الفصل السابع

د. جيليان ماكيث

سأتزيَّد هنا، وأقترح أنه بما أنك قد اشتريت هذا الكتاب، فربما تُضمِر بداخلك بعض الشكوك تجاه رائدة الأعمال في مجال أقراص التغذية المليارديرة ومُختَصة التغذية الإكلينيكية جيليان ماكيث (ولقبها الطبي كاملًا هو جيليان ماكيث فقط أيضًا).

هي إمبراطورية، وشخصية تليفزيونية مشهورة في أوقات ذِروة المشاهدة، ومؤلِّفة كتب صُنِّفت كأفضل الكتب بيعًا. إنها تمتلك مجموعتها الخاصة من الأغذية والمساحيق الغامضة، ولديها أقراص تساعد على الانتصاب، ووجهها موجود في كل متجر للأغذية الصحية في البلاد. ويرغب الساسة المحافظون الاسكتلنديون في أن تعمل مستشارةً لدى الحكومة. ومنحتها جمعية «سويل أسوسييشن» جائزةً لتثقيف العامة. لكن أي شخص يعرف ولو جزءًا ضئيلًا جدًّا عن العلم، يدرك أنها ليست إلا مُزحة.

أهم شيء يجب إدراكه أنْ ليسَ ثمَّة شيءٌ جديد هنا. فعلى الرغم من أن حركة التغذية المعاصرة تحب أن تقدِّم نفسها باعتبارها مشروعًا حديثًا قائمًا على الأدلة، ترجع الصناعة القائمة على خبراء الغذاء، بوعودها الغريبة، وتهوُّساتها الجنسية والأخلاقية، إلى قرنين من الزمان على الأقل.

مثل خبراء الغذاء في عصرنا الحديث، كانت الشخصيات التاريخية البارزة في المجال الغذائي أشخاصًا عاديين متحمسين في معظمهم، وكانوا جميعًا يزعمون أنهم يفهمون علم التغذية، والأدلة، والطب، أفضل من العلماء والأطباء في عصرهم. ربما تغيَّرت النصائح والمنتجات مع تغيُّر الأفكار الدينية والأخلاقية السائدة، لكنها كانت دومًا تغازل السوق، سواء أكانت السوق متشددةً أو ليبراليَّةً، في العصر الجديد أو في العصر المسيحي.

كانت مقرمشات جراهام عبارة عن بسكويت للهضم، ابتُدِعَت في القرن التاسع عشر على يد سلفستر جراهام، الذي كان أول مناصر كبير للنظام النباتي وحركة التغذية مثلما عرفناها فيما بعد، وصاحب أول متجر للطعام الصحي في العالم. مثل من جاءوا بعده اليوم، مزج جراهام بين الأفكار المعقولة — مثل الحد من استهلاك السجائر والكحول — والأفكار الأخرى الأكثر غموضًا التي حاكها بنفسه. فكان يُحَذِّر، على سبيل المثال، من أن الكاتشب والمسطردة قد يتسببان في «الجنون».

لا أجادل جدلًا كبيرًا مع حركة الغذاء العضوي (حتى إذا كانت مزاعم الحركة غير واقعية قليلًا)، لكن لا يزال من المثير ملاحظة أن متجر جراهام للأغذية الصحية — في عام ١٨٣٧ — كان يروِّج بكثافة لأغذيته باعتبارها مزروعة وَفْق «مبادئ فسيولوجية» على «تربة نقية عذراء». ووفق مفهوم التقديس الأعمى للشهوة الجنسية بالعودة إلى الوراء في ذلك الوقت، لم تكن هذه التربة قد «تعرضت لاستثارة مُفرِطة» … عن طريق الرَّوَث.

سرعان ما قُلِّدت أساليب تسويق الأغذية هذه من قِبَل متعصبين دينيين متشددين بشكل أكثر انفتاحًا وعلنية؛ مثل جون هارفي كلوج، الرجل الذي ابتدع رقائق الذرة. كان كلوج معالجًا طبيعيًّا، وناشطًا في حملات مكافحة الاستمناء، ومناصرًا للغذاء الصحي، وكان يروِّج لتناول قطع الجرانولا التي ابتدعها باعتبارها الطريق إلى الزهد والتقشُّف، والاعتدال، والأخلاق السليمة. وكان يُدير مصحَّةً للنزلاء السريين، باستخدام أساليب «شاملة»، تشمل أحد الأساليب المفضلة لدى جيليان ماكيث، وهو الري القولوني.

كان كلوج أيضًا ناشطًا متحمسًا في حملات مكافحة الاستمناء، وكان يؤيد الكشف عن النسيج في أطراف القضيب؛ بحيث يتسبَّب في ألم حاد مع الاحتكاك أثناء أفعال التلويث الذاتي (ولا يملك المرء إلا أن يتساءل عن دوافع أي شخص يفكر في هذه المشكلة بكل هذه التفاصيل). وفيما يلي فقرة ممتعة حقًّا من كتابه «علاج الانتهاك الذاتي وآثاره» (١٨٨٨)، يطرح فيها كلوج آراءه حول الختان:

يجب إجراء العملية من قِبَل جرَّاح دون استخدام مُخَدِّر؛ إذ إن الألم القصير الذي يصاحب العملية سيكون له أثر فعال على العقل، خاصة إذا كان مرتبطًا بفكرة العقاب. في الإناث، وجد المؤلف أن وضع حمض الكربوليك الخالص على البظر يُعتبر وسيلة ممتازة للتخفيف من الإثارة غير العادية.

مع بداية القرن العشرين، أدخل رجل يُدعَى برنارد ماكفادن تجديدات على نموذج حركة التغذية بما يتوافق مع القِيَم الأخلاقية المعاصرة؛ لذا صار أكثر خبراء الصحة نجاحًا من الناحية التجارية في عصره. وقام بتغيير اسمه الأول من برنارد Bernard إلى برنار Bernarr؛ لأن الاسم بدا أقرب إلى زئير الأسد (هذا صحيح تمامًا)، وكان يدير مجلة ناجحة اسمها «فيزيكال كالتشر»، كانت تَعْرِض على صفحاتها أجسادًا جميلة تقوم بأشياء صحية. كان العلم الزائف والمبالغة على نفس الشاكلة في ذلك الوقت، لكنه كان يوظِّف الحرية الجنسية لصالحه؛ إذ كان يبيع قطع الجرانولا باعتبارها طعامًا يدعم أسلوب حياة يعتمد على العضلات المفتولة، والانحناءات البارزة، والشهوانية، في خضم ذلك التهافت المنحطِّ الذي غَمَرَ شعوب الغرب في الفترة بين الحربين.١

بعد ذلك، كان هناك دادلي جيه لوبلانك، وهو سيناتور من لويزيانا ومخترع «هاداكول» الذي كان يعالج كل شيء، ولا يتكلَّف أكثر من ١٠٠ دولار سنويًّا للجرعة الموصَى بها، ولدهشة دادلي العارمة، بيع منه بالملايين. قال أحد الصيادلة: «لقد جاءوا لشراء هاداكول في الوقت الذي لم يكن معهم مالٌ لشراء طعام. كانت ثمة ثقوب في أحذيتهم، ودفعوا ثلاثة دولارات ونصفًا مقابل زجاجة هاداكول.»

لم يطرح لوبلانك أي ادِّعاءات طبية، لكنه دفع بشهادات العملاء إلى وسائل إعلام متلهِّفة. وعيَّن مديرًا طبيًّا كان قد أُدين في كاليفورنيا بتهمة ممارسة الطب دون رخصة ودون شهادة علمية. وكادت إحدى مريضات السكر تموت عندما توقفت عن تناول الأنسولين حتى تعالِج نفسها باستخدام هاداكول، لكن لم يعبأْ أحد. وكتبت مجلة «نيوزويك» قائلة: «هذا جنون. إنها ثقافة. إنها حركة سياسية.»

يسهُل التقليل من قدر الجاذبية التجارية المستمرة والهائلة لهذه الأنواع من المنتجات والادِّعاءات عبر التاريخ. فبحلول عام ١٩٥٠، كانت مبيعات هاداكول قد بلغت أكثر من ٢٠ مليون دولار أمريكي، وحجم إنفاق إعلاني بلغ مليون دولار شهريًّا، في ٧٠٠ صحيفة يومية و٥٢٨ محطة إذاعية. أجرى لوبلانك عرضًا طبيًّا متجوِّلًا مكوَّنًا من ١٣٠ سيارة في جولة بلغت مسافتها الإجمالية ٣٨٠٠ ميل عبر الجنوب. كان الانضمام إلى الجولة يتطلَّب تقديم غطاءات زجاجات هاداكول، وكان من بين النجوم المشاركين في العروض جروتشو وتشيكو ماركس، وميكي روني، وجودي جارلاند، وكانت هناك عروض تثقيفية شَملت نساءً كنَّ بالكاد يرتدين ملابس تَعْرِض «تاريخ ثوب الاستحمام». وأدت فرق دكسي لاند للجاز أغنيات مثل «هاداكول بوجي» و«مَنْ بَثَّ الحيوية في جدتي؟»

استغل السيناتور نجاح هاداكول للدفع بمساره السياسي قُدُمًا إلى الأمام؛ ما أصاب منافسيه، وهم شركة عائلة لونج — التي تعود أصولها إلى الإصلاحي الديمقراطي هيوي لونج — بالذعر؛ ما جعلها تُطلِق دواءً يتمتع ببراءة اختراع خاص به اسمه «فيتا-لونج». وبحلول عام ١٩٥١، كان لوبلانك ينفق على الحملات الإعلانية أكثر مما كان يحقِّق عوائد من المبيعات، وفي فبراير من ذلك العام، وبعد فترة قصيرة من بيعه الشركة — وقبل فترة قصيرة من انتهاء نشاطها — ظهر في البرنامج التليفزيوني «يو بيت يور لايف» مع صديقه القديم جروتشو ماركس. قال جروتشو: «هاداكول، ما الفائدة منه؟» قال لوبلانك: «حسنًا، لقد عاد عليَّ بحوالي خمسة ملايين دولار ونصف في العام الماضي.»

الفكرة التي أطرحها هنا هي أنه لا جديد تحت الشمس؛ فطالما كان ثمَّة خبراءُ صحة يبيعون منتجات سحرية. لكنني لست صحفيًّا متخصصًا في شئون المستهلك، ولا آبَهُ إذا كان الناس لديهم مؤهلات غير عادية، أو يبيعون موادَّ سخيفة منافية للعقل. إن ماكيث، بالنسبة إليَّ، بمنتهى البساطة، تُمَثِّل تهديدًا لفهم العامة للعلم؛ فهي تظهر في برنامج تليفزيوني حول الأغذية يعرض في أوقات ذِروة المشاهدة، لكن يبدو أنها لا تُسيء فهم الأشياء الدقيقة فقط، بل تسيء فهم أبسط الجوانب الأساسية في علم الأحياء؛ الأشياء التي يستطيع طفل في المدرسة تصحيحها لها.

لفتت د. جيليان ماكيث نظري للمرة الأولى عندما بعث قارئ بقصاصة من صحيفة راديو تايمز حول أول سلسلة لها في القناة الرابعة. ظهرت ماكيث أنيقةً، وفي صورة مدهشة جدًّا، كشخصية أكاديمية وعلمية من ذوي الياقات البيضاء ممَّن لهم تأثير في مجال التغذية؛ «مُختَصة تغذية إكلينيكية»، تقف في المختبرات، تحيطها أنابيب الاختبار، وتتحدث عن التشخيصات والجزيئات. ونُقل عنها أيضًا شيءٌ كان بإمكان طالبٍ يبلغ من العمر أربعة عشر عامًا يدرس الأحياء في الصف الثانوي تمييزه بسهولة باعتباره هُراء بحتًا. كانت توصي بتناول السبانخ، والأوراق الأكثر دُكنة في النباتات؛ لاحتوائها على كلوروفيل أكثر. وبحسب ماكيث، تحتوي تلك النباتات على «نسبة عالية من الأكسجين» وسوف «تُفضي حقيقةً إلى أكسدة الدم.» ويتكرَّر هذا الزعم في جميع كتبها.

أرجو أن تغفروا لي نبرتي الاستعلائية، لكن قبل أن نَمضي قُدُمًا ربما تحتاجون إلى قليلٍ من التنشيط للذاكرة حول معجزة التمثيل الضوئي. الكلوروفيل هو جزيء أخضر صغير يوجد في خلايا تصنيع الكلوروفيل، تلك المصانع المصغَّرة في الخلايا النباتية التي تستمد الطاقة من الشمس وتستخدمها في تحويل ثاني أكسيد الكربون والماء إلى سكر وأكسجين. من خلال هذه العملية، المسماة التمثيل الضوئي، تخزِّن النباتات الطاقة من ضوء الشمس في صورة سكر (يحتوي على سعرات حرارية مرتفعة، مثلما تعرف)، ويمكنها استخدام هذه الطاقة السُّكَّرية في تكوين أي شيء آخر تحتاج إليه النباتات؛ مثل البروتين، والألياف، والزهور، وحبَّات الذُّرة على القلاحة، واللحاء، والأوراق، والشراك المذهلة التي تأكل الحشرات، وعلاجات للسرطان، والطماطم، والهندباء الناعمة، وثمرة القسطل الصلبة، والفلفل، وجميع الأشياء الأخرى المدهشة التي تجري في عالم النبات.

في الوقت نفسه، يتنفس المرء الأكسجين الذي تُطلقه النباتاتُ خلال هذه العملية — باعتباره منتَجًا ثانويًّا في عملية تصنيع السكر — ويتناول النباتات أيضًا، أو يتناول لحوم الحيوانات التي تأكل النباتات، أو يُشَيِّد منازلَ من الخشب، أو يصنع مسكِّنات ألم من لحاء شجرة الصفصاف، أو أي من الأشياء الأخرى المدهشة التي تحدث في النباتات. يزفر المرء أيضًا ثاني أكسيد الكربون، وتستطيع النباتات مَزْجَهُ مع الماء لتصنيع المزيد من السكر مرة أخرى، باستخدام الطاقة المستمدة من ضوء الشمس، وهكذا تستمر الدورة.

مثل معظم الأشياء في القصة التي يمكن أن تتلوها العلوم الطبيعية عن العالم، فإن العملية بأكملها في منتهى الجمال، وفي منتهى البساطة على نحو رشيق، لكنها في المقابل في غاية التعقيد على نحو مثْمِر، ومترابطة بإتقان — فضلًا عن صحتها — حتى إنني لا أستطيع أن أتخيَّل لماذا قد يرغب أي شخص في الاعتقاد بفاعلية أي هُراء «بديل» من هُراءات العصر الجديد عوضًا عن ذلك كله. سأمضي أبعد من ذلك لأقول إننا حتى لو كنا جميعًا تحت سيطرة إلهٍ خَيِّر، واتَّضح أن الواقع بأكمله يعود في نهاية المطاف إلى طاقة «روحانية» غريبة لا يستطيع تسخيرها حقًّا سوى مُختَصِّي العلاج البديل، لظلَّ الأمر لا في غاية التشويق ولا في غاية الرشاقة مثل أبسط الأشياء الأساسية التي تعلَّمتها في المدرسة عن طريقة عمل النباتات.

هل يحتوي الكلوروفيل على «نسبة مرتفعة من الأكسجين»؟ لا. إنه فقط يسهم في صناعة الأكسجين في وجود ضوء الشمس. وهو يبدو داكنًا إلى حدٍّ ما في أمعائك. في حقيقة الأمر، إذا كان ثمة أي ضوء في المعدة، فهذا يعني أن ثمة شيئًا ليس على ما يرام على الإطلاق؛ لذا لن يؤدِّي تناولُ الكلوروفيل إلى تصنيع الأكسجين، وحتى لو حدث ذلك، حتى لو أدخلَتْ د. جيليان ماكيث ضوء كشاف في المؤخرة لإثبات وجهة نظرها، وبدأت السَّلَطَة التي تناولْتَها في إجراء عملية تمثيل ضوئي، حتى لو نفثت في معدتك ثاني أكسيد الكربون من خلال أنبوب؛ حتى تمنح خلايا تصنيع الكلوروفيل شيئًا تؤدِّي عملها عليه، ومن خلال معجزةٍ ما بدأتَ بالفعل في إنتاج الأكسجين في المعدة، فسيظل من غير الممكن امتصاص كمية كبيرة منه من خلال أمعائك؛ لأن أمعاءك معتادة على امتصاص الغذاء، بينما صُمِّمت الرئة خصوصًا لامتصاص الأكسجين. لا يمتلك الإنسان خياشيم في أمعائه، ولا تمتلك الأسماك خياشيم في أمعائها، بما أننا قد ذكرناها. وبينما نتحدَّث عن ذلك، ربما لا ترغب في وجود أكسجين في بطنك على أي حال. في الجِراحات الصغيرة، يحتاج الجرَّاحون إلى تضخيم بطنك حتى يروا ماذا يفعلون، لكنهم لا يستخدمون الأكسجين؛ لأن ثمة ريحًا من غاز الميثان في البطن أيضًا، ولا نريد أن تشتعل النيران في الداخل. لا يوجد أكسجين في أمعائك.

إذن مَنْ هذه؟ وكيف جاءت لتعلِّمَنا النظام الغذائي في برنامج تليفزيوني يُشاهَد في وقت الذِّرْوة، في قناة عامة أرضية؟ ما نوع الدرجة العلمية التي تحمِلُها حتى ترتكب أخطاءً بسيطة كهذه يستطيع طفل في المدرسة أن يكتشفها؟ هل كان هذا خطأً وحيدًا؟ زلَّة لسان عابرة؟ لا أظن ذلك.

في حقيقة الأمر، لا أعرف؛ لأنني بمجرد أن قرأتُ ذلك الاستشهاد المثير للسخرية أرسلتُ في طلب المزيد من كتب ماكيث. إنها لا تكتفي بارتكاب الخطأ نفسه في مواضع أخرى متعددة، لكن يبدو لي أن فهمها لأبسط عناصر العلم الأساسية أيضًا مشوَّه بشدة، وعلى نحو غريب. فتجدها تقول في كتاب «أنت ما تأكل» (ص٢١١): «كلُّ بذرة باثقة معبَّأة بالطاقة الغذائية اللازمة لخلق نبات سليم كامل النضوج.»

يصعب متابعة ذلك. هل تحتوي شجرة بلوط متعافية كاملة النضوج، بارتفاع مائة قدم، على كمية الطاقة نفسها التي توجد في ثمرة بلوط صغيرة؟ لا. هل يحتوي عود قصب سكر سليم كامل النمو على كمية الطاقة الغذائية نفسها — قِسْها «بالسعرات الحرارية» إن أردتَ — مثلما في بذرة قصب سكر؟ لا. مُرني بالتوقف إذا كنتُ أسبِّبُ لك ضجرًا، بل مُرني بالتوقُّف إذا كنتُ قد أسأتُ فهم شيء مما قالت، لكن يبدو لي أن هذا الأمر يكاد يشبه الخطأ نفسه في حالة عملية التمثيل الضوئي؛ لأن تلك الطاقة الزائدة اللازمة لإنبات نبات كامل النمو تأتي — مرة أخرى — من خلال عملية التمثيل الضوئي؛ حيث تَستخدم النباتات الضوء في تحويل ثاني أكسيد الكربون والماء إلى سكر، ثم إلى كل شيء آخر تتكون منه النباتات.

هذه ليست مسألة عَرَضية، أو جانبًا غير مهم في أعمال ماكيث، ولا هي مسألة تتعلق بأي «مدرسة فكرية» يعبِّر المرء عنها؛ ﻓ «الطاقة الغذائية» في قطعة طعام تُعَدُّ أحد أهم الأمور التي يمكن أن تتصور أن يعرف أي مُختَص تغذية عنها شيئًا. أستطيع أن أخبرك كحقيقةٍ أنَّ كمية الطاقة الغذائية التي سيحصل المرء عليها من تناول بذرة قصب سكر واحدة أقلُّ كثيرًا جدًّا من تلك التي يستمدها من تناول عود القصب الكامل الذي نبت من هذه البذرة. هذه ليست أخطاءً عابرة، أو زلَّات لسانٍ (إن لديَّ سياسةً، فيما يبدو، ألَّا أنتقد الحديث التلقائي؛ لأننا جميعًا نستحق أن يسامحنا الآخرون على ما يصدر عنا سهوًا)؛ هذه عبارات واضحة مستقاة من كتب منشورة.

عند مشاهدة برنامج ماكيث التليفزيوني بعين طبيب، يتضح سريعًا أنه حتى هنا — وهو شيء مخيف — لا يبدو أنها تعرف عمَّ تتكلم! فهي تفحص بُطُون المرضى على أريكة فحصٍ كما لو كانت طبيبة، وتُعلِن في ثقة أنها تستطيع أن تشعر أيُّ الأعضاء مصابة بالتهاب. لكن الفحص الإكلينيكي فنٌّ رفيع في أفضل الأحوال، وما تزعمه يشبه تحديد أي لعبة خبَّأها أحد الأشخاص تحت المرتبة (لا مانع في أن تجرِّب هذا في المنزل).

إنها تدَّعِي قدرتها على تشخيص الوَذَمَةِ اللِّمفِيَّة، والتفرقة بين كعب متورِّم وتجمُّع سوائل، وتكاد تفعل ذلك على النحو الصحيح؛ على الأقل تضع أصابعها على الموضع الصحيح تقريبًا، لكن فقط لمدة نصف ثانية واحدة، قبل الإعلان في نبرة انتصار عن نتائج تشخيصها. إذا رغبتَ في استعارة نسخة الطبعة الثانية من كتاب إبستاين ودي بونو «الفحص الإكلينيكي» (لا أعتقد أن ثمة كثيرين أثناء عامِي في كلية الطب لم يشتروا نسخةً من الكتاب)، فستكتشف أنك حتى تشخِّصَ وجود وَذَمَة لِمْفِيَّة، عليك الضغط بقوةٍ لمدة ثلاثين ثانية تقريبًا، ثم تضغط برفق لتُخرج السائل الناضح من الخلايا، ثم ترفع أصابعك، وترى هل تركتْ تجويفًا في موضعها.

إذا ظننتَ أنني أنتقي أشياءَ دون غيرها، ولا أستشهد إلا بأكثر لحظات ماكيث إثارةً للسخرية، فهناك المزيد: اللسان هو «نافذة تُطل على الأعضاء الأخرى، يُظهر الجانب الأيمن منه طبيعةَ عمل المرارة، ويُظهر الجانب الأيسر الكبد.» تُعتبر الشعيرات الدموية المرتفعة في الوجه علامة على «عدم كفاية إنزيمات الهضم، وأن جسدك يصرخ من أجل إنزيمات الطعام.» ولحُسن الحظ، يمكن لجيليان بيعُ بعض إنزيمات الطعام عبر موقعها الإلكتروني. تُعتبر «آثار البراز في السروال الداخلي (جيليان مهووسة بالبراز وري القولون) علامة على الرطوبة داخل الجسد، وهي حالة شائعة جدًّا في بريطانيا.» وإذا كانت رائحة برازك سيئة، إذن فأنت «في حاجة ماسة إلى إنزيمات هضمية» مرة أخرى. أما علاجها الذي تقدِّمه للتخلص من البثور في الجبهة — انتبه، بثور في الجبهة، لا في أي مكان آخر — عبارة عن حقنة شرجية عاديَّة. كذلك يُعتبر البول الغائم «علامة على رطوبةِ وحمضيَّةِ الجسد؛ بسبب تناول أطعمة خاطئة.» الطحال هو «بطارية الطاقة» في الجسد.

وهكذا رأينا حقائق علمية — حقائق أساسية جدًّا — يبدو أن د. ماكيث مخطئةٌ بشأنها. ماذا عن العملية العلمية؟ لقد زَعَمَتْ، مرارًا وتكرارًا ولكل من يستمع، أنها تشارك في بحوث علمية إكلينيكية. لنتمهَّلْ قليلًا؛ لأنه من خلال كل شيء قُلْتُه، ربما تفترض منطقيًّا أن ماكيث وُسِمَت بوضوح كخبيرة علاج بديل مستقلة. في حقيقة الأمر، لا يوجد ما هو أبعد عن الحقيقة من ذلك؛ فقد جرى تقديم هذه الطبيبة — بصفة منتظمة، في وضوح تام، عبر القناة الرابعة وموقعها وشركتها الإدارية وكُتُبها — باعتبارها خبيرة علمية في التغذية.

افترض الكثيرون ممَّن يشاهدون برنامجها التليفزيوني بصورة طبيعية تمامًا أنها طبيبة. وَلِمَ لا؟ فها هي تفحص المرضى، وتُجري اختبارات الدم وتُحَلِّلها، وترتدي معطفًا أبيض، تحيطها أنابيب الاختبار، ويدعوها الناس «د. ماكيث»، و«طبيبة الحِمْية»، ونجدها تشخِّص الأمراض، وتتحدث بنبرة الخبير عن العلاج، وتستخدم مصطلحات علمية معقَّدة بكل ما أوتيَتْ من ثقة، وتركِّب أجهزة الري جيدًا، وبشكل توسعي داخل المستقيم.

ولأجل الإنصاف، يجب أن أذكر الآن شيئًا عن الدكتوراه، لكن يجب أن أكون واضحًا أيضًا: لا أعتقد أن هذا هو الجزء الأهم في القصة. صحيح أنه الجزءُ الأكثر إضحاكًا والأبرز والأكثر جدارة بالتذكُّر، لكنَّ الجزء الأهم بحقٍّ هو ما إن كانت ماكيث تستطيع حقًّا التصرف مثل عالِمة أكاديمية في مجال علم التغذية مثلما تزعم.

إن ما يتسم به منهجها من مسحة علمية هو شيء جدير بالتأمل؛ فهي تنشر وثائق مطوَّلة تنطوي على مسحة من «المرجعية الظاهرية»؛ إذ يكون بها أرقام علوية صغيرة لطيفة تشير إلى تجارب، ودراسات، وبحوث، وأوراق علمية … لكن عندما يتتبَّع المرءُ الأرقام، ويتحقَّق من المراجع، يُصدَم حين يجدها في أغلب الأحيان ليست كما تزعم في النص الرئيسي، أو حين يجد الأرقام تُحيل إلى مجلَّات وكتب صغيرة مُضحِكَة؛ مثل «ديليشيز»، و«كرييتيف ليفينج»، و«هيلثي إيتينج»، ومجلتِي المفضَّلة «سبريتوال نيوتريشن آند ذا رينبو دايت»، وليست هذه مجلات أكاديمية حقَّة.

إنها تفعل هذا حتى في كتاب «الطعام الخارق المعجِز»، الذي — مثلما يُقال لنا — يُعَدُّ النسخة المنشورة من الدكتوراه التي تحملها؛ إذ تقول: «في التجارب المعملية على الحيوانات المصابة بفقر الدم، عادت أعداد خلايا الدم الحمراء إلى معدلها الطبيعي في غضون أربعة أو خمسة أيام عند تناول الكلوروفيل.» كان مرجعها في بيانات هذه التجربة مجلة تسمى «هيلث ستور نيوز». تشرح ماكيث قائلة: «في القلب، يسهم الكلوروفيل في نقل النبضات العصبية التي تتحكَّم في عملية الانقباض.» وتعود مرجعية تلك العبارة إلى العدد الثاني من مجلة اسمها «إيرث ليتر». وهذا عادل بما يكفي، إذا كان هذا هو ما ترغب في قراءته — أبذُلُ قصارى جهدي هنا حتى أكون منطقيًّا — لكن من الواضح أن هذا ليس مصدرًا مناسبًا يُعتَدُّ به كمرجع يدعم هذا الزعم. لا تنسَ أن هذا موضوع رسالة الدكتوراه الخاصة بها.

بالنسبة إليَّ، يمثِّل هذا عِلْمَ عبادةِ الإمدادات، مثلما وصفه الأستاذ الدكتور ريتشارد فاينمان بذلك قبل أكثر من ثلاثين عامًا، في إشارة إلى أوجُه التشابه بين أشباه العلماء والأنشطة الدينية في عدد صغير من جُزُر ميلانيزيا في خمسينيات القرن العشرين:

خلال الحرب، كانوا يرون طائراتٍ محمَّلةً بالكثير من البضائع الجيدة، ويريدون أن يحدث الشيء نفسه الآن؛ لذا صنعوا أشياء تبدو مثل ممرات طائرات، ووضعوا شعلات نيران على جوانب الممرات، وصنعوا كوخًا خشبيًّا يجلس رجلٌ فيه، واضعًا قطعتين خشبيتين فوق رأسه كسمَّاعات تُبرِز من رأسه قضبانًا من البامبو كقرون استشعار — هو مسئول التحكم — وينتظرون هبوط الطائرات. إنهم يفعلون كل شيء على نحو صحيح، والشكل رائع. يبدو الأمر تمامًا مثلما كان يبدو من قبل، لكنه لا ينجح، ولا تهبط أي طائرات.

مثل طقوس عبادة الإمدادات، تُعتبر صورة ما تقدِّمه ماكيث من أعمال شِبْه علمية صحيحةً ظاهريًّا؛ فالأرقام العلوية موجودة، والكلمات التقنية المتخصصة متناثرة هنا وهناك، وتتحدَّث عن البحوث، والتجارب، والنتائج، لكن لا توجد مادة. لا أجد هذا في حقيقة الأمر مضحكًا للغاية، بل يصيبني بالكآبة الشديدة عند التفكير فيها وهي تجلس، ربما وحدها، تكتب هذه الأشياء في جِدٍّ ورَوِيَّة.

هل يجب أن يشعر المرء بالأسف من أجلها؟ لعل إحدى النوافذ المطلة على عالمها تتمثَّل في الطريقة التي استجابت بها إلى النقد، من خلال عبارات تبدو، حسنًا، خاطئة. ويُعدُّ من قبيل الحِيطَة الافتراضُ بأنها ستفعل الشيء نفسه حيال أي شيء أكتبه هنا؛ لذا استعدادًا للردود القادمة، دعونا نُلْقِ نظرةً على بعضٍ من الردود من الماضي القريب.

في عام ٢٠٠٧، مثلما أُشير سابقًا، وجَّهَت لها الوكالة التنظيمية للأدوية ومنتجات الرعاية الصحية سهامَ النقد لبيعها مجموعة لا طائل منها من أقراص الجنس العُشبية تُسمَّى «فاست فورميولا هورني جوت وييد كومبلكس»، أُعلِن عنها باعتبار أن الأقراص قد أظهرت من خلال «دراسة خاضعة للضبط» أنها تدعم الرضا الجنسي، وجرى بيعها في ظل ادِّعاءات طبية صريحة. واعتُبِر بيع تلك الأقراص غيرَ قانوني في المملكة المتحدة، وأُجبرت على منع بيع هذه الأقراص في الحال. انصاعت ماكيث للأمر — إذ كان البديل هو الملاحقة القضائية — لكن موقعها أعلن أن أقراص الجنس سُحِبت من السوق بسبب «قوانين الترخيص الجديدة في الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالمنتجات العشبية.» وشاركت في أحد العروض القصيرة الفكاهية حول العداء لأوروبا مع صحيفة «هيرالد» الاسكتلندية. وقالت: «البيروقراطيون في الاتحاد الأوروبي يشعرون لا شكَّ بقلق بالغ من أن الناس في المملكة المتحدة يمارسون الجنس على نحوٍ ممتع أكثر مما ينبغي.»

هُراء. لقد تواصلتُ مع مسئولي الوكالة التنظيمية لأدوية ومنتجات الرعاية الصحية، الذين أجابوا: «لا علاقة لهذا بالتشريعات التنظيمية الجديدة للاتحاد الأوروبي. المعلومات الموجودة على موقع ماكيث غير صحيحة.» هل كان هذا خطأً؟ ومضوا في حديثهم قائلين: «لقد كانت مؤسسة السيدة ماكيث على دراية بمتطلبات التشريع الخاصة بالمنتجات الطبية في السنوات السابقة؛ فلم يكن ثمة سبب على الإطلاق حتى لا تتوافق جميع المنتجات مع القانون. لم يكن بَيْعُ منتَجَيْ «وايلد بينك يام» و«هورني جوت وييد» اللذينِ سوَّقَتْهُما شركة أبحاث ماكيث المحدودة مصرَّحًا به قانونًا في المملكة المتحدة.»

ثم هناك موضوع السيرة الذاتية؛ فقد حصلت د. ماكيث على درجة الدكتوراه من كلية كلايتون للصحة الطبيعية، وهي كلية مراسلة غير مُعترَف بها، تبيع على غير المعهود من أي مؤسسة أكاديمية مجموعَتها الخاصة من أقراص الفيتامين عبر موقعها. وكانت قد حصلت على درجة الماجستير من المؤسسة المرموقة ذاتها. ووَفْق أسعار كلايتون الحالية، تبلغ رسوم الحصول على درجة الدكتوراه ٦٤٠٠ دولار أمريكي، وأقل من ذلك بالنسبة إلى درجة الماجستير، لكن إذا دفع المرء مقابل الحصول على الدرجتين معًا، يحصل على خصم ٣٠٠ دولار (وإذا أردت حقًّا أن تُسرِف في الإنفاق، فلديهم حزمة مغرية؛ ألا وهي درجتا دكتوراه ودرجة ماجستير مقابل ١٢١٠٠ دولار أمريكي إجمالًا).

في سيرتها الذاتية، المعروضة على موقعها الإداري، زعمَتْ ماكيث أنها تحمل درجة الدكتوراه من الكلية الأمريكية للتغذية، وهي كلية جيدة إلى حدٍّ ما. وعندما أُشير إلى ذلك، قال ممثِّلها إنَّ ذلك كان مجرد خطأ ارتكبه موظف إسباني صغير مسئول عن جانب التاريخ الوظيفي، فوضع السيرة الذاتية الخاطئة. لعل القارئ المتنبِّه قد لاحظ أن هذا الزعم نفسه حول الكلية الأمريكية للتغذية وَرَدَ أيضًا في أحد كتبها منذ سنوات عديدة خَلَتْ.

في عام ٢٠٠٧، رفع أحد المترددين الدائمين على موقعِي — لا أكاد أستطيع إخفاء فخري — دعوى ضد ماكيث بهيئة المعايير الإعلانية، شاكيًا من أنها تستخدم لقب «طبيب» بناءً على مؤهل حصلت عليه من دورة مراسلة من كلية أمريكية غير معتَرَف بها، وحقَّق نصرًا؛ فقد توصَّلت هيئة المعايير الإعلانية إلى أن إعلانات ماكيث خالفت شرطَيْن في قواعد لجنة الإعلان للممارسة؛ ألا وهما: «الثبوتية» و«المصداقية».

تجنَّبت د. ماكيث نَشْرَ مُسَوَّدَةِ حكمٍ قضائي من هيئة المعايير الإعلانية في اللحظة الأخيرة من خلال القبول — «طوعًا» — بعدم إطلاق لقب «طبيبة» على نفسها في أيٍّ من إعلاناتها. في التغطية الإخبارية التي تلت ذلك، أشارت ماكيث إلى أن الحكم القضائي كان متعلِّقًا فقط بكونها قدَّمَت نفسها باعتبارها طبيبة. مرة أخرى، ليس هذا صحيحًا؛ فقد وقعت تحت يدي نسخةٌ من مُسَوَّدَة هذا الحكم القضائي — تخيَّل ذلك — ووجدتُها تقول على وجه التحديد إن الأشخاص الذين يشاهدون الإعلانات سيتوقعون منطقيًّا أنها تحمل درجة طبية، أو درجة دكتوراه من جامعة معترَف بها.

لقد نَجَحَتْ ماكيث في أن تُجْري تصحيحًا في أحد بياناتها الشخصية في صحيفتِي «ذا جارديان»: «ثار الشك أيضًا حول مدى قيمة عضوية ماكيث الموثَّقة في الرابطة الأمريكية لاستشاريِّي التغذية، خاصة منذ أن نجح صحفيُّ «ذا جارديان» بن جولديكر في شراء العضوية نفسها على الإنترنت لِقِطَّتِه الميتة مقابل ٦٠ دولارًا. تقول المتحدثة باسم ماكيث عن هذه العضوية: «تمتلك جيليان «عضوية مِهْنية»، وهي عضوية خاصة بالمتخصصين في مجال التغذية والحِمْيَات، وتختلف عن «العضوية المشاركة»، المفتوحة للجميع. وحتى تحصل على عضوية مهنية، قدَّمت جيليان دليلًا على درجتها العلمية وثلاثة مراجع مهنية».»

حسنًا. قِطَّتِي الميتة هيتي أيضًا «عضو مِهْني مُثبَت» في الرابطة الأمريكية لاستشاريي التغذية، وشهادة العضوية معلَّقة لديَّ في الحمام. ربما لم يَدُرْ ببال الصحفية أن ماكيث ربما كانت على خطأ. أعتقد على الأرجح — وَفْق تقاليد الصحفيين المتوترين — أنها كانت في عَجَلة من أمرها، وملتزمة بموعد نهائي، وشعرت بأن عليها أن تمنح ماكيث «حق الرد»، حتى لو ألقى ذلك — أُقِرُّ بِجَدَلِي هنا — بِظِلال الشكِّ على مكاشفاتي الاستقصائية التي توصلتُ إليها بشِقِّ الأنفُس بشأن قِطَّتِي الميتة. أعني أنني لا أُدرِجُ قطَّتي كعضوٍ في منظمات مهنية مزيَّفة فقط من أجل صحة أفضل كما تعلم. وربما يبدو الأمر غير ملائم أن أشير إلى أنني سأواصل الإشارة إلى هذه الأمور المُحَيِّرة ما دامت ملفَّقَة، لكنني سأظل أفعل ذلك؛ لأنني أجد متعةً غريبةً في تَقَفِّي آثار مدى صحة تلك الأمور.

لكن ربما يجب ألَّا أكون على هذا القدر من الجرأة؛ فقد رفعت ماكيث دعوى تشهير ضد صحيفة «ذا صن» بسبب تعليقات أدلَتْ بها الصحيفة في عام ٢٠٠٤. تُعَدُّ صحيفة «ذا صن» جزءًا من مجموعة إعلامية ثَرِيَّة ضخمة، وهي تستطيع حماية نفسها من خلال فريق قانوني ضخم يتلقَّى أتعابًا مُجْزِيَةً، في حين لا يستطيع الآخرون أن يفعلوا ذلك. فقد نَشَرَتْ مُدَوَّنة ساحرة، لكنها غير معروفة، تُدعى «بي إتش ديفا» بعضَ التعليقات البريئة نسبيًّا حول مُختَصِّي التغذية، مشيرةً إلى ماكيث، فتلقَّت خطابَ تهديد باتخاذ إجراءات قانونية باهظة من آتكينز سوليستورز، «المتخصصين في الدفاع عن السمعة وإدارة العلامات التجارية». كذلك تلقَّتْ «جوجل» خطابًا ينطوي على تهديدات قانونية لربطها اسم ماكيث — أستميحك عذرًا — بإحدى الصفحات المجهولة نوعًا ما. أرسلت ماكيث أيضًا تهديدات قانونية إلى موقع مُضحِك جدًّا يُسمى «إكلكتك» لعرضه كرتونًا مصوَّرًا لها وهي تغني أغنية سخيفة في الوقت الذي كانت فيه في برنامج «أكاديمية الشهرة».

تدور معظم هذه المنازعات القانونية حول قضية مُؤهِّلاتها، لكن مثل هذه الأمور يجب ألَّا تكون صعبة أو معقَّدة. فإذا أراد أيُّ شخص أن يتأكد من درجاتي العلمية، أو عضوياتي، أو انتماءاتي، يمكنه أن يتواصل مع المؤسسات المَعْنِيَّة ويحصل على تأكيد فوري وينتهي الأمر. وإذا قلتَ إنني لستُ طبيبًا، فلن أُقاضِيَك؛ بل سأنفجر في الضحك.

أما إذا تواصلتَ مع كلية أستراليشيا للعلوم الصحية (بورتلاند، أوريجون)؛ حيث كان لدى ماكيث «دبلومة معلَّقة في طب الأعشاب»، فإنهم يقولون إنهم لا يستطيعون أن يُفصِحُوا عن أي شيء يتعلَّق بطُلَّابهم. وإذا تواصلتَ مع كلية كلايتون للصحة الطبيعية لِتسألَ أين يمكن قراءة رسالتها للدكتوراه، يقولون إنهم لا يستطيعون إخبارك. أيُّ نوعٍ من المؤسسات هذه؟ لو قلتُ إنني أحمل درجة الدكتوراه من كامبريدج، سواء في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة (علمًا بأنني لا أحمل أي درجة علمية من أيَّتِهما، ولا أزعم مكانة علمية عظيمة كهذه)، لما استغرق الأمر أكثر من يوم للعثور عليها في مكتباتهما.

ربما ليست هذه إلا نوادر تافهة، لكن بالنسبة إليَّ، تتجسَّد أكثر الجوانب إثارةً للقلق في الطريقة التي تستجيب بها إلى التشكيك في أفكارها العلمية من خلال قصة ترجع إلى عام ٢٠٠٠، عندما تحدثت د. ماكيث إلى أستاذ متقاعد في طب التغذية من جامعة لندن. بعد وقت قصير من نشر كتابها «الطعام الحيوي من أجل الصحة»، كتب جون جارو مقالًا حول بعض المزاعم العلمية الغريبة التي كانت تطرحها د. ماكيث، ونُشرت مقالته في نشرة طبية مغمورة إلى حدٍّ ما. كان مندهشًا من القوة التي عَرَضَت بها مؤهِّلاتها باعتبارها عالمةً («أواصل يوميًّا البحث، وإجراء الاختبارات، والكتابة كثيرًا حتى يمكنكم الاستفادة …» إلخ). وقال في ذلك الوقت إنه كان يَفترض — مثل كثيرين آخرين — أنها طبيبة حقًّا. آسف، في الطب. آسف، دكتورة في الطب التقليدي مؤهَّلة، التحقت بكلية طبٍّ معترَف بها.

في هذا الكتاب، وَعَدَت ماكيث بتفسير كيف يمكن «تعزيز طاقتك، وعلاج أعضائك وخلاياك، والتخلُّص من السموم في جسدك، وتقوية كُلْيتَيْك، وتحسين الهضم لديك، وتقوية مناعتك، والحد من نسبة الكولسترول وضغط الدم المرتفع، وتكسير الدهون والسليلوز والنشا، وتنشيط الطاقات الإنزيمية في جسدك، وتقوية وظائف طحالك وكبدك، وزيادة قوة التحمُّل العقلية والجسدية، وتنظيم سكر الدم، والتقليل من حالات النَّهَم وإنقاص الوزن.»

هذه ليست أهدافًا متواضعة، لكنَّ طَرْحَها كان يتمثَّل في أن هذه الأشياء جميعها ممكنة من خلال نظام غذائي غني بالإنزيمات من الطعام النَّيِّئ «الحيوي»؛ مثل الفواكه، والخضراوات، والبذور، والمكسرات، وخاصة البراعم النيئة، التي تُعتبر «المصادر الغذائية للإنزيمات الهضمية». بل إنها قَدَّمَت «مزيجًا من مسحوق الطعام النَّيِّئ لأغراض إكلينيكية» في حال إذا لم يُرِدِ الناس تغيير نظامهم الغذائي، وأشارت إلى أنها استعانت بهذا المسحوق في إجراء «تجارب إكلينيكية» على مرضى في عيادتها.

كان جارو متشكِّكًا في مزاعمها. فبِقَطْع النظر عن أي شيء آخر، كان يعلم، باعتباره أستاذًا متقاعدًا في التغذية البشرية في جامعة لندن، أن الحيوانات البشرية لها إنزيماتها الهضمية الخاصة بها، وأي إنزيم نباتي يتناوله المرء على الأرجح سيَجْرِي هضمه مثل أي بروتين آخر، مثلما قد يخبرك أي أستاذ تغذية، بل أي طالب يدرس علم الأحياء في المرحلة الثانوية.

قرأ جارو كتاب ماكيث بتعمُّق، مثلما قرأتُه أنا، وبدت هذه «التجارب الإكلينيكية» مثل بِضْعِ نوادر حول مدى التحسن الهائل الذي يشعر به المرضى بعد رؤيتها. لا ضوابط، لا علاجات وهمية، لا محاولة لتقدير كمِّ التحسن أو قياسه؛ لذا قدَّم جارو مقترحًا متواضعًا في نشرة طبية مغمورة نوعًا ما. وأَستشهِدُ هنا بهذا المقترَح بكامله، جزئيًّا لأنه بمنزلة عرض مُصَاغٍ بشكل متأنِّق رائع للأسلوب العلمي، كتبته شخصية أكاديمية بارزة في مجال علم التغذية، ولكنني أعرضه في الأساس؛ لأنني أريدك أن ترى كيف قدَّم طرْحَه في أدب:

أنا أيضًا مُختَص تغذية إكلينيكية، وأعتقد أن كثيرًا من العبارات الواردة في هذا الكتاب خاطئة. تتمثل فرضيتي في أن أي فوائد لاحظَتْها د. ماكيث في مرضاها الذين تناولوا مسحوق الطعام الحيوي لا علاقة لها على الإطلاق بمحتوى الإنزيمات لديهم. إذا كنتُ مصيبًا، فسيشعر المرضى، الذين جرى إعطاؤهم المسحوق الذي تم تسخينه إلى درجة أعلى من ١١٨ فهرنهايت لمدة عشرين دقيقة، بتحسن مثلهم مثل المرضى الذين تلقَّوُا المسحوق النشِط. سوف يدمِّر هذا القدر من الحرارة جميع الإنزيمات، لكنه لا يُحدِث إلا تغييرًا طفيفًا للمواد الغذائية الأخرى باستثناء فيتامين ج؛ لذا يجب أن تتناول كلتا مجموعتي المرضى جرعة بسيطة من مكمِّل فيتامين ج (لنقل ٦٠ مليجرامًا/يوميًّا). لكن إذا كانت د. ماكيث مُصِيبة، فمِنَ المفترض أن يَسْهُل الاستنتاج من خلال تعزيز الطاقة، إلخ؛ أيُّ مرضى تلقَّوُا المسحوقَ النشط وأيُّهم تلقَّى المسحوق غير النشط.

إذن لدينا هنا فرضية قابلة للاختبار ربما يتقدم من خلالها علم التغذية. آمُل أنَّ غريزة د. ماكيث، باعتبارها عالمة زميلة، ستدفعها إلى قبول هذا التحدي. وكعامل تشجيع آخر، أقترح أن يودِع كلانا، لِنَقُلْ ألف جنيه استرليني، لدى مساهِم مستقل. إذا أجرينا الاختبار، وثبت خطأ فرضيتي، فستحصل بالطبع على نصيبي، وسأنشر اعتذارًا كاملًا في هذه النشرة. وإذا أثبتت النتائج خَطَأَها، فسأتبرع بحصتها إلى هيلث ووتش (مجموعة توعية طبية)، وأقترح أن تخبِر المرضى الذين يبلغ عددهم ١٥٠٠ مريض على قائمة انتظارها أن مزيدًا من البحوث قد أظهرت أن الفوائد المزعومة لنظامها الغذائي لم تَثْبُت في ظل ظروف خاضعة للضبط. فنحن — العلماءَ — لدينا تقليد نبيل يتمثَّل في سحب مطبوعاتنا رسميًّا إذا أظهرت البحوث اللاحقة أن النتائج غير قابلة للتكرار، أليس كذلك؟

للأسف لم تتقبَّل ماكيث — التي، بقدر ما أعرف، وعلى الرغم من جميع مزاعمها حول «بحوثها» المستفيضة، لم تنشر أبدًا أي بحث في دورية أكاديمية معتبرَة تخضع لمراجعة الأقران ومُدرَجَة ضمن قائمة محرِّك «بَبميد» الإلكتروني — هذا العرضَ للتعاون في إجراء بحث مع أستاذ في التغذية. بدلًا من ذلك، تلقَّى جارو مكالمةً هاتفية من زوج ماكيث المحامي، هوارد ماجازينر، متَّهمًا إياه بالتشهير، وتوعَّد باتخاذ الإجراءات القانونية ضده. تجاهل جارو، وهو أكاديمي عجوز دَمِثٌ وهادئ إلى أبعد الحدود، هذا مُقَلِّلًا من أهميته بأسلوب راقٍ؛ إذ أخبرني قائلًا: «قلتُ له: «قاضِنِي»، ولا أزال منتظرًا.» ولا يزال عَرْضُ الألف جنيه استرليني قائمًا.

لكنَّ ثمَّة موضوعًا أساسيًّا لم نُغَطِّه حتى الآن. فبالرغم من الطريقة التي تستجيب بها ماكيث فيما يبدو لنقدٍ أو تشكيكٍ في أفكارها، وأقراص تضخيم القضيب غير القانونية، وقصة مؤهلاتها المعقدة على نحو غير معهود، وعلى الرغم من تعسُّفها وتسلُّطها المصطنع، والإيماءات الصامتة المُهينة للعامة في برامجها التليفزيونية، التي يبكي فيها ذوو الأحاسيس المُرهَفة والبُدُن على شاشات التليفزيون، وعلى الرغم من سوء فهمها فيما يبدو لبعضِ أبسط جوانب علم الأحياء الذي يُدرَس في المدارس الثانوية، وعلى الرغم من تفضُّلها بتقديم نصائح «علمية» مرتديةً معطفًا أبيض، وعلى الرغم من الطبيعة المُريبة لأعمالها التي تُقَدِّمها باعتبارها ذات معيار «أكاديمي»، بطريقة أو بأخرى، وعلى الرغم من بشاعة الغذاء الذي تنصح بتناوله، فلا يزال ثمة كثيرون يزعمون قائلين: «يمكنك أن تقول ما تريد عن ماكيث، لكنها حسَّنَت من النظام الغذائي للأمة.»

هذا أمرٌ لا يُغَضُّ الطرفُ عنه ببساطة. دعني أكُنْ في غاية الوضوح؛ إذ إنني سأكرِّر هذا مرة أخرى: كلُّ مَن يخبرك بأن تتناول المزيد من الفواكه والخضراوات الطازجة لا بأس منه بالنسبة إليَّ. ولو كان هذا هو نهاية المطاف، لكنتُ أحد أكبر المعجبين بماكيث؛ لأنني أؤيد تمامًا «التدخلات العلاجية القائمة على الأدلة لتحسين صحة الأمة»، مثلما يقولون لنا عادة في كلية الطب.

لننظر في الأدلة. لقد جرت دراسة النظام الغذائي باستفاضة شديدة، وهناك أشياء نعرفها بقدر كبير من اليقين؛ فهناك أدلة مقنعة بشكل منطقي على أن اتِّباع نظام غذائي غنيٍّ بالفواكه والخضراوات، ويحتوي على مصادر طبيعية للألياف الغذائية؛ وتجنُّب السمنة المفرطة، والاعتدال في تناول الكحول، والحد من السجائر، وممارسة التمارين البدنية؛ تقي ضد أشياء مثل السرطان وأمراض القلب.

لا يتوقَّف مُختَصُّو التغذية عند هذا الحد؛ لأنهم لا يستطيعون ذلك؛ إذ إن عليهم اختلاق التعقيد لتبرير وجود مهنتهم. وتوجد مشكلة تجارية كبيرة لدى مُختَصِّي التغذية الجُدُد هؤلاء مع الأدلة. فلا يوجد شيء مِهْني أو حصري فيما يتعلق بمقولة «تناوَلْ خضراواتك»؛ لذا كان عليهم أن يُعَقِّدوا الأمر أكثر. لكن لسوء الحظ بالنسبة إليهم، لا تُدَعَّم العلاجات التقنية المُحَيِّرة، المعقَّدة تعقيدًا بالغًا، وغير المُتَّسقة، التي يروجون لها — مثل الإنزيمات، حبات التوت المستوردة — بأدلة مقنعة في كثير من الأحيان.

لا يرجع هذا إلى قِلَّةٍ في البحث؛ فليست هذه حالة هَيْمَنة طبية تُهمِل مواجهة الحاجات الشاملة للناس. في كثير من الحالات كانت البحوث قد أُجريت، وأظهرت أن المزاعم الأكثر تحديدًا لمُختَصِّي التغذية خاطئة في حقيقة الأمر. وتعتبر حكاية مضادات الأكسدة الخيالية مثالًا نموذجيًّا لذلك. فلا تزال ممارسات التغذية المنطقية، التي نعرفها جميعًا، قائمةً. لكن التعقيد المفرط غير المبرَّر، وغير الضروري لهذه النصائح الغذائية الأساسية يُعتبر — من وجهة نظري — أحدَ أعظم الجرائم في حركة التغذية. ومثلما أشرتُ، لا أعتقد أن مِنْ قبيل المبالغة الحديثَ عن شلل المستهلكين عن طريق إرباكهم في مراكز التسوُّق.

لكنْ ثمَّةَ احتمالٌ مماثلٌ أن يُشَلَّ المستهلكون من خلال الخوف. فربما يحظَوْن بسمعة سيئة باعتبارهم يمارسون سُلْطَةً أبوية، لكن من الصعوبة بمكان تصوُّر أي طبيب في القرن الماضي يستعين بأساليب تقديم المشورة الطبية التي تقدِّمها ماكيث باعتبارها أسلوبًا جديًّا لحثِّ مرضاهم على إجراء تغييرات في أسلوب الحياة. فمع ماكيث نرى الوعيد ينهال على مرضاها في التليفزيون الحكومي؛ شاهد قبرًا مصنوعًا من الشوكولاتة مكتوبًا عليه اسمُك في الحديقة؛ توبيخ زاعق علنًا لمصابي السمنة. وباعتبار ذلك توجُّهًا خاصًّا من جانبها، فإنه يتَّسم بالجاذبية التليفزيونية، ويعمل على توليد حركةٍ ما؛ لكن إذا ابتعد المرء قليلًا عن الاصطناع المبالَغ فيه، الذي تنطوي عليه برامج الوصفات الغذائية وأساليب الحياة التي تُعرض في التليفزيون، فإن الأدلة تشير إلى أن حملات التخويف ربما لا تجعل الناس يُغَيِّرون من سلوكهم على المدى الطويل.

ماذا يستطيع المرء أن يفعل؟ هنا جوهر المسألة. تتمثَّل الرسالة الأكثر أهمية فيما يتعلَّق بالنظام الغذائي والصحة في أن أيَّ شخص يعبِّر عن أيِّ شيء بيقينٍ هو مخطئ بشكل جوهري؛ نظرًا لأن الأدلة على وجود علاقة سبب ونتيجة في هذا المجال تكون ضعيفة وعَرَضِيَّة بشكل شبه دائم، وربما لا يكمن التحرك اللازم في تغيير النظام الغذائي للفرد.

ما أفضلُ الأدلةِ على فوائد تغيير النظام الغذائي للفرد؟ كانت ثمة تجاربُ موزعة عشوائيًّا أجريت في ظل وجود عناصر ضابطة، على سبيل المثال — حيث يجمع الباحث مجموعة كبيرة من الأشخاص، ويغيِّر نظامهم الغذائي، ثم يقارن النتائج الصحية لهم بنتائج مجموعة أخرى — لكن هذه التجارب أظهرت على وجه العموم نتائجَ مُخَيِّبةً جدًّا.

كانت تجربة التدخلِ العلاجي ذي عوامل الخطر المتعددة أحدَ أكبر المشاريع البحثية الطبية التي أُجريت في تاريخ البشرية؛ إذ شملت ١٢٨٦٦ رجلًا كانوا مُعَرَّضين لنوبات من أمراض القلب الوعائية، خاضوا التجربة لمدة تزيد على سبع سنوات. خضع هؤلاء الأشخاص إلى كمٍّ هائل من الأسئلة في صورة استبيانات ومقابلات تَذْكُر عادات غذائية طوال أربعٍ وعشرين ساعة، وسِجِلَّات طعام على مدى ثلاثة أيام، وزيارات منتظمة، وما هو أكثر من ذلك. فوق هذا كله، كانت ثمة تدخُّلات علاجية تنشيطية هائلة كان المفترض منها تغيير حَيَوَات الأفراد، لكنها كانت تتطلَّب بالضرورة تغيير الأنماط الغذائية لعائلاتٍ بأكملها؛ لذا كانت ثمة جلسات تبادل معلومات جماعية أسبوعية للمشاركين في التجربة — وزوجاتهم — وأنشطة فردية، وتقديم استشارات غذائية، وبرنامج توعوي مكثَّف، وما هو أكثر من ذلك. أظهرت النتائج — ما أثار خيبة الجميع — عدم وجود أي فائدة متحصَّلة مقارنةً بالمجموعة الضابطة (التي لم يُطلَب منها تغيير عاداتها الغذائية). كانت مبادرة صحة النساء تجربة ضخمة أخرى استُخدم فيها التوزيع العشوائي والعناصر الضابطة في مجال بحث تغيير العادات الغذائية، وأفضت بالمثل إلى نتائج سلبية. تميل جميع هذه الدراسات إلى إعطاء نتائج سلبية.

لماذا يكون الأمر كذلك؟ الأسباب مثيرة، وتُعتبر بمنزلة نافذة لنا على تعقيدات تغيير السلوك الصحي. لا يسعني إلا مناقشة عدد قليل منها هنا، لكن إذا كنتَ مهتمًّا حقًّا بمجال الطب الوقائي — وتستطيع التكيُّف مع مسائل عدم اليقين وغياب حيل الحلول السريعة — فقد أُوصي لك بامتهان هذا المجال؛ لن تظهر على التليفزيون، ولكنك حينها ستتعامل بأسلوب معقول وتُبْلي بلاءً حسنًا.

لعل أهم الأشياء التي يجب ملاحظتها أن هذه التجارب تتطلَّب من الأشخاص أن يَقلِبوا حياتهم رأسًا على عقب، ولمدة عَقد من الزمان تقريبًا. وهذا طلبٌ كبير؛ فإقناع الأشخاص بالاشتراك في تجربة تدوم سبعة أسابيع أمرٌ صعب بما يكفي، فضلًا عن تجربة تدوم سبع سنوات، ولهذا أثران في غاية الإثارة؛ أولًا: قد لا يغيِّرُ المشاركون في التجربة من عاداتهم الغذائية بالقَدْر الذي يرغب فيه القائم على التجربة، لكنْ بعيدًا عن كون ذلك يمثِّل فشلًا، فإنه يُعتبر مثالًا ممتازًا لما يحدث في العالم الواقعي؛ فلا يغيِّر الأفراد، في الحقيقة، عاداتِهم الغذائية فورًا دون تردُّد من تلقاء أنفسهم، كأفراد، على المدى الطويل. ربما يتطلَّب أيُّ تغيير في العادات الغذائية تغييرًا في أسلوب الحياة، وعادات التسوق، وربما ما هو موجود في المتاجر أيضًا، وكيفية توظيفك للوقت، بل ربما يتطلَّب الأمر شراء بعض أدوات الطبخ، وكيفية التواصل بين أفراد العائلة، وتغيير أسلوب العمل، إلخ.

ثانيًا: سيُغَيِّر المشاركون في «المجموعة الضابطة» من عاداتهم الغذائية أيضًا. تذكَّرْ أنهم قد وافقوا طوعًا على المشاركة في مشروعٍ شامل يستمر سبع سنوات قد يتطلَّب تغييرات هائلة في أسلوب الحياة؛ لذا ربما يكونون أكثر اهتمامًا بالصحة من باقي المشاركين في التجربة. أكثرُ من ذلك، أنهم يخضعون أيضًا لقياس وزنهم، وأطوالهم، وسؤالهم عن عاداتهم الغذائية، كلُّ ذلك على فترات منتظمة. وهكذا تصبح العادات الغذائية والصحة فجأةً في طليعة أفكارهم على نحوٍ أكبر بكثير؛ ومن ثم سيتغيَّرون هم أيضًا.

لا يعني هذا التقليلَ من دور النظام الغذائي في الصحة — فأنا أبذل قصارى جهدي لأجد بعض الفائدة في هذه الدراسات — لكن ذلك يعبِّر عن واحد من أكثر الموضوعات أهمية؛ ألا وهو أنك ربما لا تبدأ بتناول توت القوجي، أو أقراص الفيتامين، أو مساحيق الإنزيمات السحرية، بل ربما لا تبدأ حتى بتغيير النظام الغذائي لأحد الأفراد. فمن الصعب إجراء تغييرات تدريجية في الحياة الفردية — التي تُناقِض جوهر حياة الفرد والبيئة المحيطة به — والأصعب هو المحافظة على هذه التغييرات. ومن الأهمية بمكان النظر إلى الفرد — والادِّعاءات المبالغ فيها لجميع مُختَصي التغذية المعتمِدين على تغيير أساليب الحياة — في سياق اجتماعي أوسع.

وقد تبيَّن وجود فوائد معقولة متحقِّقة في دراسات التدخلات العلاجية — مثل مشروع كاريليا الشمالية في فنلندا — حيث قرَّرت مجموعة المسئولين عن الصحة العامة فعلَ كل شيء للبدء في تغيير كل شيء يتعلَّق بسلوك مجتمع كامل، من خلال التواصل مع الشركات لتغيير نوع الأطعمة في المتاجر، وتغيير أساليب الحياة بأكملها، وتجنيد مرشدين تربويين ونشطاء مجتمعيين، والتحسين من سُبل تقديم خِدْمات الرعاية الصحية، وأشياء أخرى كثيرة، محقِّقين بعض الفوائد، إذا كنت تقبل من الأساس أن المنهجية المطبَّقة تبرِّر تقديم استدلال عرضي (من الصعوبة بمكان تشكيل مجموعة ضابطة لهذا النوع من الدراسات تحديدًا؛ لذا على الباحث اتخاذ قرارات عملية حول شكل الدراسة، ولكن عليك أن تقرأها على الإنترنت وتقرِّر بنفسك. وقد كنت أُطلق على دراسة كهذه «دراسة حالة كبيرة وواعدة»).

ثمة أسباب وجيهة نوعًا ما للاعتقاد بأن الكثير من موضوعات أساليب الحياة هذه، في حقيقة الأمر، يُفَضَّل معالجتها على المستوى الاجتماعي. فمن أهم أسباب الوفاة والمرض جرَّاء «أسلوب الحياة»، على أي حال، الطبقةُ الاجتماعيَّةُ. ولنأخذْ مثالًا حيًّا على ذلك: أجَّرْتُ شقةً في كنتش تاون في لندن من راتبي المتواضع باعتباري طبيبًا صغيرًا (لا تصدِّق ما تقرأ في الصحف عن أجور الأطباء). تُعتبر هذه المنطقة من مناطق البِيض، الذين ينتمون إلى الطبقة العاملة، ويبلغ متوسط العمر المتوقَّع للذَّكَر البالغ سبعين عامًا تقريبًا. على مسافة ميلَيْن، في هامبستيد؛ حيث تمتلك رائدة الأعمال المليونيرة جيليان ماكيث منزلًا كبيرًا، مُحاطةً بأشخاص أثرياء آخرين ينتمون إلى الطبقة المتوسطة، يبلغ متوسط العمر المتوقَّع للذَّكَر البالغ ثمانين عامًا. أعرف هذا لأن أمامي الآن على طاولة المطبخ تقرير الصحة العامة السنوي لكامدن.

لا يرجع السبب في هذا التفاوت غير العادي في متوسط العمر المتوقَّع — الفرق بين حياة تقاعد طويلة وثرية، وأخرى متقشفة للغاية — إلى أن الأشخاص في هامبستيد يحرصون على تناول توت القوجي وحفنة من الجوز البرازيلي يوميًّا؛ ومن ثم يضمنون عدم وجود نقص لديهم في السيلينيوم، وفق نصائح مُختَصي التغذية. فليس هذا إلا محض خيال، ومن بعض الجوانب يُعتبر أحد أكثر العناصر الهدَّامة في مشروع التغذية، وهو ما يتمثَّل بجلاءٍ صارخ في ماكيث. فهذا الطرح يعد بمنزلة إلهاءٍ عن الأسباب الحقيقية لاعتلال الصحة، لكن أيضًا — مُرْنِي بالتوقف إذا كنتُ أَشْطُط بعيدًا — من بعض الجوانب، يُعدُّ هذا بيانًا للفردانية اليمينية. فأنت ما تأكل، والناس يموتون في سن صغيرة لأنهم يستحقون ذلك. «هم» يختارون الموت، من خلال الجهل والكسل، لكن «أنت» تختار الحياة، السمك الطازج، زيت الزيتون؛ ولهذا السبب تتمتع بالصحة. أنت تستحق ذلك؛ فلستَ مثل «أولئك».

نعود إلى العالم الواقعي. تُعتبر التدخلات العلاجية الحقيقية للصحة العامة التي تعالج الأسباب الاجتماعية والأسباب المرتبطة بأساليب الحياة للأمراض أقلَّ تحقيقًا للربح كثيرًا، بل أقل إبهارًا، من أي شيء قد يحلم شخص مثل جيليان ماكيث — أو محرِّر برامج تليفزيونية، وهذا أكثر أهمية — بالخوض فيه. أيُّ برامج تليفزيونية تُعرَض في أوقات الذروة تبحث في أطعمة التحلية التي ابتدعَتْها سلاسل المتاجر الكبرى؛ الشركات نفسها التي يوقِّع معها النجوم من مُختَصي التغذية هؤلاء في الإعلام العقود التجارية المجزية؟ مَن يطرح موضوع عدم المساواة الاجتماعية التي تفضي إلى لا مساواة في الصحة على شاشاتنا؟ أين الشغف الإنساني بحظْر ترويج الأغذية الفاسدة، وتسهيل الحصول على أغذية أكثر صحة من خلال فرض الضرائب، أو وضع نظام وَسْمٍ واضح لبيانات المنتجات؟

أين الجانب الدرامي في «تمكين البيئات» التي تروِّج بصورة طبيعية لممارسة الرياضة، أو التخطيط العمراني الذي يمنح الأولوية لقائدي الدراجات، والمشاة، والنقل العام على السيارات؟ أو في الحد من عدم المساواة المتزايد بين أجور المسئولين التنفيذيين الكبار وعمال الوِرَش؟ متى سمعت عن أفكار رائعة مثل «حافلات مدرسية تسير»؟ أم أن الأخبار عن فوائد هذه الأفكار تزيحها أحدثُ الأخبار العاجلة لصرعات الطعام في الصفحات الأولى؟

لا أتوقع أن تناقش د. جيليان ماكيث، أو أيُّ أحدٍ في وسائل الإعلام، موضوعًا واحدًا من هذه الموضوعات، ولا أنت أيضًا؛ لأننا إذا كنا نتمتع بالصدق مع أنفسنا، فهذا يعني أننا نعي جيدًا أن هذه البرامج لا تدور إلَّا بشكل جزئي حول الطعام، فيما يتمحور الجانب الأكبر منها حول استِرَاقِ النَّظَر الشبق، والدموع، ومشاهدة الشخصيات المشهورة وفقرات الفودفيل الترفيهية.

(١) د. ماكيث تلقِّن سائق أجرة درسًا

هذه هي قصتي المفضلة حول د. ماكيث، وهي مستقاة من كتابها: «الطعام الحيوي من أجل الصحة». هي في سيارة أجرة، وكان السائق هاري يرقبها، يحاول أن يبدأ معها حوارًا وديًّا من خلال الإشارة إلى أن السمك يحتوي على زيوت أوميجا أكثر من الكتان. تختلف د. ماكيث في ذلك معه قائلة: «تحتوي بذور الكتان على مستويات أعلى من الزيوت الصحية (أوميجا-٣، وأوميجا-٦) في صورة متوازنة وقابلة للهضم.» عندما يختلف هاري معها في ذلك، ترد قائلة: «ماذا تعني؟ أنَّك تختلف معي؟ هل قضيتَ سنوات تُجْري البحوثَ الإكلينيكية، وتتعامل مع المرضى، وتحاضِر، وتدرِّس، وتدرُس زيوت أوميجا في الكتان، وتحصل على بيانات من جميع أنحاء العالم، وتجمع واحدة من أكبر المكتبات الصحية الخاصة في العالم، وتكتب باستفاضة حول الموضوع؟ هل أنت عالِم، أو متخصص في الكيمياء الحيوية، أو عالم نبات، أو قضيتَ عمرًا كاملًا في دراسة الغذاء والكيمياء الحيوية مثلما فعلتُ؟ أين مؤهِّلاتك العلمية؟» فيجيب هاري بأن زوجته طبيبة متخصِّصة في أمراض النساء. تسأل د. ماكيث: «هل هي متخصصة في الغذاء أم متخصصة في مجال الكيمياء الحيوية الغذائية أيضًا؟» فيجيب قائلًا: «آه، حسنًا، لا، لكنها طبيبة.»

لستُ متخصصًا في الغذاء، ولستُ متخصصًا في مجال الكيمياء الحيوية الغذائية. في حقيقة الأمر — مثلما تعلم — لا أدَّعي امتلاك أي خبرة متخصصة؛ كل ما أرجوه أن أستطيع أن أقرأ وأقيِّم على نحوٍ نقدي الأدبياتِ الأكاديميةَ الطبية — شيء مألوف لدى جميع خريجي كليات الطب الجُدد — وأطبِّق هذه المهارة البسيطة على رواد الأعمال المليونيرات الذين يقودون عملية فهم مجتمعنا للعلم.

تحتوي بذور الكتان على كميات كبيرة من الألياف (فضلًا عن مركَّبات الأستروجين)؛ لذا فهي غير «قابلة للهضم» لدرجة كبيرة، مثلما تؤكد د. ماكيث، إلا إذا طُحِنَت، وفي هذه الحالة يكون مذاقها مُريعًا. تُباع بذور الكتان باعتبارها مادةً مُلَيِّنةً في جرعات تبلغ ١٥ جرامًا، وسيحتاج المرء إلى جرعات كبيرة منها؛ جزئيًّا لأن ثمة مشكلة أيضًا مع صورة زيوت أوميجا فيها؛ إذ يحتوي الكتان على صورة نباتية قصيرة السلسلة من الأوميجا، وهذه يجب تحويلها في الجسد إلى صورٍ حيوانية طويلة السلسلة ربما تكون مفيدة (تُسمَّى دي إتش إيه وإي بي إيه). ومع الأخذ في الاعتبار عملية التحول الضعيفة في الجسد، فإن بذور الكتان والأسماك تحتوي إذن على الكميات نفسها تقريبًا من زيت أوميجا.

يجب أن نتذكَّر أيضًا أننا لا نعيش في مختبر، بل في العالم الواقعي. من السهل جدًّا تناول ١٠٠ جرام من الماكاريل — لو كان هذا كتابًا من نوع مختلف تمامًا، لأعطيتك وصفة إعداد الكيدجري في الحال — بينما أرى أنه أمرٌ أصعب قليلًا أن تجعل الجسم يمتص مقدار ملعقة صغيرة من بذور الكتان. بالمثل، يُعتبر البقدونس مصدرًا غنيًّا بفيتامين ج، لكن المرء لا يتناول كميةً في حجم برتقالة من البقدونس. أما بالنسبة إلى ادِّعاء د. ماكيث أن الكتان «متوازن على نحو ملائِم»، فلا أدري هل تعني من الناحية الروحية أم البيولوجية؟ لكن السمك يحتوي على نسبة أعلى كثيرًا من زيت أوميجا-٣، وهو ما يقول معظم الناس إنه أفضل.

الأكثر أهمية، لماذا يتحدث الجميع عن أوميجا-٣؟ لننتقل إلى الفصل التالي.

هوامش

(١) على نحوٍ مثير للاهتمام، أكمل باقةَ المنتجات الغذائية لماكفادن اختراعٌ أكثر غرابة له؛ كان «البنيسكوب» جهاز امتصاص واسع الانتشار صُمِّم لتكبير العضو الذكري، ولا يزال يستخدمه الكثيرون اليوم، في شكل محدَّث قليلًا. ولما كان من المحتمل أن تكون هذه هي الفرصة الوحيدة لمعرفة البيانات حول عملية تكبير القضيب، تجدر الإشارة إلى أن هناك، في حقيقة الأمر، بعضَ الدلائل تشير إلى أن أجهزة الشد قد تزيد من حجم القضيب. غير أن أقراص جيليان ماكيث المكمِّلة الجنسية «وايلد بينك» و«هورني جوت وييد»، كانت تُباع من أجل «الحفاظ على الانتصاب، والمتعة الجنسية في ذِرْوتها، والقذف … والتليين، والرضاء، والاستثارة»، ولم تستطع أن تقدِّم دليلًا على الفاعلية (وفي عام ٢٠٠٧، وبعد شكاوى كثيرة، أُعلنت هذه المنتجات القديمة الطراز والرديئة غيرَ قانونيةٍ من قِبَل الوكالة التنظيمية للأدوية ومنتجات الرعاية الصحية). أذكر هذا فقط؛ لأنه يعني — وهو شيء مثير — أن جهاز البنيسكوب لماكفادن ربما يعتمد على قاعدة أفضل من الأدلة للادِّعاءات التي يطرحها من منتجاته الغذائية أو أقراص «هورني جوت» لماكيث.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤