الفصل الحادي عشر

آفاق ما بعد كوبنهاجن

بالنسبة لكثير من العلماء ومناصري حماية البيئة الملتزمين الذين يعتقدون أن الاحترار العالمي يتسارع وأن الوقت المتبقي للعمل بفاعلية على إبطاء أو عرقلة تقدُّمه يزول بسرعة، فإن نتائج مؤتمر كوبنهاجن كارثة بكل المقاييس. وكان يوجد أمل على جبهتين؛ الأولى: أن تقلُّدَ إدارة أوباما للحكم سيؤدي إلى قيادة أمريكية أقوى واستعداد أكبر لقبول أهداف وجداول زمنية صارمة بخصوص الانبعاثات. والثانية: أن الصين سوف تُظهِر دورًا قياديًّا بشأن الاحترار العالمي يتلاءم مع موقعها الجديد في النظام الدولي، وسوف تُوافق على أهداف جادة ومراقبة فاعلة لالتزاماتها. وفي النهاية استخدمت كلتا هاتين الدولتين الفاعلتين الرئيسيتين فشلَ الأخرى ذريعةً لتقاعسها عن العمل، وضاع كلا الأملين.

هل نتج أيُّ شيء ذي قيمة عن اتفاق كوبنهاجن؟ كان يوجد اتفاق على جعل ارتفاع درجات الحرارة بحلول نهاية هذا القرن أقل من درجتين مئويتين، وعلى كل بلد أن يقدِّم تقريرًا عن الخطط الطوعية لخفض الانبعاثات، ولكن لم يحدد الاتفاق أيَّ كميات، وافتقر إلى أيِّ طريقة للإنفاذ، ولم يُحدَّد هدف إجمالي لمنتصف القرن. وتحسبًا للآثار المحتملة للاحترار العالمي، وافقت الدول المتقدمة على توفير الأموال اللازمة لتخفيفها والتكيف معها إلى ما يصل إلى ٣٠ مليار دولار في الثلاث سنوات القادمة، وتزيد إلى ١٠٠ مليار دولار بحلول عام ٢٠٢٠. ولا يوجد أيُّ شروط بشأن الدول التي ستدفع، والمبالغ التي ستدفعها، والجهات التي ستتلقى الأموال، وتواريخ دفع هذه الأموال. وكانت توجد حركة للحد من إزالة الغابات؛ فقد وافقت الدول المتقدمة على أن تدفع للبلدان الاستوائية ما يصل إلى ٣٫٥ مليارات دولار لإبطاء تدمير الغابات، ولكن يتبقى التوصل لتفاهم حول تفاصيل الاتفاق الفعلي حول الزمان والمكان والمعايير.

(١) فشل مكلِّف أم نجاح محدود؟

لم يكن ينبغي أن تكون النتائج المحدودة لمؤتمر كوبنهاجن غير متوقعة تمامًا. ففي المقام الأول، لم تكن المفاوضات المكثفة التي استمرت لأكثر من عام قبل المؤتمر قادرة على تضييق الفجوات في السياسات بين مختلف البلدان، وانتهت بالاعتراف بالفشل. كان يوجد تحرك أولي نحو التوصل إلى اتفاق بشأن الحد من إزالة الغابات، وهذا أدى بالفعل إلى بعض النجاح الحقيقي في كوبنهاجن، ولكن الولايات المتحدة والدول الفاعلة الرئيسية الأخرى أعلنت في الأشهر التي سبقت بدء المؤتمر أنه لن يوجد أيُّ اتفاق شامل وملزِم قانونًا، وأن أقصى ما يمكن توقعه هو بيان سياسي مهلهل قد يصبح في يوم من الأيام ملزِمًا؛ وثبت أن هذا صحيح.

علاوة على ذلك، طالما كان تعليق الكثير من آمال تحقيق تقدُّم جوهري في مؤتمر واحد ضخم — يضم ١٩٢ بلدًا ذات مستويات مختلفة للغاية من حيث التنمية، وحالات الطاقة والبيئة، وتفسيرات المصالح — مبالغةً في التفاؤل. ومهما كان ما يمكن لمؤتمرات مثل هذا المؤتمر القيام به فيما يخص الشرعية وإتاحة الفرصة للتعبير عن وجهات النظر المتباينة، فهي أقل المحافل إمكانيةً لتحقيق ما يريده ظاهريًّا معظمُ المشاركين، وهو مجموعة من الالتزامات الثابتة الشاملة المقبولة لدى كل الأطراف والملزِمة من الناحية القانونية والتي يمكن التحقق منها. تناول الفصلان السابع والثامن شكوكنا حول جدوى المؤتمرات العالمية كمنتديات لصنع القرارات، ولم يقدم مؤتمر كوبنهاجن أيَّ أدلة تشير إلى أن تلك الشكوك تحتاج إلى مراجعة؛ إذ وافق منظمو الأمم المتحدة على حضور ٤٥ ألف شخص في قاعة مؤتمرات تكفي ١٥ ألف شخص فحسب، ثم قضوا ساعات طويلة يتجادلون حول مَن الذي ينبغي أو لا ينبغي أن يُسمَح له بالدخول من بين الأعداد الغفيرة من الوفود التي تمثِّل المنظمات غير الحكومية وشبكات المجتمع المدني؛ ولكن المؤتمرَ السيئَ التنظيمِ والإدارةِ لم يمثِّل سوى مظهرٍ خارجيٍّ لمشاكل أعمق بكثير.

كيف يمكن للمرء التوصل إلى اتفاق في مثل هذه الظروف؟ إن ما تطوَّر في الأمم المتحدة هو نظام من المفاوضات بين المجموعات لتجنب فوضى محاولة جمع العديد من البلدان والتوصل إلى حلول وسط بينها. ومن ثَم الْتَقَت البلدان النامية في مجموعة السبع والسبعين بهدف وضع مجموعة منسقة من المقترحات، وأصبح للبُلدان المتقدمة مجموعتها الخاصة، وانضم إليها الآن معظم الدول التي كانت ذات يوم جزءًا من الكتلة الاشتراكية، والصين «مجموعة» في حدِّ ذاتها. كانت النتائج حُزَمًا من المطالب غير العملية، وكان بعضها متناقضًا في بعض الأحيان ولا يمكن تحقيق التوافق بينها دون المخاطرة بانشقاق المجموعة. فبالنسبة للبلدان النامية، كان الموقفُ الأسهلُ الأقلُ إثارةً للجدل داخليًّا هو ببساطةٍ المطالبةَ بزيادة تحويلات المساعدات الخارجية غير المشروطة، والتهديد بمنع الاتفاقيات دون هذه التحويلات؛ أما بالنسبة للبلدان المتقدمة، فإن أسهل موقف هو المماطلة؛ لأنه لم يبدُ أن أيًّا من الإقناع أو المواقف الأكثر عدوانية يحقِّق نتائج مفيدة. وطالما بَدَا نظام المجموعات ضروريًّا في الماضي لتجنب فوضى دمج ١٩٢ تفضيلًا سياساتيًّا فرديًّا، ولكنه أثبت أيضًا فشلًا متزايدًا. وللأسف، ما دام نظام التفاوض حول الاتفاقيات في المؤتمرات الكبرى هو القاعدة في الأمم المتحدة، فإنه من المحتم أن تكون الاتفاقيات الناتجة خطابات بلاغية أو رمزية إلى حدٍّ كبير. ومن أجل التوصل لاتفاقيات أكثر موضوعية، كانت الكفة أرجح بشكل متزايد نحو الاعتماد على مجموعات أصغر من الدول «التي تتشابه في طريقة التفكير» تقريبًا؛ مثل مجموعة الثماني ومجموعة الست عشرة ومجموعة العشرين، وما إلى ذلك.

برغم السوء الذي يبدو عليه هذا الوضع، فإن الأمر ازداد سوءًا في كوبنهاجن؛ إذ تفرقت الجماعات ولم يمكن بناء ائتلافات جديدة، وسادت حالة من الفوضى. فانقسمت مجموعة السبع والسبعين إلى عدة مسارات: اتخذت الصين وغيرها مما تُسمَّى القوى الصاعدة (الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وأحيانًا إندونيسيا) مسارها الخاص، ركزت الدول الجزرية والمنخفضة على مخاطر المدى القريب الخاصة بها، ومثلت أفريقيا ائتلافًا مفككًا يطالب بزيادات هائلة في المساعدات، وبدت بلدان أمريكا اللاتينية والبلدان الآسيوية المتبقية تائهة وسط هذه الفوضى. بعد ذلك، ظهرت أيضًا خلافات بين الصين والبرازيل وجنوب أفريقيا، وهو ما قد يعقد المفاوضات في المستقبل؛ فبينما دعمت البرازيل وجنوب أفريقيا الصينَ خلال المفاوضات النهائية، فإنها وصفت الاتفاقية بعدها بأنها «مخيبة للآمال»، وأعربت جنوب أفريقيا عن رأيها حيال الالتزامات التمويلية بأنها «غير مقبولة».1

وحدث أيضًا انقسام حاد بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مع كون الاتحاد الأوروبي أكثر استعدادًا (وقدرة) على تقديم التزامات قوية للحد من انبعاثات الكربون. وفي هذه الظروف، أُهدرت بشكل كبيرٍ العشرة أيام الأولى أو نحو ذلك من المؤتمر بسبب الجدل الأكبر الناتج عن وثائق التسويات المزعومة التي يبدو أنها سُرِّبت عمدًا، وجميعها يحتوي على شيء تجده مجموعة أو أخرى مثيرًا للاعتراض.

كان غياب القيادة — وخاصة من قِبَل الولايات المتحدة، وكذلك أيضًا من قِبَل القيادة المزعومة للأمم المتحدة — معيقًا للاتفاق على نحو خاص. وعندما ظهر الرئيس أوباما في اليوم الأخير، آملًا على ما يبدو في إنقاذ مؤتمر على وشك الوقوع في كارثة، لم تنجح جهوده إلا في إنتاج اتفاق تجميلي سعى إلى إخفاء حقيقة أنه لم يتحقق أيٌّ من أهداف المؤتمر الأصلية. ولا يمكن القول عن وصف الرئيس للاتفاق بأنه «تقدم غير مسبوق» سوى أنه مبالغة سياسية خيالية، أو محاولة لامبالية لإخفاء الفشل.2 وتحوَّل الوضع إلى موقف هزلي، فعندما أرسل الصينيون مسئولين منخفضي المستوى لاجتماعَين مع الرئيس — الأمر الذي بَدَا إهانة متعمدة — كان عليه أن «يقتحم» لقاءً خاصًّا بين الصينيين والهنود والبرازيليين وربما واحدة أو اثنتين من الدول الأخرى؛ من أجل محاولة التوصل لاتفاقية يمكن أن تكون إنجازًا من نوعٍ ما.3 أليس من الغريب أن مؤتمرًا عالميًّا يضم ما يقرب من مائتَيْ بلد تسعى للتوصل إلى اتفاقية بشأن قضايا ذات أهمية شديدة لكل بلد؛ ينتهي بوثيقة هزيلة مكوَّنة من صفحتين ونصف خضعت للتفاوض بين خمس دول دون التشاور مع الاتحاد الأوروبي وروسيا والبلدان النامية؟

حظيت الاتفاقية السياسية التي انتهى بها المؤتمر بدعم البلدان النامية والبلدان الأخرى «المستبعدة» على مضض، إن لم يكن بمرارة. لم تقبل البلدان النامية الاتفاقية دون اعتراض إلا بسبب الوعد بمساعدات خارجية، مع أن الفجوة المحتملة بين ما وُعِد به وما سيُقدَّم كانت مثيرة للقلق؛ فالصفقة التي تضمنت وعدًا بتقديم ١٠ مليارات دولار سنويًّا من ٢٠١٠ إلى ٢٠١٢ للبلدان النامية، ومائة مليار دولار سنويًّا بحلول عام ٢٠٢٠ من أجل التكيف مع التغييرات، لم تتضمن أيَّ تفاصيل عن مصادر هذه المساعدات، ولم تحدِّد البلدان التي ستدفع والمبالغ التي ستدفعها، وكانت الفجوة بين ما كانت البلدان النامية تطلبه وبين ما وُعِدت بالحصول عليه ضخمة، ولكن الحصول على شيء ما أفضل على ما يبدو من عدم الحصول على أيِّ شيء. ورفَض الصينيون قبول الرقابة الصارمة على التزاماتهم للحد من الانبعاثات، وهو الأمر الذي أصرت الولايات المتحدة في البداية على أنه ضروري، وأنه لن توجد أيُّ اتفاقية دونه. وبدلًا من ذلك، لم تذكر الاتفاقية سوى أن البلدان سوف تضع أهدافها الخاصة وتضع نظامًا لمراقبة التقدم المحرز نحو تحقيق هذه الأهداف وإعداد التقارير عنه، ولكن دون أيِّ عقوبات للفشل أو أيِّ آلية لتسوية النزاعات. وكذلك اعترض الصينيون باستخدام حق الفيتو على أيِّ جهد لوضع أهداف وجداول زمنية واضحة للبلدان الأخرى، ربما لأنهم كانوا يخشون من أن تكون سابقة يُحتذَى بها.

كانت الولايات المتحدة في موقف ضعيف بحيث لا تستطيع المطالبة بمزيد من التنازلات الكبيرة بالنسبة للانبعاثات؛ لأن الرئيس كان مقيدًا فيما يمكن أن يقدِّمه، وهو ما لا يزيد عن خفض بنسبة ١٧٪ من مستويات عام ٢٠٠٥ بحلول عام ٢٠٢٠، وهو الحد الأدنى الذي حدَّدَه مشروع قانون واكسمان-ماركي الذي وافق عليه مجلس النواب. وتُركت للبلدان النامية حرية تحديد ومراقبة الانبعاثات الخاصة بها، ولكن مع وجود بعض الشروط من أجل الحصول على المساعدات الدولية إذا ما اختارت أن تطلبها. ووُعدت الدول النامية بتمويل مبدئي يبلغ ١٠ مليارات دولار للتكيف الفوري مع التعديلات، ويزداد إلى مائة مليار دولار بحلول عام ٢٠٢٠، ولكن دون ضمانات. وكما أشرنا من قبلُ، كان الاتفاق حول إزالة الغابات جزءًا مهمًّا جدًّا من حزمة الاتفاقات (لأن ١٨–٢٠٪ من الانبعاثات تنتج عن إزالة الغابات، ويأتي معظمها من البرازيل وإندونيسيا والفلبين)، ولكن أُرجئ الكثير من التفاصيل الضرورية حتى تخضع للتفاوض.4 وكان الالتزام بالحفاظ على مستوى ارتفاع درجات الحرارة العالمية عند أقل من درجتين مئويتين مرفوضًا لدى البلدان الجزرية التي ضغطت بقوة من أجل زيادة أقل تبلغ ١٫٥ درجة مئوية. وأُسقطت الالتزامات الأقوى باتفاقية مُلزِمة وتخفيضات كبيرة في الانبعاثات بحلول عام ٢٠٥٠ من الاتفاق النهائي بسبب الاعتراضات الصينية بشكل رئيسي. وعلى أيِّ حال، لا شيء في الاتفاقية مُلزِم قانونًا.5

عندما ازداد وضوحًا قبل وخلال المؤتمر أنه لن يمكن التوصل لاتفاق شامل وملزِم، وأن أيًّا ما سينشأ خلال الأيام القليلة الأخيرة من المساومات المحمومة والفوضوية سيكون أقل بكثير من التوقعات؛ انتشر سؤال واحد بين كثير من الوفود والمنظمات غير الحكومية: ألن يكون عدم التوصل لاتفاق أفضل من التوصل لاتفاق ضعيف؟ كان الافتراض الواضح لأولئك الذين يفضلون عدم التوصل لاتفاق هو أن الفشل المدوي، الذي لا يمكن أن يتنكر خلف وعود غامضة بفعل شيءٍ ما في المستقبل، ربما ينشِّط تأييدًا شعبيًّا على نحو أكثر فاعلية بكثير من الاتفاق الضعيف الذي يمكن للقادة السياسيين تبريره باعتباره خطوة أولى مفيدة في عملية مستمرة. ربما لا تكون هذه الطريقة طريقة واضحة للإجابة على ذلك السؤال، ولكن ربما كان السؤال نفسه على أيِّ حال ليس سؤالًا مناسبًا نطرحه، فالسؤال الأهم هو عن إن كانت الدول الرئيسية تعلمت من تجربة كوبنهاجن أنها تحتاج إلى ابتكار عملية تفاوض أكثر فاعلية في المستقبل؛ عملية تركز حتمًا على مجموعة أصغر تتضمن جميع الملوِّثين الرئيسيين، ولكن مع افتراض أنهم لن يستخدموا سلطتهم وثروتهم لتجاهل احتياجات البلدان النامية. إننا لا نعرف حتى الآن إجابة ذلك السؤال، ولكن توجد بعض العلامات المشجِّعة على أن ساحات التفاوض الأخرى يجري بالفعل مناقشتها؛ مثل مجموعة الثماني زائدًا عليها خمس، ومجموعة الدول الست عشرة، ومجموعة العشرين. ويوجد سؤال حيوي آخَر — سنسعى لتناوله لاحقًا في هذا الفصل — عن إن كان يمكن تقليل العقبات المحلية والدولية أمام الاتفاقية في أيِّ حال من الأحوال أم لا. وإذا لم تكن التحسينات وشيكة، فسوف يصبح مؤتمر كوبنهاجن ببساطة حلقة أخرى في سلسلة طويلة من الإخفاقات.

بدأ إلقاء اللوم بالفشل أو بالنتائج الهزيلة للغاية حتى قبل أن ينتهي المؤتمر. ومع ذلك، يوجد العديد من المسائل المختلطة معًا في تقييم درجات المسئولية، وربما تحتاج إلى فصلها. على وجه التحديد، مَن الذي يتحمل أغلب المسئولية عمَّا أُبقِي عليه أو استُبعد من الاتفاق النهائي؟

بعد وقت قصير من انتهاء المؤتمر، اتهم إد ميليباند — وزير الطاقة وتغير المناخ في المملكة المتحدة والمنتمي لحزب العمال — الصينيين على وجه التحديد بتخريب الاتفاقية الملزِمَة قانونًا للحد من انبعاثات غازات الدفيئة، ورَدَّتْ متحدثةٌ بِاسْم وزارة الخارجية الصينية بحدةٍ قائلةً إن «السياسي البريطاني» كان يحاول فحسب زرْعَ الفتنة بين البلدان النامية وخلْقَ توترات بين الصين ومجموعة السبع والسبعين، وهي محاولة «محكوم عليها بالفشل».6 لا شك في أن أداء الصينيين كمفاوضين في كوبنهاجن كان جيدًا؛ إذ كانت جميع مواقفهم المبدئية سليمة (بما في ذلك الالتزام بخفض الكثافة العامة لانبعاثات الكربون في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة ٤٥٪)، ولم يكونوا مُلزَمين بقبول أيِّ أهداف وجداول زمنية أكثر صرامةً، ولكن قبول هذه الأهداف والجداول الزمنية من جانب البلدان المتقدمة كان الهدف الرئيسي لغالبية البلدان النامية؛ لأنها في ذلك الوقت كانت أفضل وسيلة لتخفيف ارتفاع درجات الحرارة الذي من المحتمل أن تكون البلدان النامية أكثر المعانين منه بالطبع. ولما كانت الصين تريد استمرارَ الدعم السياسي من جانب البلدان النامية، ومواصلةَ الحصول على مواردها الطبيعية، فإن التهمة بأنها اعترضت على الشروط الواردة في الاتفاقية التي من شأنها أن تساعد على تقليل الاحترار العالمي؛ كانت موجعة.
ومع ذلك، يبدو أن اتهام الصين له ما يبرره تمامًا. فقد شنَّ مارك ليناس — مستشار أحد الوفود الحاضرة — هجومًا أشد وطأة على الموقف الصيني في جلسات التفاوض الأخيرة.7 فأكَّدَ قائلًا: «الحقيقة هي أن الصين دمَّرت المحادثات، وأذلت عمدًا باراك أوباما، وأصرَّتْ على عقد «صفقة» سيئة حتى ينسحب قادة الغرب ويتحملوا اللوم.» وزعم أن الصين أصرت على حذف جميع الأرقام المهمة (حول تخفيضات محددة في الانبعاثات بحلول تاريخ معين) من الصفقة، والاستعاضة عنها بالتزام مبهم بخفض الانبعاثات «في أقرب وقت ممكن». ويؤكد ليناس أيضًا أن الصين نجحت في هذا لأنها «لم تكن في حاجة إلى اتفاق»، وكان الغرب والدول النامية بحاجة ماسَّة لتحقيق نتيجة إيجابية، وكان الرئيس أوباما يحتاج أن يُظهِر للكونجرس أنه يستطيع إجبار الصين، ولم يكن هناك أيُّ ضغوط على الصين من المجتمع المدني أو شبكة حيوية من منظمات غير حكومية. إن التأكيد على أن الصين لم تكن في حاجة إلى اتفاق نقطةٌ جدلية، لا سيما مع المستوى الحالي من التدهور البيئي فيها.

باختصار، كانت الصين «الفائز» الواضح بحصولها على الصفقة التي تريدها، ولكنها كانت أيضًا الخاسر الواضح بسبب أن ميليباند وليناس — وغيرهما كثير — ألقيا لوم الفشل بوضوح على أسلوب الصين في زرع العراقيل. كان الموقف التفاوضي الصيني قويًّا جدًّا على نحو واضح؛ لأنه لا معنى لأيِّ اتفاق دون الموافقة القوية للصين، وكانت محصنة ضد الضغوط. فعلى سبيل المثال، التهديدات الموجودة في تشريع واكسمان-ماركي البيئي بمعاقبة عدم الامتثال لأيٍّ من شروطه بفرض ضريبة كربون حدودية على أولئك الذين لم يلتزموا بتخفيضات الكربون؛ لم يبدُ أنها أثَّرَتْ في الصينيين (أو الهنود)؛ ربما لأن مثل هذه الضرائب قد تنتهك لوائحَ منظمة التجارة العالمية، أو قد تسبِّب حربًا تجارية سيخسر الجميع فيها. مع ذلك، لم يكن موقف الصين مخيبًا للآمال لدى المجتمع البيئي فحسب؛ إذ كان الأمل معقودًا على أنه مع صعود قوة الصين والفوائد التي قد تتوقعها من إنشاء نظام دولي أكثر استقرارًا تحكمه قواعد ثابتة؛ فسوف يتكون لديها شعور متزايد بمسئولية المساهمة في خلق نظام عالمي، وليس بالمصالح الوطنية القصيرة المدى فحسب. ويمكن للمرء أن يتساءل — باعتبار كوبنهاجن نذيرًا بسلوك الصين في المستقبل — هل أصبحت النتائج التعاونية في مجموعةٍ متنوعةٍ من المجالات في الوقت الراهن مهددةً أم لا؟ ولكن قبل التسرع في الوصول إلى استنتاجات سابقة لأوانها، من المنطقي أن نحاول أن نفهم لماذا اختارت الصين التصرف هكذا في كوبنهاجن، وهذه نقطة سوف نعود إليها لاحقًا.

وانتُقدت البلدان النامية أيضًا لعدم التفاوض جديًّا، وعدم تضمين السماح بالحصول على أموال من استثمارات القطاع الخاص في تقييماتها، ولكنها ببساطة قدَّمت سيلًا من المطالب بتحويلات كبيرة وغير مشروطة من الموارد العامة. ولا ترى البلدان المتقدمة أن نفقات المساعدات الخارجية سوف تقترب أبدًا من حجم مطالب البلدان النامية، في حين قاوَمَ الكثير من البلدان النامية هذه الحجة؛ لأنهم لا يستطيعون تلبية الشروط اللازمة لجذب استثمارات القطاع الخاص، ولأنهم يفضِّلون المساعدات المباشرة من حكومة إلى حكومة. ثم مرة أخرى، لم تكن تتمتع بقدر كبير من النفوذ التفاوضي، لا سيما عندما لا تدعمها الصين ولا الهند، أو عندما لا تستطيع مجموعة السبع والسبعين التوصُّلَ إلى توافق في الآراء بشأن أيِّ شيء (باستثناء المزيد من المساعدات).

لم تقدِّم الخطابات السخيفة التي ألقاها بعض وفود دول العالم الثالث أيَّ مساعدة. على سبيل المثال، قال لومومبا دي أبينج الرئيس السوداني لمجموعة السبع والسبعين إن الاتفاق «يطلب من أفريقيا التوقيع على وثيقة انتحار … إنه حل يعتمد على القيم التي ألقَتْ بستة ملايين شخص في أوروبا في الأفران.»8 وُصِفت تصريحاته بأنها «مثيرة للاشمئزاز» و«جديرة بالازدراء» من قِبَل العديد من الوفود الغربية، ولكنها أوضحت نوعية بعض وفود العالم الثالث على الأقل. على أيِّ حال، في حين يجب على المرء أن يكون متعاطفًا مع محنة البلدان التي ستواجه كارثة محتملة دون وجود الموارد المادية أو الموارد البشرية لمواجهتها — ومن ثَم فهي في حاجة ماسة للمساعدة الخارجية — فإن الخطابات السخيفة التي تبعها قبول مُذِل «لوثيقة الانتحار» ليست طريقة مفيدة للسعي إلى التأثير على المفاوضات. ومن المفارقة أن السيد دي أبينج اختار عدم انتقاد حليف السودان الوثيق — الصين — البلد صاحب المسئولية الكبرى عن فشل المفاوضات.

ما مدى الفارق الحقيقي الذي ستشكله نتيجة كوبنهاجن المخيبة للآمال في الجهود الرامية إلى تطوير استجابة متماسكة وفاعلة ومؤاتية لتغير المناخ؟ إذا كان أحدهم من المشكِّكين في الاحترار العالمي أو مُنْكريه، فسيُشيد بالنتيجة؛ فلم تُفرَض أيُّ تغييرات سياساتية مكلفة وغير ضرورية على الحكومات. وحتى بعض دعاة حماية البيئة — في محاولة لتحقيق الاستفادة القصوى من موقف سيئ — دافعوا عن رأيهم بأن كوبنهاجن كانت على الأقل خطوة أولى مفيدة في عملية سياساتية لن تتوقف؛ في الواقع استؤنفت هذه العملية بالفعل بالتحضير للمؤتمر الكبير القادم (في مكسيكو سيتي في عام ٢٠١٠). وبطبيعة الحال، إذا افترض المرء أن الأمم المتحدة محفل ميئوس منه لإجراء مفاوضات جادة، فإن مؤتمر كوبنهاجن يعزِّز هذه الفكرة.

ولكن حتى التحليل الدقيق الذي يبحث عن نهج جديد لتناول مشكلة الاحترار العالمي بعد كوبنهاجن يمكن أن يؤدي على ما يبدو إلى طريق مسدود. على سبيل المثال، يرى بيورن لومبورج أننا بحاجة إلى نهج جديد لا يركز على الحد من انبعاثات الكربون، وهو الأمر الذي يعتقد أنه لا فرصةَ له للحدوث في الوقت المناسب لتجنب الكارثة، وإنما يركِّز على السياسات الأكثر ذكاءً من الناحية الفنية، والأكثر جدوى من الناحية السياسية، والأكثر كفاءةً من الناحية الاقتصادية.9 ومن ثَم نحن بحاجة إلى زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة بمقادير متعددة، بسبب أن الجهود الحالية — حتى لو زاد حجمها — لن توصلنا إلا لأقل من نصف الطريق نحو تحقيق الاستقرار في انبعاثات الكربون بحلول عام ٢٠٥٠. ويُعتقد أن البديل الوحيد هو زيادة الإنفاق على أبحاث وتطوير الطاقة النظيفة بمعدل خمسين ضِعفًا.10 وبينما نتفق تمامًا بشأن ضرورة زيادةِ الإنفاق على البحث والتطوير زيادةً كبيرة، فإن المبلغ الذي اقترحه لومبورج ليس ممكنًا من الناحية السياسية؛ فيجب علينا أن نختار التكنولوجيات التي ينبغي الإنفاق عليها، ونحدد نصيبَ كلٍّ منها من المال المتاح أيًّا كان المبلغ.
لن نتراجع بالضرورة إلى نقطة الصفر بعد كوبنهاجن؛ فقد تَعلمْنا بعضَ الأشياء المفيدة عن ضرورة التوصل إلى نهج مختلف للمفاوضات، وقد حَدَثت بعض منحنيات التعلم المفيدة بين بعض البلدان المتقدمة والبلدان النامية على الأقل، ونتجت بضع نتائج مفيدة في كوبنهاجن (على سبيل المثال، بشأن إزالة الغابات) قد تكون بمنزلةِ لَبِناتٍ في المستقبل. تعتمد كيفية تفسير المرء لهذه النقاط على إصدار حكم: ما الوقت المتبقي أمام الدول والنظام الدولي للاستجابة قبل أن يبدأ ارتفاع درجات الحرارة في خلق أنماط لا يمكن علاجها من التدهور والدمار في بعض أجزاء عالمنا؟ ارتفعت انبعاثات الكربون بنحو ٢٠٪ في العقد الذي تلا مؤتمر كيوتو، ويَعتقد عددٌ من العلماء الذين أَجرى معهم المحررُ العلمي لجريدة «فاينانشال تايمز» مقابلاتٍ أن ارتفاع درجة الحرارة ٣ درجات مئوية فقط هو الآن أفضل ما يمكن تحقيقه في هذا القرن.11
أفقدنا مؤتمر كوبنهاجن وقتًا، ولكن ليس «كل» الوقت الذي علينا أن نتصرف خلاله. وبينما يَحدث الاحترار العالمي بالتأكيد، وربما يحدث بوتيرة متسارعة، لا يزال يوجد الكثير من الشكوك حول مدى السرعة التي سيحدث بها، ومدى الفاعلية التي ستكون عليها الاستجابات، والتكاليف التي ستترتَّب على هذه الاستجابات، والآثار التي ستنشأ من مجرد افتراض أن كل شيء ضاع أو سيضيع قريبًا. والتوصل لعملية سياساتية فاعلة للتعامل مع هذه القضايا محليًّا ودوليًّا أمرٌ حتميٌّ، ولكنه صعب على نحو مُحبط. ومن الصعب إيجاد أفكار مفيدة حول كيفية التغلب على العقبات — السياسية والاقتصادية والنفسية — لإنشاء مثل هذه العملية؛ ومن ثَم من الصعب تنفيذها. ومن المفيد خلال البحث عن سبل للتعامل مع هذه القضايا ذكر التصريح الأخير من مجلة «ذي إيكونومست»: «تغيُّر المناخ هو أصعب مشكلة سياسية اضطر العالم للتعامل معها على الإطلاق.»12 واستطرد المؤلف قائلًا: «إنها معضلة السجينَيْن ومشكلة المنتفعين بالمجان ومأساة المشاعات؛ كلها مدمجة في مشكلة واحدة.» ونحن لا نختلف معه في ذلك.

(٢) إعادة تأطير النقاش

عندما تصل قضية أو نزاع إلى حالة من الجمود، ولا يستطيع أيُّ طرف فرض إرادته على الآخر، ويمكن لكلا الطرفين الاعتراض على أيٍّ مما يقترحه الآخَر؛ فمن الضروري السعي إلى إعادة تأطير النقاش. وكما أشار لاكوف، الأُطُرُ هي بنيات عقلية تُشكِّل الطريقة التي نرى بها العالم: أهدافنا وخططنا وأفعالنا وتقييماتنا للنتائج الجيدة أو السيئة.13 وتتعلق الأطر في الواقع بكيفية تَصوُّرنا لموقفٍ ما، وأنها — على هذا النحو — تساعدنا على تفسير العالم وتنظيمه على نحو متماسك. وفي حالات الصراع (مثلًا في الشرق الأوسط أو أيرلندا الشمالية) أو في نطاقات الخلاف السياساتي الشديد (مثل تغيُّر المناخ) يمكن أن تصبح الأطر المتعارضة كليًّا راسخةً بشدة ومقاوِمةً للتغيير. وفي مثل هذه الظروف، قد يتطلب المضيُّ قدمًا إعادةَ تأطير؛ أيْ إقناعَ الطرف الآخر بتغييرِ أو تعديل إطاره بحيث تصبح الأطر المتعارضة كليًّا متوافقة جزئيًّا على الأقل. وبما أن كل إطار يبرِّر المصلحة الذاتية ويسعى إلى تحويل المترددين حياله، فإن إعادة التأطير ليست سهلة مطلقًا، وربما يتطلب الأمر تدخُّلَ طرف ثالث محايد، وهي الفكرة التي جُرِّبت مرات عديدة في مجموعة متنوعة من الصراعات، ولها نمط غير ثابت من النجاح. وربما تكون المشكلة أكثر حدةً على الصعيد الداخلي في الولايات المتحدة؛ لأنه من الصعب أن نتصور مَن سيكون الطرف الثالث المحايد، والسببَ في تمتُّعه بالقبول في الوقت الراهن الذي وصلَتْ فيه مستوياتُ الاستقطاب الحزبية واختلافاتُ الرأي العام إلى نِسَبٍ كبيرة مذهلة. في الواقع، وكما أشارت مجموعة متنوعة من المحللين، إن التغيير قد يكون صعبًا لدرجة أنه لن يولِّد قدرًا كافيًا من التقارب المفاهيمي، بل لن يولد سوى كارثة محلية مثل كارثة الحادي عشر من سبتمبر، أو كارثة طبيعية ضخمة مثل كاترينا أو تسونامي التي حدثت في آسيا.
توجد مجموعة متنوعة من التخطيطات التي يمكن للمرء استخدامها في محاولةٍ لزيادة احتمالات نجاح إعادة التأطير. على سبيل المثال، من المنطقي محاولة نقل الجدل من الخوف من الخسارة (لتجنب تحيُّز «بُغْض الخسارة» السائد على نطاق واسع) إلى توقُّع المكاسب. ويوضح جوناه ليرر هذه النقطة ببعض الأمثلة المألوفة: تضاعُف عدد المرضى الذين يختارون إجراء الجراحة عندما يُقال لهم إن فرصة بقائهم على قيد الحياة تبلغ ٨٠٪ بدلًا من أن فرصة موتهم ٢٠٪؛ وأن نسبة أعلى بكثير من الأشخاص سوف يشترون اللحوم عندما يقال إنها خالية من الدهن بنسبة ٨٥٪ بدلًا من أن يقال إنها تحتوي على دهون بنسبة ١٥٪.14 ومن ثَم فإنه قد يكون من المفيد تجنُّب التشديد على العواقب المخيفة للاحترار العالمي، والتأكيد بدلًا من ذلك على الفوائد المتعددة الأبعاد للاستجابة بسرعة وفاعلية. علاوة على ذلك، يوجد عدد من التحيزات المعرفية يجب على المرء أن يكون على علم بها أثناء سعْيه إلى وضع إطار سياساتي جديد. على سبيل المثال، الاستجابة بالتهوين من القيمة يمكن أن يؤدي إلى الاعتقاد بأن السياسةَ قليلةُ القيمة؛ وذلك ببساطة لأنها حصلت على موافقة شخص آخَر مكروه (مثلًا، ديمقراطي ليبرالي)، أو أن خطأ الإسناد الأساسي يمكن أن يؤدي إلى تفسيراتٍ للسلوك معتمدةٍ على الشخصية بدلًا من تفسيرات معتمدة على الموقف.15 وبطبيعة الحال، الإدراك الواعي لهذه التحيُّزات لا يقضي عليها، وإنما هو خطوة أولى مفيدة في احتواء الأضرار المحتملة التي يمكن أن تسبِّبها.

كانت الأطر الأولية التي وضعها الطرفان في الجدل حول الاحترار العالمي بسيطةً للغاية ومتناقضة تمامًا؛ إذ أشار المجتمع البيئي إلى الأدلة العلمية المتراكمة على الاحترار العالمي، المدعومة بتحذيرات قوية بشكل متزايد من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وطالَبَ باستجابة فورية وقوية من قِبَل مختلف الحكومات في العالم والهيكل المؤسسي الدولي. ويبدو أن الاعتقاد غيرَ المدعوم كان يتمثل في أن الأدلة على الاحترار كانت قوية بما يكفي لتطغى على المعارضة، والتي رُفِضت على أيِّ حال إلى حدٍّ كبير لأنها مواقف مضلِّلة أو جاهلة أو تمثِّل المصلحة الذاتية لقطاعات النفط والفحم. للأسف، لا يكفي علم الاحترار العالمي في حدِّ ذاته؛ لأنه من الواضح أنه يتداخل مع الكثير جدًّا من القضايا الأخرى: الازدهار الاقتصادي، والتنافس على إمدادات الطاقة، واحتمالات نقص المياه، وتزايد الأراضي القاحلة، والأمن القومي، وما إلى ذلك. إن المجموعة المتحمسة من المنكرين والمشككين — مع أنها أصغر بكثير — فهي إما تنفي حدوث الاحترار العالمي، أو ترى أنه نتيجة تصرفات البشر، أو ترى أن السياسات المطلوبة ستنجح، أو أنه يمكن تحمُّلها اقتصاديًّا. سرعان ما اكتشف كلا الطرفين أن كلا الإطارين ليس كافيًا لإقناع عدد كافٍ من الناس بضرورة القيام بما يريده كلاهما؛ ونتج عن ذلك حالة من الجمود المحبط تكتنفه الشكوك، ولكنه لم يزعج الكثيرين في مجموعة المنكرين، بينما ولَّد بالتأكيد مخاوف كبيرة وأطلق صرخات يأس من كثير من أنصار حماية البيئة. ونتيجة لذلك، سعى بعض الأشخاص من كلا الجانبين إلى إعادة تأطير الجدل الدائر، وذلك بصياغة خطاب جديد من شأنه اجتذاب الدعم من الجانب الآخر.

يمكن وصف بعض جهود إعادة التأطير بأنها تراجع تخطيطي أو إدراك من السياسيين الواقعيين لما يلزم للحصول على أصوات كافية. ومن ثَم رفض عضوَا مجلس الشيوخ جون كيري وباربرا بوكسر — بناءً على نصيحة استطلاعات الرأي — استخدامَ مصطلحات الاحترار العالمي أو تغيُّر المناخ في مشروع القانون الأخير الذي تقدَّمَا به، ووصفاه بدلًا من ذلك بأنه محاولة «إعادة سيطرة أمريكا مرة أخرى على مستقبل الطاقة لدينا، والتأكيد على الريادة الاقتصادية الأمريكية وقدرتها على المنافسة، وحماية عائلاتنا من التلوث، وضمان أمننا القومي.»16 ويَعِدُ مشروع القانون — الذي لم يُصدَر بعدُ — أيضًا «بإجراءات حدودية قوية» ضد الدول التي لا تلتزم بخفض انبعاثات غازات الدفيئة، وبينما يَعِدُ مشروع القانون بحدٍّ أدنى من الخفض يصل إلى ٢٠٪ في مستوى الانبعاثات في عام ٢٠٠٥، فإن كيري وبوكسر أكَّدَا على أن أقل من ٢٪ من الشركات الأمريكية فحسب سوف تتأثر بهذا الخفض. باختصار، أعاد العضوان تأطيرَ النقاش بلغة الأمن القومي، وبخلق فرص العمل، والحماية من المنافسة المحتملة غير العادلة؛ والآثار الضئيلة لمشروع القانون على أنماط الحياة أو مستويات المعيشة.
حاول أيضًا المشككون في تغيُّر المناخ أو مُنكروه أو «الواقعيون» (كما يفضِّلون أن يُطلَق عليهم الآن) إعادةَ تأطير النقاش، وهم مجموعة متنوعة للغاية ذوو مواقف متنوعة جدًّا، كما ذكرنا سابقًا. أحد المواقف المتطرفة — يمثله البروفيسور إس فريد سنجر — يشير إلى أن مناصري حماية البيئة «لا يمتلكون أيَّ أدلة على الإطلاق».17 ومع ذلك، فإن كثيرين من مجموعة المشككين لا يواصلون إنكار أدلة الاحترار، ولكن بدلًا من ذلك يؤكدون على أن محاولة التعامل معه من خلال تخفيضات كبيرة في انبعاثات الكربون ستكون مكلفة للغاية، وسوف تزيد بالفعل من إفقار البلدان النامية (بما في ذلك الصين والهند).18 وهذا بطبيعة الحال تخطيط ذكي لإعادة التأطير بسبب المخاوف الاقتصادية السائدة في كلٍّ من البلدان المتقدمة والنامية. وصحيح أيضًا أننا سوف نظل معتمدين على الوقود الكربوني لعقود قادمة، وأن مصادر الطاقة المتجددة قد لا تتلقى التمويل الضخم اللازم لتصبح بديلًا مجديًا، وأن الفحم سيواصل — والمتوقع أن يواصل — كونه خيار الوقود الأرخص بالنسبة للصين والهند والكثير من البلدان النامية الأخرى.
لا شك في أن التعامل مع تغير المناخ سوف يكون مكلفًا جدًّا، لدرجة أنه سيلزم زيادة الإنفاق على البحث والتطوير في مجال مصادر الطاقة المتجددة زيادة ضخمة وفي وقت قريب، وأن التكيف مع مستويات الاحترار العالمي القائمة يتخطى قدرات البلدان النامية دون وجود تحويلات كبيرة من الموارد. وبسبب الشكوك المتعددة حول المستقبل، فإن معظم تقديرات التكاليف في أحسن الأحوال تقديرات تقريبية مبدئية.19 ومع ذلك، برغم أن الأرقام تبدو ضخمة، فإنها جزء صغير ويمكن التحكم فيه من الناتج الاقتصادي العالمي. وعلاوة على ذلك، فإن مثل هذا الإنفاق يقدِّم أيضًا مجموعةً متنوعة من الفوائد من حيث فرص العمل وجودة الحياة وأمن الطاقة. ووفقًا للأكاديمية الوطنية للعلوم،20 فإن تكاليف الرعاية الصحية في الولايات المتحدة من تلوث الهواء وحده تصل إلى حوالي ١٢٠ مليار دولار سنويًّا، وعند ضرب هذا الرقم في حوالي ٢٠٠ بلد، فإن التكاليف يمكن أن تكون صاعقة. ومن الواضح أن البلدان الفقيرة ستستفيد أيضًا إذا أنشئت سوق للكربون معتمدة على تحديد وتداول الانبعاثات، مع أن استثمار القطاع الخاص سوف يظل ضروريًّا.21 وأخيرًا، يجب أيضًا مقارَنةُ التكاليف الاقتصادية مع التكاليف الأكبر بكثير لعدم الإنفاق؛ لتجنُّب ما يمكن أن يكون سلسلة مترابطة من الكوارث المناخية.22

إن خوف فقدان الوظائف والدخل والمنازل على المدى القصير قد سيطر على أمل الحصول على فوائد طويلة المدى من إنشاء اقتصاد طاقة جديد، ومن الصعب في هذه الظروف تجنُّب الخلوص إلى أنه على الأقل في هذه الحالة كانت الغلبة لإعادة التأطير السلبية. ربما كان العلماء في المجتمع البيئي ساذجِين للغاية بشأن مدى فاعلية الأدلة العلمية في مناظرة سياسية-أيديولوجية تركِّز كثيرًا على الوقت الراهن مع وجود جمهور لا يزال تقريبًا غير مبالٍ — أو جاهلًا — بالمخاطر الطويلة المدى. ففي غضون عشر أو عشرين سنة ربما يوفر اقتصادُ طاقةٍ جديدٌ فوائدَ اقتصادية ضخمة وزيادة في أمن الطاقة، ولكن في السنوات القليلة المقبلة قد تكون التكاليف الانتقالية مرتفعة، وربما يفقد البعض وظائفهم أو تنتقل الوظائف إلى أماكن أخرى، وربما يحدث مزيد من الاضطرابات الاقتصادية في المستقبل القريب، وربما يستمر الاعتماد على مُورِّدي النفط الاستبداديين غير الجديرين بالثقة. وسيتفوَّق دائمًا الخوفُ من الخسارة على المدى القصير على وعود الفوائد المحتملة على المدى الطويل، لا سيما إذا أضعفت تلك المخاوف نفسها الالتزام بالعدالة بين الأجيال.

مجددًا، إعادة التأطير ضرورية، ولكن إحدى الصعوبات الواضحة تكمن في أننا في حقبةِ ما بعد كوبنهاجن، وثمة شكوك كبيرة حول أفضل سبيل للمضي قدمًا. ونحن أيضًا في عصر الأزمات المرتبطة المتعددة الأبعاد التي يمكن أن يتغذَّى بعضها على بعض وتستهلك الموارد الشحيحة. ومن ثَم، لكي يكون لأيِّ إطار جديد فرصة للنجاح يجب أن يؤكد على هذه المجموعة المعقدة للغاية من الظروف: ما يمكن وما لا يمكن القيام به على الصعيد الدولي، وما يمكن وما لا يمكن للبلدان الأخرى القيام به محليًّا، ومن المحتم على كل بلد — لا سيما على كبرى البلدان المسبِّبة للتلوث الآن وفي العقود القليلة القادمة — تطوير عملية سياساتية تبدأ في وضع سياسات فاعلة بأسرع وقت ممكن؛ سياسات يمكن أن تكون أساسًا للتعاون الدولي إن كان ذلك ممكنًا، وتوفِّر درجة معينة من الحماية إذا استمر التعاون في التعثُّر. الإجراء الوطني لا يستطيع وحده التعامل مع الاحترار العالمي، ولكنه خطوة أولى ضرورية.

سوف تكون الاقتراحات حول كيفية التعامل مع الاحترار العالمي فيما بعد كوبنهاجن أسهل بكثير إذا ما تمكَّنَّا من فهم مجموعة من الاتجاهات أو التطورات التي تشير لاتجاه واضح. فنريد في الجزء التالي مناقشة بعض العقبات الرئيسية أمام وضع سياسات فاعلة تتناول الاحترار العالمي: السياسات الدولية الصينية، والرأي العام وغيرها من القيود السياسية في الولايات المتحدة، والمواقف والسياسات المعتمدة من قِبَل معظم البلدان النامية. فمع ذلك، ليس من الممكن أو المعقول مناقشة هذه الأمور بمعزل عن الاتجاهات والتطورات الأخرى التي تحدث — أو قد يُنظَر إليها على أنها تحدث — في الساحة الدولية. ببساطة، لا ينبغي للصين أو الولايات المتحدة أو البلدان النامية وضعُ السياسات بمعزل عن الآخرين. وما يلي ذلك يعرض قائمة موجزة باتجاهات وتطورات ما بعد كوبنهاجن الإيجابية وغير الإيجابية، مع ميزة قوية بإمكانية عكس بعض هذه الاتجاهات أو التطورات بسرعة، إذا تعافى الاقتصاد العالمي من الركود، على سبيل المثال. والمقصود في المقام الأول من القائمة أن تكون بمنزلة إطار أو خلفية للمناقشة السياسية التالية.

(٣) الأخبار الجيدة والأخبار السيئة

أولًا: الأخبار السيئة. من الواضح أن فشل كوبنهاجن هو التطور السلبي الأبرز، مع أن آثاره تخففت من خلال الوعي قبل المؤتمر بوقت طويل بأن التوصل لاتفاق ملزِم حول أهداف وجداول زمنية لن يكون ممكنًا. ومع ذلك، ربما تكون الاستجابة السياسية والعامة الصامتة للغاية نحو الفشل منذرة بسوء أكبر؛ فاحتمال وجود استجابات قوية حيال الاحترار العالمي منخفض للغاية من دون ضغوط من القاعدة. وعلى أيِّ حال، الدعم الشعبي المحدود لسياسات الطاقة والسياسات البيئية أمر بالغ الأهمية بحيث سنعود إليه مرة أخرى.

كانت الصين الفائز على المدى القصير في كوبنهاجن، ولكن استراتيجيتها على المدى الطويل غامضة؛ لأنها تعاني أيضًا بشدة من التدهور البيئي، ولكن لا تبدو على استعداد لاتخاذ إجراءات قوية لتفادي النتائج الأسوأ أو للتعاون من أجل التوصل إلى اتفاق دولي ملزِم. كان مخيِّبًا للآمال أن الصين لم تعدل من سياستها وأنها لم تتخذ دورًا قياديًّا؛ إذ إنها ارتقت بسرعة في التسلسل الهرمي للدول. فسياساتها أساسًا تشبه كثيرًا إحياء المركنتيلية: السعي لتحقيق المصالح الوطنية المحدودة، والاستيلاء على الموارد الخارجية الطبيعية، ومحاولة كسب أسواق التصدير بأي تكاليف، ورفض قبول التعهدات الملزِمة التي تحدُّ من إجراءاتها على المستوى الوطني. ويمكن أن يتهدَّم استقرار النظام الدولي إذا فرضت سياسات الصين على الآخرين أن يحذوا حذوها، مما يولِّد دائرة خطيرة من الصراع. فالنظم الدولية تعمل على نحو سيئ إذا لم يكن القادة على استعداد للتضحية ببعض المكاسب القصيرة المدى من أجل نشر الأمن والرخاء في الدول الأضعف. في الواقع، ستواصل الدول — وينبغي عليها — السعي لتحقيق المصالح الوطنية، ولكن ينبغي أيضًا تجنُّب السياسات التي تهدِّد الاستقرار والرخاء الدوليين. ومن الأمثلة المعروفة لمثل هذا السلوك ما فعلتْه الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، عندما دعمت النظم المالية والتجارية لليابان وألمانيا المهزومتين؛ بحيث يمكن أن تصبحَا بسرعة حليفين قويين ضد الاتحاد السوفييتي. وللأسف، لا ترى الصين حتى الآن مسئولياتها في هذا السياق؛ فيبدو أنها تعمل فقط من أجل تحقيق مصالحها قصيرة المدى.23
في ظل غياب التوصل لاتفاق ملزِم في كوبنهاجن لبدء خفض الانبعاثات بسرعة، تَوقَّع تقرير صدر مؤخرًا عن الوكالة الدولية للطاقة في باريس24 ارتفاعًا شديدًا في استهلاك الطاقة في العقود القليلة القادمة؛ مما سيؤدي إلى ارتفاع كارثي في درجة الحرارة يصل إلى ٣ درجات مئوية (٥٫٤ درجات فهرنهايت). وبينما يسَّر الركود الحالي تحقيق انخفاض بنسبة ٣٪ في الانبعاثات هذا العام، فإن الوكالة الدولية للطاقة تتوقع ارتفاعًا بنسبة ٤٠٪ بحلول عام ٢٠٣٠ (نصف هذه الزيادة من الصين وحدها، وكثير من النسبة المتبقية من البلدان النامية الأخرى)، وزيادة بنسبة ٧٦٪ في الطلب على الكهرباء في الفترة نفسها، والتي سيَنتج جزء كبير منها من حرق الفحم. وخلص التقرير إلى أن كل عام من التأخير في التوصل إلى اتفاق ملزِم سيتطلب في نهاية المطاف ٥٠٠ مليار دولار إضافية سنويًّا لخفض الانبعاثات. وتماديًا في الاتجاه الخاطئ، حدث أيضًا انخفاض حادٌّ في استثمارات شركات النفط الكبرى وغيرها في مجال الطاقة المتجددة.25 والبلدان التي تحاول تقييم مدى توافر إمدادات النفط والغاز على المدى المتوسط واحتمالات حلول مصادر الطاقة المتجددة محلها، بعدما ترى ذلك، ستكون أكثر ترددًا حيال التغيير، وهذا — بناءً على ذلك — يعزِّز الجهود التنافسية للسيطرة على الإمدادات (كما هي حال الصين)، ويشجع على انخفاض الاستعداد للتعاون أو وضع المصالح المشتركة الطويلة المدى بعين الاعتبار.
مع ذلك، يوجد عامل سلبي محتمل آخر. طالما بَدَا الحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة عند مستوًى أقل من درجتين مئويتين (٣٫٦ درجات فهرنهايت) هدفًا شاقًّا؛ بسبب أن التخفيضات المطلوبة في نصيب الفرد من الانبعاثات صعبةٌ للغاية. فذلك يتطلب الحد من الانبعاثات الكلية للفرد إلى حوالي طنَّيْن، ولكن المستويات الحالية في الولايات المتحدة حوالي ٢٠–٢٤ طنًّا للفرد الواحد، وفي أوروبا نحو ١٠ آلاف طن، وفي الصين حوالي ٥ أطنان وتزداد بسرعة. وتخفيض هذه الأرقام في أيِّ فترة قصيرة المدى نسبيًّا — مثلًا السنوات ١٠–٢٠ القادمة — صعبٌ للغاية، وربما يكون مستحيلًا إذا استمرت الصين والدول النامية الأخرى في رفض قبول التخفيضات الملزِمة. وعلاوة على ذلك، فإن وسائل تحقيق هذه التخفيضات — القوانين الحكومية وتسعير الكربون وأساليب الدعم المختلفة — غير مؤكدة الآثار حتى الآن، والتكاليف المتوقعة للعمل من أجل الحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة عند مستوًى أقل من درجتين مئويتين تتطلب ما يقرب من تريليون دولار سنويًّا لفترة طويلة، وسينفق حوالي نصف هذا المبلغ في البلدان النامية.26
مهما كانت دقة تقديرات التكلفة أو تقديرات آثار ارتفاع درجة الحرارة فوق درجتين مئويتين، فإن المشكلة هي أن وضع مثل هذه الأهداف الصعبة على المدى القصير بهذه التكاليف الشديدة قد يؤدي إلى الركون إلى القدرية أو اللامبالاة أو الإنكار، ناهيك عن المخاوف بشأن التبعات الاقتصادية السلبية. وقد قدَّر نيكولاس ستيرن تكاليف تحقيق هذه الأهداف بحوالي ١٪ من الناتج المحلي الإجمالي سنويًّا، ولكن نظرًا لأوجُه عدم الكفاءة في العملية السياساتية، فإن هذا قد يكون أقل من الواقع.27 ليست المبالغ المالية غير معقولة من الناحية الاقتصادية أو الفنية، لكنها ربما تكون غير مجدية سياسيًّا في البيئة السياسية والاقتصادية الراهنة في الولايات المتحدة وفي كثير من البلدان الأخرى، على الأقل حتى تتغير وجهة نظر كلٍّ من الرأي العام والكونجرس حيال تغيُّر المناخ.

إن الفشل في إقناع الدول النامية بأن موقعها التفاوضي مختلٌّ؛ يمثِّل عاملًا سلبيًّا آخَر. فركزت هذه البلدان على الحجج القائلة بأنها لم تسبب مشكلة الاحترار العالمي، وأنها هي الأكثر عرضة لآثاره، وأنها تستحق تعويضًا كبيرًا عن أخطاء الماضي التي وقعت فيها البلدان المتقدمة لتتفادى الأضرار الكارثية إذا استمرت درجات الحرارة في الارتفاع. كما تُصرُّ أيضًا على أن الانبعاثات للفرد الواحد — والتي من الواضح أنها منخفضة جدًّا في البلدان الفقيرة — هي المعيار الصحيح، وليس الكميات المطلقة التي بدأت تزداد في بلدان كثيرة. بعض هذه الحجج صحيح، وتوجد في أيِّ حال أسباب أخلاقية وعملية لتقديم أكبرِ قدرٍ ممكن من المساعدة للبلدان النامية، بغض النظر عن كيفية توزيع التهم.

إن الحجج التي قدَّمتها البلدان النامية والتي تستمر في تقديمها قوية عاطفيًّا وتعكس شعورًا شديدًا بالظلم، ولكنها لا علاقة لها بالأمر تقريبًا؛ فأيًّا كان المتسبب في المشاكل الحادة التي سببها الاحترار العالمي والتي لا يزال يواصل التسبب فيها، فإن المعضلة التي نواجهها الآن هي أن التعويضات عن أخطاء الماضي — سواء كانت مبررة أم لا — تلهي عمَّا يجب القيام به؛ فينبغي لكل دولة التحرك بغض النظر عمَّن تسبَّب في هذا الموقف أو عمَّن من المتوقع أن يبقينا فيه. وهنا ينطبق القول الشائع: إذا لم نتعلق بعضنا ببعض، فإن كلًّا منا سيُعلَّق على حدة. فالاحترار العالمي يتجاهل الحدودَ، وانبعاثاتُ البلدان النامية آخذةٌ في الارتفاع على نحو حادٍّ وسوف تشكل الغالبية العظمى من الانبعاثات في المستقبل. إن الزعم بأن احتياجات التنمية سوف يكون لها الأولوية على حساب الاحتياجات النظامية، بل يجب أن تكون كذلك، ربما يمثل حججًا مثيرة على المستوى السياسي والاقتصادي والعاطفي، ولكنها أيضًا حجج خطيرة. وستفشل مناشدات تحويل الموارد الضخمة — مع أنها قد تكون مفيدة للطرفين — ما لم تكن البلدان النامية أيضًا على استعداد لاتخاذ إجراءات جدية قابلة للمراقبة لكبح جماح انبعاثاتها. إن الجميع أطراف أصيلة في المشكلة، ولا يمكن الاستغناء عن أيِّ طرف في الحل، والانتفاع بالمجان لن يكون كافيًا.

نظرًا لفشل الكثير من مشاريع المساعدات في الماضي، فمن غير المتوقع زيادة تحويلات الموارد الكبيرة إلا إذا أظهرت البلدان النامية أنها جادة في تنفيذ سياسات الحد من الانبعاثات، وليس إذا رفضت اتخاذ إجراءات حتى حصولها على تعويضات. إضافة إلى ذلك، فإن مطالبها بتلقِّي المساعدات دون شروطِ الشفافية والمساءلة تبعث على الشك في أن الكثير من المساعدات تذهب للفاسدين، أو ستتحول نحو احتياجات أخرى لا تتعلق بالحد من الاحترار العالمي. وللأسف لم تتواجد تقريبًا أيُّ علامة في كوبنهاجن على أن البلدان النامية كانت راغبة أو قادرة على إعادة التفكير في المواقف المتأصلة والمُرْضية عاطفيًّا والمتساهلة من ناحية التغييرات السياساتية. ويجب أن تركِّز نقاطُ الضعف الحادة التي تواجهها الاهتمامَ على الإجراءات العملية الفورية، ولكن استمرار الهيمنة في الكثير من الحالات من جانب حكومات ضعيفة وعديمة الكفاءة يميل لإبقاء التركيز على البقاء في السلطة، وليس الاستثمار بكثافة في مشروعات للتكيف مع التهديدات الحالية والناشئة.

ندرك جميعًا أن السياسة الداخلية قد تكون العقبة الأصعب في التغلب عليها إذا كنَّا بصدد وضع عملية سياساتية فاعلة للاحترار العالمي، وربما يكون أداء الرئيس أوباما في كوبنهاجن مخيِّبًا لآمال كثيرٍ من الناشطين في مجال البيئة، ولكنه كان متفوقًا كثيرًا على موقف إدارة بوش. فيبدو أنه فَعَلَ كلَّ ما باستطاعته دون بدء صراع داخلي مع الكونجرس. وتشير الأحداث السياسية الأخيرة إلى أن الرئيس أوباما ربما يكون مقيَّدًا بشدةٍ أكبر بعد انتخابات التجديد النصفي لعام ٢٠١٠؛ فقرار التقاعد من قِبَل العديد من الديمقراطيين البارزين من أعراض المشاكل المحتملة الأعمق. وكما كتب زيليني وناجورني، «ربما تجتمع دفعة محافظة ضد جدول الأعمال الطموح للرئيس، مع انتعاش بطيء من الركود العميق، مع تفشي الشعبوية بغضب» لتؤدي لمكاسب كبيرة للجمهوريين في سباق انتخابات الكونجرس هذا العام.28 وعلاوة على ذلك، يعني الاستقطاب الحاد والبغيض الذي أصبح مميِّزًا للجدل السياسي في الولايات المتحدة أن السياسات ستُناقَش وتُدعَم أو تُرفَض ليس لمزاياها أو لعيوبها، ولكن ببساطةٍ على أساسِ مَن يدعمها أو يتبنَّاها. ومن الواضح أن هذا لا يبشِّر بالخير بالنسبة لمستقبل التشريعات البيئية واحتمالات النجاح في مؤتمر مكسيكو سيتي في العام المقبل. ولكن مزاج الناخبين متقلب، والانتخابات لا تزال على بُعْد أشهر، وتوقُّع نتائج سلبية قد يكون سابقًا لأوانه؛ ولم يَضِعْ كل شيء حتى الآن.
ولإعادة التوازن للوضع، توجد بعض الأخبار الجيدة أيضًا على جبهتَي التكنولوجيا والأعمال؛ حيث جرت بعض الأشياء التي ربما تزيد احتمالات حدوث استجابة سياساتية تتسم بالفاعلية والكفاءة، إذا آتى ثمارُها أُكُلَه قبل أن تقوِّض النزعات والتطورات السلبية أيَّ محاولات للتعاون. وأحد هذه الأخبار هو أن التقنية الجديدة للاستفادة من الإمدادات التي كان يتعذَّر الوصول إليها سابقًا من الغاز الطبيعي من الصخر الزيتي، من المرتقب أن تزيد احتياطياتِ العالم من أنظف وقود حفري زيادة كبيرة. وتقديرات الإنتاج المستقبلي هائلة؛ إذ ترتفع من الزيادة المتواضعة البالغة ٢٠٪ من احتياطيات العالم المعروفة إلى ١٦٠٪؛ ما يبرر عبارة دانيال يرجين بأن هذه الطريقة الجديدة لاستخراج الغاز «هي أكبر ابتكار في مجال الطاقة في هذا العقد.»29 توجد نقطتان مهمتان هنا: فعند إنتاج المزيد من هذا الغاز واستبداله بالفحم، فإن الاحترار العالمي يمكن أن ينخفض انخفاضًا حادًّا، ويمكن أيضًا أن يقلِّل الاعتماد على منتِجَي النفط والغاز غيرِ الموثوق فيهما — روسيا وفنزويلا — وهو مكسب سياسي واقتصادي كبير لأوروبا والمستوردين الآخرين. ومع ذلك، ينبغي التأكيد على أنه ستوجد حاجة إلى استثمارات ضخمة مقدمًا، ويحتمل أنها ستطغى على الاحتياجات الاستثمارية الأخرى، وأنه من المحتمل أن يمر أكثر من عقد قبل أن تصبح هذه الإمدادات الجديدة متاحةً على نطاق واسع.
ثمة تطور واعد آخَر هو ظهور المنافسة بين منتجي الطاقة، وتوجد مصالح متشعبة حديثًا بين منتجي الغاز الطبيعي ومنتجي النفط وصناعة الفحم. وتواجه مرافق الكهرباء خلافات داخلية حول استخدام الفحم أو طاقة الرياح، وبالطبع تبحث صناعة الطاقة المتجددة عن ميزة تذلِّل لها التفوق على كل مصادر الطاقة الأخرى.30 إضافة إلى ذلك، فإنه من الأهمية بمكان أن عددًا من الشركات القوية في الولايات المتحدة — مثل جنرال إلكتريك وباسيفك جاز — انسحبت من غرفة التجارة؛ احتجاجًا على معارضة الغرفة فرضَ تشريعات قوية لمكافحة الاحترار العالمي. أما التطورات الأخرى في هذا الاتجاه فتحيطها الشكوك؛ إذ تعتمد بقوة على سعر النفط في المستقبل؛ ومن ثَم تأثيره على الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة، والعلاقات بين منتجي النفط، ومعدلات النمو الاقتصادي.
وقبيل مؤتمر كوبنهاجن مباشَرةً، أعلنت وكالة حماية البيئة الأمريكية أن غازات الدفيئة تشكِّل خطرًا على صحة الإنسان والبيئة؛ ومن ثَم يفتح هذا مجالًا لإمكانية السيطرة على الانبعاثات من خلال إجراءات تنظيمية حكومية، وبذلك يتم تخطِّي الحاجة لإجراءٍ مباشِرٍ من الكونجرس.31 ومع ذلك، فإن الطريق المفضَّل لخفض الانبعاثات هو من خلال العملية التشريعية؛ نظرًا لأن الإجراءات التشريعية بطبيعتها أكثر قوةً وأكثر صعوبةً في التراجع عنها. وعلاوة على ذلك، اعتمادًا على حجم وتشكيل التصويت على مثل هذا الإجراء، من المتوقع أن يبدو أكثر شرعيةً وأقل تحزُّبًا. وينبغي الإشارة هنا إلى أن بُعْدًا جديدًا أُضِيف إلى الدور الحكومي في جدل تغير المناخ. وفي الدعاوى القضائية الأخيرة، قضت محكمتا استئناف فدراليتان في الولايات المتحدة بأنه يمكن المضي في الدعاوى القضائية الخاصة بتغير المناخ.32 وفي ألاسكا وكونيتيكت وميسيسيبي يقدم أصحاب الأملاك دعاوى ضد منتجي الطاقة مدَّعِين أنهم تضرروا جرَّاء الاحترار العالمي، ويسعون للحصول على تعويضات. وطريقة التعامل مع هذه القضايا ليست واضحة، ولكن يقارنها البعض بالدعاوى الأولى ضد شركات التبغ والأسبستوس. وفي الواقع، إذا تقدمت هذه الدعاوى في المحاكم كما فعلت دعاوى التبغ والأسبستوس الأولى، فإنه ربما يتضح أن القضاء الأمريكي أكثر فاعليةً في خلق تغيير من السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية.

وقد لاحظنا بالفعل عددًا قليلًا من التطورات الإيجابية الأخرى مثل الاتفاق (المؤقت) بشأن إزالة الغابات في كوبنهاجن، ومثل ظهور إدارة جديدة في الولايات المتحدة لا تنكر الاحترار العالمي ببساطة أو تتجاهل ضرورة التعاون أو تعتقد أنه يمكنها المضي قدمًا بمفردها. ولكن حتى حُسن النية لدى إدارة أوباما لم يكن كافيًا؛ لأن الإدارة مقيَّدة بما يمكن أن يحصل في الكونجرس في فترة مشحونة للغاية.

لا بد من الاعتراف عند تقييم قائمة الاتجاهات والتطورات الجيدة أو السيئة المحتملة تلك أنه في الوقت الحالي السلبياتُ تفوق بشدةٍ الإيجابيات، ويمكن أن تمنع بالفعل الاستجابة للاحترار العالمي في الوقت المناسب. الاتجاهات والتطورات الإيجابية أضعف ومؤقتة بشكل أكبر، وقد لا تمثل أهمية كبيرة إذا ظلت الصين مقاوِمةً لاتخاذ إجراء ملزم قانونًا، وظلت الولايات المتحدة مقيدة من قِبَل الكونجرس، مع غياب الدعم الشعبي.

من الواضح أن رهانات الجدل حول تغير المناخ ضخمة. فإذا حدثت أسوأ التوقعات، يمكن أن يصبح النظام الدولي فوضويًّا وغير مستقر على نحو خطير، ولكننا نعتقد أنه لا يزال لدينا ١٠ أو ٢٠ سنة لتفادي الأسوأ. وربما تظل التغييرات الأقل مسببةً لمشاكل هائلة في التكيف والتعديل، لكنها يمكن أن تكون خاضعة للسيطرة، فلا يوجد شيء ثابت: مصير هذا الكوكب ومصير الدول ومصير المواطنين أغنياءَ وفقراءَ. المشكلة الكبرى هي سرعة الاستجابة؛ أيْ مدى جودة وسرعة استجابة الدول والمؤسسات الدولية للتحديات المعقدة والمتعددة الأبعاد واللانهائية. ومع ذلك، لم تستجب الدول والمؤسسات الدولية على نحو فاعل؛ بسبب أن تهديدات الاحترار العالمي لا تبدو فورية أو واضحة أو مُقنِعَة مثل غيرها من التهديدات المكلفة، ولأن المنكرين والمشككين أعادوا تأطير الجدل لتبرير التقاعس عن اتخاذ إجراء. ويبدو أنه توجد ثلاثة أمور ستحدد إن كنَّا سننجح أو سنفشل في استجاباتنا السياساتية: (١) سياسات الصين. (٢) موقف العالم الثالث. (٣) عدم القدرة على الحصول على تأييد الرأي العام والكونجرس لسياسات قوية في الولايات المتحدة. وهذه هي الموضوعات التي سنتناولها في الأجزاء التالية.

(٤) مشكلة الصين

بدأت الصين الاستثمار بكثافة في مجال تكنولوجيا الطاقة الجديدة في أوائل هذا القرن الجديد، ثم ضاعفت جهودها في عام ٢٠٠٦، مع التركيز القوي على التقدُّم سريعًا في تكنولوجيا الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. بدأت الصين في إنفاق نحو ١٠٠ مليار دولار سنويًّا على التكنولوجيا الخضراء، وهو ما يساوي ميزانيتها العسكرية، وهذا يعكس تعليمات الرئيس هو جينتاو بأنه «يجب على الصين اغتنام فُرَص الأسبقية في الجولة الجديدة من ثورة الطاقة العالمية.»33 واستهدفت حزمتها من تدابير التحفيز إنفاق ٣٨٪ على التكنولوجيا الخضراء، كما أنها تهدف إلى زيادة توليد الطاقة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح زيادةً كبيرة بحلول عام ٢٠٢٠. ونظرًا لحماية الصين للصناعات الجديدة، وتوفيرها للعمالة الرخيصة، والعَدد الهائل من خريجي الهندسة الذي يتدفق من جامعاتها، وسوقها المحلية المنغلقة؛ فإن الانتقال إلى الاستثمار بكثافة في تكنولوجيات الطاقة المتجددة يَعِد بالهيمنة على أسواق التصدير، وربما كسب عوائد ضخمة ومتنامية.34
من الواضح أن القيادة الصينية — التي تتضمن الكثير من الأفراد ذوي التدريب الفني — تأخذ الاحترار العالمي على محمل الجد، ولكن مع ذلك كانت استراتيجيتها في كوبنهاجن هي رفْضَ قبول الأهداف والجداول الزمنية الملزمة قانونًا للحد من الانبعاثات، بل إنها منعت أيضًا الموافقةَ على هذه الأهداف والجداول الزمنية من الدول الأخرى. ويبدو أن استراتيجية الصين الداخلية، المركزة على النمو السريع بتوجهات مركنتيلية قوية، تُلقِي بظلالها على أيِّ ميول نحو التعاون الدولي. ومن المناسب إذنْ أن نسأل عمَّا يمكن عمله — إذا كان يوجد أيُّ شيء — لتغيير السلوك الصيني؛ بحيث يُولِي اهتمامًا أكبر إلى نتائج التعاون المفيدة لجميع الأطراف، وليس إلى الميزة التنافسية فحسب.35
أحد المداخل إلى هذا الموضوع هو أن نسأل أولًا ما هي نقاط ضعف الصين إذا ما استمرت في مسارها الحالي. أهمُّ هذه النقاط ربما يكون التهديداتِ البيئيةَ الداخلية للصين التي ستَتَفاقَم عندما تؤدي زيادة حرق الوقود الحفري إلى تغير المناخ. تشهد الصين حركةَ انتقالٍ حادةً للسكان من الريف إلى المناطق الحضرية، وهو تغيير من شأنه أن يزيد الطلب على الطاقة والاعتماد على إمدادات النفط الأجنبية والمشاكل المصاحبة لأمن الطاقة، وقد يكون من المتوقع أن يروا تلوثًا للهواء وتآكلًا للتربة ومزيجًا من الفيضانات في بعض المناطق والجفاف في مناطق أخرى؛ عندما تبدأ أنماط هطول الأمطار في التغيُّر. وستتطلب هذه الأحداث على أقل تقدير زياداتٍ كبيرةً في النفقات الصحية والعلاجية، وربما تسبِّب في نهاية المطاف ارتفاعَ مستويات المعارضة الداخلية وعدم الاستقرار.36

علاوة على ذلك، لمَّا كانت الصين قوة ناشئة في العالم، فإنها تحتاج إلى موارد وأسواق خارجية، وربما تجد صعوبةً في الحصول على الاثنتين إذا ما بدا للعالم أنها تتصرف من جانب واحد دون أدنى اهتمام بالرأي العالمي. تستفيد الصين كثيرًا من الفرص المتاحة في نظام تجاري دولي مفتوح، ولكن النظام يمكن أن يبدأ في الانهيار إذا لم يستفِدْ شركاؤها التجاريون أيضًا، ويمكن للمرء أن يرى بالفعل بوادر المقاومة المتمثلة في الإجراءات التشريعية التي اتخذتها كلٌّ من الولايات المتحدة وفرنسا لفرض رسوم جمركية على صادرات البلدان التي لا تقبل التعهدات الملزِمة بخفض الانبعاثات، والمطالبة الشعبية باتخاذ إجراءات أكثر شدةً ضد الصين بسبب «سرقة» الوظائف ظلمًا. علاوة على ذلك، توجد شكاوى متزايدة في بعض البلدان النامية من أن الصين تستولي على مواردها بثمن بخس جدًّا، وتجلب الموظفين الصينيين بدلًا من الاعتماد على عمال البلاد الأصليين؛ وهي علامات تحذيرية أيضًا على أن التركيزَ الضيِّقَ أكثرَ من اللازم على المصلحة الذاتية ربما يتحوَّل إلى إفشال للذات.

تحتاج القيادة الصينية إلى الاقتناع بأنه من مصلحتها إعادة النظر في مواقفها؛ فلم تَعُدِ الصين تتمتع برفاهية وضْع سياساتها بمعزل عن بقية العالم؛ والسبب على وجه التحديد هو أنها قوية جدًّا، وتظهر آثار إجراءاتها عبر النظم الاقتصادية والسياسية الدولية؛ فعندما رفضت في كوبنهاجن قبول قيود على سلوكها، أَلْحَقَ الرفضُ أضرارًا بَالِغة بحلفائها المزعومين في العالم النامي.37 ونشأ خلاف آخَر بسبب سلوك الصين حيال الحفاظ على عملة رخيصة على نحوٍ مصطنع وتجميعها رصيدًا ضخمًا يزيد عن تريليونَيْ دولار من احتياطيات العملة، على الرغم من توقيع العديد من العقود للحصول على الموارد الطبيعية من البلدان النامية. وخلال قيام الصين بما فعلَتْ للحفاظ على معدلات نمو مرتفعة للغاية، فإنها تلبي رغبات شعبها بارتفاع مستويات المعيشة، ولكن على حساب تشجيع المعارضة الداخلية المتزايدة من مواطنين أصبحوا أفضل على المستوى التعليمي وزادت متطلباتهم على الصعيد السياسي. باختصار، لا بد من اقتناع القيادة الصينية بأن سياساتها تحتاج للتغيير من أجل تجنُّب مواجهة مجتمع دولي متزايد العداء ومواطنين متزايدي السخط.
يكمن الأمل في أن الصين ربما تصبح في المستقبل القريب مستعدة لقبول «صفقة كبرى»، وقد طُرِحت بعض البنود المقترحة للصفقة المحتملة.38 ولكي تتم الصفقة، يجب أن توافق الصين على قبول أهداف وجداول زمنية مُلزمة قانونًا للحدِّ من انبعاثات غازات الدفيئة، وأن تخضع هذه الخطوات للمراقبة. وسيلزم تنفيذ التزامات الصين خلال فترة قصيرة نسبيًّا — خمس سنوات مثلًا — قبل فرض تخفيضات أكثر حدة في الانبعاثات، وسيلزم كذلك فرض عقوبات على عدم الامتثال على مدى فترة زمنية تمتد من ١٠ إلى ٢٠ سنة فحسب. وفي مقابل قبول هذه الشروط، يمكن أن تضمن الصين عدم فرض أيِّ قيود تعسفية على صادراتها، وتضمن مشاركة الأبحاث والتطورات الجديدة في تقنيات الطاقة مع توزيع التكاليف بعدل، وتضمن كذلك وضع شروط خاصة لمعاملة منصفة للبُلْدان النامية الأخرى، وعدم سعي أيِّ بلد ابتكر تكنولوجيا جديدة إلى تحقيق مكاسب من الاحتكار من هذه الميزة التنافسية. ويمكن ترك الأمور المالية للبنك الدولي لمراقبتها، أو يمكن إنشاء صندوق باسم «صندوق التخفيف من آثار الكربون» — اتباعًا لفكرة جالاجر — لتمويل التكاليف التصاعدية لاعتماد تكنولوجيات منخفضة الكربون في الصين والبلدان النامية.
لماذا ستقبل القيادة الصينية بمثل هذه الصفقة؟ سواء كانت تستند إلى توقُّع زيادة المعارضة الداخلية الناشئة عن التوزيع غير المتكافئ باطراد للدخل، أو عن التطورات الخارجية غير المواتية مثل اشتداد الركود أو الحروب التجارية أو ردود الفعل القومية في العالم الثالث؛ فإن التوقعات بأن «فقاعة» الصين على وشك الانفجار سابقةٌ لأوانها. ومع ذلك، ربما تصبح معقولة في فترة اﻟ ٥–١٠ سنوات المقبلة. كتب توماس فريدمان عن «فئة سياسية تركز على معالجة مشاكلها الحقيقية.»39 إن القيادة التي خططت بنجاح «صفقتها الكبرى» المحلية، والتي قادت الانتقال من الشيوعية إلى نظام هجين من السيطرة السياسية المحكمة والانفتاح الخاضع للسيطرة الدقيقة نحو الاقتصاد العالمي، ينبغي أن تكون بعيدة النظر بما فيه الكفاية لرؤية ضرورة بدء تعديل سياساتها لتأخذ في الاعتبار مسئولياتها القيادية، وتفادي ردود الفعل الشعبوية التي ربما تهدِّد بقاء تلك الصفقة المحلية.

وتهتم الصين أيضًا بأن تحظى بمعاملة محترمة وبالاعتراف بمكانتها الجديدة وتوفير الإطار المؤسسي المناسب لها. ويمكن للاستمرار في تحدي الإجماع الدولي المتزايد حول الاحترار العالمي أن يبدأ في تهديد أو تقويض هذه المكانة. وأخيرًا، ينبغي أن يضاف إلى ذلك أنه توجد أيضًا بعضُ نطاقات المصالح المتبادلة المتداخلة بشكل محتمل، التي يمكن أن تجعل الصفقة أكثر جاذبيةً، وربما يشمل أحد هذه النطاقات تركيزَ الولايات المتحدة على البحث والتمويل، وتركيز الصين على الميزة النسبية للإنتاج الضخم. ويجب التفاوض بحرص حول كيفية تقاسُم فوائد أيِّ ترتيب في هذا السياق وكيفية منع الصين من الاستئثار بأنانية على التكنولوجيا الجديدة.

هل ستؤتي مثل هذه المفاوضات ثمارها مع الصين؟ يمكن إيجاد الجواب المؤقت في إجابة تشو أون لاي الشهيرة على سؤالٍ طلب منه تقييم الثورة الفرنسية: «هذا أمر سابق لأوانه.»

(٥) معضلات العالم الثالث

على الرغم من الاختلاف في مستويات التنمية والموارد والتوجهات السياسية والأيديولوجية، فإن البلدان النامية الفقيرة والضعيفة حاولت منذ سنوات منتصف القرن العشرين الحفاظَ على الوحدة في مواقفها أمام دول العالم الأول (الدول المتقدمة)، وأصرت على أن مشاكل العالم الثالث هي تركة الاستعمار التي تفاقمت بسبب الشروط التجارية المجحفة لصادرات الموارد الطبيعية، وعدم إتاحة الوصول العادل إلى أسواق البلدان المتقدمة؛ كما طالبت بكميات متزايدة من المساعدات الخارجية، وكانت تفضِّل أن تكون دون شروط مثل الشفافية والمساءلة. كما أنها رأت أنها ليست مسئولة عن المستويات الحالية من انبعاثات غازات الدفيئة، فلا ينبغي أن تقبل أيَّ قيود على جهودها للنمو بسرعة عبر النموذج الكثيف الكربون نفسه الذي نجح بالنسبة للدول المتقدمة.

على مستوًى سطحي، لا شيء يبدو أنه تغيَّر كثيرًا في كوبنهاجن؛ إذ زادت مطالب المساعدات الخارجية إلى حدٍّ كبير، وأُلقي باللوم على البلدان المتقدمة بسبب المستويات الحالية لانبعاثات غازات الدفيئة، وطُلِبت التعويضات عن ذلك. ولكن، على مستوًى آخَر، تغيَّرت بعض الأمور المهمة التي تحدَّتْ وحدة العالم الثالث؛ ففي حينِ كانت الوحدة في الخطابات موجودة، فإن الوحدة الحقيقية لم تكن كذلك؛ فكما أشرنا سابقًا، فإن الدول الجزرية والدول الأفريقية وأمريكا اللاتينية و«القوى الصاعدة»، مثل الهند والبرازيل وإندونيسيا وجنوب أفريقيا، كانت تسعى لتحقيق مصالحها المباشرة الخاصة، والتي لم يكن بعضها متوافقًا مع بعض بالضرورة. كان يوجد جوٌّ أقرب إلى اليأس تنطوي عليه بعض مطالب الدول النامية بتحويلات ضخمة وفورية وغير مشروطة للموارد. كانت المساعدات في الماضي مفيدة، ولكن باستثناء عدد قليل مفضَّل من الدول، لم تُمنَح المساعدات بكميات كافية لصنع فارق كبير، لا سيما عندما يضيع جزء كبير من المساعدات بسبب الفساد وعدم الكفاءة والنفقات العسكرية المفرطة.40 مع ذلك، في الوقت الذي تبدأ فيه الآن بعضُ البلدان الفقيرة في الاضطلاع بضخامة التحديات التي تواجهها بالفعل، الناتجة عن التدهور البيئي وفشل التنمية والبنية التحتية القاصرة أو غير الموجودة والخبرة الفنية غير الكافية؛ يبدو أنه ينمو شعور حيال مدى السوء الذي ربما تصل إليه الظروف،41 وربما يعني هذا أنه حتى بعضُ النخب الحاكمة قد أدركت أخيرًا أنها أيضًا سوف تتورط بشدةٍ إذا كانت إجراءاتها للتكيف مع الاحترار العالمي غير كافية. وإذا كان الأمر كذلك، فإنها قد تتحرك بجدية أكبر للتخطيط لظرف مستقبلي عندما ستقبل مساعدات مرتبطة بمعايير أداء قوية. وأخيرًا، أيًّا كانت الأسباب المبرِّرة للمساعدات الخارجية في الماضي، فإن البلدان المتقدمة الآن تحتاج لأنْ تقدِّم البلدانُ النامية مساهمةً كبيرة في خفض انبعاثات غازات الدفيئة في المستقبل. نحن في الواقع مرتبطون معًا في مشكلة كلاسيكية بسبب المشاعات العالمية، هذه المشكلة قد تعني أن الزيادات الكبيرة في المساعدات الخارجية ستكون ضرورية وممكنة.

هل تشير هذه التغييرات إلى زيادة احتمالية التوصل لاتفاق مع العالم الثالث الآن أكثر مما كان عليه الأمر من قبلُ؟ هل يمكننا التأثير على البلدان النامية من أجل التخلي عن هَوَسِها بالضغائن القديمة، وإعادة التركيز على ما يتعين عليها القيام به لحماية نفسها من ارتفاعات درجات الحرارة العالمية؟ تشير الانقسامات داخل العالم الثالث التي ظهرت في كوبنهاجن إلى أن بعض البلدان النامية تشعر بالحاجة إلى تجاوز الموقف التقليدي لمجموعة السبع والسبعين؛ فهي بحاجة إلى المساعدة بسرعة، وربما تكون على استعداد لقبول بعض الشروط على المساعدات، أيًّا كانت المساعدات المعروضة لبدء تنفيذ السياسات الفاعلة. وينبغي أن يُقدَّم لهذه الدول كلٌّ من المساعدة الفنية لوضع خطط للسياسات والمساعدات المشروطة للبدء في تنفيذ هذه الخطط، ويجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمات الإغاثة المختلفة توضيح أن العروض المماثلة مطروحة لأيِّ بلد يطلب المساعدة، وأن الهدف من ذلك ليس إنشاء نادٍ مغلق من متلقِّي المساعدات المفضَّلين، بل الإقرار بالخلافات الموجودة داخل كتلة العالم الثالث ووضعها في الاعتبار، ومن المنطقي بدء التعاون على الفور مع أولئك الذين يدركون الحاجة للقيام بذلك. فإذا كان هذا الخيار متاحًا ومأخوذًا على محمل الجد من قِبَل الكثير من البلدان الأكثر فقرًا، فإنه يمكن أيضًا أن يتسبَّب في جعل الصين والقوى الناشئة الأخرى أكثر تعاونًا.

إضافةً إلى ذلك، يجب أن نعترف بأن كثيرًا من البلدان النامية الأصغر تخشى التحرك دون دعمٍ من الصين والهند والبرازيل وإندونيسيا وجنوب أفريقيا، ولكن في حين أنه يوجد بعض التداخل في أهدافها، فإن هذه القوى الأكبر تركِّز في المقام الأول على تحقيق مصالحها الوطنية، وليس مصالح مجموعة السبع والسبعين. والمواقف السياساتية التي اتُّخِذت في كوبنهاجن من قِبَل الصين والهند والبرازيل توضِّح ذلك؛ إذ عَقدت هذه الدول صفقات خاصة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي دون تشاورٍ مع مجموعة السبع والسبعين، كما أنها لم تولِ اهتمامًا لشواغل مجموعة السبع والسبعين الخاصة. وينبغي أن يكون الهدف توضيح أنه من المعقول بالنسبة للدول الأصغر والأكثر فقرًا البحث عن خيارات جديدة تحمي أو تعزز مصالحها، بدلًا من السماح للصين بتحقيق مصالحها الخاصة وراء التزامٍ ظاهريٍّ بمصالح البلدان النامية.

من المفهوم أن أيَّ عرض للبلدان النامية الأصغر والأفقر سوف يتطلب نهجًا متعدد المراحل؛ وذلك لأن معظم هذه البلدان ليست في حالة تسمح بتنفيذ التزامات ملزمة قانونًا أو قوية في هذا الوقت. ومع ذلك، فالتوقيت ليس مسألة ذات أهمية قصوى في حالة هذه البلدان؛ لأنها «حتى الآن» ليست من مصادر التلوث الكبيرة، وربما يمر عقد من الزمن قبل أن تصبح مساهماتها في الاحترار العالمي كبيرة. أما ما هو مطلوب في هذا الوقت فهو المساعدة الفنية أو المساعدات الخارجية أو الاستثمار الخاص الكافي لبدء تنفيذ سياسات التكيف. هذا يتناسب مع صياغة الأمم المتحدة القياسية «للمسئوليات المشتركة برغم تباينها» للبلدان النامية. وكما أشار جينج كاو، هذا يعني أنها سوف تتحمل مسئوليات إضافية لخفض الانبعاثات ولكن تدريجيًّا فحسب.42 كما اقترح كاو صيغةً لتقييم مسئولية الفرد والدولة من انبعاثات غازات الدفيئة، من شأنها تسهيل الاتفاق بين المانحين حول حصص التمويل اللازم المناسبة لمساعدة هذه البلدان.

ستحصل بعض البلدان النامية على الأرجح على مساعدة كبيرة في السنوات اﻟ ٣–٥ القادمة، ليس بقدر ما تحتاجه وبالتأكيد ليس ما تعتقد أنها تستحقه، ولكن ما يكفي للبدء في حماية نفسها من أسوأ وأقرب التهديدات البيئية. وسيحصل البعض الآخر على قليل جدًّا، بل حتى إنها ربما تضاف إلى قائمة الدول الفاشلة. وتوقُّع المزيد في هذه البيئة السياسية والاقتصادية ليس معقولًا ولا حكيمًا بسبب الكثير من الاستخدامات المشروعة الأخرى لهذه الموارد، والمقاومة السياسية القوية لمطالب الزيادة الضخمة في المساعدات. ويتمثل الأمل في ازدياد عدد البلدان النامية التي سترى العلامات وتلتفت للتحذيرات وإما تضع استراتيجيات نمو بديلة أو تصبح من أنصار مبدأ التحسينية البراجماتيين حتى يحين الوقت الذي تصبح فيه المساعدات الأكبر ممكنة.

(٦) سياسة الاستقطاب

كان الرئيس أوباما مقيدًا بشدة في كوبنهاجن بالشروط القائمة لمشروع قانون واكسمان-ماركي من مجلس النواب ومشروع قانون كيري-بوكسر من مجلس الشيوخ، اللذين لم يتم العمل بهما حتى الآن. كان مشروعا القانونين كلاهما أضعفَ في تقييدهما لانبعاثات غازات الدفيئة من عدة خطط أوروبية قيد التنفيذ بالفعل. وعلاوة على ذلك، لا يوجد زعيم سياسي في ظل نظام ديمقراطي يمكن أن يندفع أكثر من اللازم أمام ناخبيه، والنتائج الانتخابية الأخيرة في فرجينيا وماساشوستس ونيو جيرسي تمثِّل تحذيرات واضحة تحدُّ من المساحة المتاحة لإدارة أوباما للمناورة في القضايا البيئية. وردًّا على ذلك، قام عضوا مجلس الشيوخ جراهام وكيري «بتحويل أنظارهما إلى حزمة أكثر تواضعًا من تدابير المناخ والطاقة»، دون أيِّ خطة فاعلة لتحديد وتداول الانبعاثات من أجل وضع سعر لانبعاثات الكربون.43
قدم أيضًا استطلاعٌ لمركز بيو للأبحاث — ظَهَر قبل شهرين من مؤتمر كوبنهاجن — أدلةً على الدعم المحدود في الولايات المتحدة للسياسات الحكومية القوية حيال الاحترار العالمي.44 وكان هناك انخفاض عامٌّ في الاعتقاد بوجود أدلة دامغة على الاحترار العالمي (من ٧٥٪ في أبريل ٢٠٠٨ إلى ٥٣٪ في أكتوبر من نفس العام) مع تراجع أكثر حدة بين الجمهوريين من ٦٢٪ في عام ٢٠٠٧ إلى ٤٩٪ في عام ٢٠٠٨ إلى ٣٥٪ في عام ٢٠٠٩. وإضافة إلى ذلك، عزا ٣٦٪ فقط من المشاركين في الاستطلاع الاحترارَ العالمي إلى الأنشطة البشرية. كان الانخفاض الحاد موجودًا بين الجمهوريين على نحو خاص، ولكن تراجع أيضًا تأييد الديمقراطيين، وإن لم يكن بدرجة كبيرة؛ إذ رأى ١٤٪ فقط من الجمهوريين الذين شملهم الاستطلاعُ الاحترارَ العالمي مشكلةً خطيرة في مقابل ٤٩٪ من الديمقراطيين. وفي يناير ٢٠٠٩ كان الاحترار العالمي الأدنى على قائمة أولويات الجمهوريين والمستقلين، وحلَّ في المرتبة السادسة عشرة من بين عشرين مشكلة بالنسبة للديمقراطيين، وكان هذا بالطبع في وقت الاضطرابات الاقتصادية الكبرى، فضلًا عن وجود شواغل جدية حيال العراق وأفغانستان وإصلاح نظام الرعاية الصحية، لكنه يشير إلى مدى صعوبة خلق دعم قوي للاستجابات الجادة نحو تهديدات الاحترار العالمي، أو خلْق أيِّ نوع من الضغط من الشعب على القادة السياسيين للتحرك.
سعى تقرير لاحق من مركز بيو للأبحاث45 لإلقاء بعض الضوء على سبب الانخفاض الحاد في التصديق العام لأدلة الاحترار العالمي. كانت حالة الاقتصاد سببًا أساسيًّا، ولكن أشار تقرير بيو أيضًا لعدة عوامل أخرى؛ منها: الصيف البارد على نحو غير عادي، والخوف من أن الجهود المبذولة للحد من الانبعاثات ستزيد الأسعار وتؤدي إلى مزيد من فقدان الوظائف، وتأثير الأخبار التلفزيونية الأعلى مشاهدة والبرامج الإذاعية الشهيرة. تَوصَّل استطلاع رأي بيئي لمؤسسة جالوب في مارس ٢٠٠٩ — استشهد به تقرير بيو — إلى نتائج مماثلة في جوهرها. باختصار، على الرغم من أن الآراء كانت متقلبة تمامًا، كان كثير من الأشخاص مدركين للاحترار العالمي، واعتقد كثيرون أنه كان أو سوف يصبح مشكلة خطيرة، ولكنه لم يكن مشكلة جليَّة بما يكفي لتجاوز جميع القضايا الأخرى؛ فلا يبدو من المتوقع أن تحدث أسوأ آثار الاحترار العالمي إلا بعد عدة عقود، وكان المرجح أكثر أن تقع العواقب الوخيمة الفورية على «الآخرين»؛ أيِ الفقراء والبعيدين عنا.46 إن الأشخاص الذين لديهم اهتمام محدود بمشكلة لا تزال تبدو بعيدة المدى على نحو أساسي؛ ليس من المتوقع أن يهبُّوا للعمل أو للتفكير في تغيير وجهات النظر المريحة والتقليدية من خلال المزيد من الدراسات العلمية أو تحذيرات من كارثة تلوح في الأفق.
علاوة على ذلك، بما أنه يمكن تعديل شكل الإدارات والكونجرس مع كل انتخابات، فإن أصحاب المصلحة يخشون — على نحو معقول تمامًا — أن احتمالات عدم الامتثال ستزيد، وأنه ستظهر مطالب لإعادة التفاوض حول الشروط. ويمكن أن تنشأ هذه المخاوف خصوصًا عندما تنخفض كثيرًا الثقة في الحكومة والممثلين المنتخبين، وعندما تُستقطب الأحزاب والناخبون بشدة. ولتقييم مدى الاستقطاب الحالي في الكونجرس، وثَّقت عالمة السياسة باربرا سنكلير ظهور العراقيل المهددة أو الفعلية منذ ستينيات القرن العشرين: أثَّرت هذه الإجراءات في ٨٪ من التشريعات الرئيسية في ستينيات القرن العشرين، و٢٧٪ في ثمانينيات القرن العشرين، و٧٠٪ بعد تولي الديمقراطيين السيطرة على الكونجرس في عام ٢٠٠٦.47 وقدم كاس سانستين — وهو أستاذ في كلية الحقوق بجامعة هارفارد — مثالًا آخر على كيفية حدوث الاستقطاب الانتقائي؛ فمن خلال تحليل عدد كبير من المواقع الإلكترونية اكتشف أن كل طرف في جدل من الجدالات يميل للنظر بشكل كبير إلى المواضع الأخرى التي تتبنى وجهة نظر مماثلة؛ ومن ثَم فأنصار كل وجهة نظر واحدة يصبحون أكثر تطرفًا بعد التواصل مع أنصار وجهة النظر نفسها بشكل رئيسي أو معهم دون سواهم؛ والنتيجة الرئيسية لذلك تكون الاستقطاب الجماعي ويصبح التوصل بعد ذلك لحلول وسط للأطراف أصعب وأصعب.48 وهكذا يبدو أن استخدام الإنترنت الواسع النطاق يرسخ التحيزات؛ فيبحث المستخدمون عن الأشخاص الذين لديهم وجهة النظر نفسها؛ ما يعمل على ترسيخ وجهة النظر تلك، ولكن أيضًا يجعل الموقف أكثر تطرفًا وأكثر جمودًا.
توجد أدلة وفيرة على هذا النمط من التعزيز في مفاوضات الاحترار العالمي. فعلى سبيل المثال، السيناتور إنهوف من أوكلاهوما، الذي وصف الاحترار العالمي بأنه «أكبر خدعة وقع فيها الشعب الأمريكي على الإطلاق»، استشهد فقط بمجموعة صغيرة من العلماء أو المناصرين الذين يؤيدون وجهة نظره، وتجاهَلَ تمامًا مجموعة كبيرة من الأدلة العلمية التي تدحضها.49 والضحية الأول لهذا النوع من الإدراك الانتقائي والاستقطاب الشديد هو النقاش الموضوعي حول الوقائع الجارية؛ إذ يتجاهل كلُّ طرفٍ الطرفَ الآخر أو يسخر منه، ويعزو المواقف المعارضة للجشع أو الجهل، ولا يرى ضرورةً لتحدي قناعاته الخاصة. وليست القيود السياسية حول وضع السياسات الفاعلة مقتصرة فحسب على الولايات المتحدة؛ فقد هاجمت صحفيَّة سياسية شهيرة في إنجلترا مؤخرًا عدمَ رغبة القيادة للقيام بمخاطر سياسية للمضي قدمًا في جدول الأعمال البيئي، وكذلك انتقدت بعض أطراف من الصحافة البريطانية لإنكارهم وجود الاحترار العالمي، وأشارت أيضًا إلى أن بيانات الاقتراع حول المرشحين المحافظين في الانتخابات العامة المقبلة أوضحت أنهم أرادوا تحركًا أقل حيال الطاقة والبيئة وتخفيض المساعدات الخارجية.50
وفي هذه الظروف العصيبة لن يصبح وجود قيادة سياسية قوية تضطلع بمجال الطاقة والبيئة ممكنًا، إلا إذا بدأ الرأي العام في التغير وطالب بسياسات فاعلة من الكونجرس والرئيس في الولايات المتحدة ومن السلطات المختصة في الدول الأخرى. وكانت الحلقة المفقودة في إقناع القادة السياسيين لدينا بالتحرك هي غيابَ الضغوط الفاعلة التصاعدية المستوى أو الوعي بإمكانية أن استمرارهم في السلطة يمكن أن يكون مهدَّدًا من قِبَل الجمهور المتضرر الذي أصبح على بيِّنة بمخاطر عدم اتخاذ أيِّ إجراء.51 هل من الممكن خلْق مثل هذه الضغوط، حتى دون وقوع كارثة مرتبطة بوضوح بالاحترار العالمي؟ يمكن الإجابة على هذا السؤال بالإيجاب فقط إذا استطعنا إعادة تأطير النقاش حول الاحترار العالمي على نحو أكثر فاعلية من مجرد ربطه بفرص العمل والأمن القومي. المسألتان الأخيرتان بالتأكيد من المسائل الحيوية، ولكننا بحاجة للبحث في أيِّ مكان آخر من أجل فهم سبب ضعف الدعم لإجراءات قوية لمواجهة الاحترار العالمي، والسبب في إمكانية تجاهل الأدلة القوية المناقضة بسهولة.
تحتاج هذه المسائل إلى إعادة تأطير لكي تؤثر في عملية صنع القرار وسلوك الناخبين عن طريق التأثير على العواطف والتفكير. وقد خطا توماس فريدمان خطوة في هذا الاتجاه من خلال جهوده لتنبيه الجمهور بمخاطر الاحترار العالمي واستمرار الاعتماد على مصدِّري البترول من الحكام المستبدين، وتساءل عما ينبغي أن يؤمن به المنكرون والمشككون لتبرير موقفهم. ويجيب بأن شخصًا يحمل مثل هذا الرأي يجب أن يؤمن كذلك بأن عدد السكان لن يزيد بمقدار ٢٫٥ مليار نسمة بحلول عام ٢٠٥٠، وبأنه من المفيد بالنسبة للولايات المتحدة أن تظل معتمدة على مصدِّري النفط الذين يُحتمل أن يصبحوا عدائيين أو غير مستقرين، وبأن الفقراء في العالم لن يسعَوا إلى الوصول لأنماط الحياة التي نتمتع بها في العالم المتقدم منذ عقود طويلة.52 ويمثِّل هذا وسيلة مفيدة لإلقاء الضوء على بعض نقاط الضعف في تحليل مجموعة المنكرين والمشككين، ولكنه لا يخبرنا ما يكفي عن سبب إيمانهم بوجهات النظر تلك والسبب في مقاومتهم الشديدة لتغييرها.

إذا أردنا الإجابة على هذه الأسئلة، فعلينا أن نركز على تأثير كلٍّ من العقل والعاطفة على صنع القرار والسلوك السياسي؛ فقد تدهور الجدل بحدة بين أنصار المحافظة على البيئة والمشككين؛ إذ إنه في كثير من الأحيان لا يستمع أحدهما للآخر ولا يسعى لفهم موقف الآخر. كيف يمكن للمرء كسر هذا الجدار والبدء في اكتشاف قيم ومصالح مشتركة كافية للسماح بظهور بعض الحلول الوسط المقبولة والواقعية لدى الطرفين؟ يمكن استخلاص جزء من الإجابة من مجال علم النفس السياسي، الذي يتطرق لشرح كيف يمكن لأنصار أيِّ وجهة نظر تبرير رفض النظر في وجهات النظر المتباينة أو إعادة النظر في وجهات نظرهم الخاصة. ودراسة النتائج التي توصَّلَ إليها ربما تشير إلى طرق لإعادة تأطير الجدل حول الاحترار العالمي على نحو أكثر فاعليةً.

أشار درو ويستين53 إلى أن «المخ السياسي هو مخ عاطفي»، وأنه عند مواجهة معلومات مهددة أو غير متوافقة، فإن أنصار أيِّ معتقد سياسي من المتوقع أن «يبرروا» الوصول إلى الاستنتاجات المنحازين إليها عاطفيًّا. ويؤكد ليرر وويستين على أننا جميعًا في الواقع مبرِّرون.54 وهذه النقطة حيوية في السياق الحالي؛ لأنها تساعدنا على فهم السبب في أن المعلومات الإضافية لا تقلل التحيُّز بالضرورة؛ إذ إن «الناخبين يميلون فحسب إلى استيعاب تلك الحقائق التي تؤكد ما يؤمنون به بالفعل.»55 فلا ينبغي أن يحدث التنافر المعرفي إلا إذا كانت المعلومات الجديدة تتعارض مع المعتقدات الراسخة، وليس إذا سُخِر من المعلومات الجديدة أو تعرضت للتجاهل.
أشار جورج ماركوس وزملاؤه إلى أن العواطف لا تؤثر فيما نشعر به فحسب، «ولكن أيضًا في طريقة تفكيرنا وما نفكر فيه وما نفعله.»56 يمكن أن تُبعد العواطفُ الأشخاصَ بعيدًا عن الاستجابات المعتادة وتوجِّههم نحو سياسات جديدة أو طرق جديدة للتفكير، وتتحفز هذه المشاعر بشكل أكثر فاعليةً من خلال مستويات القلق العالية إذا كانت مصحوبة بشعورٍ بأنَّ التحسُّن ممكن، أو أن وسيلة الخروج من المأزق متاحة؛ وإذا كان مستوى القلق منخفضًا، فإن الجدل والنقاش لا يغيِّران الآراء أو يؤديان إلى أنماط جديدة من السلوك.57 مرة أخرى، هذا أمر حيوي في سياقنا؛ لأن الرواية التي يتبنَّاها المنكرون والمشككون مصمَّمة لتقليل القلق وللإشارة إلى أن التغييرات الكبيرة والمكلفة في السلوك غيرُ ضرورية.
بالنظر إلى الأدلة الكثيرة على أن الناس خبراء في تبرير معتقداتهم، وأنهم يقاومون التغيير حتى في مواجهة الأدلة المتناقضة؛ فأيُّ أمل يتوفر لإعادة صياغة الجدل حول الاحترار العالمي بطريقة مقنعة للأغلبية في كلا الجانبين؟ ادَّعت رواية المشككين والمنكرين بأنه يوجد متَّسَع من الوقت للتكيف والتعديل تدريجيًّا مع أيِّ تغييرات تحدث، وأن مخاوف المجتمع البيئي في غير محلها أو أنها تعبر عن تهافت على مصالح شخصية. كما أكدت أيضًا مرارًا وتكرارًا على أن التحوُّل السريع لاقتصاد طاقة جديد سيرفع التكاليف كثيرًا. كل هذا يولِّد إدراكًا لليقين في غير موضعه ويدعم التوجه نحو المبالغة في تقدير المكاسب الفورية والتقليل من قيمة المستقبل؛ فالخسائر المباشرة تلوح في الأفق أكبر من المكاسب المحتملة.58 ولا توجد وصفة سهلة للتغلب على قوة هذه الرواية أو التقليل من شأنها؛ فهي نظام مريح للغاية وسهل جدًّا يصلح «للمؤمنين بأفكارٍ يرفضون تغييرها وإن تبيَّنَ لهم خطؤها.»
درس فيليب تيتلوك59 قابلية خطأ الأحكام السياسية المتخصصة، وقدَّمَ تحذيرًا قويًّا عن مخاطرِ ما أسماه «خطيئة اليقين». اليقينُ السابق لأوانه والتبسيط الانتقائي هما العاملان اللذان وجد أنهما مسئولان أساسًا عن سوء أحكام الخبراء. لا يشكِّك تيتلوك في الأحكام المعتمدة على أدلة علمية، لكنَّ كثيرًا من الآراء المذكورة في الجدل حول الاحترار العالمي ليست علمية، وتبدو تحذيراتُ تيتلوك وثيقةَ الصلة بالموضوع وقادمة في الوقت المناسب. كما يشير أيضًا إلى أن واحدة من الخصائص الرئيسية للخبراء المتنبئين الأكثر دقةً كانت استعدادَهم لتدبُّر وجهات النظر المختلفة والتشكيك في معتقداتهم وافتراضاتهم الخاصة.

على الرغم من الكثير من الخطابات التحريضية، يوجد عدد قليل من المشكلات في الجدل حول الاحترار العالمي يقدم بعض الأفق للتعاون غير المثير للخلاف، وينبغي استخدامها لصالحنا. وفي هذا السياق نقترح نهجين قد يغيِّران طريقة الجدل ويبدآن في توليد بعض أنماط التواصل المفيدة. وسيركز التوجه الأول على تحسين القدرات المحلية على التكيف، وهي نطاق اهتمامٍ يمكن أن يشكل أساس الجهود الفورية الرامية إلى التعاون. والتركيز الثاني — والذي يعكس مباشرةً مناقشتنا السابقة حول ضرورة مناشدة العواطف والعقل «كليهما» — هو محاولة إعادة تأطير النقاش في سياق الإنصاف بين الأجيال. وخلال السعي لشرح السبب في أنْ يكون الجيل الحالي على استعداد للإنفاق على استثمارات ستستفيد منها الأجيالُ اللاحقة في المقام الأول، فإنه يمكن ملاحظة وجود نوع من المقايضة الضمنية بين الأجيال: نحن نستثمر لمساعدة أجيال المستقبل لأن الأجيال السابقة فعلت الشيء نفسه من أجلنا. وعندما تفشل هذه المقايضة وتصبح أنانية المدى القصير هي القاعدة، تنشأ الضغائن المرتبطة بالعمر وربما تكون مهدِّدة للاستقرار الاجتماعي.

مع أنه من المرجح أن يتلقى المستوى المحلي الضربة الأولى من الكوارث الناتجة عن الاحترار العالمي ويكون أكبر متضرر، فإنه لم يتلقَّ الاهتمام الكافي. وتوضح الاستجابات المحلية المتعثرة نحو كارثة تسونامي الآسيوية وإعصار كاترينا وأحداث الحادي عشر من سبتمبر أن هذا الإهمال خطأ. يوجد نمط ما في هذه الحالات: تكون القيادات الوطنية عادة ضعيفة وغير مدركة لما يجري محليًّا، ويكون تدريب الموظفين المحليين سيئًا ويُجبَرون على ارتجال استجابة دون وجود معدات أو إمدادات مناسبة، وعادة ما تتعطل الاتصالات، وتنشغل الأجهزة المسئولة إلى حدٍّ كبير بإلقاء اللوم عن كاهلها. وينبغي أن يعالج التخطيط المسبق الكافي بعضَ أوجُه القصور تلك أو على الأقل يقلِّلها.

ونظرًا لأن البلدان النامية تفتقر إلى الموارد المالية أو القوى العاملة الفنية اللازمة للتعامل مع الكوارث الضخمة، فينبغي أن يكون الاستخدام الأول لأموال المساعدات الموعود بها في كوبنهاجن هو تمويلَ وضع خطط وطنية للاستجابة السريعة للكوارث، وينبغي تضمين المساعدة الفنية في وضع هذه الخطط وتدريب الموظفين المحليين وتوفير المعدات الكافية للاتصالات والخدمات الطبية الطارئة وخطط الإخلاء. وبالنسبة للبلدان المتقدمة، التي تتوفر لديها بالفعل المواردُ والمهارات اللازمة، ينبغي للسلطات الوطنية مُطالَبة الحكومات المحلية بالاستعداد المسبق، وأن تكون مفوَّضة بالعمل بسرعة دون انتظار توجيهات السلطة الوطنية. وفي حين أن السلطات الوطنية تكون أكثر أهميةً في مراحلِ ما قبل الأزمة وما بعد الأزمة، فإن السلطات المحلية هي التي سيتعيَّن عليها التعامل مع مرحلة الأزمة. وبما أنه يوجد اتفاق عامٌّ حول فوائد الاستجابة الأولى الأكثر فاعليةً، ولأن تكاليف الاستعداد متواضعة نسبيًّا؛ فإنه ينبغي أن يكون تحسين القدرات المحلية على الاستجابة غيرَ مثيرٍ للجدل نسبيًّا. ويعني وجودُ مجموعة متنوعة من الكوارث المحتملة أن المؤسسات على جميع المستويات يجب أن تكون مَرِنة ومتكيفة مع المهمة الحالية، بل تتضمن أيضًا فوائض على نحو جزئي، كما يجب أن تكون مستعدة للتعامل مع الأحداث ذات احتمالات الوقوع الضعيفة مع كونها ذات عواقب كبيرة.

فشلت المحاولات السابقة لإعادة تأطير الجدل؛ لأن الإطارَ الذي عبَّر به المشككون والمنكرون استجابَ على نحو فاعل لاهتمامات واحتياجات الجمهور الحالية، ولأن أنصار الاستجابة السياساتية القوية للاحترار العالمي شعروا بضرورة الرد بلغة خصومهم خوفًا من الهزيمة السياسية. ويجب أن تكون الصياغة الجديدة مقنعةً معرفيًّا، ولكن يجب أيضًا — كما هو مبيَّن في مناقشتنا السابقة — أن تكون محرِّكةً للمشاعر؛ فالعقل وحده يمكن أن يقدِّم الوسيلة فحسب، لكنه لا يوصلنا للنهاية التي ننشدها.60 إن مناشدة المشاعر والعقل ليست بفكرة جديدة، ويوجد الكثير من النماذج للقوة السياسية التي تعتمد على مناشدة العواطف.61 ومع أن الهدف قد ضاع وسط ضجيج الساحة السياسية الراهنة المتسمة بالاستقطاب والجدل والشعبوية، فإنه يجب ألَّا تكون مشكلات الاحترار العالمي وأمن الطاقة حزبيةً بطبيعتها. ما القيم المشتركة التي يمكنها التغلُّب على هذه الانقسامات أو التقليل منها؟

لقد ضعف إحساسُنا بالالتزام حيال أجيال المستقبل، وإحساسُنا بالتعاطف مع مَن هم في أشد الحاجة بسبب ظروفنا الحالية، ولكنه لم يُدمَّر تمامًا كما اتضح من تدفُّق المساعدات لضحايا تسونامي آسيا وزلزال هاييتي. وتحتاج مثل هذه المشاعر إلى أن تُبعَث من جديد وتُعزَّز في اتجاهين؛ أولًا: ينبغي أن يُطلَب من كلا الجانبين — ولكن بصفة خاصة من المشككين والمنكرين — أن يتخيَّلوا أنهم ربما يكونون مخطئين. فَلْنفترض أنه لن يتضح سوى صحة جزء من أسوأ التوقعات حول تغير المناخ، فإن العواقب قد لا تزال كارثية لبعض مناطق العالم، ولن يكون الأشخاص الموجودون في العالم الأكثر ثراءً قادرين على عزل أنفسهم — إلا بتكلفة أخلاقية وعملية كبيرة — عن بعض أسوأ الآثار. وحتى لو ثبت خطأ توقعات زيادة درجات الحرارة، فستظل توجد فوائد هائلة من الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة والحد من الاعتماد في مجال الطاقة على مصدِّري البترول من الحكام المستبدين. باختصار، حتى لو كنت مشككًا، فإنه من المنطقي للغاية أن تؤمِّن نفسك ضد إمكانية أن تكون شكوكك في غير محلها. إن الحد من القلق والمخاوف جزء مهم من أسباب دفع تكاليف التأمين، كما يمكن أن يكون عنصرًا حيويًّا في الجهود الرامية إلى تغيير الآراء والسياسات. والحجة بأننا لا ينبغي أن نقلق — كما يحتجُّ بها بعض المشككين — هي كوضع رهان كبير للغاية على احتمال أن غالبية علماء العالم لا يعرفون ما الذي يتحدَّثون عنه.

يتمثَّل المكوِّن الآخَر لهذا النهج أيضًا في شكل مناشدة مجموعة المنكرين، وتعتمد المناشدة على رأي ينادي بأنه برغم الكثير من الاختلافات، فإنه توجد قِيَم مشتركة في التزامنا حيال أجيال المستقبل والتعاطف مع أولئك الأقل قدرةً على الاستجابة للكوارث. أَلَا نَدين للأجيال المقبلة ببذل جهد حسن من أجل ترك كوكب صالح للعيش لهم؟ بغض النظر عن المعتقدات السياسية للمرء أو تقديرات المكاسب الانتخابية القصيرة المدى التي ربما تكون موجودة، أليس من الأكثر منطقيةً خوض المعارك الحزبية في نطاقات أخرى، وتقديم التزام مشترك الآن حيال أبنائنا وأحفادنا؟ يجب أن تُستخدَم السلطة السياسية لأهداف سامية أكثر من مجرد المنفعة الحزبية. هل تعيش مرتاحًا مع فكرة أن أحفادك ربما يتذكرونك بعدم قدرتك على توفير فرصة لهم للعيش حياة كاملة ومزدهرة مثل حياتنا، أو عدم اتخاذك إجراءً يكون تأمينًا لهم ضد احتمال كونك مُخطئًا؟ هل أنت متأكد تمامًا من أن كل تحذيرات المخاطر التي تلوح في الأفق من قِبَل كثيرٍ جدًّا من العلماء من كثيرٍ جدًّا من التخصصات العلمية هي تحذيرات خاطئة؟ مثل هذا اليقين في مواجهة الكثير جدًّا من الأدلة المناقضة مخيفٌ، وربما سيرى أحفادنا أنه قرار غير مسئول.

هوامش

(1) Fiona Harvey, “Climate Change Alliance Crumbling,” Financial Times, December 22, 2009 (on-line edition).
(2) John M. Broder, “5 Nations Forge Pact on Climate; Goals Go Unmet,” New York Times, December 19, 2009, p. 1.
(3) On the apparent snub to the President and his entrance into a meeting to which he had not been invited, see ibid, p. A10.
(4) On the difficulties of negotiating the details, see “Touch Wood,” The Economist, December 19, 2009, p. 112.
(5) John M. Broder, “5 Nations Forge Pact on Climate; Goals Go Unmet,” op. cit., has a very useful summary of what is in and what is not in the final agreement. Also useful is Andrew C. Revkin and John M. Broder, “Grudging Accord on Climate, Along with Plenty of Discord,” New York Times, December 20, 2009, p. 1 and 4. The full text can be found in “Copenhagen Accord Final Text,” The Guardian, December 21, 2009 (on-line edition).
(6) See Ed Miliband, “The Road from Copenhagen,” The Guardian, December 20, 2009 (on-line edition). For the Chinese response, see Andrew Jacobs, “Chinese and British Officials Tangle in Testy Exchange over Climate Change,” New York Times, December 23, 2009, p. 14.
(7) Mark Lynas, “How Do I Know China Wrecked the Copenhagen Deal? I was in the Room,” The Guardian, December 23, 2009, p. 10.
(8) Quoted in John Vidal and Jonathan Watts, “Copenhagen Closes in Weak Deal that Poor Threaten to Reject,” The Guardian, December 19, 2009 (on-line edition).
(9) See Bjorn Lomborg, “We Should Change Tack on Climate after Copenhagen,” Financial Times, December 22, 2009 (on-line edition); also see Peter Viebahn, Manfred Fishedick, and Daniel Vallentin, “Carbon Capture and Storage,” pp. 99–102 in State of the World 2009: Into a Warming World (New York: W. W. Norton and Company, 2009).
(10) Bjorn Lomborg, “We Should Change Tack on Climate after Copenhagen,” ibid.
(11) Clive Cookson, “Hopes for New Order from Climate Chaos,” Financial Times, December 17, 2009 (on-line edition).
(12) “Getting Warmer,” The Economist, December 5, 2009, p. 4.
(13) George Lakoff, Don’t Think of an Elephant! Know Your Values and Frame the Debate (White River Junction, VT: Chelsea Green Publishing Company, 2004), p. x and 4ff.
(14) Jonah Lehrer, How We Decide (New York: Houghton Mifflin Harcourt, 2009), pp. 106-7.
(15) George Lakoff, The Political Mind (New York: Viking, 2008), pp. 224–9.
(16) Quoted in Suzanne Goldenberg, “Democrats’ Bill Pushes Senate to Act over Climate Change,” The Guardian, October 1, 2009, p. 23.
(17) See Tom Zeller, Jr., “And in this Corner, Climate Doubters,” New York Times, December 10, 2009, p. A6.
(18) See, for example, the view of Lord Monckton, ibid.
(19) Krugman cites the results of a study by the Congressional Budget Office that indicates restricting emissions would have a modest effect on projected average annual growth rates of GDP both domestically and internationally (roughly between 0.03% and 0.09% per annum). See Paul Krugman, “Green Economics: How We can Afford to Tackle Climate Change,” New York Times Magazine, April 11, 2010, p. 39.
(20) Matthew L. Wald, “Fossil Fuels’ Hidden Costs is in Billions, Study Says,” New York Times, November 11, 2009, p. A16.
(21) A reasoned critique of conservative opposition to either cap and trade or a carbon tax can be found in Robert H. Frank, “Of Individual Liberty and Cap and Trade,” New York Times, January 10, 2010, p. B7.
(22) John M. Broder, “Climate Deal Likely to Bear Big Price Tag,” New York Times, December 9, 2009, p. 1 and A10.
(23) And China shows few signs of altering its behavior. Its demand for power from oil and gas “has led to the largest six-month increase in tonnage of human generated gases ever by a single country.” This is in the immediate post-Copenhagen period. See Keith Bradsher, “In China, Soaring Energy Appetite Threatens Emission Goals,” New York Times, May 7, 2010, p. B1.
(24) See Jad Mouawad, “Gloomy Energy Report Sets the Stage for Climate Negotiations,” New York Times, November 11, 2009, p. B4.
(25) See “Getting Warmer,” The Economist, December 5, 2009, p. 8. It should be noted that China is an exception to the cutback in spending on renewables.
(26) For the numbers, citing an International Energy Agency report, see “Getting Warmer,” ibid., p. 20.
(27) Ibid., p. 8.
(28) Jeff Zeleny and Adam Nagourney, “Party is Shaken as 2 Democrats Choose to Quit,” New York Times, December 7, 2010, p. 1 and A20.
(29) Clifford Krauss, “New Way to Tap Gas may Expand Global Supplies,” New York Times, October 10, 2009, p. 1 and 3.
(30) John Broder and Jad Mouawad, “Energy Firms Find No Unity on Climate Bill,” New York Times, October 19, 2009, p. 1 and A18.
(31) John M. Broder, “Greenhouse Gases Imperil Health, E.P.A.,” New York Times, December 7, 2009, p. 1.
(32) John Schwartz, “Courts Emerging as Battlefield for Fights Over Climate Change,” New York Times, January 27, 2010, p. 1.
(33) Quoted in Evan Osnos, “Green Giant,” The New Yorker, December 21, 2009, p. 54.
(34) Robert Kennedy, Jr., “The New (Green) Arms Race,” Outreach (Copenhagen: Stakeholders Forum), December 7, 2009; also see Martin Jacques, When China Rules the World: the End of the Western World and the Birth of a New Global Order (New York: Penguin Press, 2009).
(35) For an excellent overview of the issues raised by China’s rise, see C. Fred Bergsten, Charles Freeman, Nicholas R. Lardy, and Derek J. Mitchell, China’s Rise: Challenges and Opportunities (Washington, DC: Peterson Institute for International Economics and the Center for Strategic and International Studies, 2009).
(36) Yingling Liu, “A Chinese Perspective on Climate and Energy,” pp. 84–7, and Jennifer Wallace, “The Security Dimensions of Climate Change,” pp. 63–6, in State of the World 2009: Into a Warming World (New York: W. W. Norton and Company for the Worldwatch Institute, 2009).
(37) On China’s currency policies, see Paul Krugman, “Chinese New Year,” New York Times, January 1, 2010, p. A25.
(38) Kelly Sims Gallagher, Breaking the Climate Impasse with China: a Global Solution, Discussion Paper No. 09–32 (Cambridge, MA: Harvard Project on International Climate Agreements, Belfer Center for Science and International Affairs, Harvard Kennedy School, November 2009).
(39) Thomas L. Friedman, “Is China the Next Enron?” New York Times, January 1, 2010, p. A27.
(40) William Easterly, The White Man’s Burden: Why the West’s Efforts to Aid the Rest have done So Much Ill and So Little Good (New York: Penguin Press, 2006).
(41) Personal communication from a delegate to the Copenhagen conference, who talked to many Third World delegates and commentators.
(42) Jing Cao, Reconciling Human Development and Climate Protection: Perspectives from Developing Countries on Post-2012 International Climate Change Policy, Discussion Paper No. 08–25 (Cambridge, MA: Harvard Project on International Climate Agreements, Belfer Center for Science and International Affairs, Harvard Kennedy School, December 2008).
(43) See John M. Broder and Clifford Krauss, “Advocates of Climate Bill Scale Down their Goals,” New York Times, January 27, 2010, p. A4.
(44) Fewer Americans See Solid Evidence of Global Warming (Pew Research Center Publications, October 22, 2009). All the polling data in the paragraph comes from this publication’s on-line edition.
(45) Searching for Clues in the Global Warming Puzzle (Pew Research Center for the People and the Press, October 27, 2009) (on-line edition).
(46) Marten Scheffer, Francis Westley, and William Brock, “Slow Response of Societies to New Problems: Causes and Costs,” Ecosystems, Vol. 6, No. 5, August, 2003, p. 495.
(47) Cited in Paul Krugman, “A Dangerous Dysfunction,” New York Times, December 21, 2009, p. A29.
(48) Cass Sunstein, Going to Extremes: How Like Minds Unite and Divide (New York: Oxford University Press, 2009).
(49) The quote and other materials are from a speech on the Senate floor on January 4, 2005, reproduced on the Senator’s internet site.
(50) Polly Toynbee, “Gutless, Yes. But the Planet’s Future is No Priority of Ours,” The Guardian, December 18, 2009 (on-line edition).
(51) Since the young have been more concerned with environmental issues than the rest of the population, there have been some tentative suggestions that the Republicans might alter their hostility toward environmental policies in order to broaden their electoral base. Unfortunately, there is as yet no sign of this. It is possible, however, that the ongoing oil spill disaster in the Gulf of Mexico might finally begin to break the wall of resistance to strong environmental policies. Much will depend on how long the crisis continues and bad its near-term effects are.
(52) Thomas L. Friedman, “What They Really Believe,” New York Times, November 18, 2009, p. A31; also Thomas L. Friedman, Hot, Flat, and Crowded (New York: Farrar, Straus and Giroux, 2008).
(53) Drew Westen, The Political Brain—the Role of Emotion in Deciding the Fate of the Nation (New York: Public Affairs, 2007), p. xv (italics in original).
(54) Jonah Lehrer, How We Decide (New York: Houghton Mifflin Harcourt, 2009), p. 205; Drew Westen, ibid., p. xi.
(55) Johan Lehrer, How We Decide, ibid, p. 206.
(56) George E. Marcus, W. Russell Neuman, and Michael MacKuen, Affective Intelligence and Political Judgment (Chicago: University of Chicago Press, 2000), p. 38.
(57) Richard Nadeau, Richard Niemi, and Timothy Amato, “Emotions, Issue Importance, and Political Learning,” American Journal of Political Science, Vol. 39, No. 3 (August 1995), pp. 558–74.
(58) See Jonah Lehrer, How We Decide, op. cit., pp. 77–81, and George Lakoff, The Political Mind, op. cit., p. 228.
(59) Philip Tetlock, Expert Political Judgment: How Good Is It? How Can We Know? (Princeton, NJ: Princeton University Press, 2005).
(60) See Drew Westen, The Political Brain, op. cit., p. 133ff.
(61) The previously cited works by D. Westem, G. Lakoff, J. Lehrer, and G. E. Marcus are illustrative.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤