الفصل السادس

الترجمة الأدبية والأدب المقارن

١

تبدأ مشكلات الترجمة الأدبية باعتبارها من فروع الأدب المقارن بما أسميه بمبدأ الاختيار choice الذي يفترض وجود عدد من البدائل alternatives التي يعرفها المترجم بالخبرة الطويلة، استقاء من مخزونه الأدبي، وما رسخ في عقله، ووجدانه على أي مستوًى من أدب اللغة المترجَم إليها، فهذه عُدته التي لا غنى عنها. وقد اصطلح علماء اللغة المختصون بدراسة المصطلح (مثل ماكين Mackin) على تسمية ذلك بمبدأ المتاح أو ما هو متاح للمترجم من موارد اللغة availability.
فالمترجِم الأدبي الذي يحيط باللغة التى ينقل إليها، والنماذج الأدبية المشابهة للنص الذي يترجمه، سيجد أن المتاح له من علم بالتراث يهبه قدرة أكبر على الاختيار، وهو اختيار متعدد المستويات، ولو أنني اقتصرت في الفصل الأول على الألفاظ المفردة لإيضاح الفارق بين الإحالة والمعنى (Sinn und Bedeutung وهو المصطلح الألماني الذي يترجم إلى الإنجليزية عادة بتعبير sense and reference) فالمترجم يختار من التراكيب المنوعة المتاحة له أيضًا ما يراه أقرب إلى نقل الدلالة الأدبية significance، لا الإحالة فقط، والتراكيب تخصع مثل الألفاظ والأشكال الفنية للشفرة الثقافية لكل لغة، ولا بد لذلك من عرض موجز.

التفسير في ضوء اللغة الأم

تتكون الترجمة الأدبية في نظري من مرحلتين: الأولى هي التفسير الخاص الذي يخرج به المترجم من النص الذي يتصدى له، وهو يفعل ذلك شاء أم أبى في إطار اللغة التي وُلِدَ في كنفها، ودرج على التفكير والإحساس بها، وهي لغة لا تنفصل عن الأدب الذي قرأه والثقافة التي هي أسلوب حياته؛ أي إن عملية التفسير في جوهرها عملية أدب مقارن؛ لأنها تتضمن مضاهاة لا شعورية أي عن غير وعي، وعن غير قصد بين ما يقرؤه المترجِم، وما تراكم في وجدانه وعقله من تراث أدبي وثقافي.

فالقارئ — كما نعرف من دراسات النقد الحديثة — لا يقدم عقلًا أو وجدانًا يشبه الصفحة البيضاء ليتلقى فيه العمل الأدبي الجديد، بل هو — حتى دون أن يتعمد الترجمة — يرجع دائمًا إلى لغته وتجربته الشخصية، خصوصًا ما اختزنه من تراث الخبرة الأدبية؛ فالذي يقرأ أبسط عبارة يمكن أن نتصورها وهي I love you لا بد أن يجد كلمة «الحب» العربية تطل برأسها من أعماقه، وهو لن يقف ليتأمل معنى العبارة إلا حين يتصدى لترجمتها في سياقها، وإذا تأملنا إمكانيات المضاهاة من خلال المتاح له؛ وجدنا أن الترجمة الأدبية في مرحلة التفسير — أي في المرحلة الأولى — لا تخلو من التضارب، فقد يرى أن المعنى في السياق يقتضي الإحالة فقط؛ أي إخراج المعنى الذي يرمي إليه المتحدث (أي مقصده) وهو (أريد الزواج منك) لا محض الإعراب عن الإحساس، وهذا هو الشائع في بريطانيا مثلًا.

ولن أنسى دهشة أحد أصدقائي عام ١٩٦٦م حين أعرب عن «حبه» بهذه الطريقة لفتاة كان يصادقها فهاله أن ردت قائلة: «ولكن والدي قد يعترض على زواجنا!».

وقد يرى المترجِم أن المعنى في السياق هو الإعراب عن عاطفة جائحة، أو عن مجرد تقدير لمركز المخاطب، أو الإعراب عن إعجاب المتحدث (وهذا من خصائص اللغة الشائعة في البلاد الناطقة بالإنجليزية) بعملٍ أنْجزَهُ المخاطَبُ!

فإذا أضفنا إلى هذا المثل البسيط بعض الصفات التي تقلل من احتمالات تفسيره، حسبما يثبت هارلاند في Beyond Superstructuralism، كأن يضيف القائل كلمةً مثل passionate (ly) أو devastating (ly) أو عبارة مما نقرؤه مثل He is head over heels in love/she swept him off his feet، فسوف يحارُ بين البدائل المتاحة، وما أكثرها في هذا الباب!
الحب الجارف أو الجامح، أو العاطفة المشبوبة، وما يتصل بذلك من الغُلَّة والهُيام والصَّدى والأوام، (وكلها تشير أصلًا إلى العطش) وهو جميعًا مستقًى من التُّراث الأدبي للعربية، والاختيار شاق وعسير بين هذه المفهومات المنوعة. ومعنى ذلك أن ما أسميته بالمرحلة الأولى — وهي مرحلة التفسير — تجري أيضًا في إطار المضاهاة؛ فالمترجِم الدي يتصدى لسوناتا شكسبيرية لا يستطيع التخلى في تفسيره للعلاقة بين الشاعر ومحبوبته عن صورة العلاقة بين الشاعر العربي وحبيبته؛ فهو يحيل مفهوم الحب الرفيع (ترجمة مجدي وهبة) courtly love إلى مفهوم الحب العُذْري، وما أبعد الشُّقة بينهما؛ فالأول يتضمن عناصر رئيسية أهمُّها اعتبار الحبيبة مثلا أعلى في الجمال الجسدي والنفسي معا؛ أي اعتبارها نموذجًا مجرَّدًا للكمال خَلقًا وخُلُقًا، وهي لذلك أسمى منه وأرفع، وعليه أن ينشد هذه الرفعة من خلال الاقتران بها، ومع ذلك فلا يعني ذلك أن يكون هذا الاقتران عن طريق الزواج؛ أي من خلال العلاقة المشروعة، بل إن أشعار «الحب الرفيع» وقصصه حافلةٌ بالعلاقات غير المشروعة، والتي تتضمن الزنا صراحةً، دون أن يرى القارئ أي دليلٍ على الإحساس بالتناقض في وعي الشاعر بين التَّسامي والاستغراق في اللذة الحسية!
ولذلك، فينبغي ألا يَدهَش القارئ لهذا التراث، كما يقول توماس أ. كيربي Thomas A. Kirby إذا تعددت صور هذا الحب، فوجده «يسمو لعفته بالنفس في قصيدة، ويقوم على الزنا في قصيدة ثانية، ويعتمد على عدم الإشباع العاطفي والحرمان في قصيدة ثالثة» The Princeton Encyclopaedia of Poetry and Poetics, 1993 والحق أنه لتعدد صوره، يكاد يستعصي على التعريف الجامع المانع، فمنشؤه هو المجتمع الأرستوقراطي القائم على تقاليد الفروسية، وهو يستمد مادته الفنية منذ نشأته وترعرعه في القرن الثاني عشر في أوربا من أشعار أوفيد Ovid (الروماني) مثل صور الحرب، و«مرض الحب» وتقنين مراحل تطور العلاقة بين المحب والمحبوب، كما يستمد بعض تقاليد تصويره من تقاليد النظام الإقطاعي (العبد والسيد، أو السيدة في هذه الحالة) وكذلك صور المسيحية الأولى التي تعلي من شأن التواضع والمحبة والإحسان والعذرية (بسبب البتول طبعًا) ولذلك فإن كتاب ك. س. لويس C. S. Lewis «قصة الحب الرمزية» The Allegory of Love (١٩٣٦م) يعرفه بأنه:

«ضرب بالغ الخصوصية من الحب، نستطيع أن نعدد سماته المميزة فيما يلي: التواضع، والسلوك المهذب، والزنا، ودين الحب.»

“Love of a highly specialized sort whose characteristics may be enumerated as Humility, Courtesy, Adultery, and the Religion of Love.”

وقد أوردت هذه العبارة عامدًا لأبين الفرق بين تقاليد الحب العربية التي سبقت أوروبا بقرون عديدة، وهذا اللون «المتخصص» من الحب كما يسميه لويس، فلدينا في العربية الحب الذي يقوم على الشهامة والفتوة والمروءة، ولدينا النوعان اللذان شاعا في العصر الإسلامي وهما: الحب العفيف الطاهر، والحب الحسي الذي ينزع نحو المتعة الجمالية والجنسية أيضًا، والمضاهاة بين صور هذه التيارات وبين الحب الرفيع عسيرة معقدة.

ولا تقتصر صعوبة الترجمة الأدبية هنا إذن على المستويات الدلالية للألفاظ، بل تتعداها إلى إدراك السياق الثقافي لكل منها؛ إذ إن اختيار المترجِم للفظ الذي يراه أقرب ما يكون إلى معنى الشاعر يتوقف على إلمامه بالتراث الأدبي للغتين، وهو الذي لا شك في انتمائه إلى مبحث الأدب المقارن، فتقاليد العلاقة بين الرجل والمراة ليست مطلقة أو مجردة، بل هي تنتمي إلى أنساق اجتماعية محددة قد تكون أساس التقاليد الأدبية، وقد تكون التقاليد الأدبية هي التي أثرت فيها، أو حتى شكلتها.

والمترجِم الذي يراعي هذه الأنساق إنما يقوم بجهد على أعمق المستويات في مجال الأدب المقارن؛ فالقصيدة المترجَمة هي سجل لتفسيره للأدب الذي ينقل عنه؛ أي هي سجل تفسيره فى إطار لغته الأم للأدب الأجنبي.

٢

التفسير والتراث الأدبي

والتفسير الذي أعنيه ليس مقصورًا إذن على معاني الألفاظ الإحالية، بل هو يتضمن الشفرات الأدبية القديمة والجديدة حتى في إطار اللغة الأصلية، والمضاهاة بينها. فاستعمال استعارة السُّكْر والانتشاء شائع مثلًا في العربية للدلالة على تخطِّي الوعي بالحاضر أو بالواقع، وتحفيف حدة الإحساس بالزمن، وهو ما كان الشعراء على مر العصور يعتبرونه مصدر ألم للإنسان، (حكمة الدهر أن نعيش سكارى … فاجمعا لي الكئوس والأوتارا، بشارة الخوري)، والإشارة إلى نشوة الحب مثلًا لم تَعُد تُفْهَم حرفيًّا على أنها سكرة يتبعها صحو، ولكن المفهوم الشائع لها هو الفرحة الطاغية التي تفصل المرء عن اللحظة، والكامنة في كلمة jouissance (المشتركة بين الفرنسية والإنجليزية) أو الطرب ecstasy أو النعيم bliss أو فورة السعادة euphoria، وقد يدهش القارئ العربي إذا علم أن هذه المعاني ليست شائعةً في الأدب الإنجليزي مثلًا، وعندما تأتي على لسان شاعرٍ مبدعٍ، فأهل الإنجليزية يحتفلون بها أيما احتفال، مثل تعبير كيتس عن سعادته الغامرة لسماع صوت البلبل في أنشودته الشهيرة التي تبدأ بتشبيه تأثير أغنية البلبل نفسه بالألم الذي تتحول إليه المتعة حين تجاوز كل حد؛ ولهذا فالدكتور زاخر غبريال يقدمها في صورة عربية رائعة سبق لي أن أشرت إليها في أكثر من موضع، وإن كنت لم أعرض لها بالتفصيل من حيث إنها إبداع جديد ينتمي دون شك إلى مجال الأدب المقارن.
ما لقلبي يتنزى سقما،
وَلِحِسِّي بات يرعى الألما؟
أتراني قد شربت الموت سمًّا،
أو رشفت الخمر نارًا حمما؟
لحظة مرت؛ فإذا بي قد نسيت الكون طرَّا،
ومضت في عالم الأحلام بي الدنيا.
(روائع من الشعر الإنجليزي، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٧٩م)

والأصل هو:

My heart aches and a drowsy numbness pains
My sense, as though of hemlock I had drunk
Or emptied some dull opiate to the drains
One minute past, and Lethe-wards had sunk
فإذا قال قائلٌ: إن المترجم قد خرج عن «معاني» النص الظاهرة، رُدَّ عليه دون مشقَّةٍ بأن النقاد لا يزالون في خلافٍ حول تلك «المعاني» ظاهرة وباطنة! فالكلمتان اللتان تشيران إلى الألم في البيت الأول (aches, pains) ليستا مترادفتين؛ لأن الأولى معناها الوجع أو المرض المسبب للألم، والشاعر يستخدم الفعل بصورته اللازمة، بحيث يمكن أن يشير إلى أوجاع القلب، أو العلة المحدثة للألم، أو إلى الألم نفسه، بينما يستخدم الفعل الثاني في صيغة الفعل المتعدي واضعًا إياه بين فاعل موصوف، ومفعول مجرد، مما يوحي بأن التركيب بسيط وما هو ببسيط؛ لأن الفاعل المركب هنا يتضمن ما يسمى بتبادل موقعي الصفة والموصوف transferred epithet؛ أي احتمال تفسير الصفة على أنها موصوف، والموصوف على أنه صفة، فتعبير drowsy numbness قد يعني numb drowsiness أو بعبارة أوضح numbing drowsiness، ومن ثم فإن ظاهرَ المعنى وهو «الخدر الناعس» أو «خدر النعاس» قد يعني «النعاس الذي يجلب الخدر» أو «نعاس الخدر»!
تمثل هذه المجالات الدلالية — بتعبير أصحاب النقد الحديث — المنطقة التي يتحرك فيها التفسير، مما يسمح للمترجِم أن يحدد لنفسه ما يراه وفقًا لمفهومه الخاص للنص؛ ولذلك فإن المترجِم وهو شاعر مفطور يشارك الشاعر وعيه بتلك اللحظة الفريدة، كما يقول نقاد الوعي من أرباب مدرسة جنيف (مثل: جورج بوليه Georges Poulet) فينقل فكرة النعاس، والفكرة هنا بمعنى خيط الصورة أو التيمة (theme أو motif) إلى آخر بيت في ترجمته بعد أن يكسوها رداء الأحلام، ويحيل الصورة المباشرة «الألم يخدر إحساسي» إلى مصطلح العربية العريق وهو «حسي بات يرعى الألم» فالرعي صورة متأصلة في وجدان أبناء العربية، وهو يستقي من صورة السائل الذي شربه، وهو شراب سامٌّ ومسكر معًا؛ صورة «التنزي» ليربط على أعمق مستويات اللاوعي (أي subliminally) بين الدم والخمر! وهو يستخدم نفس الحيلة اللغوية التي أشرنا إليها وهي «تبادل موقعي الصفة والموصوف» في «شربت الموتَ سمًّا» والمقصود هو «شربت السم المفضي إلى الموت» كأنما يقول «شربت السم موتًا»! والواقع أن كيتس يعود إلى نفس التركيب في dull opiate التي تعني حرفيًّا الشراب المسكر الذي يعطل الإحساس، وإن كان التركيب يصف الشراب نفسه بأنه «معطَّل الإحساس».
وفي البيت الرابع من الترجمة العربية نأتي إلى صورة الخمر العربية التي لا ترد في الأصل صراحةً، ولكنها مضمرة في صورة المشروب السام hemlock (واسمه العلمي الشوکران) وصورة الأفيون opiate، والمقصود به شيء من مشتقاته؛ أي إنه يستخدم من خلال حدسه الفني intuition مبدأ الإضمار implicature، وهو هنا إضمار عرفي conventional (حسب تعریف ليفنسون Levinson وتعريف براون Brown) لأنه يستند إلى الشفرة الأدبية للغة العربية؛ أي إلى الأعراف الأدبية التي تملي على المترجِم أن يحيل الشفرة الأدبية الأجنبية إلى مثيلاتها أو إلى أقرب مثيل لها بالعربية.

ولذلك فهو عندما يخوض من جديد تجربة الشاعر الأصلية يجد أن الخمر الملتهبة تتطلب الإفصاح عنها بدلًا من إضمارها، وتفسيره يجعل للخمر «نارًا حممًا» تضع خاتمةً للحظة الغياب عن الوعي بأشد وسيلة «عرفية» وهي النار الحارقة!

ولذلك فالمترجِم يخرج عن معنی کلمتَي one minute past أي «منذ دقيقة واحدة» وكان بوسعه، دون كسر لتفعيلة بحر الرمل أن يقول «منذ لحظة» (فاعلاتن) وحسب، ولكنه ينهي العبارة بالحمم، ويبدأ جملته الجديدة بعبارة خبرية صارمة هي «لحظة مرت» (فاعلاتن فا) کي يرغمنا على التوقف موسيقيًّا، مستخدما «إذا» الفجائية في عرض صورة النسيان، وهو هنا يحيل اسم نهر النسيان Lethe إلى فكرة النسيان وحسب، ثم يعود كما سبق أن قلت إلى فكرة النعاس التي تحولت إلى الأحلام، «فعالم الأحلام» كناية عن النوم، وهي تعتمد كما يقول جاكوبسون Jakobson على التلامس contiguity، وما أحرى الشاعر العربي بأن يختم ترجمته باستعارة تتضمن كناية «مضت الدنيا بي في عالم الأحلام»!

٣

تحويل الشفرة والتناص

ولا أريد أن أطيل على القارئ في تحليل هذا التحويل transformation في الشفرة الأدبية الذي هو في صلب دراسة الأدب المقارن، فكل ما أردت أن أوضحه هو أن الشاعر الذي يحيل التجربة الأدبية الأجنبية إلى نظائرها العربية لا مفر له من التناص intertextuality، بمعنى أن نصه الجديد يشترك مع نصوص اللغة التي يترجم إليها (وعلى عدة مستويات لغوية) في بعض العناصر الجوهرية، وقد ركزت هنا على صورة الخمر فحسب، وكنت أريد أن أشير إلى استخدام المترجِم للفظ «الدنيا» في ترجمة «الهبوط إلى نهر النسيان» فهو أيضًا يحيل القارئ إلى: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا (البقرة: ٢٦) والهبوط هو هبوط إلى الدنيا!

ولكن إضافة الخمر الصريحة هي لبُّ الموضوع، ولن نحتاج إلى أبي نواس لكي ندرك أهمية هذه الصورة التي أصبحت «بلاغية» بمعنی اتفاق القارئ والكاتب على أنها تُستخدم مجازًا في جميع الأحوال تقريبًا، ومن ثم أصبحت عرفًا أدبيًّا؛ أي جزءًا من شفرة العربية! وانظر قول شوقي في قصيدته عن أم كلثوم:

سلوا كئوس الطِّلا هل لامستْ فاها؟
واستخبِروا الراح هل مست ثناياها؟
باتت على الروض تسقيني بصافية،
لا للسلاف ولا للورد ریَّاها.
ما ضر لو جعلت كأسي مراشفها،
ولو سقتني بصافٍ من حُمَيَّاها؟

الطِّلا هو الطِّلاء وهو الخمر، وكذلك الراح، والصافية هي كأس الخمر، وكذلك السُّلاف والسلافة، والحُميَّا تعني الخمر كذلك! أما الفم فهو يرد أولًا مباشرة «فاها» ثم من خلال المجاز المرسل (الثنايا، أي أسنان مقدمة الفم) ثم من خلال الكناية «المراشف» وتتكرر كلمه الصافي مرتين، والكأس مرتين كذلك!

نحن إذن بصدد قصيدة أو أبيات لا تهدف إلى الاقتصاد في التعبير لتوصيل معنًى محدد، بل بصدد أبيات تمثل العرف الأدبي العربي فيما يتصل باستعمال هذه الصورة ودلالاتها، والشاعر لا يرمي إلى الإحالة إلى معان ثابتة خارج النص، بل إلى إيجاد حالة بلاغية تتضافر فيها عوامل الشعر المألوفة؛ فالأبيات تستقي جُلَّ جمالها من الصياغة اللغوية والموسيقية الغلابة، ويكفي أن تنظر إلى تتابع الواوين والألفين مع اللام في الشطر الأول لتعرف ما أعني «سلوا كئو، الطلا، هل لا» ثم إلى توازي المعنى والتركيب بين الشطرين الأول والثاني:

فهذا هو ما يعنيه أبو هلال العسكري في «الصناعتين» «بتشَبُّه أعجازه بهوادیه، وموافقة مآخيره لمباديه» وإن كان شوقي يستخدم حيلةً بلاغيةً كلاسيكيةً أيضًا، هي التوسيع amplification أو التوسع في المعنى، الذي أصبح يشار إليه هذه الأيام بالتعبير الموسيقي «التكرار مع التنويع» repetition with variation:
… لو جعلتْ كأسي مراشفها
ولو سقتني بصافٍ من حُمَيَّاها

فالتنويع هنا يمزج بين ما يفترض الشاعر أن المغنية قد شربته، وبين ما يظن هو أنه شربه ونهل منه فارتوى أثناء غنائها؛ أي إن للتنويع ضرورة فنية لأنه يدمج الصورتين، ويوحي بصورة أخرى هي تمنِّيه تقبيلها!

والمترجِم الدارس للأدب الإنجليزي لن يتوقف طويلًا عند المعنى الإحالي؛ أي دلالة ألفاظ هذا النص على أشياء مادية بعينها مثلما يفعل مترجم النصوص العلمية، ولكنه — واعيًا أو دون وعي — يستدعي نصًّا آخر بالإنجليزية، ويقوم بتفسير نص شوقي ومن ثم يترجمه من خلاله، ألا وهو نَص قصيدة للشاعر بن جونسون بعنوان To Celia:
Drink to me only with thine eyes
And I will pledge with mine
Or leave a kiss but in the cup
And I shall not ask for wine
The thirst that from the soul doth rise
Doth ask a drink divine
But might I of Jove’s nectar sup
I shall not change for thine!

وترجمتها المنثورة الحرفية هي: اشربي نخبي بكأس عينيك، وسوف أبادلك النخب بكأس عيني، أو اتركي قبلةً وحسب في الكأس، وعندها لن أطلب الخمر! فالعطش الذي يزداد في الروح يطلب شرابًا مقدسًا، لكنني حتى لو شربت رحيق رب الأرباب، فلن أستبدله بخمر عيونك!

لقد كانت هذه أغنية مألوفة في عصر النهضة، ولا يكاد يخلو منها کتاب من کتب المختارات الشعرية، وشفرتها الأدبية أجنبية صرفة، فتبادلُ الأنخاب بصك كأسَي الشاربَين تقليدٌ غربي محض، واستعمال الصور الرومانية الوثنية، كصورة رب الأرباب، كان مألوفًا باعتباره من حيل البلاغة الشعرية، حتى بعد استتباب أديان التوحيد! ولكن الموقف هنا يتضمن عناصر تقبل المقارنة مع موقف شوقي، خصوصًا إذا أجرينا الموازنة المعقولة بين الشفاه والعيون، وقُبلة الكأس تبرز لدى الشاعرين بصورة لا لبس فيها ولا غموض!

ولذلك فسوف نلمح في الترجمة الإنجليزية التالية تشابك معاني القصيدتين وتجاوب أصداء صورهما:

Ask ye those cups of wine
If they have touched her lip!
For the distilled nectar fine
She offers me this eve to sip
In the meadow of melody
Beats both rose and wine
In quenching the thirst of soul and body!
Oh, that her lips were but my cup
So that from her wine I may now sup!
بل إن المترجم هنا — عن وعيٍ أو عن غير وعي — يستخدم القوافي نفسها، وبعض الكلمات التي استخدمها الشاعر الإنجليزي في الإشارة إلى الخمر (wine-nectar) ويزيد من طول الأبيات تدريجيًّا من ثلاث تفعيلات إلى خمس تفعيلات، منتفعًا بعلل الزيادة والنقص في تنويع أنغامه الإنجليزية، ولكن أهم الإضافات التي تقطع في رأيي بتأثر المترجم بنص بن جونسون، هو الإشارة إلى أن خمر الغناء «تروي عطش الروح والجسد» وشوقي يستعمل كلمتين في الإشارة إلى ذلك هما «تسقيني» و«ريَّاها» دون تخصیص الروح أو الجسد، وإذن فلن نكون مجحفين إذا قلنا: إن المترجِم أخذ صورة «ري الروح» من بن جونسون، وأضاف الجسد لإتمام معنی شوقي، وربما لإحكام القافية كذلك!

٤

التفسير والأدب المقارن

نحن لا نبالغ إذن حين نقول: إن التفسير نفسه — إذا صح أنه يمثل مرحلةً منفصلةً سابقةً للصياغةِ — يتضمن مقارنةً دفينةً مع النص الأجنبي؛ فالمترجِم يتكلم لغة بن جونسون، ويستخدم الكلمات القديمة أو الشعرية مثل ye بدلًا من you، وربما للإشارة إلى أن المخاطب «جمع» لا «مفرد» وeve بدلًا من evening في نقل الإيحاء بأن الحمامة التي يخاطبها الشاعر (المغنية) تصدح في هدأة الليل؛ ودليله على ذلك لا يقتصر على كلمة «باتت» بل يدعمه استخدام شوقي للفظ الليل صراحة في بيت لاحق:
مدت إلى الليل جيدًا نافرًا ورمت
إليه أُذْنًا وحارت فيه عيناها.
وهو يضيف صفة للروض meadow تحيله إلى «روض الألحان» أو الروض الذي تتردد فيه الألحان، وإن كانت الإضافة هنا يمكن أن تصل إلى حد الاستعارة كما تقول کریستین بروك روز Christine Brooke-Rose في کتابها «الأسس النحوية للاستعارة» A Grammar of Metaphor، والاستعارة عن طريق الإضافة لست غريبة عن العربية، وكذلك فإن المترجِم يستخدم التركيب الذي اشتهر به مِلتون وهو وضع الموصوف بين صفتين؛ أي تقديم صفة وتأخير أخرى، وربما كان ذلك هنا بسبب ضرورات الوزن والقافية.

الصياغة تفسير

ولكن التفسير في الواقع مرحلة لا تنفصل عن مرحلة الصياغة في الترجمة الأدبية؛ فالمترجِم شأنه في ذلك شأن الشاعر الأصلي، يستكشف معاني القصيدة وصورها في المرحلتين، وهو في مرحلة الصياغة مفسر أيضًا، وإن كانت الصياغة باعتبارها مرحلةً لاحقةً تقتضي أخذ عوامل أخرى في الحسبان، تتعلق في المقام الأول بالجمهور الذي يخاطبه، فمترجِم أبيات شوقي يضع نفسه في الموقع الذي أراده شوقي من سامعيه وهو الانتماء إلى تراث قديم، وتقديم صورة معاصرة له يقربه بها من أفهام سامعيه؛ أي يُحْييه بها، وهذا هو معنى حركة الإحياء أو البعث!

فقارئ الترجمة الإنجليزية سوف يدرك من اختيارات المترجِم للألفاظ والزحافات العَروضية وتلوين القافية أنه إزاء نص قديم، منذ المطلع نفسه الذي يستند فيه المترجم إلى عكس inversion بناء السؤال Ask ye، وهو صيغة استفهام في الأساس، وإن كانت تتضمن هنا معنى الأمر أيضًا؛ فالإنجليزية الحديثة تتوسل بالأفعال المساعدة modal auxiliary مثل do أو can أو may هنا do you ask? ولذلك فإن السؤال الإنكاري الذي يضمر الأمر imperative يعتبر عاملًا من عوامل تحديد الزمان «والمكان» deixis (والصفة منها deictic) وهي عوامل مهمة عند ترجمة نص قديم أو معاصر.
وينطبق ذلك على ترجمة النص المسرحي المعاصر، فالمترجم الذي يختار الفصحى بدايةً لتقريب النص المسرحي إلى القارئ يكون قد حدد الابتعاد الزمني والمكاني عنه، وهذه من أولى الخطوات على طريق خيارات الصياغة، فإذا اختار الفصحى التراثية كان يقول لنا ضمنًا: إنه يعتبر النص قديمًا، ويطلب من القارئ أن يضع ذلك في اعتباره عند قراءته بكل ما يستلزمه ذلك من منهج ثقافي أثري archeological أي منهج استقراء الزمن القديم والمكان الموحي به، لا إدراج النص في سياق خبرة القارئ الواقعية. أما إذا اختار المترجِم اللغة الدارجة (العربية المصرية مثلًا) فإنه يحكم بداية بأن الصورة التي يراها للنص صورة معاصرة؛ أي إن تفسير المترجِم له تفسير معاصر؛ فالمترجم هنا مؤلف بالنيابة vicarious.

٥

التفسير والصياغة مقارنة

ولننظر الآن في مدى التغيير الذي يحدث للنص المترجَم حين يضع المترجِم نفسه في موقع المفسر والصائغ معًا؛ أي حين يرينا في اختياره مدی موازنته بين تفسيره للنص الأجنبي ومدى حرصه على إخراج صورة عربية منه تراعي جمهور الأحياء. هذه أبيات ثمانية من الفصل الثالث في مسرحية تاجر البندقية لشيكسبير يعتبرها النقاد مقطوعة غنائية lyrical وكثيرًا ما يدرجها مؤلفو کتب المختارات في نماذج الشعر الغنائي:
Portia:
How all the other passions fleet to air
As doubtful thoughts, and rash-embraced despair.
And shuddering fear, and green-eyed jealousy!
O Love!
Be moderate; allay thy ecstasy;
In measure rain thy joy; scant this excess.
I feel too much thy blessing; make it less,
For fear I surfeit.
III. ii. 108–115

المعنى الحرفي واضح وهو، نثرًا «انظر» كيف تطير جميع المشاعر الأخرى وتضيع في الهواء؟! مثل الظنون واليأس الذي يعانقه الطيش، والخوف الذي يبعث الرعدة، والغيرة ذات العينين الخضراوين! أيها الحب! کن معتدلًا، وخفف من حدة نشوتك، اقتصد في الفرح الذي تمطره «في نفسي» وقلل من غلوائك، فإن هناءَك يغمرني بإحساس أكبر مما ينبغي، فاقتصد فيه لأنني أخشى التخمة!

وهذا المعنى هو ما أسميته في أول الفصل بالمعنى الإحالي؛ أي ما تدل عليه الألفاظ بتركيباتها القائمة بعد تجريدها من السياق الشعري، أما السياق الشعري فيتضمن إلى جانب ذلك عنصرين لا يمكن تجاهلهما في الشعر، وهما الوزن والقافية. فشيكسبير هنا يقدِّم لنا مقطوعة موزونة مقفاة لا يمكن إدراك معناها الشعري دون أخذ الوزن والقافية في الاعتبار؛ ولذلك فقد لجأ المترجِم عندما وضع نفسه في موضع الشاعر إلى تمثُّل هذين العنصرين، وأتي لنا بالمقابل العربي الذي يتكئ عليهما، ولو ضحی في سبيل ذلك ببعض الصور:

ما عدا الحبَّ من مشاعر ولَّى
ومضى في الهواء مثل الهباء
من ظنونٍ وبعض يأس شرود
أو كخوف وغيرة حمقاء
أيها الحب رحمةً بي ترفَّقْ
لا تُذِبْني بسكرة وانتشاء
أمطرِ الفرحَ بين جنبيَّ لكن
اقتصد وابتعد عن الغلواء
يغمر النفسَ منك فيضُ هناء
وأنا أخشی تخمة الامتلاء

البحر هنا هو الخفيف (فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن) والقافية موحدة، مع نقل التصريع من البيت الأول إلى الأخير، وقد اقتضت الضرورة الشعرية إبراز همزة «الامتلاء» في البيت الأخير، وفيما عدا ذلك لا تتضمن الأبيات من الزحافات والعلل ما يزيد عن المألوف في الخفيف، وأما ما حذفه المترجم فهو صورة عناق الطيش لليأس، وصورة تأثير الخوف أي الرعدة، وإن كان قد استعاض عن الطيش بصفة «الشرود» وعن لون عيني الغيرة بصفة الحمق، مما يعد من قبيل التفسير!

نحن إذن أمام عملين أدبيين بلغتين مختلفتين مهما يبلغ من تماثلهما؛ لأن كلًّا منهما يتوسل بالشفرة الأدبية لكل من اللغتين، ويطوع الموسيقى الشعرية لمقتضيات الجمهور، ويراعي التماثل في الموقف الذي ينعكس في التراكيب. فالبيت الأول يكرر معنى الذهاب في «مضى وولى» ولا بد أنه ينظر إلى قول محمود حسن إسماعيل:

ارفع الرأس يا أخي فلقد ما
تَ وولى زمان الاستعباد
فالتماثل في البحر لا يمكن أن يكون من قبيل المصادفة، والألف الممدودة في القافية (رغم اختلاف الرويِّ) توحي بذلك، و«مضى، وولى» تماثل «مات، وولى» وإن كان التعبير الأخير غريبًا؛ فالميت لا يتحرك! وعلى أي حال؛ فالإيحاء بموسيقى العربية الأصيلة في بحر مركب (أي من غير البحور الصافية التي لا تتغير فيها التفعيلات) يؤكد حالة الاطمئنان التي تريد بورشيا أن تفصح عنها، خصوصًا من خلال تجانس الحركات assonance (ترجمة مجدي وهبة) أو التجانس الصوتي في «الهواء، والهباء» «والظنون، والشرود» وما إلى ذلك، بحيث يمكن للدارس أن يعتبر الترجمة عملًا جديدًا يقف على قدميه، ويقبل المقارنة بالعمل الإنجليزي.

ولكن هذه الترجمة — كما سبق أن ذكرت — تحدِّد ضمنًا زمن القصيدة ومكانها، فكأنما يقول المترجِم لنفسه: لو كنت عربيًّا وكنت أعيش في عصر سابق، ووضعت نفسي في موضع بورشيا فماذا كنت أقول؟ ومعنى ذلك إذن أن تنفتح أمامنا إمكانات إخراج صور أدبية متعددة للنص الواحد، ونحن لا نستطيع قياس مدى نجاحها مستندين فحسب إلى مدى اقترابها من الأصل؛ فذلك هو معيار الترجمة العلمية فقط، ومثَلُها الأعلى هو الإحالة التي تحدَّثْنا عنها في أول الفصل، ولكننا لا بد أن نستخدم معايير أخرى مستقاة من النقد الأدبي وتطبيقاته على اللغة والصياغة.

٦

الترجمة أدب مقارن

ولذلك فالمقارنة بين الترجمات هي أيضًا من مباحث الأدب المقارن، ولننظر الآن في ختام هذا المبحث إلى ترجمات منوعة لحديث عطيل في المشهد الثالث من الفصل الأول من مسرحية «عطيل» ونرى كيف ترجمه نعمان عاشور بالعربية المصرية (الدارجة) وترجمة غيره نثرًا ونظمًا:

Othello:
Her father loved me; oft invited me;
Still question’d me the story of my life,
From year to year, the battles, sieges, fortunes 130
That I have passed.
I ran through it all, even from my boyish days
To the very moment that he bade me tell it;
Wherein I spake of most disastrous chances,
Of moving accidents by flood and field, 135
Of hair-breadth scapes i’ the imminent deadly breach.
Of being taken by the insolent foe
And sold to slavery, of my redemption thence
And portance in my travels’ history;
Wherein of antres vast and deserts idle. 140
Rough quarries, rocks and hills whose heads touch beaven.
It was my hint to speak, — such was the process;
And of Cannibals that each other eat,
The Anthropophagi and men whose heads
Do grow beneath their shoulders.This to hear 145
Would Desdemona seriously incline;
But still the house–affairs would draw her thence
Which ever as she could with haste dispatch,
She’ld come again and with a greedy ear
Devour up my discourse: which I observing 150
Took once a pliant hour, and found good means
To draw from her a prayer of earnest heart
That I would all my pilgrimage dilate.
Whereof by parcels she had something heard.
But not intentively: I did consent, 155
And often did beguile her of her tears.
When I did speak of some distressful stroke
That my youth suffer’d. My story being done.
She gave me for my pains a world of sighs:
She swore, in faith, ’twas strange, ’twas passing strange, 160
‘Twas pitiful, ’twas wondrous pitiful:
She wish’d she had not heard it, yet she wish’d
That heaven had made her such a man: She thank’d me,
And bade me, if I had a friend that loved her,
I should but teach him how to tell my story, 165
And that would woo her. Upon this hint I spoke;
She loved me for the dangers I had pass’d,
And I loved her that she did pity them.
This only is the witchcraft I have used:
Here comes the lady; let her witness sit. 170
I. iii. 127–170

قد يدهش القارئ من إيرادي هذا النص الطويل (٤٤ سطرًا) بدلًا من قطعة قصيرة، والواقع أنني تعمدت ذلك؛ لأنه يمثل لونًا خاصًّا من الكتابة الأدبية وهو أسلوب «السرد الدرامي» وهو نوع جد خاص، يتطلب براعة لا يكاد يتفوق فيها أحد على شكسبير، بمعنى أنه أساسًا أسلوب قصصي، ولكنه مدرج في صلب الحدث الدرامي بحيث يتخد موقفًا وسطًا بين السرد والحوار!

فعطيل هنا يشرح للحاكم كيف أحب ديزدمونة وأحبته، مخصصًا نصف الحديث تقريبًا لما قصه على ديزدمونة من مغامرات الشباب، كأنما ليعيد ما جرى أمام أعيننا، ثم بنى على أساس ذلك إيضاحَه لتأثر ديزدمونة بالقصة حتى إن الحاكم ليبدي إعجابه بها، ويقول: إنها قصة خليقة بأن تستهوي فؤاد ابنته هو نفسه! والنصف الثاني يتضمن روايةً لحديث ديزدمونة من وجهة نظر عطيل، وردَّه على ما قالته؛ أي إنه حوار مروي يصعد إلى ذروةٍ، ويشبه بناؤه بناء الحكاية المستقلة، وإن كان لها مكانها في صلب الحدث الدرامي في المسرحية.

ما هي الاختيارات المتاحة أمام المترجِم إذن؟ إنه سؤال ينتمي أدبيًّا إلى مباحث الأدب المقارن، بل إنه من الأسئلة الثابتة في الأدب المقارن! إن عطيل — كما هو واضح — ذو أسلوب ناضج وصياغة لغوية محكمة، يستخدم الجملة الطويلة حين يضمن متابعة السامع واستغراقه، ثم ينزع إلى تقصير العبارة واستخدام التقديم والتأخير لجذب الانتباه أو للتشويق. وحيله اللغوية كما يقول سلجادو (طبعة سوان للمسرحية) تدل على خبير بفن القول، وعلى أن إيقاع حديثه المنظوم ينهض بمهمة كبرى في توصيل المعنى الدرامي، الذي يصبح في غضون المسرحية معنًى شعريًّا أيضًا فهو عربي فصيح يحيط بفنون البلاغة، ويبرز بين أبطال شيكسبير باعتباره ذلق اللسان ناصع البيان، وما أشبهه بأمير المغرب (الذي سبق لشكسبير تصويره في تاجر البندقية) الذي يفاجئ بورشيا بقوله:

Mislike me not for my complexion,
The shadow’d livery of the burnish’d sun,
To whom I am a neighbour and near bred.
لا تنفري مني لسمرة الأديم إنها
رداء ظل أكتسيه
في حضرة الشمس التي تُشع نارًا
جارتي وبنت موطني!
(الأبيات الأولى من المشهد الأول من الفصل الثاني)

هل يختار المترجم العربية المصرية (الدارجة) لترجمة هذا الشعر؟ هل يقع اختياره على النثر بالفصحى المعْرَبة؟ وكيف يحدد مستوى أسلوبه حتى يحقق مرامي شكسبير؟

إنني لا شك معجب بجرأة نعمان عاشور على الإقدام على ترجمة هذا النص بالعربية المصرية، ولكنني عير معجب باختصاره لهذا الحديث المسهب، وعدم استخدامه لتراث العامية الحافل، ولننظر إذن في البداية إلى الصورة العامية التي قدمها نعمان عاشور، الكاتب المسرحي الفذ، رحمه الله:

عطيل : كان أبوها بيحبني ودايمًا يعزمني ويلح عليَّ أحكي له قصة حياتي سنة ورا سنة … المهالك اللي شفتها … والمعارك اللي خضتها. وكنت باحكي له على كل حاجة. ازاي بقيت أنفد بجلدي على آخر لحظة، ولما أسروني وباعوني في سوق العبيد … والحيوانات والوحوش اللي اتعرضت لها … وكانت ديزدمونة ميالة تسمع حكاياتي، ولو أن مشاغل البيت كانت بتبعدها كتير … لكن كانت ما بِتصدَّق تخلَّصها وتدنها راجعة وودانها مفتحة تلقف اللي أقوله لقف. لدرجة أنها ساعات كانت تعيط على اللي شفته، واللي قاسيته في صِبايا وشبابي — قُصْرُه — حبتني للمخاطرة والأهوال اللي مريت بيها، وأنا حبيتها لأنها كانت بتعطف عليَّهْ، ودا هو النوع الوحيد من السحر اللي استعملته معاها، ومع كلٍّ، أهي جاية وحتسمعوا شهادتها.
(مجلة المسرح، القاهرة، سبتمبر/أكتوبر ١٩٨٤م)
الواضح أن نعمان عاشور هنا قد تأثر بتوفيق الحكيم، فقدَّم لغة وسطى غير معربة، بينما كان توفيق الحكيم يدعو إلى الفصحى المعْرَبة التى «تستفيد» من ثراء العامية، ولكن اللغة الوسطى الذي يستخدمها عاشور تتضمن لكنة أجنبية تبعد بها تمامًا عما كان يسميه محمد مندور بالعامية الجزلة (التي اشتهر بها سعد وهبة مثلًا) لأن عاشور يتردد بين الالتزام بالكلمات الفصيحة، والبناء العامي للجملة، مما جعل الترجمة شبيهة بحديث «الخواجات» «بتبعدها كتير» «كانت تعيط على اللي شفته» ولكن العيب الأساسي هو الاختصار، ومفتاحه كلمة «قُصره» (inshort) غير الموجودة في نص شيكسبير ولا يمكن أن توجد! وهو يكتب النص من جديد بالعامية كأنما يكتب حوارًا في مسرحية واقعية له؛ أي إنه أساء فهم الشفرة الأدبية ﻟ «عطيل» يإحالتها إلى تراث مدرسة أدبية مختلفة، وهو لم يجهد نفسه في تقمص روح النص الأصلي أو تحويل شفرته الخاصة إلى الشفرة العربية المقابلة ولا نقول المماثلة!

وأمامي الآن ترجمتان سأوردهما دون تعليق مسهب، مكتفيًا بهذا التقديم: الأولى من إبداع شاعر فحل هو خليل مطران، وترجمته تنشد الأمانة والصدق في النقل، وهو لا يكاد يخطئ في معنى لفظ واحد رغم أنه كان يترجم عن الفرنسية، وهو إلى ذلك ينجح في تفسير نبرات حديث عطيل، وينقله إلى الشفرة العربية المضاهاة به، وأنا أقول ذلك رغم إدراكي لصعوبة الحكم على التقاليد الأدبية، والأعراف اللغوية التي بعُد العهد بها؛ فقد كان مطران ينتمي إلى جيل شوقي وحافظ والمنفلوطي والرافعي، أرباب الأسلوب الرفيع والصياغة البارعة. وكان يشارك جيل الرواد في صناعة العربية المعاصرة، اشتقاقًا ونحتًا وتعريبًا وترجمة، وكان مثله الأعلى هو المثل الأعلى المطْلَق للبلاغة العربية القديمة، مهما يكن قد بالغ في ذلك بعض الشيء؛ إذ لا بد أن يلاحظ القارئ إحاطة مطران بمصطلح اللغة العربية الأصيل «رقتها لي» و«ثلمة من ثلمات الحصار» و«قالت في بعض ما قالت» وكثرة توسله بالصيغ الدينية التي تمثل جزءًا لا يتجزأ من تراث العربية، «لولا لطف من الله تداركني» و«لأقوام أُخَر جعل الله رءوسهم تحت أكتافهم» بحيث تخرج ترجمته نسيجًا متجانسًا لا حيرة فيه ولا تخبط بين أسلوب وأسلوب، رحم الله مطران.

والترجمة الثانية هي ترجمة جبرا إبراهيم جبرا الذي يكتفى بالمعاني الإحالية للألفاظ، فترجمته ترجمة إحالية، ولا تخلو من أخطاء في فَهْم المعنى، مثل تصوره — رحمه الله — أن floodand field تعني «الفيضانات والحروب»! وهي لا تعني إلا في البحر والبر (وقد وضعها مطران في صورتها القرآنية: فِي البَرِّ والبَحْرِ) وقد شاع استخدامها بعد شكسبير، حتى أصبحتْ من المصطلح العام للغة الإنجليزية!
والمنهج الذي يتبعه جبرا يذكرنا بمنهج مشروع ترجمة شكسبير الذي تبنته جامعة الدول العربية في الترجمة الحرفية التي تصر على تقديم لفظ واحد مقابل كل لفظ، ويدافع عنه حاليًّا مترجمو الأمم المتحدة؛ استنادًا إلى أن ترجمتهم علمية، وأقل ما يقال عن هذا المنهج هو أنه فاسد، فلم يَعُدْ أحد من دارسي اللعة يعتبر الكلمة المفردة وحدةً للتعبير، بل لقد تجاوز بعض العلماء اعتبار الجملة وحدة التعبير، وأجازوا ضم العبارات بعضها إلى البعض إذا اقتضى الأمر ذلك، وقرَّ رأي أساتذة ترجمة الكتاب المقدس (انظر The Poetics of Translation) على ضرورة ضمِّ الآيات بعضها إلى بعض في الترجمة حتى لا يُبتَسَر المعنى، ولم يعارض أحد ذلك!
والأعجب من ذلك أنه عندما حاول «التصرف» في الترجمة، كأن يجد عوضًا عن a world of sighs (عالم أو دنيا من التنهدات، بمعنى زفرات وآهات لا تحصى؛ أي لا أول لها ولا آخر) يجعلها «كافأتني على أتعابي بوابل من التنهدات»! والوابل بعد هو شؤبوب المطر (في العربية التراثية) والكلمة تستخدم في العربية المعاصرة في معانٍ مجازيةٍ غير حسنة مثل «وابل من الرصاص/الطلقات/الشتائم»!

ويكفي هذا التقديم، وسوف أورد النصَّين متقابلين كيما يرى القارئ مدى إبداع مطران نثرًا، ومدى حَرْفية وأخطاء جبرا، ثم أختتم المقال بترجمتي المنظومة للحديث نفسه، وأعتقد أن الصورة الأدبية التي تخرج في كل نص ﻟ «عطيل» العربي تكفي لإثبات ما سعيت لإثباته من انتماء الترجمة الأدبية إلى الأدب المقارن.

خليل مطران جبرا إبراهيم جبرا
كان أبوها يحبني، وكان كثيرًا ما يدعوني فيسألني ترجمتي مفصلةً سنة بسنة، وبيان المكافحات والمحاصرات التي شهدتها، وتعديد ما أحرزته من النصرات، فكنت أجيبه إلى أمنيته حتى لم تبقَ في حياتي كبيرة ولا صغيرة إلا حدثته بها، وذلك منذ نعومة أظفاري إلى اليوم الذي كنت أجالسه فيه.

كان والدها يحبني، وكثيرًا ما يستضيفني.

ويسألني دومًا عن قصة حياتي، من سنة إلى سنة، وما رأيته ١٣٠

من معارك، وحصارات، وتقلبات، فرويت له كل شيء، منذ أيام الصبى،

حتى اللحظة التي طلب فيها إليَّ الكلام.

فمما وصفته له، الطوارئ الرائعة، والفواجع المبكية التي لقيتها برًّا وبحرًا، من مثل ما جرى لي يومًا وقد أوشكت أن أُقتل في ثُلمة من ثُلمات الحصار، لولا لطفٌ من الله تداركني عن قيد شعرة، ومن مثل استئساري يومًا لعدوٍّ وقح باعني بيع الرقيق، ومن مثل شرائي رقبتي، وضروب الغرائب التي صادفتها في أيامي.

فتحدثت عن نوازل جِد رهيبة، وأحداثٍ مثيرةٍ من فيضانات وحروب، ١٣٥

عن النجاة مرارًا بقيد شعرة من الثغرة المهددة بالتهلكة،

عن وقوعي أسيرًا في يد العدو الوقح الذي باعني عبدًا، وكيف افتديت بعد ذلك،

وما فعلته في أيام تجوالي وترحالي،

وكان في خلال إخباري بتلك الوقائع، يدخل في كلامي تصويرُ مفاوز فسيحة، وصحاريَ قاحلة، ومحاجر كالحة، وصخور وجبال تشمخُ بقممها إلى العنان.

فأتيح لي الحديث عن كهوف هائلة، وصحاري خاوية،

عن مقالع وعرة، وصخور، ١٤٠

وشواهق تلامس رءوسها السماء، هكذا كانت حكايتي.

كل هذه الأغراض كانت تمرُّ تباعًا في أقوالي، ناهيكم بمشاهداتي لأكلة اللحوم البشرية، ولأقوام أخر؛ جعل الله رءوسهم تحت أكتافهم.

وعن أكلة البشر الذين يلتهم بعضهم

البعض، والأنثروبوفاجيين، وأناس تطلع

رءوسهم من تحت أكتافهم. بسماع هذا كله ١٤٥

وكانت ديدمونة تسمع هذه الأقاصيص بشغف، سوى أن بعض مشاغل البيت كانت بين آنٍ وآنٍ تضطرها للقيام، فإذا انصرفَتْ لها؛ قضتها بأسرع ما تستطيع، وعادت تشربُ حديثي بأذنٍ ظمأى، فلما لمحتُ ذلك منها استدرجتها ذات يوم في ساعة مناسبة؛ لتسألني أن أقص عليها بالتمام سيرة رحلاتي التي كانت قد سمعت منها نتفًا ولم تتمكن من استتباعها، فأعدت عليها تلك السيرة كما أرادت، وكنت أراها غير مرة تبكي رحمةً لشبابي مما أصابني فيه من الأرزاء الأليمة.

شغفت دزديمونة،

غير أن شئون المنزل، كانت بين الحين والحين

تشغلها عني،

فتفرغ منها بأعجل ما تستطيع؛

لتعود من جديد، وبأذن نهمة

تلتهم حديثي، وأنا عندما لحظت ذلك ١٥٠

اغتنمت ساعة مواتية، تمكنت فيها من أن أستخرج منها رجاءً من القلب

بأن أسرد عليها حكاية ترحالي كلها بتفصيل،

بعد أن كانت قد سمعت منها نتفًا دونما تركيز، ووافقت أنا ١٥٥

وكثيرًا ما استدررت دمعها

وأنا أروي لها عن هذه النكبة أو تلك مما حل بي في شبابي، وكلما انتهت حكايتي

وعندما ختمت قصتي كافأتني عليها بتنهدات لا تحصى، وأقسمت أنها غريبة في الغاية، وأنها محزنة إلى النهاية، بحيث تمنت لو لم تسمعها، على أنها قالت في بعض ما قالت: إنها كانت تود لو خلقها الله رجلًا على هذا المثال، ثم شكرت لي معروفي، وكاشفتني بأنه إذا كان لي صديق يحبني، فحسبي أن أُعلمه كيف يقص ترجمة حياتي لترضى به قرينًا، هذه العبارة جرأتني، فبُحْت لها بما في ضميري، وعلمت منها أنها أحبتني بسبب الأخطار التي عانيتها، وشعرت من نفسي أنني أحببتها لما تبينت من شفقتها عليَّ، ورقَّتها لي، ذلك هو الفن الوحيد الذي توسلت به إليها من أفانين السحر، على أنها قادمة وستسمعون شهادتها.

كافأتني على أتعابي بوابلٍ من التنهدات، وراحت تقسم قائلةً إنها غريبة في منتهى الغرابة، ١٦٠

إنها مؤسية، في غاية الأسى

وتمنت لو أنها لم تسمعها، ولكنها تمنت

لو أن السماء جعلتها رجلًا مثلي، لقد شكرتني،

وطلبت إليَّ إن كان لي صديق يحبها

أن أعلمه كيف يروي قصتي ١٦٥

فيكسب بذلك وُدَّها، فاغتنمت تلك الفرصة، وتكلمت.

لقد أحبتني لما عرفتُ من مخاطر، وأحببتها؛ لأنها أشفقت عليَّ منها، هذا هو السحر الوحيد الذي استخدمته.

وها هي السيدة قادمة، فتشهد على ذلك. ١٧٠

(تدخل ديدمونة.)

وأخيرًا أقدم صورة منظومة لنفس الحديث، لم تنشر بعد، حاولت أن أجمع فيها بين الالتزام بالمعنى وبين سهولة الصياغة التي قصدت بها مخاطبة جمهور اليوم بلغة اليوم، ومحاكاة إيقاعات شيكسبير من خلال الرجز الذي أحيانًا ما يتداخل مع صاحبيه في الدائرة الخليلية، وهما الرمل والهزج، وأحيانًا ما يتحول إلى الكامل:

عطيل :
لكم أحبني أبوها! وكم دعاني للزيارة.
وكان كل مرة يلح أن أقص قصتي عليه،
وما شهدته على مر السنين من معارك،
ومن وقائع الحصار أو تقلُّب القدر. ١٣٠
وقد قصصتها جميعًا منذ أيام الطفولة
للحظة التي رويت فيها هذه الرواية.
حدثته عن الكوارث المربدة التي ادلهمَّت
وما ألمَّ بي من المخاطر المثيرة، في البحر أو في البر، ١٣٥
وعن نجاتي بعدما أصبحت قيد شعرة من الهلاك
قبيل دك قلعة محاصرة،
أو عندما وقعت في أيدي الأعادي الظلمة،
وكيف باعوني بأسواق النخاسة؟
وكيف عندها فديت نفسي؟ وكل ما شاهدت في أسفاري.
حدثته عن شاسع الكهوف أو عن موحش الصحاري، ١٤٠
وعن وعورة المحاجر التي وقعت فيها، والصخور والرواسي التي
تناطح السماء! وهكذا مضيت في روايتي:
حدثته عن آكلي لحوم البشر،
مَن ياكلون بعضهم بعضًا، وعن رجالٍ تنبتُ الرءوس عندهم
تحت المناكب! وشاقٌّ أن تصغي لذاك «ديزدمونة» ١٤٥
لكنَّ شغل المنزل الكثيرَ كان يقتضي انصرافها،
فتنتهي منه بأقصى سرعة
كيما تعود لالتهام ما أقصُّه بأذن نهمة!
وعندما لاحظتُ ذاك رُمْت ساعة مناسبة، ١٥٠
وآنذاك جعلتها تسألني بكل صدقٍ واشتياقٍ
أن أقص رحلتي عليها كاملة
بدلًا من الشذرات والنُّتف التي
سَمِعَت بها في تلكم الأثناء دونما تسلسل!
أجبت سؤلها، وكم نزحت الدمع من عين الفتاة ١٥٥
حين قصصت بعض ما عانيت في صدر الشباب من محن.
وعندما فرغت من روايتي
أخذت أجرًا سابغًا … بحرًا من الزفرات والآهات!
بل أقسمَتْ بأنها حقًّا لقصة غريبة … جدُّ غريبة! ١٦٠
وإنها تذكي مكامن الشجون والأسى!
وقالت: ليت أني ما سمعتها، لكنها تمنَّت
ولو أن ربَّ الكون أبدع خلْقَها رجلًا كمثلي!
وبعد أن أزجَتْ إليَّ الشكر قالت: إنها ترجو
إن كنت أعرف صاحبًا يحبُّها
فما عليَّ إلا أن أعلِّمه ١٦٥
كيف يقص قصتي وسوف ترضى بالزواج منه!
وعندها أفصحتُ عن مشاعري!
لقد أحبتني لما شهدتُه من المخاطر،
أما أنا فعشقت ما أبدته من عطفٍ وإشفاقٍ عليَّ.
لم أستعِن إلا بهذا السحر وحده!
ها قد أتت بنفسها، ولتطلبوا منها الشهادةْ. ١٧٠

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤