الفصل الثاني والعشرون

في المعرض البينالي

هو المعرض الدولي العام الذي تقيمه إيطاليا في مدينة فينسيا، لعشرين سنة خلت، مرة كل سنتين؛ ليعرض فيه الفنانون من أنحاء العالم عامة منتجات خيالهم وآثار أيديهم من تصوير وحفر وزخرف.

الدول المشتركة في المعرض

واشترك فيه هذه السنة فنانون من الدول الآتية، وهي: إيطاليا، بلجيكا، تشكوسلوفاكيا، الدانيمارك، مصر، فرنسا، ألمانيا، بريطانيا العظمى، اليونان، يوجوسلافيا، هولانده، بولونيا، رومانيا، إسبانيا، ولايات أمريكا المتحدة، السويد، سويسرا، هنغاريا.

figure
في القسم الإسباني: السيدة العذراء مريم والقديس يوحنا.

الكتالوج الفني للمعرض

ونشرت إدارة المعرض كتالوجًا فنيًّا للمعروضات في ٤٠٠ صفحة متوسطة، فصَّلت فيها معروضات كل دولة على حدة.

وفي كل فصل بيان تمهيدي لقومسير القسم، يليه أسماء العارضين وبيان معروضاتهم.

ثم جدول شامل لأسماء العارضين وأرقام الصفحات المبيَّنة فيها معروضات كل منهم.

ويلي هذا الجدول قسم مصور (مطبوع على ورق صقيل)، يحتوي على نماذج من أهم المعروضات في ١٥٤ صفحة مذيَّلة بأسماء أصحاب المعروضات المصورة.

اشتراك مصر في المعرض

وللمرة الأولى تشترك مصر في هذا المعرض.

فتألفت برعاية وزير المعارف لجنة لانتخاب الصور والتماثيل، قوامها الأساتذة أصحاب العزة محمد محمود خليل بك رئيس مجلس الشيوخ، وكامل عثمان غالب بك وكيل وزارة الأشغال العمومية، وأحمد راسم بك محافظ السويس، والمسيو جورج ريمون مراقب الفنون الجميلة في وزارة المعارف.

وقضت هذه اللجنة أيامًا في البحث والاختيار والانتخاب، إلى أن أعدت مجموعة طيبة تمثل عمل الفنانين المصريين خير تمثيل.

figure
من معروضات القسم المصري: العواد (صورة للأستاذ أحمد صبري).

وقررت انتداب الأستاذ سحاب رفعت ألماس، قومسيرًا للقسم المصري في المعرض، فأشرف — وهو في مصر — على إعداد الصور وشحنها بمساعدة الأستاذ راغب عياد، ثم سافر إلى فنيسيا وعني بترتيب المعروضات وتنسيقها في الجناح الخاص بها في المعرض.

كتالوج فني للقسم المصري

ونشر كتالوجًا خاصًّا للمعروضات باللغة الإيطالية، صدره بأسماء أعضاء اللجنة، وكتب له مقدمة، ألمع فيها إلى الدور القديم الذي لعِبته مصر في الفنون الجميلة والنهضة الحديثة، وقال إن مصر أرادت بالاشتراك في البينالي أن تعرف الملأ الفني مركز الفنانين المصريين الحاضرين، ووجهة نظر كل منهم.

قال: وهؤلاء الفنانون هم أبكار المدرسة المصرية الحديثة، وهناك كثيرون غيرهم، ولكن المكان الذي أُعِدَّ للمعرض لم يتسع لمنتجات عقولهم وأيديهم.

ويلي المقدمة صفحات خُصِّصَتْ كل واحدة لنبذة وجيزة عن كل من العارضين وهم الأساتذة المصورون والحفارون والخزافون محمود مختار (رحمه الله)، ومحمود سعيد بك، ومحمد ناجي، وراغب عياد، وأحمد عثمان، ولبيب تادرس، وحسين محمود فوزي، ومنصور فرج منصور، وعلي كامل الديب، والسيدة داريا جمسرجان.

ثم جداول بأسماء المعروضات، مقسمة تقسيمًا فنيًّا بأسماء العارضين وعددهم ١٦ فنيًّا، ومعروضاتهم وعددها ٨١ قطعة بين صورة وتمثال ولوحة زيتية، وباب من الحديد المطروق لتلاميذ مدرسة الفنون التطبيقية بالجيزة.

ويلي الجدول قسم مصور، مطبوع على ورق خاص، نُشِرَتْ فيه صور لنماذج من المعروضات المختلفة.

وقد نشر الكتالوج — ما عدا صفحات التراجم — في الكتالوج العام للمعرض.

وحرص الأستاذ ألماس على مال الدولة الذي عُهِدَ إليه في صرفه على نقل المعروضات وعرضها، فلم يتجاوز كل ما صرف على هذه العملية وعلى ذاته في تنقُّلاته وإقامته في فينسيا إلا مبلغ ١٥٠ جنيهًا، أرصدها في جداول مدعمة بالمستندات لكل ليرة صرفها.

وبعد أن حضر الأستاذ سحاب حفلة الافتتاح رأى أنه لا حاجة له بالبقاء في فينسيا، فسلم القسم المصري إلى الإدارة العامة للمعرض، وعاد إلى عمله في روما، وأخذ يتردَّد على فينسيا لمناسبات خاصة مثل زيارات حضرة صاحب الجلالة ملك إيطاليا وحضرة صاحبة الجلالة الملكة نازلي وصاحبات السمو الأميرات الملكيات المصريات للمعرض.

figure
من معروضات القسم المصري: قرية مصرية (صورة للأستاذ لبيب تادرس).

فضل الأمير يوسف كمال

وليس يصح أن يذكر هذا المعرض أو غيره من المؤسسات الفنية والمعارض بدون ترديد آيات الشكر والثناء على حضرة صاحب السمو الأمير الجليل يوسف كمال، واضع أساس النهضة الفنية في مصر لثلاثين سنة خلت بأن أنشأ مدرسة الفنون الجميلة وأرصد للإنفاق عليها مبلغًا كبيرًا من المال وسلمها إلى وزارة المعارف لإدارتها، ولا يزال — أطال الله حياته — ينفق على هذه المدرسة وإرسال البعوث من الطلبة المصريين إلى أوروبا لإتمام ثقافتهم الفنية.

جولة في المعرض

والمعرض البينالي مقام في أحد أطراف فينسيا يمكن الوصول إليه مشيًا على الأقدام، أو في اللنشات.

ففي الموعد المتفق عليه مع الأستاذ طه ركبنا اللنش وقصدنا إلى المعرض مجتازين الرصيف والحدائق، وبدأنا الطواف بالقسم الإسباني البورتغالي.

figure
في القسم المصري: فتاتان مصريتان (تمثال للأستاذ أحمد عثمان).

وعمد الأستاذ طه إلى الكتالوج الكبير باحثًا عن اسم هذا الرسام وذاك الحفار وهذه الصورة وذاك التمثال وطفق يطيل النظر في كل قطعة، فنبهته إلى أن الوقت يذهب قبل أن ننتهي من قسم واحد، ولكنه تشبَّث برأيه ثم عجز عن الاهتداء إلى غرضه في الكتالوج فطواه وسايرني مسرعًا إلى القسم الإيطالي، وفيه قابلنا رئيس قسم الصحافة، فتكرم عليَّ بالكتالوج الكبير وكمية من الفتوغرافيات للمعروضات.

والقسم الإيطالي واسع طويل المماشي كثير القاعات، فاكتفينا بالمرور به وإلقاء نظرات سريعة على بعض محتوياته.

وخرجنا منه إلى القسم المصري، والظاهر أن الأستاذ طه لم يكن له علم بأعمال فنانينا ففتح الكتالوج الخاص وشرع في التأمُّل والتحديق بكل قطعة.

وزرنا القسم الأمريكي (الولايات المتحدة) وقسم بلجيكا، وأعجبنا في قسم بولونيا بالحفر على الخشب، وأدهشت الأستاذ طه معروضات فينسيا في قسم الزخارف.

ولاحت على الأستاذ علامات التعب والإفلاس في مماشاة الصحافي العجوز، فقال: بزيادة بقى يا صديقي! قلت: جرى إيه؟ قال: تعبت. قلت: والنظريات الدقيقة والبحث الفني؟ قال: غدًا إن شاء الله!

وتناولنا الشاي في قهوة قريبة من القسم المصري، ثم عدنا إلى ساحة القديس، وافترقنا للعشاء.

وكان في النية قضاء السهرة في كازينو الليدو، ولكنا عدلنا عنها للتعب فساهرت الأستاذ في فندقه، وودَّعته في الساعة الحادية عشرة.

وفي الطريق جذبتني قهوات سان مارك وموسيقاها، فكانت جلسة إلى منتصف الليل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤