضوع في حماس بالغ من قِبَل وسائل الإعلام، ومجموعات المصالح من الشركات، وفي حقيقة الأمر، المحتالين.

دون ملاحظة أحد، صار الهُراء قضيةً شديدة الأهمية من قضايا الصحة العامة، ولأسباب تتجاوز كثيرًا الهستيريا الواضحة للعيان حول الأضرار المباشرة، مثل مأساة الحصبة العجيبة، أو قضية ملاريا غير ضرورية لأحد مُختَصي المعالجة المثلية. ويحرص الأطباء حاليًّا — مثلما ذكرتُ في ملاحظاتنا من كلية الطب — على العمل «بالاشتراك مع المرضى نحو تحقيق نتيجة صحية مثالية.» فيناقش الأطباء الأدلة الإكلينيكية مع مرضاهم، بحيث يمكنهم اتخاذ قراراتهم الخاصة حول طرق علاجهم.

لا أتحدث عمومًا أو أكتب عن كون المرء طبيبًا — فهذا أمر يتسم بالعاطفية والملل الشديدين، ولا أملك أي رغبة في إلقاء محاضرات من موقع سلطة — لكن عند العمل في هيئة الخدمات الصحية الوطنية، يلتقي المرء بمرضى من مختلف الأنماط، بأعداد ضخمة، ويناقشون بعض أكثر الموضوعات أهمية في حيواتهم، وهو ما كان يعلِّمني دائمًا شيئًا واحدًا؛ ألا وهو أن الناس ليسوا أغبياء. يستطيع الجميع أن يفهم أي شيء، طالما يجري تفسيره على نحو واضح، بل أكثر من هذا، إذا كان لديهم الاهتمام. إن ما يحدِّد مدى استيعاب أي جمهور ليس قَدْر المعرفة العلمية المتوافرة لديهم، بل الحافزية. ومن الممكن أن يمتلك المرضى الذين يعانون مرضًا ما، والذين عليهم اتخاذ قرار مهم حيال طريقة علاجهم، حافزيَّةً مرتفعة جدًّا حقيقةً.

لكن الصحفيين وتجار العلاجات الإعجازية يسطون على عملية اتخاذ القرار المشتركة هذه، بجِدٍّ ومثابرة، خطوة خطوة، من خلال توجيه انتقادات مطوَّلة وغير حقيقية لعملية المراجعة البحثية النقدية المنهجية (نظرًا لأنهم لا يحبون نتائج دراسة واحدة فقط)، مُجرِين عملية استقراء انطلاقًا من بيانات الأوعية المختبرية غير المؤكدة، ومُحرِّفين معنى التجارب وقيمتها، ومُقوِّضين بشكل حَذِر وجماعي فهم الأمة لفكرة معنى وجود أدلة تدعم أيَّ نشاط إنساني. وفي هذا المقام يعتبر هؤلاء، من وجهة نظري، مُتَّهمين بجريمة لا تُغتفر.

ستلاحظ، مثلما آمُل، أنني مهتمٌّ أكثر بالتأثير الثقافي للأمور العبثية — إضفاء الصبغة الطبية على الحياة اليومية، وتقويض المعنى — وعمومًا أُلقي باللائمة على النُّظم أكثر مما أُلقيها على شخوص بعينهم. وبينما أخوض في خلفية بعض الأفراد، فإن الهدف من ذلك إلى حد كبير هو بيان إلى أي مدًى شُوِّهوا في وسائل الإعلام، التي تبذل قصارى جهدها لتقديم شخصياتها المفضلة التي تتمتع بسلطة علمية باعتبارها شخصيات تعبِّر عن آراء شائعة في المجتمع. لا يدهشني وجود رواد أعمال أفراد، لكن لا يعجبني أن تأخذ وسائل الإعلام أطروحاتهم على محمل الصحة. ولا يدهشني أن ثمة أشخاصًا يمتلكون أفكارًا غريبة عن الطب، أو يروِّجون لهذه الأفكار. لكن ما لا يعجبني على الإطلاق بصورة هائلة، وشديدة، وغير خفية، هو بدء إحدى الجامعات في طرح دورات دراسية في العلوم لمنح درجات علمية في هذه الأفكار. لا أُلقي باللائمة على الصحفيين الأفراد (في الأغلب الأعم)، لكنني أُلقي باللائمة على نُظُم كاملة من المحرِّرين، والأشخاص الذين يشترون صحفًا لديها قِيَم يُقرَّون بازدرائهم لها. وتحديدًا، لا أُلقي باللائمة على أندرو ويكفيلد في المخاوف حيال التطعيم الثلاثي (على الرغم من قيامه بأشياء يستحق اللوم عليها)، ولا أجد الأمر مقبولًا على الإطلاق — دعنا نَكُن في غاية الوضوح مرة أخرى — أن تُسرِّع وسائل الإعلام الآن من وتيرة إلقاء المسئولية الحصرية عليه فيما ارتكبوه من جرائم، فيما يتعلق بهذه الفضيحة.

بالمثل، بينما قد أذكر بعض القصص حول عملاء معالِجي الطب البديل الذين تُوُفُّوا من غير ضرورة، يبدو لي أن الأشخاص الذين يُقَرِّرون الذهاب إلى معالِجي الطب البديل (فيما عدا مُختَصي العلاج بالتغذية، الذين عملوا بِجِدٍّ «خالص» لإرباك العامة والترويج لأنفسهم باعتبارهم ممارسين للطب التقليدي القائم على الأدلة) يتخذون هذا القرار بأعين مفتوحة، أو على الأقل، نصف مغمضين. من وجهة نظري، لا يُعتبر هذا موقفَ استغلال من رجال الأعمال للأشخاص الأكثر هشاشة في المجتمع، لكنه — مثلما أظل أقول — أكثر تعقيدًا من ذلك قليلًا. نحن نحب هذه الأشياء، ونحبها لأسباب مثيرة، قد نقضي المزيد من الوقت في التفكير والحديث عنها.

يتحدَّث الاقتصاديون والأطباء عن «تكاليف الفرصة»؛ الأشياء التي كان بإمكانك عملها، لكنك لم تفعل؛ لأنك كنت مشغولًا بعمل شيء أقل فائدةً. في رأيي، يتمثَّل التصور الأمثل لفهم الضرر الأكبر الذي يشكِّله فيضان الهُراء الذي شهدناه حتى الآن في هذا الكتاب فيما يُسمَّى «تكلفة الفرصة الخاصة بالهراء».

لقد صار لدينا إلى حدٍّ ما هوسٌ جماعي بهذه الهراءات الفردية العبثية التي لا يكاد يوجد ما يدعمها سوى أدلة واهية في الحَمِيَّات الغذائية؛ ما يصرف انتباهنا عن نصائح التغذية الصحية البسيطة، لكنَّ أكثر من ذلك — مثلما رأينا — أنه يصرف ناظرَيْنا عن عوامل الخطورة المهمة الأخرى في أسلوب الحياة، وهي العوامل التي تُفضي إلى صحة متردية لا يمكن الترويج لها، أو تسليعها.

وقع الأطباء، بالمثل، في أَسْر النجاح التجاري لمعالجي الطب البديل. لقد كان باستطاعتهم التعلُّم من أفضل البحوث التي أُجريت على أثر العلاج الوهمي، ورد الفعل إزاء المعنى في العلاج، وتطبيق ذلك على الممارسة الإكلينيكية اليومية، بما يؤدي إلى تعزيز العلاجات التي تُعَد هي نفسها فعَّالة أيضًا، لكن بدلًا من ذلك، ثمة صرعة منتشرة بين عدد هائل من الأطباء تتمثَّل في الإفراط في الخيالات الطفولية حيال الأقراص السحرية، أو جلسات التدليك، أو الإبر. ولا تُعتبر هذه رؤية تقدمية، أو شاملة، ولا تُجدي نفعًا حيال الطبيعة غير العلاجية للاستشارات المتسرِّعة في مبانٍ متهالكة. تتطلَّب هذه الرؤية أيضًا، بصورة دائمة، الكذب على المرضى. فمثلما تشير مجلة «ذي إيكونوميست»: «تتمثَّل التكلفة الحقيقية للشيء فيما تتخلَّى عنه كي تحصل عليه.»

على نطاق أوسع، يغضب كثير من الناس حيال شرور صناعة الدواء، ويشعرون بالقلق حيال دَوْر الربح في الرعاية الصحية، إلا أنَّ أيًّا من هذا ليس سوى أفكار حدسية غير محددة الشكل وغير قابلة للقياس؛ لذا يجري تصريف — إهدار — الطاقة السياسية القيمة التي تنبثق عن هذا الغضب العارم عبر موضوعات طفولية، مثل الخواص الإعجازية لأقراص الفيتامين، أو شرور التطعيم الثلاثي. فليس معنى أن الشركات الكبرى قد تتصرَّف على نحو سيِّئ أن الأقراص السكرية تنجح بصورة أفضل من العلاج الوهمي، كما لا يعني أن التطعيم الثلاثي يسبِّب التوحد. فأيًّا ما كان يحاول تجار الأقراص الأثرياء إخبارك به، من خلال نظرياتهم التآمرية حول بناء العلامات التجارية، لا «تخافُ» شركات الدواء الكبرى من صناعة أقراص المكملات الغذائية، بل إن صناعة أقراص المكملات الغذائية هي مَن تخاف. بالمثل، لا تخاف شركات الدواء الكبرى على أرباحها؛ لأن الرأي العام قد انقلب على التطعيم الثلاثي. إذا كانت هذه الشركات يساورها أي شعور، فهو شعور بأن العامة متهوِّسون بالتطعيم الثلاثي؛ ومِن ثَمَّ انصرف تركيزهم عن القضايا الحقيقية الأكثر تعقيدًا بكثير المتصلة بصناعة الدواء وتنظيم ممارساتها غير الملائم.

وحتى نخوض في عملية سياسية لإدارة شرور شركات الدواء الكبرى بشكل ذي معنًى، نحتاج إلى فَهْم القليل عن مسألة الأدلة، حينها فقط يمكننا أن ندرك لماذا تُعتبر الشفافية أمرًا في غاية الأهمية في مجال البحوث الدوائية، على سبيل المثال، أو تفاصيل طريقة إنجاح ذلك، أو نبتدع حلولًا جديدة تتَّسم بالخيال.

لكن التكلفة العظمى للفرصة تتأتَّى، بالطبع، من خلال وسائل الإعلام، التي خذلتِ العلم بصورة مدهشة، من خلال عرض الأشياء بشكل خاطئ، وتخفيف الجرعة الفكرية. لن تحسِّن أي جرعة تدريبية من القصص غير الدقيقة على الإطلاق؛ إذ إن الصحف تضم بالفعل مراسلين متخصصين في الشئون الصحية والعلمية يفهمون الأمور العلمية. وسيجنِّب المحرِّرون دومًا — على نحو استغلالي — هؤلاء المراسلين، ويوزعون قصصًا غبية على الصحفيين غير المتخصصين؛ وذلك لسبب بسيط؛ ألَا وهو أنهم يريدون قصصًا غبية. فالعلم يتجاوز أُفُقهم الفكري؛ لذا يفترضون إمكانية اختلاق العلم على أي حال. وفي عصر يحرص الإعلام التقليدي كل الحرص على استمراره، تُقوَّض مزاعمُ الإعلام إلى حدٍّ ما بكونه الحارس الهُمام للمعلومات من خلال محتوى كل عمود صحفي أو تعليق في مدونة كتبتُه.

ولجميع الأكاديميين والعلماء من كل الأطياف، أقول الآتي: لا يمكنك أبدًا منع الصحف من نشر الهُراء، لكن يمكنك إضافة رؤيتك إلى هذا المزيج. راسِلْ قسم الموضوعات المطولة عبر البريد الإلكتروني. هاتِفْ قسم الأخبار الصحية (يمكنك أن تجد رقم مكتب تحويل المكالمات في صفحة بريد القراء في أي صحيفة)، وقدِّم إليهم مقالًا عن شيء شائق في مجالك، سيخذلونك، حاول مجددًا. يمكنك أيضًا أن تُذعن للقواعد بألَّا تكتب بيانات صحفية غبية (ثمة قواعد إرشادية موسَّعة للتواصل مع وسائل الإعلام عبر الإنترنت)، ومن خلال توضيحك ما التصور الذي تتضمنه مناقشاتك، ومن خلال تقديم بيانات المخاطر باعتبارها «معدلات طبيعية»، إلخ. وإذا شعرتَ أن أعمالك — أو حتى مجال تخصصك — قد جرى تشويهها، فتقدَّم بشكواك، اكتُبْ إلى المحرِّر، إلى الصحفي، إلى صفحة بريد القراء، إلى محرِّر القراء، إلى لجنة الشكاوى الصحفية؛ انشر بيانًا صحفيًّا تبيِّن فيه أسباب سخف القصة المنشورة، واطلب من مكتبك الصحفي إثارة البلبلة حول الصحيفة أو المحطة التليفزيونية، واستخدِمْ لقبك (شيء محرج أن يكون من السهل هكذا ترك انطباع مؤثر من خلاله)، واعرِضْ عليهم أن تكتب شيئًا بنفسك.

ولعل كبرى المشكلات في ذلك على الدوام هي تخفيف الجرعة الفكرية. فكل شيء في الإعلام يُجرَّد من أي جوهر علمي، في محاولة يائسة لإغواء جمهور وهمي غير مهتم. ولِمَ يجب أن يهتموا؟ يجري تجاهل العلماء المتقوقعين، الأشخاص الذين درسوا الكيمياء الحيوية لكنهم يشغَلون الآن مناصب الإدارة الوسطى في وولورثس، ولا يحصلون على أي قَدْر من التحفيز، ومنبوذون. ثمة أشخاص أذكياء في كل مكان في حاجة إلى التحفيز؛ للحفاظ على حيوية معرفتهم وشغفهم بالعلم، ويأتي تجاهلهم على حساب تكلفة خطيرة للمجتمع. وقد فشلتِ المؤسسات في هذا المقام. كانت جماعة «انخراط العامة في العلم» المُتْرَفة والمموَّلة جيدًا أسوأ من أن يُقال عنها عديمة النفع؛ لأنها هي أيضًا متهوِّسة بتوصيل الرسالة إلى الجميع، ونادرًا ما تقدِّم محتوًى محفِّزًا للأشخاص المهتمِّين بالفعل.

أنت الآن لا تحتاج إلى هؤلاء الأشخاص. أَنشِئ مدونةً. لن يهتم الجميع، لكن سيهتم البعض، وسيعثرون على عملك. فالقدرة على الاطِّلاع المباشر على الخبرة المتخصصة هي المستقبل. ومثلما تعرف، ليس العلم صعبًا — فالأكاديميون حول العالَم يشرحون أفكارًا في غاية التعقيد لأشخاص جهلاء في الثامنة عشرة من عمرهم كل سبتمبر — كل ما يحتاجه الأمر التحفيز. أقدِّم لك التسجيل الصوتي على الإنترنت للمنظمة الأوروبية للبحوث النووية (سيرن)، والذي يضم سلسلة محاضرات «العلم في المدينة» في صورة ملفات «إم بي ثري»، ومدونات للأساتذة الأكاديميين، ومقالات بحثية في مجلات أكاديمية مفتوحة المصدر مقدَّمة من مكتبة العلوم العامة، ومحفوظات فيديو على الإنترنت لمحاضرات مشهورة، والنسخ المجانية من مجلة «سجنيفيكانس» التي تُصدرها الجمعية الإحصائية الملكية، والكثير والكثير، كل ذلك متوافر، في انتظار اطِّلاعك عليه. ليست هناك أرباح مادية تتحقَّق لك من وراء ذلك، لكنك كنتَ تعرف ذلك عندما سلكتَ هذا المسار. ستقوم بهذا لأنك تعرف أن المعرفة شيء جميل، ولأنه إذا شاركك مائة شخص فقط شغفك؛ فهذا كافٍ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤