الفصل الرابع عشر

من بيريه إلى برنديزي

الباخرة «فرينتون» باخرة يونانية دمًا ولحمًا، وأكلًا وشربًا، وعمالًا وركابًا، صغيرة ململمة الأطراف، يكاد طولها يساوي عرضها، فهي أرنب كبير أو سلحفاة.

ومعظم الركاب من جماعة دَكَّ يَدُكُّ دَكًّا، احتلوا ظهر الباخرة ومماشيها، فلم يبقَ فيها مكان لسائر وسط أكوام اللحم الحي من الركاب وأولادهم وفراشهم وأباريقهم وقللهم وطعامهم وشرابهم ودجاجهم.

على الباخرة فرينتون

ولم أكد أجتاز باب غرفتي حتى رأيت الزميل الصديق العزيز الأستاذ أنطون يعقوب والسيدة زوجته وابنتهما، وبعد التحية، عرفني إلى الشاب المصري زكي إسكندر أفندي، كاتب صحة مركز شبرا، مثال الناشئة المصرية الحديثة التي أدركت لذة السياحة في الخارج وفوائدها، فنشطت لاقتحامها على الدك وفي النوريستكا والدرجة الثالثة.

وقد خرج صاحبنا زكي أفندي من مصر بلا زميل أو رفيق أو مرشد.

أخذ تذاكره من شركة السياحة الإيطالية للذهاب والإياب بحرًا، واللف في إيطاليا من الجنوب إلى الشمال، والنزول في الفنادق بالكوبونات المعروفة.

وقد أرشدته إلى المدن التي يحسن به زيارتها.

وكان العشاء الدسم ونبيذ الأتيكة العتيق الذي يُقَدَّم مجانًا بسخاء على المراكب اليونانية.

وعند منتصف الليل وصلنا إلى مدينة باترس، فنزل إليها كثير من الدكيين وغيرهم، وأُفرِغت بضائع وشُحِنت أخرى.

ساعات في كورفو

واستيقظنا صباحًا، والباخرة تسير وسط الجزر حتى وصلنا إلى جزيرة كورفو في الساعة الرابعة بعد الظهر.

وكورفو فريدة عقد الجزر الأيونية، لها مثل بقية الجزر والبلاد اليونانية التاريخ القديم والمجد الحربي، والتقلب بين يدي الدول المختلفة.

figure
منظر عام لساحل كورفو.

وكنت قد حدثت الإخوان عن قصر أخيلون المشهور في كورفو فأرادوا مشاهدته، ولكن لم يكن هناك متسع من الوقت لزيارته.

فاكتفينا بركوب عربة طافت بنا الكورنيش وبعض أنحاء المدينة، وانتهى بنا الأمر إلى قهوة على المرفأ، كان الزميل أنطون يطمع فيها بشيشة فلم يجدها.

بين ساحلي الأدرياتيك

واستأنفت الباخرة سيرها فوصلت في الساعة الرابعة بعد الظهر إلى كورنتا (الأربعين قديسًا) من مواني ألبانيا، ولم يسمح للركاب بالنزول إليها، وتأخرتْ ساعات لمعاملات خاصة بشاب ألباني أرادت الحكومة الألبانية القبض عليه، فأبى الربان تسليمه.

وانقضت الرحلة على خير حال، فلا قلقلة ولا رجرجة، بل كان الحر شديدًا، فهيأ لنا سهرات على الدك تسامرنا فيها طويلًا في شئوننا المصرية والصحافية.

ساعات في برنديزي

وبلغنا مدينة برنديزي في الموعد المقرر للوصول، وهو الساعة السابعة من صباح يوم الأربعاء ١٠ أغسطس.

figure
من المناظر القديمة في برنديزي.

ولبرنديزي عند الإخوان الإيطاليين مقام رفيع وتاريخ حافل بالحوادث الجسام، وفيها ما في غيرها من المدن الإيطالية من متاحف ودور علم وآثار مشهورة، يمر بها المصريون وغير المصريين كرامًا سواء استأنفت بهم السفن سيرها في الأدرياتيك أو إلى البحر الأبيض، أو نزلوا لركوب القطارات إلى روما ونابولي.

وقد ازدادت علاقات برنديزي بمصر، منذ فتح قنال السويس لنقل بريد الهند، على ما ذكره أستاذنا شيخ العروبة في كتابه «السفر إلى المؤتمر».

ووقفت الباخرة «فرنتون» إلى جانب رصيف الشارع.

وكان للطربوش المحترم عمله في تكوُّف الحمالين والحوذيين ومترجم الميناء حول الصحافي العجوز، ولكني عرفت كيف أتخلص منهم بالتي هي أحسن.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤