تصدير

تتناول هذه المقالاتُ المنوعة موضوعاتٍ تختلف فيما بينها اختلافًا كبيرًا، ولكنها لا تخرج في النهاية عن مِحورٍ واحد هو الأدبُ باعتباره ظاهرةً إنسانية؛ ومن ثَم فهي تدور كذلك حول الإنسان الذي يكتب هذا الأدبَ أو يقرؤه أو يتجسَّدُ فيه!

وباستثناء المقالات الست (٤٢–٤٧) التي نُشِرَت في الأهرام المسائي في باب «أحاديث الأحد» نُشِرت جميعُ هذه المقالات في صحيفة الأهرام الصباحية يوم الجمعة في عمود «الأسبوعيات» على مدى سنواتٍ طويلة — من آخر ١٩٨٦م إلى آخر ١٩٩٢م — مع توقفٍ أثناء حرب الخليج استمرَّ عامًا وبعضَ عام، بسبب الغصَّة التي ترسَّبَت في حُلوق كتَّاب العربية المؤمنين بها.

وسوف يُلاحظ القارئُ أن المقالات تتَّسم بالإيجاز الشديد الذي يفرضه ضيقُ المساحة في الصحيفة اليومية؛ ولذلك فأنا أعتذرُ مقدمًا عن عدم الاسترسال في الموضوعات التي تقتضي الإسهاب. ولتعويض ذلك أدرجتُ المقالات التي تشترك في طرح فكرةٍ بعينها بترتيب نشرها في الأهرام كي أُيسِّر على القارئ متابعةَ الفكرة، ولا شك أنه سوف يلحظ هذا الاتصالَ الداخلي فيما بين المقالات ولن تفوتَه الإشاراتُ الصريحة إلى مقالٍ سابق أثار بعضَ الضجيج فاقتضى الإيضاح. كما سيُلاحظ القارئ عدمَ وجود بعض المقالات التي طالَعَها في «أسبوعيات الجمعة» في هذا الكتاب، وربما ضحك من السبب الذي سأوردُه له وهو ضياع أصولها من مكتبتي وتقاعسي عن بذل الجهد في البحثِ عنها في أرشيف الأهرام.

وأهم ما أودُّ أن يذكره القارئ هو أن هذه المقالات، على ما يبدو بها من سِمات الصحافة السريعة، ليست خطَراتٍ عابرةً أو غيرَ محقَّقة، بل هي نتيجة التفكير المتأنِّي والبحث المحقَّق، وكل ما بها من معلومات صحيحٌ وموثَّق، من أسماء الكتب والمؤلفين إلى الذكريات المرتبطة بالحوادث والأشخاص، سواءٌ في مصر أم في الخارج. وهذا هو الاتجاه الذي سار فيه عمود «الأسبوعيات» منذ أنشأه محمد زايد ورعاه ونمَّاه الصديق الأديب سامي خشبة. وقد كنتُ أُفضِّل أن أُطلِقَ على الكتاب عُنوان «أسبوعيات» بُغْيَةَ إحالةِ القارئ إلى أصول المقالات، ولكن هذا العنوان ليس من حقي، بل من حق كلِّ مَن أسهَموا في الكتابة بهذا العمود على مدى السنوات السبع الماضية.

وسوف يُلاحظ القارئ أنني أدرجتُ مقالًا بقلم الدكتور لويس عوض عن أحد أعمالي المترجمة، وردِّي عليه، ثم رثائي له، انطلاقًا من روح التلمذةِ الحقَّة التي ربَطَت بيني وبين هذا العملاق الشامخ — رحمه الله رحمةً واسعة. وأخيرًا فلن يَعدم القارئُ بعض الهَزْل في ثنايا الجِد، وبعضَ التفاوُت في النبرة TONE أو النَّغْمة من مقالٍ إلى مقال.

أرجو أن يُقبَل ذلك من باب التسلية والتسرية. فكتب المقالات تُشبه — في أحسن حالاتها — الحدائقَ التي تضمُّ الحشائش والأعشاب إلى جانب الزهور والفواكه! فليقطف القارئ ما يجده من زهرٍ وثمر، ولْيضرِبْ صَفحًا عما يُصادفه من عُشْب وكَلَأ! فهذا أقصى ما أتمنَّى.

محمد عناني
القاهرة، ١٩٩٢م

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤