تمهيد

ثمة موضوع لا ينفك يتكرَّر في روايات الخيال العلمي بشأن الكيفية التي قد يستجيب بها البشر لغزو كائنات فضائية من خارج الأرض. عادةً ما ينقسم الرجال والنساء في الروايات من حيث استجاباتهم، فيقفون كما هو متوقَّع إلى جانب هوياتهم القومية أو العرقية، أو مصالحهم الاقتصادية، أو درجة نزعتهم إلى كراهية الغُرباء. تظل الحال هكذا ما دام الغزاة غير عدوانيين، أو ربما حتى غير مبالين بتطلعات البشر، إلا أن السيناريو يتغيَّر جذريًّا إذا تبيَّنَ أن الكائنات الفضائية معادِيةٌ للبشر.

يحدث في هذه الحالة أن يتَّحِدَ جميع البشر في مواجهة الخطر القادم من الخارج. والتهديد الخطير لنا جميعًا يُعِيد تعريفَ ما نرى أنه «الآخَر»، وعندما يتشكَّل هذا التوجُّه العقلي الجديد بين أبناء الأرض، فإن القصص عادةً ما تنتهي نهايةً سعيدة. ومن خلال المقاومة التعاونية من قِبَل البشر ينهزم العدو، أو على أقل تقدير يتخلَّى عن فكرة غزونا ويتركنا في سلام نخطِّط لمستقبل متفائل.

بما أن هذه قصة رمزية مناسبة، فإنها قد تكون قصة مفيدة في التفكير في التهديدات التي يتعرَّض لها كوكبنا، والتي تنشأ عن الاحترار العالمي، وكذلك استجاباتنا نحوها. ونظرًا لأن الأدلة العلمية على آثار انبعاثات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي آخِذة في التأكُّد على نحوٍ متزايد، فمن الواضح أن الأضرار الناجمة عن الاحترار العالمي سوف تحدث على نطاق واسع على هذا الكوكب، ولن تنحسر في بضعة مواقع في القطبين. وفي هذه اللحظة من تاريخنا القصير نسبيًّا في التعامل مع هذا «الغزو»، فإن كل بلد وكلَّ جماعةِ مصالح اقتصادية تبحث عن سبيلٍ للاستفادة من ذلك في النهاية. إن البلدان النامية — خاصة الصين والهند — لا ترغب في قبول أيِّ سياسة من شأنها إبطاء التنمية الاقتصادية لديها. ونفى مبدئيًّا أصحابُ المصالح الاقتصادية الذين يستفيدون كثيرًا من احتراق الوقود الحفري وجودَ أيِّ مشكلة على الإطلاق، بحجة أن الأدلة العلمية لم تكن مُقنِعة؛ وبعد ذلك، عندما لم يَعُدْ موقفُ الإنكار التام مقبولًا، شرعوا في استثمار بعضٍ من مواردهم الهائلة في مصادر الطاقة البديلة. وكانت النتيجة ارتباكًا في الرأي العام، وعدم يقين بشأن قوة التهديد، وغياب الوحدة التي كان من شأنها أن تضغط على الحكومات من أجل اتخاذ إجراءات أقوى. ليس الناخبون على استعداد للتضحية بجزء كبير من وسائل راحتهم — مع وجود استثناءات قليلة نوعًا ما — من أجل مواجهة بعض المخاطر غير المرئية حتى الآن.

متى سيتغيَّر الموقف؟ في قصتنا الرمزية كان من الضروري الانتظار حتى يصبح التهديد واضحًا للجميع، عندما يبدو بقاء الأجيال أكثر أهمية من تحقيق مكاسب قصيرة المدى، وعندما يصبح من المسلَّم به عالميًّا أن التهديد لا يمكن التعامُل معه إلا من خلال إجراءٍ تعاوني فوري على مستوى العالم. يحدُونا الأمل في أن هذا الكتاب سوف يسهم في إدراك تغيُّر المُناخ العالمي من خلال المساهمة في عملية رفع الوعي على نطاق أوسع.

ولكن هل من الضروري حقًّا إصدار كتاب آخَر حول مشكلات الاحترار العالمي؟ إننا مُغرَقون تقريبًّا كل يوم بفيض من الكتب والمقالات والتقارير التي تسعى إلى تعريفنا بمخاطر الاحترار العالمي، وما نحتاج — كلُّنا؛ أفرادًا ودولًا ومؤسساتٍ دوليةً — إلى القيام به لتفادي أسوأ المخاطر والتكيُّف مع ما لا نستطيع تجنُّبه. في الواقع كثيرٌ من هذه الأعمال محاوَلات ممتازة من قِبَل علماءَ بارزين وناشطين في مجال البيئة. هل يكرِّر هذا الكتَابُ المحاولاتِ السابقةَ فحسب، أم سيساهم بشيء ذي قيمة؟

إننا نعتقد بالفعل أن عملنا التعاوني يقدِّم شيئًا ذا قيمة؛ شيئًا يختلف عن التحليلات أو النصائح المعتادة لغير المقتنعين. فبدأنا باهتمام مشترك بالقضايا البيئية — كيف يمكن للمرء ألَّا يكون مهتمًّا بها؟ — ولكن بخلفيتين علميتين مختلفتين تمامًا؛ فأحدنا أستاذ في الهندسة الكيميائية، والآخَر أستاذ في العلاقات الدولية. في البداية ركَّزَ كلٌّ منَّا على ما نعرفه أفضل المعرفة، ثم سَعَيْنا للتقارب حول مجموعة من الخيارات السياساتية في فترات زمنية مختلفة، فظهر توافُق طيِّب من امتزاج تجاربنا الفردية ووجهات نظرنا وتركيزاتنا.

تُعرَض النتائج في الفصول الختامية لتقديم قائمة من السياسات الممكنة، وهي خيارات قائمة على خصائص مستدامة علميًّا وسياسيًّا وأخلاقيًّا، والأهم من ذلك تقديم اقتراحات بأولويات محددة على المدى القصير وعلى المدى المتوسط وعلى المدى الطويل. وليس المقصود من هذا الكتاب أن يكون مساهَمةً بحثيةً جديدة في تكنولوجيا الهندسة أو العلاقات الدولية، وإنما أن يكون مجموعة من المداخل الموصى بها للقرَّاء غير المتخصصين، التي ربما تساعدهم في تحديد موقفهم تجاه بعض قضايا العصر الأكثر حيويةً.

أخيرًا، تجدر بنا الإشارة إلى أننا نكتب هذا الكتاب في أعقاب مؤتمر كوبنهاجن الذي عُقِد في ديسمبر من عام ٢٠٠٩. وصَفَ البعضُ هذا المؤتمرَ بمصطلحات متشائمة أنه الفرصة الأخيرة (أو أفضل فرصة) للبشر لمنع درجات الحرارة العالمية من الارتفاع لمستويات لا يمكن التعامل معها، ولكن لدينا وجهة نظر مختلفة؛ فنحن نعتقد أن المؤتمرات العالمية ليست أفضل إطارٍ لوضع أهدافٍ ذات معنًى وجداول زمنية للمبادرات السياسية السريعة والحازمة من قِبَل المساهمين الكبار في الاحترار العالمي. ولكن الأكثر أهميةً هو أن ما نتج عن كوبنهاجن — وهو وثيقة توفيقية ضعيفة تفتقر إلى التفاصيل الأساسية حول طريقة التنفيذ — لم يغيِّر شيئًا في مسألة الحاجة إلى اتخاذ جميع الدول والمجتمع الدولي إجراءات سياساتية دائمة وضرورية. سيكون خطأً كبيرًا أن نستسلم في يأس ونقول: كان مؤتمر كوبنهاجن مخيبًا للآمال، لقد ضاع كل شيء. في الواقع لم يَضِع كل شيء حتى الآن، ولا تزال هناك تغيُّرات تكنولوجية و/أو سياسات مهمة نسعى إليها يمكن أن تُحدِث فارقًا؛ ويمكن أن تجنِّبنا الانزلاق إلى عالم من الصراع والحرمان كما صوَّره الفيلسوف هوبز. فهذه السياسات والمواءمات هي التي ستحقِّق هدفنا المرجو في النهاية.

دانيال دي بيرلمتر
«جامعة بنسلفانيا»
روبرت إل روثستاين
«جامعة كولجيت»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤