الفصل الرابع

أبو المغيرة بن حزم

في الأصل الفرنسي فصل عن أبي عامر بن شهيد، وكان لذلك الفصل أثر طيب في تقويم الكتاب؛ لأن ابن شهيد من الأعلام التي لم يتنبه إليها المستشرقون الفرنسيون، أما الرجل الذي أتحدث عنه في هذا الفصل فهو شخصية قوية جذابة لم يتنبه إليها أحد من الباحثين، ولم يعرف عنها كثير ولا قليل، وهو ابن حزم! وهنا يلتفت القارئ باسمًا بسمة السخرية؛ لأن ابن حزم معروف طبق صيته الشرق والغرب، فلنسارع إذن بتقرير ما هدانا إليه البحث من أن «ابن حزم» يطلق على شخصين أحدهما معروف؛ وهو أبو محمد علي بن أبي عمر أحمد بن سعيد الفقيه الأديب، وثانيهما مجهول؛ وهو أبو المغيرة عبد الوهاب بن حزم الشاعر الكاتب، وهما من بيت واحد وابنا عم،١ ويمكن الحكم بأن أولهما أفقه وأعلم، وثانيهما أكتب وأشعر.
لم أجد في المصادر ما يغني في تحديد الزمن الذي عاشه أبو المغيرة بن حزم، ولكن من المؤكد أنه شهد سِرار القرن الرابع وفجر القرن الخامس، ومن أخباره أنه تولى الوزارة للمستظهر بالله عبد الرحمن بن هشام،٢ وربما كان السبب في خموله أنه اعتبط٣ شابًّا، «ولو طال به مداه، لم يذكر معه سواه» كما قال ابن بسام، يضاف إلى ذلك أن شخصية ابن عمه أبي محمد بن حزم طغت عليه فأغرقته في لجج من النسيان.

ومن عجيب المصادفات أن أبا محمد كان يتوقع له هذا الخمول، وذلك بأنه جرت بينهما منازعات فكتب إليه أبو محمد يقول:

كفاني بذكر الناس لي ومآثري
وما لك فيهم يا بن عمي ذاكر
عدوي وأشياعي كثير كذلك من
غدا وهو نفاع المساعي وضائر
وما لك فيهم من عدو فيتقى
ولا لك فيهم من صديق يكاثر
وقولي مسموع له ومصدق
وقولك منبث مع الريح طائر
وإني وإن آذيتني وعققتني
لمحتمل ما جاءني منك صابر

وقد أجابه أبو المغيرة بقصيدة لاذعة نكتفي منها بهذه الأبيات:

وغاصب حق أوبقته المقادر
يذكرني حاميم والرمح شاجر
غدًا يستعير الفخر من خيم خصمه
ويجهل أن الحق أبلج ظاهر
ألم تتعلم يا أخا الظلم أنني
برغمك ناه منذ عشر وآمر
تذلل لي الأملاك حر نفوسها
وأركب ظهر النسر والنسر طائر
وأبعث في أهل الزمان شواردًا
تؤلفهم وهي الصعاب النوافر
فإن أثو في أرض فإني سائر
وإن أنأ عن قوم فإني حاضر

والذي يوازي بين هاتين القطعتين يتبين أن شعر أبي محمد يشبه شعر الفقهاء، وهو من رجال الفقه والأصول، وأن شعر أبي المغيرة يسمو به إلى طبقات الفحول من الشعراء.

والواقع أن أبا المغيرة كان مفتونًا بالدراسات الأدبية، ومصروفًا عن الدراسات الفقهية حتى لنجده يسخر من علوم ابن عمه فيقول:

نسيت أبا محمد حاشيتك وشيعتك التي صرت رئيس مدارسهم، وكبير أحراسهم، تحدثهم عما كان فيهم من العبر، وتخبرهم بما تعاقب عليهم من الصفاء والكدر، فتارة عن السامري والعجل، وتارة عن القمل والنمل، وطورًا تبكيهم بحديث التيه، وطورًا تضحكهم بقوم جالوت وذويه، حتى كأن التوراة مصحفك، وبيت الحزان معتكفك.

وهذا التعريض يذكرنا بما أخذ ابن شهيد على الجاحظ من الاهتمام بغرائب الزواحف والدواب.

وليس هذا كل ما يميز ابني حزم أحدهما على الآخر في اتجاه الأذواق، بل يحدثنا ابن بسام بأن أبا المغيرة «كان أنبه من أبي محمد في حضور شاهده وذكاء خاطره، وحسن هيئته، وبراعة ظرفه، وجودة أدبه».

وتلك صفات كان يتميز بها الأديب على الفقيه في أكثر الأحيان.

تدل أخبار أبي المغيرة ورسائله وقصائده على أنه كان دقيق الحس في اختيار أطايب الحياة، وفي كلامه فقرات في الدعوة إلى مجالس الأنس تذكر بأدباء الشرق؛ كالميكالي وابن العميد، ولننظر كيف يقول:

فالأرض قد نشرت ملاءها، وسحبت رداءها، ولبست جلبابها، وتقلدت سحابها، وبرز الورد من كمامه، واهتز الروض لتغريد حمامه، والأشجار قد نشرت شعورها، وهزت رءوسها، والدنيا قد أبدت شموسها، وأماطت عبوسها، وكأني بها قد أطلعت من كل ثمر ضروبًا، وأبدت من حناها منظرًا عجيبًا، وإن كنا لا نشارك في تلك إلا باللسان لا بالعيان، وبالطرف لا بالكف، وللدهر قسم من أقسام اللذة، وصنف من أصناف الشهوة:

شهدنا إذ رأيناهم بأنا
على اللذات في الدنيا شهود٤
على أنه كان — كسائر من تغويهم شهوات الحس — سيئ الظن بالناس؛ لأن الخلق لا تتكشف طبائعهم إلا لمن يأنس إليهم في مجالس السلاف وملاعب الجمال، ومن أجل ذلك نراه ينظر إلى العالم نظرة مشربة بالتحفظ والكتمان، ويقرر أن في الاحتماء حسم الداء، وأن لا عدو للإنسان إلا نفسه، ولا حية ولا عقرب إلا جنسه، ثم يقول:
وليس في الحيوان أخبث من الإنسان، فالاحتراس كل الاحتراس، والمعاشرة الجميلة للناس، لا تلدغن من جحر مرتين، وأذكر المثل السائر في الملاعب بين وتدين، والعاقل من حمله كل بلد، ونفق عند كل أحد، وأعقل منه من عرف الناس، ولم يعرفوه فاستراح من أجنبي متكلف، إلى قريب غير منصف، ولم يفتقر إلا إلى ربه، ولم يأنس إلا بنور لبه.٥

وهذه الفقرة تمثله كأحكم الحكماء لو كان إلى السلامة من شر الناس سبيل، ولكني ما أحسبه دعا تلك الدعوة إلا بعد أن رأى كيف يكون الغدر والخيانة والعقوق؛ لأن الحكماء لا يعظون إلا بعد أن تكوى أيديهم وتشتعل رءوسهم وهم يقاسون ما تنطوي عليه صدور الأصحاب والأُلاف والأصدقاء من مظلمات النيات ومنكرات الأغراض، والطبيعة الإنسانية لئيمة تبيح كل شر، وتسمح بكل بغيض من جني اللؤم ممقوت، ويكاد الرجل لا يلقى الشر إلا من أصفيائه، ولا يجني الشوك إلا حيث يغرس الأزهار والرياحين.

على أن له — مع سوء ظنه بالناس — كلماتٍ تكشف عن تعلقه بأصدقائه وحنينه إليهم، وعطفه عليهم، فنراه يقول في بعض رسائله:
وما أعلم نائية كفراقك أهد لمتن، ولا نازلة كنأيك أجلب لحزن، وما كنت أريم ربعك لو كان الخيار، أو أبرح منزلك لو سامحتني الأقدار.٦
ويقول في رسالة ثانية:

وإن رأيت تأنيسي بكتاب أجتلي منه وجوه البدور، وجواهر النحور، ودرر الثغور، وأجتني ثمر السرور، وأرتع منه في رياض العلوم، ما بين منثور ومنظوم، نفست خناق مشتاق، وأنست من وحشة الفراق، منفردًا غريبًا بحيث لا أخ كريم، ولا صديق حميم، فقد صرت ولا أحيل على الأثر بعد العين كما قال أحمد بن الحسين:

ما مقامي بدار نخلة إلا
كمقام المسيح بين اليهود

وللقارئ أن يلاحظ أن ما اخترناه من الرسالة الثانية يصرح بضجر أبي المغيرة وتبرمه بالوجود؛ إذ يعيش منفردًا غريبًا، بحيث لا أخ كريم ولا صديق حميم، وتلك غاية في البؤس والشقاء لأديب لا غنى لروحه عن حلاوة المودة وعذوبة الوفاء.

وقد حمله ضجره على الإكثار من شكوى الزمان، فتارة يشكو غربة قومة في الأندلس، وانصراف أهل الشرق عن علومهم وفنونهم وآدابهم فيقول:
لقد نادينا لو أسمعنا، وطرنا لو وقعنا، وما أشبهنا بالغريبة التي خيرها يدفن، وشرها يعلن، يتعب أحدنا نفسه، ويذهب حسه، ويعارض السيف بفهمه، والبحر بعلمه، والنار بذكائه، والزمان بمضائه، ونتائج فكره محجوبة، وبنات صدره مخطوبة، إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحًا، وإن رأوا فضيلة وجموا لها ترحًا.٧
وتارة يتحدث عن بلائه بالناس فيقول:

بانعكاس الزمان انعكست أمثال البيان، كما روي عن الفتى المدعي للكتابة عند عمرو بن مسعدة أنه عاياه بكتاب من صاحب البريد يخبر بقرة ولدت غلامًا، فأنشأ خطبةً مفتتحها: «الحمد لله خالق الأنام في بطون الأنعام» فجذب الرقعة من يده وبالغ في إجزال صفده، وإذا تأملت انقلاب الزمان، وما وقع لي مع فلان انقلبت الخطبة فصارت: «الحمد لله خالق الأنعام في بطون الأنام» وكم قد كشفت عن عوراته، وما زالت مكشوفة، وعرفت بسوآته، وما زالت معروفة، إخبارًا عنه، وتحذيرًا منه، وإعلامًا بما يستره ذيله، ويشتمل عليه ليله، من قبائح يجلبها العار، ويكتبها الليل والنهار.

وأصرح من هذا قوله في وصف غدرات الأيام:

فحين شمخ بالظفر أنفي، واهتز لنيل الأمل عطفي، والدهر يضحك سرًّا، ويتأبط شرًّا، وقد أذهلني الجذل عن سوء طني به، وأوهمني نزوعه عن ذميم مذهبه، أتت ألوانه، وفسا ظربانه، ونادى ليقم من قعد، ويتنبه من رقد، إنما فترت تلك الفترة، ليكون ما رأيت عليك حسرة، وسمحت لك مرة، لتذوق عليها كأسًا مرة، فرأيت وقد غطى على بصري وعقلت وكنت في عمياء من ظفري، وقلت هو الذي أعهده من لؤمه، وأعرفه من شؤمه: ما وهبًا إلا سلب، ولا أعطى إلا ساعة كإبهام القطا، فيا له من قادر ما ألأم قدرته، وذابح ما أحد شفرته.

وقد قاده هذا المزاج إلى الإقذاع في الهجاء، وله في الذم فقرات مكشوفة يتقزز منها القارئ، وقد ختم إحدى أهاجيه بهذه العبارة: «قبح الله زمانًا يقرب إلى اللئيم حصانًا، وإلى الكريم أتانًا.» وربما كان أقبح أهاجيه ما قارع به ابن عمه أبا محمد بن حزم؛ كقوله يصف كتابًا وصل إليه منه: «معنى كصدأ الأسنان، ولفظ كنفحات الأكفان، وأعراض لا مدب فيها لسهم مقرطس، وأعلام لا وضح فيها لصبح متنفس، ورطانة تمجها الأسماع وتخبو بها الطباع، فوقفت متبلدًا، وعدت على نفسي وقريحتي مترددًا، فقالتا: أيها الإنسان لست بالنبي سليمان، متى وعدناك أن نفهمك كلام النحل، وسرار النمل؟ ألم نسلك بك شعاب الكلام فتغلغلت؟ ألم تسر في صحرائه فأوغلت؟ ألم تجل في ميدانه فسبقت؟ ألم تسر في ظلمائه فأشرقت؟ هل أحسست بنكول جنان، أو قصور لسان، فيما نظمت كالعقود على ترائب الفتاة الرود، ونثرت كالنجوم في صفحة الليل البهيم، فقلت: بلى! قالتا: فأعرض عن رطانة الزط، وصفير البط، ولا تعج على طلل بائد، ودار قد أتى الله بنيانها من القواعد! فقلت: لقد أسرفتما طاعنين، إن كاتب الصحيفة لندرة الزمان، ولعالم نوع الإحسان، إلا أنه ربما كذب العنوان، فأعدت النظر فإذا بك أبا محمد صاحبه! كتاب بني على الظلم العبقري، والبهتان الجلي، ومكابرة العيان، ومدافعة البرهان، قد طمس الله أنواره، وأظهر عواره، فجاء كالفلاة القوراء؛ لا ماء ولا شجر، والليلة الظلماء؛ لا نجم ولا قمر.»٨
وهذا التهاجي بين أبناء العم لا غرابة فيه، فإن الأدب العربي يزخر بهذا النوع من تظالم الأقرباء؛ لأن ثائرة الحقد أشد ما تكون تأججًا واضطرامًا بين الأقربين وهي عند العرب من أقوى بواعث الطموح إلى المجد، ومن أشد الحوافز لإيقاد ما خمد من جذوات النفوس والعقول، ومن هنا نرى أهاجي أبي المغيرة لابن عمه أمر وأقسى من أهاجيه لغيره، فإنه يهجو ابن عمه بحفيظة وحقد على حين لا يخرج هجاؤه لغيره عن المزاح الثقيل؛ كقوله في التهكم ببعض المتطببين:
واشرح لي خبر فلان، وأين بلغ من تكسبه، وحيث انتهى من تطببه؟ وكيف ظروفه وخزائنه، ولعوقاته ومعاجنه؟ وهل ينفذ طبه، وينفق حبه؟ وصف لي ما يقوله على الماء، وبيديه من الأدواء، وأهد إليَّ ما ينقه من المقال، على الكبد والطحال، ويرقشه من الكلام في الفالج والزكام، فالحمد لمن قرن له ذلك إلى القيام، بشريعة الإسلام، والتمهر في الأحكام، ومعرفة الحلال والحرام، والفلج عند الخصام.٩
ومع أن أبا المغيرة من الشعراء الفحول فإنا نراه يتخذ النثر أداة للتعبير عن الأبواب الخاصة بالشعر؛ كالغزل والمديح، وهو في ذلك يحاكي بديع الزمان الذي يحرص أشد الحرص على أن يؤدي بالنثر كل ما يؤدى بالقصيد، وإنما خصصنا بديع الزمان بالذات؛ لأنا نرى في نثر أبي المغيرة نفحة همذانية، ويكاد الرجلان يتشابهان، لولا جزالة ابن حزم ورقة بديع الزمان، والظاهر أن رسائل الهمذاني كانت وصلت مسرعة إلى الأندلس، واطلع عليها المتأدبون هناك، وإلى القارئ رسالة لأبي المغيرة تمثل روح الهمذاني أصدق تمثيل:

فكم ليث كان في غابة سمعت صريف أنيابه، وقفر أنست في يبابه، إلى عواء ذئابه لا أمر إلا بالنص المستلب، ولا ألقى غير الخارب المنتهب، والشعار عند النائبة ألقاها فأتخطاها، والنازلة أراها فأتعداها، قول أبي الطيب:

فإن أسلم فما أبقى ولكن
سلمت من الحمام إلى الحمام
وأنا أرقب من الزمان صنيعه، وأتوقع من الحمام وقوعه، وهو يذهب بي إلى قبلة الآمال وأنا لا أصدق، ويسوقني إلى محط الرحال وأنا لا أحقق، ويؤم بي البحر الذي لا تحصى فوائده، والغيث الذي لا يجدب رائده، حتى أداني إلى الحضرة العلياء، والمحلة الشماء، فكبرت إكبارًا لما صرت إليه، وهللت إعظامًا لما سقطت عليه، وعلمت أني في الحرم الذي لا يضار جنابه ولا يطار غرابه، ولا يخضد شجره، ولا يمنع ثمره، ولم ألبث أن نزلت باليفاع الخصيب، وتمكنت من الرشاء والقليب.١٠
ولم يقف تأثره ببديع الزمان عند محاكاته في المذهب والأسلوب، بل تعداه إلى معارضة ما اشتهر من رسائله، فقد وضع الهمذاني رسالة شائقة في إنسان جمع بين اللؤم والجمال، ثم دالت دولة شبابه فعاد من الصاغرين، وهي رسالة مشهورة اهتم بمعارضتها كثير من الكتاب آخرهم المرحوم الشيخ عبد العزيز شاويش، والظاهر أنها بهرت أهل الأندلس فعارضها أبو المغيرة بن حزم برسالة طويلة نقتطف منها الفقرات الآتية:

ورد كتابك ينشد ضالة ودنا، ويرقع خلق عهدنا، ويطلب ما أفاتته جريرتك إلينا، وذهبت به جنايتك علينا، أيام غصنك ناضر، وبدرك زاهر، لا تجد رسولًا إليك إلا نظرة تخرق حجاب الدموع، ونفرة تقيم منآد الضلوع، فإن رمنا شكوى ينفث بها مصدورنا، ويستريح إليها مهجورنا، لقينا دونك أمنع سد، وأقبح صد، وأقدح زند، وأبرح رد، حتى إذا طفئت تلك النيران، وانتصف لنا منك الزمان، بشعرات أعشت هلالك كسوفًا، وقلبت ديباجتك صوفًا، وأعادت نهارك ليلًا، وناحت عليك تلهفًا وويلًا، وأطار حمامك غرابك، وحجب ضياك ضبابك، فصار عرسك مأتمًا، وعاد وصلك محرمًا:

وبت مدامًا تسر النزيفا
فأصبحت تجرع خلا ثقيفا
وصرت حجازًا جديب المحل
وقد كنت للطالب الخصب ريفا
أقبلت تتسلل إلينا لواذًا، وتطلب منا عواذًا، قد أنساك ذل العزل عز الولاية، وأولاك طعمًا نسيانك تلك الجباية، أيام ترشقنا بسهام لحاظك رشقًا، وتقتلنا بسيوف ألفاظك عشقًا، وتميس غصنًا، فتثير حزنًا، وتطلع شمسًا، وتغيب نفسًا، فالآن نلقاك بدمع قد جف، ووجد قد كف، وعزاء قد أبد. وصبر قد غار وأنجد، وننظر منك إلى روض قد صوح، وسار قد أصبح، وأعجم قد أفصح، ومبهم قد صرح … إلخ.١١

نثر أبي المغيرة في جملته متين رصين، لولا ما يتطرق إليه أحيانًا من قبح التعمل، ودمامة التكلف، وهو في الأغلب مسجوع، وفي الذخيرة شواهد على تكلفه وهو تكلف ممض، نكتفي بالإشارة إليه، ولا نعرض له بتحليل ولا تلخيص، ومن المرجح أن تلك الرسائل المتكلفة كانت مما كتبه قبل أن ينضج ويسلس له البيان.

هوامش

(١) أبو المغيرة بن حزم هو عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الرحمن. نفح الطيب (٢ / ١٠٨) طبع ليدن. وجاء في الفتح (١ / ١٨٥) أن أبا محمد بن حزم فارسي الأصل وليس من «بني حزم» وهي أسرة عربية أندلسية.
(٢) قال المقري في الحديث عن المستظهر: «وكان قد رفع جماعة من الأتباع ذهب بهم العجب كل مذهب؛ كأبي عامر بن شهيد المنهمك في بطالته، وأبي محمد بن حزم المشهور بالرد على العلماء في مقالته، وابن عمه عبد الوهاب بن حزم الغزل المترف في حالته.» نفح الطيب (١ / ٣١٩).
(٣) اعتبط بالبناء للمجهول معناها: مات.
(٤) الذخيرة (١ / ٧٤).
(٥) الذخيرة (١ / ٧٤).
(٦) الذخيرة (١ / ٧٥).
(٧) الذخيرة (١ / ٦٥).
(٨) الذخيرة (١ / ٧٨) وفي نفح الطيب (١ / ٥١٣) فقرات من تهاجي الكاتبين، فليرجع إليهما القارئ إن شاء.
(٩) الذخيرة (١ / ٧٤، ٧٥).
(١٠) الذخيرة (١ / ٧٤، ٧٥). والرشاء: الحبل، والقليب: البئر.
(١١) الذخيرة (١ / ٦٧).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤