الفصل الحادي عشر

جلس جورج ستراتون مذهولًا لبرهةٍ في قاعة المحكمة، قبل أن يتطرَّق إلى فكره الشخصية المحورية في هذه المحاكمة، ثم نهض ليذهب إليها، لكنه وجد رولاند قد سبقه إلى هناك. سمعها تقول: «أحضر لي عربةً في أسرع وقت، وخذني من هنا.»

لذا عاد ستراتون إلى الفندق المقيم فيه لمقابلة ذاك المحقق من شيكاجو. لم يكن في جعبة الأخير ما يخبر به ستراتون. أخبره بعدد متاجر العقاقير التي زارها، لكن من دون أن تثمر هذه الزيارات أي فائدة تُذكر. فلم يتعرف أي أحد في هذه المتاجر على صاحب الصورة.

قال ستراتون: «لا بأس، سيكون عليك إذن أن تستمر في البحث حتى تجد مَن يتعرَّف عليه. فالأمر، في ظني، لا يستلزم سوى أن تعطيه حقه من الوقت والمثابرة.»

في صباح اليوم التالي، استيقظ ستراتون متأخرًا. طالع في الجريدة الصباحية تقريرًا عن المحاكمة، ثم تصفَّح الجريدة حتى وصل إلى الصفحة الأولى، وقرأ بغضبٍ متصاعد المقال الافتتاحي الآتي:

قضية مقتل برنتون

إن قرار أمس يعكس الحيرة الشديدة التي طغت على حكم هيئة المحلفين الأمريكية المتعارف عليها. إذا كان من الواجب إصدار مثل هذه الأحكام، فربما علينا أيضًا أن نحذف من سجل القوانين جميع العقوبات التي تُوقَّع على كل الجرائم التي تعتمد أدلتها اعتمادًا كبيرًا على الأدلة الظرفية. لو أن ثمة حجةً مفحِمةً أقيمت ضد أي إنسانٍ كان، فهي حجة الادعاء في المحاكمة الأخيرة. ولو أن هناك حجةً كان فيها الدفاع أضعف ما يكون، بالرغم من الأداء المتمكِّن، فهي حجة الدفاع في القضية التي انتهت أمس. هل ينبغي، إذن، أن نكون على استعداد للقول بأن هيئة المحلفين الأمريكية لن تأخذ في حسبانها الأدلة الظرفية باعتبارها أساسًا لإدانة القاتل؟ إذا خلصنا إلى هذا الاستنتاج، فالاحتمال الأرجح أننا سنكون مخطئين تمامًا. لو كان الماثل في قفص الاتهام رجلًا، بدلًا من هذه السيدة الشابة الحسناء التي كانت قابعةً داخله أمس؛ لأصبح اليوم هذا الرجل مدانًا بالقتل دون شك. فالاستنتاج، إذن، الذي يجب أن نتوصل إليه على ما يبدو هو أنه ما لم يكن ثمة دليل قاطع على القتل يَثبت ضد امرأة حسناء، فمن المستحيل مطلقًا أن تدينها هيئة المحلفين المتعارف عليها المؤلفة من الرجال. وعلى ما يبدو أنه كلما عجَّلنا بإشراك النساء في هيئات المحلَّفين — بالأخص إذا كان الماثل أمام المحكمة امرأة — فسيكون ذلك أفضل لإقامة العدل.

وفي أجزاء متفرقة من الجريدة، ظهرت أخبار مقتضبة على غرار:

إذا لم تكن زوجة السيد برنتون هي من سممت زوجها، فمن فعلها إذن؟

في عصر ذلك اليوم، ذهب جورج ستراتون في زيارةٍ إلى السيدة برنتون. كان يأمل ألَّا تكون قد قرأت ما نُشر في تلك الجريدة محل الحديث، لكن خاب أمله. فقد وجد السيدة برنتون غير فرحة تمامًا ببراءتها.

قالت: «سوف أهبك كل ما أملك لتقدم الجاني إلى العدالة.»

بعد أن تجاذبا أطراف الحديث حول هذه المسألة الشائكة، أمسك جورج ستراتون بيديها وودَّعها، وحينئذٍ سألته:

«متى ستذهب إلى شيكاجو؟»

قال: «سيدتي، سأغادر إلى شيكاجو في اللحظة التي سأكتشف فيها مَن سمم ويليام برنتون.»

أجابت بكل أسًى:

«ربما ستظل لوقتٍ طويل في سينسيناتي.»

قال ستراتون: «صرت أحب سينسيناتي أكثر من شيكاجو بشكل ما.»

ردت السيدة: «أنت أول رجلٍ من شيكاجو على الإطلاق أسمعه يصرح بذلك.»

«هذا لأنهم لم يعرفوا سينسيناتي كما عرفتها.»

«أظن أنك رأيت حتمًا أماكن كثيرةً في المدينة؛ لكن لا مفر من الاعتراف بأنني من الآن فصاعدًا، سأصبح سعيدةً للغاية إن لم أرَ سينسيناتي مجددًا.» ثم تابعت حديثها: «وددت أن أستشيرك في أفضل سبيلٍ لحل هذا اللغز. كنت أفكر في الاستعانة بنخبة من أفضل المحققين ممن يتسنى لي الوصول إليهم. أظن أن نيويورك ستكون أفضل مكان للعثور عليهم.»

أجاب الشاب: «لا، شيكاجو هي الأفضل.»

«حسنًا، لذلك أردت مقابلتك. أود أن أستعين بأفضل محققين يمكن لأحد الاستعانة بهم. إذا عُهِد إليهم بمكافأة سخية، وتقاضَوا أجرًا مجزيًا طوال فترة عملهم في القضية، ألا تظن أننا قد نتوصَّل إلى مفتاح حل هذا اللغز؟»

أجاب ستراتون: «لا أثق كثيرًا في المنظومة البوليسية لدينا هنا، وإن كنت أرى أن هناك شيئًا من الصحة في عملهم، وفي بعض الأحيان ينجحون رغمًا عن أنفسهم في فك خيوط الجريمة. ولكن، سيسعدني حقًّا أن أسدي إليك أي نصيحةٍ بوسعي أن أقدمها لكِ بشأن القضية. قد أزعم أنني عيَّنتُ نفسي محققًا خاصًّا في هذه القضية، على أمل أن أنال شرف حل هذه المعضلة.»

أجابته: «أنت رجلٌ نبيلٌ للغاية حقًّا، ولكن سأطلب منك أن أتحمل التكاليف.»

قال ستراتون: «لا عليكِ، الصحيفة ستتحمل ذلك. لن أدفع أي شيء من مالي الخاص.»

«حسنًا، لا تسعفني الكلمات، لكن سواء أحالفك النجاح أم لم يحالفك، فأنا أشعر بامتنان شديد لك، وأتمنى ألا تغضب مما سأقول. والآن، عدني بأنك لن تغضب!»

أجاب ستراتون: «أعدُكِ بألا أغضب. من الصعب قليلًا أن تُغضبي صحفيًّا من شيكاجو، كما تعرفين.»

«يجب ألَّا تصرح بأي شيءٍ ضد رجال الصحافة؛ فأنا أحبهم على الرغم من التعليقات القاسية التي صدرت من بعضهم بشأني.»

«بصفة فردية أم جماعية؟»

figure
أشعر بامتنان شديد لك.

«أخشى أن عليَّ أن أخبرك بصفةٍ فردية. قلت إنك لن تغضب؛ ولهذا بعد أن تفرغ من بحثك، عليك أن تدعني … الأجير جدير بأن يُؤجَر، أو … أو … من الأفضل أن أقول يكافأ على عمله، تعرف ما أقصده. أعتقد أن شابًّا يكسب قوت يومه من جريدة يومية ليس بالضرورة أن يكون ثريًّا.»

«عجبًا! يا لغرابة أفكارك عن العالم يا سيدتي! نحن الصحفيين لا نعمل في هذا المجال إلَّا لأننا نحبه. فالهدف من العمل لا ينحصر بالكامل في المال.»

«إذن لم تغضب مما قلت، أليس كذلك؟»

«أبدًا، على الإطلاق. لكن، قد أزعم أنني أتطلَّع لمكافأة أعلى من المكافأة النقدية إذا نجحت في هذه التحريات.»

أجابت السيدة، بنبرة بريئة: «أجل، أثق في ذلك. إذا نجحت في تحرياتك، فستكتسب شهرةً كبيرة.»

قال ستراتون وهو يصافحها مرةً أخرى استعدادًا للمغادرة: «بالضبط؛ الشهرة هي ما أصبو إليه.»

عندما وصل جورج ستراتون إلى الفندق، وجد ذلك المحقق من شيكاجو في انتظاره.

«مرحبًا، ألديك جديد، أيها الخبير؟»

«أجل، يا سيدي. لديَّ خبر جديد تمامًا.»

«إلامَ توصلت؟»

«كل شيء.»

«عظيم، هاتِ ما عندك.»

«توصلت إلى أن هذا الرجل اشترى ثلاثين ذرة مورفين يوم ١٠ ديسمبر. ثم عبَّأ هذا المورفين في كبسولات زنة خمس ذرات. اشترى هذا من متجر عقاقير عند ملتقى شارعَي بلانك ستريت ونيمو أفينيو.»

أجاب ستراتون: «يا إلهي! وحتى يحصل على المورفين، كان لا بد أن يحصل مسبقًا على شهادة من أحد الأطباء. هل وجدت الطبيب الذي وقَّع على الشهادة؟»

قال ذلك الرجل من شيكاجو: «سيدي العزيز، هذا الشخص هو نفسه طبيب، ما لم أكن مخطئًا. أخبروني أن هذه صورة ستيفن رولاند. هل أنا مُحق؟»

«هذا اسمه.»

«جيد، إذن هو نفسه طبيب. صحيح أنه لا يمارس مهنته على نطاقٍ واسع، لكنه طبيب. ألم تكن تعرف ذلك؟»

قال ستراتون: «لا، كم أنا غبي! لم يخطر في ذهني مطلقًا أن أسأل عن مهنته.»

«عظيم، إذا كان هذا ما أردت معرفته، فإليك تقريرًا مفصلًا عن تحرياتي.»

عندما غادر الرجل، فرك ستراتون يديه.

ثم قال: «ها قد أوقعت بك، يا سيد ستيفن رولاند.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤