الفصل السادس

أبو بكر الباقلاني

لم يصل إلينا من آثار أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني١ إلا كتابه «إعجاز القرآن»، وفي بقاء هذا الكتاب مع ضياع سائر ما وضعه المؤلف دليل على أن معاصريه كانوا اهتموا بنسخه ومدارسته فسلم بذلك من الضياع، ونحن وإن لم نر من مؤلفات الباقلاني غير كتابه في إعجاز القرآن فإنا نستطيع الحكم بأنه خير كتبه؛ لأنه في موضوع خطير جدًّا كان يستوجب من مثله حماسة واستعدادًا بالغين، فقد كان بعض الناس في عصره يرتابون في إعجاز القرآن، وكان في ارتيابهم ما يسوقه إلى درس الإعجاز من جميع أطرافه، ودفع الشبه التي كان يذيعها الملحدون في الحواضر الإسلامية، وإنه ليمثل لنا الأزمة العقلية التي أطبقت على معاصريه إذ يقول:
ومن أهم ما يجب على أهل دين الله كشفه، وأولى ما يلزم بحثه، ما كان لأصل دينهم قوامًا، ولقاعدة توحيدهم عمادًا ونظامًا، وعلى صدق نبيهم برهانًا، ولمعجزته ثبتًا وحجة، لا سيما والجهل ممدود الرواق، شديد النفاق، مستولٍ على الآفاق. والعلم إلى عفاء ودروس، وعلى خفاء وطموس، وأهله في جفوة الزمن البهيم، يقاسون من عبوسه لقاء الأسد الشتيم، حتى صار ما يكابدونه قاطعًا عن الواجب من سلوك مناهجه، والأخذ في سبله، فالناس بين رجلين؛ ذاهب عن الحق ذاهل عن الرشد، وآخر مصدود عن نصرته مكدود في صنعته، فقد أدى ذلك إلى خوض الملحدين في أصول الدين، وتشكيكهم أهل الضعف في كل يقين، وقد قل أنصاره، واشتغل عنه أعوانه، وأسلمه أهله، فصار عرضة لمن شاء أن يتعرض فيه حتى عاد مثل الأمر الأول على ما خاضوا فيه عند ظهور أمره؛ فمن قائل: إنه سحر، وقائل يقول: إنه شعر، وآخر يقول: إنه أساطير الأولين … إلخ.٢

وليس في هذه الفقرة شيء جديد، فإن شكوى الزمان من الظواهر الإنسانية التي يجدها المطلع في أكثر ما أثر عن القدماء والمحدثين، ورجال الدين خاصة يكثرون من التبرم بمعاصريهم ووصفهم بالزيغ والإلحاد والفسوق، فليس معنى هذا الكلام أن أهل القرن الرابع كانوا أكثر الناس شبهات وأضاليل، ولكن معناه أنهم كانوا كذلك في نفس المؤلف، وفي هذا ما يدفعه إلى التأهب لمناضلة المرتابين في إعجاز القرآن.

ونحب في بداية هذا الفصل أن نحدد موقفنا في درس كتاب الباقلاني عن الإعجاز، ونقرر — في صراحة — أننا لا نريد عرض مسألة الإعجاز على بساط البحث من جديد، وإنما يهمنا أن نتبين كيف كان القدماء يفهمون النقد، وكيف كانت مذاهبهم في وزن الكلام البليغ، فكتاب الباقلاني في نظرنا صورة للحياة الأدبية في أنفس الناقدين من رجال القرن الرابع، وليس حجة في تقدير القرآن؛ لأن وزنه أخف من أن يفصل في تلك المسألة الدقيقة؛ مسألة الكلام المعجز الذي يسمو ببلاغته على ما يتطلع إليه فرسان الفصاحة والبيان.

وهناك جانب آخر لا نذكر أن من الباحثين من أشار إليه؛ وهو جمع المحاولات الأدبية التي حاولها خصوم القرآن، ففي تلك المحاولات صورة من صور النقد لها قيمة في أنفس من يعنون بتاريخ الآداب، ونحن كمؤرخين للأدب يهمنا أن نستقصي جهد الطاقة ما تناثر هنا وهناك من محاولات الناقدين بدون تفريق بين الخطأ والصواب، فإن ذلك في جملته يمكننا من درس الحياة الأدبية دراسة علمية بعيدة عن مطارح الأوهام والظنون.

من ذلك ما حدثنا الباقلاني أنه نقل إليه أن من خصوم القرآن من «جعل يعدله ببعض الأشعار، ويوازن بينه وبين غيره من الكلام ولا يرضى بذلك حتى يفضله عليه.»٣ ففي هذ الخبر ظاهرة أدبية خطيرة ينبغي أن نقيد أنها وقعت في القرن الرابع. ولو أن الباقلاني بين لنا كيف كانت تلك المعادلات والموازنات لاستطعنا أن نعرف إلى أي حد كانت تلك المحاولات تتصل بتاريخ النقد الأدبي، ولكن ما صنعه الباقلاني نفسه في نقد امرئ القيس والبحتري يحدد لنا ذلك المنهج بعض التحديد؛ فقد عرض لأشهر قصيدة نسبت إلى امرئ القيس وهي المعلقة فنقدها بيتًا بيتًا بعد أن أشار إلى أنه لا يرتاب في جودة شعر امرئ القيس ولا يشك في براعته وفصاحته، وما أبدع في طرق الشعر من أمور اتُّبع فيها كذكر الديار والوقوف عليها، وما يتصل بذلك من التشبيه الذي أحدثه، والتلميح الذي يوجد في شعره، والتصرف الكثير الذي يصادف في قوله، والوجوه التي ينقسم إليها كلامه؛ من صناعة وطبع وسلاسة وعلو ومتانة ورقة.

ولم ينقد الباقلاني معلقة امرئ القيس إلا ليبين للقارئ أن تلك القصيدة ونظائرها تتفاوت في أبياتها تفاوتًا بينًا في الجودة والرداءة، والسلاسة والانعقاد، والسلامة والانحلال، والتمكن والتسهل، والاسترسال والتوحش والاستكراه، فهي على ذلك كلام ينحت من الصخر تارة، ويذوب تارة، ويتلون تلون الحرباء، ويختلف اختلاف الأهواء، ويكثر في تصرفه اضطرابه وتتقاذف به أسبابه، ومثل هذا الكلام لا يقارَن بالقرآن الذي يصفه بأنه «قول يجري في سبله على نظام، وفي وصفه على منهاج، وفي وضعه على حد، وفي صفاته على باب، وفي بهجته ورونقه على طريق مختلفة مؤتلفة، ومؤتلفة متحدة، ومتباعدة متقاربة، وشارده مطيع، ومطيعه شارد، وهو على متصرفاته واحد؛ لا يستصعب في حال ولا يتعقد في شأن.»

ونتيجة هذا — من وجهة تاريخية — أن الباقلاني ومعاصريه رأوا أنه في الإمكان أن يوازنوا بين قصيدة من الشعر وسورة من القرآن، وإن لم يتحد الموضوع، وسبيل ذلك أن تبين محاسن القصيدة ومساويها، ويشرح فيها المبتذل والطريف والمقبول والمرذول، ثم يقابل ما سلم فيها بالسورة التي توازيها في الكمية ليظهر ما في السورة من المحاسن التي لم يشنها ضعف ولا تهافت ولا فضول.

وهذا النحو من النقد يعد من المحاولات البارعة في الأدب العربي، ولا عيب فيه إلا التحامل والإسراف، فإن خصوم القرآن كانوا يأبون إلا الوصول إلى شواهد يحكمون لها بالفضل، والباقلاني كان يعمد إلى القصائد التي يعرف فيها الضعف ليصل دائمًا إلى الحكم للقرآن بالفضل، وقد بلغ به التحامل أن طعن في قول البحتري:

ما الحسن عندك يا سعاد بمحسن
فيما أتاه ولا الجمال بجمل

وزعم أن أسلم منه وأبعد من الخلل قول كشاجم:

بحياة حسنك أحسني وبحق من
جعل الجمال عليك وقفًا أجملي
مع أن الذي يفهم الشعر ويتذوقه يحكم بأن بيت كشاجم هذا لا يصح أن يقارن ببيت البحتري إلا عند غُلف القلوب، وأغرب من هذا الشطط أن ترى الباقلاني يأخذ في نقد بيت البحتري فيقول:

قوله: «عندك» حشو وليس بواقع ولا بديع وفيه كلفة، والمعنى الذي قصده أنت تعلم أنه متكرر على لسان الشعراء، وفيه شيء آخر لأنه يذكر أن حسنها لم يحسن في تهييج وجده وفي تهييم قلبه، وضد هذا المعنى هو الذي يميل إليه أهل الهوى والحب.

هذا كلام الباقلاني، وهو كلام سقيم يدل على أنه لم يفهم بيت البحتري على الإطلاق! وعلى هذا النمط من التحامل أفسد الرجل تلك الطريقة الجميلة؛ موازنة قصيدة من الشعر بسورة من القرآن، وكيف تنتظر العدل من حَكَمٍ يكتب صحيفة الاتهام على هواه؟

إن الذي يوازن بين قصيدة من الشعر وسورة من القرآن يجب عليه أن يكون مستعدًّا للحكم بالعدل، وهذا لا يتيسر لناقد يرى من همه أن يبحث عن مساوي القصيدة ويطمس محاسنها أو يتجاهلها أو يغض من قيمتها، وهو في مقابل ذلك يجد في البحث عن محاسن السورة القرآنية وإبراز مزاياها، ولا يستبيح لنفسه التفكير في وضع ألفاظها أو معانيها أو أغراضها أو أسلوبها موضع النقد، وهذا كافٍ في تجريح ما هموا به قديمًا من الموازنة بين أثرين؛ أحدهما من الشعر، وثانيهما من القرآن.

وتقع بعد ذلك مسألة شغل بها أكثر الباحثين في إعجاز القرآن؛ وهي إعجاز غير القرآن من كلام الله؛ كالتوراة والإنجيل والصحف الربانية.

ويجيب الباقلاني بأنه لا شيء من ذلك بمعجز في النظم والتأليف، وإن كان معجزًا كالقرآن فيما يتضمن من الإخبار بالغيوب، ويضيف إلى ذلك أنه لم يكن معجزًا؛ لأن الله لم يصفه بما وصف به القرآن، ولأنه لم يقع التحدي إليه كما وقع التحدي إلى القرآن.٤

ومعنى ذلك أن الباقلاني يرى أن غير القرآن من كلام الله لم يكن معجزًا؛ لأن الله لم يصفه بذلك، وتكون النتيجة أن نسبة الكلام إلى الله لا تعطيه صفة الإعجاز إلا إذا وصف الله كلامه به وتحدى المعارضين إليه كما تحداهم إلى القرآن.

ونحن نسأل: لماذا لم يصف الله التوراة والإنجيل بالإعجاز؟ ولماذا لم يمنح تلك الكتب المزية التي منحها القرآن؟

وقد توقع الباقلاني أن يوجه إليه هذا السؤال، وكذلك عرض لنا رأيًا له قيمته في فهم القدماء لخطر اللغة العربية ومقارنتها بما سبقها أو عاصرها من اللغات، وهو يرى أن اللغات التي كتبت بها التوراة والإنجيل لا يتأتى فيها من وجوه الفصاحة ما يقع به التفاضل الذي ينتهي إلى حد الإعجاز، وإنما يقع فيها التقارب في البيان.

فإن سأل القارئ: أكان الباقلاني يعرف من اللغات الأجنبية ما يمكنه من الحكم بأن اللغة العربية انفردت من بين سائر اللغات بالتفاضل في وجوه الفصاحة؟ فإنا نجيب بالنفي.

وهو نفسه يحدثنا بأنه رأى أصحابه يذكرون في هذا سائر الألسنة ويقولون: ليس يقع فيها من التفاوت ما يضمن التقديم العجيب.٥
وهنا يتطوع الباقلاني بشرح أسباب تفوق اللغة العربية فيقول:
ويمكن بيان ذلك بأنَّا لا نجد في القدر الذي نعرفه من الألسنة للشيء الواحد من الأسماء ما نعرفه من اللغة العربية، وكذلك لا نعرف فيها الكلمة الواحدة تتناول المعاني الكثيرة على نحو ما تتناوله العربية.٦
وهذا المعنى عرض له ابن فارس إذ قال:
إنا لو احتجنا أن نعبر عن السيف وأوصافه باللغة الفارسية لما أمكننا ذلك إلا باسم واحد، ونحن نذكر للسيف بالعربية صفات كثيرة، وكذلك الأسد والفرس وغيرهما من الأشياء المسماة بالأسماء المترادفة، فأين هذا من ذاك، وأين لسائر اللغات من السعة ما للغة العرب.٧

والفكرة في ذاتها سخيفة؛ لأن فضل اللغة العربية لا يرجع إلى ما فيها من كثرة المترادفات، إذ كانت هذه المترادفات من الثروات الضائعة لا يحتاج إليها إلا عند اللغو والتطويل، والقرآن نفسه الذي اتفقوا على سموه لم يعتمد على المترادفات في كثير ولا قليل، وإنما هو كلام طلق يجري إلى غاية في غير تعمل ولا اعتساف.

ومن غرائب المقارنات أن المسيو مرسيه استفاد من إجماع علمائنا القدماء على أن كثرة المترادفات من أهم خصائص اللغة العربية، فجاء أخيرًا وطعن لغتنا طعنة دامية في تقرير مطول قدمه إلى وزير المعارف في باريس زعم فيه أن اللغة العربية لغة «مائعة» لا تعرف تحديد الألفاظ ولا الصفات.٨

والمسيو مرسيه غير منصف في هذا الموضوع؛ لأنه في تقريره اهتم بجمع الهنات والعيوب، وكان الظن به أن لا يتناسى أن المترادفات التي كان منها خمسون اسمًا للحجر ومائة للسيف وخمسمائة للأسد ليست مترادفات جمعت من اللغة القرشية وهي أساس لغتنا العربية، وإنما هي كلمات «تصيدها» الرواة من مختلف أرجاء الجزيرة؛ حبًّا في المبالغة والإغراب.

فمن يبلغ الباقلاني وابن فارس أن ما كان غرة في زمانهم أصبح في زماننا من أعراض الأمراض.

وذلك التمحل من جانب الباقلاني ساقه إلى تقرير «أن الشعر لا يتأتى في تلك الألسنة على ما قد اتفق في العربية، وإن كان قد يتفق فيها في صنف أو أصناف ضيقة لم يتفق فيها البديع ما يمكن ويتأتى في العربية وكذلك لا يتأتى في الفارسية جميع الوجوه التي تتبين فيها الفصاحة على ما يتأتى في العربية».

وهذه التهم التي كان يوجهها القدماء إلى اللغات الأجنبية يقدمها الأجانب اليوم إلى اللغة العربية، فلغتنا في أذهان كثير من أهل الغرب والشرق لا يتأتى فيها الشعر على ما قد اتفق في الإنجليزية والفرنسية والألمانية مثلًا «وإن كان قد يتفق فيها في صنف أو أصناف ضيقة» فما أعجب ما تتشابه التهم على اختلاف الأجيال!

على أن كلام الباقلاني له دلالته ومعناه؛ فهو صريح في اعتزاز القدماء باللغة العربية، وإنا لنجد عند الجاحظ أصلًا لهذا القول وهو يحدثنا بأن الفرس والهند والروم كانت لهم خصائص لم يتفق مثلها للعرب، وأن العرب في مقابل ذلك انفردوا بالفصاحة والبيان.٩

وللقارئ أن يذكر أن هذا «الغرور القومي» كانت له مضار ومنافع، فمن مضاره أنه صرف العرب عن نقل الشعر الفارسي واليوناني؛ ظنًّا منهم أن في شعر امرئ القيس مثلًا غنى عن شعر هوميروس. ومن منافعه أنه أغراهم بالاعتزاز بشعرهم ولغتهم حتى ظنوا أن الإعجاز لا يتأتى وقوعه في غير اللغة العربية التي حسبوها تفردت بالتصرف في الاستعارات والإشارات.

وقد يكون حظ القدماء أجمل من حظنا في هذا الباب، فنحن اليوم نؤمن بأن اللغة العربية كسائر اللغات لا يتفق فيها الإعجاز لذاتها، وإنما يقع الإعجاز حيث تكون العبقرية في القلوب والعقول.

ونؤمن بأن في اللغات ضروبًا من التصرف في القول قد لا يتفق مثلها أحيانًا للغة العربية، ولكنا لم ننقل من الشعر الأجنبي شيئًا يقارب ما نقله أسلافنا من الفلسفة الأجنبية، وانصرف كثير من شبابنا عن دراسة الشعر القديم فحرموا من تراث الأسلاف وكان لهم فيه معين من الفن لا ينضب ولا يغيض.

ووقف المجددون في الشعر موقف التردد والحيرة؛ فلا هم عرب ينسجون على منوال الفرزدق والبحتري والمتنبي، ولا هم في طبعهم فرنجة يجيدون محاكاة بيرون وجوت ولامرتين.

وقد جاء في كتاب «إعجاز القرآن» ما يفيد أن القرآن ليس من جنس كلام العرب!

فما هي حجة الباقلاني؟ حجته أن العرب لم يأتوا بمثله، وأن منهم من خشع له بدون أن يدرك معناه، ومن أمثلة ذلك: أن جماعة بعثوا بعتبة بن ربيعة إلى الرسول — وكان عتبة حسن الحديث، عجيب الشأن، بليغ الكلام — فلما وصل إلى الرسول طمعًا في أن يأتي أصحابه بما عنده، قرأ عليه النبي سورة «حم. السجدة» من أولها حتى انتهى إلى قوله: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ.

فوثب عتبة مخافة العذاب.

قال الباقلاني: «فاستحكوه ما سمع، فذكر أنه لم يسمع منه كلمة واحدة ولا اهتدى لجوابه، ولو كان ذلك من جنس كلامهم لم يخف عليه وجه الاحتجاج والرد. فقال له عثمان بن مظعون: لتعلموا أنه من عند الله إذ لم يهتد لجوابه.»١٠

ذلك ما قرره الباقلاني، وما نحسب أحدًا يرتاب في أن ذا محض اختلاق؛ فإنه لا يعقل أن يؤمن الرجل بما لا يفهم، ومن المرجح أن مثل هذه الأقاويل مما وضعه الرواة والقصاص.

ويقول الباقلاني في موطن آخر:
وقد ذكرنا أن العرب كانت تعرف ما يباين عاداتها من الكلام البليغ؛ لأن ذلك طبعهم ولغتهم، فلم يحتاجوا إلى تجربة عند سماع القرآن … وقال تعالى: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ، فأخبر أنه لو كان أعجميًّا لكانوا يحتجون في رده؛ إما بأن ذلك خارج عن عرف خطابهم، أو كانوا يعتذرون بذهابهم عن معرفة معناه بأنهم لا يتبين لهم وجه الإعجاز فيه؛ لأنه ليس من شأنهم ولا من لسانهم، أو بغير ذلك من الأمور، وأنه إذا تحداهم إلى ما هو من لسانهم وشأنهم فعجزوا عنه وجبت الحجة عليهم.١١

والقارئ يرى تناقضًا بين هذه الفقرة وبين الفقرة التي نقلناها آنفًا، وهذا التناقض وقع بين سياقين فصل بينهما بنحو مائتي صفحة، فللباقلاني عذره حين غاب عنه هنا ما أثبته هناك.

فخلاصة الفقرة الأولى: أن القرآن ليس من جنس كلام العرب؛ لأنه اتفق لأحدهم أن خشع له بدون أن يستطيع حكاية لفظه أو معناه.

وخلاصة الفقرة الثانية: أن القرآن من جنس كلام العرب، ولولا ذلك لاحتجوا في رده بأنه خارج عن عرف خطابهم، أو اعتذروا بذهابهم عن معرفة معناه بأنهم لا يتبين لهم وجه الإعجاز فيه؛ لأنه ليس من شأنهم ولا من لسانهم.

ونحب أن نفصل رأينا في هذه المسألة ونحن نرى أن الفوارق بين اللغات تنحصر في الألفاظ والأساليب؛ فاللغة تكون غير عربية إذا كانت ألفاظها أو أساليبها أعجمية، وقد يتفق مثلًا أن نفتح كتابًا تركيًّا أو فارسيًّا فنرى إحدى صفحاته تغلب فيها الكلمات العربية، أو تكون بعض الجمل في ألفاظ عربية ولكننا لا نفهم شيئًا؛ لأن الأسلوب غير عربي.

وقد تكون جملة وضعت في ألفاظ أعجمية ورتبت في وضعها على الأسلوب العربي، ولكننا لا نفهمها؛ لأن ألفاظها غير عربية، ومن هنا يتضح أن العرب فهموا بلا جدال ألفاظ القرآن ومعانيه؛ لأنه عربي اللفظ والأسلوب، ولا عبرة بما حكاه الباقلاني من أن بعض العرب عجز عن تأدية ما سمعه من آي القرآن؛ لأن هذا يخالف المعقول والمنقول، ويناقض ما منَّ به القرآن على منكريه من أنه بلسان عربي مبين.

بقي نوع آخر من وجوه التفاضل في الكلام وهو المعنى، ونحن نرى أن سر الفصاحة والبلاغة يرجع إلى ما في المعنى من قوة وروح، ومن المتفق عليه أنه لا يكفي أن يكون المعنى صحيحًا ليكون الكلام بليغًا، ألا ترى أنه لا يوجد أصدق من قول من قال:

كأننا والماء من حولنا
قوم جلوس حولهم ماء

ولكن من الذي يقيم وزنًا لصدق هذا الكلام؟ إن هذا الصدق هو التفاهة بعينها، وقد رأى بعض النحاة أن البديهيات لا تسمى كلامًا، ومن رأي ذلك البعض أن من يقول: «السماء فوقنا والأرض تحتنا» لم يقل شيئًا، ولا يضاف ما يلفظ به إلى الكلام المفيد.

وعلى هذا لا يكفي أن يكون الكلام صادقًا ليكون بليغًا، وإنما يجب أن يكون مع صدقه طريفًا يستهوي العقل والقلب، ومن أمثلة ذلك قول قريط بن أنيف:

لو كنت من مازن لم تستبح إبلي
بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا
إذن لقام بنصري معشر خُشُنٌ
عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم
طاروا إليه زرافات ووحدانا
لا يسألون أخاهم حين يندبهم
في النائبات على ما قال برهانا
لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد
ليسوا من الشر في شيء وإن هانا
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة
ومن إساءة أهل السوء إحسانا
كأن ربك لم يخلق لخشيته
سواهمو من جميع الناس إنسانا
فليت لي بهمو قومًا إذا ركبوا
شدوا الإغارة فرسانًا وركبانًا

وهذه القطعة من بدائع الشعر العربي، وهي قطعة خالدة ستظل قوية بارعة ما بقي في العالم ناس يفهمون سر العربية، ومع هذا لا تستطيع أن تجد فيها ألفاظًا يعز على غير قائلها الوصول إليها، أو أسلوبًا في التعبير يتميز عن غيره من الأساليب، وجمالها كله يرجع إلى دقة المعنى وطرافته، وتخير الألفاظ تخيرًا يجعلها تتمثل في المعنى كتلة واحدة. فقوله مثلًا:

قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم
طاروا إليه زرافات ووحدانا

هذا البيت يمكن رجع طرافته إلى كلمة «أبدى ناجذيه» وكلمة «طاروا» وهاتان ليستا كلمتين، وإنما هما المعنى تجسم في لفظتين فرضهما السياق، وقوله:

لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد
ليسوا من الشر في شيء وإن هانا

فقوة هذا البيت ترجع إلى قوله: «وإن كانوا ذوي عدد»، وقوله: «وإن هانا»، وفيهما أيضًا يتجسم المعنى في قوة وروح، وقد بلغ هذا الشاعر أقصى غايات التهكم في قوله:

كأن ربك لم يخلق لخشيته
سواهمو من جميع الناس إنسانا

وقد تجد من الشعر ما تخلو معانيه وألفاظه من الروعة الظاهرة، ولكن قوة الروح تصل به إلى أسمى غايات الإبداع، ومثال ذلك قول حطان بن المعلى يشكو فقره وما وضع القدر في رجليه من قيود الأهل والذرية:

أنزلني الدهر على حكمه
من شامخ عالٍ إلى خفضِ
وغالني الدهر بوفر الغنى
فليس لي مال سوى عرضي
أبكاني الدهر ويا ربما
أضحكني الدهر بما يرضي
لولا بنيات كزغب القطا
رُددن من بعض إلى بعض
لكان لي مضطرب واسعٌ
في الأرض ذات الطول والعرض
وإنما أولادنا بيننا
أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبت الريح على بعضهم
لامتنعت عيني عن الغمض
وقوة هذا الشعر ترجع إلى الشاعر لا إلى اللفظ ولا إلى الأسلوب، ومن ذلك يتضح أن من يزعمون أن القرآن ليس من جنس كلام العرب لم يفهموا شيئًا من أسرار الإعجاز، ولذلك نراهم يدورون حول الظواهر والمحسنات اللفظية، فيقول بعضهم: إن العرب لم يكونوا يعرفون غير الأسجاع والأمثال فبهرهم القرآن؛ لأنه جاء على نمط غير الذي كانوا يعرفون من أنماط الأسجاع والأمثال، ويقول آخرون: إن العرب كانوا تارة يسجعون وتارة يترسلون فجاء القرآن فجمع بين السجع والترسل في نظام بديع. ويقول مؤلفو كتاب «المجمل» الذي قررت الوزارة تدريسه بالمدارس الثانوية: إن العرب لم يكونوا يعرفون غير الشعر وفنونه وأوزانه وأغراضه، فجاء القرآن ففاجأهم بلون من الأدب جديد.١٢

وهذا كما يرى القارئ يرجع إلى الناحية اللفظية أو الفنية، ونحن نرى غير ذلك؛ فنرى أن محمدًا عليه السلام اجتذب العرب لأنه نبي ولم يجتذبهم لأنه فنان، فالفن الكلامي لم يكن جديدًا عند العرب، وإنما كان الجديد عندهم أن يأتيهم رجل منهم بأساليب من الفكر والعقل والوجدان غير التي كانوا يألفون، ولو رجعنا إلى حزب المعارضة لعهد الرسول لرأيناه لا ينكر إلا ما جاء به القرآن من معان وأغراض، ولم يتعرض مطلقًا لما جاء به من ألفاظ وأساليب، فالمعركة كانت تدور رحاها حول ما في القرآن من الدعوة إلى توحيد الله — عز شأنه — وإفراده بالقدرة والجبروت، ولو تأملنا قليلًا لرأينا أن الذي يروعنا من الشاعر الواحد هو ما تنفرد به بعض قصائده أو أبياته من دقة المعنى أو طرافة الخيال.

ومن هنا صح للنقاد القدماء أن يقولوا عن بعض الشعراء: «لو قال هذا وسكت لكان أشعر الناس.»

وصح لهم أيضًا أن يقولوا: «أشعر الناس النابغة إذا رغب، والأعشى إذا شرب، وامرؤ القيس إذا طرب، وعمرو بن كلثوم إذا غضب.»

وهذا كلام دقيق جدًّا؛ لأنه يضيف قوة الشعراء إلى خصائصهم النفسية والروحية؛ فالشاعر شاعر لأنه يتحدث عن ذات نفسه وعن ضميره وروحه ووجدانه، فهو فيما يرجع إلى جوهر نفسه أفصح منه فيما يتعلق بنوافل الأغراض.

ولذلك كان هذا الشاعر أبلغ إذا مدح، وذاك أفصح إذا شبب، وذلك أفحل إذا تحمس، ولو استقرينا المنازعات الأدبية في الأمم التي نعرفها لرأيناها ترجع إلى المعاني والأغراض لا إلى الألفاظ والأساليب، فالنزاع في فرنسا مثلًا بين الكلاسيك والرومانتيك كان نزاعًا حول الفكرة؛ فالكلاسيك يرون أن الأغراض يجب أن تكون موضوعية (objectif) والرومانتيك يفضلون أن تكون الأغراض ذاتية (subjectif).

وفي مصر والشرق العربي كانت المنازعات الأدبية تدور حول الفكرة؛ فالنزاع الأدبي القديم بين محمد عبده ومعاصريه كان نزاعًا حول فكرة، والنزاع بين قاسم أمين ومعاصريه كان يدور حول فكرة، والخصومات العنيفة التي وقفت بين علي يوسف وعبد العزيز جاويش كانت حول فكرة، والنزاع القريب جدًّا بين الجديد والقديم كان نزاعًا حول فكرة، وما نحسب أحدًا ممن هاجموا المنفلوطي كان ينكر أن أسلوبه جيد، ولكن الذين هاجموه ادعوا أنهم يحاربون في شخصه فكرة المحافظة على قديم التقاليد.

ولا جدال في أن الألفاظ والأساليب تتلون وتتشكل بلون الفكرة التي تسيطر عليها، وعلى هذا الأساس وجد الأسلوب الجزل والأسلوب الرقيق، فالرقة والجزالة من مقتضيات المعاني لا الألفاظ، فالمعنى الجزل له لفظ جزل، والمعنى الرقيق له لفظ رقيق، فإذا غلبت الرقة على شاعر مثل البهاء زهير فمرجعها إلى الفكرة؛ لأنه شاعر وديع يعبر عن معانٍ وديعة يلهم أمثالها أصحاب الوداعة والرقة من الشعراء المترفين، وإذا غلبت الجزالة على شاعر مثل المتنبي فمرجعها أيضًا إلى الفكرة؛ لأنه شاعر طامع في أسمى ما يطمح إليه فحول الرجال وهو الملك والتغلب والسيطرة والسلطان.

أفبعد هذا البيان يدهش ناس مما أشرت إليه مرة من أن السلامة والتعقيد والرقة والجزالة والوضوح والغموض كلها صور للنفس الإنسانية التي تفصح عما يطيف بها من معان وأفكار وآراء وأغراض؟

وبعد هذا وذاك: أكان القرآن كلامًا من جنس كلام العرب أم كان لونًا من التعبير يختلف عما عرفوه وألفوه كل الاختلاف؟

هو كلام من جنس كلامهم ومن جوهره ومعدنه، ولكنه يمتاز بقوة المعنى وقوة الروح، فإن قيل: ولِمَ تعذر عليهم أن يأتوا بشيء من مثله؟ فإنا نجيب بأن القرآن نفسه فصل في هذه المسألة حين قال: فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ.

فلنتأمل جيدًا عبارة: إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ففيها الجواب كل الجواب، وهل كان في مقدور العرب أن يكونوا جميعًا أنبياء حتى يصلوا إلى ما وصل إليه مواطنهم وزعيمهم وسيدهم محمد بن عبد الله الذي صدقت كلمتهم فيه قبل نبوته حيث لقبوه بالصادق الأمين؟

وقد كان من القدماء من يرى أن البلاغة لا ترجع إلى المعاني؛ لأن المعاني في رأيهم يعرفها العربي والعجمي والقروي والبدوي، وإنما ترجع البلاغة إلى جودة اللفظ وصفائه.

ودليل ذلك عندهم أن الخطب والأشعار الرائعة ما عملت لإفهام المعاني فقط؛ لأن الرديء من الألفاظ يقوم مقام الجيد منها في الإفهام، وأن الكلام إذا كان لفظه حلوًا عذبًا، ومعناه وسطًا دخل في جملة الجيد، وإذا كان المعنى صوابًا واللفظ باردًا دخل في جملة المستهجن الملفوظ.١٣

أما نحن فنلقي العجم والقرويين جانبًا ونحصر البلاغة في جمهور المثقفين، ثم نقرر أن الألفاظ ملك للجميع يجدونها حيث أرادوا في المعاجم والدواوين، ولا يبقى موضعًا للجهد والعنت أو العبقرية إلا المعاني والأغراض، ومن العبث أن نظن أن البلاغة لا تخرج عن المناورات اللفظية، فإن هذا إسراف في تقدير الزخرف وامتهان لصولة العقول. إن الألفاظ في مقدور كل شاعر وكل كاتب وكل خطيب، ولكن المعجز حقًّا هو الفكرة، وليس معنى هذا أننا لا نقيم وزنًا للصناعة الفنية، ولكن معناه أننا نقرر أن الفكرة تجيء أولًا ويجيء الورق ثانيًا كما يقول الفرنسيون.

وقد رأى ناس قول الباقلاني: «ليس القرآن من جنس كلام العرب.» فقرروا خاطئين أن القرآن يخالف ما درجت عليه البلاغة العربية من حيث الأسلوب، ولو سألتهم عن تحديد معنى (الأسلوب) لعجزوا عجزًا مبينًا؛ لأن الأسلوب في رأينا هو الصورة الظاهرة لعقل الكاتب وروحه وفكرته ومرماه، وليس في مقدور أحد من المتفوقين في علوم البلاغة أن يحدد الأسلوب تحديدًا منطقيًّا يجمع خصائصه ويمنع ما يتطرق إليه من غريب الأوصاف، أو أن يدلنا على خواص أسلوب القرآن دلالة واضحة بريئة من عوارض اللبس والغموض، فإن ألفاظ القرآن كألفاظ كل كلام عربي مبين لا تمتاز باللفظ ولا بالأداء، وإنما تمتاز بالمعنى والغرض والروح.

فإن أراد أحد شاهدًا على ما نقول فإنا نفتح المصحف عرضًا بدون تخير ثم ننقل آيات لنسأله أن يعين ما جاء فيه غريبًا عن الأساليب العربية، ولنختر خمس آيات من مطلع سورة الأنبياء اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ۗ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ۖ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ * قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ.

فأين تكون غرابة الأسلوب في هذه الآيات الخمس؟ وأين يكون السياق الفني الغريب عن الأعراب؟ أليس مرجع الروعة في هذه الآيات إلى المعنى والروح؟ أترونها تمتاز بالسجع؟ وكيف والسجع كان معروفًا قبل القرآن؟ أترون ألفاظها متخيرة منتقاة؟ هو ذلك، ولكن كيف يدور اختيار الألفاظ؟ أترون لاختيار الألفاظ مدارًا غير موجبات المعاني والأغراض؟ فإن كانت هذه الآيات الخمس لا تكفي فإلى القارئ شواهد أخر من القرآن المجيد، يقول الله — عز شأنه: وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا.

وأنا أشهد صادقًا أني ما فكرت في هذه الآية إلا دهشت من سمو هذا النصح النبيل، فأين يكون جمال هذه الآية؟ أترونها من جنس غير جنس كلام العرب كما زعم الباقلاني؟ هيهات! إن ألفاظها تشبه جميع الألفاظ، وتركيبها لا يتميز بشيء عن غيره من التراكيب.

ولكن الجمال هنا في المعنى الشريف الذي قضى به القرآن، وذلك المعنى هو الدعوة إلى إيثار العدل في جميع الأحوال من غضب وسكون وحب وشنآن، وقد راجعت صديقًا أديبًا في هذه الآية فأراد أن يلتمس الجمال الفني في كلمة وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ فإن صح افتراض ذلك الصديق فإنا نسأل أيضًا: ومن أين ظفرت تلك الكلمة بمعنى الإعجاز؟ أليس مرجع ذلك إلى ربطها بالمعنى الذي اقتضاه السياق؟ على أنه من الخير أن نسوق الآية كاملة لنتبين كيف يمكن أن تكون بعض أجزاء الآية الواحدة أقوى من بعض: وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ.

ألا ترون إن أنصفتم أن كلمة اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ تقل في قوتها عن كلمة وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا فما هو سبب التفاوت؟ لا يظن أحد أن مرجع التفاوت هو الأسلوب، فإن القرآن تفرد في رأي مخالفينا بوحدة الأداء والتعبير، فلم يبق من فرق بين صدر الآية وعجزها غير تفاوت المعنى، والتفاوت هنا جاء من أن صدر الآية معنى بكر لا يجري إلا على ألسنة الحكماء والأنبياء، على حين نرى عجز الآية يؤدي معنى مفهومًا لدى جميع الناس.

ثم لننظر قوله جل ثناؤه: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ. هذه من غرر الآيات القرآنية: فأين يقع منها الحسن؟ أترونه في اللفظ؟ أترونه في الأسلوب؟ وكيف وهي ألفاظ يجدها من يريد في أسلوب واضح يدركه جميع المخاطبين ويستطيعه جميع الكاتبين. إن الجمال هنا في الروح العالي؛ حيث يخاطب الله الآثمين وقد ألقى بهم في نار الجحيم.

نترك شواهد القرآن جانبًا؛ لأنها من المواطن الشائكة، ونوضح نظريتنا بشواهد من النثر الجيد والشعر البليغ.

قيل لأعرابي يسوق مالًا كثيرًا: لمن هذا المال؟ قال: لله في يدي!

تأملوا عبارة: «لله في يدي» لتروا أنها من نوادر الكلام الجيد البليغ، ثم انظروا أترون فيها شيئًا غير جمال المعنى؟

إن الأدباء جميعًا يحفظون كتاب عمرو بن مسعدة، كتاب التوصية الذي ضربت ببلاغته الأمثال، فلنذكّر به القراء:

كتابي هذا كتاب مَعني بمن كتب له، واثق بمن كتب إليه، وأرجو أن لا يضيع حامله بين الثقة والعناية، والسلام.

أفترون هنا جديدًا في لفظ أو في أسلوب؟ إن الطرافة كلها تنحصر في المعنى لو تنظرون.

وكتب أحد الأمراء يوصي بعض قواد الجيش: «وكن من احتيالك على عدوك أشد حذرًا من احتيال عدوك عليك.»

وهذا كلام نادر قلما تجود بمثله القرائح، فأين يكون جماله؟ أترونه في شيء غير المعنى؟

وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري:

عُدْ مرضى المسلمين، واشهد جنائزهم، وباشر أمورهم بنفسك، فإنما أنت رجل منهم غير أن الله جعلك أثقلهم حملًا.

وهي نصائح عادية وأبلغها جميعًا قوله: «فإنما أنت رجل منهم غير أن الله جعلك أثقلهم حملًا.»

أفترون الجمال هنا — جمال البلاغة — في شيء غير المعنى؟

والشعر ما جماله وما عذوبته؟ انظروا قول ابن الأحنف:

أتأذنون لصب في زيارتكم
فعندكم شهوات السمع والبصر

إن صدر هذا البيت عادي لا طريف فيه، ولكن تأملوا عجزه حيث يقول «فعندكم شهوات السمع والبصر»، ألا ترون أنه معنى نادرٌ نفيسٌ وفيه وحده جمال البيت؟ ألا ترون أن لفظة «شهوات» لم تكن أوفى ولا أدق إلا حيث قرنت بالسمع والبصر وتحاشت ما عداهما من نعيم الحواس؟

وانظروا قول قيس بن ذريح:

إلى الله أشكو فقد لُبنى كما شكا
إلى الله بعد الوالدين يتيم

وهذا من الكلام الجيد، فهل كانت جودته في غير معناه؟ أليس كل ما هنا من روعة يعود إلى تشبيه الزوجة الصالحة بالأم الرءوم، وتشبيه العاشق المهجور بالطفل اليتيم؟

وانظروا قول جميل بن معمر:

فلو أرسلت يومًا بثينة تبتغي
يميني ولو عزت عليَّ يميني
لأعطيتها ما جاء يبغي رسولها
وقلت لها بعد اليمين سليني
سليني مالي يا بثين فإنما
يُبيَّن عند المال كل ضنين
فما لك لما خبَّر الناس أنني
أسأت بظهر الغيب لم تسليني
فأُبلي عذرًا أو أجيء بشاهد
من الناس عدل أنهم ظلموني
لحا الله من لا ينفع الود عنده
ومن حبله إن مُد غير متين
ومن هو ذو لونين ليس بدائم
على ثقة خوان كل أمين

وقد تقولون: إن جمال هذا الشعر في رقته وعذوبته، ولكن أترون الرقة والعذوبة إلا صورة ظاهرة لروح الشاعر وما يضمره لمعشوقته من عطف وحنان؟ ألم أقل لكم: إن الرقة والجزالة هي صفات للمعاني تتمثل في أشباح الألفاظ!

ولو أننا عدنا إلى كتب النقد لرأينا أن القدماء كانوا يجعلون المعنى أساس الصورة؛ بحيث يعد الشاعر سارقًا للمعنى وإن غيَّر من صوره.

ومن ذلك قول البعيث:

أترجو كليب أن يجيء حديثها
بخير وقد أعيا كليبًا قديمها

أخذه الفرزدق فقال:

أترجو ربيع أن يجيء صغارها
بخير وقد أعيا ربيعًا كبارها
وهذا ليس بشيء في جانب المعاني التي تؤخذ من المدح إلى الهجاء، ومن النسيب إلى الرثاء وهي كثيرة جدًّا، ومع ذلك تنبه النقاد إلى أنها سرقة، وتنبه الشعراء إلى جرائمهم حتى روي عن الأخطل أنه قال: «نحن معاشر الشعراء أسرق من الصاغة.»١٤

وأنا مع هذا كله من أعرف الناس بقدر الألفاظ والأساليب، فلست أنكر أن الشعراء والكتاب والخطباء يتفاوتون في الصياغة الفنية، ولكنني أومن قبل كل شيء بالمعنى والروح، وأرى الألفاظ على لسان الشاعر والكاتب والخطيب تشبه أدوات الحرب وأسلحة القتال في أيدي الرجل، فالسيف هو السيف في يد البطل وفي يد الجبان، ولكنه في يد البطل موت أزرق الناب، على حين نراه في يد الجبان أقل غناء من العصا في يد الوليد. والخيل هي الخيل، ولكن الجواد لا يكون جوادًا إلا إذا اعتلى صهوته فارس مغوار، وهو تحت الرجل الرخو أشبه شيء بالحمار «تحت الفلاح العبيط»، والمرأة هي المرأة، ولكنها بين يدي الرجل الغزل أنضر منها في حضرة الرجل البليد!

والكتاب المجيدون الذين أجمع الناس على احترامهم تتفاوت أيامهم تفاوتًا شديدًا؛ فهم في بعض الأيام من فرسان البلاغة وأعيان البيان، وهم في أيام أخر يسفون ويتهافتون، فما سبب ذلك؟ السبب معروف فإن روح الكاتب يتأثر بمزاجه وظروفه وموضوعه تأثرًا بليغًا، فلو كان الأسلوب هو سر البلاغة لتحتم أن يكون الكاتب بليغًا في جميع أحواله، وهذا محال، فلم يبق إلا أن يكون للبلاغة سر آخر غير الأسلوب، وذلك السر هو المعنى والروح، وليست المعاني الجيدة بطائعة للكاتب في كل لحظة، ولا الروح القوي بمواتيه في كل حين. أيفهم قوم الآن أن القرآن من جنس كلام العرب في اللفظ والأسلوب؟ أيفهمون الآن أن القرآن يمثل النثر العربي في العصر الذي نزل فيه، وأن سر إعجازه راجع إلى روحه ومعانيه؟

ومن أغلاط الباقلاني قوله بنفي السجع من القرآن، وهو يتابع في هذا أبا الحسن الأشعري وأصحابه، ويعارض جمهورًا كبيرًا من أهل العلم والأدب، منهم من سبقه ومنهم من عاصره، وحجة مخالفيه أن السجع مما يبين به فضل الكلام، وأنه من الأجناس التي يقع بها التفاضل في الفصاحة والبيان، ومن أقوى ما يستدلون به على وجود السجع في القرآن أن المسلمين اتفقوا على أن موسى أفضل من هارون، ومع ذلك قيل في موضع: «هارون وموسى» مراعاة للسجع، ولما كانت الفواصل في موضع آخر بالواو والنون قيل: «موسى وهارون».١٥

والواقع أن السجع موجود في القرآن في مواطن كثيرة، ولا ينكره إلا معاند لا يفقه ما يقول، ومن أمثلته: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ * إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (الطارق: ١١–١٤).

ومن أمثلته أيضًا: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوج * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (البروج: ١–٧).

وكذلك: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ * فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (التكوير: ١–٢٤).

ولا أطيل في سرد الآيات المسجوعة، ففي السور المكية شواهد كثيرة على السجع والازدواج.

والمهم أن نعرف ما هي حجة الباقلاني على نفي السجع من القرآن لنقدر وزنه للحجج والبينات وهو يقول:
لو كان القرآن سجعًا لكان غير خارج عن أساليب كلام العرب، ولو كان داخلًا فيها لم يقع بذلك إعجاز، ولو جاز أن يقال: هو سجع معجز، لجاز لهم أن يقولوا: شعر معجز، وكيف والسجع مما كان يألفه الكهان من العرب، ونفيه من القرآن أجدر بأن يكون حجة من نفي الشعر؛ لأن الكهانة تنافي النبوات، وليس كذلك الشعر.١٦

وهذا كلام ساقط ضعيف، فالسجع موجود في القرآن، ولكن الرجل يأبى أن يعترف به؛ لأن الاعتراف بوجوده في القرآن يتضمن الاعتراف بأنه غير خارج عن أساليب كلام العرب، والإعجاز في رأيه ينحصر في الأسلوب، وما دمنا سلمنا بأن القرآن معجز فإنه يجب أن نؤمن بأنه غير مسجوع، وإلا ساوينا بينه وبين سائر الكلام!

ونحن لا ندري كيف اتفق للباقلاني وأصحابه من الأشعرية أن يفهموا هذا الفهم العقيم، ولا ندري كيف صح له أن يحتم نفي السجع من القرآن قياسًا على نفي الشعر، بل يزيد على ذلك أن نفي السجع أوجب؛ لأنه كان أسلوب الكهان، والمسألة كلها لعب في لعب وضلال في ضلال؛ لأن اختصاص السجع بالكهان حديث خرافة، والمعقول أن السجع كان عند أهل الجاهلية لونًا من الزخرف الفني يلجأ إليه الكاتب والخطيب رغبة في التأثير، ولم يغلب السجع على الكهان إلا لأنهم كانوا أكثر من غيرهم ثقافة وأدبًا؛ إذ كانوا قادة الجماهير في الجاهلية.

والسجع في القرآن لا يمنع من إعجازه؛ لأن الإعجاز كما أسلفنا مرجعه إلى سمو المعنى وقوة الروح، والرسول رجل من العرب تفرد من بينهم بتبليغ الرسالة إلى قومه، فمن الواضح أنه ينقلها إليهم في أجمل ما عرفوا من الأساليب، ونفي الشعر عن القرآن ليس معناه أن الشعر غير صالح للإعجاز كما توهم الباقلاني، ولكني أرجح أن الشعر لعهد النبوة لم يكن من تقاليده الاهتمام بالشئون الجدية، وخاصة المسائل الروحية والدينية، ولذلك نجد القرآن يعرِّض بالشعر ويتهم الشعراء باللغو والفضول والهيام في أودية الخيال. والشعر مع هذا في أسلوبه لعهد النبوة كان أضيق من أن يتسع لشرح المشاكل الدينية والاجتماعية التي أطال في شرحها القرآن، ومن هذا يتبين أن عدم تبليغ الرسول رسالته شعرًا لم يكن معناه أنه تحامى الشعر لئلا يشارك العرب في أساليبهم كما ظن الباقلاني وأصحابه الأشعريون.

على أن الباقلاني لا يقف عند هذا الخطأ، بل يتعداه إلى خطأ أشنع في فهم السجع فيقول:
والذين يقدرون أنه سجع فهو وهم؛ لأنه قد يكون الكلام على مثال السجع وإن لم يكن سجعًا؛ لأن ما يكون به الكلام سجعًا يختص ببعض الوجوه دون بعض؛ لأن السجع من الكلام يتبع المعنى فيه اللفظ الذي يؤدي السجع، وليس كذلك ما اتفق مما هو في تقدير السجع من القرآن؛ لأن اللفظ يقع فيه تابعًا للمعنى، وفصل بين أن ينتظم الكلام في نفسه بألفاظه التي تؤدي المعنى المقصود فيه، وبين أن يكون المعنى منتظمًا دون اللفظ، ومتى ارتبط المعنى بالسجع كانت إفادة السجع كإفادة غيره، ومتى ارتبط المعنى نفسه دون السجع كان مستجلبًا لتجنيس الكلام دون تصحيح المعنى.١٧

وخلاصة هذه الفكرة أن الكلام لا يكون سجعًا إلا إذا كان المعنى فيه تابعًا للفظ، ولا ندري من أين أتى الباقلاني بهذه القاعدة، والصواب أن خير السجع ما كان اللفظ فيه تابعًا للمعنى، كما أشار إلى ذلك غير واحد ممن كتبوا في فنون البيان، ونحن إذا تأملنا السجع في القرآن رأينا اللفظ فيه تابعًا المعنى، ونرى القرآن في مواطن كثيرة يضحي بفواصل السجع في سبيل المعنى، لا كما يفعل المتكلفون حين يضحون بالمعنى في سبيل السجع.

وهناك خطأ آخر تورط فيه الباقلاني إذ يقول:
لو كان الذي في القرآن على ما تقدرونه سجعًا لكان مذمومًا مرذولًا؛ لأن السجع إذا تفاوتت أوزانه واختلفت طرقه كان قبيحًا من الكلام، وللسجع منهج مرتب محفوظ وطريق مضبوط، متى أخل به المتكلم أوقع الخلل في كلامه ونسب إلى الخروج على الفصاحة، كما أن الشاعر إذا خرج عن الوزن المعهود كان مخطئًا وكان شعره مرذولًا، وربما أخرجه عن كونه شعرًا، وقد علمنا أن بعض ما يدعونه سجعًا متقارب الفواصل متداني المقاطع، وبعضها مما يمتد حتى يتضاعف طوله عليه وترد الفاصلة على ذلك الوزن الأول بعد كلام كثير، وهذا السجع غير مرضٍ ولا محمود.١٨
ووجه الخطأ هنا أن الباقلاني يحاكم القرآن إلى قواعد وضعها المتأخرون، وكان أولى به أن يفهم أن القرآن هو الأساس، وخروج القرآن على السجع من حين إلى حين من دلائل سلامته وبلاغته؛ لأن التزام السجع باب إلى الغلو والإغراق، ولم يقبح السجع على ألسنة المتأخرين إلا لأنهم التزموا به ما لا يلزم في التزيين والتجميل، والذين قالوا بوجود السجع في القرآن لم يفرضوا التزامه في جميع الأحوال، ولا وقعوا في مثل ما وقع فيه الباقلاني من الخطأ حين نفاه على الإطلاق.١٩

هوامش

(١) ولد الباقلاني في البصرة، وسكن بغداد، وبها كانت وفاته يوم الأحد لسبع بقين من ذي القعدة سنة ٤٠٣، وكان من كبار أهل السنة، ورثاه بعض معاصريه بقوله:
انظر إلى جبل تمشي الرجال به
وانظر إلى القبر ما يحوي من الصلف
وانظر إلى صارم الإسلام مغتمدًا
وانظر إلى درة الإسلام في الصدف
والباقلاني: نسبة إلى الباقلي — بتشديد اللام وقصر الألف — وفيها كلام نجده في وفيات الأعيان (٢  /  ٢٧٠).
(٢) ص٩، ١٠.
(٣) ص١٠.
(٤) ص٣٤.
(٥) ص٣٤.
(٦) ص٣٤.
(٧) الصاحبي ص١٢.
(٨) كان ذلك في خريف سنة ١٩٣٠، ونشر التقرير في أحد مطبوعات وزارة المعارف الفرنسية.
(٩) راجع: البيان (٣  /  ١٢).
(١٠) إعجاز القرآن ص٣٠، ٣١.
(١١) ص٢١٨.
(١٢) راجع: ص٦٣، ٦٤.
(١٣) راجع: الصناعتين ص٤٢.
(١٤) الموشح ص١٤١.
(١٥) ص٥٩.
(١٦) ص٦٠.
(١٧) ص٦٠، ٦١.
(١٨) ص٦١.
(١٩) يحسن بالقارئ أن يرجع إلى الفصل الذي بسطنا فيه «أطوار السجع» في الجزء الأول.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤