مقدمة

لم أشأ أن تمرَّ الذكرى المئوية الأولى ﻟ «جمال الدين الأفغاني» (۱۸۹۷–۱۹۹۷م) دون أن أُحييَها بكُتَيب حماسي بالرغم من معاناتي من الإنشائية السائدة في خطاب مشروع التراث والتجديد والذي لم يستطع المحافظة على القول البرهاني في من العقيدة إلى الثورة، وبالرغم من وجود منابر خطابية له في الدين والثورة في مصر واليسار الإسلامي.١
ومع ذلك، رأيت أنه من النفع العام تخصيص جزء من العمر، وترك الصياغة الأخيرة من من النقل إلى الإبداع الذي بدأتُ فيه منذ أكتوبر ١٩٨٤م، ولم يصدر حتى الآن نظرًا لاشتغالي من جديد بالحياة الثقافية في عصر تفكُّك الوطن والاستقطاب الثقافي بين الخطاب السلفي والخطاب العلماني،٢ لإحياء الذكرى المئوية الأولى لجمال الدين الأفغاني رائد الحركة الإصلاحية الحديثة ومؤسس المدرسة المصرية بعد أن كبت حركة الإصلاح جيلًا وراء جيل، من الأفغاني إلى محمد عبده بسبب فشل الثورة العرابية، ومن محمد عبده إلى رشید رضا بسبب نجاح الثورة الكمالية في ١٩٢٣م وإلغاء الخلافة، ومن رشيد رضا إلى حسن البنا واغتياله في ١٩٤٩م والصدام بين الإخوان والثورة في ١٩٥٤م، وتحول سيد قطب من العدالة الاجتماعية في الإسلام ومعركة الإسلام والرأسمالية والسلام العالمي والإسلام إلى معالم في الطريق، وانتهاء الحركة الإصلاحية إلى الحركات الإسلامية المعاصرة مثل جماعة الجهاد وكتابات محمد عبد السلام فرج وعمر عبد الرحمن، وضعف الإسلام المستنير وعدم قدرته على تكوين تيار مستقل أو جناح ليبرالي في حركة الإخوان المسلمين بالرغم من وجود بعض الأقلام المتميزة وعلى ما بينها من تنوع واختلاف.٣
وقد يكون هذا آخر عهدي بالكتابات الشعبية بعد أن تضخمت على حساب كتاباتي العلمية. وقد أزمعت. وأرجو أن تساعد الظروف، ظروف مصر والعالم العربي، على أن أخصص ما بقيَ من عمرٍ لإتمام باقي أجزاء مشروع التراث والتجديد بجبهاته الثلاث. وأرجو أن تكون دار قباء للطباعة والنشر خيرَ ختام لتعددِ الناشرين ويسر التعامل معهم.
حسن حنفي
مدينة نصر، نوفمبر ۱۹۹۷م
١  الدين والثورة في مصر (١٩٥٢–١٩٨٨) ثمانية أجزاء: (١) الدين والثقافة الوطنية، (٢) الدين والتحرر الثقافي، (٣) الدين والنضال الوطني، (٤) الدين والتنمية القومية، (٥) الحركات الإسلامية المعاصرة، (٦) الأصولية الإسلامية، (٧) اليمين واليسار في الفكر الديني، (٨) اليسار الإسلامي والوحدة الوطنية (مدبولي، القاهرة ١٩٨٩؛ اليسار الإسلامي، كتابات في النهضة الإسلامية أو العروة الوثقى الجديدة، المركز العربي للبحث والنشر، القاهرة ١٩٨٠).
٢  في هذه الأثناء صدر لي:
(١) حوار المشرق والمغرب مع الصديق محمد عابد الجابري، دار توبقال، الدار البيضاء، ۱۹۹۰م، مدبولي ١٩٩١م.
(٢) مقدمة في علم الاستغراب، الدار الفنية، القاهرة ١٩٩١م.
(٣) الإسلام في العصر الحديث (جزءان) الأول «الدين والأيديولوجية والتنمية»، والثاني «التراث والثورة والثقافة»، الأنجلو المصرية، القاهرة ١٩٩٥م (بالإنجليزية).
(٤) هموم الفكر والوطن (جزءان)، الأول «التراث والحداثة والعصر»، والثاني «الفكر العربي المعاصر»، دار قباء للطباعة، القاهرة ١٩٩٨م.
(٥) حوار الأجيال، القاهرة، دار قباء للطباعة، القاهرة ١٩٩٨م.
٣  مثل د. كمال أبو المجد، د. محمد أحمد خلف الله، د. محمد عمارة، المستشار طارق البشري، الأستاذ فهمي هویدي، د. محمد سليم العوا، والمجموعة المؤسسة لحزب الوسط (تحت التأسيس) وغيرهم داخل مصر وخارجها في تونس ولبنان وشبه الجزيرة العربية والعراق وسوريا والأردن، خاصة مجموعة «المسلم المعاصر» ومجموعة ١٥ / ٢١، جماعة الإسلاميين التقدميين في تونس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤