الفصل العشرون

الدوبولافورو وأشياء أخرى

الدوبولافورو تنظيم فاشيستي بديع، قصد به الدوتشي حماية وقت الفراغ والانتفاع به لتجديد قوى العامل الذي يقوم على كتفيه الإنتاج العام.

فالعامل الإيطالي مهما تكن درجة تربيته ومحصوله العلمي والأدبي، يخرج من عمله متعبًا منهوك القوى. وكان قبل تنظيم حركة الدوبولافورو يقضي وقت فراغه إما في الحانات، أو في الاستسلام للكسل والنوم.

الدوبولافورو وأغراضه ومقاصده

أما اليوم فإنه بفضل هذه الحركة يمكنه أن يرقى معلوماته، ويكمل دروسه ويقوي جسمه بإحدى الوسائل الثلاث التي يحققها الدوبولافور وهي:
  • (١)

    التعليم الفني، والثقافة الشعبية.

  • (٢)

    التدريب الجسماني.

  • (٣)

    المساعدات الاجتماعية والصحية.

ووسائل القسم الأول هي المرسح والسينما والراديو والمكتبات.

فقد أُلِّفَتْ ١٠٦٦ جمعية تمثيل بَنَتْ ١٢٢٧ مرسحًا يشتغل بها ٢٦ ألف ممثل، وقد مثلت في السنة الماضية ٢٦ ألف قطعة.

وأقامت نحو ٧٠٠ دار للسينما تُعرض فيها أفلام تهذيبية وفنية وصناعية، وتعطَى للأعضاء تذاكر دخول إلى جميع سينمات إيطاليا بأثمان مخفضة.

وأنشئت مكتبات عامة للأعضاء يطالعون فيها الكتب والمجلات، وشُرِع في تسيير مكتبات وأتوبيسات تطوف في القرى والكفور ويَقترض منها القراء ما يريدونه من المطبوعات، ويردُّونها عند عودة الأتوبيس إلى بلادهم.

وتمكنوا من اجتذاب الطبقة العاملة في جميع أنحاء إيطاليا إلى فروع الألعاب الرياضية، وتجديد الألعاب الرومانية القديمة.

ونُظِّمَتْ رحلات إلى الضواحي القريبة للتمتع بجمال الطبيعة وزيارة الآثار والمؤسسات الصناعية.

ووُقِي العامل في أحسن حالة صحية وعقلية وخلقية، وأُحِيطَ بجو هادئ وحالة استقرار دائمة.

معرض الدوبولافورو

وعني المركز العام للدوبولافورو بإقامة معرض للتعريف بجهوده ودعوة العمال والمستخدمين والزُّرَّاع إلى الاستفادة من هذه الحركة الاجتماعية.

figure
حوض السباحة وسط المعرض.

وفُتِح المعرض في أرض المعارض إلى جانب الكولوسيوم، وتوصل إليه قطارات الترام من محطة سكة الحديد والأتوبيسات من جهات أخرى.

والمعرض في إجماله وتفصيله قطعة فنية علمية بديعة.

الأزهار والأنوار وأحواض السباحة وميادين الزحلقة والبولو والقهوات والمطاعم تملأ وسط المعرض. وفي الصدر قاعة واسعة للسينما ومكاتب الإدارة. وإلى جانب الداخل قسم للاستراحة جُهِّزَ بأَسِرَّة للنوم ومقاعد طويلة من القماش ودوشات ومغاسل وصالون للحلاقة ودورات مياه.

ومكتب مؤتمر «العمل والسرور» الدولي الذي عُقِدَ منذ أربعة أشهر، وفيه عدة صور فتوغرافية تبين مدى انتشار هذه الحركة التي نشأت في ألمانيا، وأخذت البلاد الأخرى في اقتباسها منها.

وقضيت نحو ثلاث ساعات متنقلًا بين أقسام المعرض، ورأيت كل ما يشوق ويروق من مراكز الدوبولافورو والعشش القروية المصنوعة من جزوع الخشب والخيام التي تحوي سريرين وخزانة وفنوغرافًا.

ثم الفنون الشعبية والحياة القروية، والمراسح المتنقلة والثابتة، والأندية العامة والحانات التي تُلقَى فيها القصائد والمواويل والقصص.

figure
عائلة قروية تتلهى بالموسيقى.

وغرفة إسعاف طبي في ملعب رياضي.

وكتب ورسائل في الإسعاف، وأدوات إسعاف، وأعشاب طبية نافعة، وخيمة للإسعاف في الجبل، وإسعاف الطيارين، وحمامات على شاطئ البحر، وتزيين الشبابيك بالزهر.

وأشغال يدوية أهليَّة للتسلية وقت الفراغ، وفيها مصنوعات من الخشب والنسيج والرسم.

والتربية بالسينما، وتعليم النسخ على الآلة الكاتبة.

وبيانات وإحصائيات عن الإيطاليين خارج بلادهم، وما لهم في كل قطر من مؤسسات الدبولافورو وفروعه … إلخ إلخ.

وإذا كان المقصود بالمعرض الأوغسطي دراسة التاريخ والمدنية القديمة؛ فإن الغرض من معرض الدوبولافورو هو الإعلان عمَّا وصلت إليه الحركة في سنواتها القليلة، وفيها درس نظري للأمم والجماعات التي تريد الاقتباس من هذا النظام المفيد بحسب ما يوافق كل بلاد وحالتها المدنية والطبيعية.

في وزارة تربية الشعب

ولم يكن في الوقت سعة لغير زيارة بعض الأصدقاء.

فترددت غير مرة على وزارة تربية الشعب وقابلت الأستاذ سليم قطان، وهو الشاب البيروتي المثقَّف الذي أحرز ثقة الدولة الإيطالية، فعيَّنته مستشارًا لوزارة تربية الشعب، وإليه يرجع الصحافي العجوز وغيره من رجال الصحافة الأجنبية عامَّة والصحافة الشرقية خاصة، فيجدون منه خير مرشد ودليلٍ لتحقيق مقاصدهم وإرشادهم إلى كل ما يريدون.

وقد تفضل فقابلني بالأستاذ يحيى شريف اللبابيدي.

والأستاذ اللبابيدي شاب في الرابعة والعشرين من حياته دمشقي المولد والنشأة، درس مبادئ اللغة الإيطالية في بلده، وعشق الصحافة صغيرًا، ويشتغل الآن بمكاتبة صحيفتين سوريتين، ويكتب فصولًا في الشئون الشرقية للصحف الإيطالية الكبرى، ويسعى للاتصال ببعض صحفنا المصرية لمراسلتها.

على مائدة صديق عزيز

وتناولت العشاء على مائدة الأستاذ يحيى حقي، قنصل مصر في روما بالنيابة، وهو الشاب الأديب المغرم بالتحرير والتحبير، الذي لا يلذُّ له غير حديث الصحف والمجلات والأدب والأدباء.

وبعد العشاء قدم إلينا الأستاذ أحمد حلمي إبراهيم، أمين محفوظات المفوضية، وخريج كلية الآداب بالجامعة المصرية.

وللأستاذ حلمي عناية خاصة ببحث الشئون الاجتماعية وحركة العمال، فوعدني بتقرير له عن الدوبولافورو، وهو بحث شائق دقيق استعنت به على ما كتبته في هذا الموضوع.

ويشتغل الآن بتجهيز ثلاثة تقارير:
  • الأول: في مجهودات إيطاليا في إصلاح حالة العمال عامة، والنساء خاصة.
  • الثاني: التأمين الإجباري للعمال وضمانتهم من مصائب الشيخوخة والمرض.
  • الثالث: شرح تام مفصل لمعرض الدوبولافورو.

وختمت أيامي في رومة بزيارة المفوضية والقنصلية المصريتين مقدِّمًا تحيتي للأستاذ حسني عمر بك سكرتير المفوضية، وشكري للإخوان الموظفين على ما حَبَوْني به من رعاية وعطف.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤