نقد النثر الفني

ينبغي أن نقيد في صدر هذا الكتاب أن النقاد لم يعطوا للنثر ما أعطوا للشعر من العناية؛ فلسنا نجد في كتب النقد تلك الأبحاث المطولة التي يراد بها رد معاني الكتاب إلى مصادرها الأولى على نحو ما فعلوا في درس معاني الشعر وبيان المبتكر منها والمنقول، فقد نجدهم يتعقبون المعنى حين يرد في بيت من الشعر فيذكرون أجديدٌ هو أم قديم، ثم يذكرون مَن أُخِذ عنه إن كان قديمًا، ويبينون الفرق بين المعنى في صورته الأولى وبينه في صورته الثانية، وقد يزيدون فيذكرون الأدوار التي مر بها المعنى منذ عُرف عن الجاهليين، ويبينون درجات مَن تناوله من الشعراء.

وهذا الذي نقوله يبين وجهًا من الفروق بين النثر والشعر من الوجهة الفنية؛ فالشعر في نظر النقاد من العرب أكثر حظًّا من الفن وأولى بالنقد والوزن، والنثر مهما احتفل أصحابه بإتقانه وتجويده لم ينل من أنفس النقاد منزلة الشعر، ولذلك قلَّت العناية بتقييد أوابده، والنص على ما فيه من ضروب الإبداع والابتكار أو دلائل الضعف والجمود.١

وليس في اللغة العربية كتاب منثور شُغل به النقاد غير القرآن، على أن شُغْل النقاد بالقرآن لم يكن عملًا فنيًّا بالمعنى الصحيح للنقد الأدبي، فقد كان مفروضًا في كل من يكتب عن القرآن أن يُظهر عبقريته هو في إظهار ما خفي من أسرار ذلك الكتاب المجيد، وليس هذا من النقد في شيء، إنما النقد أن يقف الباحث أمام الأثر الأدبي موقف الممتحن للمحاسن والعيوب، من أجل ذلك وُسم أكثر ما كُتب عن القرآن باسم الإعجاز؛ لأن النقاد اطمأنوا إلى أن القرآن هو المثل الأعلى الذي تقف عنده حدود الطبيعة الإنسانية في البلاغة والبيان.

فإذا خلينا القرآن جانبًا وانتقلنا إلى غيره من غرر النثر وجدنا البدائع النثرية قليلة الحظ من عناية النقاد، فنحن نستطيع أن نجد طائفة صالحة من المؤلفات تدور حول أبي تمام والبحتري ومسلم بن الوليد وفي نواس وبشار والمتنبي؛ بحيث نستطيع أن نجزم بأن الشعراء الكبار الذين شُغل بهم الناس كانوا سببًا في نشَاط النقد الأدبي، وإمداده بتلك الحيوية العظيمة التي ظهر أثرها في مثل مؤلفات أبي هلال العسكري وابن الأثير وابن رشيق وأبي الحسن الجرجاني، وغيرهم من فحول النقاد الذين شُغلوا بالموازنة بين الشعراء، ولكن قلَّ أن نجد أثرًا لمثل ذلك الاهتمام إذا شئنا أن نعرف ما صنع النقاد في الموازنة بين كاتبين كالبديع والخوارزمي، أو الصاحب والصابي، أو عبد الحميد وابن المقفع، أو الصولي وابن الزيات، أو ابن زيدون وابن شهيد، وغيرهم من الكُتَّاب الذين شغلوا معاصريهم من المتأدبين والناقدين.٢
وإيثار الشعر على النثر له مظاهر كثيرة في البيئات العربية، فهذا أبو بكر الخوارزمي الذي كان يحفظ نحو خمسين ألف بيت من الشعر لم يعرف عنه أنه اهتم بحفظ الرسائل، حتى ذكروا أنه لم يحفظ غير رسالة واحدة هي كتاب الصاحب إلى ابن العميد جوابًا عن كتابه عليه في وصف البحر.٣

والواقع أن الشعر أقرب إلى النفس من هذه الناحية، وهو بالذاكرة أعلق، وعلى الألسنة أسْير، بفضل القوافي والأوزان.

ولنذكر هنا أن في كُتَّاب القرن الرابع من نظر في هذه المسألة وفاضل بين الشعر والنثر، وبين مقام الكُتَّاب ومقام الشعراء، وأهم ما لفت نظري في تحرير هذا الموضوع ما كتبه الثعالبي في تفضيل النثر، وما كتبه ابن رشيق ردًّا عليه في تفضيل الشعر. والثعالبي يبني حكمه على أن طبقات الكُتَّاب كانت ولا تزال مرتفعة عن طبقات الشعراء؛ «فإن الكُتَّاب وهم ألسنة الملوك إنما يتراسلون في جباية خراج، أو سد ثغر، أو عمارة بلاد، أو إصلاح فساد، أو تحريض على جهاد، أو احتجاج على فئة، أو دعاء إلى أُلفة، أو نهي عن فرقة، أو تهنئة بعطية، أو تعزية في رزية، أو ما شاكلها من جلائل الخطوب، ومعاظم الشئون، التي يحتاجون فيها إلى أن يكونوا ذوي آداب كثيرة، ومعارف مقننة».٤

وهذا حق من جانب وخطأ من جانب آخر؛ هو حق من حيث تنويهه بفضل النثر في المصالح المعاشية والسياسية والإدارية؛ لأن النثر هو الأداة الصالحة للتفاهم في شئون الحرب والسلم والتجارة والزراعة والصناعة، وما إلى ذلك من شئون العمران، ولكنه خطأ من حيث يعطي للنثر جوانب هي أقرب إلى الشعر؛ فالدعاء إلى الألفة والنهي عن الفرقة والتهاني بالعطايا والتعازي في الرزايا من الموضوعات التي كان الشعر فيها أصلح أداة من النثر، وأقدر على تسجيل العواطف والأحاسيس، وامتلاك القلوب والنفوس.

والثعالبي صدق في نصه على أن ما يشتغل به الكُتَّاب يقضي بأن يكونوا ذوي آداب كثيرة ومعارف مفننة؛ فإنه يكاد يغلب على جمهور الشعراء في اللغة العربية فراغ الأفئدة وفقر الرءوس، والشعراء المتفوقون عند العرب هم الشعراء المثقفون الذين استطاعوا أن ينافسوا كبار الباحثين من أصحاب المذاهب وأرباب الأقلام، فأبو نواس وبشار بن برد ومسلم بن الوليد وابن المعتز وابن الرومي وأبو تمام والبحتري والشريف الرضي والمتنبي، كل أولئك كانوا من أهل العلم الوافر العميق، وكانوا فوق ذلك أصحاب مطامع وأهواء في الملك والسياسة، وكانوا لا ينامون إلا على سر مبيَّت أو غرض دفين.

ونظرةٌ إلى شعراء العصر الحاضر تعطينا ما يؤيد هذه الفكرة؛ فالشعراء النابهون في عصرنا هم الذين لابسوا رجال الملك، واتصلوا بالجماهير اتصال استثمار واستغلال؛ فقد كان شوقي شاعر القصر، وكان حافظ شاعر الشعب، كما كان البارودي شاعر السيف، وقد خمل مَن خمل مِن الشعراء الذين قعدت بهم ثقافتهم، ووقفت بهم هممهم عند الإكفاء بمضغ الكلام الموزون!

والثعالبي بعد كلماته تلك يذكر في أسباب تقدير النثر على الشعر، أن الشعر تصوَّن عنه الأنبياء، وترفَّع عنه الملوك. وهي حجة واهية وسبب ضعيف، فالشعر أقرب الفنون إلى أرواح الأنبياء، وأنا لا أتصور الأنبياء إلا شعراء، وإن جهلوا القوافي والأوزان؛ لأن الشعر الحق روحٌ صرف، والنبوة الحقة شعرٌ صُراح. أما الملوك فترفُّعهم عن الشعر لا يحط من قدره، ولا يغض من شأنه، والملوك لو استطاعوا أن يضموا إلى قواهم المادية تلك القوة الروحية لكان حظهم أوفى الحظوظ، ولكن شواغل الملك وتكاليف السياسة اليومية تصرف العقل والحس والخيال عن إجادة الشعر الذي يتطلب صفاء النفس وجلاء الوجدان.

وربما كان أظرف نقد وجِّه للشعر والشعراء ما قصه الثعالبي إذ قال: وقد أفصح عبد الصمد بن المعذل عن حقيقة الحال في انحطاط رتبة الشاعر لاشتغاله بخلاف المراشد، حيث قال لأبي تمام، وقد قصد البصرة وشارفها:

أنت بين اثنتين تبرز للنا
س وكلتاهما بوجه مُذال
لست تنفك طالبًا لوصال
من حبيب أو طالبًا لنوال
أي ماء لحر وجهك يبقى
بين ذل الهوى وذل السؤال
فلما بلغت الأبيات أبا تمام قال: صدق والله وأحسن! وثنى عنانه عن البصرة وحلف أن لا يدخلها أبدًا.٥
وهذه الأبيات التي قالها ابن المعذل تصور حياة الشعراء الأقدمين أصدق تصوير، وقد رأيت أن أرجع بمناسبة هذه الأبيات إلى وصية أبي تمام للبحتري لأرى الأغراض التي كان يهتم بها مثل ذلك الشاعر البليغ، فلم أجده نصَّ على غير النسيب والمديح، إذ قال: «وإن أردت التشبيب فاجعل اللفظ رقيقًا، والمعنى رشيقًا، وأكثِر من بيان الصبابة وتوجع الكآبة، وقلق الأشواق، ولوعة الفراق، فإذا أخذت في مدح سيد ذي أيادٍ فأشهر مناقبه، وأظهر مناسبه، وأَبِنْ معالمه، وشرف مقامه.»٦

فالشاعر على هذا الوضع لا يبرح دامع العين في سبيل الحب، أو قلق النفس في سبيل المال، وحياته إذن مقسمة بين ذلين: ذل الهوى وذل السؤال.

غير أنه ينبغي ألا نفتن بهذا الكلام فتنة باقية، وأن نفهم أن جماله يرجع إلى أنه سخرية تدل على براعة وذكاء، فإنه إن جاز لنا أن نلوم الشعراء على إسفافهم حين يطمعون في عطايا الملوك، فإنَّا لا نستطيع أن نأخذ عليهم أن تُفْتَن عيونهم بالحسن، وأن تخفق قلوبهم بالوجد، فإن للشاعر رسالة يؤديها إلى العالم؛ هي فهمه العميق لأسرار الجمال، ثم غناؤه الساحر في تقديس الحسن المصون، والشاعر الملهم حين يفهم المعاني الروحية لصباحة الوجوه، وأسالة الخدود، ورشاقة القدوم، يعود وهو قيثارة إلهية يمضي رنينها ساحرًا أخَّاذًا لا يملك الغض منه إلا صُمُّ السامع أو غُلْف القلوب.

أما ابن رشيق فيفضل الشعر على النثر لأسباب فنية، وهو يذكر أن كلام العرب نوعان: منظوم ومنثور، ولكل منهما ثلاث طبقات: جيدة ومتوسطة وردية، وفي رأيه أنه إذا اتفقت الطبقتان في القدر وتساوتا في القيمة، ولم يكن لإحداهما فضل على الأخرى كان الحكم للشعر ظاهرًا في التسمية؛ لأن كل منظوم أحسن من كل منثور من جنسه في معترف العادة، فالدر — وبه يشبَّه اللفظ — إذا كان منثورًا لم يؤمن عليه ولم ينتفع به في الباب الذي كسب له وانتحت من أجله، وكذلك اللفظ إذا كان منثورًا تبدد في الأسماع، فإذا أخذه سلك الوزن وعقد القافية تألفت أشتاته وازدوجت فرائده.٧

وهذا كلام ضعيف لا يتناسب مع عقل مثقفٍ كعقل ابن رشيق؛ لأنه إذا صح أن يشبَّه الشعر بالعقد المنظوم، فإنه لا يصح أن يشبَّه النثر بالدر المنثور؛ لأن النثر منظوم أيضًا، والكاتب يؤلف بين الكلمات ويزاوج بين الألفاظ بنفس الدقة التي يعنى بها ناظم العقد، واللؤلؤ المنثور له قيمته دائمًا؛ لأن اللؤلؤة هي هي في قيمتها ونفاستها، ولن يضيرها أن تسقط من بين حبات العقد وأن تقع حيث يشاء الإغفال، أما اللفظة فتفقد قيمتها الأدبية وهي منفردة؛ إذ كان سحرها يرجع إلى موقعها من التركيب بلا فرق بين الشعر والنثر.

وقد نص عبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز على أن الألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجرَّدة، ولا من حيث هي كلم مفردة، وإنما تثبت لها الفضيلة وخلافها في ملاءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها، أو ما أشبه ذلك مما لا تعلق له بصريح القول. وذكر أننا نرى الكلمة تروق وتؤنس في موضع، ثم نراها تثقل وتوحش في موضع آخر، وأننا قد نرى رجلين استعملا كلمًا بأعيانها ثم نرى هذا قد فرع السَّماك، ونرى ذاك قد لصق بالحضيض.٨
على أنه يخيل إليَّ أن تقديم الثعالبي للنثر كان أثرًا لغرض شخصي، فلا يبعد أن يكون خوارزم شاه الذي قدَّم إليه «نثر النظم وحل العقد» كان من هواه أن يقدِّم النثر على الشعر؛ إيثارًا لبعض الكُتَّاب، أو حقدًا على بعض الشعراء. وهذا الذي نقوله ليس بغريب من كُتَّاب ذلك العصر، فعهدي بهم يصورون الحقائق حسبما توحي الأهواء، حتى إننا نجد ابن رشيق الذي فضل الشعر على النثر يقول: «ولم أهجم بهذا الرد وأورد هذه الحجة لولا أن السيد — أبقاه الله — قد جمع النوعين، وحاز الفضيلتين، فهما نقطتان من بحره، ونوارتان من زهره.»٩ فهذه الفقرة صريحة في أن أحكامه تتأثر بأهواء من يعاشر من الرؤساء.
وأبو هلال العسكري أكثر دقة من الثعالبي في الكلام على الشعر والنثر، فعنده أن الرسائل والخطب متشاكلتان في أنهما كلام لا يلحقه وزن ولا تقفية، وقد يتشاكلان أيضًا من جهة الألفاظ والفواصل؛ فألفاظ الخطباء تشبه ألفاظ الكُتَّاب في السهولة والعذوبة، وكذلك فواصل الخطب مثل فواصل الرسائل، ولا فرق بينهما إلا أن الخطبة يشافَه بها، والرسالة يكتَب بها، والرسالة تُجعل خطبة، والخطبة تُجعل رسالة في أيسر كلفة، ولا يتهيأ مثل ذلك في الشعر من سرعة قلبه وإحالته إلى الرسائل إلا بتكلف، وكذلك الرسالة والخطبة لا يجعلان شعرًا إلا بمشقة.١٠
هذا فهم في هلال للنثر والشعر من الوجهة الفنية، أما من الوجهة الاجتماعية فالنثر في رأيه عليه مدار السلطان، والشعر يغلب عليه الزور والبهتان، وليس يرد من الشاعر إلا حسن الكلام، أما الصدق فيطلب من الأنبياء.١١
وفضل الشعر على النثر — عند أبي هلال — يرجع إلى استفاضته في الناس، وبُعد سيره في الآفاق، وإلى تأثيره في الأغراض والأنساب، وإلى أنه ليس شيء يقوم مقامه في المجالس الحافلة، والمشاهد الجامعة، وإلى أن مجالس الظرفاء والأدباء لا تطيب ولا تؤنس إلا بإنشاد الأشعار، وإلى أن الشعر أصلح للألحان التي هي أهنى اللذات، ولا تتهيأ صنعتها إلا على كل منظوم من الشعر، فهو لها بمنزلة المادة القابلة لصورها الشريفة.١٢
قال أبو هلال: ومن صفات الشعر التي يختص بها دون غيره، أن الإنسان إذا أراد مديح نفسه فأنشأ رسالة في ذلك أو عمل خطبة فيه جاء في غاية القباحة، وإن عمل في ذلك أبياتًا من الشعر احتُمِل، ومن ذلك أن صاحب الرياسة والأبهة لو خطب بذكر عشيق له ووصف وجده به وحنينه إليه وشهرته في حبه وبكاه من أجله؛ لاستُهْجِن منه ذلك وتنقص به فيه، ولو قال في ذلك شعرًا لكان حسنًا.١٣

وهذا كلام يحتمل النقض، فإن مدح الرجل نفسه، إن جرى مجرى الدفاع والمفاخرة، صح وقوعه في النثر، وشواهد ذلك كثيرة من خطب الخلفاء والولاة ورسائلهم، فليست خطب علي بن أبي طالب في جملتها إلا إشادة بشرفه وتنويهًا بقربه من الرسول، أما الفخر الذي يجري مجرى الزهو والخيلاء فهو مردود في الشعر والنثر، وإن كان الشعر أصلح الفنين للتغني بكرم الأعراق وشرف الأحساب.

أما الغزل فمن الحق أن الشعر أولى به؛ لأن الغزل غناء، والشعر أقرب إلى الأنين والرنين، ولكنَّا لا نجد بُدًّا من الإشارة إلى أن من الكُتَّاب من اتخذ النثر أداة تشبيب فوقع تشبيبه موقع القبول، وفي رسالة الجاحظ إلى إبراهيم بن المدبر،١٤ ورسالة إسحاق بن إبراهيم إلى علي بن هشام،١٥ وما نقله صاحب زهر الآداب في الجزء الأول والثالث من وصف النساء والغلمان ورسائل الشوق دليل على أن النثر يصلح أيضًا للمعاني الغرامية، ولا معنى لتضييق المجال أمام الكُتَّاب بمثل ذلك الاصطلاح، ولكن هيهات أن تنجو الحياة الأدبية أو الاجتماعية من أثقال التقاليد التي تسيطر على الذوق، وتجعل مقياس القبح والحسن تابعًا لما أَلِف الجمهور من ملابسات الحياة.
بعد هذا البيان أحب أن أدون رأيي في الفرق بين منزلة الشعر ومنزلة النثر، وهو رأي لم أُسبَق إليه: رأيي أن الموضوعات هي التي تحدد نوع الصياغة، فليس ينبغي أن يفترض أن الشعر صالح لكل موضوع، ولا أن النثر صالح لكل موضوع؛ فهناك مواطن للقول لا يصلح فيها غير النثر، ومواطن أخرى لا يصلح فيها غير الشعر، والبليغ الموَّفق هو الذي يفهم سياسة الفطرة في مثل هذه الشئون، ففي بعض الأحوال يكون الإفصاح بالشعر نوعًا من العيِّ، كما يكون أحيانًا أسمى أنواع البيان، وقد أذكر أنني كنت أحاور المسيو مرسيه في تطور السجع فأخرج رسائل الجاحظ وفيها هذه العبارة:
إن معاوية مع تخلفه عن مراتب أهل السابقة أملى كتابًا إلى رجل فقال فيه: لهو أهون عليَّ من ذرة، أو كلب من كلاب الحرة.» ثم قال: امحُ (من كلاب الحرة) واكتب: (من الكلاب)، كأنه كره اتصال الكلام والمزاوجة وما أشبه السجع، وأرى أنه ليس في موضعه.١٦

وكان المسيو مرسيه يظن أن في هذه العبارة دلالة على أنهم كانوا إذ ذاك لا يستحبون الكلام المسجوع، فوجهت نظره إلى أن لهذه العبارة معنى آخر: ذلك أن السجع فن رقيق، لا يصلح في مثل ذلك المقام، وهو مقام تهديد ووعيد.

وفهم الظروف وما تقتضيه من شعر أو نثر هو أساس التوفيق عند من يفرض عليهم القول، فكم موطن يظهر فيه الشعر غريبًا، وكم موطن تظهر فيه الرسائل والخطب وكأنها بعيدة عما يجب أن يقال، ولو تتبعنا آثار الكُتَّاب الذين مُنِحوا موهبة الشعر لرأيناهم يجنحون إلى القريض في مواضع لا يغني فيها النثر شيئًا، فبديع الزمان يمضي في رسائله ومقاماته ناثرًا، ثم ينتقل إلى الشعر فجأه حيث يرى الشعر أقرب إلى ما يريد، وقد رأينا عبد العزيز بن يوسف يراسل الصاحب بن عباد فيبدأ خطابه ناثرًا، ثم يميل إلى النظم، ولا يفوته أن يعلل ذلك الميل فيقول: «ابتدأت — أطال الله بقاء مولاي الصاحب — بكتابي هذا وفي نفسي إتمامه نثرًا، فمال طبعي إلى النظم، وأملى خاطري على يدي منه ما كتبت، ونعم المعرب عن الضمير مضمار القريض.»١٧

قلنا: إن الموضوعات هي التي تحدد نوع الصياغة، فلنعد إلى ذلك بكلمة حاسمة فنقول: إذا كان موضوع القول متصلًا بالمشاعر والعواطف والقلوب كان الشعر أوجب؛ لأن لغته أقدر على التأثير والإمتاع، وإذا كان الموضوع متصلًا بأعمال العقل والفهم والإدراك كان النثر أوجب؛ لأن لغته أقدر على الشرح والإيضاح والإفهام والتبيين والإقناع، ومن أجل ذلك نرى الفقهاء واللغويين والنحويين ورجال العلوم الصرفة كالفلكيين والرياضيين لا يجيدون الشعر إلا قليلًا؛ لأن اتجاهاتهم العقلية تصرفهم عن تلقي الوحي والإلهام؛ إذ كان الشعر في صميمه ينفر من النفوس المعقدة ويأنس بالنفوس الصافية التي تسيطر عليها القوة أو الوداعة، وتغلب على أصحابها الثورة أو السكون، ولا يفهمون من العالم إلا جوانبه الأخاذة التي تصرخ بالعظمة البالغة، أو ترمي بالقلب في سعير الحب وفتنة الجمال.

ونعود فنذكر أن كُتَّاب القرن الرابع كان يغلب عليهم الشعر، فكانوا يلجئون إلى القريض في المواطن التي لا يحسن فيها غير القريض، وحِرْص كُتَّاب القرن الرابع على إجادة الشعر يدل على مغالاتهم في الصنعة، فإن الشعر أدخَلُ في الفن من النثر، ولكن ليس معنى هذا أنهم كانوا جميعًا من الشعراء المتفوقين، كلا! فإن عبد العزيز بن يوسف الذي كان يقرنه الصاحب الى الصابي لم يكن جيد الشعر، والقطع التي وصلت إلينا من شعره باردة الأنفاس، والتوحيدي أُثِر عنه شعر قليل، وهو مع قلته ضعيف.

وهناك كُتَّاب كان شعرهم أجود من نثرهم، وكانوا من المبرزين في الصناعتين؛ منهم أبو العلاء المعري صاحب اللزوميات وسقط الزند، وهما من دواوين الشعر الممتازة في اللغة العربية، وصاحب رسالة الغفران التي تعد من آيات النثر العربي؛ ومنهم الشريف الرضي وهو من أفذاذ الشعراء، وينسب إليه جزء كبير من نهج البلاغة؛ ومنهم أبو عامر بن شهيد أحد كُتَّاب الأندلس وشعرائها، وهو من أفراد المجيدين في المنظوم والمنثور، والشعر عليه أغلب.

أما الكُتَّاب الذين غلب عليهم النثر وكان لهم مع ذلك شعر جيد، فهم عديدون؛ منهم علي بن عبد العزيز الجرجاني، وأبو بكر الخوارزمي، وأبو الفضل بن العميد، وأبو إسحاق الصابي، وبديع الزمان الهمذاني، وأبو إسحاق الحصري،١٨ وأبو الفرج الببغاء، وهؤلاء كانوا يجيدون الشعر إجادة تامة في موضوعات لا يحسن فيها غير القريض.

ولنذكر نماذج من شعر هؤلاء الكُتَّاب لندل على تفوقهم في الصناعتين تفوقًا يجعل منزلتهم في النثر الفني أعلى وأرفع؛ إذ كان النثر عند هؤلاء فنًّا خالصًا لا يفضله الشعر بغير القوافي والأوزان.

فمن ذلك قول ابن العميد في معشوقه وقد فُصِد:

ويح الطبيب الذي جست يداه يدكْ
ما كان أجهله فيما قد اعتمدكْ
بأي شيء تراه كان معتذرًا
من مسه بحديد مؤلم جسدكْ
لو أن ألحاظه كانت مباضعه
ثم انتحاك بها من رقة فصدكْ

وقال الصاحب بن عباد في رجل كثير الشرب بطيء السكر:

يقال لماذا ليس يسكر بعد ما
توالت عليه من نداماه قرقُف
فقلت سبيل الخمر أن تنقص الحجا
فإن لم تجد عقلًا فماذا تحيَّف

وقال بديع الزمان في طبائع الناس:

كذاك الناس خدَّاعُ
إلى جانب خدَّاعِ
يعيثون مع الذئب
ويبكون مع الراعي
والقلقشندي من الذين رجحوا النثر على الشعر، فقد ذكر في كتابه «صبح الأعشى» أن الشعر وإن كانت له فضيلة تخصه من حيث تفرده باعتدال أقسامه، وتوازن أجزائه، وتساوي قوافيه، مع طول بقائه على تعاقب الأزمان، وتداوله على ألسنة الرواة؛ لسهولة حفظه، وجمال إنشاده بمجالس الملوك، فإن النثر أرفع منه درجة، وأعلى رتبة، وأشرف مقامًا، وأحسن نظامًا.١٩

والنظام الذي يظهر حسنه في النثر غير واضح، ولكن القلقشندي يفسره فيذكر أن الشعر محصور في وزن وقافية يحتاج الشاعر معهما إلى زيادة الألفاظ، والتقديم فيها والتأخير، وقصر الممدود، ومد المقصور، وصرف ما لا ينصرف، ومنع ما ينصرف من الصرف، إلى غير ذلك مما تلجئ إليه ضرورة الشعر، فتكون معانيه تابعة لألفاظه، والكلام المنثور لا يحتاج فيه إلى شيء من ذلك، فتكون ألفاظه تابعة لمعانيه.

وتفسير القلقشندي لرأيه غير كافٍ ولا سديد؛ فإن الشعر الذي نوازن بينه وبين النثر ليس هو الشعر الذي تكون معانيه تابعة لألفاظه، وإنما هو الشعر المحكم الذي تكون فيه الألفاظ دائمًا تبعًا للمعاني، والنظم الجديد يفرض ذلك في الشعر والنثر على السواء.

ومما تنبه له القلقشندي خطر الموضوعات التي يعرض لها النثر؛ حيث يراه مبنيًّا «على مصالح الأمة وقوام الرعية» لما يشتمل عليه من مكاتبات الملوك، وسراة الناس فى مهمات الدين وصلاح الحال، وما يلتحق بذلك من ولايات السيوف وأرباب الأقلام.٢٠

ونقل القلقشندي عن «مواد البيان» أن العرب كانت أحسَّت بانحطاط رتبة الشعر عن الكلام المنثور، كما حُكِي أن امرأ القيس بن حجر همَّ أبوه بقتله حين سمعه يترنم في مجلس شرابه بقوله:

اسقيا حجرًا على علاته
من كُمَيت لونها لون العلق٢١
وما رُوي أن النابغة الجعدي كان سيدًا في قومه لا يقطعون أمرًا دونه، وأن قوْل الشعر نقصه وحط رتبته.٢٢
ونحن نرى مسألة امرئ القيس تحتاج إلى تأويل، أما مسألة النابغة الجعدي فصحيحة من حيث دلالتها على بعض التقاليد الاجتماعية، وقد تحادثْتُ مرة مع الأستاذ إبراهيم مصطفى في مثل هذا الموضوع، وكنا نتكلم عن شخصية الأستاذ محمد نجيب الغرابلي باشا، وكان الأستاذ إبراهيم مصطفى يرى أن اهتمام الغرابلي باشا بقرض الشعر يحط من قيمته كزعيم سياسي، ولم أفلح في إقناع صديقي إبراهيم بأن الشعر قد يكون من مميزات كبار الرجال.٢٣

وخلاصة هذا الفصل أن التأليف في نقد النثر كان قليلًا بالإضافة إلى التأليف في نقد الشعر، ويرجع ذلك إلى أن القدماء كانوا يرون الشعر أرفع فنون الجمال، أما النثر فكان في نظرهم أداة من أدوات التعبير عن الأغراض العلمية والسياسية والدينية، ولذلك كانوا حين ينقُدونه يتوجهون في الأغلب إلى ما فيه من معانٍ وأغراض قبل أن يعنوا بالنظر في أساليب الإنشاء؛ ظنًّا منهم أن الدقة لا تُطلب إلا من الشعراء.

ونحن نرى أن الوقت حان للعناية بالنثر ونقده وإحلاله المحل الأوَّل من جهود الباحثين والناقدين، فإن النثر اليوم هو صاحب السلطان في المشرق والمغرب، والكُتَّاب يحتلون اليوم مكانة يصعب أن يتسامى إليها الشعراء؛ لأن النثر هو الأداة الطبيعية لنشر الآراء والمذاهب والعقائد، وزماننا مجنون بالسرعة في كل شيء، والشعر — كفنٍّ دقيق مثقل بالقوافي والأوزان — غير خليق بتقديم ما تحتاج إليه العقول صباح مساء من ألوان الغذاء العقلي والوجداني، وهو حين يجود يظل مقصورًا على بعض النوازع القلبية والنفسية التي لا تستريح إليها الجماهير إلا في لحظات الفراغ.

وليس معنى هذا أن الشعر زالت دولته، لا، فإنه لا تزال لدينا جوانب وجدانية تتشوف إلى التغني بالشعر البليغ؛ لأن الطبيعة لا تزال تتألق في خلق دواعي الشعر، ولا يزال في الدنيا نجوم تتألق، وأزهار تتفتح، ولا تزال الأرض تذلل خدها لمن يمشي عليها من أسراب الظباء.

وإنما نريد أن نَقْدِر النثر حق قدره، وأن نبين مناهجه ومذاهبه ممثلة في كُتَّاب القرن الرابع؛ لأنه في رأينا أوَّل عصر في اللغة العربية أراد فيه الكُتَّاب أن يستبدوا بمعاني الشعراء وألفاظهم وتعابيرهم، وأن يروضوا القلم الطليق على التحليق في جميع الأجواء.

وليعلم الناظر في كتابنا هذا أن أول ما يهمنا هو المعاني والأغراض، وليست الألفاظ والتعابير إلا وسائل لتجلية المعاني وكشفها وتوضيحها؛ بحيث يستطيع القارئ أن يشارك الكاتب في حسه وشعوره، وذوقه ووجدانه، وضلاله وهداه، ومن أجل هذا اهتممنا اهتمامًا بالغًا بتحليل آراء الكُتَّاب ومذاهبهم الاجتماعية، واتجاهاتهم العقلية، وثوراتهم النفسية والوجدانية، ولم نشترط من حيث الصورة إلا أن يكون الكاتب (écrivain) كاتبًا؛ أي رجلًا قديرًا على تلوين أفكاره وخواطره تلوينًا يستهوي العقول والألباب، فليس كل مفصح عن غرضه بقادر على جذبنا إليه، وإنما يستميلنا الكُتَّاب الفنانون الذين يجمعون بين جودة المعنى وجمال الأداء.

هوامش

(١) ومع هذا نجد في مطالعاتنا إشارات إلى سرقات الكتَّاب، فقد كان أحمد بن أبي طاهر يقول في سعيد بن حميد: «لو قيل لكلام سعيد وشعره: ارجع إلى أهلك. لما بقي منه شيء.» الفهرست ص١٧٩، و(الكلام) هنا هو النثر الذي يسمى أيضًا (الكتابة)، وقد سمِّي النثر (كلامًا) في عدة مواطن؛ منها قول بديع الزمان: «البليغ من لم يقصر نظمه على نثره، ولم يزر كلامه بشعره.»
وعرض الثعالبي لبعض المعاني التي وردت في نثر الصاحب بن عباد مسروقة من شعر المتنبي. اليتيمة (١ / ٨٧)، وكذلك عرض لإحدى رسائل الصابي فبيَّن أن بعض ألفاظها مأخوذ من فصل كَتَبَه جعفر بن محمد بن ثوابة عن المعتضد إلى ابن طولون. اليتيمة (١ / ١٩١)، وفي وفيات الأعيان (١ / ١٥–١٦) كلام لإبراهيم الصولي عما أضاف إلى نثره من معاني الشعراء.
(٢) ولا ننكر مع هذا أنه وضعت كتب كثيرة في نقد النثر، أشهرها كتاب قدامة بن جعفر الذي نشرته الجامعة المصرية بتحقيق الدكتور طه حسين والأستاذ عبد الحميد العبادي، وكتاب «المذهب في البلاغات» لابن العميد. ١٩٤ فهرست، وكتاب «غرر البلاغة» أورد منه صاحب «صبح الأعشى» شواهد (٩ / ٢٨٠، ٢٨٥)، و«تحفة الكتاب في الرسائل» (٦ / ٢٧٤) ياقوت، و«كتاب الكتاب» (٦ / ٢٧٩) ياقوت، و«غلط الأدب الكاتب»، و«مصابيح الكتاب» (٦ / ٢٨١) ياقوت، و«الاختيار من الرسائل» أو «فقر البلغاء» (٦ / ١٣٠) ياقوت، و«علم النثر» (١ / ٢٥١) ياقوت، و«أنواع الأسجاع» (٤ / ٧٥) ياقوت، و«الرسائل السلطانيات والإخوانيات» و«الفرق بين المترسل والشاعر» (٢ / ٢٥٧) ياقوت.
وفي مطالعاتنا نجد كتبًا كثيرة ألفت في النثر، لا نعرف أهي من قبيل المجموعات أم من باب النقد أم من علم البيان؛ لأن أصولها لم تصل إلينا، وهي تدل على أن المتقدمين اهتموا بالدراسات النثرية، ولكننا لا نزال نرى أن الشعر استبد بجهود أكثر النقاد، ولم يخلص للنثر من عنايتهم إلا القليل.
ولنقيد أن نقد النثر الذي انصرف عنه أكثر الباحثين هو فن غير الفن الذي عرف بأدب الكتاب، ووضعت فيه أبحاث كثيرة منها: «الرسالة العذراء» التي قدمناها مع مقدمة بالفرنسية إلى مدرسة اللغات الشرقية في باريس، ونشرناها في سنة ١٩٣١، و«أدب الكتاب» للصولي، و«كتاب الكتاب» لابن درستويه، وما إلى ذلك من الدراسات التي تتصل في الأغلب بأحوال الكتاب من الوجهة الديوانية والاجتماعية، وأهم كتاب في هذا الباب هو «صبح الأعشى» الذي يعد أنفع ما صنف في أدب الكتاب، على أن هذا النوع من التأليف حافل بالملاحظات الفنية التي تقربه من (النقد الأدبي) وإن لم تَسْمُ به إلى المصنفات الممتعة التي قصرها أصحابها على دراسة آثار الشعراء.
(٣) (٣ / ٨٧) نثر من يتيمة الدهر.
(٤) ص٣ من نثر النظم.
(٥) ص٤، من نثر النظم.
(٦) (١ / ١٠١)، زهر الآداب.
(٧) ص٤، ٥ من كتاب العمدة.
(٨) راجع: ص٣٨، ٣٩ من دلائل الإعجاز.
(٩) ص٦، العمدة.
(١٠) ص١٠٢، وهذا صريح في أن نقاد العرب يفهمون أن الرسائل والخطب فن واحد أو فنان متقاربان يقابلهما الشعر، فالكلام ينقسم إلى قسمين: منظوم ومنثور، والمنثور منه الخطب والرسائل. وقد عرض القلقشندي للتعليق على كلمة أبي هلال في «صبح الأعشى» (١ / ٢٢٩) فقال: «إن الخطب جزء من أجزاء الكتابة ونوع من أنواعها، يحتاج الكتاب إليها في صدور بعض المكاتبات، وفي المبيعات والعهود والتقاليد والتفاويض وكبار التواقيع والمناشير.» ومن هذا يتبين أن المسيو مرسيه تكلف شططًا حين زعم أن الكلام ينقسم إلى ثلاثة أصول أساسية: هي النظم والنثر والخطب، ليصح له أن يحكم بأن الجاهليين عرفوا فن الشعر وفن الخطابة ولم يعرفوا فن النثر، والمعقول أن الذي يحسن إعداد الخطبة يحسن بسهولة إنشاء الرسالة، وقد بقي صدى خطباء الجاهلية؛ لأن الخطب كانت لا تلقى عادة إلا في المواسم أو عند كبريات الحوادث، أما الرسائل فكانت تنقل من قبيلة إلى قبيلة على أيدي الرسل، وكانت في الأغلب مما يكتمه المرسلون.
(١١) انظر: الصناعتين ص١٠٣.
(١٢) ص١٠٣.
(١٣) ص١٠٤.
(١٤) (٦ / ٦٧) ياقوت.
(١٥) (٢ / ٢١٩) ياقوت.
(١٦) ص ١٥٥، رسائل الجاحظ.
(١٧) اليتيمة (٢ / ٩١).
(١٨) الحصري مُقلٌّ في كتابته وشعره، ولكن الفقرات التي تتفق له أحيانًا في زهر الآداب تنم عن ذوق في الإنشاء، واهتمامه بأدب القرن الرابع هو الذي أوحى إلينا فكرة تأليف هذا الكتاب.
(١٩) صبح الأعشى (١ / ٥٨).
(٢٠) ص٥٩.
(٢١) الكميت: الخمر في لونها كمتة، وهي حمرة في سواد، والعلق — بالتحريك: الدم الشديد الحمرة.
(٢٢) ص٦٠، ٦١.
(٢٣) وقد تصاولت مرة مع الأستاذ عبد العزيز البشري بمناسبة ما كنتُ أثرته في جريدة البلاغ عن شرح نهج البردة، فقال الأستاذ وهو غاضب: «إني أبي أجل قدرًا من أن يشرح قصيدة لشاعر.» وهذا شاهد جديد على فهم العلماء لقيمة الشعر، وقديمًا زعموا أن الشافعي قال:
ولولا الشعر بالعلماء يزري
لكنت اليوم أشعر من لبيد

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤