الفصل الحادي عشر

هل الطب التقليدي شرٌّ؟

إذن، كانت تلك هي صناعة العلاج البديل. يطرح ممارسوه مزاعمهم مباشرة على العامة؛ لذا يحظَوْن برأس مالٍ ثقافي أكبر، وبينما يستخدمون حِيَل الصناعة نفسَها المستخدَمة في صناعة الدواء — مثلما رأينا — تُعتبر استراتيجياتهم وأخطاؤهم أكثر وضوحًا؛ لذا يصلحون كأداة تعليم ملائمة. والآن، مرة أخرى، علينا أن نرفع سقف اللعبة.

في هذا الفصل سيكون عليك أن تتسامى أيضًا عن نرجسيتك؛ فلن نتحدَّث عن أن الممارِس العام الخاص بك يكون متسرعًا في بعض الأحيان، أو أن طبيبك الاستشاري كان فظًّا معك. لن نتحدث عن أن أحدًا لم يستطع تحديد ما ألمَّ بركبتك، ولن نناقش حتى الفترة التي استغرقها أحدُ الأطباء في إساءة تشخيص مرض السرطان لدى جدِّك، ليعانيَ دون داعٍ لشهور طويلة قبل أن يُمنَى بوفاة مؤلمة، دموية مهينة لا يستحقها في نهاية حياة مفعمة بالجد والحب.

تحدُث أشياء مريعة في الطب، عندما تجري الأمور على ما يرام مثلما تجري على غير ذلك. ويتفق الجميع على أننا يجب أن نعمل على التقليل من الأخطاء، ويتفق الجميع على أن الأطباء يكونون في بعض الأحيان في منتهى السوء. إذا جذبك هذا الموضوع، فإذن أشجعك على شراء أحد الكتب العديدة حول الحَوْكمة الإكلينيكية. ربما يكون الأطباء في منتهى الفظاعة، وربما تكون الأخطاء قاتلة، لكن الفلسفة التي يعتمد عليها الطب القائم على الأدلة ليستْ كذلك. فما مدى جودة أدائها؟

أحد الأشياء التي يمكن قياسُها هو إلى أي حدٍّ تعتمد الممارسة الطبية على الأدلة. ليس هذا سهلًا؛ فوفق حالة المعرفة الحالية، تتضمَّن حوالي نسبة ١٣ في المائة من جميع «العلاجات» أدلةً وجيهة، فيما يوجد نسبة ٢١ في المائة أخرى من المرجح أن تكون مفيدةً. لا يبدو هذا واعدًا، لكن يبدو أن العلاجات الأكثر شيوعًا تميل إلى الاعتماد على قاعدة أدلة أفضل. ثمة طريقة أخرى في القياس تتمثَّل في بحث حجم «النشاط» الطبي الذي يعتمد على الأدلة، وفحص مرضى متتالين، في عيادة خارجية في أحد المستشفيات على سبيل المثال، وفحص تشخيصهم، وأي العلاجات جرى تلقِّيها، ثم البحث فيما إذا كان قرار العلاج قائمًا على الأدلة. تطرح هذه الدراسات الواقعية رقمًا ذا معنًى أكثر؛ وقد أُجريت العديد منها خلال التسعينيات من القرن العشرين، واتضح، بناءً على التخصص، أن ما بين ٥٠ و٨٠ في المائة من النشاط الطبي كله «قائم على الأدلة». لا تزال هذه نسبة غير عظيمة، وإذا كان لديك أيُّ أفكار عن كيفية تحسينها، رجاءً اكتب عنها.١

ثمة مقياس آخر جيد يتمثَّل فيما يحدث عندما لا تسير الأمور على ما يرام. ربما تُعتبر دورية «بريتش ميديكال جورنال» أهم الدوريات الطبية في المملكة المتحدة، وقد نَشرتْ مؤخرًا الأوراق البحثية الثلاث الأكثر انتشارًا من أرشيفها لعام ٢٠٠٥، وفق عملية مراجعة تضمَّنتْ عملية تقييم لاستخدامها من قِبَل القُرَّاء، وعدد المرات التي أُحِيل إليها عن طريق أبحاث أكاديمية أخرى، إلخ. وتتضمَّن كلُّ واحدة من هذه الأوراق الثلاث نقدًا إما لدواء، أو شركة دواء، أو نشاط طبي كموضوعٍ رئيسي لها.

يمكن أن نستعرضها سريعًا؛ حتى يمكنك أن ترى بنفسك مدى ارتباط الأوراق البحثية الأكثر أهميةً المستقاة من أكثر الدوريات الطبية أهميةً، باحتياجاتك. كانت الورقة البحثية التي حقَّقتْ مركز الصدارة عبارة عن دراسة حالة مقارنة أظهرتْ أن المرضى قد تعرَّضوا لنسبة أعلى من خطر النوبات القلبية؛ إذ كانوا يتناولون أدوية روفيكوكسيب (فيوكس)، أو دكلوفيناك، أو أيبوبروفين. وجاءت في المركز الثاني ورقة بحثية عبارة عن تحليل ماورائي موسَّع حول بيانات شركات الدواء، لم تُظهر أي دليل على أن أدوية «إس إس آر آي» المضادة للاكتئاب تزيد من مخاطر الانتحار، إلا أنها وجدتْ دليلًا ضعيفًا على زيادة خطر إيذاء الذات العمدي. في المركز الثالث جاءت مراجعةٌ بحثية منهجية أظهرت «ارتباطًا» بين محاولات الانتحار واستخدام أدوية «إس إس آر آي»، وسلَّطت الضوء بشكل نقدي على بعض أوجه القصور وعدم الدقة في بيان حالات الانتحار في التجارب الإكلينيكية.

هذا تقييم ذاتي نقدي، وهو صحي جدًّا، لكن ستلاحظ شيئًا آخر: تدور هذه الدراسات جميعًا حول سياقات حَجَبتْ أو شوَّهت شركاتُ الدواء الأدلةَ فيها. كيف يحدث هذا؟

(١) صناعة الدواء

خُدَعُ الصناعة التي سنناقشها في هذا الفصل ربما تكون أكثر تعقيدًا من معظم الأشياء الواردة في الكتاب؛ لأننا سنقدِّم انتقادات فنية للأدبيات المهنية للصناعة. من الأمور المحمودة أن شركات الدواء لا تعلن عن منتجاتها مباشرةً للعامة في المملكة المتحدة — في أمريكا يجد المرء إعلانات عن أقراص القلق للكلاب — لذا نحلِّل الخُدَع التي يمارسونها مع الأطباء، وهو جمهور في وضعٍ أفضل قليلًا لإثبات ادِّعاءاتهم. وهذا يعني أن علينا أن نشير أولًا إلى خلفيةٍ ما حول كيفية ظهور عقَّار ما في السوق. هذا أمر سيُدرَّس لك في المدرسة عندما أُصبح رئيسًا لحكومة العالَم الموحَّدة.

يُعتبر فهم هذه العملية مهمًّا لسبب واضح جدًّا. يبدو لي أن الكثير من الأفكار الغريبة التي يمتلكها الناس حيال الطب تعود إلى صراع عاطفي مع فكرة وجود صناعة دواء من الأساس. فمهما كانت انتماءاتنا السياسية، يعتبر الجميع اشتراكيين عندما يتعلَّق الأمر بالرعاية الصحية؛ فنحن جميعًا نشعر بالقلق من أن تلعب الأرباح أيَّ دور في مِهَن الرعاية، لكن ذلك الشعور لا يُفضي إلى شيء. إن شركات الدواء الكبرى شرٌّ. أوافق على تلك الفكرة، لكن لأن الناس لا يفهمون بالضبط «كيف» تكون شركات الدواء الكبرى شرًّا، ينحرف غضبهم وسخطهم بعيدًا عن النقد السليم — كدَوْرها في تشويه البيانات، على سبيل المثال، أو حجب أدوية تنقذ الحياة من براثن مرض الإيدز عن العالَم النامي — ويُعَبَّر عن ذلك من خلال خيالات طفولية. ثمة استدلال منطقي يقول: «شركات الدواء الكبرى شرٌّ؛ ومِن ثَمَّ فإن المعالجة المثلية تُجدِي نفعًا، فيما يسبِّب التطعيمُ الثلاثيُّ التوحُّدَ.» ربما لا يُعَدُّ هذا مفيدًا.

في المملكة المتحدة، صارت صناعةُ الدواء ثالثَ أكثر نشاط مربح بعد نشاطَيِ التمويل والسياحة؛ وتلك الأخيرة تُعَدُّ مفاجأة إذا كنتَ تعيش هنا. فنحن ننفق ٧ مليارات استرليني سنويًّا على الأدوية الصيدلانية، ويذهب ٨٠ في المائة من هذا العائد إلى الأدوية الحاصلة على براءات اختراع، وهي أدوية أُنتجتْ في السنوات العشر الأخيرة. وتبلغ قيمة الصناعة عالميًّا حوالي ١٥٠ مليار جنيه استرليني.

ينتمي الناس إلى مشارب مختلفة، لكن جميع الشركات تستهدف تعظيم أرباحها، وهو ما لا يتوافق في الغالب مع فكرة رعاية الناس. يأتي مثال متطرف على ذلك من خلال مرض الإيدز. مثلما ذكرتُ على نحو عابر، توضِّح شركات الدواء أنها لا تستطيع منح ترخيص أدوية الإيدز لدول العالَم النامي؛ نظرًا لاحتياجها إلى المال العائد من المبيعات من أجل أغراض البحوث والتطوير. لكن من مبيعات الشركات الأمريكية الكبرى التي يبلغ حجمها ٢٠٠ مليار دولار، تنفق هذه الشركات ما لا يزيد على ١٤ في المائة فقط على البحوث والتطوير، مقارنةً بنسبة ٣١ في المائة على التسويق والجوانب الإدارية.

تحدِّد الشركات أيضًا أسعار منتجاتها بطرقٍ قد ترى فيها استغلالًا. فبمجرد ظهور الدواء في السوق، يظل الدواء خاضعًا لحقوق «براءة الاختراع» مدة عشر سنوات، وتصبح الشركة هي الجهة الوحيدة المسموح لها بصناعة الدواء دون غيرها. يُعتبر «لوراتادين»، الذي تنتجه شركة شرينج-بلاو، دواءً فعَّالًا مضادًّا للهيستامين لا يتسبب في الأثر الجانبي المزعج المتمثل في الخمول الذي تتسبَّب فيه مضادات الهيستامين. وقد ظلَّ علاجًا فريدًا لفترة من الوقت، وعليه طَلَبٌ مرتفع. وقبل أن تنتهي فترة براءة الاختراع، رُفِع ثمن الدواء ثلاث عشرة مرة خلال خمس سنوات فقط؛ حيث زاد السعر بأكثر من ٥٠ في المائة. ربما ينظر البعض إلى ذلك باعتباره تربُّحًا.

لكن صناعة الدواء في مأزق أيضًا حاليًّا؛ فقد وصل العصر الذهبي للطب إلى محطة توقُّف — مثلما ذكرنا — وتضاءل عدد الأدوية الجديدة، أو «الكيانات الجزيئية الجديدة»، المسجَّلة من خمسين دواءً سنويًّا في تسعينيات القرن العشرين إلى حوالي عشرين دواءً حاليًّا. في الوقت نفسه، تصاعد عدد «الأدوية المقلَّدة»، ليشكِّل نصف عدد الأدوية الجديدة إجمالًا.

تُعتبر الأدوية المقلَّدة عاملًا حتميًّا في السوق؛ وهي عبارة عن نُسَخ من الأدوية المتوافرة في السوق، تُصنِّعها شركة أخرى، لكنها مختلفة بما يكفي لجعل المصنع الأصلي قادرًا على أن يدَّعي ملكية براءة اختراعها. تتطلَّب هذه الأدوية مجهودًا هائلًا لإنتاجها، وتحتاج إلى اختبارها (على مشاركين من البشر، في ظل جميع الأخطار المصاحبة) وتجربتها، وتطويرها، وتسويقها مثل أي عقَّار جديد. في بعض الأحيان تحقِّق هذه الأدوية فوائد متواضعة (نظام جرعات مريح أكثر، على سبيل المثال)، لكن على الرغم من العمل الشاق الذي يتخلَّله إنتاج هذه الأدوية، لا تمثِّل هذه الأدوية فتحًا علميًّا كبيرًا في مجال الصحة الإنسانية بشكل عام، بل فتحًا في جلب الأموال فقط. من أين تأتي كل هذه الأدوية؟

(١-١) رحلة عقَّار

بادئ ذي بدء، لا بد من وجود فكرة عقَّار. يمكن أن يأتي ذلك من أي عدد من الأماكن: جزيء في نبات؛ أحد المستقبلات في الجسد التي يعتقد المرء أن بإمكانه بناء أحد الجزيئات لإقامة سطحٍ للتواصل معه؛ دواء قديم حاول المرء التلاعب فيه بإدخال بعض التعديلات عليه، إلخ. هذا الجزء من القصة شائق جدًّا، وأُوصي بالحصول على درجة علمية فيه. عندما يعتقد الباحث أن لديه جزيئًا سيحقِّق ريادةً في السوق، يُجري عليه اختبارًا على الحيوانات؛ ليرى إذا كان سيُفلح في علاج أيٍّ مما كان يظن الباحث أنه يعالجه (وليرى إذا كان يقتل حيوانات التجارب أم لا بالطبع).

بعد ذلك ينفِّذ الباحث المرحلة (أ)، وهي التوسع بالدراسات لتشمل البشرَ لأول مرة لتُجرَى على عدد صغير من الشباب الشجاع، الذي يتمتع بالصحة، ويحتاج إلى المال، أولًا لاختبار ما إذا كان الدواء يقتلهم، وأيضًا لقياس الأشياء الأساسية مثل مدى سرعة إفراز الدواء من الجسد (هذه هي المرحلة التي لم تَسِرْ على ما يُرام على الإطلاق في اختبارات دواء «تي جي إن ١٤١٢» في عام ٢٠٠٦؛ إذ تضرَّر الكثير من الشباب على نحو بالغ). إذا نجحتْ هذه المرحلة، ينتقل الباحث إلى المرحلة (ب) في التجربة، مختبِرًا العقَّار على بضع مئات من الأشخاص المصابين بالمرض ذي الصلة، باعتبار ذلك «إثباتًا لصحة المفهوم»؛ للتوصل للجرعة المحددة، وللنظر فيما إذا كان الدواء فعَّالًا أم لا. ولا تتمكن «الكثير» من الأدوية من تخطِّي هذه المرحلة، وهو أمرٌ مَشِين، بما أن هذا لا يُعتبر مشروعًا علميًّا في الشهادة الثانوية؛ فتقديم دواء جديد للسوق يتكلَّف حوالي ٥٠٠ مليون دولار أمريكي إجمالًا.

بعد ذلك ينتقل الباحث إلى المرحلة (ﺟ)، باستخدام العلاج على مئات أو آلاف المرضى، الموزَّعين بشكل عشوائي، ولا يعرفون بتناولهم الدواء، مع مقارنة أثر الدواء مع علاج وهمي، أو علاج شبيه، وجمع مزيد من البيانات حول فاعلية وأمان الدواء. ربما يحتاج الباحث لإجراء بضع اختبارات من قبيل ذلك، ثم يتقدَّم بطلب ترخيص بيع الدواء. وبعد ظهور الدواء في السوق، يجب إجراء المزيد من التجارب، وسيُجري أشخاص آخرون على الأرجح تجارب ودراسات أخرى على الدواء أيضًا، ومن المتوقَّع أن يظل الجميع منتبهين تحسبًا لأي آثار جانبية لم يَجْرِ ملاحظتها من قبلُ، مشيرين إلى مثل هذه الآثار باستخدام «نظام البطاقة الصفراء» (يستطيع المرضى أن يستخدموا هذا النظام أيضًا، بل أرجوكَ أن تفعل ذلك. النظام متوافر على: http://yellowcard.mhra.gov.uk).

يتخذ الأطباء قراراتهم المنطقية حول ما إذا كانوا يريدون وصف دواء بناءً على مدى ثبوت جودته أثناء التجارب، وإلى أي مدًى تُعتبر الآثار الجانبية ضارة، وفي بعض الأحيان يجري النظر إلى التكلفة. وفي الحالات المثالية، سوف يحصل الأطباء على معلوماتهم حول فاعلية الدواء من خلال دراسات منشورة في مجلات أكاديمية تخضع لمراجعة الأقران، أو من مصادر أخرى مثل الكتب الأكاديمية المقرَّرة ومقالات المراجعة النقدية التي تعتمد في حد ذاتها على بحوث أولية مثل التجارب. وفي أسوأ الأحوال، سيعتمد الأطباء على أكاذيب مندوبي مبيعات الدواء والخبرة السماعية.

غير أن تجارب الدواء مكلِّفة؛ لذا فإن نسبة ٩٠ في المائة من تجارب الدواء الإكلينيكية، و٧٠ في المائة من التجارب التي تُنشر في المجلات الطبية الكبرى، يتم إجراؤها أو تمويلها أو الاتفاق عليها من قِبَل شركات صناعة الدواء. من السمات الرئيسية للعلم أن النتائج يجب أن تكون قابلة للتكرار، لكن إذا كانت ثمة مؤسسة واحدة فقط تموِّل التجارب، فلا تصبح هذه السمة موجودة.

يسهُل إلقاء اللوم على شركات الدواء — على الرغم من أنه يبدو لي أن الدول ومنظمات المجتمع المدني تتحمَّل القدْر نفسه من اللوم هنا لعدم تمويل تجارب الدواء — لكن أيًّا ما كان الموضع الذي ترسم عنده حَدَّك الأخلاقي الفاصل، فإن المحصلة النهائية أن شركات صناعة الدواء تمتلك نفوذًا هائلًا على ما يجري بحثه من أدوية، وكيف يجري بحثها، وكيف يجري نشر نتائج البحوث، وكيف يجري تحليل النتائج، وكيف يجري تفسيرها.

في بعض الأحيان قد لا تُبحث مجالات محدَّدة بأكملها؛ نظرًا لغياب التمويل، ومصالح الشركات. وسيخبرك مُختَصُّو المعالجة المثلية والمحتالون ممن يبيعون أقراص الفيتامين أن أقراصهم تعتبر مثالًا جيدًا لهذه الظاهرة. وتلك إهانة أخلاقية للأمثلة الأفضل. هناك أمراض تصيب عددًا محدودًا من الناس؛ مثل مرض جنون البقر البشري ومرض ويلسون، لكن ما يثير الصدمة حقًّا هو الأمراض التي تُهمَل لأنها لا توجد إلا في العالَم النامي، مثل مرض تشاجاس (الذي يهدِّد حياة ربع سكان أمريكا اللاتينية)، وداء المِثْقَبِيَّات (الذي يسجِّل ٣٠٠ ألف حالة سنويًّا، ولكن في أفريقيا). ويقدِّر المنتدى العالمي للبحوث الصحية أن ما لا يزيد على ١٠ في المائة من العبء الصحي في العالم يتلقَّى ٩٠ في المائة من إجمالي تمويل البحوث الطبية الحيوية.

غالبًا ما تكون المعلومات فقط هي الغائبة، وليس عدم توافر جزيء جديد مدهش. فيُقدَّر أن تشنُّج الحمل، على سبيل المثال، يتسبَّب في ٥٠ ألف حالة وفاة أثناء فترة الحمل حول العالَم سنويًّا، والعلاج الأفضل إلى حدٍّ بعيد هو كبريتات المغنسيوم الرخيص الثمن، الذي لا يخضع لأي براءة اختراع (ويجري تناوله من خلال الأوردة بجرعات كبيرة. بعبارة أخرى: ليس مكمِّلًا من مكملات الطب البديل، ولكن أيضًا ليس من مضادات التشنجات الباهظة التي استُخدمتْ لعقود طويلة). وعلى الرغم من استخدام المغنسيوم لعلاج تشنُّج الحمل منذ عام ١٩٠٦، لم يُرسَّخ وضعه كأفضل علاج إلَّا بعد قرن في عام ٢٠٠٢، بمساعدة منظمة الصحة العالمية؛ نظرًا لغياب أي مصلحة تجارية فيما يتعلق بمسألة البحث؛ فلا تملك أي جهة براءة اختراع للمغنسيوم، والغالبية العظمى من حالات الوفاة جراء مرض تشنُّج الحمل تتركَّز في العالَم النامي. وقد قضتْ ملايين النساء جراء المرض منذ عام ١٩٠٦، وكان يمكن تفادي العديد من تلك الوفيات.

إلى حدٍّ ما تُعَدُّ هذه موضوعات سياسية وتنموية، يجب أن نترك مناقشتها لوقت لاحق، وها هو وَعْد عليَّ أن أُوفي به: أنت تريد أن تتمكَّن من أخذ المهارات التي تعلَّمتُها حول حجْم الأدلة والتحريفات في البحوث، وتفهم كيف تحرِّف شركات صناعة الدواء البيانات وتخدعك. كيف ستثبت هذا؟ صحيح أن تجارب شركات الدواء، بوجه عام، تُسفِر على الأرجح عن نتائج إيجابية للأدوية التي تختبرها. لكن أن يُترك الأمر عند هذا الحدِّ دون بحث، فإن ذلك يُعتبر من قبيل الحماقة والتراخي الفكري.

ما أُوشِك على أن أخبرك إياه هو ما أدرِّسه لطلاب كلية الطب والأطباء — هنا وهناك — في محاضرة أُطلِقُ عليها على نحوٍ طفولي «هراء شركات الدواء». وهذا، بدوره، ما تعلمتُه في كلية الطب،٢ وأعتقد أن أسهل الطرق على الدوام لفهم الموضوع هو أن تضع نفسك موضع باحث في إحدى شركات الدواء الكبرى.

لديك قُرص، حسنًا، ربما ليس على قدر كبير من الفاعلية، لكن من المحتمل أن يحقِّق لك أرباحًا طائلة. تحتاج إلى تحقيق نتائج إيجابية، لكن جمهورك ليس من مُختَصي المعالجة المثلية، أو الصحفيين، أو العامة، بل من الأطباء والأكاديميين؛ لذا درِّبوا على اكتشاف الخُدَع الواضحة؛ مثل «عدم تعمية المشاركين»، أو «عملية توزيع عشوائي غير مناسبة»؛ لذا يجب أن تكون الخُدَع التي ستمارسها أكثر براعةً بكثير، وأكثر خبثًا، ولكن في غاية القوة والتأثير في كل شيء.

ماذا يمكن أن تفعل؟

حسنًا، أولًا يمكنك أن تُجري الدراسة على فئات معروفة بتحقيق نتائج إيجابية. يستجيب الأشخاص المختلفون بصورة مختلفة إلى الأدوية؛ غالبًا ما لا يُرجى أملٌ من كبار السن الذين يتناولون الكثير من الأدوية، بينما يميل الشباب الذين يعانون من مشكلة مرضية واحدة فقط إلى إظهار تحسُّن على نحو أكبر؛ لذا، لا تجرِّب دواءك إلَّا على المجموعة الأخيرة. سيجعل ذلك بحثك أقلَّ قابلية في تطبيقه على الأشخاص الفعليين الذين يصف لهم الأطباء الأدوية، لكن، أملًا، لن يلاحظوا ذلك. وهذه مسألة شائعة جدًّا على نحو لا يكاد يحتاج إلى تقديم مثال.

بعد ذلك يمكن مقارنة الدواء بدواء ضابط لا قيمة له. سيدفع الكثيرون، على سبيل المثال، بأنك يجب ألا تقارن الدواء «أبدًا» بعلاج وهمي؛ لأن ذلك لا يثبت شيئًا ذا قيمة إكلينيكية؛ ففي العالَم الواقعي، لا يأبَه أحدٌ إذا كان الدواء أفضل من قرص سكري، كل ما يأبهون له فقط هو ما إذا كان الدواء الجديد أفضل من أفضل علاج متوافر حاليًّا. لكنك أنفقتَ مئات الملايين من الدولارات حتى يظهر هذا الدواء في السوق، إذن أَجْرِ الكثير من التجارب التي يُستخدم فيها علاج وهمي كعنصر ضابط، وأَثِرْ ضجَّة كبيرة حولها؛ لأنها تضمن عمليًّا تحقيق نتائج إيجابية. مرة أخرى، هذا شيء معروف جدًّا؛ لأن معظم الأدوية تقريبًا ستُقارَن بعلاج وهمي في مرحلة ما من مراحل تطويرها، ويحب «مندوبو مبيعات الأدوية» — الأشخاص الذين توظِّفهم شركات الدواء الكبرى لخداع الأطباء (ويرفض كثيرون مقابلتهم) — إيجابيةَ الرسوم البيانية التي لا لَبْس فيها التي يمكن أن تَصْدر عن دراسات كهذه.

ثم تصير الأمور أكثر تشويقًا. إذا كان عليك أن تقارِن دواءك بدواء آخر يُنتِجه أحد المنافسين — لحفظ ماء الوجه، أو لأن جهة تنظيمية تطلب ذلك — يمكنك أن تُجرِّب خدعة خفية خبيثة؛ أعطِ جرعةً غير كافية من الدواء المنافس، بحيث لا يُظهِر المرضى الذين يتناولونه تحسُّنًا ملحوظًا، أو أعطِ جرعةً عالية جدًّا من الدواء المنافس، بحيث يشعر المرضى بآثار جانبية كثيرة، أو أعطِ الدواء المنافس بالطريقة الخاطئة (ربما عن طريق الفم عندما يجب حقنه في الأوردة، مع الأمل في ألَّا يلاحظ معظم القراء)، أو يمكن زيادة جرعة الدواء المنافس بسرعة بالغة، بحيث يصاب المرضى الذين يتناولونه بأعراض جانبية أسوأ. سيتفوَّق الدواء الذي تجرِّبه على الدواء المنافس بالمقارنة.

ربما لا تعتقد أن ثمة شيئًا على الإطلاق مثل ذلك يمكن أن يحدث. إذا تتبَّعتَ المراجع في نهاية الكتاب، فستجد دراساتٍ أُعطِي المرضى فيها جرعات مرتفعة من دواء قديم مضاد للذهان (جعل الجيل الجديد من الأدوية يبدو كما لو كان أفضل فيما يتعلق بالأعراض الجانبية)، ودراسات تُستخدم فيها جرعات من أدوية «إس إس آر إيه» المضادة للاكتئاب، قد يراها البعض غير معتادة، على سبيل ذكر بضع أمثلة فقط. أعرف أنه أمر لا يُصدَّق بعض الشيء.

بالطبع ثمة خدعة أخرى يمكنك ممارستها من خلال الآثار الجانبية تتمثَّل في عدم السؤال عنها ببساطة؛ أو بالأحرى — لمَّا كان عليك أن تتحرى السرية في هذا المجال — يمكنك أن تكون حذرًا بشأن طريقة السؤال. إليك مثالًا: تسبِّب أدوية مضادات الاكتئاب «إس إس آر إيه» آثارًا جانبية جنسية بصورة متكرِّرة نوعًا ما، بما في ذلك عدم القدرة إلى الوصول إلى ذروة الشهوة الجنسية. يجب أن نكون واضحين هنا (وأنا أحاول أن أصيغ هذا بأكبر قدْر ممكن من الحياد): إنني أستمتع «حقًّا» بشعور ذروة الشهوة الجنسية، فهذا مهمٌّ بالنسبة إليَّ، وكل شيء أمُرُّ به في هذا العالَم يؤكِّد لي أن هذا الشعور مهمٌّ بالنسبة إلى الآخرين أيضًا. فقد اندلعتْ حروب، بصورة أساسية، من أجل الوصول إلى شعور ذروة الشهوة الجنسية. وثمة علماء في علم النفس التطوري سيحاولون إقناعك بأن الثقافة واللغة الإنسانية بأسرها يقودهما، إلى حد كبير، السعيُ وراء تحقيق الشعور بذروة الشهوة الجنسية. ويبدو فقدان هذا الشعور كأثر جانبي من المهم السؤالُ عن وجوده.

لكن أظهر العديد من الدراسات أن شيوع فقدان الشعور بذروة الشهوة الجنسية لدى المرضى الذين يتناولون أدوية «إس إس آر آي» يتراوح بين ٢ في المائة و٧٣ في المائة، وهو ما يعتمد بصورة أساسية على طريقة السؤال: سؤال عَرَضي، مفتوح حول الآثار الجانبية، على سبيل المثال، أو سؤال دقيق مفصَّل. لم تُدرِج مراجعة بحثية نقدية أُجريتْ على ٣٠٠٠ شخص يتناولون أدوية «إس إس آر آي» أيَّ آثار جانبية جنسية في جدول الآثار الجانبية الخاص بها الذي شمل ثلاثة وعشرين أثرًا جانبيًّا. كان ثمة ثلاثة وعشرون أثرًا جانبيًّا أكثر أهميةً، وفقًا للباحثين، من فقدان الشعور بذروة الشهوة الجنسية. وقد قرأتُها كلَّها ولم أجِدْها أكثر أهميةً.

لكن عودة إلى النتائج الرئيسية. وها هي خدعة جيدة: بدلًا من نتيجة واقعية، مثل الموت أو الألم، يمكن دومًا استخدام «نتيجة بديلة»، تُعَد أكثر سهولةً في الوصول إليها. فإذا كان من المفترض أن يَحُدَّ العقَّار من مستوى الكولسترول، ومِن ثَمَّ يمنع حالات الوفاة بسبب الأمراض القلبية، على سبيل المثال، يجب ألا يقيس الباحث حالات الوفاة بسبب الأمراض القلبية، بل عليه أن يقيس بدلًا من ذلك مستوى الكولسترول الذي خُفِّض. فهذا أسهل كثيرًا في تحقيقه من قياس انخفاض في حالات الوفاة بسبب الأمراض القلبية، وستكون التجربة أقل تكلفةً وأسرع في إجرائها؛ لذا ستكون النتيجة أقل تكلفةً و«أكثر» إيجابيةً. نتيجة رائعة!

أما وقد فرغتَ من إجراء التجربة، وعلى الرغم من كل ما بذلتَ من جهود حثيثة جاءت النتائج سلبية. ماذا يمكن أن تفعل؟ حسنًا، إذا كانت تجربتُك جيدةً إجمالًا، لكنها أسفرت عن بعض النتائج السلبية، يمكنك تجربة خدعة قديمة: لا تجذب الانتباه إلى البيانات المخيِّبة للآمال من خلال إدراجها في رسم بياني. أشِرْ إليها سريعًا في النص، وتجاهَلْها عند تقديم النتائج (أنا بارع في هذا الأمر، حتى إنني أُخيف نفسي، وهو ما يتأتَّى من قراءة الكثير من التجارب شديدة الرداءة).

أما إذا كانت النتائج سلبيةً بالكامل، فلا تنشرها على الإطلاق، أو انشرها ولكن فقط بعد فترة تأخير طويلة. هذا بالضبط ما فعلَتْه شركات الدواء بالبيانات حول مضادات الاكتئاب «إس إس آر آي»؛ فقد أخفتْ هذه الشركات البيانات التي تشير إلى أنها قد تكون خطرة، ووارت البيانات بحيث تَظهَر كما لو كانت لا تُسفِر عن نتائج أفضل من العلاج الوهمي. إذا كنتَ حاذقًا حقًّا، ومعك أموال تريد أن تنفقها عن آخرها، إذن فبعد الحصول على البيانات المخيبة، يمكنك إجراء مزيد من التجارب بنفس الطريقة؛ أملًا في أن تحقق نتائج إيجابية، ثم حاول أن تجمع هذه البيانات جميعًا معًا، بحيث تختفي البيانات السلبية داخل بعض النتائج الإيجابية المتوسطة.

أو يمكن أن تكون في غاية الجدية، وتبدأ في التلاعب بالإحصاءات. على مدار صفحتين تاليتين فقط، سيتحول هذا الكتاب إلى مناقشة أمور فنية في غاية التعقيد. أتفهَّم إذا كنتَ تريد تجاوز هذا الجزء، لكن اعلمْ أنه في هذا الجزء تحديدًا يضحك الأطباء الذين اشتروا هذا الكتاب على مُختَصي المعالجة المثلية. فهنا توجد الخُدَع الكلاسيكية التي يمكن استخدامها في تحليلك الإحصائي لضمان تحقيق تجربتك نتيجة إيجابية.

تجاهل البروتوكول تمامًا

افترِض دومًا أن أي علاقة تبادلية «تُثبِت» وجود علاقة سببية. ضعْ جميع بياناتك في برنامج جداول حسابات وأَشِرْ — باعتبارها علاقة مهمة — إلى أي علاقة بين أي شيء وكل شيء إذا كان هذا يُسهِم في دعم نتائج تجربتك. إذا قستَ ما يكفي من المتغيرات، فستُسفِر بعض الأشياء حتمًا عن نتائج إيجابية فقط من خلال الحظ البحت.

تلاعب بالحد الأدنى للنتائج

في بعض الأحيان، عندما تبدأ تجربة، يُبلي أفراد المجموعة الذين يتلقَّوْن العلاج محل التجربة بلاءً أفضل من أفراد المجموعة التي تتلقَّى العلاج الوهمي من باب المصادفة إلى حدٍّ كبير. إذا كان الأمر كذلك، فدعِ الأمر كما هو. أما على الجانب الآخر، فإذا كانت مجموعة العلاج الوهمي تُبلي بلاءً أفضل من مجموعة العلاج، فعليك إذن تعديل الحدِّ الأدنى للنتائج المطلوبة في تحليلك.

تجاهل المتسرِّبين

الأشخاص الذين يتسرَّبون من التجارب أبلَوْا إحصائيًّا بلاءً سيئًا على الأرجح، ويكونون أكثر ميلًا بكثير للإصابة بآثار جانبية جراء ما تناولوه أثناء التجارب. سيجعل هؤلاء الدواء يبدو أسوأ؛ لذا تجاهلهم، ولا تبذل أي مجهود في اجتذابهم مرة أخرى، ولا تدرجهم في تحليلك النهائي.

هذِّب البيانات

انظر إلى الرسوم البيانية. ستكون ثمة بعض «البيانات الشاردة» الشاذة، أو نقاط تبعد كثيرًا عن النقاط الأخرى. إذا كانت هذه النقاط تجعل الدواء يبدو سيئًا، فليس عليك إلَّا التخلص منها. لكن إذا كانت هذه النقاط تجعل الدواء يبدو جيدًا، حتى إذا كانت تبدو نتائج زائفة، فاتركها كما هي.

الأفضل بين خمسة … لا … سبعة … لا … تسعة!

إذا صار الفرق بين الدواء والعلاج الوهمي كبيرًا بمقدار أربعة أشهر ونصف الشهر خلال تجربة تستغرق ستة أشهر، فأوقِفِ التجربة في الحال وابدأ في كتابة النتائج؛ فربما تصبح الأمور أقل إيجابيةً إذا واصلتَ التجربة. لكن إذا كانت النتائج في نهاية الستة أشهر «شبه مهمة»، فقُمْ بمد فترة التجربة لثلاثة أشهر أخرى.

عذِّب البيانات

إذا كانت النتائج سيئة، فعُدْ إلى الكمبيوتر وانظر إذا كان سلوك أي مجموعة فرعية مختلفًا. ربما تجد أن العقار يُسفر عن نتائج جيدة جدًّا مع النساء الصينيات في الشريحة العمرية الواقعة بين الثانية والخمسين والحادية والستين. «عذِّب البيانات وسوف تعترف بأي شيء»، مثلما يقولون في خليج جوانتانامو.

جرِّب جميع الأزرار في جهاز الكمبيوتر

إذا كنت يائسًا حقًّا، وكان تحليل البيانات بالطريقة التي خططتَ لها لا يسفر عن النتائج التي كنتَ ترغب بها، فما عليك إلا أن تجرِّب أرقام النتائج التي حصلتَ عليها خلال مجموعة واسعة من الاختبارات الإحصائية الأخرى، حتى لو لم تكن ملائمة على الإطلاق، عشوائيًّا.

•••

وعندما تنتهي، فإن أهم شيء على الدوام، بالطبع، هو أن تنشر نتائج التجربة بفطنة. إذا كانت تجربتك جيدة، فانشرها في أكبر مجلة يمكنك الوصول إليها، وإذا كانت التجربة إيجابيةً، لكن لم تكن سليمةً تمامًا، وهو ما سيكون جليًّا للجميع، إذن فانشر التجربة في مجلة مجهولة (منشورة، ومكتوبة ومحرَّرة بالكامل من جانب صناعة الدواء)؛ تذكَّر أن الخدع التي أشرنا إليها للتوِّ لا تُخفي شيئًا، وستكون واضحةً لأي شخص يقرأ ورقتك البحثية، ولكن فقط إذا قرأها بانتباه شديد؛ لذا من مصلحتك ضمان ألَّا يقرأ أحدٌ ما يتجاوز الملخص. أخيرًا، إذا كانت النتائج ستسبِّب حرجًا حقيقيًّا، فأخْفِها في مكان ما وأشِرْ إليها بعبارة «البيانات محفوظة». لن يعرف أحدٌ الطرقَ التي نفَّذتَ بها التجربة، ولن يُلاحَظ ذلك إلا إذا جاء أحدهم يُطالبك بتقديم البيانات لإجراء مراجعة نقدية منهجية. ولن يحدث ذلك قبل مرور فترة طويلة كما نأمل.

(١-٢) كيف يمكن أن يكون هذا ممكنًا؟

عندما أشير إلى انتهاكاتِ عمليةِ البحث لأصدقاء من خارج المجالين الطبي والأكاديمي، يصابون بدهشة بالغة، ويتساءلون: «كيف يمكن أن يكون هذا ممكنًا؟» حسنًا؛ أولًا: يعود كثير من البحث السيئ إلى عدم الكفاءة. ربما تعود كثير من الأخطاء المنهجية المذكورة أعلاه إلى التفكير التوَّاق بقدْر ما يعود إلى التزييف. لكن هل من الممكن الكشف عن أي غشٍّ؟

على المستوى الفردي، يصعب كثيرًا إثبات أن تجربة ما قد زُيِّفت عمدًا من أجل تقديم النتائج الملائمة للرعاة القائمين عليها. دُرِس هذا الأمر كثيرًا جدًّا، حتى إنه في عام ٢٠٠٣ وَجدتْ مراجعة بحثية نقدية ثلاثين دراسة منفصلة تبحث فيما إذا كان التمويل في المجموعات المختلفة من التجارب قد أثَّر على النتائج. ووُجد بشكل عام أن الدراسات التي موَّلتْها شركة دواء أكثر ميلًا بمقدار أربع مرات لأن تُسفر عن نتائج في صالح الشركة من الدراسات المستقلة.

تعرض مراجعةٌ بحثية نقدية قصةً في غاية الغرابة مثل قصة أليس في بلاد العجائب؛ فقد عُثِر على ستٍّ وخمسين تجربة تقارِن أقراص المسكِّنات مثل أيبوبروفين، وديكلوفيناك، إلخ. غالبًا ما يبتدع الناس نُسخًا جديدة من هذه الأدوية؛ أملًا في أن تُسفر عن آثار جانبية أقل، أو أن تكون أكثر فاعليةً (أو أن تبقَى خاضعةً لبراءة الاختراع وتحقِّق أرباحًا). في كل تجربة كان الدواء الذي ترعاه الشركة المصنِّعة يحقِّق نتيجةً أفضل، أو متساويةً مع الأدوية الأخرى في التجربة. ولم يُسفر الدواء المصنَّع ولو في حالة واحدة، عن نتيجة أسوأ. يتحدَّث الفلاسفة وعلماء الرياضة عن «التعدي»: إذا كان «أ» أفضل من «ب»، و«ب» أفضل من «ج»؛ فإذن «ج» لا يمكن أن يكون أفضل من «أ». بصورة أكثر وضوحًا، لقد كشفتْ هذه المراجعة النقدية لستٍّ وخمسين تجربة عن مسألة في غاية العبث: أن كل دواء من هذه الأدوية أفضل من الأدوية الأخرى.

لكن ثمة مفاجأة قريبة. من المدهش أنه عندما تُبحَث أوجه القصور المنهجية في الدراسات، يبدو أن التجارب التي تموِّلها صناعة الدواء يتضح أنها في حقيقة الأمر تتضمَّن أساليب بحثية «أفضل»، في المتوسط، من التجارب المستقلة.

كان أقصى ما يمكن إلصاقه بشركات الدواء أخطاء تافهة جدًّا؛ أشياء من قبيل استخدام جرعات غير كافية من دواء الشركة المنافسة (مثلما ذكرنا سابقًا)، أو طرح ادِّعاءات في قسم الاستنتاجات من الورقة البحثية تبالغ في تقديم نتيجة إيجابية. لكن هذه الأخطاء، على الأقل، كانت أخطاءً واضحة؛ ما عليك إلا قراءة التجربة لترى أن الباحثين قد أعطَوْا جرعةً هائلة من أحد الأدوية المسكِّنة، ويجب دومًا قراءة قسم الأساليب والنتائج لأي تجربة لتقرِّر أي نتائج توصَّلتْ إليها؛ لأن صفحات المناقشة والاستنتاج في النهاية مثل صفحات التعليقات في إحدى الصحف، لا يعرف المرء الأخبار من خلالها.

كيف يمكننا أن نفسر إذن الحقيقة الواضحة من أن التجارب التي تموِّلها صناعة الدواء تتميَّز في كثير من الأحيان بهذا القدْر من الإيجابية؟ كيف يمكن أن تكون جميع الأدوية في الوقت نفسه أفضل من جميع الأدوية الأخرى؟ ربما تحدث المشكلة الحقيقية بعد الانتهاء من التجربة.

(١-٣) تحيُّز النشر وطمس النتائج السلبية

يُعَد «تحيُّز النشر» أمرًا شائقًا جدًّا، وظاهرةً إنسانية جدًّا. لعدد من الأسباب، تُنشر التجارب الإيجابية على الأرجح أكثر من التجارب السلبية. يسهل فهم ذلك بالشكل الكافي إذا وضعتَ نفسك في مكان الباحث. أولًا: عندما تُسفر التجربة عن نتيجة سلبية، يبدو الأمر برمته كما لو كان مضيعةً للوقت. فمن السهل إقناع نفسك بأنك لم تَجِد شيئًا، في حين أنك في الحقيقة قد اكتشفتَ معلومة مفيدة جدًّا؛ وهي أن الشيء الذي كنتَ تختبره «لا يُجدي».

إن اكتشاف أن شيئًا ما لا يُجدي، سواء عن صواب أو عن خطأ، ربما لن يجعلك تفوز بجائزة نوبل — لا توجد عدالة في العالَم — لذا ربما تشعر بالإحباط حيال المشروع، أو تجعل الأولوية لمشروعات أخرى على كتابة وتقديم النتائج السلبية إلى مجلة أكاديمية؛ لذا تقبع البيانات حتى تتعفَّن في الدرج السفلي لمكتبك، وتمر الشهور، وتحصل على منحة جديدة. يقضُّ الذنب مضجعك من آنٍ إلى آخر، لكن يوم الإثنين هو اليوم الذي تقضيه في العيادة؛ لذا فإن يوم الثلاثاء هو بداية الأسبوع حقيقةً، وهناك اجتماع القسم يوم الأربعاء؛ لذا لا يوجد سوى يوم الخميس الذي تستطيع أن تفعل فيه أي شيء ذي بالٍ؛ لأن الجمعة هو اليوم الذي تدرس فيه، وقبل أن تُدرك الأمر، يكون قد مرَّ عام، وتقاعَد مشرفُك، ولا يعرف المشرف الجديد حتى أن التجربة قد نُفِّذتْ من الأساس، ودخلتْ بيانات التجربة السلبية طيَّ النسيان للأبد، ولم تُنشر. إذا كنتَ تبتسم إقرارًا بما في هذه الفقرة، فأنتَ شخص سيِّئ جدًّا.

حتى إذا عكفتَ على كتابة النتائج السلبية، فهذه ليست أخبارًا جديدة على الإطلاق. ربما لن تُنشر النتائج في مجلة كبيرة إلَّا إذا كانت تجربة ضخمة على شيء كان الجميع يعتقد أنه سيكون فعَّالًا للغاية حتى جاءت تجربتك السلبية وقوَّضتْه تقويضًا؛ لذا فضلًا عن أن هذا يمثِّل سببًا وجيهًا لئلا تنزعج؛ فإن هذا يعني أيضًا أن العملية بأكملها ستتأخَّر بشكل بالغ؛ فقد يستغرق الأمر عامًا كاملًا لرفض الورقة البحثية من قِبَل المجلات المتكاسلة المراوغة. ففي كل مرة تتقدَّم إلى مجلة مختلفة ربما تضطر لإعادة تنسيق المَراجع (ساعات من العمل الممل). إذا كنتَ تستهدف نشر التجربة في مجلة مرموقة ورُفضتِ الورقة البحثية بضع مرات، فقد يستغرق الأمر سنوات حتى تَظهَر الورقة البحثية إلى النور، حتى إذا كنتَ مُجِدًّا، وهو ما يساوي سنوات لا يعرف الناس فيها شيئًا عن تجربتك.

تحيُّز النشر مسألة شائعة، ويكثر في بعض المجالات عن مجالات أخرى. في عام ١٩٩٥، أسفرتْ نسبة ١ في المائة فقط من جميع البحوث المنشورة في مجلَّات الطب البديل عن نتائج سلبية. وأحدثُ رقم أُعلِن عنه هو ٥ في المائة نتائج سلبية. وهذه نسبة منخفضة جدًّا، على الرغم من أن النسبة — حتى يكون المرء منصفًا — يمكن أن تكون أسوأ من ذلك. فقد بحثتْ مراجعةٌ بحثية نقدية في عام ١٩٩٨ في كامل أدبيات الأبحاث الطبية الصينية، ولم تَجِد أي تجربة سلبية منشورة. لا شيء. يمكن الآن أن تُدرك لماذا أستعين بالطب المكمِّل والبديل كأداة من أدوات التدريس البسيطة للطب القائم على الأدلة.

عمومًا، يُعتبر تأثير تحيُّز النفوذ أكثر صعوبةً في تمييزه، ويمكنك أن تجد إشارةً لما إذا كان ثمة تحيز نشر في أحد المجالات من خلال عمل شيء ينطوي على حذق كبير يُسمَّى الرسم البياني القِمْعي. ويتطلَّب هذا، لفترة وجيزة، الانتباه.

fig6
شكل ١١-١

إذا كانت ثمة تجاربُ كثيرة حول أحد الموضوعات، فستسفر جميعها بالمصادفة البحتة عن نتائج مختلفة قليلًا، لكنك ستتوقَّع أن تجتمع جميعًا بشكل متساوٍ نوعًا ما حول النتيجة السليمة. وستتوقع أيضًا أن الدراسات الموسعة، التي تضم عددًا أكبر من المشاركين، وتنطوي على أساليب أفضل، ستجتمع حول النتيجة السليمة أكثر من الدراسات المصغَّرة. تنتشر الدراسات المصغرة، في كل مكان، وتكون إيجابيةً وسلبيةً على غير العادة على نحو عشوائي؛ لأنه في دراسة تضم، على سبيل المثال، عشرين مريضًا، لا يحتاج الباحث إلَّا لثلاث نتائج غريبة بحيث تدفع بالنتائج الإجمالية إلى الإيجابية.

يعتبر الرسم البياني القمعي طريقةً بارعةً لبيان نتائج كهذه. فتوضع النتيجة (بعبارة أخرى: مدى فاعلية العلاج) على المحور الأفقي، من اليسار إلى اليمين، ثم على المحور الرأسي (من أعلى إلى أسفل، المتراتبات الحسابية) يوضع مقياس حجم التجربة، أو مقياس آخر لمدى دقَّتها. إذا لم يكن ثمة تحيُّز نشر، يجب أن يظهر قِمْعٌ مقلوب، بحيث تتجمَّع نتائج التجارب الكبرى الدقيقة جميعًا بعضها حول بعض في قمة القِمْع، ثم مع النزول أسفل القِمْع، تنتشر نتائج التجارب الصغيرة غير الدقيقة تدريجيًّا إلى اليسار واليمين، بينما تصبح أقل فأقل دقةً على نحو بالغ، إيجابًا وسلبًا على حدٍّ سواء.

fig7
شكل ١١-٢

أما إذا كان ثمة تحيُّزُ نشرٍ، فستنحرف النتائج. فتبدو نتائج التجارب «السلبية» الرديئة الصغيرة غائبة؛ لأنه قد جرى تجاهلُها — لم يكن لدى أحدٍ شيءٌ ليخسره بترك هذه التجارب الرديئة الصغيرة قابعة في الدرج السفلي في المكتب — ولذا نُشرت التجارب الإيجابية فقط. لم يُثبَت وجود تحيز نشر في العديد من مجالات الطب فحسب، بل وَجدتْ ورقةٌ بحثية دليلًا على وجود تحيز نشر في دراسات تحيز النشر. وفيما يلي الرسم البياني القِمْعي لتلك الورقة البحثية، والذي يُتداول على سبيل المزاح في عالَم الطب القائم على الأدلة.

لعل أبرز حالة تحيز نشر صارخة مؤخرًا كانت في مجال أدوية مضادات الاكتئاب «إس إس آر آي»، مثلما تبيَّن في العديد من الأوراق البحثية؛ فقد نشر مجموعةٌ من الأكاديميين ورقةً بحثية في دورية «نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسن» في بداية عام ٢٠٠٨ أدرجتْ جميع التجارب التي أُجريتْ على أدوية «إس إس آر آي» التي لم تُسجَّل رسميًّا لدى هيئة الأدوية والأغذية، وبحثوا التجارب نفسَها في الأدبيات الأكاديمية. قُيِّمت سبع وثلاثون دراسة من قِبَل هيئة الأدوية بوصفها إيجابية؛ مع استثناء وحيد، أن كل واحدة من هذه التجارب كانت مكتوبةً ومنشورة على نحو ملائم. في الوقت نفسه، لم تُنشر اثنتان وعشرون دراسة أسفرتْ عن نتائج سلبية أو غير مؤكدة على الإطلاق، فيما كُتبت ونُشرت إحدى عشرة دراسة أخرى على نحو أشار إلى أنها قد أسفرت عن نتائج إيجابية.

هذه أكثر من صفاقة؛ فالأطباء يحتاجون إلى معلومات يُعتمد عليها إذا كان لهم أن يتخذوا قرارات مفيدة وآمنة عند وصف الأدوية لمرضاهم. ويُعتبر حرمانهم من هذه المعلومات، وخداعهم، جريمة أخلاقية كبرى. لو لم أكن بصدد تأليف كتاب خفيف وفَكِه حول العلم الآن، لتردَّيْت إلى زوابع عارمة من الغضب.

(١-٤) النشر المكرَّر

يمكن أن تفعل شركات الدواء شيئًا أفضل من إهمال الدراسات التي تسفر عن نتائج سلبية؛ ففي بعض الأحيان، عند الحصول على نتائج إيجابية، بدلًا من الاكتفاء بنشرها مرة واحدة، ينشرون النتائج مرات عدة، في مجلَّات مختلفة، وفي صور مختلفة، حتى تبدو كما لو كانت ثمة تجارب إيجابية كثيرة ومختلفة. ويسهل هذا على وجه الخصوص إذا كان الباحث قد أجرى تجربة كبيرة «متعددة المراكز»؛ لأنه يكون بإمكانه أن ينشر أجزاءً متداخلة من كل مركز بصورة منفصلة، أو وفق عمليات تبديل مختلفة. وتُعَدُّ هذه أيضًا طريقة في غاية الذكاء لاختلاق الأدلة؛ لأنه لا يمكن للقارئ أن يكتشفها.

جرى بحث استقصائي كلاسيكي في هذا المجال من قِبَل طبيب تخدير شديد الانتباه من جامعة أكسفورد يُدعى مارتن ترامر، كان يبحث مدى فاعلية دواء للغثيان يُسمى «أوندانسترون»، ولاحظ أن كثيرًا من البيانات في تحليل ماورائي كان يُجريه بدتْ مكرَّرة. فكانت النتائج بالنسبة إلى الكثير من المرضى قد كُتبتْ عدة مرات، في صور مختلفة نسبيًّا، في دراسات مختلفة ظاهريًّا، في مجلات مختلفة. ولعل الأمر الأكثر أهمية أن البيانات التي أظهرتِ الدواء في صورة أفضل كانت على الأرجح مكرَّرةً أكثر من البيانات التي أظهرتْه أقلَّ إيجابيةً، وإجمالًا أفضى هذا إلى المبالغة بمقدار ٢٣ في المائة في فاعلية الدواء.

(١-٥) إخفاء الضرر

هكذا تُقدِّم شركات الدواء النتائج الإيجابية. ماذا عن الجانب الأكثر إظلامًا الذي تُفرد له العناوين الإخبارية اللافتة؛ حيث تُخفي شركات الدواء الأضرار الخطيرة؟

الآثار الجانبية إحدى حقائق الحياة؛ يجب القبول بها، وإدارتها في سياق الفوائد، ورصدها بدقة؛ لأن الآثار غير المقصودة للتدخلات العلاجية يمكن أن تكون في غاية الخطورة. القصص الإخبارية التي تَلفِت النظر في عناوين الأخبار هي التي يوجد فيها عمليات خداع، أو تغطية، لكن في حقيقة الأمر يمكن تفويت بعض النتائج المهمة أيضًا لأسباب أخرى أكثر براءةً بكثير؛ مثل العمليات الإنسانية المعتادة في الإهمال العَرَضي في تحيز النشر، أو لأن النتائج المقلقة تُخفَى عن الأنظار في خضم تزاحم البيانات.

تُعتبر أدوية تنظيم ضربات القلب مثالًا شائقًا لذلك. يصاب الأشخاص الذين يصابون بنوبات قلبية بعدم انتظام في ضربات القلب على نحو شائع نوعًا ما (لأن أجزاءً من جهاز الحفاظ على الوقت في القلب تكون قد تلفت)، وأيضًا يموت مثل هؤلاء الأشخاص بصورة شائعة جراء عدم انتظام ضربات القلب. تُستخدم أدوية علاج عدم انتظام ضربات القلب في العلاج والوقاية من ضربات القلب غير المنتظمة لدى الأشخاص المصابين بها. وفكَّر الأطباء: لِمَ لا نعطي هذه الأدوية إلى كلِّ مَن أُصيب بنوبة قلبية؟ بدتْ هذه الأدوية منطقية على الورق، وبدتْ آمنة، ولم يكن أحدٌ يعرف وقتها أنها ستزيد في حقيقة الأمر من مخاطر الوفاة في هذه الفئة؛ لأن ذلك لم يُثبِت منطقيته من خلال النظرية (كما الحال مع مضادات الأكسدة). لكنها تتسبَّب في الوفاة، وفي ذروة استخدامها في ثمانينيات القرن العشرين، تسبَّبت أدوية تنظيم ضربات القلب في حالات وفاة مماثلة للعدد الإجمالي للأمريكيين الذين قضَوْا في حرب فيتنام. كانت المعلومات التي كان يمكنها المساهمة في تفادي هذه الكارثة قابعةً، بصورة مأساوية، في درج سفلي، مثلما أوضح ذلك أحد الباحثين لاحقًا:

عندما أجرينا دراستنا في عام ١٩٨٠ كنا نظن أن زيادة معدلات الوفاة … كانت بمحض المصادفة … وجرى التخلي عن تطوير الدواء لأسباب تجارية؛ لذا لم تُنشر هذه الدراسة مطلقًا؛ وهي تعتبر الآن مثالًا جيدًا ﻟ «تحيز النشر». والنتائج المشار إليها هنا … ربما كانت ستوفر تحذيرًا مبكرًا للمتاعب المقبلة.

كان ذلك إهمالًا وتفكيرًا توَّاقًا. لكن في بعض الأحيان يبدو أن الآثار الخطرة من الأدوية يمكن التقليل منها أو — الأسوأ — عدم نشرها ببساطة. كانت هناك سلسلة من الفضائح الكبيرة في صناعة الدواء مؤخرًا، يبدو فيها أن الأدلة على الأضرار الناشئة عن أدوية مثل فيوكس ومضادات الاكتئاب «إس إس آر آي» قد غابتْ. ولم يستغرق الأمر طويلًا حتى ظهرتِ الحقيقة، وكل مَن يزعم أن هذه الموضوعات قد أُخفيَتْ تحت سجادة الطب ليس إلَّا جاهلًا. فقد جرى تناول هذه الموضوعات — كما ستتذكر — في الأوراق البحثية الأعلى تصنيفًا في أرشيف دورية «بريتش ميديكال جورنال». تستحق هذه الأوراق إلقاء نظرة عليها مرة أخرى، على نحوٍ أكثر تفصيلًا.

(١-٦) فيوكس

كان «فيوكس» مسكِّن ألَمٍ طوَّرتْه شركة مِرك، واعتمدتْه هيئة الغذاء والدواء الأمريكية في عام ١٩٩٩. قد تتسبَّب العديد من المسكنات في مشكلات في المعدة — القُرَح وغيرها — وكان الأمل معقودًا على هذا الدواء الجديد في ألَّا يتسبَّب في مثل هذه الأعراض الجانبية. فُحِص ذلك في تجربة باسم «فيجور»، من خلال مقارنة «فيوكس» بدواء آخر أقدم، هو «نابروكسين»، وكانت النتيجة تُبشِّر بتحقيق أرباح هائلة. لم تكن نتائج التجربة حاسمة؛ فلم يكن «فيوكس» أفضل حالًا في التخفيف من أعراض مرض التهاب المفاصل الروماتويدي، لكنه خفَّض بمقدار النصف من خطر أعراض الجهاز الهضمي، وهو ما كان يمثِّل أنباءً ممتازة. ولكن وُجدتْ أيضًا زيادة في خطر الإصابة بنوبات القلب.

لكن عندما نُشرتْ تجربة «فيجور»، كان من الصعب ملاحظة مخاطر أمراض القلب الوعائية هذه. كان ثمة «تحليل مؤقَّت» لنوبات القلب والقُرَح؛ حيث رُصِدت حالات القرحة لفترة أطول من حالات النوبات القلبية. ولم يُشَر إلى ذلك في المجلة، كما بولغ في فائدة «فيوكس» فيما يتعلَّق بالقرحة، مع التقليل من المخاطر المتزايدة للنوبات القلبية. وعن ذلك تحدَّثتْ مقالة افتتاحية عنيفة وشديدة الانتقاد على نحوٍ غير معتاد في دورية «نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسن» قائلةً: «هذا الجانب الواهي في تصميم التجربة … الذي أفضى حتميًّا إلى تحريف النتائج، لم يُفصَح عنه لمحرِّري أو مؤلِّفي الدراسة الأكاديميين.» هل كانت هذه مشكلة؟ نعم، لسبب وحيد؛ أنه قد حدثتْ ثلاث إصابات إضافية بالنوبة القلبية في المجموعة التي كانت تتناول «فيوكس» في الشهر الذي تلا توقُّف الباحثين عن الرصد والإحصاء، بينما لم تقع أي حالات إصابة في المجموعة الضابطة التي كانت تتناول «نابروكسين».

تُظهِر مذكرة داخلية بعثها إدوارد سكولنك، كبير العلماء لدى الشركة، أن الشركة كانت تعرف عن خطر الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية هذا (ورد فيها: «كان هذا أمرًا مَشينًا، لكنها كانت حالات قليلة، وكانت تحدث من خلال آليَّة كنا نخشى أنها كذلك»). ولم تتأثر دورية «نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسن» كثيرًا، ونَشرتْ مقالَيْن افتتاحيَّيْن نقديَّيْن رائعَيْن.

لم يهتمَّ بالزيادة المقلقة في النوبات القلبية بشكل حقيقي إلا أشخاصٌ كانوا يبحثون بيانات هيئة الأدوية والأغذية، وهو شيء لا يميل الأطباء — بالطبع — إلى فعله؛ إذ إنهم في أفضل الأحوال يقرءون المقالات الأكاديمية المنشورة في مجلات علمية. وفي محاولة لتفسير الخطر الإضافي المتوسط للنوبات القلبية الذي «قد» يظهر في الورقة البحثية النهائية، اقترح المؤلِّفون شيئًا اسمه «فرضية نابروكسين»؛ فأشاروا إلى أن «فيوكس» لم يكن يتسبَّب في حدوث نوبات قلبية، بينما كان «نابروكسين» يقِي منها. ولا يوجد دليل مقنع على أن «نابروكسين» له أثرٌ وقائيٌّ قويٌّ ضد النوبات القلبية.

أشارتِ المذكرة الداخلية، التي نُوقشتْ باستفاضة خلال تغطية القضية، إلى أن الشركة كانت تشعر بالقلق في ذلك الوقت. وظهر في نهاية المطاف مزيدٌ من الأدلة على وقوع أضرار، وسُحِب «فيوكس» من السوق في عام ٢٠٠٤، لكنَّ محللين من هيئة الأدوية والأغذية قدَّروا أنه تسبَّب في نوبات قلبية تَراوَح عددها بين ٨٨ ألفًا و١٣٩ ألف حالة، كان ٣٠ إلى ٤٠ في المائة منها قاتلًا، خلال السنوات الخمس التي طُرِح فيها في السوق. يصعُب التأكد ممَّا إذا كان ذلك الرقم موثوقًا فيه، لكن بالنظر إلى نمط ظهور المعلومات، سرى شعورٌ بالتأكيد، على نطاق واسع جدًّا، بأن كلًّا من مرك وهيئة الغذاء والدواء كان في استطاعتهما فعل المزيد من أجل التخفيف من حِدَّة الأضرار التي وقعتْ خلال السنوات العديدة التي طُرِح الدواء فيها، بعد أن تبيَّنتْ لهما المخاوف حيالها. إن البيانات في مجال الطب مهمة؛ فهي مسألة حياة أو موت. ولم تُقِرَّ مرك بمسئوليتها، واقترحتْ إجراء تسوية مقابل ٤٫٨٥ مليارات دولار أمريكي في الولايات المتحدة.

(١-٧) منع المؤلِّفين من نشر البيانات

يبدو هذا كلُّه في منتهى السوء. أيُّ باحثين يقومون بذلك؟ ولماذا لا يمكننا وقفهم؟ بعضهم كاذبون بالطبع. لكن جرى ليُّ ذراع الكثيرين أو الضغط عليهم حتى لا يفصحوا عن المعلومات الخاصة بالتجارب التي أجرَوْها، المموَّلة من قِبَل صناعة الدواء.

إليك مثالَيْن متطرفين لظاهرة شائعة على نحو مأساوي: في عام ٢٠٠٠، رفعتْ شركة أمريكية شكوى ضد الباحثين الرئيسيين وجامعاتهم في محاولة لمنع نشر دراسة على أحد اللقاحات المضادة لفيروس «إتش آي في» وجدتْ أن المنتج لم يكن أفضل من العلاج الوهمي. شعر الباحثون أن عليهم وضع الأولوية للمرضى على المنتج، بينما شعرتِ الشركة بخلاف ذلك. ونُشرتِ النتائج في ذلك العام في جريدة الجمعية الطبية الأمريكية.

في المثال الثاني، كانت نانسي أوليفيري، مديرة برنامج اعتلالات الهيموجلوبين في تورونتو، تُجري تجربةً إكلينيكية على «دفريبرون»، وهو دواء يُزيل الحديد الزائد من أجساد المرضى الذين تثقل أجسادهم بالحديد بعد العديد من عمليات نقل الدم. وشعرتْ بالقلق عندما رأتْ أن نِسَب تركيز الحديد في الكبد بدتْ مُتحكَّمًا فيها على نحوٍ رديءٍ لدى بعض المرضى، متخطيةً عتبة الأمان لزيادة مخاطر حدوث الأمراض القلبية والوفاة المبكرة. وأشارت دراساتٌ أخرى أكثر توسعًا إلى أن الدفريبرون ربما يُسرِّع من تطور التليف الكبدي.

هددتْ شركة الدواء «أبوتكس» أوليفيري بصورة متكررة وبشكل كتابي، أنها إذا نشرتْ نتائجها ومخاوفها، فسيتخذون إجراءات قانونية ضدها. في شجاعة هائلة — ويا للعار! في غياب أي دعم من جامعتها — قدمتْ أوليفيري نتائجها في عدة لقاءات علمية وفي مجلات أكاديمية. كانت تؤمن بأن من واجبها الإفصاح عن مخاوفها، بقطع النظر عن العواقب الشخصية التي قد تترتب على ذلك. لم يكن ضروريًّا على الإطلاق أن تكون بحاجة لاتخاذ ذلك القرار.

(١-٨) الحل الرخيص الوحيد الذي سيحلُّ جميع المشكلات في العالم كله

لعل ما هو استثنائي حقًّا أن جميع هذه المشكلات تقريبًا — طمس النتائج السلبية، انتقاء البيانات، إخفاء البيانات غير المفيدة، وغير ذلك — كان يمكن حلُّها بصورة كبيرة من خلال علاج واحد بسيط لم يكن ليتكلَّف أيَّ شيء تقريبًا: سِجِلُّ تجارب إكلينيكية، عام، متاح، ومطبَّق بصورة فعالة. هكذا يجب أن يسير الأمر. لنفترض أنك شركة دواء. قبْل أن تبدأ حتى في دارستك، تنشر «البروتوكول» الخاص بها؛ أيْ قسم الأساليب المطبقة في الورقة البحثية، في دورية عامة إلى حدٍّ ما. هذا يعني أن الجميع يستطيعون الاطلاع على ما ستفعله في تجربتك، وما ستقيسه، وكيف، وعلى عدد الأشخاص، إلخ، «قبل أن تبدأ».

سيجري القضاء على مشكلات تحيز النشر، والنشر المتكرِّر، والبيانات الخفية عن الآثار الجانبية — التي تسبِّب جميعها حالات وفاة ومعاناة غير ضرورية — في الحال، في ضربة واحدة. إذا قمتَ بتسجيل تجربة، وأجريتَها، لكنها لم تظهر في المطبوعات، فستبرز مثل إصبع متقرح. سيفترض الجميع، بصورة أساسية، أن لديك شيئًا تخفيه؛ لأنه ربما لديك ما تخفيه بالفعل. هناك سجلَّات تجارب في الوقت الحالي، لكنها عبثية تمامًا.

كَمُّ هذا العبث يظهر واضحًا من خلال خدعة شركات الدواء الأخيرة وهي: «تحريك قائمَيِ المرمى». في عام ٢٠٠٢، بدأتْ شركتا مرك وشرينج بلاو تجربةً لبحث فاعلية «إزتيمبي»، وهو دواء يحدُّ من مستوى الكولسترول. بدأتِ الشركتان بالتصريح بأنهما ستقيسان شيئًا واحدًا باعتباره اختبارهما الرسمي لما إذا كان الدواء ناجعًا أم لا، لكنهما عادتا لتعلنا، بعد ظهور النتائج، أنهما ستقيسان شيئًا آخر باعتباره الاختبار الحقيقي بدلًا من الاختبار الأول. واكتُشف الأمر، وتعرَّضتا لانتقادات لاذعة علنًا. لماذا؟ لأنك إذا قستَ الكثير من الأشياء (مثلما فعلتا)، ربما تخرج بعض النتائج إيجابيةً بالمصادفة لا أكثر. لا يمكنك العثور على الفرضية المبدئية في النتائج النهائية؛ فهذا يصيب جميع الإحصاءات بالخلل الكامل.

(١-٩) الإعلانات

أقراص «كلوميكالم» هي العلاج الوحيد المعتمَد لعلاج قَلَق الانفصال لدى الكلاب.

لا توجد حاليًّا إعلانات دواء موجَّهة مباشرةً إلى المستهلك في بريطانيا، وهو أمرٌ مَشين؛ لأن الإعلانات في أمريكا غريبة حقًّا، خاصة الإعلانات التليفزيونية. حياتك في حالة فوضى، ساقاك المتململتان/الصداع النصفي/نسبة الكولسترول غير المستقرة، كل شيء يثير الذعر، لا يوجد أي منطق في أي مكان. ثم عندما تتناول القرص الصحيح؛ فجأةً تضيء الشاشة بلون أصفر دافئ، وتضحك الجدة، ويضحك الأطفال، ويهتز ذيل الكلب، ويلعب طفل مثير للغثيان بخرطوم المياه على النجيل، وهو يصنع قوسًا من المياه إزاء الشمس البازغة بينما يضحك بصوت عالٍ فيما تصبح جميع علاقاتك ناجحة فجأةً مرة أخرى. الحياة جميلة.

ينقاد المرضى بسهولة أكبر بكثير من الأطباء وراء إعلانات شركات الدواء، حتى إن الموازنة المخصصة للإعلانات الموجَّهة مباشرةً إلى المستهلك في أمريكا قد ارتفعتْ لتصبح ضِعْف الموازنة المخصصة لمخاطبة الأطباء مباشرة. وقد جرتْ دراسة هذه الإعلانات عن كثب من قِبَل باحثين أكاديميين طبيين، وتبيَّن مرارًا أنها تزيد من إقبال المرضى على الأدوية المعلَن عنها، فضلًا عن وصف الأطباء لها كعلاج لهم. حتى الإعلانات التي «ترفع الوعي بمرضٍ ما» تحت اللوائح التنظيمية الكندية الأكثر صرامةً تبيَّن أنها تضاعف الطلب على عقار محدَّد لعلاج ذلك المرض.

لهذا السبب تحرص شركات الدواء على رعاية مجموعات المرضى، أو استغلال وسائل الإعلام لصالح حملاتها، مثلما شوهد مؤخرًا في القصص الإخبارية التي تتغنَّى بالثناء على عقار «هيرسبتين» لعلاج سرطان الثدي، أو أدوية ألزهايمر ذات الفاعلية الطفيفة.

تطالب جماعات الضغط هذه في صخب هائل في وسائل الإعلام أن تُموَّل أدوية الشركات من قِبَل هيئة الخدمات الصحية الوطنية. أعرف أشخاصًا على صلة بجماعات الضغط هذه — أكاديميين — عبَّروا عن آرائهم صراحةً وحاولوا تغيير موقفهم، دون تحقيق أي نجاح؛ لأنه في حالة حملة مرض ألزهايمر البريطاني على وجه خاص، خَطَرَ لكثيرين أن مثل هذه المطالب كانت أُحاديَّة الجانب نوعًا ما، وخلص المعهد الوطني للصحة والتميز الإكلينيكي إلى أنه لم يستطع تبرير دفع مقابل لأدوية ألزهايمر؛ جزئيًّا لأن الأدلة على فاعليتها كانت ضعيفة، وغالبًا ما كانت تبحث النتائج البديلة غير المؤكدة فقط. والأدلة حقًّا ضعيفة؛ لأن شركات الدواء لم تُفلِح في إخضاع علاجاتها لعمليات اختبار صارمة بما يكفي على النتائج في العالَم الواقعي، اختبارات صارمة ليس مضمونًا أن تسفر عن نتيجة إيجابية. هل تتحدَّى جمعية ألزهايمر مصنِّعي الدواء لإجراء بحوث أفضل؟ هل يطوف أعضاؤها حاملين لافتات كبيرة تناهض «النتائج البديلة في بحوث الدواء»، مطالبين بإجراء «اختبارات أكثر شفافيةً»؟ لا.

يا إلهي! الكل أشرار! كيف آلتِ الأمور إلى هذه الدرجة من البشاعة؟

هوامش

(١) دفعتُ في عديد من المناسبات بأن جميع العلاجات حيثما يكون هناك أيُّ قدْر من الشك يجب توزيعها عشوائيًّا، متى كان ذلك ممكنًا، وفي هيئة الخدمات الصحية الوطنية، نعتبر في موقع إداري فريد من الناحية النظرية بحيث نستطيع تيسير ذلك، كهدية إلى العالم. وعلى الرغم من كل ما قد يُقلِقك حيال بعض قراراته، طرح المعهد الوطني للصحة والتميز الإكلينيكي أيضًا الفكرة الذكية المتعلقة بالتوصية بأن بعض العلاجات — متى كان ثمة شك حول فائدتها — يجب تمويلها فقط من قِبَل هيئة الخدمات الصحية الوطنية عند تقديمها في سياق تجربة (حيث يجب أن يحصل على موافقة نصُّها: «فقط عند إجراء بحث»). يجري انتقاد المعهد الوطني بصورة متكررة — فهو كيان سياسي على أي حال — نظرًا لعدم توصيته بأن يذهب تمويل هيئة الخدمات الصحية الوطنية إلى العلاجات التي تبدو واعدة. لكن الموافقةَ على تمويل أحد العلاجات عندما لا يكون مؤكَّدًا ما إذا كان يحقِّق فائدةً أكثر مما يُوقِع ضررًا مسألةٌ خطيرة، مثلما تبيَّن بشكل واضح من خلال حالات متعددة اتضح فيها في نهاية المطاف أن العلاجات الواعدة تسبِّب ضررًا أكثر مما تحقق فائدة. وقد فشلنا على مدى عقود في التعامل مع الشكوك المتعلقة بفوائد الستيرويدات للمرضى المصابين بإصابات في الدماغ؛ فقد أظهرتْ تجربة «كراش» أن عشرات الآلاف من الأشخاص قد تُوُفُّوا دون داعٍ؛ لأنه في حقيقة الأمر كانت العلاجات المستخدمة تسبِّب ضررًا أكثر مما تحقِّق نفعًا. في مجال الطب، تُنقِذ المعلومات أرواحًا.
(٢) في هذا الموضوع، ومثل كثيرين من أطباء جيلي، أَدِين بالفضل إلى الكِتاب الأكاديمي الكلاسيكي «كيف تقرأ ورقة بحثية» للبروفيسور جرينهالج في كلية لندن الجامعية. يجب أن يكون هذا الكتاب ضمن الكتب الأكثر بيعًا. يعتبر كتاب «اختبار العلاجات» لإيموجن إيفانز، وهازل ثورنتون وإيان تشالمرز عملًا عبقريًّا عظيمًا أيضًا، ملائمًا لأي جمهور عادي من القراء، ومتاحًا للتحميل المجاني عبر الإنترنت على موقع www.jameslindlibrary.org. بالنسبة إلى القراء الأكثر اهتمامًا، أُوصي بقراءة كتاب «الأخطاء المنهجية في البحوث الطبية» ليورن آندرسن. وهو كتاب طويل جدًّا، عنوانه الفرعي هو: «قائمة غير مكتملة».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤