الفصل الثالث عشر

المحسن التنوخي

أرشدنا إلى هذا الكاتب المسيو ماسينيون «صديق الجميع»، كما كتب إلينا في وصفه المستشرق الهولندي الجليل الدكتور سنوك.

والتنوخي هذا هو المحسن بن علي بن محمد المتوفى ببغداد سنة ٣٨٤، وكان مولده بالبصرة سنة ٣٢٩، وله من التصانيف: كتاب الفرج بعد الشدة، وكتاب نشوار المحاضرة، أحد عشر مجلدًا، كل مجلد له فاتحة بخطبة، وهو كتاب جيد، ألفه التنوخي في عشرين سنة، أولها سنة ٣٦، واشترط ألاَّ يضمنه شيئًا نقله من كتاب.

قال المستر مارجوليوث في خاتمة نشوار المحاضر — وقد ابتدأ طبعه سنة ١٩١٨ وفرغ منه سنة ١٩٢١: «النشوار كلمة فارسية أصلها نشخوار، ومعناها جرة الحيوانات المجترة، وقد استعملها التنوخي بمعنى الحديث «طيب النشوار والأدب»،١ «حسن النشوار رواية الأخبار»،٢ وأما ما ذكر من تاريخ الكتاب فيطابقه ما جرى فيه ذكره من التواريخ، فإن المؤلف ذكر خبرًا سمعه في سنة ٣٤٩ ٣ ثم أكثر من ذكر حوادث سنة ٣٦٠، ٤ ثم ذكر حادثًا حدث سنة ٣٦١، ٥ وأما ما اشترط من الاقتصار على ما لم يدوَّن في كتاب فكثيرًا ما أخل بشرطه، وقد نبهنا في مواضع على ورود الحكايات في «الفرج بعد الشدة» للمؤلف وغيره من الكتب.
وأما ما زعم من اشتمال الكتاب على ١١ جزءًا، فيؤكده ما يوجد في بعض الكتب من حكايات منقولة عن النشوار غير موجودة في جزئنا، من ذلك ما أورد السيوطي في المزهر،٦ وياقوت الرومي في إرشاد الأريب٧ والغزولي في مطامع البدور.٨ وأما نحن فلم نعثر منه إلا على الجزء الأول في نسخة عددها ٣٤٨٢ من الخطوط العربية المحفوظة في خزانة الكتب الوطنية في باريس، قد ذكر الناسخ أنه فرغ من نسخها سنة ٧٣٠ وليس فيها ما يدل على أنها أول جزء من أجزاء عدة، وعدد صفحاتها ١٩٣، وهي كاملة الشكل كثيرة الأغلاط لا سيما في الأعلام … وقد حذفنا حكايات ليست بكثيرة؛ لم نرَ داعيًا إلى تخليدها.»

هذه كلمة المستر مارجوليوث في التعليق على ما ذكر ياقوت، ونلاحظ أنه فاته حين تكلم عن مطابقة التواريخ أن يتنبه إلى ما نقله خطأ عن ياقوت؛ حيث دوَّن أن كتاب نشوار المحاضرة صنف في عشرين سنة أولها سنة ٣٦، وهو ذكر أن التنوخي ولد سنة ٣٢٩، فعلى هذا يكون المؤلف ابتدأ جمع أصول الكتاب في السابعة من عمره، وهو خطأ مبين وسنصححه بعد قليل.

وحدثنا المستر مارجوليوث أنه حذف حكايات لم ير داعيًا إلى تخليدها، وكنا نود لو نشر الكتاب كاملًا لم يحذف منه شيء، فإن التحكم في أغراض المؤلفين من الأغلاط الشنيعة التي ينبغي أن ينزه عنها أمثال المستر مارجوليوث، وهو قد صنع مثل هذا الصنيع في طبع إرشاد الأريب لياقوت المعروف بمعجم الأدباء، فقد ذكر أنه حذف طائفة من رسائل أبي العلاء المعري اكتفاء بنشرها في مجموعة أخرى من مجموعات أكسفورد، فكأنه لا يفكر إلا في قرائه من المستشرقين.

وهذه المؤاخذة لا تحول دون الاعتراف بفضل هذا الباحث في نشر الآثار القديمة، فإليه يرجع الفضل في إحياء كثير من المراجع المهمة في الكشف عن معارف الأقدمين.

ونضيف إلى ما كتبه عن نشوار المحاضرة ما أخبرنا به المسيو ماسينيون٩ من أن مجلة المجمع العلمي العربي في دمشق أخذت تنشر في أعدادها الأخيرة بقايا قيمة من أصول ذلك الكتاب.

وأهمية كتاب نشوار المحاضرة تعرف من مقدمته، فإن المؤلف يحدثنا أنه اتصل بكثير من الناس ممن عرفوا أحاديث الملل، وأخبار الممالك والدول، ووقفوا على محاسن الأمم ومعايبهم، وفضائلهم ومثالبهم، وسمعوا أخبار الملوك والكتاب والوزراء، والسادة والبخلاء، وذوي الكبر والخيلاء، والأشراف والظرفاء، والمحادثين والندماء، والسفهاء والحلماء، والمحدثين والفقهاء، والفلاسفة والحكماء، وأهل الآراء والأهواء، والمتأدبين والأدباء، والمترسلين والفصحاء، والرجاز والخطباء، والعروضيين والشعراء، والنسابين والرواة، واللغويين والنحاة، والشهود والقضاة، والأمناء والولاة، والمتصرفين والكفاة، والفرسان والأمجاد، والشجعان والأنجاد، والجند والقواد، وأصحاب القنص والاصطياد، والجواسيس والمتخبرين، والسعاة والغمازين، والوراقين والمعلمين.

والحسَّاب والمحررين، والعمال وأصحاب الدواوين، والأكرة والفلاحين، والمتكلمين على الطرق، والواعظين والقصاص، وأهل الصوامع والخلوات، والنساك والصالحين، والعباد والمتبتلين، والصوفية والمتواجدين، والأئمة والمؤذنين، والقرَّاء والملحنين، وأهل النقص والمقصرين، والأغنياء والمتخلفين، والشطار والمتقين، وأصحاب العصبية والسكاكين، وقطاع الطرق والمتلصصين، وأهل الخسارة والعيارين، ولعَّاب النرد والشطرنجيين، والملاح والمتطايبين، وأهل النادرة والمضحكين، والطفيلية والمستطرحين، والأكلة والمؤاكلين، والشُراب والمعاقرين.

والمغنيات والمغنين، والرقاصين والمخنثين، وأهل الهزل والمتخالفين، والبله والمغفلين، والمفكرين والموسوسين، والملحدة والمتنبئين، والأطباء والمنجمين، والكحالين والفصادين، والآسية والمجيرين، والشحاذين والمجتدين، والمجدودين والمحدودين، والسعاة والمسافرين، والمشاة والمتغرِّبين، والسُياح والغواصين، وسُلاك البحار والمفازات، وأهل المهن والصناعات، والمياسير والفقراء، والتجار والأغنياء، والفواضل من النساء، حرائرهن والإماء، وخواص الأحجار والحيوانات، والأدوية والعلاجات، والأحاديث المفردات، وطريف المنامات، وشريف الحكايات، وغير ذلك من ضروب أحاديث أهل الخير والشر، والنفع والضر، وسكان المدر والوبر، والبدو والحضر، شرقًا وغربًا، وبعدًا وقربًا.

ثم يقول:
وكان القوم الذين استكثرت منهم، وأخذت ذلك عنهم، يحكونه في أثناء مذاكرتهم، وفي عرض مجاراتهم … نفيًا للمساكتة، واجترارًا للمثافنة،١٠ وصلة للمجالسة، وفتحًا للمؤانسة، وسيرًا لأحاديث الدنيا ماضيها وباقيها، وتواصفًا لسير أهلها وما جرى فيها، وتمثيلًا بين ما شهدوه منها، وسمعوه عنها، وعانوه من تقلبها، وقاسوه من تصرفها، وأخبروا به من عجائبها، ويوردون كل فن من تلك الفنون على حسب ما تقتضيه المحادثة، وتبعثه المفاوضة، فأحفظ عليه ذلك في الحال … وأستفيده في أحوال.

فلما تطاولت السنون، ومات المشيخة الذين كانوا مادة هذا الفن، ولم يبق من نظرائهم إلا اليسير الذي إن مات ولم يحفظ عنه ما يحكيه، مات بموته ما يرويه، ووجدت أخلاق ملوكنا ورؤسائنا لا تأتي من الفضل، بمثل ما يحتوي عليه تلك الأخبار من النبل … بل هي مضادة لما تدل عليه تلك الحكايات من أخلاق المتقدِّمين وضرائبهم وطباعهم ومذاهبهم، حتى أن من بقى من هؤلاء الشيوخ إذا ذكر ما يحفظه من هذا الجنس بحضرة أرباب الدولة ورؤساء الوقت، خاصة ما كان منه متعلقًا بالكرم، ودالًّا على حسن الشيم، ومتضمنًا ذكر وفور النعم، وكبر الهمم، وسعة الأنفس، وغضارة الزمان، ومكارم الأخلاق، كذبوا به ودفعوه، وجعلوه في أقسام الباطل واستبعدوه؛ ضعفًا عن إتيان مثله، واستعظامًا منهم لصغير ما وصلوا إليه، وبالإضافة إلى كبير ما احتوى أولئك عليه، وقصورًا عن أن تنتج خواطرهم أمثال تلك الفضائل والخصال، أو تتسع صدورهم لفعل ما يقارب تلك المكارم والأفعال.

هذا مع أن في زمانهم من العلماء المحتسبين في التعليم، والأدباء المنتصبين للتأديب والتفهيم، وأهل الفضل والبراعة، في كل علم وأدب وجد وهزل وصناعة، من يتقدم بجودة الخاطر، وحسن الباطن والظاهر، وشدة الحذق فيما يتعاطاه، والتبريز فيما يعانيه ويتولاه، كثيرًا مما تقدمه في الزمان، وسبقه بالمولد في ذلك الأوان، ويقتصر منهم على الإكرام دون الأموال، وقضاء الحاجة دون المغارم والأثقال، فما يرفعون به راسًا، ولا ينظرون إليه إلا اختلاسًا، لفساد هذا العصر، وتباعد حكمه من ذلك الدهر، وأن موجبات الدهر فيه متغيرة متنقلة، والسنن دارسة متبدلة، والرغبة في العلم معدومة، والهمم باطلة مفقودة، والاشتغال من العامة بالمعاش قاطع، ومن الرؤساء بلذاتهم البهيمية قانع.

وهذه الفقرات التي اقتبسناها من مقدمة نشوار المحاضرة تصل بنا إلى النتائج الآتية:
  • الأولى: يظهر أن المؤلف كان قوي الحس، دقيق الملاحظة، فكان لذلك يتعقب الأدباء والشعراء والوزراء، ومن عدا هؤلاء من مختلف الطبقات، ويعي كل ما يسمع، ويقيد كل ما يقع له من الأخبار والأشعار والمحاورات والمحادثات، حتى استطاع أن يكون نسيجًا وحده في هذا النوع من التأليف.
  • الثانية: يظهر أن المؤلف كان خصبًا في لغته وإنشائه إلى حد بعيد، والذي يقرأ مقدمته كاملة يرى كيف كانت مفردات اللغة ومترادفاتها تنثال عليه انثيالًا، وإنه ليذكر بالجاحظ في هذا الباب، ولا يؤخذ عليه إلا شيء يسير من الالتواء حين يباعد مثلًا بين الفاعل والمفعول بطائفة من القرائن المتعاطفة المتواصلة؛ بحيث يضطر القارئ إلى تأمل ما تقدم من التراكيب ليظهر له الربط بين أجزاء الجملة التي قد لا تتم أحيانًا إلا بعد عدة سطور، وربما غلب عليه الإسفاف في بعض التعابير حين يتعمد السجع؛ كقوله في الكلمة التي اقتبسناها آنفا: «والاشتغال من العامة بالمعاش قاطع، ومن الرؤساء بلذاتهم البهيمية قانع.»
  • الثالثة: لم يكن التنوخي من المؤلفين الذين يفردون المتقدمين بالإجادة والإبداع، ويظنون أنه جديد تحت الشمس، وأن المتقدم لم يترك شيئًا للمتأخر، ولكنه يقرر أن في معاصريه من فاقوا الأولين، ويقول: «فقد خرج في أعمارنا وما قاربها من السنين من مكنون أسرار العلم، وظهر من دقيق الخواطر والفهم، ما لعله كان معتاصًّا على الماضين، وممتنعًا على كثير من المتقدمين.»١١
  • الرابعة: لم يكن المؤلف راضيًا عن الحكام والأمراء من أهل زمانه، فهو يراهم من المتخلفين في طباعهم ومذاهبهم، ويحكم على أهل عصره بالفساد، ويرى طباع أهله متغيرة، ورغبتهم في العلم معدومة، وهممهم مفقودة، ويقول: فنحن حاصلون فيما رُوي من الخبر أنه لا يزداد الزمان إلا صعوبة، ولا الناس إلا شدة، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، وما أحسن ما أنشدني أبو الطيب المتنبي لنفسه في وصف صورتنا:
    أتى الزمان بنوه في شبيبته
    فسرهم وأتيناه على الهرم١٢
    ويقول في مكان آخر من المقدمة:
    ولهذا الحال ما انطمست المحاسن في هذه الدول، وردَّت أخبار هؤلاء الملوك، وخلت التواريخ من عجائب ما يجري في هذا الوقت؛ لأن ذوي الفضل لا يفنون أعمارهم بتشييد مفاخر غيرهم وإنفاق نتائج خواطرهم، مع بعدهم من الفائدة، وخلوهم عن العائدة، وأكثر الملوك وذوي الأحوال والرؤساء وأرباب الأموال لا يجودون عليهم، فيجيد هؤلاء لهم نسج الأشعار والخطب وحوك الرسائل والكتب، التي تبقى فيها المآثر، ما بقي الدهر الغابر؛ فقد بخل هؤلاء، وغفل هؤلاء، ورضي كل واحد من الفريقين بالتقصير فيما يجده، والنقص فيما يعتمده.١٣

وواضح من هذا أن المؤلف كان ينتظر من أمراء عصره أن يمدوه بالمال ويعينوه على التأليف.

وبهذه المناسبة نذكر أن اعتماد شعراء اللغة العربية وأدبائها على رعاية الملوك والأمراء والوزراء لم يكن من البدع الشاذة التي انفرد بها العرب في العصور القديمة، بل كان سُنَّة شائعة في الشرق والغرب، ويكفي أن يذكر المرء مثلًا بلاط فرنسوا الأول أو لويس الرابع عشر أو فريدريك الثاني؛ ليعرف أن شعراء أوروبا وأدباءها كانوا يعيشون في رعاية ملوكهم، ويعتمدون على معونات وزرائهم، وقد انقطعت هذه العادة أو كادت من الشرق والغرب، وانقبض الملوك والأمراء والوزراء عن تشجيع الكتاب والشعراء والمؤلفين.

ولست أنسب انقطاع هذه العادة إلى تغير الطباع وفساد الزمان، كما فعل التنوخي؛ فإن عصرنا غير عصره، وإنما أنسبها إلى أن الشعراء والكتاب والمؤلفين قد أخذت خلائقهم تستقيم، وشرعوا يفهمون أن الأدب أعلى وأرفع من أن يكون صاحبه ملحقًا بحواشي الملوك والأمراء، يضاف إلى ذلك أن هذا العصر عصر الشعوب لا عصر الملوك، وللأديب المتفوق، والشاعر المبدع، والكاتب البليغ، ميادين أخرى للشعر والإنشاء والتأليف هي أجدى وأنفع وأقرب إلى الثروة والغنى والجاه من تلك الصلات الوضيعة التي كانت تخفض رءوس أصحابها أمام سدَّات الملوك.

أشرنا من قبل إلى أن ياقوت ذكر أن التنوخي ابتدأ تأليف نشوار المحاضرة سنة ٣٦، وبيَّنا كيف غاب عن المستر مارجوليوث أن يمحو هذا الخطأ المبين، ونعود فنذكر أن المستر مارجوليوث حين غفل عن أخذ ياقوت أخذ يؤيده ويبني عليه أن المؤلف ذكر خبرًا سمعه سنة ٣٤٩، ثم أكثر من حوادث سنة ٣٦٠، ثم ذكر حادثًا حدث سنة ٣٦١.

وهذا كله خطأ من حيث الواقع؛ فإن ورود حوادث وقعت بعد سنة ٣٧ في صلب الكتاب لا يدل على أنه ألَّف في ذلك الحين. والحقيقة أن المؤلف شرع في وضع كتابه بعد التاريخ الذي ذكره ياقوت وحاول تأييده مارجوليوث بنحو خمس وعشرين سنة، ولننظر ماذا يقول المؤلف نفسه:

واتفق أيضًا أنني حضرت المجالس بمدينة السلام في سنة ستين وثلثمائة بعد غيبتي عنها سنين فوجدتها مُحيلة ممن كانت به عامرة، وبمذاكرته آهلة ناضرة، ولقيت بقايا من نظراء أولئك الأشياخ، وجرت المذاكرة فوجدت ما كان في حفظي من تلك المخاطبات قديمًا قد قلَّ، وما جرى من الأفواه في معناها قد اختل، حتى صار من يحكي كثيرًا مما سمعناه يخلطه بما يحيله ويفسده، ورأيت كل حكاية مما أُنسيته لو كان باقيًا في حفظي لصلح لفن من المذاكرة، ونوع من نشوار المحاضرة، فأثبتُّ ما بقي عليَّ مما كنت أحفظه قديمًا، واعتقدت إثبات كل ما أسمعه من هذا الجنس، وتلميعه بما يحث على قراءته من شعر لمتأخر من المحدثين، أو مجيد من الكتاب والمتأدبين، أو كلام منثور لرجل من أهل العصر، أو رسالة، أو كتاب بديع المعنى أو حسن النظم والنثر، مما لم يكن في الأيدي شعره ولا نثره، ولا تكرر نسخ ديوانه، ولا تردت معاني إحسانه، وما فيه من مثل طريٍّ أو حكمة جديدة، أو نادرة حديثة، أو فائدة قريبة المولد، ليعلم أن الزمان قد بقي من القرائح والألباب، في ضروب العلوم والآداب، أكثر مما كان قديمًا أو مثله، ولكن تقبُّلُ أرباب تلك الدول للأدب أظهره ونشره، وزُهدُ هؤلاء الأئمة في هذا الأدب غمره وستره.

فهذه الفقرة واضحة على أن المؤلف لم يشرع في جمع مواد كتابه إلا بعد سنة ٣٦٠، وإيراده لبعض حوادث سنة ٣٤٩ لايدل على أنه ألفه قبل ذلك كما فصَّل مارجوليوث تأييدًا لكلام ياقوت.١٤
أما طريقة التنوخي في التأليف فتتضح من قوله:
وأوردت ما كتبته مما كان في حفظي سالفًا، مختلطًا بما سمعته آنفًا، من غير أن أجعله أبوابًا مبوبة، ولا أصنفه أنواعًا مرتبة؛ لأن فيها أخبارًا تصلح أن يذاكر بكل واحد منها في عدة أماكن، وأكثرها مما لو شغلت نفسي فيه بالنظم والتأليف، والترتيب والتصنيف، لبرد واستثقل، وكان إذا وقف قارئه على خبر من أول كل باب فيه، علم أن مثله باقيه، فقلَّ لقراءة جميعه ارتياحه ونشاطه، وضاف فيه توسطه وانبساطه، ولكان ذلك أيضًا يفسد بما في أثنائه من الفضول، والأشعار والرسائل والأمثال والفصول … بل لعل كثيرًا مما فيها لا نظير له ولا شكل، وهو وحده جنس وأصل، واختلاطها أطيب من الآذان وأدخل، وأخف على القلوب من الأذان وأوصل.١٥

ولعل القارئ يتنبه هنا أيضًا إلى صنعة هذا الكاتب في إنشائه، فهي تمضي به أحيانًا إلى التهافت والإسفاف، لا سيما إذا لاحظ قوله: «واختلاطها أطيب في الآذان وأدخل، وأخف على القلوب من الأذان وأوصل»، فقد أراد أن يجانس ويوازن بين الآذان والأذان فمضى به ذلك إلى الغموض، فضلًا عن أنه ليس من المقبول أن يقال: «أخف من الأذان» إذ ليس من سلامة الذوق أن يدَّعي المرء أن كلامه أخف على القلوب من كلمة «الله أكبر، الله أكبر» وهي هي الكلمة الباقية على الزمان، وتلك هفوة تذكر بهفوة المتنبي إذ قال:

يترشفن من فمي قطراتٍ
هن فيه أحلى من التوحيد

والمؤلف في الجملة يسلك مسلك الاستطراد، فينتقل بالقارئ من قصة إلى قصة، ومن حديث إلى حديث، بلا ترتيب ولا تبويب، وقد صنع هذا الصنيع غير واحد ممن تقدموه وعاصروه وخلفوه، وهو منهج له قيمته في تشويق القارئ ونقله من حال إلى حال، بين الجد والهزل، والحلو والمر، والقديم والطريف.

والمؤلف مع ذلك يحدثنا أنه أراد أن يقدم لقرائه «من آداب النفس ولطافة الذهن والحس، ما تغنيه عن مباشرة الأحوال، وتلقن مثله من أفواه الرجال، ويحنكه في العلم بالمعاش والمعاد، والمعرفة بعواقب الصلاح والفساد، وما يفضي إليه أواخر الأمور، ويساس به كافة الجمهور، ويجنبه من المكاره حتى لا يتوغل في أمثالها، ولا يتورط بنظائرها وأشكالها، ولا يحتاج معها إلى إنفاق عمره في التجارب، وانتظار ما تكشفه له السنون من العواقب».١٦

فهو إذن مقتنع باستفادة القارئ من تجارب من سبقوه، ونحن نوافقه على ذلك مع تحفظ؛ إذ كنا نعتقد أن المرء لا يتفهم جيدًا مرامي الحوادث الماضية إلا إذا اتصلت بحوادثه الحاضرة، ونرى أن الرجل الخالي الذهن من المشاكل العقلية والخُلقية والوجدانية والاجتماعية يقرأ ما يقع له من تجارب الأولين بذهن خامد، وعقل مشكول، ولب معقول. أما الرجل الذي اصطدم بحوادث دهره، ومشاكل عصره، فإنه يقرأ أحاديث من سبقوه بعقل يقظ، وفكر متنبه، وقلب حساس؛ إذ يرى من يواجهه بحقيقة نفسه، ويحدِّثه عن قلبه، ويراجع معه مشاكل وجدانه، ومصاعب إحساسه، ومن هنا نشأ ما نراه من اختلاف التقدير للأثر الفني الواحد، فكم قصيدة، وكم رسالة، وكم قصة يبكي لها هذا، ويسخر منها ذاك، والغرض هو هو لم يتغير؛ لا في وضعه ولا في مرماه، وإنما تختلف النفوس والقلوب والعقول بحسب ما تمر به من مختلف الأحداث وشتى الظروف؛ فهنا قلبٌ هادئ، وهناك قلبٌ متردد، وهناك قلبٌ مضطرب.

ودليل ذلك أيضًا أنك قد تقرأ الرسالة أو القصيدة أو القصة فلا تحرك نفسك ولا تهيج وجدانك، ثم تعود إلى ما قرأته مرة ثانية في أحوال مخالفة، وظروف مغايرة، فترى ذلك الأثر الفني الذي لم يرعك في اللحظة الأولى قد راعك وبهرك وشغلك بنفسك وقلبك حين عدت إليه للمرة الثانية، ودليل آخر هو صلاحية النفس في الشباب لآثار فنية وأدبية لا توافقها في حال الكهولة؛ فللشباب آداب، وللكهولة آداب، ومن الخطأ أن يظن أن قيمة الأثر الفني تقدر بصلاحيته لجميع النفوس، وقدرته على التأثير في جميع القراء؛ من شباب وكهول، ورجال ونساء، ولا يقدر حقيقة ما نقوله إلا من خبر نفسه، ودرس مشاكل عقله ووجدانه وقلبه، وتأمل كيف يكون سكون النفس واضطرابها، وكيف يكون شغل القلب وفراغه، وعرف أن الغرائز الإنسانية أهول وأخطر وأفزع من أن يوضع لها مقياس ضابط لما تصلح له على اختلاف النوازع وفي جميع الأجيال.

أشرنا من قبل إلى أسلوب التنوخي وصنعته في الإنشاء، ونحب أن نعود إليه بشيء من التفصيل.

يعدُّ التنوخي من كبار الكتاب في زمانه، وقد استجابت له اللغة وطاوعه البيان، وحسبُ القارئ أن يعرف أنه انفرد من بين المؤلفين بصياغة كل ما اشتمل عليه كتابه من مختلف الأقاصيص والأسمار والفكاهات، وتلك قدرة عظيمة أن يقصد الكاتب إلى كل ما سمعه فيدوِّنه في عبارات فصيحة محبوكة الأطراف، لا قلق فيها ولا اضطراب. على أنه قد أعطانا نماذج من نثره المصنوع الذي عملت فيه الروية، وصاغه التدبر، وأملاه الفن على قلمه البليغ، وفي تلك النماذج القليلة تظهر صنعة التنوخي جيدة باهرة، تشهد له بالحذق وطول الباع، وإلى القارئ الكريم كتابه إلى بعض الرؤساء:
لا أحوجك الله إلى اقتضاء ثمن معروف أسديته، ولا جعل يدك السفلى لمن كانت عليه هي العليا، وأعاذك من عز مفقود، وعيش مجهود، وأحياك ما كانت الحياة أجمل بك، وتوفاك إذا كانت الوفاة أصلح لك، بعد عمر مديد، وسموٍّ بعيد، وختم بالحسنى عملك، وبلَّغك في الأولى أملك، وسدد فيها مضطربك، وأحسن في الأخرى منقلبك، إنه سميع مجيب، جواد قريب.١٧

وفي ظني أن هذا الكتاب أغنى ما يكون عن الشرح والتعليق، وللقارئ أن يتأمل قوله: «لا أحوجك الله إلى اقتضاء ثمن معروف أسديته»، فإن هذه الجملة تدلنا على فهم الكاتب لنفوس الكرام، فإنه ليس أصعب ولا أعسر من أن يضطر الكريم إلى اقتضاء ثمن المعروف؛ لأنه لا ينتظر ثمن المعروف إلا لئام الناس، وانظر بعد ذلك تعرضه في حكمة ورفق إلى الحياة والموت، فإنه لم يطلب لرئيسه ما طلب أبو نواس للأمين إذ قال:

يا أمين الله عش أبدًا
دم على الأيام والزمن
أنت تبقى والفناء لنا
فإذا أفنيتنا فكُنِ

فتلك أمنية سخيفة أن تدعو الناس بعضهم لبعض بالبقاء والخلود في دنيا لا بقاء فيها ولا خلود.

وإذا مضينا نتعرف إلى التعابير الجميلة في كتاب التنوخي وجدناها كثيرة، فأي جمال فاته في قوله:
ونعوذ بالله من الإدبار، وتغير النعم، وإيحاشها بقلة الشكر.١٨

وللقارئ أن يتأمل كيف تستوحش النعم بقلة الشكر، فإنه تصوير جميل، آنس الله نعمنا بما يلهمنا من واجب الشكران.

وانظر قوله على لسان رجل يخاطب رئيسًا انتهره على البكور إليه:
ما العجب منك، العجب مني حين ربطت أملي بك، وأسهرت عيني توقعًا للفجر في البكور إليك، وأسهرت عيالي وغلماني، وتحملت التجشم إليك، وأنزلت بك حاجتي، حتى تتلقاني بمثل هذا.١٩
وعند التنوخي ألفاظ متخيرة قلَّ استعمالها اليوم، مع أنها دقيقة الدلالة على معانيها، من ذلك قوله على لسان ابن الجصاص:
قمت البارحة في الظلمة إلى الخلاء، فما زلت أتلحظ المقعدة حتى وقعت عليها!٢٠

فإن كلمة «أتلحظ» أدق من كلمة «أتلمس» التي كثر استعمالها اليوم.

وقوله عل لسان بعض الخلفاء في العزم على إنقاذ رجل طالت عطلته، وحمل ذكره:
إذا أقبلنا عليه وندبناه لهذا الأمر العظيم تجدِّد ذكره، وتطرِّي أمره.٢١

فإن كلمة «تطرَّي» تعطي صورة جديدة، فكأن الجاه الخامل يماثل العود الذابل، وكأن إقبال الدنيا يصنع بالرجل المحدود ما يصنع الماء بالعود.

وعند التنوخي مرونة في التعبير، وذلك أهم ما يتحلى به صائغ الكلام. وانظر قوله:
فباكرت إسماعيل فحين رآني قال: هذا وجه غير الوجه الأمسيِّ.٢٢

يريد: هذا وجه غير وجه الأمس، والنسبة إلى الأمس قليلة في الكلام، مع أنها أدل على معناها من الإضافة وأصرح في الأداء.

انظر قوله على لسان صديق ينصح صديقه وقد عرض عليه الوالي أن يتقلد القضاء فرفض:
اتق الله في نفسك! … إنك تعود إلى بلدك فيقول أعداؤك: طلب القضاء فلما شوهد وُجد لا يصلح فُرُدَّ.٢٣

فقد جمعت الجملة الأخيرة صورًا عديدة من أدق ما يكون من الإيجاز، والإيجاز لا يقع مثل هذا الموقع إلا من كاتب مَرِن يعرف كيف يقود القلم ويسوس الكلام.

ومن مظاهر المرونة قوله:
فلما رآني أبو جعفر أكبر ذلك وتهلل وجهه وقال: إلى عندي يا سيدي إلى عندي.٢٤

ومعروف أن «عند» تنصب على الظرفية ولا تجر إلا بمن، نحو: من عند الله، فجرها بإلى سيرٌ إلى الحرية في التعبير.

فإذا خلَّينا مرونته وتصرفه في الكلام جانبًا ومضينا نستقصي ما أثبته من التعابير العامية وقع لدينا من ذلك شيء كثير. ويجدر بنا في هذا المقام أن نؤكد ما قلناه في دراسة أسلوب أحمد بن يوسف المصري: ونحن نرى أن إدخال بعض التعابير العامية الدقيقة في اللغة الفصيحة يزيدها ثروة، والناس لا يلجئون إلى العامية إلا حين يرونها أقرب إلى تصوير أغراضهم في بعض الأحيان. والعامية هي عنصر من اللغة الفصيحة دخل في حكم المبتذل بكثرة الاستعمال، والكاتب المجيد يستطيع أن يلقي عليها مسحة من الطرافة والجدة بحيث يراجعها رونقها القديم، وسنرى في هذه الدراسة أصول التعابير الجارية على ألسنة الناس أكثرها كان فصيحًا، فلما كثر تداوله أضيف ظلمًا إلى لغة العوام وتحاماه كبار الكتاب.

  • (أ)
    من ذلك كلمة «الصورة» بمعنى الحالة، نجدها على ألسنة التجار الفلاحين فنعدها عامية، ولكنها في كلام التنوخي كانت فصيحة، وانظر قوله:
    فدخلنا إليها فحين رأته أكرمته، وبشت به، وسألته عن خبره فصدقها عن الصورة.٢٥
  • (ب)
    والعامة يقولون: «فاتشه» إذا اختبره ليعرف ما عنده من سر أو كفاية، ويقولون: «كسَّبه» بتشديد السين إذا فتح باب الكسب، وقد وقعت هاتان اللفظتان في قول التنوخي:
    فلزمه وفاتشه فوجد كاتبًا فاستخدمه وكسَّبه مالًا عظيمًا.٢٦
  • (جـ)
    ونحن نتهيب أن نكتب «شال المائدة» بمعنى رفعها؛ لأن القاموس لا ينص إلا على شال به إذا رفعه، والعامة يقولون بدون تحرج: «شالوا الطعام» بمعنى رفعوه. فلننظر كيف رفع هذا التعبير منذ عشرة قرون في قول التنوخي:
    ما تسمح نفسي بطريق التشعيب على هذا الحب، شيلوه.٢٧
    وقوله: «وقام أبو جعفر، وقمنا، وشيلت المائدة.»٢٨
    وقوله: «فشالني الجيران إلى منزلي.»٢٩
  • (د)
    والعامة يقولون: «اخرج برا»؛ أي إلى الخارج، وقد ورد هذا التعبير في قول التنوخي:
    فاخرج إلى برا حتى أصعد أكلمك من فوق.٣٠
  • (هـ)
    وفي الأقاليم المصرية تكثر كلمة «روزنة» وهي الفتحة في السقف أو في الحائط، وأكثر الكتاب يتحامون هذه اللفظة؛ ظنًّا منهم أنها عامية مع أنها موجودة في كلام التنوخي إذا يقول:
    فخرج وجلس ينظر أن يخاطبه من روزنة في الدار إلى الشارع.٣١
  • (و)
    وكلمة «بطال» كثيرة الوقوع في لغة التخاطب، ولكن قلما يستعملها الكتَّاب، وكانت قديمًا مستعملة في اللغة الفصيحة، وحكاها التنوخي فقال على لسان أحمد بن محمد المدائني يحاور بعض الصوفية:
    أخبرني إذا كنت شيخًا في معناك، حلسًا في ذات نفسك، فأصاب يافوخك تقطيع يعرقب خرزك على سبيل العلم، وكنت تحت الإدارة، هل يضر أوصافك شيء من تعطفك بحبل القدرة، يا بطال!٣٢
  • (ز)
    والعامة يستعملون كلمة «أذية» بمعنى إيذاء، وقد وقعت في كلام التنوخي إذ قال:
    فأردت أذية ابن الحارث.٣٣
  • (ح)
    وكلمة «صبية» بمعنى فتاة كانت مستعملة في اللغة الفصيحة، وقد جاء في كلام التنوخي على لسان عريب:
    روِّ هاتين الصبيتين الشعر.٣٤
  • (ط)
    وعوام مصر يقولون: «جرف الأموال» بمعنى انتهبها، وهي كذلك في نشوار المحاضرة في قصة وقعت في مصر.٣٥
  • (ي)
    والعوام يستخفون حذف نون الرفع في «يفعلون» و«تفعلين»، والتنوخي يجري ذلك في اللغة الفصيحة فيقول:
    فبعث في جمعها والرسل تكدني بالاستعجال، والقهارمة يستبطئوني.٣٦
  • (ك)

    وكلمة «ست» بمعنى سيدة، كانت مستعملة في اللغة الفصيحة، وكان ظني أنها لم تستعمل إلا في مصر، حيث يقدر أنها كلمة مصرية قديمة، ولكني رأيتها قد استعملت كذلك في بغداد، وإليك الشواهد الآتية: «فقلت لها: يا ستي إني قد عملت أبياتًا أشتهي أن تصنعي فيها لحنًا.»

    «كنت مملوكًا روميًّا فمات مولاي فعتقني، فحصلت لنفسي رزقًا برسم الرجالة وتزوجت بستي زوجة مولاي، وقد علم الله أني لا أتزوجها إلا لصيانتها لا لغير ذلك.»٣٧
    «فقال لها يومًا: بالله يا ستي غني.»٣٨

    والمسيو مرسيه يرجح أن كلمة «ستي» مخففة عن «سيدتي»، لا أنها منقولة عن «ست» المصرية بدليل استعمالها في بغداد، ولست أرى ما يمنع أن تكون انتقلت إلى بغداد عن طريق المصريين.

  • (ل)
    والعوام يقولون: «ما علينا من فلان»، وهي في الأصل عبارة فصيحة، وانظر قول التنوخي:
    فدخل عليه غلمانه فقالوا: يا سيدنا! الوزير مجتاز في شارعنا. فقال: ما علينا منه!٣٩
  • (م)
    والعامة يقولون أحيانًا: «هاتُم» في مكان «هاتوا» وقد وقعت في كلام التنوخي على لسان العضد:
    هاتم أعمدة الخيم الكبار الثقال،٤٠ هاتم فلانًا الطيبي.٤١
    وفي موطن آخر: «هاتم فلانًا الكاتب.»٤٢

وما نريد أن نسرف في الاستقصاء، وفيما أسلفناه ما يكفي للإبانة عن مرونة التنوخي وقدرته على التصرف في فنون الكلام، وفي هذه الشواهد مقنع لمن يريد أن يعرف كيف تطورت التعابير، وكيف امتزج العامي بالفصيح.

بقي علينا أن نشير إلى بعض ما اشتمل عليه نشوار المحاضرة من طرائف الأخبار، وهو كما قدمنا يرجع إلى عدة ألوان؛ منها الحلو والمر، والجد والهزل، فمن خير ما فيه من الجد ما كتب المؤلف خاصًّا بالحسن بن علي زيد المنجم إذ قال بعد كلام:
فكنت إذا جئته — وهو إذ ذاك على غاية الجلالة وأنا في حدِّ الأحداث — اختصني، وكان يعجبه أن يقرَّظ في وجهه، فأفاض قوم في مدحه، وذكر عماراته للوقوف والسقايات، وإدارة الماء في ذنابة المسروقان،٤٣ وتفريقه مال الصدقات على أهلها، وذنبت٤٤ معهم في ذلك، فقال لي هو: يا بني، أرباب هذه الدولة إذا حدثوا عني بهذا وشبهه قالوا: النجم إنما يفعل هذا رياء. وما أفعله إلا لله تعالى، وإن كان رياء فهو حسن أيضًا، فلِمَ لا يراءون بمثل هذا الرياء؟ ولكن الطباع خست حتى الحسد أيضًا، كان الناس قديما إذا حسدوا رجلًا على يساره حرصوا على كسب المال حتى يصيروا مثله، وإذا حسدوه على علمه تعلموا حتى يضاهوه، وإذا حسدوه على جوده بذلوا حتى قيل: إنهم أكرم منه،٤٥ فالآن لما ضعفت الطباع، وصغرت النفوس، وعجزوا عن أن يجعلوا أنفسهم مثل من حسدوه في المعنى الذي حسدوه عليه، عدلوا إلى تنقص المبرز، فإن كان فقيرًا سعوا على فقره،٤٦ وإن كان عالمًا خطَّئوه، وإن كان جوادًا قالوا: هذا متاجر بجوده وبخلوه، وإذا كان فعالًا للخير قالوا: هذا مراءً.٤٧

ففي هذه الفقرات تحليل دقيق لطبائع الناس، ونرى المنجم مع حبه لحسن السمعة وبعد الصيت يذكر أنه يعمل ما يعمل ابتغاء مرضاة الله. والواقع أن الموفَّقين لعمل الخير قلما يسلمون من حب المدح والثناء، والطبيعة البشرية أضعف من أن تقبل على الخير المطلق، فكل محسن يحب أن يذكر إحسانه بالجميل، مهما أخلص لله، وعلى الجماهير أن تفهم ذلك، وأن لا تضن على المحسنين بمظاهر التبجيل؛ فإنه لا شيء أقتل لنوازع الخير في نفوس الكرماء من نكران الصنيع، وقد أفصح عن هذا يحيى بن طالب إذ قال:

يزهِّدني في كل خير صنعتهُ
إلى الناس ما جربت من قلة الشكرِ

ونرى المنجم بعد ذلك يعود إلى نقد طباع الناس فيذكر أنها خست وضعفت، وأن رذائلهم كان فيها قديمًا شيء من النفع، حين كان الحسد يحملهم على مباراة من يحسدون في ميادين العلم والسخاء والمال، فقد كان الحسد من البواعث على الجد والتحصيل، ثم خبت ناره، وصار علالة يتلهى بها ضعفاء العزائم وصغار النفوس.

ومن طرائف الأقاصيص الجدية ما نقله مرويًّا عن رهب بن منبه أنه كان في عهد بني إسرائيل خمَّار يسافر بخمر له، ومعه قرد، وكان يمزج الخمر بالماء نصفين، ويبيعه بسعر الخمر، والقرد يشير إليه ألا تفعل، فيضربه، فلما فرغ من بيع الخمر وأراد الرجوع إلى بلده ركب البحر وقرده معه، وخرجٌ فيه ثيابه والكيس الذي جمعه من ثمن الخمر، فلما صار في البحر استخرج القرد الكيس من موضعه، ورقي الدقل وهو معه حتى صار في أعلاه، ورمى إلى المركب بدرهم وإلى البحر بدرهم، فلم يزل ذلك دأبه حتى قسَّم الدراهم نصفين، فما كان بحصة الخمر رمى به إلى المركب فجمعه صاحبه، وما كان بحصة الماء رمى به إلى البحر فهلك، ثم نزل عن الدقل.٤٨

ونشير أولًا أن هذه الأقصوصة تخرج عن شرط نشوار المحاضرة، وإن لم يشر المؤلف إلى ذلك، فإن من المؤكد أن أخبار وهب بن منبه وأكثر الإسرائيليات كانت دونت قبل القرن الرابع.

ومغزى هذه الأقصوصة واضح؛ فإن واضعها يريد أن يقرر في الأذهان أن فكرة الخير والشر والحرام والحلال لا تخفى على أحد، وأنها مفهومة عند القرود، في وقت لم يكن فيه من يرى أن القرد أصل الإنسان، أو هو إنسان فاته الترقي والنهوض، والأقصوصة ظريفة في وضعها وفي الخيال الذي صبَّت فيه، ولا سيما إذا لاحظنا أن عند القرد جوانب مضيئة في ذهنه، وأن له من الشمائل الإنسانية نصيبًا غير قليل، وفي الأقصوصة تسجيل لطرائق اليهود في جمع المال عن طريق المكسب الخبيث، وكذلك يفعلون.

ومن الأخبار الدالة على قوة النفس أن أخا بابك الخرمي المازيار قال له لما أُدخلا على المعتصم: يا بابك، إنك قد عملت ما لم يعمله أحد، فاصبر الآن صبرًا لم يصبره أحد. فقال له: سترى صبري! فلما صارا بحضرة المعتصم أمر بقطع أيديهما وأرجلهما بحضرته، فبُدئ ببابك فقطعت يمناه، فلما جرى دمه مسح به وجهه كله حتى لم يبق من حيلة وجهه وصورة سحنته شيء، فقال المعتصم: سلوه لِمَ فعل هذا؟ فسئل فقال: قولوا للخليفة: إنك أمرت بقطع أربعتي، وفي نفسك قتلي، ولا شك أنك لا تكويها وتدع دمي ينزف إلى أن تضرب عنقي، فخشيت أن يخرج الدم مني، فتبقى في وجهي صفرة يقدر لأجلها من حضر أني قد فزعت من الموت، وأنها لذلك لا من خروج الدم، فغطيت وجهي ما مسحته عليه من الدم حتى لا تبين الصفرة.

فقال المعتصم: لولا أن أفعاله لا توجب العفو عنه لكان حقيقًا بالاستبقاء لهذا الفضل وأمره بإمضاء أمره فيه؛ فقطعت أربعته ثم ضربت عنقه، وجعل الجميع على بطنه، وصب عليه النفط وضرب بالنار، وفعل مثل ذلك بأخيه، فما كان فيهما من صياح أو تأوهٍ.٤٩

وأمثال هذه الأخبار تفسر لنا السر في عنف الثورات التي كانت تهدد الحكومات الإسلامية، فقد كان هناك مطامع، وكانت عزائم أقسى من الصخر وأمضى من السيوف، وفي أخبار تلك النفوس الطاغية ما يفسر لنا أيضًا كيف كانت الحكومات الإسلامية تعمد دائمًا على قادة من الطغاة المستبدين، فإنه لا يفل الحديد إلا الحديد، ولكل عراقٍ حجاج!

وفي نشوار المحاضرة أخبار كثيرة من أريحية الوزراء وسخائهم، من ذلك من نقل المؤلف عن أبيه أنه سمع القاضي أبا عمر يقول: عرض إسماعيل القاضي وأنا معه على عبيد الله بن سليمان رقاعًا في حوائج الناس فوقع فيها، فعرض أخرى وخشي أن يكون قد ثقل عليه فقال له: إن جاز أن يتطوَّل الوزير أعزه الله بهذا، فوقع له، فعرض أخرى وقال: إن أمكن الوزير أن يجيب إلى هذا، فوقع له، فعرض أخرى وقال: إن سهل على الوزير أن يفعل ذلك، فوقع له، فعرض أخرى وقال شيئًا من هذا الجنس، فقال له عبيد الله: يا أبا إسحاق! كم تقول إن أمكن وإن جاز وإن سهل؟ من قال لك: إنه يجلس هذا المجلس ثم يتعذر عليه فعلُ شيء على وجه الأرض من الأمور فقد كذبك، هات رقاعك كلها في موضع واحد. قال: فأخرجها إسماعيل من كمه وطرحها بحضرته فوقع فيها، وكانت مع ما وقع فيه قبل الكلام نحو ثمانين رقعة.٥٠

وفي مثل هذا الخبر — إن صحت تفاصيله — ما يبين كيف تضعضعت الحكومات الإسلامية وتداعت في زمن قليل، فقد كان الوزراء مفتونين بالمجد الكاذب والحمد المصنوع.

ولا ننسَ أن أمثال هذه الرقاع التي كان يمضيها الوزراء بلا تردد كانت ترجع إلى الاستجداء، وكان الوزراء يعرفون أن أتباعهم يستفيدون من قضاء حوائج الناس، وفي نشوار المحاضرة نصوص تدل على أن الرشوة كانت شيئًا مفهومًا في مكاتب الوزراء.٥١

وشيوع الرشوة بين طبقات الحكام يفسر لنا غوامض التاريخ الإسلامي، فقد أكثر المؤرخون القول في نكبة البرامكة مثلًا، وردُّوها إلى أصول أكثرها صحيح، ولكن أكبر الأسباب — فيما أفترض — هو إقبال ذي الحاجات على البرامكة، كان لذلك الإقبال ربح مستور يجهله بعض الناس ويعرفه الرشيد، ولهذا السبب عينه نرى كيف كان الخلفاء يستصفون أموال عمالهم ووزرائهم حين يغضبون عليهم، وكانت مصادرة أموال الحكام المغضوب عليهم لا تجد من يتفرغ لها من الجمهور الذي كان يعرف أنها جمعت من الحرام.

ونستطيع أن نفهم من هذا كيف كان فريق من ذوي الدين والمروءة ينفر من المناصب العمومية، وخاصة منصب القضاء، وأهل العصر الحاضر لا يفهمون هذا حق الفهم؛ لأن رقابة الجمهور عن طريق الصحافة كبحت كثيرًا من جشع الحكام والوزراء، وكشفت عورات كثير من المنافقين الذين يدعون نقاء الأيدي والسرائر، والله بما يضمرون عليهم!

ومن طريف ما في نشوار المحاضرة حديث القاضي أبي يوسف مع زوجته حين كان فقيرًا، فقد نقل أن أبا يوسف صحب أبا حنيفة لتعلم العلم على فقر شديد، فكان ينقطع بملازمته عن طلب المعاش، فيعود إلى منزل مختل، وأمر قل، فطال ذلك، وكانت امرأته تحتال له ما يقتاته يومًا بيوم، فلما طال ذلك عليها خرج إلى المجلس وأقام فيه يومه، وعاد ليلًا فطلب ما يأكل، فجاءت بغضارة مغطاة، فكشفها فإذا فيها دفاتر، فقال: ما هذا؟ قالت: هذا ما أنت مشغول به نهارك أجمع، فكُلْ منه ليلًا! فبكى وبات جائعًا، وتأخر من غد عن المجلس حتى احتال ما أكلوه، فلما جاء إلى أبي حنيفة سأله عن تأخره فصدقه، فقال: ألا عرفتني فكنت أمدك؟ ولا يجب أن تغتم، فإنه إن طال عمرك فستأكل بالفقه اللوزينج بالفستق المقشور. قال أبو يوسف: فلما خدمت الرشيد واختصصت به قُدِّمَتْ بحضرته يومًا جامة لوزينيج بفستق، فحين أكلت منها بكيت وذكرت أبا حنيفة، فسألني الرشيد عن سبب ذلك فأخبرته.

وهذا الحديث من أظرف ما يتأسى به طلبة العلم الذين يرجون أن يغنيهم الله بعد فقر، ويرفعهم بعد خمول.

وقد ذكر التنوخي السبب الذي اتصل به أبو يوسف بالرشيد،٥٢ فأرانا أن أبا يوسف كان يتلطف بعض الشيء في فتاويه ليخرج أميره من بعض المحرجات. وهذا بالطبع جانب ضعيف من أبي يوسف ومن الرشيد، ولكن أين نحن من أولئك الناس! أولئك قوم كانوا يشعرون بمعاني الحلال والحرام، ويلتمسون لضمائرهم وسائل الهدوء في ظلال التأويلات.

أما أهل العصر الحاضر فقد انصرفوا عن استفتاء الفقهاء فيما يجزيهم من أزمات الضمائر والقلوب، وصار أكثر الناس لا يبالي ما حرَّمت الشرائع وما حللت من مختلف الشئون، وعاد الأمر كله إلى القوانين الوضعية؛ بحيث لا خطر على الجاني إلا أن يؤخذ، ولا عاصم لصاحب الحق إلا أن يكون بيده عهد مكتوب!

ويظهر من نشوار المحاضرة أن المتقدمين كانوا يستكثرون أن يكون للقضاة هوى وتشبيب، فقد جاء فيه أن أبا إسحاق الزجاج قال:

كنا ليلة بحضرة القاسم بن عبيد الله وهو وزير فغنت جاريته بدعة:

أدلَّ فأكرم به من مدلّْ
ومن ظالم لدمي مستحلّْ
إذا ما تعزز قابلتهُ
بذلٍّ وذلك جهد المقلّْ
فأدت فيه صنعة حسنة، فطرب القاسم عليه طربًا شديدًا، واستحسن الصنعة والشعر، وأفرط في وصف الشعر، فقالت بدعة: يا مولاي، إن لهذا الشعر خبرًا أحسن منه. قال: ما هو؟ قالت: هو لأبي حازم القاضي! قال: فعجبنا من ذلك مع شدة تقشف أبي حازم وورعه وتقبضه. فقال لي الوزير: بالله يا أبا إسحاق، بكِّر إلى أبي حازم واسأله عن هذا الشعر وسببه. فباكرته وجلست حتى خلا وجهه ولم يبق إلا رجل بزي القضاة عليه قلنسوة، فقلت له: بيننا شيء أقوله على خلوة. فقال: قل، فليس هذا ممن أكتم. فقصصت عليه الخبر، وسألته عن الشعر والسبب، فتبسم وقال: هذا شيء كان في الحداثة قلته في والدة هذا — وأومأ إلى القاضي الجالس فإذا هو ابنه — وكنت إليها مائلًا، وكانت لي مملوكة ولقلبي مالكة، فأما الآن فلا عهد لي بمثله منذ سنين، ولا عملت شعرًا منذ دهر طويل، وأنا استغفر الله مما مضى. قال: فوجم الفتى وخجل حتى ارفضَّ عرقًا. وعدت إلى القاسم فأخبرته فضحك من خجل الابن وقال: لو سلم من العشق أحد لكان أبو حازم.٥٣

والفكرة في ذاتها مقبولة، فإن العشق والتشبيب من ألوان المرح التي قضى العرف باستهجان صدورها من القضاة، على أن عواطف الحب كانت تهتاج كثيرًا من قضاة المسلمين، وكتب الأدب مملوءةٌ بأخبارهم في هذا الباب، من أجل ذلك أرجح أن عجب ذلك الوزير وأصحابه من غزل أبي حازم لم يكن مصدره أنه قاض لا يصح أن يتغزل، وإنما كان لأن أبا حازم اشتهر بالتقى والتصون حتى صار من المستغرب أن ينسب إليه حب أو تشبيب. أما خجل الابن فمصدره — فيما أظن — أن أباه صرح بأن أمه كانت مملوكة له، وأنه تزوجها طاعة للهوى.

وفي نشوار المحاضرة أخبار تدل على أن الغناء لم يكن من العمل المقبول، بحيث كان القيان يحتجْن إلى التوبة إن كتب الله لهن التوفيق، وفي ذلك يقول المؤلف: «أخبرني من أثق به أن إبراهيم بن المدبر قال: كنت أتعشق عريب دهرًا طويلًا، وأنفق عليها مالًا جليلًا، فلما قصدني الزمان، وتركت التصرف ولزمت البيت، كانت هي أيضًا قد أسنَّت وتابت من الغناء وزمنت، فكنت جالسًا يومًا إذ جاء بوابي وقال: طيار عريب بالباب، وهي فيه تستأذن. فعجبت من ذلك وارتاع قلبي إليها، فقمت حتى نزلت بالشط، فإذا هي جالسة في طيارها، فقلت: يا ستي! كيف كان هذا؟ قالت: اشتقت إليك، وطال العهد، فأحببت أن أجدده وأشرب عندك اليوم! قلت: فاصعدي. قالت: حتى تجيء محفتي. قال: فإذا بطيار لطيف قد جاء وفيه المحفة، فأجلست فيه وأصعدتها الخدم، وتحدثنا ساعة، ثم قدم الطعام فأكلنا، وأحضر النبيذ فشربتُ وسقيتها فشربت، وأمرت جواريها بالغناء، وكان معها منهن عدة محسنات طياب حذاق، فتغنين أحسن غناء وأطيبه، فطربت وسررت، وقد كنت قبل ذلك بأيام عملت شعرًا، وأنا مولع في أكثر الأوقات بترديده وإنشاده، وهو:

إن كان ليلك نومًا لا انقضاء لهُ
فإن جفنيَ لا تثني لتغميض
كأن جنبيَ في الظلماء تقرضه
على الحشية أطراف المقاريض
أستودع الله من لا أستطيع لهُ
شكوى المحبة إلا بالمعاريض
فقلت لها: يا ستي! إني عملت أبياتًا أشتهي أن تصنعي فيها. فقالت: يا أبا إسحاق! مع التوبة؟ قلت لها: فاحتالي في ذلك.» إلى آخر الحديث.٥٤

والواقع أن الغناء كان موضع خلاف عند علماء المسلمين، ولهم في إباحته وتحريمه أقاويل، نجد صداها عند الغزالي مثلًا في كتاب الإحياء، وكره الغناء والتحرُّز من مصاحبة المغنين قد تغلغل في كثير من البيئات الإسلامية، وكان في فقهاء الإسلام من يقول بتكسير آلات الموسيقى والطرب، وقد شرحت ذلك ونقدته في كتاب «الأخلاق عند الغزالي»، ويكفي أن أشير هنا إلى أن ثورة الوهابيين على الموسيقا وآلاتها ليس إلا بعثًا لما كان يراه كثير من فقهاء الأقدمين، فالفكرة قديمة، وإنما تتطور وتتحول من وضع إلى وضع وفقًا لتطوُّر الظروف وتحوُّل الأذواق.

هوامش

(١) ص٦٢، س١٦.
(٢) ص٨٦، س١٤.
(٣) ص١٦.
(٤) ص٢١٦، ٢٣٥.
(٥) ص٢٧٤.
(٦) (٢ / ١٦٣) من الطبعة الأولى.
(٧) (٦ / ٦٠، ١٩٠).
(٨) (١ / ٩٤).
(٩) في يوليه سنة ١٩٣٠.
(١٠) المثافنة: المحاورة.
(١١) ص٨.
(١٢) ص٧.
(١٣) ص٨.
(١٤) الواقع أن ياقوت لم يخطئ حتى يتابعه مارجوليوث على الخطأ؛ فقد جاء في ياقوت أن التنوخي ابتدأ نشوار المحاضرة سنة ٣٦٠، فكتبها مارجوليوث ٣٦، وانبنى على ذلك توهمه أن التنوخي ابتدأ كتابه سنة ٣٣٦.
(١٥) ص١٠، ٢٩.
(١٦) ص٩.
(١٧) ص٩٧.
(١٨) ص٩٧.
(١٩) ص٢١٤.
(٢٠) ص١٨.
(٢١) ص٢١٣.
(٢٢) ص١٢٦.
(٢٣) ص١٢٦.
(٢٤) ص٢٧١.
(٢٥) ص١٩١.
(٢٦) ص٣٥.
(٢٧) ص١٤١.
(٢٨) ٢٣٢.
(٢٩) ص١٥٢.
(٣٠) ص٩١.
(٣١) ص٩١.
(٣٢) ص٥٤.
(٣٣) ص١٣٩.
(٣٤) ص١٣٢.
(٣٥) انظر: ص٢٦٢.
(٣٦) ص١٤٣.
(٣٧) ص٣٣٦.
(٣٨) ص٥٥.
(٣٩) ص٢١٤.
(٤٠) ص٧٤.
(٤١) ص١٤١.
(٤٢) ص٤٥.
(٤٣) المسروقان: نهر بخوزستان، والذنابة بالضم وتكسر: طرف الوادي.
(٤٤) على الصواب: ذهبت معهم في ذلك.
(٤٥) «حتى قيل» كذا في الأصل، وظاهر أن السياق يستوجب «حتى يقال».
(٤٦) علها شنعوا.
(٤٧) ص١٣، ١٤.
(٤٨) ص١٠٠.
(٤٩) ص٧٥.
(٥٠) ص٤٦.
(٥١) انظر ص٤٣، ٤٥، ٤٦.
(٥٢) ص١٢٤، ١٢٥.
(٥٣) ص٥٠، ٥١.
(٥٤) ص١٣١–١٣٣.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤