الفصل الرابع

ترجمة التراكيب البلاغية

من أشق المهام التي يواجهها المترجِم الأدبي؛ ترجمة ما يسمى بالأنماط أو التراكيب البلاغية، والتي يشار إليها باسم جامع، هو الوسائل أو الحيل البلاغية rhetorical devices. وكان الاتجاه العام في النقد الأدبي قديمًا يُرجع استخدامها أو الإسراف فيها إلى الصنعة، ويَسِم مستخدمها بالابتعاد عن «الطبع الصادق» ولكن الاتجاه الحديث يخالف ذلك. فعندما تعرضت مادلین دوران في كتابها عن «لغة شيكسبير الدرامية» (۱۹۷٦م) لمسرحية «حلم ليلة صيف» وجدناها تقول:

«إن الشباب هم الذين تجرفهم مشاعرهم إلى استخدام الأنماط البلاغية … فالشبان والشابات تتميز لغتهم بالصنعة الواضحة، وهم يلجئُون إلى الصنعة لا لأنهم يفتقرون إلى المشاعر، بل لأنهم يجيشون بها.»

ويتعرض هارولد بروكس في تقديمه لطبعة آردن من هذه المسرحية لهذه الأنماط البلاغية، ويعددها مشيرًا إلى أن شيكسبير كان على وعي كامل بتراث البلاغة اللاتينية، وسواء وافقناه أم اختلفنا معه، فنص المسرحية المذكورة يمثل بعض المشكلات للمترجم التي لا بد من حلها؛ إذ إن التراكيب البلاغية المذكورة rhetorical schemes تختلف

عن المحسنات المألوفة لدينا في علوم البيان والبديع والمعاني لدى العرب، لسبب واضح وهو أن اللغة الإنجليزية لغة غير معربة، وتعتمد على ترتيب الكلمات في الجملة لإخراج المعنى، بينما تتمتع العربية مثل اللاتينية بحرِّية أكبر في البناء، ومن ثم فقد يتعذَّر التقابل بين التراكيب البلاغية في اللغتين. وقد أورد بعضها الدكتور مجدي وهبة في «معجم مصطلحات الأدب» مكتبة لبنان، ١٩٧٤م، وحاول ترجمتها أو إيراد المقابل لها بالعربية، وسوف أقدم للقارئ العربي فيما يلي نماذج محدودة للتراكيب البلاغية في هذه المسرحية مما يدخل جميعًا في إطار التكرار.

وأول هذه الأنماط أو التراكيب البلاغية في إطار التكرار هو ما يسمى epizeuxis أي التكرار المباشر، ويعني تكرار اللفظة مباشرة في نفس العبارة ودون فاصل، كقول هيلينا:
Is’t not enough, is’t not enough, young man
(II. ii. 124)

وكقول إيجيوس:

Enough, enough, my lord, you have enough!
I beg the law, the law upon his head!
They would have stol’n away, they would, Demetrius!
(IV. i. 153–155)
فترجمة هذا النمط يسيرة، ويمكن أن يقدم المترجِم المثيل التراكيبي syntactic equivalent دون أن يخسر شيئًا، بل ودون أن يكسب شيئًا؛ إذ إن التكرار هنا ليست له قيمة كبرى في البلاغة العربية؛ فهو مجرد توكيد لفظي ولَّده الموقف الدرامي، وكثيرًا ما يلجأ إليه الممثلون إذا اقتضى الأمر، ودون الاستناد إلى التكرار الوارد في نص المؤلف:
أفلا يكفي، أفلا يكفي، أيها الشاب؟!
(۲–۲–۱۲٤)
أفلا يكفي، أفلا يكفي، أيها الشاب؟!
يكفي يكفي، يا مولاي! لقد سمعت ما يكفي!
أطالب بالقانون، بالقانون على رأسه!
(أطالب بتطبيق القانون عليه!)
كانا يريدان الفرار! الفرار، یا دیمتریوس!
(٤–١–١٥٣)

ولذلك فقد آثرت الانصياع لمقتضيات النص العربي في هذه الأحوال؛ إذ اكتفيت في النص المنثور ﺑ(ألا يكفي) واحدة في السطر ۱۲٤(۲–۲) وأبقيت على التكرار في السطر ١٥٣(٤–١) وفي السطر ١٥٥(٤–١) بينما حذفته في السطر ١٥٤ (٤–١).

وينتمي إلى نفس النوع أيضًا تكرار الكلمة أو العبارة مع فاصل بينهما، وهو ما يسمى ploce ومن نماذجه:
Confounding oath on oath
III. ii. 93
truth kills truth
III. ii. 129
و«الحلاوة» كما يقول أحد كبار نقاد شيكسبير التي تكتسبها مثل هذه التراكيب ليس مصدرها التكرار كما يذهب إلى ذلك أرباب البلاغة القديمة، بل جمال الجَرْس الذي تؤكده الحيل العَروضية؛ فالجمال الصوتي في التعبير الأول phonological مصدره تتابع حرف العلة وحرف النون الساكن في إيقاع شعري منتظم لا زحاف فيه:
Con / foun / ding / oath / on / oath /

أي إن التكرار هنا وظيفته صوتية محضة، والبيت الكامل هو:

A million fail, confounding oath on oath!

ومن ثم؛ فعلى المترجم إما أن يجد المماثل الصوتي فيتجاهل التكرار:

يخون مليون محب، ويحنثون في أيمانهم!

أو أن يحاكي التكرار في العربية.

وقس على ذلك المثال الآخر، فإن جماله ينبع من صيغة المفارقة فيه، وترجمته الحرفية «عندما يقتل الإخلاصُ الإخلاصَ» وبقية البيت تؤكد هذه المفارقة:

When truth kills truth, O develish-holy fray!
III. ii. 129

والأفضل في هذه الحالة توصيل المعنى إلى القارئ، وإلى مُشاهد المسرحية الذي يريد أن يفهم ما يقال، بدلًا من الاتكاء على بدائع الصيغ البلاغية وحدها:

عندما يقتل إخلاصُك لفتاةٍ إخلاصَك لأخرى
فإن الصراع شيطاني ومقدَّس في نفس الوقت!
وهذه المفارَقة أو «التناقض الظاهري» من الحيل البلاغية أيضًا oxymoron (الإرداف الخلفي – وهبة) ولذلك فالترجمة تحافظ عليها حتى ولو ضحت بالصورة المضغوطة للعبارة الأصلية ابتغاء الإيضاح.
أما النوع الثاني من التكرار فهو التكرار في البداية والنهاية، وهو من أبواب أربعة؛ فالأول أن يبدأ السطر، وينتهي بنفس الكلمة epanolepsis:
Weigh oath with oath, and you will nothing weigh!

ومن المحال إخراج ذلك بنفس الصورة، بسبب اختلاف التراكيب ما بين اللغتين، وبسبب تغير صورة الفعل المضارع في العربية عنه في صيغة الأمر، بينما تتفق الصيغتان في الإنجليزية؛ ولذلك فقد يستحسن في هذه الحالة إيراد المقابل بدلًا من المثيل:

لا تضع في الميزان قَسَمًا أمام قسم
وإلا كنت تزِنُ العَدَم!
والباب الثاني هو الانتهاء بنفس الكلمة في شطرين أو سطرين متعاقبين epistrophe ولنأخذ نماذج له من الفصل الثاني المشهد الأول، فأما النموذج الأول فهو عسير في ترجمته:
I love thee not, therefore pursue me not.
Il. i. 188
قلت لك لا تطارديني، فأنا لا أحبك!
وأما النموذج الثاني فيتضمن صعوبات أخرى منها التورية في كلمة wood:
Thou told’st me they were stol’n into this wood;
And here am I, and wood within this wood …
II. i. 191-192

فالأولى تتضمن الإيحاء بأنه مجنون أي لا عقل له «كالخشب» والثانية تشير إلى الغابة، والتورية خصيصة لغوية يندر أن تنجح ترجمتها.

والباب الثالث هو أن تكون آخر كلمة في السطر بداية لسطر جديد، وهو ما يسمى anadiplosis، ففي الفصل الثاني تكون آخر كلمات هيلينا هي:
… then be content
(II. ii. 109–110)

فيرد ليساندر قائلًا:

Content with Hermia?

وهنا لا بد من التغيير أيضًا:

… ولك إذن أن تسعد!
– أسعد بهيرميا؟
والباب الرابع هو تماثُل بدايات السطور المتعاقبة anaphora، وهذا أيضًا مما تصعب المضاهاة فيه بين اللغتين:
Hermia:
By Cupid’s strongest bow,
By his best arrow with the golden head,
By the simplicity of Venus’ doves,
By that which knitteth souls and prospers lovers,
(I. i. 169–ff)
أقسم لك بأقوى أقواس كيوبيد
وأفضل سهامه، ذي النصل الذهبي
وبراءة حمامات فينوس
وبالقوة التي تربط الأرواح وتسعد الأحبة …
ويلاحظ في المثال الأخير تساوي طول السطور الثلاثة الأخيرة (isocolon)، وهذا أيضًا من الأنماط البلاغية القديمة، ولها ما يوازيها في العربية؛ ولذلك فقد كان من الأيسر إخراجه، وإن ضحَّى النص هنا بتماثل البدايات فلم يأتِ بحرف الباء (باء القسم) في بداية كل سطر، ولا أقول بالقسم نفسه.
أما النوع الثالث فهو التكرار مع عکس بناء الجملة أي عکس ترتیب الكلمات في السطر واسمه antimetabole (العكس – وهبة) ومثله البيت الثاني من البيتين التاليين:
Of thy misprision must perforce ensue
Some true love turn’d, and not a false turn’d true.
(III. ii. 90-91)
وسوف يؤدي خطؤك ولا شك
إلى خيانة حبيب مخلص، لا إلى إخلاص حبيب خائن.

ومثله أيضًا البيتان التاليان:

Hermia: I would my father look’d but with my eyes
Theseus: Rather your eyes must with his judgment look
(I. i. 56-57)
هيرميا : ليت والدي ينظر بعيني
ثیسیوس : بل الأحرى أن تنظر عيناك بحكمته!
والنوع الرابع هو التوازي، أو المقابلة بين الكلمات parison سواء كان ذلك في إطار التماثل في الطول (isocolon) أم سواه، وأول نماذجه وأشهرها هو قول هيلينا:
You both are rivals, and love Hermia;
And now both rivals to mock Helena.
(III. ii. 155-156)
إنكما تتنافسان في حب هيرميا
وتتنافسان الآن في السُّخرية من هيلينا

ومن غير التساوي في الطول نجد هذا المثال الأشهر:

Demetrius: But I shall do thee mischief in the wood.
Helena:
Ay, in the temple, in the town, the field,
You do me mischief.
II. ii. 237–239
دیمتریوس : سأوذيكِ في الغابة!
هيلينا : نعم! إنك لتؤذيني في المعبد، وفي المدينة، وفي الخلاء!
والنوع الخامس هو تکرار جذر الكلمة دون معناها، أو تكرار صورة من الصور النحوية أو الصرفية للكلمة (واسمه polyptoton) (جناس الاشتقاق – وهبة) بحيث تومئ الثانية إلى الأولى، وهذا النوع يصعب إخراجه في العربية بصورته الإنجليزية، وإن كانت بعض أشكاله ممكنة مثل:
I follow’d fast, but faster he did fly
III. ii. 414
أسرعت في أثره، ولكنه كان أسرع في فراره!
وتنتمي إلى هذا النوع فئة من فئات التورية هي اﻟ paronomasia؛ إذ تكون الكلمة الثانية مشتركة في الجذر مع الأولى وإن اختلف معناها:
For lying so, Hermia, I do not lie
II. ii. 51

والتورية، كما ذكرت، من أعسر ما يتعرض له المترجم:

لأنني حين أرقد إلى جوارك يا هيرميا
لن أخون ثقتك!

أو تكون الكلمة الثانية ذات دلالة استعارية:

The one I’ll slay, the other slayeth me!
(II. i. 190)
سأقتل أحدهما، وتقتلني الأخرى!
وأعتقد أن هذه النماذج تكفي لإيضاح صعوبات المضاهاة بين التراكيب البلاغية الإنجليزية، والتراكيب البلاغية العربية، ولكن الصعوبات تمتد أيضًا إلى الحيل البلاغية الأخرى، التي ربما كانت أكثر شيوعًا في اللغات الأوربية الحديثة، بسبب ارتباطها بالدراما، وهو الفن الذي لم يشتهر العرب بممارسته، فمثلًا نجد حيلة بلاغية اسمها stichomythia (التناشد المسرحي – وهبة) شائعة في شكسبير، وهي في أصولها يونانية قديمة، ومعناها إدارة الحوار بين شخصيتين في سطور منفصلة، خصوصًا في لحظات الخلاف الشديدة، وتتسم بالطباق وأنواع التكرار البلاغي الذي سبقت الإشارة إليه. وهذه الحيلة تختلف عما يسمى في الدراما الحديثة repartee، وهي فنون الحوار السريعة التي تعتمد على حضور البديهة wit والتي تشيع في أنواع معينة من الفنون الدرامية. وليست هذه أو تلك مما يناسب المواقف الشاعرية أو الغنائية أو العاطفية، ولكن شيكسبير يستخدمها هنا مما يدل على ولعه بالحيلة نفسها من حيث هي حيلة بلاغية:
Her: I frown upon him; yet he loves me still
Hel: O that your frowns would teach my smiles such skills!
Her: I give him curses, yet he gives me love
Hel: O that my prayers could such affection move!
Her: The more I hate, the more he follows me.
Hel: The more I love, the more he hateth me
Her: His folly, Helena, is no fault of mine
Hel: None but your beauty; would that fault be mine!
(I. i. 194–201)
هيرميا : إني أعبس فيزيد غرامًا
هيلينا : آه لو تتعلم بسماتي سحر عبوسك
هيرميا : إني أشتمه فأنال الحب
هيلينا : آه لو بعثت بعض ضراعاتي هذا الحب
هيرميا : أزداد كراهيةً فتزيدُ ملاحقته
هيلينا : أزداد غرامًا فتزيد كراهيته
هيرميا : لست المسئولة يا هيلينا عن هذا الحمق
هيلينا :
لا ذنب لديك سوى حسنِك
أتمنى أن أحمل ذنبك!
والواضح هنا أن جوهرَ الحوار السريع يمكن تقديمه في الترجمة دون أن يجور المترجِمُ كثيرًا على الحيل البلاغية المستخدمة، وبوسع القارئ أن يرصدَ أشكال التكرار التي عددناها في هذه المقدمة هنا، وقد تحولت بعض الشيء في النص العربي المنشور، ولكن جوهر الحيلة البلاغية المذكورة (stichomythia) موجود ولا شك، وكذلك حين يوظف شيكسبير هذه الحيلة توظيفًا غنائيًّا لا علاقة له بالموقف الدرامي، يستطيع المترجم أن يبرزه نثرًا مثلما يبرزه نظمًا، ودون إخلالٍ كبيرٍ بمقصد شكسبير:
Lys:
The course of true love never did run smooth;
But either it was different in blood.
Her: O cross! too high to be enthrall’d to low.
Lys: Or else misgraffed in respect of years.
Her: O spite! too old to be engag’d to young.
Lys: Or else it stood upon the choice of friends.
Her: O hell! to choose love by another’s eyes.
(I. i. 134–140)
ليساندر :
إن الحب الصادق لم يعرف الطريق اليسير الممهد،
فإما أن يهيم عاشقٌ بمن دونه منزلة.
هيرميا : يا لها من عقبة! إذا هام الشريف بحبِّ الوضيع.
ليساندر : أو أن يكون غير متناسب؛ لفارق السن بينهما.
هيرميا : يا له من حائل! إذا هام الشيوخ بحب الشباب.
ليساندر : أو إذا قام على اختيار الأصدقاء.
هيرميا : يا لها من كارثة! إذا اختار أحدهم حبيبًا بعينَي شخصٍ آخر!
وهنا سيلاحظ القارئ سمات التكرار التي ألمحنا إليها، إلى جانب الطباق الذي يعتبر من السمات الرئيسية لهذا اللون من البناء اللغوي، والحقُّ أن الطباق antithesis من الحيل البلاغية التي تشيعُ في لغة شيكسبير بصفة عامة، وهي والمفارقة بأنواعها paradox، وإن كنا قد استخدمنا نفس المصطلح في الإشارة إلى نوع آخر هو oxymoron في موقع سابق من هذه المقدمة؛ فالمقابلات التي تزخر بها لغة شيكسبير في هذه المسرحية، ويمكن تصنيفها على أسس لفظية ومعنوية تنبعُ من تصور شيكسبير نفسه لفكرة الحب، والتقلب الذي يصاحب أهواء العشاق، وقد يجهد المترجِمُ نفسه لإخراج هذه المقابلات، فيصيب أحيانًا ويخطئ أحيانًا، تأمل البيتين التاليين:
The more my prayer, the lesser is my grace
(II. ii. 88)
كلما ازداد توسلي، نقص وصاله لي!
(ازداد جفاؤه لي)
Their sense thus weak, lost with their fears thus strong
(III. ii. 29)
وبعد أن طاش صوابهم، وازداد خوفهم ورعبهم!
أما البيت الأول فيتضمن مشكلةً تتصل بالمعنى، وقد أجمع الشراح على أن استخدام grace هنا بمعنى الوصال (أو الظفر والغنيمة)، مفتعل مُقْتَسَر حتى في الإنجليزية المستخدمة في عصر شكسبير، ومن ثم فالأفضل أن يضحي المترجم بالطباق، ويخرج بدلًا منه عبارتين متوازيتين بالعربية، وأما البيت الثاني، فيتضمن تركيبًا مفتعلًا هو الآخر، ولا يستطيع المترجِم إزاءه إلا الاستعاضة عنه بالصورة العربية المقبولة، مضحِّيًا بالطباق، وكذلك كثيرًا ما يضطر المترجمُ إلى التضحية بالمفارقات التي لا يتوقع من القارئ العربي إدراكها، مثل قول ليساندر:
Nature shows art
(II. ii. 103)

بمعنى أن الطبيعة تبدي فنون الصنعة، والطبع والصنعة نقيضان!

والنص المترجم يوحي بهذا المعنى البعيد وحسب، حين يقول: «ما أمهر يد الطبيعة» وقِس على ذلك كثرة الحِكَم والأمثال aphorisms التي تعتبر من الحيل البلاغية، بسبب استنادها إلى المفارقات:
Things base and vile, holding no quantity,
Love can transpose to from and dignity.
(I. i. 232-233)
قد يهب الحبُّ أحط الأشياء وأقبحها
بل ما لا ذِكْر له أو وزن
أشكالًا ذات سموٍّ وجمال!
والواقع أن هذه الصورة للحب امتدادٌ للصورة التي تقدمها مسرحية روميو وجولييت (المعاصرة لهذه المسرحية أو السابقة عليها بقليل) ويمكن تفسير مسارات الصور الفنية imagery أي الصور الشعرية بوجه عام في ضوء المفهوم الذي سبق أن أشرتُ إليه. وما أسميته بالمقابلات في الفقرة السابقة يصل إلى حد المفارقات، ووصف الحب السابق هنا (I. i. 232-233) يعيد إلى الذهن ما قاله الدوق أورسينو عنه في افتتاحية الليلة الثانية عشرة، أو ما قاله روميو عنه:
سرورٌ حزين وحزن مرح،
ودمع ضحوك وفرح ترح.
عماء من الصورة الرائعة!
جمالٌ من البِدَعِ الشائهة!
رصاصٌ من الريش مثلُ الهواء،
دخانٌ يضيء كنار السماء،
وثلجٌ من النار حارٌّ رطيب،
وجسمٌ صحيح عليلٌ معًا،
ونورٌ يناجي نجومَ الفضاء،
وصحوةُ قلبٍ تُناجي الهباء!
وهذا هو الذي يفسر لنا ميل شيكسبير إلى التورية بأنواعها، وأبسطها هو استخدام كلمتين لهما نفس الشكل، مع اختلاف المعنى (antanaclasis) وهذا من المحال ترجمته كقول ديمتريوس wood within wood (II. i. 92) أي «مجنون وسط الغابة» ومحاولة إيجاد التقابل هنا لن تنجح، فلا كلمة الغاب توحي بالغياب عن الوعي، ولا بغيابةِ الحب، ولا تعبير «مغيب وسط الغاب» قادرٌ على نقل التورية! وكذلك اتهام ليساندر بأنه غنَّى تحت شباك هيرميا في ضوء القمر with faining voice (بصوت خادع) verses of feigning love (أناشيد غرام زائف) (I. i. 31) وقِس على ذلك التورية الشائعة في العربية؛ أي إيحاء كلمةٍ واحدةٍ بمعنيين معًا (syllepsis) لوجودها في تركيبين متعاقبين؛ فهي شائعة في «روميو وجولييت» (في٣/م٤ / ٤ وفي ٢/م٥ / ٧٤).

(١) هل النظم حيلةٌ بلاغية؟

وأعتقد أن هذه اللمحة السريعة عن لغة شيكسبير في هذه المرحلة تكفي لإلقاء الضوء على بعض صعوبات ترجمتها. أما الصعوبة الأكبر فتتمثل في تحديد ما يُترْجَم منها نثرًا وما يُترْجَم نظمًا، ثم ما يُترْجَم نظمًا حُرًّا، وما يُترْجَم نظمًا عموديًّا مقفًّى. ومصدر قرار المترجم هو النص ولا شك؛ فالنص مكتوب بكل هذه الألوان الصياغية، ويحفل بضروب شتی من الأساليب، وقد تكون محاكاتها جميعًا؛ ابتغاء الأمانة أمرًا عسيرًا، ولكنَّ المحاولة ضرورية.

من المستحسَن أن يُترجَم كل ما هو منظوم مقفًّى مثل الأغاني والأناشيد في المسرحية إلى نظم عربي مقفًّى؛ فالأغاني — تعريفًا — قِطع غنائية قد تناسب الموقف الدرامي، وقد تنبع منه وتصب فيه، ولكنها تتمتع بقدر من الاستقلال يتطلب المحافظة على جوهرها الشكلي. والقارئ يعرف ولا شك أن موسيقى الشعر الغنائي جوهرية لمعناه؛ أي إن لها معنًى لا يقل أهمية عن معنى الألفاظ، بل وأحيانًا ما يزيد عنه، وقد سبق لنا إيضاح ذلك في فصل سابق؛ فالأبيات التي يقولها بوتوم في المشهد الثاني من الفصل الأول، لا يقصد منها توصيل معنی «شاعري» بالمعنى المفهوم، ولكنها سخرية لاذعة من تصور أهل زمانه أن البلاغة الرفيعة تقتضي الإشارة إلى الآلهة الوثنية في اليونان، واستخدام الأسلوب الطنَّان الرنان الذي شاع في بعض ترجمات القرن السادس عشر عن اليونانية واللاتينية، وربما في الترجمة التي قام بها جون ستادلي John Studley (۱٥۸۱م) لإحدى مسرحيات سینیکا «الروماني» عن هرقل. وربما كان شيكسبير يسخر أيضًا كما يقول رولف Rolfe من هذا النوع من النظم النمطي (في مقدمته الطبعة قديمة صدرت عام ۱۸۷۷م لهذه المسرحية، والحق أنه أول من أشار إلى أن شيكسبير كان يسخر من ستادلي). ولذلك فإن ترجمة معاني الكلمات — أيًّا كانت دقة الترجمة — دون النظم والقافية؛ تُضيع المقصد الفني للأبيات.

أما «المقصد الفني» للأبيات فهو خروجها بهذه الصورة مِن فم بوتوم «النساج» الذي لا يستطيع الحديث بلغة سليمة، ويخطئ أخطاء فادحة في النحو والصرف، ويتحول في المسرحية إلى حمار، والموقف الذي تخرج فيه الأبيات يجعلها مناقضة لكل ما يتوقعه الجمهور. أما الأبيات الإنجليزية فمكتوبة في ثمانية أسطر يتكون كل منها من تفعيلتين مع تفاوت القافية، وقد حاولت أن أحاكي ذلك ببحر يسير هو مجزوء الكامل، وأن ألجأ إلى الزِّحاف حتى أبرز الإيقاع المقصود:

The raging rocks
And shiv’ring shocks
Shall break the locks
Of prison gates
And Phibbus Car
Shall shine from far
And make and mar
The foolish fates
إن الصخور الغاضبة
والصاعقات الراجفة
ستحطم الأقفال في
كل السجون الموصَدة
ولسوف يسطع من بعيد
موكب الشمس المهيب
كيما يُحدِّد سير أقدار
خُطاها طائشة

والنوع الثاني من النظم هو «الأنشودة» وهو يشيع في مشاهد الجان، والأنشودة ليس لها شكل محدد؛ ولذلك تتفاوت أطوال أبياتها، كما تتفاوت بين اللغتين إيقاعاتها. فالمجموعة تغني أنشودة النوم لملكة الجان، وتنفرد إحدى الجنيات بأبيات تالية لها:

Chorus:
Philomel, with melody
Sing in our sweet lullaby;
Lulla, lulla lullaby; lulla, lulla, lullaby;
Never harm, nor spell, nor charm
Come our lovely lady nigh;
So goodnight, with lullaby.
First Fairy
Weaving spiders, come not here;
Hence, you long–legg’d spinners, hence!
Beetles black, approach not near;
Worm nor snail, do no offence.
المجموعة :
يا بلبل غَنِّ الألحان
في أنشودة نوم الجان.
ابعد یا ضُرُّ، ابعد یا شر، ابعد یا سِحْر!
لا تؤذِ مليكتنا الحسناء!
ولتصبح في خير وهناء!
الجنية الأولى :
أيا عناكب النسيج، یا نحيلة، ابتعدي!
یا غازلات ذات أرجل طويلة، ابتعدي!
يا ثلة الخنافس السوداء، یا مرذولة، ابتعدي!
لا تُقرِّبي منا قواقع المحار، يا مجدولة، ابتعدي!
یا دود بطن الأرض كُف الشر!

فالترجمة هنا، كما هو واضح ليست ترجمة لمعاني الألفاظ المفردة، بقدر ما هي ترجمة لأنشودة متكاملة، وأتصور أن يعتبرها القارئ أنشودة مقابلةً لأنشودة، لا سطورًا أو كلمات مقابلة لسطور أو كلمات. وقد حاولت قدر الطاقة أن أجد الموسيقى اللفظية المقابلة في العربية؛ فخرج الإيقاع من بحرين هما الخبب والرَّجز، وإن كانا يتضمنان بعض مظاهر التجديد العَروضي المعاصر، وهي المظاهر التي شاعت في زحافات بحر الرجز على وجه التحديد، وغنيٌّ عن القول أنها غير مقصودة، بل أملاها النص إملاء!

والنوع الثالث من النظم في المسرحية هو النظم المقفى الذي لا يلتزم بمنهج في القافية؛ فهو لا يلتزم بتقنية البيتين المتتاليين «الكوبليه» ولا يلتزم بمنهج ثابت للقطعة ككل، (مثل نظام السوناتا) ولكنه يستخدم قافيةً من نوع ما وحسب، وأحيانًا يلجأ إليه أوبرون «ملك» الجان في تعویذاته:

What thou seest when thou dost wake,
Do it for thy true love take;
Love and languish for his sake.
Be it ounce, or cat or bear,
Pard, or boar with bristled hair,
In thy eye that shall appear
When thou wak’st, it is thy dear.
Wake when some vile thing is near.
(II. ii. 26–33)
أوبرون :
أول ما تشهد عيناك لدى صحوك؛
اعتبريه حبيب فؤادك من فورك.
وأحبيه وعاني من أجله،
حتى إن يك فهدًا أو قطًّا أو دُبًّا،
أو نَمِرًا أو خنزیرًا ذا شعر شائك؛
إذ يتبدى في عينك عند استيقاظك
حُبًّا محفورًا في وجدانك.
واصحي حين يمرُّ قبيحٌ بشعٌ بجوارك.

والواضح أن الترجمة هنا تقترب من النص الأصلي في المعنى والمبنى أكثر من اقتراب «الأنشودة، ليس بسبب يُسْر الصياغة الأصلية، ولكن لأن الموقف يتطلب المعنى الحرفي قدر ما يتطلب الموازاة بين عدد الأبيات ووجود قافية من نوع ما؛ فالتعويذة ليست مجرد كلام سحري، ولكنها تتضمن دقائق لا غنى لِمُشاهد المسرحية عن الإلمام بها حتى يتابع الأحداث، وفيها تفاصيل مهمة للمعنى الشعري والاستعاري للحدث؛ فهي تقوم على ما ترى العينان، وعلى ما يتبدى لهما؛ أي ما يتصور الإنسان أنه يراه، لا ما يراه حقًّا؛ أي ما يراه الذهن، لا ما يراه الآخرون.

والنوع الرابع من النظم هو الذي يستخدم القافية الثنائية؛ أي ما يقابل تصريع الشطور في الشعر العربي، فكل بيتين يشتركان في قافية، والبحر المستخدم هنا هو نفس بحر النظم الخالي من القافية أي البحر الخماسي (لا الرباعي كما رأَيْنا في التعويذة، أو في الأنشودة، أو الثنائي في مقطوعة بوتوم). وهذا النوع يتفاوت في اقترابه من روح الشعر الشكسبيري المألوف، فبعضه يقترب — إذا كان في صورة المونولوج — من الشعر الغنائي الذي نكاد نسمع فيه صوت الشاعر يخاطبنا مباشرة، كما نرى عندما تكون هيلينا وحدها على المسرح فتحادث الجمهور مباشرة في أبيات من هذا النوع:

How happy some o’er other some can be!
Through Athens I am thought as fair as she.
But what of that? Demetrius thinks not so;
He will not know what all but he do know;
And as he errs, doting on Hermia’s eyes,
So I, admiring of his qualities.
Things base and vile, holding no quantity,
Love can transpose to form and dignity,
Love looks not with the eyes but with the mind,
And therefore is wing’d Cupid painted blind.
(I. ii. 226–235)
هيلينا :
ما أسعد بعض الناس! وما أشقى البعض الآخر!
في شتى أرجاء أثينا يعتقد الناس بأني أَعْدِلها حُسنًا.
لكن ما الفائدة وديمتريوس لا يعتقد بذلك؟
لن يعرف ما يعرفه الكل، ولن يبصر إلا رأيه!
وكما يخطئ إذ يشتاق لعينيها؛
أخطئ إذ تبهرني أوصافه
قد يَهَبُ الحبُّ أحط الأشياء وأقبحها،
بل ما لا ذكر له أو قيمة؛
أشكالًا ذات سمو وجمال،
فالعاشق لا يبصر بالعين ولكن بالذهن؛
ولهذا صُوِّر رب الحب الخافق بجناحيه كفيفًا.

إن شيكسبير ابتداء من السطر ۲۳۲ وحتى النهاية يتحدث إلينا من خلال هيلينا، فيقدم إلينا إحدى الثيمات الأساسية في المسرحية، بل والتي تتردد في شتى مسرحياته، وهي هنا تتطلب الدقة في النقل أكثر مما تتطلب جمال القافية؛ ولذلك كان البحر الشِّعري هو الخبب، وهو من أقرب البحور إلى النثر، وأصلح ما يكون للترجمة الدقيقة التي تقترب من الحرفية.

وقد يبتعد هذا النوع من النظم عن روح الشعر الشكسبيري؛ ليساهم في خلق الجو «الرعوي» أو جو الغابة المقمرة، الذي يهيمن على أحداث المسرحية، وهو الذي شاعت تسميته في العربية (مع بعض التجاوز) باسم الجو «الرومانسي» نسبة إلى ولع الشعراء الرومانسيين بالطبيعة والخيال وما يقترن بذلك من عواطف رهيفة، ومن ذلك قول أوبرون إلى خادمه باك (Puck):
I know a bank where the wild thyme blows
Where oxlips and the nodding violet grows,
Quite over-canopied with luscious woodbine,
With sweet musk roses and with eglantine,
There sleeps Titania sometime of the night,
Lull’d in these flowers with dances and delight;
And there the snake throws her enamell’d skin,
Weed wide enough to wrap a fairy in;
(II. ii. 249–256)
في الغابة الفيحاء أعرف ربوة سرِّية
تنمو عليها الزهرة البرية،
تحُفُّها الورود، والبنفسج الذي يميل للنسيم،
وفوقها خميلة كثيفة من الريحان،
وحولها براعم المسك العَطرْ،
وأقحوان فارغٌ نَضِرْ.
هناك تغفو زوجتي جزءًا من الليل الطويل،
وسط الزهور،
ما بين رقص وغناء وسرور.
وهناك تُلقي الحيةُ الثوبَ القديم؛
كي ترتدي الجلد المزركش بعض جنياتها.

وسوف يلاحظ القارئ هنا أنني حاولت إبراز مقصد الشاعر في خلق الجو الخاص الذي يعيش فيه الجان في أبيات من بحر الكامل؛ وبحر الرجز تبدأ بالكامل وتعود إليه (فهما أخوان) وتستخدم لونًا ما من القافية، مع التفاوت في الطول طبقًا لما يمليه الموقف الشعري في المسرحية.

أما النوع الخامس فهو النظم الخالي من القافية، والذي ليس فيه من الشعر إلا الإيقاع، وقد ذكر النقاد أنه يقترب من مستوى نثر المسرحية الواقعية خصوصًا في مشاهد المشاجرة بين العشاق، بل قد يصل إلى ما نسميه في مصر بالرَّدْح: (انظر كتابنا «فن الكوميديا» ١٩٨٠م).

Lys:
Hang off, thou cat, thou burr! Vile thing, let loose,
Or I will shake thee from me like a serpent.
Her: Why are you grown so rude? What change is this, Sweet love?
Lys
Thy love? Out, tawny Tartar, out!
Out, loathed medicine! O hated potion, hence!
ليساندر :
اتركيني أيتها القطة، أيتها الشوكة.
أيتها الكائن الحقير، لا تمسكيني!
وإلا نزعتك عني كما أنزع حيَّةً التفت حولي!
هيرميا : ما هذه الألفاظ الجارحة؟ ما الذي غيرك هكذا، يا حبيبي الرقيق؟!
ليساندر :
حبيبك؟ ابتعدي أيتها التترية السمراء!
ابتعدي أيتها الدواء المر! ابتعدي أيتها الشراب الكريه!
Her: O me (to Helena) You juggler! You canker-blossom! …
Hel: Fie, fie, you counterfeit! you puppet you!
Her:
‘Puppet’! Why, so? Ay that way goes the game!
Now I perceive that she made me compare
Between our statures; she has urg’d her height;
And with her personage, her tall personage,
Her height, forsooth, she has prevail’d with him.
And are you grown so high in his esteem
Because I am so dwarfish and so low?
How low am I, thou painted maypole? Speak:
How low am I, I am not so low
But that my nails can reach into thine eyes.
(III. ii. 282, 288–298)
هيرميا :
ويلي! (إلى هيلينا) أيتها المخاتلة!
أيتها الدودة الخبيثة!
هيلينا : تبًّا لكِ أيتها الزائفة! تبًّا لكِ أيتها الدُّمْية!
هيرميا :
دُمية؟ لماذا؟ فهمتُ! هذه هي اللعبة إذن!
الآن فهمت، بعد أن جعلتني أرى الفرق بين قامتينا!
لقد استغلَّت طولها في التأثير عليه!
لقد استغلت قامتها! قامتها الهيفاء،
وطولها في السيطرة عليه!
قولي، هل ارتفعتْ مكانتك لديه؟
لأنني لقصيرة وقميئة؟
ما مدى قصري أيتها العمود الملون؟ تكلمي
ما مدى قِصَري؟ لستُ أقْصَر من أن
أغرس أظافري في عينيك!

والواقع أن استخدام النثر هنا يعِين المترجِم على إخراج صورة مماثلة للنص الأصلي إلى حد بعيد، ليس فقط في معاني الألفاظ المحددة، بل في التراكيب التي تعكس الحالة النفسية للشخصية؛ فالقارئ سوف يلاحظ أن إطار النظم هنا إطارٌ خارجيٌّ وحسب، وتأثيره محدود في تدفق الأفكار والأبنية الشعورية الداخلية؛ ولذلك يعمد شيكسبير إلى أبنيةٍ نحويةٍ وتراكيبيَّةٍ لا تتقيد بأبنية النظم، ولا بموسيقاه، بل تعكس وحسب الحالة النفسية، «وتدفق الأفكار» لدى الشخصية؛ ولهذا أيضًا يُكثِر من الزحافات والعلل حتى يقترب بنظمه من النثر.

أما النثر في المسرحية، فيتميز بأنه يستخدم لغة تقترب من العامية، وأعترف أنني حاولت استخدام العامية المصرية في ترجمة المشهد الثاني من الفصل الأول، وكنت أظن أنني فتحت فتحًا جديدًا حين مزجت العامية بالفصحى في ترجمة مسرحية واحدة، ولكن النتيجة كانت محزنة؛ إذ قرأت الترجمة العامية على بعض الأصدقاء من الأدباء والنقاد فأجمعوا على عدم اقترابها من النص الأصلي، وقالوا — محِقِّين — إن العامية المصرية لم تنجح هنا، وإنها نزلت بمستوى اللغة إلى مستوى لغة المسرحيات الواقعية المصرية التي لا هي بكوميديات راقية، ولا هي بهزليات فاقعة! ومن ثم حافظت على الفصحى في الترجمة، وإن كنت لجأت إلى فصحى مُعرَبة تقترب من العامية في تراكيبها، حتى إذا قرأها القارئ دون «إعراب» وجدها من نوع العامية الجزلة، (كما يقول الدكتور محمد مندور) أو اللغة الوسطى كما يقول توفيق الحكيم. ولا داعي هنا لضرب كثير من الأمثلة بل يكفي مثل واحد:

Quince: Is all our company here?
Bottom: You were best to call them generally, man by man.
according to the scrip.
Quince: Here is the scroll of every man’s name which is thought fit through all Athens to play in our interlude before the Duke and the Duchess, on his wedding-day at night.
Bottom: First, good Peter Quince, say what the play treats on; then read the names of the actors, and so grow to a point.
كوينس : اكتملت الفرقة؟
بوتوم : الأحسن أن تنادي الأسماء جميعًا … واحدًا واحدًا … حسب النص …
كوينس : هذا الدفتر فيه أسامي كل من يعرف التمثيل في أثينا … ليشترك في مسرحيتنا التي سنعرضها أمام الدوق والدوقة ليلة زفافهما …
بوتوم : اسمع يا بيتر كوينس، يا صاحبي … قل لنا أوَّلًا موضوع المسرحية … ثم اقرأ أسماء الممثلين … قبل أن نبدأ العمل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤