الفصل التاسع والعشرون

بين الصحافيين والأدباء

سألت الطالب الأديب أبو بكر ساسي: أين مقر الأدباء والصحافيين في مدينة طرابلس؟

قال: في إدارة جريدة «العدل أساس الملك»، وهي ليست بعيدة عن قهوة فيكتوريا.

وأردف القول بالعمل، وصحبني إلى هذا المحفل الأدبي.

جريدة العدل أساس الملك

ودار جريدة العدل، في الحي الوطني على مقربة من السور الفاصل بينه وبين الحي الأجنبي.

وفي غرفة واحدة إدارة الجريدة ومكتب التحرير.

دخلنا وحيَّينا، فقوبلنا بالترحيب والتكريم وأكواب الشاي الأخضر المنعنع والحديث الشهي الطلي عن الأدب والصحافة.

مؤسس جريدة العدل

حدثونا عن صاحب الجريدة ومنشئها المرحوم عبد الله بانون المحامي، فقالوا إنه ولد سنة ١٢٨١ هجرية، ووالداه شريفان من خيرة الأسرة الطرابلسية.

figure
المرحوم عبد الله بانون منشئ جريدة العدل!

ودرس في المدارس الابتدائية فالرشيدية، ونال الشهادة الثانوية، واتصل بالمحكمة البدائية، وتلقى مبادئ علم الحقوق على المرحوم قيصر كرم اللبناني، كبير كُتَّابها.

ثم عُيِّنَ معتمدًا للبلدية، فمأمورًا لتحصيل الرسوم، وأدى الامتحانات القانونية فنجح فيها نجاحًا باهرًا، وعُيِّنَ عضوًا دائمًا بمحكمة التجارة، فمفتشًا بدائرة تحصيل الرسوم، فنائبًا لمحكمة التجارة، ثم اشتغل بالمحاماة فنال ثقة رجال القضاء والمقتاضين.

وكان إلى آخر أيام حياته شيخًا للطريقة العيساوية، ولها زاوية إلى جانب إدارة الجريدة.

ولما احتل الإيطاليون طرابلس، كان المرحوم عبد الله بانون أول المنادين بوجوب التفاهم معهم، وله في ذلك مواقف مشهورة، أنكرها عليه بعضهم، ثم أدركوا نبل مقصده فحبَّذوه.

وتوفي مساء يوم الأحد ٧ أبريل سنة ١٩٣٨، فعم الحزن عليه والأسف، واحتُفِل بجنازته احتفالًا عظيمًا.

الأستاذ محمد زكي بانون

وخلفه في تحرير الجريدة وإدارتها نجله الأستاذ محمد زكي بانون، وهو أديب معروف، درس في مدارس الحكومة التركية، وزار مع والده تركيا ومصر ويجيد اللغتين التركية والإيطالية، ويلم باللغة الفرنسية.

مساعد التحرير

ويساعده في التحرير الأستاذ الشيخ علي فهمي ابن الشيخ محمود نديم بن موسى.

وقد تدرَّب على التحرير ثماني سنوات على يد والده في جريدة «الرقيب العتيد»، التي عُطِّلَتْ منذ سنة تمهيدًا لإنشاء جريدة يومية تحت إشراف الحكومة، تجمع فيها الكتاب والمحررين المعروفين في طرابلس.

شيء عن جريدة العدل

وتصدر جريدة العدل أسبوعية في سِتِّ صفحات ذات خمسة أعمدة (أصغر من صفحات الأهرام).

وتشتمل الصفحة الأولى على مقال افتتاحي، ثم مقالات مختصر بعضُها مترجَم ويليها في الصفحات التالية أخبار الأسبوع السياسية وأبناء العالم وأخبار الحاضرة (العاصمة) والولاية، وصفحة خامسة للعلم والأدب والاجتماع، فالإعلانات مفرَّقة في الصفحات الأخيرة.

ويعاون الجريدة فريق من الأدباء وأساتذة المدارس وغيرهم بمقالات وقطع مترجَمة ورسائل إخبارية، وقَلَّ أن يخلو عدد منها من مساجلة بين أهل الأدب والمشتغلين بالعلم والدين.

وورق الجريدة صقيل وحروفها جليَّة، وتطبع في «مطبعة مادجي» التي كانت ملكًا للحكومية التركية، ثم وضعت حكومة إيطاليا يدها عليها وأدارتها زمنًا، واشتراها أخيرًا السنيور مادجي فوسَّعها وزودها بالحروف وأعدها لخدمة الصحافيين والأدباء.

وقد طُبِعَتْ فيها كتب في التاريخ العام، والنحو والإملاء، والدروس الإسلامية لأبناء المدارس والكوميديا الإلهية.

الأدباء والصحافيون

وسألت عن الكُتَّاب والأدباء والشعراء في طرابلس، فذكر لي الأستاذ الشيخ علي فهمي وبعض الحاضرين أسماء غير واحد، وهم: الأستاذ عبود أبي راشد بك اللبناني من أهل وادي الشحرور، وقد تلقى علومه الابتدائية والثانوية في لبنان وإيطاليا.

وأنشأ جريدة «النصير» في بيروت في عهد الحكم التركي يومية ١٥ سنة متوالية، واشتغل بتدريس اللغة الإيطالية، وألَّف عدة كتب لتعليم اللغتين العربية والإيطالية.

figure
من مناظر طرابلس: سراي المعارض والأسواق.

واستدعته حكومة إيطاليا للعمل في القسم السياسي في بوقته مديرًا لدائرة الترجمة، وهناك اشتغل بترجمة «الكوميديا الإلهية» لدانتي إلى اللغة العربية، ولما أتمَّها طبعها في مطبعة مادجي، وقدم بنفسه نسخة منها إلى الدوتشي موسوليني فأحسن استقباله وأثنى على أدبه، كما أثنت عليه أكاديميَا دتياليا وأعلنت تقديرها لعمله.

ولا يزال حتى الساعة موظفًا بمالية حكومة لوبيا.

والأستاذ أحمد راغب الحصايري: من أعيان طرابلس وأدبائها المعدودين، وقد أمضى زمنًا في القاهرة منتسبًا إلى كلية الآداب في جامعة فؤاد الأول.

والأستاذ أحمد رفيق المهدوي: شاعر برقة.

والشيخ عبد الرازق الطاهر البشستي: قاضي تاجورة، شاعر وناثر.

والأستاذ الشيخ محمد عمر المسلاتي: مدرس اللغة العربية في المدرسة الإسلامية العليا من كبار الكتاب.

والأستاذ محمد كامل الهماني: المفتش بالمدارس العربية الإيطالية أديب وصحافي معروف.

والأستاذ محمد بن عامر: كاتب ومراسل صحيفة العدل في بنغازي.

والسيد عمر فخري المحيشي: صاحب جريدة «بريد برقة»، ومجلة «ليبيا المصورة» في بنغازي.

figure
من مناظر طرابلس: سوق وطنية للخضر.

والأستاذ الشيخ أحمد الشارف: عضو المحكمة الشرعية العليا، عالم وشاعر.

والأستاذ الشيخ سعد المسعودي: كبير الكتاب في المحكمة الشرعية العليا، من كبار الكتاب والشعراء.

والسيد أحمد قنابه التاجر: شاعر الشباب.

والأستاذ أحمد الفقيه حسن: أمين مكتبة الأوقاف.

غرام أدباء طرابلس بالمطالعة

وأدباء طرابلس وخريجو المدارس مغرمون بالمطالعة واقتناء المطبوعات العربية عامة، ومؤلَّفات الكتاب المصريين خاصة.

وفي مدينة طرابلس مكتبتان متوسطتان لبيع الكتب العربية والمجلات، وهما مكتبة محمد مختار شرف الدين ومكتبة أبناء إبراهيم المشيرقي.

ويعاني بعضهم صعوبة في إرسال النقود إلى مصر لجلب حاجتهم من المطبوعات.

ولا بد من مراجعة الحكومة ما تشتبه فيه من الكتب والمجلات الواردة من الخارج، ومن مصر على الأخص، قبل تسليمها إلى مستورديها.

مكتبتا الأوقاف والحكومة

وفي مدينة طرابلس دار كتب تابعة لإدارة الأوقاف الإسلامية، فيها عدد كبير من الكتب القديمة أكثرها مخطوط.

وقد عني بها الكونت فولبي حاكم طرابلس (من سنة ١٩٢٢ إلى سنة ١٩٢٥)، فزودها بمجموعة كبيرة من المطبوعات العربية.

ولا تزال الحكومة مهتمَّة بأمر هذه المكتبة فأمرت بتنظيمها ووضع فهارس وفيش لكتبها.

وقد تقرر أخيرًا نقلها إلى عمارة الأوقاف المعروفة باسم عمارة سيدي حمودة في ميدان إيطاليا، حيث يجد فيها الباحثون والمطالعون الكتب مفهرسة والموظفين الفنيين القائمين عليها وتقديمها للطالبين بإشراف الأستاذ أحمد الفقيه حسن.

وأنشأت الحكومة دار كتب خاصة للإيطاليين والأجانب قوامها كتب إيطالية وفرنسوية، وأردت أن أزورها، فقيل لي إنها مقفلة لعطلة المدارس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤