الفصل الثلاثون

في التربية والتعليم

أنست بالإخوان الأدباء المترددين على إدارة جريدة «العدل» فلم يمضِ يوم دون أن أزورهم، وأحدِّثَهم عن مصر ويحدثوني عن لوبيا.

ولكن هذه الأحاديث لم تتجاوز دائرة الأدب والصحافة والأخلاق والتربية والتعليم.

المدارس في أيام الترك

وسألتهم يومًا عن المدارس في لوبيا، فأفضى إليَّ أحد المشتغلين بالتربية بالمعلومات التالية:

قال: في أيام الحكم التركي، كان التعليم وفقًا لمناهج المدارس التركية وبلغة القوم. أما التعليم باللغة العربية، فكان قاصرًا على كتاتيب تحفيظ القرآن الشريف، والمدارس التابعة لأوقاف الجوامع. وكان تدريس الفقه والنحو والشرع الشريف في حلقات بالجوامع، ويقوم به أساتذة من خريجي الأزهر الشريف ومن تخرج على أيديهم.

التعليم الديني في عهد الطليان

فلما احتل الطليان لوبيا، لم يَمَسُّوا التعليم الديني في الكتاتيب والجوامع.

ثم أدخلوا بعض تعديلات في نظام هذا التعليم وترقية أسلوبه مع إبقائه في أيدي علماء الدين.

وعُنُوا بالكتاتيب من الوجهة الصحية، وأمروا بفرشها بالحصر على نفقة الحكومة، ولكنهم لم يتدخلوا في إدارتها بوجهٍ ما، ولا تزال حتى اليوم تحت رقابة إدارة الأوقاف الإسلامية.

في التعليم الأوروبي الجديد

ثم شرعت الحكومة الإيطالية في إنشاء مدارس ابتدائية خاصة لأبناء العرب في العاصمة والأقاليم.

والتعليم في هذه المدارس مجاني، ومدته خمس سنوات، ومناهجه قريبة من مناهج التعليم في المدارس المصرية الابتدائية، والمعلمون إيطاليون وطرابلسيون.

figure
من مناظر طرابلس: سراي فخامة الحاكم العام.

ولما كثر عدد المتخرجين فيها، الْتحق بعضهم بالمدارس الثانوية الإيطالية (الليسيوم) ومدتها ثماني سنوات، ومدرسة المعلمين الابتدائية ومدتها ثماني سنوات كذلك، والمعهد الفني التطبيقي لتخريج المسَّاحين والحاسبين ومدته سبع سنوات، وهذه المدارس مفتوحة للجميع من العرب والطليان واليهود والنزلاء الأجانب، والحائزون لشهادتها النهائية يمكنهم الذهاب إلى إيطاليا للدراسة العليا والتخصص الفني.

وهناك مدارس ابتدائية مختلطة، يتعلم فيها أبناء العرب إلى جانب الإيطاليين، ويتلقى العرب دروسًا خاصة في اللغة العربية وأصول الدين على يدي أساتذة مسلمين، ويشتركون في بقية الدروس مع الإيطاليين.

تعليم بنات العرب والأجانب

وأُنشِئَت مدارس خاصة لبنات المسلمين، مدة التعليم فيها خمس سنوات، ويدخل في برامجها تعليم اللغة العربية والدين الإسلامي بمعرفة معلِّمَات مسلمات، وتدبير المنزل وشغل الإبرة والنسيج واللغة الإيطالية بواسطة معلمات إيطاليات.

وللبنات الإيطاليات وبنات الجاليات الأجنبية مدارس خاصة لها برامج خاصة، ولمن يُتْمِمْنَ الدراسة في هذه المدارس حتى الدخول إلى المدارس الثانوية للصبيان، فيدرسن إما مختلطات بهم أو منفردات بحسب تَعدادهن وترتيب الفصول وإدارتها.

مدارس أخرى أجنبية وأهلية

وللرهبان والراهبات مدارس ابتدائية، تسير وفق برامج الحكومة، والتعليم فيها بأجر، ويدخل إليها قليلون من أبناء المسلمين وبناتهم.

figure
من مناظر طرابلس: كازينو «ودان» الكبير.

وكانت في عهد الترك مدرسة إسلامية للفنون والصنائع الأهلية، وكانت لها إدارة خاصة ووقفية خاصة ومجلس إدارة، فلما جاء الإيطاليون أدخلوا إليها بعض تعديلات في الإدارة والتعليم، وهي حتى الآن خاصة بأبناء المسلمين، ويلقنون فيها اللغة العربية وأصول الدين واللغة الإيطالية وإحدى الصناعات الآتية، وهي: النجارة، والحدادة، والخزف، وصياغة الفضة، وأشغال النُّحَاس، ولها ملحق زراعي في ضاحية سوق الجمعة (سيدي مصري) وتعلم فيها زراعة البساتين والدخول إليها بدون الشهادة الابتدائية، والتعليم فيها مجاني.

المدرسة الإسلامية العليا

ومنذ احتل الإيطاليون لوبيا، وهم يفكرون في إنشاء معهد عالٍ للثقافة الإسلامية، وقد تم لهم ما أرادوا، وصدر بذلك مرسوم ملكي، بتوقيع جلالة الملك فيكتور عمانويل بتاريخ ٣ مايو سنة ١٩٣٥ جاء فيه: «رأينا من المناسب تأسيس مدرسة إسلامية عليا بطرابلس ليتسنَّى لشبان ليبيا المسلمين أن يتمموا فيها دروسهم في العلوم الفقهية والدينية الإسلامية.»

وفتحت للطالبين في ١١ يناير سنة ١٩٣٦.

ومدة الدراسة بها عشر سنوات، والتعليم فيها مجاني.

figure
من مناظر طرابلس: الفندق الكبير في طرابلس.

ويقبل فيها الحائزون شهادة الدراسة الابتدائية أو من يؤدون امتحانًا يوازي هذه الشهادة، ويقبل فيها كذلك طلبة الجوامع إذا أدُّوا هذا الامتحان.

وتنقسم الدراسة إلى ثلاث مراحل: إعدادية، ومدتها ثلاث سنوات، ووسطى، وومدتها أربع سنوات، وعليا، ومدتها ثلاث سنوات.

ويدرس في السنوات الإعدادية الدين والعربية وعلم المنطق والأخلاق واللغة الإيطالية والتاريخ والجغرافية والحساب ومسك الدفاتر ومبادئ العلوم وحفظ الصحة.

وتنقسم الدروس الوسطى في سنتيها الثانيتين إلى قسمين: أحدهما لإعداد مدرسين للمدارس الابتدائية الإسلامية، وثانيهما لإعداد الموظفين الوطنيين.

وتدرس في القسم العالي العلوم الدينية وأصول الفقه، وتمارين على المرافعات القضائية والتفسير والحديث ومصطلح الحديث، والبلاغة وتاريخ الأدب والمنطق، وآداب البحث.

ويمنح لقب «عالم» لمن يتمم الدراسة العليا ويحرز الشهادة النهائية.

وللمدرسة الآن دار مؤقتة، ويعدون لها عمارة خاصة تتسع للأقسام الثلاثة، ويخصص فيها جناح للقسم الداخلي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤