الفصل الثاني

عصر الآباء

تنتهي سلسلة نسب سام بن نوح، في سفر التكوين أول الأسفار التوراتية، إلى المدعو تارح أبي أبرام (أبو إبراهيم)، ومع تارح هذا تبدأ قصة الأصول التوراتية. لا يقدم الإصحاح الحادي عشر من سفر التكوين أية معلومات تفيد في رسم صورة شخصية واضحة للمدعو تارح، ومعرفة أي شيء عن حياته السابقة ومنبته ومهنته. ولا نعرف سوى أنه قد غادر منطقة أور الكلدانية متجهًا إلى أرض كنعان، وفي الطريق حطَّ الرحالَ في مدينة حران في أقصى الشمال السوري غربي الفرات الأعلى، ومعه ابنه أبرام وزوجة ابنه المدعوة ساراي، وحفيده لوط ابن ابنه هاران المتوفَّى. ولسبب لا يُفصِح عنه النص، أقام تارح مع جماعته في حران إلى أن وافته المنية وعمره مائتان وخمس سنين (تك، ١١: ٢٧–٣٢). ومرةً أخرى، لا نعرف ما الذي كان يمارسه تارح وجماعته من مهنة في حران، ولا يقدم لنا النص أية معلومات عن طبيعة حياتهم فيها، ولكننا نعرف من الإصحاح الثاني عشر أن أبرام ولوطًا قد غادرا حران بعد موت تارح ومعهما مقتنيات كثيرة وعبيد، لا ندري كيف حصلا عليها.

يخرج أبرام من حران متابعًا رحلة أبيه تارح نحو أرض كنعان، ويكون خروجه بأمر الرب الذي خاطبه قائلًا: «اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أُريك، فأجعلك أمة عظيمة وأُباركك وأُعظم اسمك» (تك، ١٢: ١–٢)، وكان عمر أبرام في ذلك الوقت خمسًا وسبعين سنة. كانت مدينة شكيم في شمال فلسطين أول محطة لأبرام، ومنها نزل جنوبًا فخيَّم بين مدينتَيْ بيت إيل وعاي، حيث بنى مذبحًا للرب، ثم واصل ارتحاله جنوبًا دون تحديد الموقع الذي وصل إليه. ثم إن جوعًا حصل في الأرض دفع أبرام إلى مصر، وهناك قال لساراي زوجته أن تدَّعي بأنها أخته حتى لا يُقتل بسببها؛ ذلك أن المرأة المتزوجة في مجتمعات الشرق القديم كانت تتمتع بحصانة، على عكس المرأة العازبة، وقد خاف أبرام أن يدبر له المصريون مكيدة تودي بحياته ليكونوا أحرارًا في التصرف بزوجته. رأى المصريون أن المرأة حسنة جدًّا (على حد تعبير النص)، فأُخذت ساراي إلى بيت فرعون وانضمت إلى حريمه، رغم أنها كانت في سن الخامسة والستين من العمر على الأقل.١ وصنع فرعون إلى أبرام خيرًا بسبب المرأة، فصار له غنم وبقر وحمير وإماء وجمال، ولكن الرب لم يكن راضيًا عن هذه المقايضة، فضرب بيت فرعون ضرباتٍ عظيمةً بسبب ساراي، فدعا فرعون أبرام وقال له: «ما هذا الذي صنعتَ بي؟ لماذا لم تخبرني أنها امرأتك؟ لماذا قلتَ: «هي أختي» حتى أخذتُها لي لتكون زوجتي؟ والآن هذه امرأتك، خذها واذهب» (تك، ١٢: ٤–٢٠).

يرجع أبرام إلى كنعان، ويقوم بزيارة المذبح الذي أقامه للرب بين بيت إيل وعاي، ومعه لوط أيضًا. وهناك يفترق الاثنان بسبب خصام وقع بين رعاة مواشيهما الكثيرة العدد، فيختار لوط دائرة شرقي الأردن، ويبقى أبرام في أرض كنعان. وبعد رحيل لوط يخاطب الرب أبرام مرة ثانية، وهو في هذه البقعة التي تتوسط منطقة الهضاب المركزية في فلسطين، ويأمره أن يُجيل البصر شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا، لأنه يعطي هذه الأرض له ولنسله إلى الأبد. ثم يقفل أبرام عائدًا إلى مناطق إقامته في الجنوب، والتي يحددها النص الآن ببلوطات ممرا التي في حبرون (الخليل)، حيث يبني مذبحًا آخر هناك (تك، ١٣).

بعد ذلك نسمع عن ملك اسمه كدر لعومر ملك عيلام،٢ الذي شنَّ حربًا على منطقة شرقي الأردن بسبب توقف ملوكها عن دفع الجزية له، ورافق كدر لعومر في هذه الحملة المدعو أميرافل ملك شنعار٣ وثلاثةُ ملوك آخرين. ينتصر كدر لعومر على ملوك شرقي الأردن، ويقفل راجعًا ومعه الغنائم والأسرى، وبين هؤلاء الأسرى لوط وجماعته وأملاكه. يسمع أبرام بخبر الحملة وبأسر ابن أخيه، فيجهِّز على عجلٍ حملةً من أتباعه وعبيده، وعددهم ثلاثمائة، ويَتْبع الغزاة حتى يدركهم في موقع دان في شمال فلسطين، وهناك يُوقِع بالملوك الخمسة هزيمةً منكرة، ويسترجع الأسرى والأسلاب. ولدى وصوله خرج ملوك شرقي الأردن لاستقبالهم، وخرج أيضًا ملكي صادق ملك شاليم، الذي أخرج خبزًا وخمرًا، وكان كاهنًا لله العلي (إيل عليون باللغة التوراتية)، وباركه وقال: «مبارك أبرام من الله العلي مالك السموات والأرض» (تك، ١٤).

وكان أبرام حتى ذلك الوقت عقيمًا بلا نسل. ونعرف من سياق النص أنه قد تبنى شابًّا اسمه أليعازر الدمشقي ليدير أملاكه ويرثها بعد موته، وَفق العادة المتبعة في ذلك الوقت. ولكن الرب يخاطبه للمرة الثالثة بعد عودته من الحرب ويعده بمولود من صلبه يرث أملاكه، ويقول له: «لا تخف يا أبرام. أنا تُرس لك، أجرك كثير جدًّا، فقال أبرام: أيها السيد الرب، ماذا تعطيني وأنا ماضٍ عقيمًا، ومالك بيتي هو أليعازر الدمشقي! … وهو ذا ابن بيتي وارث لي. فإذا كلام الرب إليه قائلًا: لا يرثك هذا، بل الذي يخرج من أحشائك هو الذي يرثك.» وفي هذا اليوم قطع الرب مع أبرام ميثاقًا وأبرم عهدًا، ومضمون هذا العهد أن يعبد أبرام وذريته هذا الإله مقابل إعطائهم الأرض، وتقديم الحماية والمساعدة لهم (تك، ١٥). وهذا النوع من العهود والمواثيق بين الجماعة وإلهها معروفٌ في أنحاء مختلفة من مناطق الشرق القديم.

وبعد أن أقام أبرام عشر سنين في أرض كنعان، ويئست ساراي من الإنجاب، سألته أن يدخل على جاريتها المصرية هاجر، فحملت هاجر وولدت له إسماعيل، وكان عمر أبرام عند ذلك ستًّا وثمانين سنة. ولما صار أبرام ابن تسع وتسعين سنة ظهر له الرب مجددًا ووعده بتكثير نسله، وجدد معه العهد الذي أبرمه سابقًا. ولتثبيت هذا العهد وجعله حيًّا في الأذهان غيَّر الرب اسم أبرام وجعله إبراهيم، كما غير اسم زوجته ساراي لتصبح سارة. وفرض عليه الختان هو وولده وبقية عبيده. ثم بشره بغلام من سارة يدعوه إسحاق، يقيم عهده معه من دون إسماعيل، فسقط إبراهيم على وجهه وضحك، وقال في قلبه: هل يولد لابن مائة سنة! وهل تلد سارة وهي بنت تسعين! (تك، ١٧).

في الإصحاح الثامن عشر الذي يلي مباشرة يطالعنا النص برواية مختلفة تمامًا عن البشارة بإسحاق، فبينما إبراهيم جالس في باب خيمته عند الظهيرة، وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه، فركض لاستقبالهم وسجد إلى الأرض، ولم يكن هؤلاء الثلاثة سوى الرب نفسه ومعه شخصيتان قدسيتان أُخريان. دعا إبراهيم ضيوفه للاتكاء في ظل الشجرة القريبة ريثما تجهز لهم سارة طعام الغداء. وبعد أن انتهى الثلاثة من طعامهم، وإبراهيم واقف لديهم تحت الشجرة، قال الرب لإبراهيم: أين سارة امرأتك؟ فأجابه: هي في الخيمة، فقال: إني أرجع إليك بعد الزمن اللازم لحملها ووضعها ولدًا من صلبك، فضحكت سارة من وراء الخباء في سرها قائلةً: هل يكون لي ولد وقد انقطعت عني عادة النساء، وزوجي قد شاخ! فقال الرب لإبراهيم: لماذا ضحكت سارة؟ هل يستحيل على الرب شيء؟ في الموعد الذي حددته لك أرجع ويكون لسارة ابن، فأنكرت سارة قائلة: لم أضحك، فقال الرب: لا بل ضحكت. ثم قام الضيوف للانصراف، وبينما إبراهيم يشيعهم أسرَّ له الرب بخطته لتدمير مدينتَيْ سدُّوم وعمورة في شرقي الأردن؛ لكثرة خطاياهما، فحاول إبراهيم عبثًا أن يَثنيه عما انتوى (تك، ١٨).

ولما كان لوط ساكنًا في مدينة سدُّوم أو في جوارها، فقد استثناه الرب من القضاء الذي حُمَّ على المدينتين، وأمره أن يرحل مع زوجته وابنتيه قبل الموعد المضروب، وألا يلتفت أحدهم إلى الوراء ليرى دمار المدينة، وإلا تحوَّل إلى عمود ملح، ففعلوا. وبينما كان الرب يمطر على سدُّوم وعمورة كبريتًا ونارًا من السماء، التفتت زوجة لوط إلى الوراء، فصارت عمود ملح، أما لوط فقد لجأ مع ابنتيه إلى مغارة بعيدة في الجبل ونجا، ثم أقام في تلك المغارة بعد دمار المنطقة. وبعد مدة قالت إحدى البنتين لأختها: أبونا قد شاخ، وليس في الأرض من حولنا رجل ليدخل علينا كعادة بني الناس، هَلُمَّ نسقي أبانا خمرًا ونضطجع معه فنُحيي منه نسلًا. فسقتا أباهما خمرًا في تلك الليلة، ثم دخلت الكبرى فاضطجعت مع أبيها وهو لا يدري ما يفعل، وفي الليلة التالية فعلت الصغرى الشيء نفسه، وحملت ابنتا لوط من أبيهما. ثم ولدت الكبرى ابنًا دعته موآب، وهو أبو الشعب الموآبي، وولدت الصغرى ابنًا دعته عمون، وهو أبو الشعب العموني (تك، ١٩). وكما نعرف من الأحداث اللاحقة للروايات التوراتية فإن هذين الشعبين كانا من الأعداء التاريخيين لبني إسرائيل.

بعد ذلك ينتقل إبراهيم من ممرا قرب حبرون إلى جرار الواقعة قرب غزة، وهنا تتكرر بحذافيرها قصة إبراهيم في مصر. نقرأ في النص: «وقال إبراهيم عن سارة امرأته: هي أختي. فأرسل أبيمالك ملك جرار وأخذ سارة. فجاء الله إلى أبيمالك في حلم الليل وقال له: ها أنت ميت من أجل المرأة التي أخذتها، فإنها متزوجة ببعل، فقال: ألم يقل لي: إنها أختي، وهي نفسها قالت: هو أخي! … فقال له الله في الحلم: … فالآن رد امرأة الرجل إليه، فإنه نبيٌّ، فيصلي لأجلك فتحيا.» فبكَّر أبيمالك في الصباح ورد سارة إلى إبراهيم، وأعطاه غنمًا وبقرًا وعبيدًا، وخيَّره أن يسكن في أي مكان من أراضيه (تك، ٢٠).

أخيرًا حملت سارة وولدت لإبراهيم ابنًا في شيخوخته دعاه إسحاق. ثم خافت سارة من مزاحمة إسماعيل لابنها إسحاق في الميراث، فطلبت من إبراهيم أن يطرد هاجر وابنها. ولما تردد في تلبية هذا الطلب الغريب تدخل الرب واقفًا إلى جانب هاجر، وطمأن إبراهيم على مصير إسماعيل، وأكد له بأنه سيرعاه ويجعل منه أمة كبيرة. فبكَّر إبراهيم صباحًا، وأخذ خبزًا وقربة ماء وأعطاهما لهاجر وصرفها، فمضت وتاهت في برية بئر السبع. ولما نَفِد الماء من القربة، وأشرف الولد على الموت عطشًا، فتح الرب عيني هاجر فرأت نبع ماء قريب، فشربا وأقاما هناك في برية فاران بين بئر السبع وسيناء، حيث شبَّ إسماعيل وترعرع، واتخذ له زوجة مصرية. أما إبراهيم، فقد أقام فيما بين جرار وبئر السبع التي احتفر فيها بئرًا ما زالت قائمة هناك (تك، ٢١).

وحدث بعد ذلك أن الرب أراد امتحان إبراهيم، فأمره أن يُصعِد ابنه إسحاق محرقةً على رأس الجبل، فبكَّر إبراهيم صباحًا ممتثلًا لأمر الرب، وصعد إلى الجبل وجهز حطبًا للمحرقة، وأخذ بيده النار والسكين، ولكن الرب ناداه من السماء: «إبراهيم، إبراهيم. فقال: ها أنا ذا. فقال: لا تمد يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئًا، لأني الآن علمت أنك خائفٌ اللهَ فلم تمسك ابنك وحيدك عني. فرفع إبراهيم عينيه ونظر وإذا كبش مُمسَكًا في الغابة بقرنَيْه، فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضًا عن ابنه» (تك، ٢٢).

عاد إبراهيم من جرار فأقام في حبرون حيث كان سابقًا، وهناك ماتت زوجته سارة وعمرها مائة وسبع وعشرون سنة. ولما كان إبراهيم حتى ذلك الوقت غريبًا في الأرض، ولا يملك مكانًا يدفن فيه ميته، فقد اشترى من بني حث المقيمين في المنطقة حقلًا دفن زوجته في مغارة عند طَرَفه. وقد صارت هذه المغارة فيما بعد مدفنًا لأسرة إبراهيم. وبعد ذلك شعر إبراهيم بالحاجة لرؤية أحفاد له من ولده إسحاق قبل مماته، فاستدعى أليعازر الدمشقي قيِّم بيته واستحلفه ألا يزوج إسحاق ببنت من الكنعانيين، بل أن يذهب إلى آرام النهرين إلى مدينة ناحور أخي إبراهيم ليخطب له من هناك فتاة من عشيرته ومن أهله. ففعل أليعازر، وانطلق بعشرة جمال وهدايا مهرًا للزوجة المقبلة. ولما وصل أطراف البلدة أناخ جماله عند بئر ماء، فرأى فتاة تستقي، فأسقته وقالت: اسقِ جمالك أيضًا. ولم تكن هذه الفتاة سوى رفقة بنت بتوئيل بن ناحور (أخي إبراهيم) التي دعته إلى ديار أبيها للمبيت، حيث استُقبل بحفاوة بالغة من قِبل أبيها بتوئيل وأخيها لابان، وعندما كشف أليعازر عن مقصده قوبل طلبه بالقبول، وارتضت رفقة أن تمضي معه في اليوم التالي لتغدو زوجة لإسحاق (تك، ٢٤).

بعد أن رأينا إبراهيم في الإصحاح السابق شيخًا متقدمًا في الأيام ينتظر منيته، يطالعنا في الإصحاح ٢٥ رجلًا في تمام الصحة والعافية، قادرًا على الزواج والإنجاب وعمره مائة وأربعون سنة، وهو الذي عجب سابقًا من بشارة ربه له بإسحاق قائلًا: «هل يولد لابن مائة سنة! وهل تلد سارة وهي بنت تسعين!» يأخذ إبراهيم زوجة جديدة اسمها قطورة، فتلد له زمران ويقشان ومدان ومديان ويشبان وشوحا. ويأتي لولده يقشان: شبا وددان. ونلاحظ من سلسلة النسب المتحدرة من قطورة أن الأسماء الواردة فيها هي أسماء لقبائل كانت تتحرك في المساحات الواقعة بين البادية السورية وشمال الجزيرة العربية خلال الألف الأول قبل الميلاد، مثل مديان حول خليج العقبة، وشبا أو سبأ وددان، وهم من قبائل العرب الواردين في السجلات الآشورية. غير أن هذه الفروع في شجرة عائلة إبراهيم — شأنها شأن فرعه من إسماعيل — هي فروع ثانوية، أما الخط الرئيسي في الشجرة، والمعترف به من قِبل الرب، فيستمر عبر إسحاق بِكر إبراهيم من سارة، والذي يقيم الرب معه العهد ومع ذريته من بعده. ثم مات إبراهيم وعمره مائة وخمس وسبعون سنة، بعد أن أعطى لإسحاق في حياته كل أمواله وممتلكاته، ودُفن في مغارة المكفيلة قرب سارة.

بعد عشرين سنة من زواجها بإسحاق، تحمل رفقة توءمين يتزاحمان في بطنها «فمضت لتسأل الرب، فقال لها الرب: في بطنك أَمَتان، ومن أحشائك يفترق شعبان؛ شعب يقوى على شعب، وكبير يُستعبَد لصغير.» وفي هذا القول إشارة إلى عيسو الابن الأكبر لإسحاق، الذي صار أبًا للشعب الآدومي الذي سكن جنوب البحر الميت نحو خليج العقبة، ويعقوب الابن الأصغر الذي أنجب الأسباط الاثني عشر، ونبوءة بخضوع آدوم لإسرائيل. فلما كمَّلت رفقة أيامها لتلد، خرج الأول من رحمها أحمر اللون، كله فروة شعر، فدعَوْه عيسو، وبعد ذلك خرج أخوه ويده قابضة بعقب عيسو، فدُعي اسمه يعقوب. وكان إسحاق يحب عيسو، أما رفقة فكانت تفضل يعقوب. وحدث بعد أن كَبِر الأخوان أن عيسو الذي كان صيادًا عاد من الصحراء وهو متعب وجائع، فوجد يعقوب الذي لم يكن يغادر الخيام يطبخ عدسًا، فطلب إليه أن يطعمه من طبيخه، فأبى يعقوب، وطلب لقاء طبيخه ثمنًا غاليًا هو كل الحقوق المتعلقة بالابن الأكبر في العائلة، فوافق عيسو على الصفقة مستخفًّا بالبكورية (تك، ٢٥).

يجدد الرب مع إسحاق العهد الذي قطعه مع إبراهيم، ويأمره أن يمضي إلى جرار في الجنوب بسبب المجاعة في الأرض. وفي جرار يقول إسحاق عن رفقة زوجته إنها أخته؛ كي لا يُقتل بسببها، كما فعل أبوه إبراهيم سابقًا. ولكن ملك جرار، الذي يُدعى هنا أبيمالك أيضًا، اكتشف كذبته قائلًا: «ما هذا الذي صنعتَ بنا! لولا قليل لاضطجع أحد الشعب مع امرأتك فجلبت علينا ذنبًا. فأوصى أبيمالك جميع الشعب قائلًا: الذي يمس هذا الرجل أو امرأته يموت …» بعد ذلك يلتفت إسحاق إلى الزراعة فتكثر غلاله، ويتعاظم رزقه إلى درجة تثير غيرة الملك، فيطلب منه مغادرة المدينة، فأقام في وادي جرار (تك، ٢٦).

وحدث لما شاخ إسحاق وكَلَّت عيناه عن النظر أنه دعا عيسو ابنه الأكبر ليباركه، ولكن رفقة دفعت إليه بيعقوب بدلًا من عيسو، ووضعت على ساعده فروة جدي لتصبح مشعرة كساعد عيسو، فباركه إسحاق وهو غافل عن خدعة زوجته. وعندما حضر عيسو للحصول على البركة من أبيه يكتشف الاثنان خدعة رفقة ويعقوب، ويصرخ عيسو: «باركني أنا أيضًا يا أبي، فقال: قد جاء أخوك بمكر وأخذ بركتك. فقال: ألا إن اسمه دُعي يعقوب، قد تعقبني الآن مرتين؛ أخذ بكوريتي، وهو ذا الآن قد أخذ بركتي. ثم قال: أما بقيت لي بركة؟ فأجاب إسحاق وقال لعيسو: إني قد جعلته سيدًا لك، ودفعت إليه جميع إخوته عبيدًا، وعضدته بحنطة وخمر، فماذا أصنع إليك يا ابني!» فحقد عيسو على يعقوب وطلب قتله، فهرب يعقوب من وجه أخيه، ولكن إسحاق نصحه بالسفر إلى خاله لابان في حران بآرام النهرين، والإقامة عنده حتى يرتد غضب أخيه عنه، وأن يتزوج هناك إحدى بنات خاله (تك، ٢٧).

يشد يعقوب الرحال إلى حران، وبينما هو في موقع بيت إيل يظهر له الرب في الحلم، ويجدد معه عهد إبراهيم وإسحاق قائلًا: «أنا الرب، إله إبراهيم أبيك وإله إسحاق. الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك …» وعندما يصل أطراف حران يتوقف عند بئر ليستقي، وهناك يلتقي بابنة خاله راحيل، التي وردت البئر لتسقي غنمها، فيتعارفان وتقوده إلى البيت، حيث يستقبله لابان أحسن استقبال، فيقيم عنده شهرًا يرعى له الغنم. ثم قال لابان ليعقوب: «ألأنك أخي تخدمني مجانًا! أخبرني ما أجرتك؟ وكان للابان ابنتان؛ اسم الكبرى ليئة، واسم الصغرى راحيل. وكانت عينا ليئة ضعيفتين، أما راحيل فكانت حسنة الصورة وحسنة المنظر. وأحب يعقوب راحيل فقال: أخدمك سبع سنين براحيل ابنتك الصغرى …» فوافق لابان على الصفقة، ولبث يعقوب في خدمة خاله سبع سنين آملًا في الزواج براحيل. وفي تمام المدة طلب امرأته، ولكن لابان جاء إليه في ليلة الزفاف بابنته الكبرى ليئة، فدخل عليها يعقوب دون أن يعرف. وعندما اكتشف الخديعة في الصباح ولام خاله على ما فعل؛ وَعَده بالصغرى إن عمل سبع سنوات أخرى لقاء مهرها، فقبل يعقوب وتزوج راحيل بعد أربع عشرة سنة من إقامته في ديار خاله (تك، ٢٨–٢٩).

وبعد أن كَبِر أولاد يعقوب، وكثرت أمواله ومواشيه قرر العودة إلى ديار أبيه، فحمل زوجتيه وأولاده الأحد عشر وكل مقتنياته وسار يطلب أرض كنعان، ومعه هدية مغرية لأخيه عيسو يسترضيه بها (تك، ٣٠–٣١). وفي مكان اسمه مخاضة يبوق ظهر له إنسان وصارعه حتى طلوع الفجر حين تمكن يعقوب من خصمه. ولم يكن هذا الخصم سوى يهوه نفسه. فقال له: «أطلقني لأنه قد طلع الفجر، فقال: لا أطلقك إن لم تباركني، فقال: ما اسمك؟ فقال: يعقوب، فقال: لا يُدعى اسمك فيما بعد يعقوب، بل إسرائيل؛ لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت. وسأل يعقوب وقال: أخبرني باسمك، فقال: لماذا تسأل عن اسمي؟ وباركه هناك. فدعا يعقوب اسم المكان فنيئيل قائلًا: لأني نظرت الله وجهًا لوجه ونُجِّيت نفسي» (تك، ٣٢: ٢٢–٣٠). في الطريق إلى حبرون، التي يقيم فيها إسحاق، يخرج عيسو للقاء يعقوب، ويتصالح الأخوان، ثم يتابع يعقوب طريقه «وجاء يعقوب إلى إسحاق أبيه إلى ممرا، قرية أربع، التي هي حبرون، حيث تغرَّب إبراهيم وإسحاق، وكانت أيام إسحاق مائة وثمانين سنة، فأسلم إسحاق روحه ومات، ودفنه عيسو ويعقوب ابناه … وسكن يعقوب في أرض غربة أبيه» (تك، ٣٣–٣٧).

وقد أحب يعقوب ابنه يوسف أكثر من سائر بنيه؛ لأنه كان ابن شيخوخته «فصنع له قميصًا ملونًا. فلما رأى إخوته أن أباهم أحبه أكثر من جميع إخوته أبغضوه، ولم يستطيعوا أن يكلموه بسلام …» ومما زاد في بغضهم له أنه كان يقص أحلامًا يراها، تتنبأ له بعلو المكانة بين إخوته وتفوقه عليهم، ومنها الحلم الذي قال فيه: «إني قد حلمت حلمًا أيضًا، وإذا الشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا ساجدة لي. وقصَّه على أبيه وعلى إخوته، فانتهره أبوه وقال له: ما هذا الحلم الذي حلمتَ؟ هل نأتي أنا وأمك وإخوتك لنسجد لك إلى الأرض؟ فحسده إخوته، أما أبوه فكتم الأمر.» وفي إحدى المرات، وبينما كان إخوة يوسف يرعَوْن الغنم في مكان بعيد، أرسله أبوه وراءهم ليستطلع أحوالهم وأحوال القطيع، فلما رَأَوه قادمًا من بعيد قال بعضهم لبعض: هو ذا صاحب الأحلام قادم، هلموا نقتله فنرى ماذا تكون أحلامه. ولكنهم بعد مداولة في الأمر قرروا إلقاءه في بئر قريبة جافة، وتَرْكه هناك لمصيره. وبعد تنفيذ مؤامرتهم عادوا إلى أبيهم ومعهم قميص يوسف الملون وعليه دم تيس ذبحوه عند البئر، وقالوا: إن وحشًا رديئًا قد افترسه، فبكى يعقوب على ابنه أيامًا كثيرة وبقي في حداد دائم. وأما يوسف فقد انتشله من البئر تجار في قافلة متجهة إلى مصر، فاسترقوه وباعوه لدى وصولهم إلى فوطيفار رئيس الشُّرَط لدى فرعون (تك، ٣٧).

نال يوسف حُظوة في عينَيْ مولاه فجعله قيِّمًا على بيته وشئونه الخاصة. ولكن زوجة فوطيفار مالت إلى يوسف، وعرضت عليه الوصال فأبى وفاءً لسيده، فاتهمته بأنه راودها عن نفسها، فألقاه فوطيفار في السجن. قضى يوسف في السجن فترة طويلة عُرف خلالها بالخلق الرفيع والسلوك الحسن، كما اشتَهَر في السجن بتفسيره للأحلام. وحدث بعد سنين أن الفرعون رأى حلمًا أقضَّ مضجعه، فدعا جميع الحكماء لتفسير حلمه ولكنهم عجزوا. وكان رئيس سقاة الفرعون سجينًا مع يوسف لفترة قصيرة، فتذكر حُسن تفسيره للأحلام، وذكره عند فرعون فجاءوا به. فسَّر يوسف للفرعون الحلم وقال له بأن البلاد ستنعم بسبع سنين من الخصب والرخاء، تتلوها سبع سنين من القحط والجفاف. وأشار على الملك بأن يجعل على الأرض قيِّمًا يخزن خُمس الغلة في كل سنة من سنوات الوفرة، يكون ذخرًا لسنوات الجوع. حَسُن كلام يوسف عند الفرعون وأحب صاحبه، فأوكله بالمَهمة وأعطاه سلطات واسعة لتنفيذها على الوجه الأكمل. جاءت سنوات القحط الذي طال أيضًا بلاد كنعان، فأرسل يعقوب أولاده العشرة إلى مصر لشراء القمح منها، وأبقى عنده أصغرهم بنيامين. فجاء الإخوة إلى يوسف الذي كان يشرف بنفسه على توزيع القمح، وسجدوا بين يديه، فعرفهم يوسف ولم يعرفوه. وقال لهم يوسف: من أين جئتم؟ فقالوا: من أرض كنعان لنشتري طعامًا، فقال: بل أنتم جواسيس جئتم لترَوْا عورة الأرض، فقالوا: عبيدك نحن، إننا اثنا عشر أخًا بنو رجل واحد، تركنا الصغير عند أبينا، والواحد مفقود، فقال: وحياةِ فرعون لا تخرجون من هنا إلا بمجيء أخيكم الصغير إليَّ، فأمتحن صدقكم، وسأُبقي واحدًا منكم رهينة لديَّ. فبقي شمعون مقيدًا بالأغلال وعاد التسعة إلى أبيهم. وتنتهي القصة بأن يكشف يوسف عن هويته أمام إخوته الأحد عشر لدى عودتهم، ويسامحهم ويطلب منهم أن يأتوا بأبيهم وأولادهم ونسائهم للإقامة في مصر، فقَدِموا إليه وعددهم سبعون، فأكرمهم وأسكنهم في أرض جاسان، التي نستنتج من مواضع أخرى في النص التوراتي أنها الدلتا الشرقية، فتملَّكوا فيها وتكاثروا. ومات يعقوب في أرض مصر وعمره مائة وسبع وأربعون سنة (تك، ٣٨–٤٧).

هذه هي الخطوط العامة لعصر الآباء، الذي يدعوه معظم الباحثين بما قبل تاريخ الشعب الإسرائيلي، وذلك لبُعده زمنيًّا، وانقطاعه عن البدايات التاريخية لبني إسرائيل، والتي يراها البعض في دخول الخارجين من مصر أرض كنعان، والبعض الآخر في تشكيل المملكة الموحدة. وسوف ننتقل الآن إلى النقد النصي والتاريخي والأركيولوجي لروايات سفر التكوين، لنعرف الموقع الحقيقي لعصر الآباء.

(١) النقد النصي لسفر التكوين

يظهر في سفر التكوين، وأكثر من أي مكان في التوراة، الطابع المميِّز لعمل المحررين التوراتيين، والذي وصفناه بأسلوب الجمع التراثي. فهؤلاء كانوا جَمَعَةَ تراثٍ لا مؤرخين، وإن أي دارس مبتدئ لعلم التاريخ يكتشف من القراءة الأولى لسفر التكوين أن ما يرويه لنا من قصص لا يمكن تصنيفه في زمرة الأخبار التاريخية بأي معيار من المعايير، لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون. فلقد عمل المحررون هنا على جمع قصص متعددة النشأة والأصول، وقاموا بربطها إلى بعضها ربطًا غير مُحكَم، أبقى على استقلالية واضحة لكل منها، وعلى تناقض بيِّن في أحداثها. ويبدو أن المحرر نفسه كان مدركًا للتناقض فيما يورده من أحداث، وأنه قد أبقى على هذه التناقضات مدفوعًا برغبته في تسجيل التنويعات كلها التي وصلت إليه للقصة الواحدة، دون محاولة جدية من قِبله لإحلال الانسجام فيما بينها، منساقًا وراء العقدة القصصية، غافلًا عن عنصر التحقيق والتدقيق، الذي يميز جنس الكتابة التاريخية. والأمثلة على ذلك كثيرة، نورد فيما يلي بعضًا منها.

في الإصحاح ١٢ تدور العقدة القصصية حول أخذ فرعون مصر لساراي والدخول عليها، والإغداق على إبراهيم بسببها (١٢: ١٤–٢٠)، وذلك دون الأخذ بالحِسبان أن المحرر نفسه كان قد قال لنا إن إبراهيم كان في سن الخامسة والسبعين عندما هاجر إلى أرض كنعان (١٢: ٤)، وبالتالي فإن سارة كانت في سن الخامسة والستين، لأن الفارق في العمر بينهما هو عشر سنوات (تك، ١٧: ١٧). أما قصة إبراهيم وسارة في جرار، عندما قال إبراهيم عن سارة إنها أخته، فضمها أبيمالك ملك جرار إلى بيته (تك، ٢٠)، فتبدو محشورة حشرًا، ودون جهد تحريري، بين قصة بشارة الرب للزوجين المسنين بغلام اسمه إسحاق (تك، ١٨)، وقصة ولادة سارة لإسحاق وتحقيق البشارة. فعند بشارة الرب كان إبراهيم ابن تسع وتسعين سنة، وزوجته ابنة تسع وثمانين، ولما ولد لهما إسحاق كان إبراهيم ابن مائة سنة، وسارة ابنة تسعين سنة. ولما كانت قصة سارة مع أبيمالك ملك جرار قد جاءت بين قصة البشارة وقصة الولادة، فهذا يعني أن سارة لم تكن فقط امرأة عجوزًا في التسعين عندما همَّ الملك بالدخول عليها، بل أنها كانت حاملة بإسحاق أيضًا. وهنا لا نستطيع إلا أن نَعجب من إبقاء المحرر التوراتي على هذا التناقض، ونتساءل عما إذا كان النص التوراتي قد أُعد أصلًا للقراءة، أم كمخطوط ينتظر عملية تنقيحية لم تتم حتى الآن.

وقصة إبراهيم وسارة مع ملك مدينة جرار، عندما قال إبراهيم عن سارة إنها أخته، تتكرر مع إسحاق ورفقة عندما وفد إسحاق على ملك جرار وقال عن رفقة إنها أخته. ونلاحظ في القصتين أن اسم ملك جرار هو أبيمالك، واسم رئيس جيشه هو فيكول، وذلك رغم الفارق الزمني بين الحدثين، والذي يزيد عن الستين عامًا. الأمر الذي يدل على أننا أمام قصة واحدة عُزيت مرةً إلى إبراهيم ومرةً أخرى إلى إسحاق. فإلى جانب التشابه العام في بنية الحدثين، وتشابه الشخصيات والأماكن، فإن المحرر يَعمِد إلى التكرار الحرفي لبعض التفاصيل، وخصوصًا فيما يتعلق بالعهد الذي قطعه أبيمالك وإبراهيم لبعضهما، ثم قطعه بعد ذلك أبيمالك وإسحاق. وفيما يلي أقدم النصين للمقارنة:

نقرأ في الإصحاح ٢٦: ٢٦–٣٠ ما يلي: «وذهب إليه من جرار أبيمالك وجماعة من أصحابه، وفيكول رئيس جيشه، فقال لهم إسحاق: ما بالكم أتيتم إليَّ وأنتم قد أبغضتموني وصرفتموني من عندكم! فقالوا له: إننا قد رأينا أن الرب كان معك، فقلنا ليكن بيننا حَلف ونقطع معك عهدًا ألا تصنع بنا شرًّا، كما لم نمسَّك وكما لم نصنع بك إلا خيرًا وصرفناك بسلام، أنت الآن مبارك الرب. فصنع لهم ضيافة، فأكلوا وشربوا، ثم بكَّروا في الغد وحلفوا بعضهم لبعض.»

وفي الإصحاح ٢١: ٢٢–٢٤ نقرأ: «وحدث في ذلك الزمان أن أبيمالك وفيكول رئيس جيشه كَلَّما إبراهيم قائلين: الله معك في كل ما أنت صانع، فالآن احلف لي بالله هنا أنك لا تغدر بي ولا بنسلي ولا بذريتي. كالمعروف الذي صنعته إليك تصنع إليَّ وإلى الأرض التي تغربت فيها. فقال إبراهيم: أحلف. فأخذ إبراهيم غنمًا وبقرًا وأعطى أبيمالك، فقطعا كلاهما ميثاقًا.»

وفيما يتعلق بحادثة تغيير اسم يعقوب من قِبل الرب إلى إسرائيل، لدينا روايتان مختلفتان؛ ففي الإصحاح ٣٢ من سفر التكوين يغيِّر الرب اسم يعقوب بعد أن يدخل معه في صراع عند مخاضة يبوق. أما في الإصحاح ٣٥ فتوضع هذه الحادثة بعد إقامة يعقوب لمذبح للرب في بيت إيل، وذلك بعد الصراع في يبوق بزمن لا بأس به: «فأتى يعقوب إلى لوز التي في أرض كنعان هو وجميع القوم الذين معه، وبنى هناك مذبحًا، ودعا المكان إيل بيت إيل … وظهر الله ليعقوب أيضًا حين جاء من فدان آرام وباركه، وقال له الله: اسمك يعقوب، لا يُدعى اسمك يعقوب فيما بعد، بل يكون اسمك إسرائيل …» (تك، ٣٥: ٦–١٠). وبخصوص إقامة يعقوب للمذبح في لوز، وتسمية المكان بيت إيل، لدينا ثلاث روايات متباينة، ويمكن بهذا الخصوص مراجعة المواضع الآتية من سفر التكوين: تك، ٣٥: ١–١٠، تك، ٢٨: ١٦–٢٢، تك، ٣٥: ١٣–١٥.

ولدينا تنويعان على قصة إلقاء يوسف في البئر، وانتشال التجار له وسَوقه إلى مصر، موضوعان جنبًا إلى جنب، وكأن المحرر تركهما على هذه الحالة ليقرر فيما بعد أي التنويعين يختار. ففي المرة الأولى يلقي الإخوة بيوسف إلى البئر، ثم يجلسون لتناول الطعام، وإذا قافلة تجار إسماعيليين مقبلة، فيقترح أحد الإخوة، وهو يهوذا، أن ينتشلوه ويبيعوه للإسماعيليين، فيوافق الجميع ويباع يوسف لهم. وبعد ذلك مباشرة يأتي المحرر بالرواية الثانية، فالإخوة لم يبيعوا يوسف، بل تركوه في البئر ومضَوْا، وعندما مر رجال مديانيون تجار انتشلوا يوسف وباعوه للإسماعيليين الذين أتَوْا به إلى مصر. وإليكم الطريقة التي نُسجت بواسطتها الروايتان: «فكان لما جاء يوسف إلى إخوته أنهم خلعوا عن يوسف قميصه الملون الذي عليه، وأخذوه وطرحوه في البئر. وأما البئر فكانت فارغة ليس فيها ماء. ثم جلسوا ليأكلوا طعامًا. فرفعوا عيونهم وإذا قافلة إسماعيليين مقبلة من جلعاد، وجمالهم حاملة … فقال يهوذا لإخوته: ما الفائدة أن نقتل أخانا ونخفي دمه؟ تعالَوْا نبيعه للإسماعيليين، ولا تكن أيدينا عليه؛ لأنه أخونا ولحمنا، فسمع له إخوته. واجتاز رجال مديانيون تجار، فسحبوا يوسف وأصعدوه من البئر، وباعوا يوسف للإسماعيليين بعشرين من الفضة، فأتَوْا بيوسف إلى مصر …» (التكوين، ٣٧: ٢٥–٢٩).

ومن ناحية أخرى، فإن ذكر الإسماعيليين والمديانيين في هذا الجزء من قصة يوسف لا يتناسب ومعطياتِ سلسلة الأنساب التي رسمها سفر التكوين لإبراهيم وأولاده. فمن المفروض أن الإسماعيليين هم أبناء إسماعيل بن إبراهيم من هاجر المصرية، والمديانيون هم أولاد مديان أحد أولاد إبراهيم من آخر زوجاته قطورة، وإذا أخذنا الزمن المنطقي الفاصل بين عصر إسماعيل ومديان ابنَيْ إبراهيم، وعصر يعقوب ويوسف لقلنا إن الإسماعيليين والمديانيين لم يكونوا قد تشكلوا كشعبين بعدُ خلال الفترة التي جرت خلالها قصة يوسف. ولا يوجد تفسير لهذا التناقض سوى أن قصة يوسف قد أُدمجت في نهاية عصر الآباء دون مجهود تحريري يضعها في اتساق مع ما سبقها.

وفي التفاصيل الصغيرة لقصص الآباء لدينا الكثير من التناقضات التي لا نستطيع الإتيان على ذكرها جميعًا. ومثالها ذلك التفصيل الصغير من قصة يوسف أيضًا، فعندما يتهم يوسف إخوته بالتجسس، ويطلب منهم العودة إلى كنعان وجَلْب أخيهم الأصغر بنيامين، يعطي أوامره ببيع القمح إلى العائدين، ولكنه يعيد الفضة التي دفعوها إلى أكياس قمحهم دون علم منهم. وبينما هم في الطريق فتح أحدهم كيسه ليعطي عُلَّيقًا لحماره، فرأى فضته في كيسه فأخبر إخوته، فارتعدوا خوفًا لئلا يظن يوسف بأنهم قد سرقوا فضتهم بعد شراء القمح (تك، ٤٢: ٢٥–٢٨). ولكننا في المقطع التالي مباشرة نجد أن الإخوة لم يعلموا بوجود فضتهم في أكياسهم في الطريق، بل لدى وصولهم ديارَهم: «فجاءوا إلى يعقوب أبيهم في أرض كنعان وأخبروه بكل ما أصابهم … وإذ كانوا يُفرغون عِدالَهم، إذا صُرة فضة كل واحد منهم في عِدله، فلما رأَوْا صُرَر فضتهم، هم وأبوهم خافوا …» (تك، ٤٢: ٢٩–٣٤).

ضمن هذه السلسلة غير المترابطة من روايات الآباء يمكن — ببعض التمحيص — اكتشاف المفاصل الرئيسية التي تم عندها جمع تقاليد مستقلة من حيث الأصل إلى تقليد واحد. فالتقاليد المتعلقة بأبرام قد التقت مع التقاليد المتعلقة بإبراهيم، تحت ذريعة أن الرب قد أمر أبرام بتغيير اسمه إلى إبراهيم. والتقت كذلك التقاليد المتعلقة بيعقوب مع التقاليد المتعلقة بإسرائيل، تحت ذريعة أن الرب قد غيَّر اسم يعقوب إلى إسرائيل. ثم حُشرت التقاليد المتعلقة بإسحاق بين هذه وتلك. ولعل أكثر هذه التقاليد غرابة من البقية تلك المتعلقة بيوسف، فهذه القصة عن الشاب الآسيوي الطموح الذي يصل إلى مرتبة عالية في البلاط المصري قد أُدمجت في نهاية سلسلة تقاليد الآباء من أجل الربط بين عصر الآباء في كنعان، وتلك الجماعة التي خرجت من مصر بعد أربعمائة سنة من العبودية تَلَت موت يوسف.

أما الرؤية الأيديولوجية لأحداث روايات الآباء، والتي أراد المحررون من خلالها إحداث نوع من الانسجام بين تقاليد الآباء نفسها من جهة، وبين هذه التقاليد وبقية التقاليد الرئيسية في الكتاب، فتظهر كشأن مُقحَم على الشكل الأصلي للقصص، وتُبدي مرونة عالية في فرض نفسها على الحدث. وهذه الرؤية الأيديولوجية ذات شقين؛ شق عرقي وشق ديني، تتبدى الأيديولوجية العرقية في محاولة رسم خط نسب رئيسي نبيل يوصل إلى الأسباط الاثني عشر لإسرائيل، وخطوط نسب فرعية توصل إلى بقية الشعوب التي احتك بها الإسرائيليون خلال الفترات التاريخية المتأخرة، والقريبة زمنيًّا من عصر تدوين الأسفار التوراتية. فمن جارية إبراهيم المصرية يولد إسماعيل، وهو أبو القبائل الإسماعيلية التي نعرفها من النصوص الآشورية للألف الأول قبل الميلاد، مثل نبايوت (الأنباط فيما بعد) وقيدار وتيما. ومن عيسو المنبوذ، الذي خسر بركة أبيه، يولد آدوم وعماليق. ومن بنتَيْ لوط اللتين حملتا سفاحًا من أبيهما يتسلسل المؤابيون والعمونيون. وبهذه الطريقة يجعل سفر التكوين من الخصوم التاريخيين لبني إسرائيل أحفادًا للجواري والملعونين في الأرض وأولاد الزنا.

وفيما يتعلق بالأيديولوجيا الدينية، فإنها تظهر كمحاولة غير ناجحة أو غير جادة لإسقاط المعتقد التوحيدي، الذي لم يَنضَج في فلسطين إلا إبان العصر الفارسي المتأخر على هذه المرحلة المبكرة بأجوائها الوثنية التي لا تُخفي نفسها. فالإله الواحد — الذي بشَّر به كهنوت يهوذا بعد السبي البابلي على لسان الأنبياء من أمثال إرميا وإشعيا — هو الإله الواحد الذي بشَّر به موسى بين بني إسرائيل في مصر، وهو الذي خاطب إبراهيم أول مرة في حاران وأقام معه العهد ومع أولاده بعده. غير أن الكثير من تفاصيل قصص سفر التكوين، التي تُركت على حالها دون تدخل من المحرر، قد أحبطت مشروع الإسقاط هذا، وتُركت روايات الآباء تسبح في الأجواء الوثنية للقصص القديمة التي تم جمعها من الماضي. فالاسم «إيل» يُستخدم في العديد من المواضع في الإشارة إلى إله الآباء. من ذلك مثلًا ما يرد على لسان هاجر في الإصحاح ١٦: ١٣، وعلى لسان يعقوب في الإصحاح ٢٨: ١٦–١٩. والإله إيل، كما هو معروف تمامًا اليوم، كان إله السماء عند الكنعانيين، ورئيسًا لمجمع الآلهة في أوغاريت. ورغم إعلان الرب عن نفسه لإبراهيم وبنيه من بعده على أنه الإله الواحد القدير، وإبرام العهد معهم على عبادته وحده، فإن صور وتماثيل الآلهة الوثنية لم تغادر بيوت الآباء. فهذه راحيل تسرق أصنام أبيها عندما غادرت حاران مع زوجها، وعندما يلحق بهما الأب لابان ويدركهما في الطريق، يدخل خباء راحيل بحثًا عن آلهته. وهنا نقرأ في التكوين، ٣١: ٣٤ «وكانت راحيل قد أخذت الأصنام ووضعتها في حِداجة الجمل وجلست عليها، فجسَّ لابان كل الخباء ولم يجد، وقالت لأبيها: لا يَغتظْ سيدي، إني لا أستطيع أن أقوم أمامك لأن عليَّ عادة النساء. ففتشَ ولم يجد الأصنام …» وهذه الأصنام تبقى في بيت يعقوب — مع غيرها من أصنام آلهة القوم — موضع عناية وتقديس، على ما نفهم من الإصحاح ٣٥: ١–٢ حيث نقرأ: «ثم قال الله ليعقوب: قم اصعد إلى بيت إيل، وأقم هناك واصنع مذبحًا لله الذي ظهر لك حين هربت من وجه عيسو أخيك، فقال يعقوب لبيته ولكل من كان معه: اعزلوا الآلهة الغريبة من بينكم، وتطهروا وأبدلوا ثيابكم …» إلا أن هذه الآلهة لم تختفِ من بيوت الشخصيات الروحية والقيادية الرئيسية في الرواية التوراتية. وسنرى فيما بعد أن أصنام الآلهة كانت موجودة في بيت الملك داود بعد ذلك بعدة قرون.

إن صورة الإله يهوه، كما تقدمها المعتقدات التوراتية المتأخرة، هي صورة إله مجرد ومُنزَّه، لا يتسع له مكان ولا تدركه الأبصار. وعلى حد قول إشعيا: «… هكذا قال الرب، السماء كرسيِّي والأرض موطئ قدميَّ. أين البيت الذي تبنون لي وأين مكان راحتي وكل هذه صنعتْها يدي!» (إشعيا، ٦٦: ١–٢). ولكن شخصيات عصر الآباء كانت تستمع لصوت الرب مباشرة أو تراه في المنام، وفي بعض الأحيان رؤيةَ العين المجردة، وتتحدث معه وتتمشى أمام الخباء، الأمر الذي يذكرنا بأجواء أساطير وملاحم أوغاريت. فيعقوب قد دخل في صراع جدي مع يهوه عند مخاضة يبوق كما قدمنا سابقًا، وإبراهيم يُفاجأ بزيارة يهوه مع اثنين من حاشيته في وضح النهار. ويبدو أن مشهد الزيارة الإلهية في القصة الأصلية كان يتضمن زيارة ثلاثة آلهة كنعانية، ومثل هذه الزيارات الإلهية لشخصيات دنيوية بارزة معروفة في أدبيات الشرق القديم. وقد عثرتُ على مشابهة واضحة بين قصة زيارة يهوه لإبراهيم وبشارته له بغلام، وبين ملحمة دانيال الأوغاريتية، مما سأعرض له بسرعة فيما يلي.

كان دانيال حاكمًا عادلًا يجلس كل يوم للقضاء عند باب المدينة. ولكنه كان عقيم النسل لم يُرزق بولد يرثه. صلى دانيال كثيرًا في المعبد وقرَّب القرابين لكي تُرفع عنه لعنة العقم. وأخيرًا ظهر له الإله بعل ووعده بأن يكلم بشأنه كبير الآلهة إيل. برَّ بعل بوعده، واستجاب الإله إيل لصلوات دانيال، فرُزق بغلام أسماه أقهات. وفي أحد الأيام مر إله الحرف والصناعة كوثر-حاسيس، فدعاه دانيال لتناول الطعام. ولنتابعْ هنا القصة كما وردت في العمود الخامس من اللوح الأول للنص الأوغاريتي: «ثم في اليوم السابع نهض دانيال وجلس عند البوابة قرب الأكداس عند البيدر يقضي قضاء الأرملة وحكم اليتيم، وعندما رفع بصره رأى على بعدِ ألفِ حقلٍ كوثر-حاسيس قادمًا حاملًا قوسًا وجِعابًا ونبالًا. عند ذلك نادى دانيال زوجته قائلًا: اسمعي أيتها السيدة دانتية، أعدِّي خروفًا من القطيع لإكرام كوثر-حاسيس، وجهزي لإطعام وإسقاء الآلهة. فسمعت دانتية وأعدت خروفًا من القطيع لإكرام كوثر-حاسيس. ثم بعد ذلك وصل كوثر-حاسيس وأعطى القوس لدانيال من أجل بِكره أقهات. عندها أولمت السيدة دانتية وقدمت شرابًا وكرمت السيد. وعندما غادر كوثر-حاسيس إلى موطنه أخذ دانيال القوس وأعطاها لأقهات هديةً قائلًا: إن بواكير صيدك يا بُني سوف تكون للمعبد.»٤

أما في القصة التوراتية عن الزيارة الإلهية فنقرأ: «وظهر له الرب عند بلوطات ممرا، وهو جالس في باب الخيمة وقت حر النهار، فرفع عينيه ونظر، وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه، فلما نظر ركض لاستقبالهم من باب الخيمة وسجد إلى الأرض وقال: يا سيد، إن كنت قد وجدت نعمة في عينيك فلا تتجاوز عبدك، ليؤخذْ قليل ماء واغسلوا أرجلكم واتكئوا تحت الشجرة، فآخذ كسرة خبز فتسندون قلوبكم ثم تجتازون، لأنكم قد مررتم على عبدكم. فقالوا: هكذا نفعل كما تكلمت. فأسرع إبراهيم إلى الخيمة إلى سارة وقال: أسرعي بثلاث كيلاتٍ دقيقًا سَميذًا، اعجني واصنعي خبز مَلَّة. ثم ركض إبراهيم إلى البقر وأخذ عجلًا رَخصًا وجيدًا وأعطاه للغلام، فأسرع ليعمله، ثم أخذ زبدًا ولبنًا والعجل الذي عمله ووضعها قدامهم. وإذ كان هو واقفًا لديهم تحت الشجرة أكلوا، وقالوا له: أين سارة امرأتك؟ فقال: ها هي في الخيمة، فقال: إني أرجع إليك نحو زمان الحياة ويكون لسارة امرأتك ابن …» (تك، ١٨: ١–١٠).

تتفق القصتان في العناصر المكوِّنة لهما جميعها، وهي: الرجل الصالح العقيم، الصلاة والتضرع من أجل الإنجاب، الوعد الإلهي بالإنجاب، الزيارة الإلهية، الوليمة. ولكن مع اختلاف بسيط في ترتيب الأحداث. ففي القصة الأوغاريتية تأتي الزيارة الإلهية بعد الوعد والإنجاب، أما في القصة التوراتية فإن الزيارة تسبق الوعد والإنجاب. ومن الناحية البنائية، فإن القصتين متطابقتان إلى حد مثير للدهشة على ما أبينه في التحليل البنائي التالي المتعلق بمشهد الزيارة:

النص الأوغاريتي النص التوراتي
(١) دانيال يجلس عند بوابة المدينة يقضي بين الناس. (١) إبراهيم يجلس عند باب خيمته وقت حر النهار، قرب حبرون.
(٢) دانيال يرفع بصره ويرى كوثر-حاسيس عن بُعد، وعلى كتفه قوس ونبال. (٢) إبراهيم يرفع نظره، وإذا ثلاثة واقفون لديه، وهم إله التوراة واثنان من حاشيته.
(٣) دانيال ينادي زوجته دانتية، ويطلب منها أن تجهز خروفًا من القطيع لإكرام الضيف. ثم يستقبل الإله ويستلم منه القوس هديةً لأقهات. (٣) إبراهيم يركض لاستقبال القادمين، ويعرض ضيافته التي تلقى القبول، ثم يطلب من زوجته أن تُعد خبزًا، ويعطي غلامه عجلًا من القطيع ليجهزه طعامًا للضيوف.
(٤) دانتية تجهز الخروف لإطعام ضيفها. (٤) سارة تعجن خبزًا، والغلام يجهز العجل لإطعام الضيوف.
(٥) بعد أن يفرغ الضيف الإلهي، يعطي دانيال قوسه هديةً لأقهات، ثم يأخذ دانيال على أقهات عهدًا بأن يقدم بواكير صيده للمعبد. (٥) بعد أن يفرغ الضيوف الإلهيون يعطي الإله التوراتي وعدًا بولادة وريث لإبراهيم، أو بالأحرى يؤكد وعودًا سابقة قطعها بهذا الخصوص.

وباختصار، فإن المنظور الأيديولوجي الذي فُرض على روايات الآباء من أجل إيجاد صلة عضوية بينها وبين بقية فصول القصة التوراتية قد أخفق في مَهمته، وبقيت قصص الآباء تسبح في مناخها الثقافي القديم السابق على فترة التحرير والتدوين.

(٢) النقد التاريخي لسفر التكوين

لقد ألمحنا سابقًا إلى أن الرأي الشائع بين المؤرخين يجعل من عصر البرونز الوسيط (١٩٥٠–١٥٥٠ق.م.) مسرحًا لروايات عصر الآباء. إلا أن أحداث سفر التكوين نفسها لا تزودنا بأي مفتاح لحل مسألة تاريخانية عصر الآباء. فهذه الأحداث — التي تدور حول مسائل عائلية وقبلية بحتة — معلقة في فضاء تاريخي كامل، ولا نجد فيها صدًى للأحداث التاريخية التي حفل بها عصر البرونز الوسيط، والتي صرنا اليوم على دراية تامة بمجرياتها الرئيسية، وخطوطها العامة التي بيَّناها في مقدمتنا التاريخية في الفصل الأول من هذا الكتاب. وحتى الآن لم يستطع الباحثون بشكل مباشر العثور على مفاصل يمكن عندها مقاطعة أية قصة من قصص الآباء، أو أي عنصر ثانوي من عناصرها، مع أي حدث أو معلومة تاريخية من عصر البرونز الوسيط، أو حتى من عصر البرونز الأخير. ولا تقدم لنا أسماءُ الأمكنة أو أسماء الأشخاص الواردة في سفر التكوين معونةً تذكر في هذا المجال. فالنص التوراتي لا يذكر اسم الفرعون الذي ضم زوجة إبراهيم إلى حريمه، ولا اسم الفرعون الذي ارتقى يوسف في عهده منصب الوزارة. ومن ناحية أخرى، فإن الأسماء الواردة في سفر التكوين — مثل أبيمالك ملك جرار، وكدر لعومر ملك عيلام، وأميرافل ملك شنعار، ناهيك عن أسماء الآباء أنفسهم — غير موثَّقة خارج النص التوراتي. ومع أن الحل الساذج الذي يربط أميرافل التوراتي بحمورابي البابلي قد صُرف النظر عنه اليوم تمامًا، إلا أن بعض الباحثين ما زال جادًّا في التفتيش عن سند تاريخي لقصة حرب إبراهيم مع الملوك الأربعة. فوليم فوكسويل أولبرايت، المدافع العنيد عن تاريخية روايات الآباء، يرفض الربط بين أميرافل سفر التكوين وحمورابي ملك بابل، ولكنه من جهة أخرى يبحث عن تخريجة لا تخلو من تعسف. فالاسم أميرافل (أ – مي – را – فل) يتشابه في أحرفه الصوتية والساكنة مع الاسم إمودابل (إ – مو – دا – بل)، وهو اسم دويلة مهمة قامت في وادي الرافدين الأدنى (شنعار) قبل صعود حمورابي، وكان أهلها، على ما تدل عليه النصوص القديمة، تجارًا يسيِّرون القوافل بين وادي الرافدين والمناطق السورية في الغرب. ويستنتج أولبرايت أن خطيئة في النسخ قد حرفت تعبير «ملك إمودابل» إلى «الملك أميرافل». ويُرجح أن هذا الملك كان يقود حملة موجهة ضد مصر، عَبَر خلالها فلسطين وشرقي الأردن لتسوية بعض المسائل المتعلقة بطرق التجارة.٥ وهذا الحل، على هشاشة مقارناته اللغوية، يتجاهل حقيقة تاريخية هامة، وهي أن ممالك بلاد الرافدين منذ أيام صارغون الأكادي لم تدخل في نزاع مع مصر طيلة الألف الثالث والألف الثاني قبل الميلاد.

وفيما يتعلق بأسماء الأماكن والمدن الواردة في سفر التكوين، فإنها لا تساعد بدورها على رسم إطار تاريخي واضح لروايات الآباء. فبعض المدن غير موثَّق على الإطلاق خارج النص التوراتي، مثل مدينتَيْ سدُّوم وعمورة. أما المدن الموثَّقة والمعروفة لنا تاريخيًّا، فمعظمها يشير إلى تاريخ لاحق لأحداث سفر التكوين لا يتجاوز بكثير الألف الأول قبل الميلاد. فمدينة أور مسقط رأس إبراهيم موثَّقة لدينا تاريخيًّا وأركيولوجيًّا منذ مطلع الألف الثالث قبل الميلاد، وقد استمرت قائمةً حتى العصر الآشوري والبابلي الجديد (الكلداني) في الألف الأول قبل الميلاد، إلا أن وصف النص لها بأور الكلدان يشير إلى أواسط الألف الأول قبل الميلاد، عندما أسس الكلدانيون (وهم فرع آرامي من سوريا) الإمبراطوريةَ البابلية الجديدة. وفيما يتعلق بمدينة حران (أو حاران) فإنها لم تزدهر قبل العصر الآرامي خلال أواخر الألف الثاني ومطلع الألف الأول قبل الميلاد. أما بئر السبع، المقر الرئيسي لإبراهيم ويعقوب أيضًا، فإن المنقبين فيها لم يعثروا على دلائل سكنية تتجاوز الألف الأول قبل الميلاد.

أما انعدام البينات التاريخية والآثارية المباشرة على وجود عصر الآباء، لجأ الباحثون المحافظون إلى اتباع منهجية خاصة تعتمد الطرق غير المباشرة في التحقق من تاريخية عصر الآباء. ويمثل هذا الاتجاهَ مدرسةُ أولبرايت، التي تعتمد بشكل رئيسي على الأركيولوجيا، وما أفاضت به من نصوص جديدة، عززت معرفتنا بأحوال ثقافة عصر البرونز الوسيط. تؤمن مدرسة أولبرايت، من حيث المبدأ، بالقيمة التاريخية لروايات الآباء، وتعتقد بأنها قد صيغت بشكلها الذي وصل إلينا في زمن لا يتجاوز زمن المملكة الموحدة، أي النصف الأول من القرن العاشر قبل الميلاد، وأن واضعيها قد اعتمدوا تقاليد وصلت إليهم من العصور الأقدم. فعصر الآباء، والحالة هذه، عصر تاريخي، ويمكن التأكد من تاريخيته بعدد من الوسائل غير المباشرة.

يجد أولبرايت في تفاصيل قصص الآباء بعض العادات الاجتماعية، والمسائل التشريعية، وبعض أسماء العلم، ونمطًا من الحياة الاجتماعية، يمكن إرجاعها إلى النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد، نظرًا لوجود ما يقابلها في ثقافة الشرق القديم خلال عصر البرونز الوسيط. من هنا، فإنه يعتقد أن دراسة هذه الجوانب الثقافية في عصر الآباء، ومقارنتها بمتوازياتها عند الثقافات المجاورة، سوف تمكِّن الباحث من رسم الإطار التاريخي العام لتقاليد سفر التكوين. ويعول أولبرايت بشكل خاص على نصوص مدينة نوزي الحورية في شمال وادي الرافدين، وهي نصوص غزيرة تعطي صورة عن طبيعة الحياة الاجتماعية في المنطقة خلال البرونز الوسيط. ورغم أن هذه النصوص تعود إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، إلا أنها تعكس أحوالًا اجتماعية أقدم من ذلك. يجد أولبرايت في نصوص نوزي بعض القواعد التشريعية، والعادات الاجتماعية المشابهة تمامًا لما نجده في روايات الآباء. من ذلك مثلًا القاعدة التي تنص على تبني الرجل المقطوع النسل لولد يدير أملاكه في حياته، ويرثه بعد مماته، وهذا ما فعله إبراهيم بتبنيه لأليعازر الدمشقي. وكذلك الأمر فيما يتعلق بعادة تقديم الزوجة العاقر جاريةً لزوجها تنجب له أولادًا، وهذا ما فعلته سارة لإبراهيم، وما فعلته أيضًا راحيل ليعقوب.٦

وفيما يتعلق بأسماء العلم الواردة في سفر التكوين، وخصوصًا أسماء الآباء، فإن أولبرايت يرى أن لبعضها صلة بالأسماء الآمورية الواردة في الوثائق الكتابية التي تعود إلى مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، مثل اسم إبراهيم واسم يعقوب اللذين تكررا في أكثر من وثيقة. أما الأسماء التي لم ترد في وثائق ذلك العصر، مثل إسحاق ويوسف، فيرى أنها منحوتة من نفس الذخيرة اللغوية الآمورية. وهذا ما يشير بقوة إلى بداية الألف الثاني قبل الميلاد كمسرح لأحداث سفر التكوين. ويدعم ذلك في اعتقاده أن مثل هذه الأسماء لم تتكرر في الأسفار التوراتية اللاحقة. وقد انتقل أولبرايت من هذا التحليل اللغوي إلى ربط تحركات الآباء بالتحركات العامة للآموريين، مما أعقب انهيار ثقافة البرونز المبكر وبداية ثقافة البرونز الوسيط. وهو يحدد عصر إبراهيم وإسحاق في الفترة من ٢١٠٠ إلى ١٩٠٠ق.م.، وعصر يعقوب في الفترة ١٩٠٠ إلى ١٨٠٠ق.م. غير أن تلامذة أولبرايت لم يوافقوا على هذا التحديد الدقيق، واكتفَوْا بالقول بأن عصر الآباء لا يمكن فهمه إلا من خلال وضعه في الإطار العام لمطلع الألف الثاني قبل الميلاد.

على أن أولبرايت نفسه عاد فربط الآباء بجماعات الخابيرو (وخصوصًا في كتابه المتأخر: يهوه وآلهة كنعان، انظر الحاشية رقم ٦) التي كانت تعيش على هامش المدن، وتضم أخلاطًا شتى من الشرائح الاجتماعية الهامشية. فالخابيرو المعروفون في النصوص الرافدية منذ أواخر الألف الثالث قبل الميلاد، والذين تدعوهم النصوص السورية الأحدث بالعابيرو، هم الذين نجم عنهم العبرانيون التوراتيون، الذين ابتدأت تحركاتهم مع إبراهيم العبراني القادم من أور الكلدان. وهو يقرن هنا بين وصف عابيرو في النصوص السورية ووصف عبريم في النصوص التوراتية، التي تعني عبري أو عبراني. ويركز أولبرايت بشكل خاص على جماعتين من الخابيرو معروفتين من وثائق مدينة ماري، هما «بنو يامينا» أي: بنو الجنوب أو أهل الجنوب، و«بنو شمأل» أي: بنو الشمال، ويرى في «بنو يامينا» أسلاف قبيلة بنيامين التوراتية، التي يعني اسمها بني الجنوب أيضًا باللغة التوراتية. ثم يذهب أولبرايت أبعد من ذلك حين يربط بين خابيرو البرونز الوسيط وعابيرو البرونز الأخير في فلسطين، والذين نعرف عن تحركاتهم العسكرية، وتعدياتهم على دويلات المدن الفلسطينية من رسائل تل العمارنة المتبادلة بين البلاط المصري وملوك الدويلات السورية والفلسطينية، أواسط القرن الرابع عشر قبل الميلاد. ثم يربط أولبرايت بين عابيرو البرونز الأخير هؤلاء في فلسطين وجماعات العبرانيين الذين خرجوا من مصر بقيادة موسى، واقتحموا كنعان بقيادة يشوع. فهؤلاء العائدون ليسوا إلا شريحة من عابيرو فلسطين، وعملياتهم العسكرية اللاحقة هي استمرار لتلك العمليات السابقة الموثَّقة في رسائل تل العمارنة.

لم تثبت أفكار أولبرايت طويلًا أمام النقد، رغم تأثيرها الواسع على جيل كامل من الباحثين. ففيما يتعلق باعتماده على التشابه بين العادات والشرائع الموجودة في نصوص نوزي وتلك التي نجدها في سفر التكوين، من أجل وضع عصر الآباء في مطلع البرونز الوسيط، ونسبة أصلهم إلى بلاد الرافدين على ما ورد في النص التوراتي؛ فقد لاحظ النقاد، اعتمادًا على نصوص جديدة لم تكن معروفة لأولبرايت وجماعته، أن ما ورد في نصوص نوزي لم يكن وقفًا على عصر البرونز الوسيط، ولا على بلاد الرافدين في ذلك العصر. ففيما يتعلق بواجب المرأة العاقر تقديم جارية لزوجها تنجب له أولادًا، فقد وردت هذه الممارسة في نصوص متأخرة تعود إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد، ومنها عقد زواج من مصر، وفي نصوص من القرن السابع قبل الميلاد، ومنها عقد زواج من آشور.٧ وفيما يتعلق بمقارنة أسماء الآباء بنظائرها من الأسماء الآمورية في عصر البرونز الوسيط، فقد لاحظ النقاد أيضًا أن هذه الأسماء وأشباهها كانت شائعة الاستخدام في أنحاء الشرق القديم جميعه، وعلى فترات تتدرج من عصر البرونز المبكر إلى القرن الثالث قبل الميلاد. فالاسم أبرام موثَّق في أرشيف إيبلا الذي يعود إلى عام ٢٤٠٠ق.م. أي قبل ٥٠٠ سنة من بداية عصر البرونز الوسيط، وقد ورد بصيغة أبرامو (أب – را – مو). إضافةً إلى ورود أسماء علم أخرى ذكرت في التوراة، مثل آدم (أ – دا – مو)، وإسماعيل (أش – ما – إيل)، وإسرائيل (أش – را – إيل)، وميكائيل (مي – كا – إيل).٨ ويستمر ظهور الاسم إبراهيم على شكل أبرام أو أبيرام حتى نهاية عصر البرونز الأخير حوالي عام ١٢٠٠ق.م. أما الأسماء إسحاق ويعقوب ويوسف فإنها تنتمي إلى زمرة آمورية من الأسماء واسعة الانتشار في أنحاء الشرق القديم جميعه خلال عصر البرونز الوسيط، كما أننا نجدها مستعملة في أوغاريت خلال عصر البرونز الأخير. وهناك من الأسماء القريبة إلى يعقوب بقي متداولًا حتى القرن الثالث قبل الميلاد، حيث نجده في بعض النقوش التدمرية.٩
إن جُل المؤرخين والآثاريين اليوم يعترف بعدم وجود مرجعية غير توراتية، يمكن أن تسهل إقامة وضع إطار تاريخي لأحداث سفر التكوين. من هنا، فإن واقع البحث الأكاديمي يتدرج بين موقف معتدل يقول بوجود عناصر تاريخية في روايات الآباء، من دون إرجاع هذه الروايات لأي فترة تاريخية محددة، إلى الموقف المتحرر الذي يرى بأن روايات الآباء ليست إلا من قبيل القص الخيالي، ولا تتمتع بسند تاريخي. فالباحث ديفو الذي يقف موقف الوسط بين المحافظين والمتحررين، يُظهر في كتابه الموسوعي عن تاريخ إسرائيل شكَّه في إمكانية إرجاع عصر الآباء، بثقة علمية، إلى فترة تاريخية معينة، رغم قوله بوجود أساس تاريخي لروايات سفر التكوين. وهو يتراجع بشكل كامل عن آرائه السابقة، التي ساهم من خلالها بدعم موقف مدرسة أولبرايت، الذي ينطلق من إجراء المقارنات العامة مع ثقافة عصر البرونز الوسيط.١٠
أما الباحث فان سيتير، الذي يبتدئ دراسته لعصر الآباء بتحري المصادر الخارجية كلها (غير التوراتية)، وما يمكن أن تقدمه من بينات في صالح تاريخية روايات الآباء، وإرجاعها إلى عصر البرونز الوسيط، فإنه يتوصل إلى نتيجة مفادها أن البينات المتوفرة حتى الآن غير كافية وغير مقنعة، وأن قصص الآباء لم تكن في أصلها تقاليد مكتوبة أو شفهية متداولة من عصور البرونز الوسيط، بل هي قصص مكتوبة وموضوعة لأول مرة خلال فترة السبي البابلي وما بعده، وهي في خطوطها العامة، وما تتضمنه من تفاصيل وعادات، وأسماء علم، وعلاقات اجتماعية، إنما تعكس الأوضاع العامة السائدة في فترة التدوين، أي منتصف الألف الأول قبل الميلاد.١١ ويتفق الباحث غربيني مع فان سيتير في أن روايات الآباء قد دُونت خلال منتصف الألف الأول قبل الميلاد، ولكن اعتمادًا على تقاليد متفرقة وذات أصول مختلفة، وانطلاقًا من دوافع أيديولوجية، فهي تعكس بشكل رئيسي فهم يهوذا المسبية لنفسها، وطريقة رسمها لأصولها. من هنا يؤكد غربيني على ضرورة إعادة دراسة وتقييم التاريخ المبكر لإسرائيل بعيدًا عن الدوافع اللاهوتية، التي تكمن وراء الواجهة العلمية لمناهج الباحثين المحافظين.١٢
ويتحدث الباحث ك. ماك كارتر عن الدوافع الأيديولوجية وراء صياغة روايات الآباء فيقول: «علينا أن ننتبه دومًا في دراستنا لروايات الآباء إلى أن هذه الروايات هي أيديولوجيا وليست تاريخًا. لقد صيغت إبان الألف الأول قبل الميلاد من أجل التأسيس اللاهوتي والسياسي للشعب الإسرائيلي؛ ولذا لا يمكن التعامل معها كتاريخ بأي معنًى من المعاني الحديثة لهذه الكلمة. لقد نشأت هذه الروايات مع بدايات تشكل الجماعة التي ندعوها إسرائيل (والباحث هنا يقصد مطلع الألف الأول قبل الميلاد)، وساعدت على خلق هذه الجماعة عن طريق تزويدها بالإطار الاجتماعي اللازم لها. فإسرائيل لم تكن لتوجد في معزِل عن القصة، تلك القصة التي وضعت القاعدة لفهم الذات وللتنظيم الاجتماعي. لقد أعطت القصة للجماعة تعريفًا وتحديدًا.» ويلاحظ هذا الباحث بشكل خاص ذلك الإصرار الواضح في سفر التكوين على الأصل الخارجي لجماعات عصر الآباء. فالقصصُ، واحدةً إثر أخرى، تؤكد على أن أسلاف بني إسرائيل كانوا غرباء في كنعان، وأنهم قد أتَوْا من «عَبْر النهر» أي: نهر الفرات، ومن هنا، في رأيه، جاءت تسمية عبراني وعبرانيون (= عبريم باللغة التوراتية). ويفسر هذا التوكيد بأنه نوع من التمييز العرقي للجماعات المختلفة التي كوَّنت تدريجيًّا شعب إسرائيل، رغم أن القسم الأكبر من هذه الجماعات قد جاء من أصل محلي. ويبدو أن هذا التمييز المصطنع الذي ساعد على توحيد هذه الجماعات، وإعطائها هوية واضحة، قد جاء في سياق التناقض بين سكان الهضاب حيث تشكلت دولة إسرائيل فيما بعد، وسكان السهول والوديان من أهل دويلات المدن الفلسطينية القديمة.١٣

وأخيرًا، فإن ما قدمناه من نقد نصي وتاريخي وأركيولوجي لسفر التكوين، وما استعرضناه من نتائج البحث الأكاديمي الحديث خلال ربع القرن الأخير من القرن العشرين؛ لا يؤدي بنا إلا إلى إسقاط عصر الآباء تمامًا من مرتبة التاريخ، وجعله في زمرة الملاحم الشعبية والقَصص البطولي المعروف في تراث الشعوب كلها.

١  حول عمر ساراي انظر التكوين (١٧: ١٧) وقارن بالتكوين (١٢: ٤).
٢  عيلام مملكة قوية في القسم الأدنى من إيران.
٣  منطقة سومر جنوب وادي الرافدين.
٤  أنيس فريحة: أوغاريت، دار النهار، بيروت ١٩٨٠.
٥  W. F. Albright, Yahweh and the Gods of Canaan, pp. 68-69.
٦  فيما يتعلق بوجهة نظر أولبرايت حول هذه النقطة وما يليها في عرضنا هذا، انظر مؤلَّفَيْه:
• The Biblical Period from Abraham to Ezra, New York, Harper and Row, 1963.
• Yahweh and the Gods of Canaan, op. cit.
٧  P. K. McCarter, The Patriarchal Age (in: H. Shanks, edt. Ancient Israel, pp. 10-11).
٨  ألفونسو آركي: الشواهد الكتابية في إيبلا والتوراة (مقالة في كتاب: إيبلا–مجموعة أبحاث، ترجمة قاسم طوير، دمشق ١٩٨٤، ص٧٣).
٩  K. McCarter, op. cit., pp. 10-11.
١٠  R. de Vaux, A History of Israel, Philadelphia, 1978.
١١  J. Van Seters, Abraham in History and Tradition, New Haven, 1975 (cited in: Th. L. Thompson, op. cit., pp. 92-93).
١٢  G. Garbini, History and Ideology in Ancient Israel, London, 1988 (cited in: Th. L. Thompson, op. cit., pp. 117–119).
١٣  K. McCarter, op. cit., pp. 17 ff.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤